١ صموئيل ١٢
خطاب صموئيل عند تتويج شاول
أولًا. شهادة على نزاهة صموئيل
أ ) الآيات (١-٣): صموئيل يتحدث عن قيادته لإسرائيل.
١قَالَ صَمُوئِيلُ لِكُلِّ إِسْرَائِيلَ: “هَأَنَذَا قَدْ سَمِعْتُ لِصَوْتِكُمْ فِي كُلِّ مَا قُلْتُمْ لِي وَمَلَّكْتُ عَلَيْكُمْ مَلِكًا. ٢وَٱلْآنَ هُوَذَا ٱلْمَلِكُ يَمْشِي أَمَامَكُمْ. وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ شِخْتُ وَشِبْتُ، وَهُوَذَا أَبْنَائِي مَعَكُمْ. وَأَنَا قَدْ سِرْتُ أَمَامَكُمْ مُنْذُ صِبَايَ إِلَى هَذَا ٱلْيَوْمِ. ٣هَأَنَذَا فَٱشْهَدُوا عَلَيَّ قُدَّامَ ٱلرَّبِّ وَقُدَّامَ مَسِيحِهِ: ثَوْرَ مَنْ أَخَذْتُ؟ وَحِمَارَ مَنْ أَخَذْتُ؟ وَمَنْ ظَلَمْتُ؟ وَمَنْ سَحَقْتُ؟ وَمِنْ يَدِ مَنْ أَخَذْتُ فِدْيَةً لِأُغْضِيَ عَيْنَيَّ عَنْهُ، فَأَرُدَّ لَكُم؟”
١. قَالَ صَمُوئِيلُ لِكُلِّ إِسْرَائِيلَ: بعد انتصار شاول على العمّونيين في ١ صموئيل ١١، عرف صموئيل أن الأمة ستتطلع الآن إلى هذا الملك من أجل القيادة. وهنا ساعد صموئيل إسرائيل على هذه النقلة من قيادته إلى قيادة شاول. وقد بيّن هذا الأمر عندما قال: “وَٱلْآنَ هُوَذَا ٱلْمَلِكُ يَمْشِي أَمَامَكُمْ… وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ شِخْتُ وَشِبْتُ.” وبهذا أخبر صموئيل الأمة أن يومه قد انتهى، وأن يوم شاول قد ابتدأ.
صحيح أن صموئيل قضى لإسرائيل طوال حياته (١ صموئيل ٧: ١٥)، لكن اليوم، وبعد أن أُقيم ملكًا على إسرائيل، سيتغير دوره ويتضاءل. لم يتنحَّ صموئيل رسميًّا قط عن قيادة إسرائيل كقاضٍ، لكنه لم يسمح لظله بأن يغطي على شاول. وعرف أنه ستكون لدى الملك مشكلات تكفيه، ولم يُرد صموئيل بأن يُتهَم بأنه قام بتخريب عهد شاول كملك.
أظهر صموئيل بهذا أنه رجل تقي حقًّا. إذ كان مستعدًّا لأن يخرج من المشهد عندما أقام الله ملكًا آخر. ولم يتشبّث بمركزه عندما أراد الله أن يغيّره.
٢. هَأَنَذَا قَدْ سَمِعْتُ لِصَوْتِكُمْ فِي كُلِّ مَا قُلْتُمْ لِي: أراد صموئيل أن يعرف الجميع أن تعيين ملك على إسرائيل ليس فكرته. فقد بدأت هذه الفكرة في قلوب إسرائيل، لا في قلب الله وفكره. وسمح الله بها ووجه تنفيذها. لكن صوت الشعب هو الذي كان وراء هذا.
٣. وَهُوَذَا أَبْنَائِي مَعَكُمْ: قُدِّم لصموئيل في ١ صموئيل ٨: ١-٥ تحدٍّ أن يطرد ابنيه من قيادة إسرائيل لأنهما لم يكونا تقيين. وقد فعل هذا رغم أنه كان أمرًا صعبًا. وكلماته ’وَهُوَذَا أَبْنَائِي مَعَكُمْ‘ برهان على قيامه بهذا. فقد صارا جزءًا من جماعة إسرائيل، وليسا على منصة الشرف مع صموئيل.
