إنجيل يوحنا – الإصحاح ٣
الولادة الجديدة
“إذا طُلب منا أن نقرأ مقطعاً كتابياً لشخص يحتضر لا يعرف الأخبار السارة فسوف نختار على الأرجح هذا الإصحاح لأنه الأنسب لمثل هذه المناسبة. وما يناسب من هم على فراش الموت مناسب لنا جميعاً، فنحن لا نعرف متى سنقف أمام بوابة الموت.” سبيرجن (Spurgeon)
أولاً. نِيقُودِيمُوس والولادة الجديدة
أ ) الآيات (١-٣): جاءَ نِيقُودِيمُوس إلَى يَسُوعَ لَيلاً
١كَانَ إِنْسَانٌ مِنَ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ ٱسْمُهُ نِيقُودِيمُوسُ، رَئِيسٌ لِلْيَهُودِ. ٢هَذَا جَاءَ إِلَى يَسُوعَ لَيْلاً وَقَالَ لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ مِنَ ٱللهِ مُعَلِّماً، لِأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ هَذِهِ ٱلْآيَاتِ ٱلَّتِي أَنْتَ تَعْمَلُ إِنْ لَمْ يَكُنِ ٱللهُ مَعَهُ». ٣أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «ٱلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَا يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ ٱللهِ».
- نِيقُودِيمُوسُ، رَئِيسٌ لِلْيَهُودِ: كان نيقوديموس واحداً من المعجبين بمعجزات يسوع (يوحنا ٢٣:٢) وعضواً في السنهدريم ومتديناً (مِنَ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ) ومثقفاً (نِيقُودِيمُوسُ اسم يوناني) ومؤثراً (رَئِيسٌ لِلْيَهُودِ) ومخلصاً في بحثه الذي دفعه للمجيء لَيلاً. جاء نيقوديموس إلى يسوع كممثل عن البشر (<يوحنا ٢٣:٢-٢٥) وبطريقة أو بأخرى كان يمثل أعلى وأفضل نوعية من البشر.
- جَاءَ إِلَى يَسُوعَ لَيْلاً: ربما جاء نيقوديموس ليلاً لأنه كان متردداً بسبب خوفه من الآخرين أو لأنه أراد مقابلة يسوع دون أي إزعاج.
- نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ مِنَ ٱللهِ مُعَلِّماً: من الصعب معرفة إن كان نيقوديموس يتحدث نيابة عن نفسه أم عن السنهدريم أم نيابة عن الرأي العام. “قد تعني كلمة نَعْلَمُ (οἴδαμεν oidamen) هنا: من المعروف أو أنه أمر مسلم به عموماً أنَّكَ مُعَلِّمٌ جِئْتَ مِنْ عِنْدِ اللهِ.” كلارك (Clarke)
- «لِأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ هَذِهِ ٱلْآيَاتِ ٱلَّتِي أَنْتَ تَعْمَلُ إِنْ لَمْ يَكُنِ ٱللهُ مَعَهُ»: نفهم قصد نيقوديموس من وراء هذا الكلام ولكن ما قاله لم يكن صحيحاً بالكامل. فالكتاب المقدس يخبرنا باستمرار عن قدرة الأنبياء الكذبة والمضلين على صنع الآيات والعجائب (تسالونيكي الثانية ٩:٢ ورؤيا يوحنا ١٣:١٣-١٤).
- «إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَا يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ ٱللهِ»: رد يسوع على نيقوديموس كسر الافتراض اليهودي بأن انتماءهم العرقي بالولادة سيضمن لهم مكاناً في ملكوت الله. ولكن أوضح يسوع أن الولادة الأولى لا تضمن مَلَكُوتَ ٱللهِ وأن الضمان الوحيد هو أن يولد المرء ثانية مِنْ فَوْقُ.
- كان تعليم ضمان السماء لنسل إبراهيم يُدّرس على نطاق واسع بين اليهود في ذلك الوقت. وكان معلمو اليهود يُعلمون في الواقع أن إبراهيم كان يقف حارساً على بوابة الجحيم ليتأكد من عدم دخول أياً من أحفاده هناك بطريق الخطأ.
- انتظر معظم اليهود في ذلك الوقت المسيا الذي سيجلب عالماً جديد يتفوق فيه الشعب اليهودي. ولكن جاء يسوع ليجلب حياة جديدة يكون هو السيد فيها.
