رسالة تسالونيكي الأولى – الإصحاح ٢
علامات خدمة بولس
أولًا. بولس يثبت أنَّه كان صادقًا وليس محتالًا.
أ ) الآيات (١-٢): نزاهة خدمة بولس في تسالونيكي.
١لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ تَعْلَمُونَ دُخُولَنَا إِلَيْكُمْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَاطِلًا، ٢بَلْ بَعْدَ مَا تَأَلَّمْنَا قَبْلًا وَبُغِيَ عَلَيْنَا كَمَا تَعْلَمُونَ، فِي فِيلِبِّي، جَاهَرْنَا فِي إِلهِنَا أَنْ نُكَلِّمَكُمْ بِإِنْجِيلِ اللهِ، فِي جِهَادٍ كَثِيرٍ.
- لِأَنَّكُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ: يبدأ هذا القسم بدفاع بولس عن شخصيّته وخدمته أمام أهل تسالونيكي. ليس لأنَّ بولس كان غير متيقّن من خدمته، بل لأنَّ العديدين في تسالونيكي كانوا يناصبونه العداء (أعمال الرسل ٥:١٧-٦ و ١٣:١٧) فشوّهوا سمعته في غيابه، خاصّة بسبب رحيله السريع من تسالونيكي. قال أعداء بولس إنَّه غادر المدينة على عجل لأنَّه جبان لا يهتمّ إلاَّ بنفسه.
- “هذا الكشف عن ذاته لم يحدث لأنَّ أهل تسالونيكي أنفسهم كانوا يشتبهون أو يشكّون في المبشّرين. بل إنَّ بولس يردّ على الهجمات الخبيثة التي يشنّها مروّجو الفضائح خارج الكنيسة بسبب بُغضهم إياه.” هيبرت (Hiebert)
- كتب بولس هنا بطريقة شخصيّة، لكنّ هذه – في الحقيقة – لم تكن مشكلة شخصيّة بالنسبة إلى بولس. فقد كان يعلم أنَّ الأمر مهمّ من أجل الإنجيل. فإذا دمّروا سمعته، فقدت الإنجيل مصداقيته.
- “إنَّ دعوة بولس المؤكَّدة إلى أهل تسالونيكي للشهادة إنَّما فعلت شيئين. في المقام الأوَّل، أظهرت ثقتهم به. فهو لم يخشَ أنْ ينخدعوا بالدعاية المطروحة عليهم. وفي المقام الثاني، أثبتت أنَّ كل الحقائق المطلوبة لتبريره كانت حقائق معروفة لدى الجميع.” موريس (Morris)
- ميّز باركلي (Barclay) التُّهَم الكاذبة التالية الموجَّهة ضد بولس، والتي كانت الواضحة من الطريقة التي وضّح بها بولس دوافعه في هذا الإصحاح:
- “بولس لديه سوابق في الشرطة، وبالتالي فهو غير أهل للثقة” (رسالة تسالونيكي الأولى ٢:٢، حيث تشير «تَأَلَّمْنَا قَبْلًا» إلى سجنه هناك).
- “بولس موهوم” (رسالة تسالونيكي الأولى ٣:٢، «ضَلَالٍ»).
- “خدمة بولس تعتمد على دوافع غير نقية” (رسالة تسالونيكي الأولى ٣:٢، «دَنَسٍ»).
- “بولس يخدع الآخرين عن قصد” (رسالة تسالونيكي الأولى ٣:٢، «بِمَكْرٍ»).
- “بولس يبشّر لإرضاء الآخرين، لا الله” (رسالة تسالونيكي الأولى ٤:٢، «لَا كَأَنَّنَا نُرْضِي ٱلنَّاسَ»).
- “بولس منخرط في الخدمة كمرتزق، لينتفع منها ماديًّا على قدر ما يستطيع” (رسالة تسالونيكي الأولى ٥:٢، ٩، «وَلَا فِي عِلَّةِ طَمَعٍ»).
- “بولس يبحث عن مجده الشخصيّ فقط” (رسالة تسالونيكي الأولى ٦:٢، «وَلَا طَلَبْنَا مَجْدًا مِنَ ٱلنَّاسِ»).
- “بولس عبارة عن دكتاتور” (رسالة تسالونيكي الأولى ٧:٢، «كُنَّا مُتَرَفِّقِينَ فِي وَسَطِكُمْ»).
- دُخُولَنَا إِلَيْكُمْ… لَمْ يَكُنْ بَاطِلًا: كلمة بَاطِلًا هنا يمكن أن تشير إمّا إلى نتيجة الخدمة أو إلى طبيعة الخدمة. ولأنَّه كان واضحًا للجميع أنَّ خدمة بولس في تسالونيكي كانت ناجحة، فمن الأفضل تفسير الكلمة بأنها إشارة إلى طبيعة خدمة بولس. فمجيئه للخدمة وسطهم لم يكن فارغًا أو أجوف، كما لو كان مُجرَّد تاجر أو مندوب مبيعات.