“من المتفق عليه عمومًا أن كلماته ’وَهُوَذَا أَبْنَائِي مَعَكُمْ‘ توحي بأن صموئيل قدم ابنيه من وظيفتيهما كقاضيين، وأنزلهم إلى مستوى الناس العاديين.” كلارك (Clarke)
٤. قَدْ سِرْتُ أَمَامَكُمْ مُنْذُ صِبَايَ إِلَى هَذَا ٱلْيَوْمِ: تذكّر صموئيل بداياته المتواضعة كطفل، مكرسًا للرب وخادمًا لإسرائيل وللرب في خيمة الاجتماع (١ صموئيل ٢: ١٨؛ ٣: ١).
قَدْ سِرْتُ أَمَامَكُمْ: ليست الفكرة هنا هي أنه كان يمشي أمامهم في استعراض ليتفرّجوا عليه. لكن الفكرة هي سير الراعي أمام القطيع ليقودها. إذ كان صموئيل قائدًا وراعيًا تقيًّا لإسرائيل لسنوات كثيرة.
٥. فَٱشْهَدُوا عَلَيَّ قُدَّامَ ٱلرَّبِّ: ذكّرهم صموئيل بأنه لم يحتلْ على أحد أو ظلَمه، أو ارتشى، أو كان فاسدًا بطريقة ما. بل كان يتحدى الأمة: “إن كنت قد أسأت، أو كنت فاسدًا، فتعالوا الآن وأعلِنوا ذلك.”
أراد صموئيل أن تعرف الأمة أنه كان يترك تركة صالحة من القيادة إلى الملك شاول. وأراد أن تدرك إسرائيل أنه لم يترك وراءه فوضى لينظفها شاول بعده. وإذا أثبت شاول أنه قائد سيئ، فلن يستطيع أحد أن يقول إن هذا بسبب مثال سيئ تركه صموئيل.
٦. فَأَرُدَّ لَكُم: يبدو أنه إذا قصد صموئيل: “ربما أسأت إلى أحد من دون أن أدري، اذكروا هذا الأمر الآن لكي أتمكن من تصويب الأمر. فلا أريد أن أترك ورائي عملًا غير مكتمل.” وهذه شهادة على قلب صموئيل المتواضع.
ب) الآيات (٤-٥): تثبِّت إسرائيل قيادة شاول الخالية من اللوم.
٤فَقَالُوا: «لَمْ تَظْلِمْنَا وَلَا سَحَقْتَنَا وَلَا أَخَذْتَ مِنْ يَدِ أَحَدٍ شَيْئًا». ٥فَقَالَ لَهُمْ: «شَاهِدٌ ٱلرَّبُّ عَلَيْكُمْ وَشَاهِدٌ مَسِيحُهُ ٱلْيَوْمَ هَذَا، أَنَّكُمْ لَمْ تَجِدُوا بِيَدِي شَيْئًا». فَقَالُوا: “شَاهِدٌ”.”
١. لَمْ تَظْلِمْنَا وَلَا سَحَقْتَنَا وَلَا أَخَذْتَ مِنْ يَدِ أَحَدٍ شَيْئًا: عرفت إسرائيل أن صموئيل كان قائدًا صالحًا تقيًّا. فلم يقُد الأمة من أجل ما يمكن أن يحصل عليه، بل من أجل ما يمكن أن يقدّم لها.
٢. شَاهِدٌ ٱلرَّبُّ عَلَيْكُمْ وَشَاهِدٌ مَسِيحُهُ ٱلْيَوْمَ هَذَا: حسم صموئيل الأمور. إذ اتفقت الأطراف كلها على أنه أحسنَ في قيادته للأمة. وهذه هي المرة الثانية التي يُذكر فيها في هذا النص أنه ممسوح من الرب، لأنه مسحه ملكًا. وقد تَعَمَّد أن يشمل شاول في كل هذا لكي يوضح فكرة انتقال القيادة منه إلى شاول.
بأيّ معنى كان الرب شاهدًا عليهم؟ إذا اتهمت إسرائيل صموئيل لاحقًا بأية إساءة، سيكون بمقدوره أن يذكّرهم بما قالوه هنا كشهادة عليهم. وإذا حاولت الأمة أن تضع اللوم على صموئيل في أية مشكلات قد يتسبب فيها شاول، فسيكون ما قالوه هنا شهادة عليهم.
