رسالة كورنثوس الأولى – الإصحاح ١٦
التقدمة والخاتمة
أولًا. جمع التبرعات للكنيسة في أورشليم
أ ) الآيات (١-٢): أخذ التقدمة.
١وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْجَمْعِ لأَجْلِ الْقِدِّيسِينَ، فَكَمَا أَوْصَيْتُ كَنَائِسَ غَلاَطِيَّةَ هكَذَا افْعَلُوا أَنْتُمْ أَيْضًا. ٢فِي كُلِّ أَوَّلِ أُسْبُوعٍ، لِيَضَعْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عِنْدَهُ، خَازِنًا مَا تَيَسَّرَ، حَتَّى إِذَا جِئْتُ لاَ يَكُونُ جَمْعٌ حِينَئِذٍ.
- وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ: يستخدم بولس هذا التعبير مرة أخرى في هذه الرسالة (أنظر كورنثوس الأولى ١:٧، ١:٨، ١:١٢). مما يعني أنه كان يجيب على سؤال وُجِهَ إليه من مؤمني كورنثوس.
- الْجَمْعِ لأَجْلِ الْقِدِّيسِينَ: يشير بولس هنا إلى التبرعات التي جمعها من أجل الْقِدِّيسِينَ في أورشليم. وقد تمت الإشارة في عدة مواضع إلى هذا الجهد المبذول لمساعدة القديسين المحتاجين في أورشليم (أعمال الرسل ٢٧:١١-٣٠، ١٧:٢٤، رومية ٢٦:١٥، كورنثوس الثانية ١٣:٨، ٩:٩-١٢).
- فَكَمَا أَوْصَيْتُ كَنَائِسَ غَلاَطِيَّةَ: أشار بولس إلى ما كان في قلبه تجاه الفقراء المؤمنين في أورشليم في غلاطية ٩:٢-١٠. “إن تخفيف أعباء أعضاء الكنيسة الفقراء هو واجب أخلاقي وذبيحة مقبولة مرضية عند الله، فيلبي ١٨:٤، ويجب أن يعمل إيماننا بهذا النوع من المحبة.” بووله (Poole)
- لماذا كانت الكنيسة في أورشليم آنذاك تعاني من الاحتياج الشديد؟ ربما كان هناك أسباب عديدة لذلك، منها أنهم كانوا يعولون عددًا كبيرًا من الأرامل (أعمال الرسل ١:٦-٦)، كما كان هناك جوع عظيم في تلك الأيام (أعمال الرسل ٢٧:١١-٣٠).
- لقد امتاز المسيحيون بشكلٍ عام بتقديم مثل هذه الخدمات العملية. فعلى سبيل المثال، سُمِي الصليب الأحمر بهذا الاسم لأنه بدأ كهيئة مسيحية.
- اعتقد البعض أنه نظرًا إلى أنه قد طُلب من المؤمنين مساعدة الفقراء، وخاصة المؤمنين منهم، فهذا أهم من دعم خُدام الإنجيل. ولكن بولس يتحدث في تيموثاوس الأولى ٥ عن مسئولية الكنيسة تجاه إكرام الأرامل، ويشير إلى أنه يجب أن يحصل خُدام الإنجيل على كرامة مُضاعفة. لذا فإن مسئولية المؤمنين في مساعدة الفقراء لا ينبغي أن تكون على حساب مسئوليتهم في دعم خُدام الإنجيل.
- الْجَمْعِ لأَجْلِ الْقِدِّيسِينَ: مبادئ عامة من الكتاب المقدس عن دعم الفقراء في الكنيسة.
- قد يتسبب توزيع التبرعات للصراع والانقسام، لذا فمُهِمة الشمامسة في الكنيسة منع مثل هذه المشاكل بحكمة وبقيادة من الروح القدس (أعمال الرسل ١:٦-٧).
- الكنيسة ملزمة بمساعدة المحتاجين (يعقوب ٢٧:١).