- بَلْ بَعْدَ مَا تَأَلَّمْنَا قَبْلًا وَبُغِيَ عَلَيْنَا كَمَا تَعْلَمُونَ، فِي فِيلِبِّي: بولس يذكّر أهل تسالونيكي بمعاناته في الخدمة. وبواسطة ذلك، أثبت أنَّه ما كان ليستمر في مواجهة الضرب والصراع إن كان يطلب مصلحته الخاصّة. بل عندما وصل بولس إلى أهل تسالونيكي، كانت الجروح التي أصابت ظهره من فيلبّي لا تزال طريّة. فإن كان بولس يستغلّ الخدمة لمصلحته الشخصيّة، لَمَا عرّض نفسه لكل هذا الأذى.· “يسجّل أعمال الرسل ٢٣:١٦-٢٤ أن الآلام قد اشتملت على الجلد عَلانِيَةً ووضع قدميه في المقطرة أثناء حبسه في السجن الداخليّ للمدينة. لم يكن هذا الجلد الرومانيّ مسألة هيّنة؛ بل هي خبرة لا تُنسَى.” هيبرت (Hiebert)
- “نحن نعلم أنَّ الإهانة والاضطهاد يُضعفان، بل ويحطّمان، الحالة النفسية للبشر تمامًا. لذلك فالفضل يرجع إلى الله، أنَّ بولس، رغم أنَّه قاسى شتّى ألوان المصائب والإهانات، إلَّا أنَّه لم يتأثّر، ولم يتردّد في شنّ هجوم على مدينة كبيرة وثريّة بغرض أسر شعبها للمسيح.” كالفن (Calvin)
- جَاهَرْنَا فِي إِلَهِنَا أَنْ نُكَلِّمَكُمْ بِإِنْجِيلِ ٱللهِ، فِي جِهَادٍ كَثِيرٍ: على الرغم مِمَّا قاله بعض مُتّهمي بولس، فإنه لم يكرز بالإنجيل فقط عندما كان الأمر سهلًا أو ملائمًا. لقد كان يعلم معنى أنْ يتحدّث بجرأة عن الربّ حتّى وإن كان ذلك فِي جِهَادٍ كَثِيرٍ.
- جَاهَرْنَا فِي إِلَهِنَا أَنْ نُكَلِّمَكُمْ: “تعود هذه الكلمة إلى كلمتين تعنيان حرفيًّا «كل الكلام». وتشير إلى الحالة الذهنية التي يتدفق فيها الكلام بحرّيّة، والشعور بأنّك مطمئن تمامًا وحرًّا من الإحساس بالتوتر أو الضغط. يشمل هذا الموقف الذهني على الجرأة والثقة على حدٍّ سواء.” موريس (Morris)
- “تشتمل كلمة جهاد (أغون) على استعارة مأخوذة من الألعاب أو الساحة الرياضية. وتعني مكان المسابقة، ثُمَّ المسابقة نفسها – أي السباق أو المصارعة أو المعركة. ومثل هذا الصراع يتضمّن دائمًا مجهودًا مُكثّفًا وجهدًا مُضنيًا ودؤوبًا للتغلب على المعارضة المستميتة أو الخصم الخطير.” هيبرت (Hiebert)
ب) الآيات (٣-٥): نزاهة رسالة بولس في تسالونيكي.
٣لأَنَّ وَعْظَنَا لَيْسَ عَنْ ضَلاَل، وَلاَ عَنْ دَنَسٍ، وَلاَ بِمَكْرٍ، ٤بَلْ كَمَا اسْتُحْسِنَّا مِنَ اللهِ أَنْ نُؤْتَمَنَ عَلَى الإِنْجِيلِ، هكَذَا نَتَكَلَّمُ، لاَ كَأَنَّنَا نُرْضِي النَّاسَ بَلِ اللهَ الَّذِي يَخْتَبِرُ قُلُوبَنَا. ٥فَإِنَّنَا لَمْ نَكُنْ قَطُّ فِي كَلاَمِ تَمَلُّق كَمَا تَعْلَمُونَ، وَلاَ فِي عِلَّةِ طَمَعٍ. اَللهُ شَاهِدٌ.
- لِأَنَّ وَعْظَنَا لَيْسَ عَنْ ضَلَالٍ، وَلَا عَنْ دَنَسٍ: لقد دلّ نقاء رسالة بولس على أنَّه لم يكن هناك ضَلَالٍ ولا دَنَسٍ ولا مَكْرٍ في خدمته. ففي القرن الأوَّل الذي عاش فيه بولس، كان هناك العديد من الديانات المتنافسة، وكان العديدون من خُدّام تلك الديانات مدفوعين بالجشع والمكسب.
- كانت مدينة تسالونيكي تقع على الطريق الإغناطي، وهو الطريق السريع الشهير الذي كان يتّجه من الشرق إلى الغرب عبر مكدونية. وكانت تسالونيكي أيضًا ميناءً مهمًّا وبوتقة انصهرت فيها الثقافات المختلفة من جميع أنحاء العالم. وكان فيها تشكيلة مذهلة من الأديان والمختصّين بالدين. وكان يوجد فيها أيضًا، عبادة الآلهة الأوليمبية، ولا سيما أبولو وأثينا وهرقل، والكثير من الديانات السرّية اليونانيّة القومية، والتي كانت تحتفل بديونيسيوس والجنس والخمر. كما كانت تجمع التقاليد الفكّرية والفلسفية اليونانيّة أيضًا. وكان هناك مزارات للعديد من الآلهة المصرية: مثل إيزيس، وسارابيس، وأنوبيس. وانتشر فيها أيضًا عبادات الدولة الرومانيّة التي كانت تُؤلِّه الأبطال السياسيين في روما. وكان فيها أيضًا من يتقون الله من اليهود والأمم.
- كانت معظم هذه الأديان تهتمّ بالتبشير وتسعى إلى نشر إيمانها باستخدام المبشّرين والوعّاظ الجوّالين. وكانت غالبية هؤلاء المبشّرين انتهازيين، يأخذون كل ما يقدرون عليهم من مستمعيهم، ثُمَّ ينتقلون للعثور على شخص آخر يدعمهم.