ثانيًا. يتحدى صموئيل إسرائيل لخدمة الرب في ظل ملكهم الجديد.
أ ) الآيات (٦-١٢): صموئيل يقدم درسًا موجزًا في التاريخ.
٦وَقَالَ صَمُوئِيلُ لِلشَّعْبِ: «ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي أَقَامَ مُوسَى وَهَارُونَ، وَأَصْعَدَ آبَاءَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. ٧فَٱلْآنَ ٱمْثُلُوا فَأُحَاكِمَكُمْ أَمَامَ ٱلرَّبِّ بِجَمِيعِ حُقُوقِ ٱلرَّبِّ ٱلَّتِي صَنَعَهَا مَعَكُمْ وَمَعَ آبَائِكُمْ. ٨لَمَّا جَاءَ يَعْقُوبُ إِلَى مِصْرَ وَصَرَخَ آبَاؤُكُمْ إِلَى ٱلرَّبِّ، أَرْسَلَ ٱلرَّبُّ مُوسَى وَهَارُونَ فَأَخْرَجَا آبَاءَكُمْ مِنْ مِصْرَ وَأَسْكَنَاهُمْ فِي هَذَا ٱلْمَكَانِ. ٩فَلَمَّا نَسُوا ٱلرَّبَّ إِلَهَهُمْ، بَاعَهُمْ لِيَدِ سِيسَرَا رَئِيسِ جَيْشِ حَاصُورَ، وَلِيَدِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ، وَلِيَدِ مَلِكِ مُوآبَ فَحَارَبُوهُمْ. ١٠فَصَرَخُوا إِلَى ٱلرَّبِّ وَقَالُوا: أَخْطَأْنَا لِأَنَّنَا تَرَكْنَا ٱلرَّبَّ وَعَبَدْنَا ٱلْبَعْلِيمَ وَٱلْعَشْتَارُوثَ. فَٱلْآنَ أَنْقِذْنَا مِنْ يَدِ أَعْدَائِنَا فَنَعْبُدَكَ. ١١فَأَرْسَلَ ٱلرَّبُّ يَرُبَّعَلَ وَبَدَانَ وَيَفْتَاحَ وَصَمُوئِيلَ، وَأَنْقَذَكُمْ مِنْ يَدِ أَعْدَائِكُمُ ٱلَّذِينَ حَوْلَكُمْ فَسَكَنْتُمْ آمِنِينَ. ١٢وَلَمَّا رَأَيْتُمْ نَاحَاشَ مَلِكَ بَنِي عَمُّونَ آتِيًا عَلَيْكُمْ، قُلْتُمْ لِي: لَا بَلْ يَمْلِكُ عَلَيْنَا مَلِكٌ. وَٱلرَّبُّ إِلَهُكُمْ مَلِكُكُمْ.
١. حُقُوقِ ٱلرَّبِّ (أعمال الرب البارّة) ٱلَّتِي صَنَعَهَا مَعَكُمْ وَمَعَ آبَائِكُمْ: في تذّكُّر صموئيل لعمل الله هذا من وقت الخروج حتى وقته، لم يركز على تاريخ إسرائيل، بل على تاريخ أعمال الله البارّة.
٢. فَأَخْرَجَا آبَاءَكُمْ مِنْ مِصْرَ وَأَسْكَنَاهُمْ فِي هَذَا ٱلْمَكَانِ: ينبغي للأمة أن تتذكر خلاصها من العبودية والحياة الجديدة التي أعطاها الرب إياها في الأرض الموعودة. إذ كانت هذه واحدة من أعمال الرب البارّة.
٣. بَاعَهُمْ لِيَدِ سِيسَرَا: ينبغي أن تتذكر الأمة كيف أن الله سمح لإسرائيل العاصية بأن يهيمن عليها عدوها كتأديب لها بقصد قيادتها إلى التوبة. فكان هذا عملًا من أعمال الله البارة.
ينبغي أن ندرك أن التأديب عمل من أعمال الله البارّة. فتأديبه بارّ مثل خلاصه.
٤. فَصَرَخُوا إِلَى ٱلرَّبِّ… فَٱلْآنَ أَنْقِذْنَا مِنْ يَدِ أَعْدَائِنَا فَنَعْبُدَكَ… فَأَرْسَلَ ٱلرَّبُّ… وَأَنْقَذَكُمْ: ينبغي أن تتذكر الأمة أنه، عندما صرخت إلى الله، واعترفت بخطاياها، وتواضعت أمامه بالتوبة، خلّصها. فكان هذا عملًا من أعمال الله البارة.