- على الكنيسة أن تُميّز الاحتياج الحقيقي (تيموثاوس الأول ٣:٥).
- إذا كان بوسع الشخص أن يعول نفسه، فهو لا يحتاج إلى دعم الكنيسة وعليه أن يوفر احتياجاته الخاصة (تسالونيكي الثانية ١٠:٣-١٢، تيموثاوس الأولى ٨:٥، تسالونيكي الأولى ١١:٤).
- إذا كان بإمكان الشخص أن يحصل على الدعم من أسرته، فهو لا يحتاج إلى دعم الكنيسة (تيموثاوس الأولى ٣:٥-٤).
- يجب على أولئك الذين تدعمهم الكنيسة أن يردوا بعض الشيء للجسد الواحد (تيموثاوس الأولى ٥:٥، ١٠).
- مِن حق الكنيسة أن تفحص السلوك الأخلاقي للأشخاص قبل تقديم الدعم لهم (تيموثاوس الأولى ٩:٥-١٣).
- يجب أن يكون دعم الكنيسة مُوجَّه لتسديد الاحتياجات الأساسية للمعيشة (تيموثاوس الأولى ٨:٦).
- الْجَمْعِ لأَجْلِ الْقِدِّيسِينَ: الكلمة اليونانية القديمة لكلمة ’الْجَمْعِ‘ هي (Logia)، وهي تَعني ’جمع إضافي‘ أي أنه لم يكن إلزاميًا. لم يكن هذا الجمع ’ضريبة‘ مفروضة على مؤمني كورنثوس، بل كان لهم مُطلق الحرية في الدفع بحسب توجُّه قلوبهم.
- من المُحتمل أيضًا أن ’الجمع‘ كان يشير إلى تقدمة إضافية تختلف عن التقدمات المعتادة. وربما كان بولس يتلقى تقدمات خاصة من أجل فقراء أورشليم.
- فَكَمَا أَوْصَيْتُ كَنَائِسَ … هكَذَا افْعَلُوا أَنْتُمْ أَيْضًا: لم يكن هذا خيارًا بالنسبة لبولس. كان مؤمنو كورنثوس مسئولين عن جمع تقدمات لتسديد احتياجات الفقراء المؤمنين في أورشليم. فلم يكن بإمكانهم القول: “إن المال ليس أمرًا روحيًا، سنكتفي بالصلاة من أجلهم.”
- إن هذه الوصية مقرونة بفكرة “الجمع الإضافي” وتوضح إنهم أُوصوا بجمع العطايا، لكن الأمر ليس إلزامًا على كل مؤمن ما لم يكن الله قد وضع في قلبه أن يعطي.
- فِي كُلِّ أَوَّلِ أُسْبُوعٍ: أراد بولس أن تُقدم عطاياهم بشكل منظم غير عشوائي، لذلك أوصاهم أن يتلقوا العطايا عندما يجتمعون للعبادة وسماع الكلمة.
- فِي كُلِّ أَوَّلِ أُسْبُوعٍ: يُشير هذا التعبير أيضًا إلى حقيقة أن المؤمنين الأوائل كانوا يجتمعون يوم الأحد، وليس السبت. فهم لم يكونوا ضد فكرة الاجتماع يوم السبت، فقد عرفوا أن كل الأيام سواء عند الرب (كولوسي ١٦:٢-١٧)، لكنهم أرادوا الاحتفال باليوم الذي قام فيه يسوع من بين الأموات (لوقا ١:٢٤).
- “من الواضح أنه، منذ ذلك الحين، لم تكن الكنائس تجتمع في ذلك اليوم؛ ولم نقرأ في الكتاب المقدس عن اجتماع للمؤمنين للعبادة الدينية في أي يوم آخر.” بووله (Poole)
- كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ: مَن كان مُلزَم بالعطاء؟ كُلُّ وَاحِدٍ، فقد رأى بولس أنه ينبغي على كل مؤمن أن يُعطي، متمثلًا بالله نفسه. (يوحنا ١٦:٣).
- يَضَعْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عِنْدَهُ، خَازِنًا: تتضمن هذه العبارة فكرة القدوم إلى الكنيسة بالعطايا المُعَدَة مُسبقًا. بمعنى آخر، يجب أن تبحث مع الله أمر تقدمتك وتقوم بإعدادها قبل المجيء إلى الكنيسة، هكذا تتُاح لك فرصة طلب مشورته من جهة العطاء وتجنب إغراءات الامتناع عن العطاء.
- مَا تَيَسَّرَ: يجب على من يملكون مالًا أكثر أن يعطوا عطايا أكبر. كما أنه يجب أن يتناسب العطاء مع الدَخل. فمثلُا، إن كنت تقدم ١٠ دولارات أسبوعيًا وأنت تجني ١٠٠دولارًا أسبوعيًا، فيجب أن تقدم المزيد إذا جنيت المزيد.
- يجب ألا نخشى أن نُعطي بسخاء. هناك تعليق رائع على هذه الفكرة في سفر الأمثال ٢٤:١١ “مَنْ يُفَرِّقُ فَيَزْدَادُ أَيْضًا، وَمَنْ يُمْسِكُ أَكْثَرَ مِنَ اللاَّئِقِ وَإِنَّمَا إِلَى الْفَقْرِ.” لا أحد يعتقد أن المزارع “يُضيّع” الحبوب عندما ينثرها كبذور على الأرض؛ بل كلما زاد عددها كلما زاد حصاده.
- إِذَا جِئْتُ لاَ يَكُونُ جَمْعٌ: لم يُرِد بولس أن يضغط على أي شخص في هذا الشأن، بل أراد أن يكون العطاء نابع من القلب وليس استجابة لضغط ما.
ب) الآيات (٣-٤): إرسال التقدمة إلى أورشليم.
٣وَمَتَى حَضَرْتُ، فَالَّذِينَ تَسْتَحْسِنُونَهُمْ أُرْسِلُهُمْ بِرَسَائِلَ لِيَحْمِلُوا إِحْسَانَكُمْ إِلَى أُورُشَلِيمَ. ٤وَإِنْ كَانَ يَسْتَحِقُّ أَنْ أَذْهَبَ أَنَا أَيْضًا، فَسَيَذْهَبُونَ مَعِي.
- فَالَّذِينَ تَسْتَحْسِنُونَهُمْ أُرْسِلُهُمْ بِرَسَائِلَ لِيَحْمِلُوا إِحْسَانَكُمْ إِلَى أُورُشَلِيمَ: أراد بولس ممثلًا عن مؤمني كورنثوس للمساعدة في توصيل التقدمة/التبرعات إلى الكنيسة في أورشليم. فكان على الكنيسة أن تختار من يُمثلهم. لقد فعل بولس هذا لأنه أراد أن يكون فوق الشُبُهات فيما يتعلق بالأمور المالية.
- إِحْسَانَكُمْ (التقدمة أو التبرعات): يدعو بولس التقدمة أو التبرعات: إحسان (charis) أي نعمة، وذلك “لأنه تدفق من محبتهم المجانية تجاه اخوتهم الفقراء.. أو لأن شعورهم بنعمة الله ومحبته المجانية لهم هو الذي دفعهم لذلك العمل الخيري.” بووله (Poole)
- أحيانًا كان بولس يدعو الإحسان (koinonia) بمعنى “شَرِكة أو مشاركة” (كورنثوس الثانية ٤:٨، ١٣:٩، رومية ٢٦:١٥).
- وأحيانًا أخرى كان يدعو الإحسان (diakonia) بمعنى “الخدمة العملية” (كورنثوس الثانية ٤:٨، ١:٩، ١٢:٩-١٣).