- “ربَّما لم توجد أبدًا تشكيلة متنوعة من الطوائف الدينيّة والأنظمة الفلسفية كما كان الحال في أيام بولس… كان هناك ’قِديسين‘ من جميع المذاهب والبلدان، وفلاسفة، وسحرة، ومُنجّمين، ومحتالين، ومختلين عقليًّا؛ وصادقين ومُدلّسين، صالحين ومُنحلّين، نصّابين وأولياء، وكلهم يتنافسون ويتعاركون لجذب اهتمام المؤمنين والمتشككين.” نيل (Neil)، ورد في موريس (Morris)
- يختلف المُفسِّرون حول ما إذا كان الدنس الذي أنكره بولس في تسالونيكي الأولى ٣:٢ يشير إلى نجاسة روحية أم نجاسة جسدية. ويبدو أنَّ السياق يشير بالأكثر إلى نجاسة الدوافع أو الروح، في حين أنَّ الكلمة نفسها تدلّ على النجاسة الأخلاقية والجنسية بصورة خاصّة (وغالبًا ما تظهر في القوائم مع مصطلح العهارة).
- بَلْ كَمَا ٱسْتُحْسِنَّا مِنَ ٱللهِ: استخدم بولس هنا كلمة كانت ترتبط بالرضا أو الموافقة على شخص ما على أنَّه صالح للخدمة العامة. “تمامًا كما كان الأثينيون يخضعون لاختبار لقياس لياقتهم البدنية قبل السماح لهم بتولي المناصب العامة، هكذا خضع المبشّرون للاختبار قبل أنْ يكلّفهم الله بأن يكونوا رسلًا له.” هيبرت (Hiebert)
- هَكَذَا نَتَكَلَّمُ، لَا كَأَنَّنَا نُرْضِي ٱلنَّاسَ بَلِ ٱللهَ ٱلَّذِي يَخْتَبِرُ قُلُوبَنَا: كان بولس يعرف أن إنجيله لن يُرضِي الناس دائمًا، لكنَّه كان يعلم أنَّه مُرضٍ الله.
- حاول بولس أنْ يجعل الإنجيل جذابًا قدر الإمكان، لكنَّه لم يغيّر طبيعته الجوهرية أو نقطة تركيزه قط. فلم يتهاون بولس أبدًا في مسائل مثل حاجة الإنسان، والمخلّص القادم من عند الله، والصليب، والقيامة، والحياة الجديدة.
- “النعمة الحقيقيّة هي ذات طبيعة نبيلة للغاية، غير منحازة، سامية، ولا تقلّل شيئًا من مجهودها، لا خوفًا من عدم رضا الآخرين ولا طمعًا في الحصول على مكافأة.” تراب (Trapp)
- فَإِنَّنَا لَمْ نَكُنْ قَطُّ فِي كَلَامِ تَمَلُّقٍ كَمَا تَعْلَمُونَ، وَلَا فِي عِلَّةِ طَمَعٍ: كان بولس يفهم أنَّ الطمع دائمًا له عِلّة (عباءة في اليونانية). فهم يتخفّون دائمًا في عباءة غرض يبدو نبيلًا في ظاهره. ولكنَّ بولس لم يستخدم كَلَام التَّمَلُّق، الذي كثيرًا ما يكون عباءة تُخفِي في طيّاتها الطمع.
- قال موريس (Morris) بخصوص كَلَام التَّمَلُّق: “تزخر لغتنا بالملاحظات غير الصادقة، التي غرضها دغدغة مشاعر السامعين بالإطراء عليهم. أمَّا المصطلح اليونانيّ فيعني بالأحرى استخدام الكلام الحسن كوسيلة لوصول الإنسان إلى غايته.”
- وقال توماس أيضًا عن الطمع: “Pleonexia (پليؤونيكسيا) هو طلب المصلحة الذاتية بجميع أنواعه، والسعي وراء أي شيء لإشباع الذات. إنَّه ينبع من عدم الاهتمام بحقوق الآخرين على الإطلاق – وهو موقف غريب على بولس ومساعديه.”
- “حيث يغلب الجشع والطموح، يزداد الفساد زيادة لا حدّ لها، ويتحوّل الإنسان كله إلى الغرور. وهذان هما المصدران اللذان ينبع منهما فساد الخدمة بكاملها.” كالفين (Calvin)
- “اسمعوا هذا يا من تكرزون بالإنجيل! أيمكنكم أن تستشهدوا الله على أنَّه لا غرض لكم من الكرازة والخدمة سوى مجده (المتمثّل) في خلاص الأرواح؟ أم أنكم تدخلون الكهنوت من أجل لقمة العيش، أو ما يُسمَّى بالمنصب أو الراتب؟ … هل الله شاهد على أنَّه في كل هذه الأمور، لا يوجد لديكم عباءة (يستتر تحتها) الطمع؟… ولكن ويل لذلك الإنسان الذي يُقدِم على العمل طلبًا في الأجر! فهو لا يعرف المسيح جيدًا. وإن كان لا يعرفه، فكيف يمكنه أن يبشّر به؟” كلارك (Clark)
ج) الآيات (٦-٧): دلّ سلوك بولس اللطيف والمتواضع بين أهل تسالونيكي على أنَّ دوافعه كانت نقيّة.
٦وَلاَ طَلَبْنَا مَجْدًا مِنَ النَّاسِ، لاَ مِنْكُمْ وَلاَ مِنْ غَيْرِكُمْ مَعَ أَنَّنَا قَادِرُونَ أَنْ نَكُونَ فِي وَقَارٍ كَرُسُلِ الْمَسِيحِ. ٧بَلْ كُنَّا مُتَرَفِّقِينَ فِي وَسَطِكُمْ كَمَا تُرَبِّي الْمُرْضِعَةُ أَوْلاَدَهَا.