كان يربعلّ اسمًا آخر لجدعون (قضاة ٦: ٣٢). ولا يوجد ذِكر لبيدان في سفر القضاة. وربما يكون هذا تهجئة مختلفة لباراق المذكور في قضاة ٤: ٦. وتترجم الترجمة السبعونية، وهي ترجمة قديمة للعهد القديم، هذا الاسم إلى باراق، بينما تترجمه ترجمات قديمة أخرى إلى شمشون. ويعتقد بعض المفسرين أن يائير هو المقصود هنا.
٥. رَأَيْتُمْ نَاحَاشَ مَلِكَ بَنِي عَمُّونَ آتِيًا عَلَيْكُمْ: تذكّر صموئيل أحدث خلاص قام به الرب لإسرائيل (المدوَّن في ١ صموئيل ١١) وقد ربط صموئيل كل أعمال الله الخلاصية لإسرائيل من الخروج إلى وقته الحالي. فكان كل واحد منها مثلًا من أمثلة أعمال الله البارّة.
مع انتقال إسرائيل إلى المَلَكيّة، يتوجب عليها أن تتذكر أعمال الله البارة. فكل شيء سيفعله الله هو في إطار ما سبق أن فعله بالفعل في حياتنا.
٦. قُلْتُمْ لِي: لَا بَلْ يَمْلِكُ عَلَيْنَا مَلِكٌ. وَٱلرَّبُّ إِلَهُكُمْ مَلِكُكُمْ: عندما بدأت الأمة تعيش تحت سلطان ملك أرضي، ذكّرها صموئيل برغبتها الدالّة على العصيان في وجود ملك عليهم. فقد كان الرب ملكًا صالحًا لإسرائيل، لكنها أرادت ملكً لأسباب أنانية جسدية.
ب) الآيات (١٣-١٥): إِنِ ٱتَّقَيْتُمُ ٱلرَّبَّ: خيار إسرائيل
١٣فَٱلْآنَ هُوَذَا ٱلْمَلِكُ ٱلَّذِي ٱخْتَرْتُمُوهُ، ٱلَّذِي طَلَبْتُمُوهُ، وَهُوَذَا قَدْ جَعَلَ ٱلرَّبُّ عَلَيْكُمْ مَلِكًا. ١٤إِنِ ٱتَّقَيْتُمُ ٱلرَّبَّ وَعَبَدْتُمُوهُ وَسَمِعْتُمْ صَوْتَهُ وَلَمْ تَعْصُوا قَوْلَ ٱلرَّبِّ، وَكُنْتُمْ أَنْتُمْ وَٱلْمَلِكُ أَيْضًا ٱلَّذِي يَمْلِكُ عَلَيْكُمْ وَرَاءَ ٱلرَّبِّ إِلَهِكُمْ. ١٥وَإِنْ لَمْ تَسْمَعُوا صَوْتَ ٱلرَّبِّ بَلْ عَصَيْتُمْ قَوْلَ ٱلرَّبِّ، تَكُنْ يَدُ ٱلرَّبِّ عَلَيْكُمْ كَمَا عَلَى آبَائِكُمْ.
١. فَٱلْآنَ هُوَذَا ٱلْمَلِكُ ٱلَّذِي ٱخْتَرْتُمُوهُ، ٱلَّذِي طَلَبْتُمُوهُ: ربما كان إحساس صموئيل في هذه اللحظة هو: “هذا هو الملك الذي طلبتموه. ستجدون أنه ليس بالضبط هو الذي احتجتم إليه. لكن هذا هو ما طلبتم.”
٢. إِنِ ٱتَّقَيْتُمُ ٱلرَّبَّ وَعَبَدْتُمُوهُ وَسَمِعْتُمْ صَوْتَهُ وَلَمْ تَعْصُوا قَوْلَ ٱلرَّبِّ: يقدّم صموئيل لإسرائيل خيارًا مهمًّا. لقد كانت عاصية في رغبتها في وجود ملك بشري عليها. غير أن الله أعطاها ملكًا. ومع ذلك، إذا اتّقت الرب وخَدمتْه، فسيباركها.