ثانيًا. كلمات ختامية
أ ) الآيات (٥-٩): خطة بولس لزيارة مؤمني كورنثوس.
٥وَسَأَجِيءُ إِلَيْكُمْ مَتَى اجْتَزْتُ بِمَكِدُونِيَّةَ، لأَنِّي أَجْتَازُ بِمَكِدُونِيَّةَ. ٦وَرُبَّمَا أَمْكُثُ عِنْدَكُمْ أَوْ أُشَتِّي أَيْضًا لِكَيْ تُشَيِّعُونِي إِلَى حَيْثُمَا أَذْهَبُ. ٧لأَنِّي لَسْتُ أُرِيدُ الآنَ أَنْ أَرَاكُمْ فِي الْعُبُورِ، لأَنِّي أَرْجُو أَنْ أَمْكُثَ عِنْدَكُمْ زَمَانًا إِنْ أَذِنَ الرَّبُّ. ٨وَلكِنَّنِي أَمْكُثُ فِي أَفَسُسَ إِلَى يَوْمِ الْخَمْسِينَ، ٩لأَنَّهُ قَدِ انْفَتَحَ لِي بَابٌ عَظِيمٌ فَعَّالٌ، وَيُوجَدُ مُعَانِدُونَ كَثِيرُونَ.
- إِنْ أَذِنَ الرَّبُّ: يترك بولس جميع خططه لمشيئة الرب. لقد اعتزم اجتياز مَكِدُونِيَّةَ لزيارة مدينة كورنثوس، لكن الأمور لم تسير وفق ما خطط له. لذلك قام بولس بزيارة شاقة قريبة إلى كورنثوس لكي يواجههم شخصيًا بشأن بعض الأمور.
- “أعرف سِحر أن يكون لدينا برنامج موضوع، يحدث كل شيء فيه بترتيب، عالمين إلى أين سنذهب؛ لكن لنترك فرصة لتدخُّل الله.” مورغان (Morgan)
- وَلكِنَّنِي أَمْكُثُ فِي أَفَسُسَ… لأَنَّهُ قَدِ انْفَتَحَ لِي بَابٌ عَظِيمٌ فَعَّالٌ: لم يذهب بولس مُباشرةً إلى كورنثوس لأنه كان يرى أن الله قد أعطاه فرصة للخدمة في أفسس. كان بولس حكيمًا فلم يسير بحسب رغباته فقط، بل بحسب الأبواب التي كان الله يفتحها أمامه. لقد عرف بولس سر الخدمة المُوجَهة.
- لأَنَّهُ قَدِ انْفَتَحَ لِي بَابٌ عَظِيمٌ فَعَّالٌ، وَيُوجَدُ مُعَانِدُونَ كَثِيرُونَ: عرف بولس أيضًا أن المُعارضة كثيراً ما تُصاحب الفُرَص. يتحدث أعمال الرسل ١٩ عن الفرص التي أتيحت لبولس وكذلك المعارضة التي تعرض لها في أفسس في ذلك الوقت.
ب) الآيات (١٠-١١): مجيء تيموثاوس إلى كورنثوس.
١٠ثُمَّ إِنْ أَتَى تِيمُوثَاوُسُ، فَانْظُرُوا أَنْ يَكُونَ عِنْدَكُمْ بِلاَ خَوْفٍ. لأَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَ الرَّبِّ كَمَا أَنَا أَيْضًا. ١١فَلاَ يَحْتَقِرْهُ أَحَدٌ، بَلْ شَيِّعُوهُ بِسَلاَمٍ لِيَأْتِيَ إِلَيَّ، لأَنِّي أَنْتَظِرُهُ مَعَ الإِخْوَةِ.
- فَانْظُرُوا أَنْ يَكُونَ عِنْدَكُمْ بِلاَ خَوْفٍ: واجه بولس بعض المتاعب مع مؤمني كورنثوس الذين لا يحترمون سُلطته كرسول وكخادم للإنجيل. إن لم يكن لديهم احترام لبولس، فماذا سيفعلون مع شاب صغير مثل تيموثاوس؟ لذا يطلب منهم بولس أن يحترموا تيموثاوس عندما يأتي إليهم.