- خاطب نيقوديموس يسوع وقال: يَا مُعَلِّمُ، فأجابه يسوع مُعلناً الحياة الجديدة. “وكأن ربنا يقول إن المطلوب لدخول الملكوت لا المزيد من التعليم بل حياة جديدة، وهذه الحياة لا بد أن تبدأ بالولادة الجديدة.” آلفورد (Alford)
- يُولَدُ مِنْ فَوْقُ: (في اليونانية ’يُولَدَ ثانِيَةً‘): استخدم يوحنا نفس الكلمة فَوْقُ في يوحنا ٣١:٣ و ١١:١٩، ٢٣. ويمكننا استخدام ’يولد من فوق‘ أو ’يولد ثانية‘ لأن جوهر المعنى واحد. فأن يولد المرء من فوق يعني أنه مولود ثانية.
- تعني العبارة ’يُولَدُ مِنْ فَوْقُ‘ أساساً أن يكون لنا حياة جديدة، والمصطلح اللاهوتي لها هو التجديد أو التحول الروحي الداخلي. فالحياة الجديدة ليست مجرد إصلاح أخلاقي أو ديني ولكن انعكاس طبيعي لتلك الحياة. “لكي ينتمي المرء للملكوت السماوي عليه أن يولد فيه.” تيني (Tenney)
- قال يسوع بوضوح إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَا يُولَدُ لا يقدر أن يدخل أو يكون جزءاً من أو يَرَى مَلَكُوتَ ٱللهِ. فالإصلاح الأخلاقي أو الديني ليس كافياً. يجب أن يولد المرء ثانية.
- هذا ليس أمراً يسعنا فعله لأنفسنا. إذا قال يسوع: “إن لم تغتسل لا يمكنك أن ترى ملكوت الله” عندها نستطيع القول: “أستطيع أن أغتسل بنفسي.” فيمكن للمرء أن يغتسل وينظف نفسه ولكنه لا يستطيع أبداً أن ينجب نفسه.
- “فكرة الولادة الجديدة والتجديد تظهر في عدة مواضع في العهد الجديد.” باركلي (Barclay)
- يقول بطرس في رسالته الأولى كيف أن الله في رحمته العظيمة ولدنا ثانية (بطرس الأولى ٣:١).
- ويقول أيضاً أننا مَوْلُودِينَ ثَانِيَةً لَا مِنْ زَرْعٍ يَفْنَى (بطرس الأولى ٢٢:١-٢٣).
- وقال يعقوب أن الله شَاءَ فَوَلَدَنَا بِكَلِمَةِ ٱلْحَقِّ (يعقوب ١٨:١).
- ويخبرنا تيطس كيف خَلَّصَنَا بِغُسْلِ ٱلْمِيلَادِ ٱلثَّانِي (تيطس ٥:٣).
- وفي رومية نقرأ عن الموت والقيامة مع المسيح فِي جِدَّةِ ٱلْحَيَاةِ (رومية ١:٦-١١).
- ويتحدث بولس في كورنثوس الأولى عن المؤمنين الجدد ويصفهم بالأطفال فِي ٱلْمَسِيحِ (كورنثوس الأولى ١:٣-٢).
- وفي كورنثوس الثانية يتكلم عنا كالخليقة الجديدة في المسيح (كورنثوس الثانية ١٧:٥).
- وفي غلاطية يشير إلى أننا فِي ٱلْمَسِيحِ خَلِيقَةُ جَدِيدَة (غلاطية ١٥:٦).
- وفي أفسس نقرأ أن ٱلْإِنْسَانَ ٱلْجَدِيدَ مَخْلُوقَ بِحَسَبِ ٱللهِ فِي ٱلْبِرِّ (أفسس ٢٢:٤-٢٤).
- ونقرأ في سفر العبرانيين أننا في بداية إيماننا نشبه الأطفال (عبرانيين ١٢:٥-١٤).
ب) الآية (٤): رد نيقوديموس: كيف يمكن هذا؟
٤قَالَ لَهُ نِيقُودِيمُوسُ: «كَيْفَ يُمْكِنُ ٱلْإِنْسَانَ أَنْ يُولَدَ وَهُوَ شَيْخٌ؟ أَلَعَلَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ بَطْنَ أُمِّهِ ثَانِيَةً وَيُولَدَ؟».