لم يُخرجهم منعطف خطأ من خطة الله إلى الأبد. ما كان لإسرائيل أن تبحث عن ملك بشري. لكن صار لديها ملك. وها هو صموئيل يدعوها إلى خدمة الرب في وضعهم الجديد.
٣. وَإِنْ لَمْ تَسْمَعُوا صَوْتَ ٱلرَّبِّ بَلْ عَصَيْتُمْ قَوْلَ ٱلرَّبِّ: وضع صموئيل الخيار أمام إسرائيل. لقد اتخذت الأمة منعطفًا خطأ، غير أن الله وضعهم في مفترق طرق. فهناك الخضوع والطاعة لله من جهة، وهناك التمرد والعصيان من جهة أخرى. فإذا اختارت الطريق الخطأ، فلا يسعها أن تتوقع أن يباركها الرب.
٤. تَكُنْ يَدُ ٱلرَّبِّ عَلَيْكُمْ كَمَا عَلَى آبَائِكُمْ: يجرَّب كل جيل بأن ينظر إلى نفسه كاستثناء خاص. إذ يعرفون عن أعمال الله البارّة في الأجيال السابقة، غير أنهم يحسّون بطريقة ما بأنهم استثناء في ما يتعلق بتقويم الله أو دينونته. ولهذا ذكّر صموئيل الأمة بأنها ليست مختلفة عن آبائها، وبأن الله لن يتعامل معها بطريقة مختلفة عن تلك التي عامل بها آباءها.
ج) الآيات (١٦-١٨): الله يثبّت كلمة صموئيل بآية.
١٦فَٱلْآنَ ٱمْثُلُوا أَيْضًا وَٱنْظُرُوا هَذَا ٱلْأَمْرَ ٱلْعَظِيمَ ٱلَّذِي يَفْعَلُهُ ٱلرَّبُّ أَمَامَ أَعْيُنِكُمْ. ١٧أَمَا هُوَ حَصَادُ ٱلْحِنْطَةِ ٱلْيَوْمَ؟ فَإِنِّي أَدْعُو ٱلرَّبَّ فَيُعْطِي رُعُودًا وَمَطَرًا فَتَعْلَمُونَ وَتَرَوْنَ أَنَّهُ عَظِيمٌ شَرُّكُمُ ٱلَّذِي عَمِلْتُمُوهُ فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ بِطَلَبِكُمْ لِأَنْفُسِكُمْ مَلِكًا». ١٨فَدَعَا صَمُوئِيلُ ٱلرَّبَّ فَأَعْطَى رُعُودًا وَمَطَرًا فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ. وَخَافَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ ٱلرَّبَّ وَصَمُوئِيلَ جِدًّا.
١. فَٱلْآنَ ٱمْثُلُوا أَيْضًا وَٱنْظُرُوا هَذَا ٱلْأَمْرَ ٱلْعَظِيمَ ٱلَّذِي يَفْعَلُهُ ٱلرَّبُّ: سيصلي صموئيل طالبًا من الرب أن يرسل آية لتثبيت كلمته. وهذا تنازل لقلوب الشعب الشريرة، لأن صموئيل عرف أنهم لن يتأثروا إلا بآية من الرب.
٢. فَتَعْلَمُونَ وَتَرَوْنَ أَنَّهُ عَظِيمٌ شَرُّكُمُ ٱلَّذِي عَمِلْتُمُوهُ فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ بِطَلَبِكُمْ لِأَنْفُسِكُمْ مَلِكًا: لماذا ينتظر صموئيل والرب حتى هذه اللحظة هذه الآية المثيرة؟ لماذا لم يحدث هذا عندما طلبت الأمة ملكًا لأول مرة لكي تدرك خطأها وتتراجع عن طلبها؟
لأنه كان لدى الله قصد في السماح بمجيء ’ملك الشعب‘ أولًا.
لأنه لو حدث هذا في أول أيام عهد شاول، لتخلّصوا منه بنفس السرعة والخطأ اللذين طلبوه بها. والآن، بعد أن تثبَّت حُكم شاول بالانتصار المدون في ١ صموئيل ١١، وبقبول الشعب له، يمكنهم أن يواجهوا خطاياهم بشكل مباشر.