- لاَ يَحْتَقِرْهُ أَحَدٌ: هذه الكلمات تردد صداها لاحقًا في تيموثاوس الأولى ١٢:٤. فعلى ما يبدو أن تيموثاوس كان يعاني من عدم الثقة بالنفس والشعور بقلة الاحترام. فكان يجب على شعب الله ألا يستغلوا هذا الأمر ضد تيموثاوس، وكان على تيموثاوس ألا يُعطي الآخرين سببًا لاحتقاره.
- لِيَأْتِيَ إِلَيَّ: لا نعرف أين كان تيموثاوس بالتحديد، لكنه على ما يبدو كان في طريقه لرؤية بولس مارًا بمدينة كورنثوس.
ج ) الآية (١٢): سوف يأتي أبُلُّوس إلى كورنثوس في وقت لاحق.
١٢وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ أَبُلُّوسَ الأَخِ، فَطَلَبْتُ إِلَيْهِ كَثِيرًا أَنْ يَأْتِيَ إِلَيْكُمْ مَعَ الإِخْوَةِ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ إِرَادَةٌ الْبَتَّةَ أَنْ يَأْتِيَ الآنَ. وَلكِنَّهُ سَيَأْتِي مَتَى تَوَفَّقَ الْوَقْتُ.
- طَلَبْتُ إِلَيْهِ كَثِيرًا. وَلَمْ تَكُنْ لَهُ إِرَادَةٌ الْبَتَّةَ… وَلكِنَّهُ سَيَأْتِي مَتَى تَوَفَّقَ الْوَقْتُ: لم يكن بولس يتعامل مع أبُلُّوس، المذكور مع الرسل، كما لو كان قائده العسكري (كورنثوس الأولى ١٢:١، ٢٢:٣). ويعطينا هذا الموقف نظرة خاطفة عن الطريقة التي كان يتعامل بها قادة الكنيسة الأوائل بعضهم مع البعض؛ لم تكن علاقة تسلسل وظيفي يُملي فيها بولس إرادته على أبُلُّوس.
د ) الآيات (١٣-١٤): تعليمات للثبات في الإيمان والمحبة.
١٣اِسْهَرُوا. اثْبُتُوا فِي الإِيمَانِ. كُونُوا رِجَالاً. تَقَوَّوْا. ١٤لِتَصِرْ كُلُّ أُمُورِكُمْ فِي مَحَبَّةٍ.
- اِسْهَرُوا. اثْبُتُوا فِي الإِيمَانِ. كُونُوا رِجَالًا. تَقَوَّوْا: كل فعل من هذه الأفعال يوصل نفس المعنى تقريبًا لكن بطريقة مختلفة. فيجب أن يكون المؤمنون جنود أقوياء واقفين مثل الحراس ساهرين في انتظار مجيء سيدهم.
- أوصانا يسوع بأن نسهر (متى ٤٢:٢٤، ٤١:٢٦، مرقس ٣٧:١٣).
- أمر بولس المؤمنين أن يثبوا في الحرية التي في يسوع (غلاطية ١:٥)، وفي وحدة الإيمان ( فيلبي ٢٧:١)، وفي الرب نفسه (فيلبي ١:٤)، وفي تعليم الرسل (تسالونيكي الثانية ١٥:٢).
- ذا هو الموضع الوحيد في العهد الجديد الذي استخدمت فيه كلمة (andrizomai) التي تُترجم كونوا رجالًا، وهي تعني حرفيًا ’التصرف كرجال.‘ وهذه ترجمة جيدة ودقيقة للفكرة التي تكمن في الكلمة اليونانية القديمة.
- طُلِب من المؤمنين أن يتقووا في مواضع مثل أفسس ١٠:٦ وتيموثاوس الثانية ١:٢.