- وَلَا طَلَبْنَا مَجْدًا مِنَ ٱلنَّاسِ: عندما خدم بولس بين أهل تسالونيكي، لم يكن يهتم بمجده الشخصيّ. ولم يكن بحاجة إلى مقدّمات أنيقة ولا إلى مدح مُبالَغ فيه. فكان إحساسه بالشبع منبعه علاقته مع يسوع، لا مدح الناس.
- لم يكن بولس يطلب المجد (المدح) من الناس لأنَّ احتياجه إلى الأمان والقبول قد تمّ تسديده في يسوع. أي أنَّه لم يقضِ حياته محاولًا أنْ يحصل على رضا الناس. إنَّما كان يخدم بناءً على فهم لهويّته في يسوع.
- “إننا لم نطلب الكرامة أو التقدير أو التصفيق من البشر، ولا نطلبها في الخفايا الداخليّة لأفكارنا أو بدراسة ما يجري في عقولنا، ولا من ملاحظة مجرى خدمتنا ومحادثتنا، لنشكّلها من أجل كسب المجد من الناس. رغم أنَّهم كانوا يستحقّون الكرامة والاحترام من الناس، إلَّا أنَّهم لم يسعوا إلى هذه الأمور. فالكرامة هي التي تلحق البشر، لا العكس.” بوله (Poole)
- مَعَ أَنَّنَا قَادِرُونَ أَنْ نَكُونَ فِي وَقَارٍ كَرُسُلِ ٱلْمَسِيحِ (مَعَ العِلمِ أنَّهُ كَانَ بِإمكَانِنَا، لَوْ أرَدْنَا، أنْ نَسْتَخْدِمَ سُلْطَانَنَا عَلَيْكُمْ كَرُسُلٍ لِلمَسِيحِ): كان بولس يخدم أهل تسالونيكي ليمنحهم شيئًا، لا ليأخذ منهم شيئًا. وهو لم يأتِ مطالبًا بحقوقه كرسول.
- بَلْ كُنَّا مُتَرَفِّقِينَ فِي وَسَطِكُمْ: كان بولس مثل الأم المرضعة، التي لا هدف لها سوى أنْ تعطي لطفلها. وعلى الرغم من أنَّ بعض أهل تسالونيكي قد اتّهموا بولس بأنه يخدم بدافع المصلحة الشخصية، إلَّا أنَّ بولس يطلب ببساطة من المؤمنين في تسالونيكي أن يتذكّروا الرِّفق الذي اتّسمت به خدمته بينهم.
- هناك جدال منطقي حول صحة ترجمة الكلمتين «مُتَرَفِّقِينَ» أو «أطفالًا» في تسالونيكي الأولى ٧:٢. “مهما كانت الترجمة التي تفضّلها، فإنه لا مجال للشكّ في أنَّ بولس يصف خضوعه الطوعيّ لهم.” كالفين (Calvin)
- “ينقسم دفاع بولس عن نفسه إلى شِقّين، شقّ سلبي وآخر إيجابي… فقد كان من عادته أن ينفي الكذب أوّلًا، وبعد إخلاء الساحة، يؤكِّد على الحقّ بطريقة إيجابيّة.” هيبرت (Hiebert)
د ) الآيات (٨-٩): دلّ دعم بولس الذاتي وعمله الشاقّ بين أهل تسالونيكي على أنَّ دوافعه كانت نقيّة.
٨هكَذَا إِذْ كُنَّا حَانِّينَ إِلَيْكُمْ، كُنَّا نَرْضَى أَنْ نُعْطِيَكُمْ، لاَ إِنْجِيلَ اللهِ فَقَطْ بَلْ أَنْفُسَنَا أَيْضًا، لأَنَّكُمْ صِرْتُمْ مَحْبُوبِينَ إِلَيْنَا. ٩فَإِنَّكُمْ تَذْكُرُونَ أَيُّهَا الإِخْوَةُ تَعَبَنَا وَكَدَّنَا، إِذْ كُنَّا نَكْرِزُ لَكُمْ بِإِنْجِيلِ اللهِ، وَنَحْنُ عَامِلُونَ لَيْلاً وَنَهَارًا كَيْ لاَ نُثَقِّلَ عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ.
- كُنَّا نَرْضَى أَنْ نُعْطِيَكُمْ، لَا إِنْجِيلَ ٱللهِ فَقَطْ بَلْ أَنْفُسَنَا أَيْضًا: إنَّ التضحيات التي تحمّلها بولس في سبيل خدمة أهل تسالونيكي لم تكن عبئًا عليه. بل كان بولس راضيًا جدًّا بعمل ذلك لأنَّه كان يحب أهل تسالونيكي كثيرًا، فقد أصبحوا أعزّاء عند بولس ورفاقه.
- كُنَّا حَانِّينَ إِلَيْكُمْ: “هذه كلمات أخذت من فعل نادر جدًّا غامض الأصل. فقد خمّن ڤولينبرغ (Wohlenberg) أنَّه ’مصطلح يدلّ على المعزّة مُشتَقّ من لغة الأطفال.‘ ولكن بغضّ النظر عن أصله، فإنه يدلّ على المودّة الحنونة ومشاعر الشوق الرقيقة التي شعر به المبشّرون تجاه أطفالهم الروحيّين في تسالونيكي.” هيبرت (Hiebert)
- بَلْ أَنْفُسَنَا أَيْضًا: لقد كانت كرازة بولس فعّالة لأنَّه لم يُعطِهم بالإنجيل فحسب، بل قدّم لهم نفسه أيضًا (بَلْ أَنْفُسَنَا أَيْضًا – أي حياتنا)، وكان عطاؤه بدافع المحبّة (لِأَنَّكُمْ صِرْتُمْ مَحْبُوبِينَ إِلَيْنَا).