لأنه ربما كان سيُتّهَم صموئيل بتوبيخ الشعب بدوافع شخصية من الأذى. فبانتظاره حتى الآن، عرف الجميع أن صموئيل لم يكن يقول: ’تخلّصوا من شاول لكي أقود أنا الأمة.‘
ولأن إسرائيل فرحت فرحًا عظيمًا (١ صموئيل ١١: ١٥)، ربما كانوا متحمسين بشكل زائد لملكهم الجديد. فأراد صموئيل أن يكون لديهم منظور أكثر روحية.
٣. فَأَعْطَى رُعُودًا وَمَطَرًا فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ: كانت الرعود والأمطار غير عادية أثنا حصاد الحنطة. فكانت هذه آية مذهلة من الله.
لأن الوقت كان وقت حصاد، لم تُظهر الآية قوة الله فحسب، بل دينونته أيضًا. إذ يمكن للمطر الغزير أثناء الحصاد أن يقضي على كل المحاصيل. فكانت الآية تحذيرًا. “في ذلك الجزء من العالم، كان ’المطر في وقت الحصاد…غير لائق (غير ملائم)‘ (أمثال ٢٦: ١). إنه أمر غير متوقع تمامًا، ويمكن أن يفسَّر بسهولة على أنه استياء إلهي.” يونغبلود (Youngblood)
٤. وَخَافَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ ٱلرَّبَّ وَصَمُوئِيلَ جِدًّا: كانت النتيجة جيدة، لكنها أظهرت شيئًا ضعيفًا وجسديًّا في قلوب الشعب. ألم يكونوا يعلمون أن الله كان قويًّا من قبل؟ ربما كانت معرفتهم ذهنية فحسب. كان بإمكانهم أن يعرفوا قوة الله وجلاله وسيادته في قلوبهم قبل هذا، وعندئذٍ، لم يكن ضروريًّا جلب آية أمام الشعب الذي يخاف الرب وصموئيل.
٥. فَإِنِّي أَدْعُو ٱلرَّبَّ… فَدَعَا صَمُوئِيلُ ٱلرَّبَّ: هذا مثل رائع للقوة في الصلاة. ويُعرَف صموئيل في الكتاب المقدس كرجل جبّار في الصلاة (مزمور ٩٩: ٦؛ إرميا ١٥: ١).
د ) الآية (١٩): إدراك إسرائيل لخطيّتها في طلب ملك عليها.
١٩وَقَالَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ لِصَمُوئِيلَ: “صَلِّ عَنْ عَبِيدِكَ إِلَى ٱلرَّبِّ إِلَهِكَ حَتَّى لَا نَمُوتَ، لِأَنَّنَا قَدْ أَضَفْنَا إِلَى جَمِيعِ خَطَايَانَا شَرًّا بِطَلَبِنَا لِأَنْفُسِنَا مَلِكًا.”
١. صَلِّ عَنْ عَبِيدِكَ إِلَى ٱلرَّبِّ إِلَهِكَ: أثبت صموئيل للتو أنه رجل جبّار في الصلاة. وقد أدركت إسرائيل مدى حاجتها إلى الصلاة. فكان أمرًا منطقيًّا أن يطلبوا منه أن يصلي من أجلهم.
٢. قَدْ أَضَفْنَا إِلَى جَمِيعِ خَطَايَانَا شَرًّا بِطَلَبِنَا لِأَنْفُسِنَا مَلِكًا: وأخيرًا أدركت الأمة خطيّتها في طلب ملك. وقد أدركت هذا بعد فوات الأمان. ليتها أدركت هذا في ١ صموئيل ٨ عندما حذّرهم صموئيل لأول مرة! ومع ذلك، لا يزال بإمكان الله أن يحوّل هذا إلى الخير إذا تابت الأمة وطلبت الرب.
ه) الآيات (٢٠-٢٥): صموئيل يحث إسرائيل على السلوك باستقامة مع الرب اليوم.