- “كل المصطلحات في هذه الآية هي مصطلحات عسكرية: اسهروا، أي كونوا دائمًا في حالة حراسة، لئلا يفاجئكم العدو… اثبتوا في الإيمان، أي اثبتوا في أماكنكم، لا تكونوا مُرتبكين وغير منظمين، اعقدوا العزم على المحافظة على صفوفكم منظمة؛ تمسكوا بالوحدة. كونوا رجالًا… عندما تتعرضون لهجوم، لا تتوانوا، حافظوا على مواقعكم، قاوموا، تقدموا للأمام، أصيبوا الهدف، اثبتوا، انتصروا، تقووا – إذا واجهتم العدو، عززوا مواقعكم وحافظوا عليها… استجمعوا كل شجاعتكم، وساندوا بعضكم بعضًا؛ لا تخافوا، لأن الخوف يُضعفكم.” كلارك (Clarke)
- لِتَصِرْ كُلُّ أُمُورِكُمْ فِي مَحَبَّةٍ: كل السهر والثبات والشجاعة والقوة التي قد يُظهرها مؤمنو كورنثوس لا تعني شيئًا بدون المحبة. لذا فقد تم دعوتهم للقيام بكل تلك الأشياء بروح محبة واتضاع.
هـ) الآيات (١٥-١٨): ما يختص باسْتِفَانَاسَ وَفُرْتُونَاتُوسَ وَأَخَائِيكُوسَ.
١٥وَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ: أَنْتُمْ تَعْرِفُونَ بَيْتَ اسْتِفَانَاسَ أَنَّهُمْ بَاكُورَةُ أَخَائِيَةَ، وَقَدْ رَتَّبُوا أَنْفُسَهُمْ لِخِدْمَةِ الْقِدِّيسِينَ، ١٦كَيْ تَخْضَعُوا أَنْتُمْ أَيْضًا لِمِثْلِ هؤُلاَءِ، وَكُلِّ مَنْ يَعْمَلُ مَعَهُمْ وَيَتْعَبُ. ١٧ثُمَّ إِنِّي أَفْرَحُ بِمَجِيءِ اسْتِفَانَاسَ وَفُرْتُونَاتُوسَ وَأَخَائِيكُوسَ، لأَنَّ نُقْصَانَكُمْ، هؤُلاَءِ قَدْ جَبَرُوهُ، ١٨إِذْ أَرَاحُوا رُوحِي وَرُوحَكُمْ. فَاعْرِفُوا مِثْلَ هؤُلاَءِ.
- اسْتِفَانَاسَ وَفُرْتُونَاتُوسَ وَأَخَائِيكُوسَ: كان هؤلاء هم الرجال الثلاثة الذين أحضروا أسئلة مؤمني كورنثوس إلى بولس. وبينما كان بولس يرسلهم في طريق عودتهم بهذه الرسالة، طلب أن يتم استقبالهم كخُدام مُخلِصين للرب.
- يبدو أن اسْتِفَانَاسَ كان رب البيت، وأن فُرْتُونَاتُوسَ وأَخَائِيكُوسَ كانا عبديه اللذان رافقاه في زيارته لبولس. كان فُرْتُونَاتُوسَ وأَخَائِيكُوسَ من الأسماء الشائعة للعبيد أو للمُحرَرين (العبيد سابقًا).
- فُرْتُونَاتُوس: “من المفترض أن هذا الرجل قد عاش بعد القديس بولس؛ وأنه هو نفسه الشخص الذي ذكره اكليمندس في رسالته إلى أهل كورنثوس، كحامل لتلك الرسالة من اكليمندس في روما إلى المؤمنين في كورنثوس.” كلارك (Clarke)
- أَرَاحُوا رُوحِي: كان بولس ممتنًا بشكل خاص لمجيئهم، لأنهم ساندوه في خدمته أثناء زيارتهم. لقد فعلوا ما كان ينبغي على كنيسة كورنثوس أن تفعله، ولكنها لم تفعل (لأَنَّ نُقْصَانَكُمْ، هؤُلاَءِ قَدْ جَبَرُوهُ).