- لقد قيل إنَّ الناس لا يهتمون بمقدار ما تعرفه، حتّى يعرفوا مقدار اهتمامك. إنَّ بولس قد قدّم إلى أهل تسالونيكي رعايته ومعرفته على حدٍّ سواء.
- فَإِنَّكُمْ تَذْكُرُونَ أَيُّهَا ٱلْإِخْوَةُ تَعَبَنَا وَكَدَّنَا: لقد أثبت بولس حقّه في الحصول على الدعم من أولئك الذين يخدمهم (كورنثوس الأولى ١٤:٩)، لكنَّه تخلى طوعًا عن هذا الحقّ ليتميّز عن مبشّري الديانات الخاطئة. فحرم بولس نفسه من حقوقه وفرض على نفسه مستوى أعلى.
- يعني بولس بكلمة «لَيْلًا وَنَهَارًا» أنَّه كان يبدأ العمل قبل الفجر. فاستخدام هذه الكلمة منتظم ومتكرّر. لا شكّ أنَّه كان يبدأ مبكّرًا كي يستطيع تكريس جزء من النهار للكرازة.” موفات (Moffatt) نقلًا عن رامزي (Ramsay)
- “لا مجال للشكّ في وجود دافع نبيل وخاصّ، دفعه إلى الامتناع عن المطالبة بحقوقه، لأنَّه كان يمارس الامتياز الممنوح له في الكنائس الأخرى كما كان يفعل غيره.” كالفين (Calvin)
هـ) الآيات (١٠-١٢): يدلّ سلوك بولس ورسالته إلى أهل تسالونيكي على استقامته أمام الله والإنسان.
١٠أَنْتُمْ شُهُودٌ، وَاللهُ، كَيْفَ بِطَهَارَةٍ وَبِبِرّ وَبِلاَ لَوْمٍ كُنَّا بَيْنَكُمْ أَنْتُمُ الْمُؤْمِنِينَ. ١١كَمَا تَعْلَمُونَ كَيْفَ كُنَّا نَعِظُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ كَالأَبِ لأَوْلاَدِهِ، وَنُشَجِّعُكُمْ، ١٢وَنُشْهِدُكُمْ لِكَيْ تَسْلُكُوا كَمَا يَحِقِّللهِ الَّذِي دَعَاكُمْ إِلَى مَلَكُوتِهِ وَمَجْدِهِ.
- أَنْتُمْ شُهُودٌ، وَٱللهُ، كَيْفَ بِطَهَارَةٍ وَبِبِرٍّ وَبِلَا لَوْمٍ كُنَّا بَيْنَكُمْ أَنْتُمُ ٱلْمُؤْمِنِينَ: من المُبهِر أنَّ بولس يستطيع أن يستشهد بحياته كقدوة بكلّ عفويّة. فلم يكن بولس مضطرًّا أن يقول: ’من فضلكم لا تنظروا إلى حياتي. بل انظروا إلى يسوع.‘ فقد أراد بولس من الناس أن ينظروا إلى يسوع، ولكن أمكنه أيضًا أن يطلب منهم أن ينظروا إلى حياته، لأنَّ قوّة يسوع كانت حقيقيّة في حياته.
- كما سبق ورأينا في تسالونيكي الأولى ٦:١، كان بولس مرتاحًا لفكرة أنْ يقتدي المؤمنون الآخرون به كمثالٍ. وهو قد كـرّر نفس الفكرة في مقاطع مثل رسالة فيلبّي ١٧:٣ و كورنثوس الأولى ١:١١.
- هذا هدف نبيل لأي مؤمن اليوم؛ أنْ نعيش حياة تُعلِن كَيْفَ بِطَهَارَةٍ وَبِبِرٍّ وَبِلَا لَوْمٍ كُنَّا [نسلك] بَيْنَ الآخرين. فهذا هو أسلوب الحياة الذي يجذب الآخرين لاتّباع يسوع.
- كَيْفَ كُنَّا نَعِظُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ … لِكَيْ تَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلهِ: لقد عاش بولس نفسه بِبِرٍّ وَبِلَا لَوْمٍ، لكنَّه أوصى أهل تسالونيكي أيضًا بضرورة أن ينهجوا على نفس المنوال. وقد استطاع أنْ يطلب منهم أن يَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلهِ لأنَّ حياته كانت في توافق مع رسالته التي يعظ بها.
ثانيًا. المزيد من الشكر على العمل الذي عمله الله في أهل تسالونيكي
أ ) الآية (١٣): بولس يشكرهم على قبولهم للإنجيل كرسالة إلهية، لا كرسالة بشرية.
١٣مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ نَحْنُ أَيْضًا نَشْكُرُ ٱللهَ بِلَا ٱنْقِطَاعٍ، لِأَنَّكُمْ إِذْ تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا كَلِمَةَ خَبَرٍ مِنَ ٱللهِ، قَبِلْتُمُوهَا لَا كَكَلِمَةِ أُنَاسٍ، بَلْ كَمَا هِيَ بِٱلْحَقِيقَةِ كَكَلِمَةِ ٱللهِ، ٱلَّتِي تَعْمَلُ أَيْضًا فِيكُمْ أَنْتُمُ ٱلْمُؤْمِنِينَ.
- لِأَنَّكُمْ إِذْ تَسَلَّمْتُمْ … كَلِمَةَ … ٱللهِ: كان بولس يؤمن ويعلّم الآخرين بجدّيّة أنَّ الله قد خاطب البشر وأننا قد سجّلنا كلمة الله هذه. فكان بولس يؤمن بصوت يكلّم البشر بسلطان أبديّ، بصوت يتحدّث أعلى من الرأي البشري. وحيث أنَّ لنا كلمة الله هذه، فعندنا صوت حقيقيّ له سلطة.