٢٠فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِلشَّعْبِ: «لَا تَخَافُوا. إِنَّكُمْ قَدْ فَعَلْتُمْ كُلَّ هَذَا ٱلشَّرِّ، وَلَكِنْ لَا تَحِيدُوا عَنِ ٱلرَّبِّ، بَلِ ٱعْبُدُوا ٱلرَّبَّ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ، ٢١وَلَا تَحِيدُوا. لِأَنَّ ذَلِكَ وَرَاءَ ٱلْأَبَاطِيلِ ٱلَّتِي لَا تُفِيدُ وَلَا تُنْقِذُ، لِأَنَّهَا بَاطِلَةٌ. ٢٢لِأَنَّهُ لَا يَتْرُكُ ٱلرَّبُّ شَعْبَهُ مِنْ أَجْلِ ٱسْمِهِ ٱلْعَظِيمِ. لِأَنَّهُ قَدْ شَاءَ ٱلرَّبُّ أَنْ يَجْعَلَكُمْ لَهُ شَعْبًا. ٢٣وَأَمَّا أَنَا فَحَاشَا لِي أَنْ أُخْطِئَ إِلَى ٱلرَّبِّ فَأَكُفَّ عَنِ ٱلصَّلَاةِ مِنْ أَجْلِكُمْ، بَلْ أُعَلِّمُكُمُ ٱلطَّرِيقَ ٱلصَّالِحَ ٱلْمُسْتَقِيمَ. ٢٤إِنَّمَا ٱتَّقُوا ٱلرَّبَّ وَٱعْبُدُوهُ بِٱلْأَمَانَةِ مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُمْ، بَلِ ٱنْظُرُوا فِعْلَهُ ٱلَّذِي عَظَّمَهُ مَعَكُمْ. ٢٥وَإِنْ فَعَلْتُمْ شَرًّا فَإِنَّكُمْ تَهْلِكُونَ أَنْتُمْ وَمَلِكُكُمْ جَمِيعًا.
١. إِنَّكُمْ قَدْ فَعَلْتُمْ كُلَّ هَذَا ٱلشَّرِّ، وَلَكِنْ لَا تَحِيدُوا عَنِ ٱلرَّبِّ، بَلِ ٱعْبُدُوا ٱلرَّبَّ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ، وَلَا تَحِيدُوا: لم يشأ صموئيل أن يخفف من فظاعة خطية إسرائيل. غير أنه لم يُرِدهم أن يبقوا غارقين في التفكير في خطايا الماضي. إذ عليهم أن يواصلوا سيرتهم مع الرب اليوم.
عبّرت ترجمة تفسيرية عن هذه الفكرة بشكل حسن: “تأكدوا من أنكم تعبدون الرب بحماسة حقيقية، وأنكم لا تديرون ظهوركم له بأية طريقة كانت. لا نستطيع أن نفعل شيئًا تجاه الأمس. وفي لحظتنا الحالية، لا نستطيع أن نخدمه غدًا. وفي هذه اللحظة الحالية، فإن كل ما يمكن أن نفعله هو أن لا نحيد عنه، بل نخدمه بكل القلب.” يحب إبليس أن نحيا في الماضي أو في المستقبل، حيث لا نفعل شيئًا. لكن ينبغي أن نخدم الرب بكل ما لدينا الآن.
٢. وَلَا تَحِيدُوا. لِأَنَّ ذَلِكَ وَرَاءَ ٱلْأَبَاطِيلِ ٱلَّتِي لَا تُفِيدُ وَلَا تُنْقِذُ، لِأَنَّهَا بَاطِلَةٌ: أراد صموئيل أن تعرف الأمّة أن رفضها للرب والحيدان عنه لا يجدي نفعًا. فإذا كانوا لا يريدون خدمة الله لأسباب روحية، فليفعلوا ذلك لمجرد النجاح، لأنه لا يوجد شيء آخر ينفع.
٣. لَا يَتْرُكُ ٱلرَّبُّ شَعْبَهُ مِنْ أَجْلِ ٱسْمِهِ ٱلْعَظِيمِ. لِأَنَّهُ قَدْ شَاءَ (سُرَّ) ٱلرَّبُّ أَنْ يَجْعَلَكُمْ لَهُ شَعْبًا: أراد صموئيل أن تعرف الأمّة أن الله يحبها. فرغم خطايا الماضي، يمكنها أن تواصل خدمة الرب لترى بركته، لأنه يحبّها. لم يكن فضل الله على إسرائيل مدفوعًا بأي صلاح فعلوه، أو كانوا يفعلونه، أو وعدوا بفعله. بل كان من أجل اسمه العظيم، لأنه سرّ أن يفعل هذا. فالأسباب كامنة فيه، لا في إسرائيل.