- فَاعْرِفُوا مِثْلَ هؤُلاَءِ: استطاع بولس أن يدعو بَيْتَ اسْتِفَانَاسَ بَاكُورَةُ أَخَائِيَةَ لأنهم كانوا من بين أول المُخَلَّصون في تلك المنطقة، واعتمدوا من قِبل بولس نفسه (وكورنثوس الأولى ١٦:١).
و ) الآيات (١٩-٢٠): تحية من على بُعد.
١٩تُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ كَنَائِسُ أَسِيَّا. يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ فِي الرَّبِّ كَثِيرًا أَكِيلاَ وَبِرِيسْكِلاَّ مَعَ الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي بَيْتِهِمَا. ٢٠يُسَلِّمُ عَلَيْكُمُ الإِخْوَةُ أَجْمَعُونَ. سَلِّمُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِقُبْلَةٍ مُقَدَّسَةٍ.
- أَكِيلاَ وَبِرِيسْكِلاَّ: كان أَكِيلاَ وَبِرِيسْكِلاَّ زوجين قد خدما مع بولس في كورنثوس (أعمال الرسل ١:١٨-٣، ٢٤:١٨-٢٨). كانوا الآن في أفسس مع بولس وأرسلوا تحياتهم لمؤمني كورنثوس.
- الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي بَيْتِهِمَا: كانت الكنيسة الأولى تجتمع في بيوت، لأن أماكن الاجتماع كانت قليلة حتى القرن الثالث.
- يُعلِّق كلارك (Clarke) على ’الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي بَيْتِهِمَا‘ قائلًا: “تلك هي جماعة المؤمنين التي كانت تعبد معًا. لم تكن قد بُنيت الكنائس بعد في ذلك الوقت؛ وكانت الاجتماعات تُعقد في بيوت خاصة. وكان بيت فليمون من نفس النوع (فليمون ٢)، وأيضًا بيت نِمْفَاسَ (كولوسي ١٥:٤).”
- يلاحظ موريس (Morris) أن بيت ذات مستوى معيشة مرتفع إلى حد ما يمكن أن يستوعب حوالي ٣٠ شخصًا بشكل مريح، لذا كان هناك العديد من “كنائس البيوت” في كل المدن.
- سَلِّمُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِقُبْلَةٍ مُقَدَّسَةٍ: كانت العادة اليهودية وتقليد الكنيسة الأولى يشيران إلى أن القبلة المقدسة كانت هي التحية الشائعة في تلك الثقافة.
- يعلَّق جون تراب (John Trapp) على عبارة ’قُبْلَةٍ مُقَدَّسَةٍ‘ قائلًا: “إنها ليست جوفاء مثل قبلة يوآب ويهوذا؛ وليست شهوانية مثل قبلة الزانية في سفر الأمثال ١٣:٧.”
ز ) الآيات (٢١-٢٤): كلمات بولس الأخيرة.
٢١اَلسَّلاَمُ بِيَدِي أَنَا بُولُسَ. ٢٢إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُحِبُّ الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا! مَارَانْ أَثَا. ٢٣نِعْمَةُ الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَعَكُمْ. ٢٤مَحَبَّتِي مَعَ جَمِيعِكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. آمِينَ.
- بِيَدِي: كان بولس يُملي رسائله على مساعده، وغالبًا ما كان يضيف ملاحظة شخصية في الختام بخط يده – والذي بدا رديئًا بحسب غلاطية ١١:٦.
- إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُحِبُّ الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا: يؤكد بولس مرة أخرى على أهمية المحبة، لاعنًا من يتحدث عن إيمانه بيسوع وليست لديه محبة حقيقية له.