- يروق لبعض الناس أن يقولوا إنَّ كلمة الله موجودة، لكن لا يمكننا التأكُّد مِمَّا يقوله الله. وعندما نستشهد بالكتاب المُقَدَّس، فإنهم يردّون: ’هذا مُجرَّد تفسيرك الشخصي.‘ صحيح أن هناك بعض المقاطع الكتابية التي يصعب فيها تفسير كلمة الله بدقّة، لكنها ليست كثيرة. فإن كنا لا نعرف ما قاله الله، فكأنه لم يتكلم على الإطلاق.
- قَبِلْتُمُوهَا لَا كَكَلِمَةِ أُنَاسٍ، بَلْ كَمَا هِيَ بِٱلْحَقِيقَةِ كَكَلِمَةِ ٱللهِ: لقد قبل أهل تسالونيكي كلمة الله كَمَا هِيَ بِٱلْحَقِيقَةِ. فبولس لم يقدّمها ككلمة بَشَرٍ، وأهل تسالونيكي قبلوها كَكَلِمَةِ ٱللهِ.· لا يقبل الجميع هذه الرسالة باعتبارها كَلِمَة ٱللهِ. ولكن عندما لا يقبلونها، فهذا ينعكس عليهم بالسلب، لا على الرسالة. “صحيح أنّك لا تميّز الأشياء الروحيّة؛ لكنَّ هذا ليس دليلًا على عدم وجودها. فالقضية برُمّتها تشبه قضية الإيرلندي الذي حاول أن ينفي أدلة الإثبات بإبراز أدلة نفي. فقد رآه أربعة شهود يرتكب جريمة قتل. أمَّا هو فأنكر أنَّه مذنب، وحاول إثبات براءته، وذلك بأن أحضر أربعين شخصًا لم يروه وهو يقتل. ولكن ما الفائدة من ذلك؟ إذا أعلن أربعون شخصًا أنَّ قوّة الروح القُدُس لا تصاحب كلمة الله، فهذا لا يثبت إلاَّ أنَّ الأربعين شخصًا لا يعرفون ما يعرفه الآخرون.” سبيرجن (Spurgeon)
- ٱلَّتِي تَعْمَلُ أَيْضًا فِيكُمْ أَنْتُمُ ٱلْمُؤْمِنِينَ: ثقة بولس في كَلِمَة ٱللهِ لم تكن عن رغبة أو إيمان أعمى. فقد أمكنه أن يرى أنَّها تَعْمَلُ بشكل فعّال في ٱلْمُؤْمِنِينَ. فكلمة الله تَعْمَلُ؛ فهي لا تزوّدنا بالمعلومات أو تثير مشاعرنا فقط. وهناك قوّة في كَلِمَة ٱللهِ قادرة على تغيير حياة البشر.
- “عادةً ما يتمّ التعبير عن عمل الله القويّ بهذه الطريقة، كما في رسالة أفسس ١٩:١؛ رسالة فيلبّي ١٣:٢؛ وعمل الشيطان أيضًا له تعبيره الخاص، كما في رسالة أفسس ٢:٢. فالناس الذين يمتلكهم الشيطان يُدعَون energumeni (إنيرغوميني). وحيث تُقابَل الكلمة بالإيمان والقبول على أنَّها كلمة الله، يكون لها هذه الطاقة، أي تعمل بشكل فعّال، وذلك من أجل الحضّ على المحبّة والتوبة، وإنكار الذات وإماتتها، والتعزية والسلام.” بوله (Poole)
ب) الآيات (١٤-١٦): رحّب أهل تسالونيكي بالألم عندما قبلوا بالكلمة، ووقفوا صامدين.
١٤فَإِنِّكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ صِرْتُمْ مُتَمَثِّلِينَ بِكَنَائِسِ اللهِ الَّتِي هِيَ فِي الْيَهُودِيَّةِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، لأَنَّكُمْ تَأَلَّمْتُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا مِنْ أَهْلِ عَشِيرَتِكُمْ تِلْكَ الآلاَمَ عَيْنَهَا، كَمَا هُمْ أَيْضًا مِنَ الْيَهُودِ، ١٥الَّذِينَ قَتَلُوا الرَّبَّ يَسُوعَ وَأَنْبِيَاءَهُمْ، وَاضْطَهَدُونَا نَحْنُ. وَهُمْ غَيْرُ مُرْضِينَ للهِ وَأَضْدَادٌ لِجَمِيعِ النَّاسِ. ١٦يَمْنَعُونَنَا عَنْ أَنْ نُكَلِّمَ الأُمَمَ لِكَيْ يَخْلُصُوا، حَتَّى يُتَمِّمُوا خَطَايَاهُمْ كُلَّ حِينٍ. وَلكِنْ قَدْ أَدْرَكَهُمُ الْغَضَبُ إِلَى النِّهَايَةِ.
- لِأَنَّكُمْ تَأَلَّمْتُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا… تِلْكَ ٱلْآلَامَ عَيْنَهَا: عندما تجاوب أهل تسالونيكي مع الإنجيل، أصبحوا هدفًا للاضطهاد. وهم إذ فعلوا ذلك، لم يكونوا وحدهم، لأنَّ الكثير من كَنَائِسِ ٱللهِ قد عانت من الاضطهاد. فأصبح مؤمنو تسالونيكي مُتَمَثِّلِينَ بمن تألّموا من قبلهم.
- قد تألّم أهل تسالونيكي تِلْكَ ٱلْآلَامَ عَيْنَهَا عن طيب خاطر لأنهم كانوا مقتنعين بأنّ بولس لم يأتهم بكلمة بشر بل بكلمة الله. فكلمة البشر لا تستحقّ التألُّم، أمَّا الرسالة الحقيقيّة من الله فتستحقّ المعاناة.