٤. فَحَاشَا لِي أَنْ أُخْطِئَ إِلَى ٱلرَّبِّ فَأَكُفَّ عَنِ ٱلصَّلَاةِ مِنْ أَجْلِكُمْ: عرف صموئيل أن أفضل شيء يمكن أن يفعله لإسرائيل هو أن يصلّي من أجلها. ولن تُحدث كلماته أي فرق إن لم يكن الرب يعمل في قلوبهم. فكانت أفضل طريقة لتعزيز عمل الرب في قلوبهم هي الصلاة من أجلهم.
عندما رفض الشعب الرب وصموئيل كقائدين للأمّة، ربما جُرح شعور صموئيل. وكان من الممكن أن يحس بالمرارة، لكنه كان أتقى من ذلك.
قد يقول كثيرون: ’أَعِد بأن أصلي من أجلك.‘ لكن بالنسبة لصموئيل، لم يكن البدء بالصلاة مشكلة، لأنه كان يصلي بالفعل. لكن كانت المشكلة هي التوقف عن الصلاة. “تجذّرت عادة الصلاة في حياة صموئيل لدرجة أنه يبدو أن فكرة بدء الصلاة تجلب شفاعته إلى نهاية.” سبيرجن (Spurgeon)
توضح عبارة صموئيل أن توقٌّف قائد الشعب عن الصلاة من أجلهم خطية. فهي أبسط واجباته كقائد. فمن الخطية أن تتوقف عن الصلاة. فكم يكون أسوأ عندما لا تبدأ الصلاة أصلًا!
ليست بركة الصلاة غير المنقطعة مقصورة على الواعظ أو القائد وحده. إذ يستطيع الجميع أن يشاركوا فيها. “ربما لن تعظ يومًا، لكن يمكنك أن تصلي. إن كنت لا تصعد إلى المنبر، يمكنك أن تنحني أمام كرسي الرحمة، وسيكون هذا بركة عظيمة.” سبيرجن (Spurgeon)
٥. أُعَلِّمُكُمُ ٱلطَّرِيقَ ٱلصَّالِحَ ٱلْمُسْتَقِيمَ: سيصلي صموئيل، لكنه لن يصلي فحسب. إذ هنالك مجال للتعليم أيضًا. وسيؤدي هذا الدور بأمانة أيضًا.
“قد يقول أحدهم إنه لا يستطيع أن يحدد إن كان الخادم سيفعل خيرًا أكبر عندما يعظ أم عندما يصلي. لكنه سيحصل بصلواته مزيدًا من التعزية لنفسه.” تراب (Trapp)
أراد صموئيل أن تعرف الأمة أنه حتى عندما يخطو إلى الوراء ليسمح لشاول بالبروز كقائد، سيظل يقودهم ويخدمهم، لكن بطريقة روحية أكبر، من خلال الصلوات والتعليم.
٦. ٱتَّقُوا ٱلرَّبَّ … ٱنْظُرُوا فِعْلَهُ ٱلَّذِي عَظَّمَهُ مَعَكُمْ: ينبغي أن توضح كل خدمتنا، وكل طاعتنا، وكل محبتنا لله في هذا السياق. فنحن نفعل هذه كلها بسبب الأشياء العظيمة التي فعلها من أجلنا. وهو يطلب منا أن نقبلها بالإيمان، وعندئذٍ نخدمه بسبب الأشياء العظيمة التي فعلها من أجلنا.
لا يمكننا الاحتفاظ بمنظور سليم في حياتنا المسيحية ما لم نواصل تركيزنا على الأشياء العظيمة التي فعلها الرب من أجلنا. فإذا فقدنا هذا المنظور، فسيتشوه كل شيء. إذ يميل كثيرون إلى تضخيم مشكلاتهم وإغفال الأشياء العظيمة التي فعلها الرب من أجلهم.
٧. وَإِنْ فَعَلْتُمْ شَرًّا فَإِنَّكُمْ تَهْلِكُونَ: صار هذا التحذير تركة مؤسفة لإسرائيل عندما هُزمت وأُخذت إلى السبي.
“لم يتم تحذير شعب آخر بشكل أوفى من قبل، ولم يستفدْ شعب قط أقل من هذا التحذير.” كلارك (Clarke)