- كيف نعرف أن الشخص يحب أو لاَ يُحِبُّ الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ؟ “المحبة هي عاطفة منبعها القلب، ولكن يمكن تمييزها عن طريق الأفعال.” بووله (Poole)
- أَنَاثِيمَا: يستخدم بولس هذه الكلمة اليونانية القديمة هنا بمعنى ملعونًا. ففي رسالته إلى رومية ٣:٩ قال بولس أنه كان على استعداد لأن يكون أَنَاثِيمَا من المسيح إن كان هذا سيُخلِّص الشعب اليهودي.
- في الواقع، كانت أَنَاثِيمَا هي ثالث مستوى من مستويات التأديب الثلاثة بين اليهود القدماء. كان المستوى الأول هو انفصال الشخص عن المجمع لمدة ٣٠ يومًا، وإن لم يتُب في تلك الفترة، كان يوضع تحت الدرجة الثانية من التأديب، مانحين له وقتًا غير محدد للتوبة مع تحذيره بالعواقب الوخيمة القادمة. أما المستوى الثالث للتأديب فكان أَنَاثِيمَا، وبذلك ينقطع كل رجاء في المصالحة والتوبة مع المجمع، ولا يُحسب يهوديًا على الإطلاق.
- يُحِبُّ الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ: كيف ننمو في محبتنا للرب يسوع المسيح؟
- وصف صموئيل راذرفورد (Samuel Rutherford) كيفية النمو في محبة يسوع قائلًا: “اجتهد أن تجعل من الصلاة وقراءة الكتاب وحضور الاجتماعات لذَّاتك؛ وعندها سوف تكتشف، شيئًا فشيئًا، حلاوة المسيح، حتى تشعر بأنك غارق في حلاوته. وعندما تصعد إلى قمة الجبل مع الرب لتعرف لذَّة المحبة ومجد وروعة المسيح الظاهر والمحسوس. حينئذٍ، لن تستطيع أن تبتعد عن المسيح أو أن ترتبط بالمُحبِّين القدامى؛ وستجد أن روحك صارت متناغمة وحالتك الروحية صحيحة. لكن إذا كان هذا العالم وشهواته هم لذَّاتك، فلا أعلم ما الذي يمكن أن يصنعه بك المسيح؛ فلن تكون مادة صالحة لآنية مجد ورحمة. طِلبتي أن يعطيني الرب أفكارًا أعمق وأوسع لأغذِّي نفسي من محبته. كم أود لو أزنها، لكن ليس هناك ميزان لها. مهما ظللت أسبح المسيح حتى يتعب لساني، فأنا لم أقدم له شيئًا. وأظل مديونًا لمحبة المسيح، دينٌ يبقى غير مُسدد إلى الأبد!” مُقتبسًا من ماير (Meyer)
- مَارَانْ أَثَا! كان بولس ينتظر مجيء يسوع. مَارَانْ أَثَا هي كلمة آرامية تعني “تعال يا رب!” وقد كانت هذه واحدة من أقدم الكلمات في المفردات المسيحية.
- نِعْمَةُ الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَعَكُمْ. مَحَبَّتِي مَعَ جَمِيعِكُمْ: تنتهي الرسالة بذكر بولس لبركة النعمة والمحبة تجاه مؤمني كورنثوس. كانت كلمته الأخيرة قبل كلمة آمِينَ هي يَسُوعَ، فقد ركز بولس على يسوع من بداية الرسالة وحتى نهايتها.
- تكشف كلمات بولس الأخيرة، المكتوبة بيده، الكثير عن قلبه المُحب، على الرغم من أنه اضطر إلى توبيخ مؤمني كورنثوس بشدة. فمحبة بولس ليسوع ولكنيسته، هي التي جعلت منه رسولًا عظيمًا. فالمحبة الظاهرة في الخدمة المُتضعة، تجعلنا عظماء في ملكوت الله.