- كلمة ’كَنَائِسِ‘ هي كلمة يونانيّة قديمة ekklesia (إنكليسيا). وهي لم تكن كلمة ذات طابع دينيّ على وجه التحديد. ولقد أعرض المسيحيّون عن العديد من الكلمات اليونانيّة التي كانت تستخدم عادة للدلالة على التجمعات الدينية. “المغزى من ذلك هو أنَّ المسيحيّة ليست مُجرَّد ديانة أخرى. فلا ينبغي تسميتها بأي من الكلمات التي تنطبق على الأديان بشكل عام [في ذلك الزمان].” موريس (Morris)
- ٱلَّذِينَ قَتَلُوا ٱلرَّبَّ يَسُوعَ وَأَنْبِيَاءَهُمْ، وَٱضْطَهَدُونَا نَحْنُ: عزّى بولس هؤلاء المؤمنين المتألّمين بالتأكيد على أنَّهم ليس أوَّل من يتألّم بهذه الطريقة. فقد تعرّض ٱلرَّبّ يَسُوعَ للاضطهاد، وكان المؤمنون في ٱلْيَهُودِيَّةِ أوّل من تعرّض لذلك. إضافةً إلى ذلك، بولس ورفاقه اضطُهِدوا أيضًا.
- ٱلَّذِينَ قَتَلُوا ٱلرَّبَّ يَسُوعَ: كتب بولس هنا أن أبناء بلده (أهل ولاية ٱلْيَهُودِيَّةِ) قد قَتَلُوا ٱلرَّبَّ يَسُوعَ. لكنَّ بولس كان يعلم تمام العِلم أنَّ يهود منطقة اليهودية لم يكونوا هم وحدهم المسؤولين عن مقتل يسوع؛ فالرومان هم أيضًا مذنبون. لذلك فإنَّ كلًا من اليهود والأُمَم مذنبون.
- وَهُمْ غَيْرُ مُرْضِينَ لِلهِ وَأَضْدَادٌ لِجَمِيعِ ٱلنَّاسِ: لقد عزّى بولس مؤمني تسالونيكي أيضًا بلفت نظرهم إلى أنَّهم على صواب، وأنهم هم الذين يرضون الله. وكان هذا ضمانًا ضروريًّا لأنهم كانوا يتعرّضون للاضطهاد على أيدي ناس متديّنين، ولعَلَّهم يتساءلون إذا كان هؤلاء المتديّنون على حقّ أمام الله في اضطهادهم.
- يَمْنَعُونَنَا عَنْ أَنْ نُكَلِّمَ ٱلْأُمَمَ لِكَيْ يَخْلُصُوا، حَتَّى يُتَمِّمُوا خَطَايَاهُمْ كُلَّ حِينٍ: كشف بولس هنا عمّا أثار سخط المضطهدين المتديّنين بسبب أهل تسالونيكي إلى تلك الدرجة. لقد استاؤوا من إمكانية خلاص الأُمَم دون أن يتهوّدوا أوّلًا. وهذا الموقف الاحتكاري قد تمّم كيل خطاياهم.
- “إنَّ معارضة اليهود لعمل المبشّرين بين الأُمَم لم تكن بسبب أنَّهم كانوا يسعون إلى ربح الأُمم. فقد انهمك اليهود أنفسهم – وبقوّة – في تلك الفترة من التاريخ في تهويد الأُمَم بنشاط. إنَّما كانت معارضتهم الشديدة ترجع إلى أنَّ المبشّرين عرضوا الخلاص على الأُمَم دون مطالبتهم بالتهوُّد أوّلًا.” هيبرت (Hiebert)
- “تشير ’خطاياهم‘ بالجمع إلى مجموع أعمالهم الشريرة المنفردة، وليس إلى المفهوم التجريدي العام ’للخطيّة.‘” موريس (Morris)
- وَلَكِنْ قَدْ أَدْرَكَهُمُ ٱلْغَضَبُ إِلَى ٱلنِّهَايَةِ: لقد عزّى بولس أهل تسالونيكي بطمأنتهم بأنّ الله سيتكفَّل بأمر مضطهديهم. فعندما ينسى المؤمنون هذا، فإنهم كثيرًا ما يجلبون العار والبلاء على أنفسهم بالرد على اضطهاد الآخرين لهم باضطهاد الآخرين.
- “جرائمهم كانت جسيمة. لذلك كان العقاب يتناسب مع جسامتها. ونحن نعجز عن فهم الغاية التي حفظهم الله من أجلها متميّزين عن باقي شعوب الأرض الذين يقيمون بينهم؛ ولكن لا بُدّ أن تكون تلك الغاية ذات أهمّيّة قصوى. ولكن في هذه الأثناء، ليعاملهم العالم المسيحيّ بإنسانية ورحمة.” كلارك (Clark)
- “يجب أن نلاحظ، في الوقت نفسه، أنَّ غضب بولس هو غضب إنسان على بني أمّته، على شعبه. فهو جزء لا يتجزّأ منهم، وهو حزين على مصيرهم.” موريس (Morris)
ج) الآيات (١٧-٢٠): بولس يفسّر سبب غيابه عن أهل تسالونيكي.
١٧وَأَمَّا نَحْنُ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، فَإِذْ قَدْ فَقَدْنَاكُمْ زَمَانَ سَاعَةٍ، بِالْوَجْهِ لاَ بِالْقَلْبِ، اجْتَهَدْنَا أَكْثَرَ، بِاشْتِهَاءٍ كَثِيرٍ، أَنْ نَرَى وُجُوهَكُمْ. ١٨لِذلِكَ أَرَدْنَا أَنْ نَأْتِيَ إِلَيْكُمْ أَنَا بُولُسَ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ. وَإِنَّمَا عَاقَنَا الشَّيْطَانُ. ١٩لأَنْ مَنْ هُوَ رَجَاؤُنَا وَفَرَحُنَا وَإِكْلِيلُ افْتِخَارِنَا؟ أَمْ لَسْتُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا أَمَامَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ فِي مَجِيئِهِ؟ ٢٠لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ مَجْدُنَا وَفَرَحُنَا.
- قَدْ فَقَدْنَاكُمْ زَمَانَ سَاعَةٍ، بِٱلْوَجْهِ لَا بِٱلْقَلْبِ، ٱجْتَهَدْنَا أَكْثَرَ، بِٱشْتِهَاءٍ كَثِيرٍ، أَنْ نَرَى وُجُوهَكُمْ: كان بولس يعلم أنَّ أهل تسالونيكي يُقدّرون التعزية التي قدّمها لهم، لكنهم كانوا يتساءلون عن سبب غيابه وعدم إحضار هذه التعزية شخصيًّا. وقد كانوا يعتقدون – بطبيعة الحال – أنَّ ذلك سيكون أفضل بكثير. لكنَّ بولس أكّد لهم أنَّ السبب لم يكن نقص المحبّة أو الرغبة من جانبه.
- أَرَدْنَا أَنْ نَأْتِيَ إِلَيْكُمْ… وَإِنَّمَا عَاقَنَا ٱلشَّيْطَانُ: لم يمتنع بولس عن زيارة أهل تسالونيكي. إنَّما ٱلشَّيْطَانُ هو الذي أعاق بولس ورفاقه. وأكّد بولس لأهل تسالونيكي أنَّه كان يرغب في أن يكون معهم، لكنَّ الشيطان أعاقه، ولقد حدث هذا مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ (مرارًا وتكرارًا).
- كان غالبية كنيسة تسالونيكي من المؤمنين غير اليهود، لكن عندما ذكر بولس ٱلشَّيْطَانُ هنا، لم يقدّم أي تفسير إضافي. وهذا دليل على أنَّه في الأسابيع القليلة التي قضاها مع أهل تسالونيكي، علّمهم بولس الكثير عن الشيطان والحرب الروحيّة.
- وَإِنَّمَا عَاقَنَا ٱلشَّيْطَانُ: إنَّ بولس، مع كل خدمته وسلطته الرسوليّة، ظلّ عُرضَة لإعاقة الشيطان. ولكنَّ بولس لم يستسلم لهذا العائق الشيطاني وكأنه قضاء وقدر. بل فعل شيئًا للتغلّب على العائق.
- أوّلًا، فهم بولس أنَّ هذا العائق كان من الشيطان. وكان يعلم أنَّ هذا ليس ظرفًا عشوائيًا، بل هجومًا مباشرًا من إبليس. إذ كان بولس يملك القدرة على تمييز ذلك.
- ثانيًا، كان بولس صاحب إيمان. فمعنى «زَمَان سَاعَةٍ» (أي وقت قصير) هو أنَّ بولس كان يعلم أنَّ الأمر لن يستغرق سوى وقت قصير حتّى يتمكّن من التغلّب على العائق.
- ثالثًا، كان بولس مصمّمًا على محاربة العقبة بأي طريقة ممكنة. فإن لم يكن هناك بشحمه ولحمه، ستنوب عنه رسالته الموجَّهة إليهم، فتعلّمهم وتشجّعهم في غيابه. ويعتقد العديدون من العلماء أنَّ رسالة إلى أهل تسالونيكي هي الرسالة الأولى التي كتبها بولس كرسول إلى كنيسة. وإذا كان الأمر كذلك، فإنَّ عائق الشيطان هو الذي قد حفّز بولس على البدء في كتابة الرسائل إلى الكنائس. وعندما رأى الشيطان العملَ العظيم الذي أنجزه الله بواسطة هذه الرسائل، ندم على أنَّه أعاق بولس من الأساس.
- وأخيرًا، أتى الله بالانتصار. يصف أعمال الرسل ١:٢٠-٥ عودة بولس أخيرًا إلى أهل تسالونيكي والكنائس الأخرى في المنطقة.
- “لنفترض أننا تأكّدنا من أنَّ العوائق التي تعترض طريقنا هي فعلًا من الشيطان، فماذا إذًا؟ ليس عندي إلاَّ نصيحة واحدة، وهي إكمال المشوار، مع وجود العائق أو في غيابه، والمثابرة في أداء الواجب على قدر ما يمكّنك الله الروح القدس.” سبيرجن (Spurgeon)
- لِأَنْ مَنْ هُوَ رَجَاؤُنَا وَفَرَحُنَا وَإِكْلِيلُ ٱفْتِخَارِنَا؟ أكّد بولس لأهل تسالونيكي أنَّه لا يمكن أن ينساهم أبدًا؛ لأنهم كانوا مجده وفرحه. فلا ينبغي اعتبار عجزه على الزيارة قِلّة محبّة منه تجاه أهل تسالونيكي.
- لعَلَّ بولس يقول إنَّه ليس بحاجة إلى إكليل في السماء لأنَّ هؤلاء الأعزّاء هم أكليل انتصاره. فأولئك الذين نأتي بهم إلى يسوع ونتلمذهم هم إكليل انتصار لنا.
- “كل إنسان يبشّر بالإنجيل يجب أن يقرأ هذا الإصحاح ويتفحّصه بعناية. إنَّ معظم الوعّاظ، عند قراءتهم هذا الكلام بضمير حيّ، إمّا يتخلّون عن مكانهم لغيرهم، أو يعقدون العزم على تتميم عمل الربّ بحماس أكبر في المستقبل.” كلارك (Clark)