- «كَيْفَ يُمْكِنُ ٱلْإِنْسَانَ أَنْ يُولَدَ وَهُوَ شَيْخٌ؟»: لم يكن رد نيقوديموس نتيجة جهل ولكن لأنه اعتقد أن يسوع كان يتكلم عن الإصلاح الأخلاقي. فسؤاله قد يعني: “كيف يمكنك تعليم كلب عجوز حيلاً جديدة؟” مما يشير أن نيقوديموس لم يفهم كلام يسوع أو الحق حول الولادة الجديدة.
- “لو قال ربنا لنيقوديموس: ’على كل أممي أن يولد من فوق‘… لفهم كلامه.” دودز (Dods)
- «كَيْفَ يُمْكِنُ ٱلْإِنْسَانَ أَنْ يُولَدَ وَهُوَ شَيْخٌ؟»: في وصفه للولادة الجديدة، ذكر يسوع موضوعاً مألوفاً من وعود العهد القديم عن العهد الجديد (تثنية ١:٣٠-٦، إرميا ١:٢٣-٨، ٣١:٣١-٣٤، ٣٧:٣٢-٤١، حزقيال ١٦:١١-٢٠، ١٦:٣٦-٢٨، ١١:٣٧-١٤، ٢١:٣٧-٢٨). قدمت هذه المقاطع الأساس لثلاث وعود في العهد الجديد:
- تجمع إسرائيل.
- التطهير والتجديد الروحي لشعب االله.
- سيادة المسيح على إسرائيل والعالم بأسره.
- اعتقد اليهود في أيام يسوع أن الجزئين الأولين من العهد الجديد قد تحققا. فقد رأوا إسرائيل تتحد ثانية – جزئياً على الأقل – بعد السبي البابلي. ورأوا حركات روحية قوية مثل الفريسيين الذين برأيهم حققوا التجديد الروحي. وكل ما كانوا ينتظرونه الآن هو سيادة المسيح.
- لهذا كان كلام يسوع حول الولادة الثانية غريباً جداً على نيقوديموس لأنه اعتقد أن الشعب اليهودي كان يملك الولادة الجديدة أصلاً، ومن المؤكد أنهم لم يكونوا يسعون إليها. فقد كانوا يبحثون فقط عن المسيح المنتصر.
ج) الآيات (٥-٨): يسوع يشرح معنى الولادة الجديدة
٥أَجَابَ يَسُوعُ: «ٱلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَا يُولَدُ مِنَ ٱلْمَاءِ وَٱلرُّوحِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ ٱللهِ. ٦اَلْمَوْلُودُ مِنَ ٱلْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَٱلْمَوْلُودُ مِنَ ٱلرُّوحِ هُوَ رُوحٌ. ٧لَا تَتَعَجَّبْ أَنِّي قُلْتُ لَكَ: يَنْبَغِي أَنْ تُولَدُوا مِنْ فَوْقُ. ٨اَلرِّيحُ تَهُبُّ حَيْثُ تَشَاءُ، وَتَسْمَعُ صَوْتَهَا، لَكِنَّكَ لَا تَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ تَأْتِي وَلَا إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ. هَكَذَا كُلُّ مَنْ وُلِدَ مِنَ ٱلرُّوحِ».
- «ٱلْحَقَّ ٱلْحَقَّ… يَنْبَغِي أَنْ تُولَدُوا مِنْ فَوْقُ»: أكد يسوع على حقيقة أن الإنسان لا يحتاج إلى الإصلاح وإنما إلى تجديد جذري من روح الله وأن علينا أن نولد مِنَ ٱلْمَاءِ وَٱلرُّوحِ.
- “تكلم يسوع في الآية ٣ عن ’رؤية‘ ملكوت الله في حين يتكلم هنا عن ’دخول‘ ملكوت الله. وربما لا يوجد اختلاف كبير في المعنى.” موريس (Morris)
- ٱلْحَقَّ ٱلْحَقَّ: “تكرار الكلمة هنا يؤكد على جدية وأهمية الكلام التالي. التعبيرات الحديثة التي تنقل نفس المعنى هي كالتالي: ’اَقُولَ لك الحقّ‘ أو ’صدقني حينما أقول‘ أو ’أؤكد لك.‘” تاسكر (Tasker)
- إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَا يُولَدُ مِنَ ٱلْمَاءِ وَٱلرُّوحِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ ٱللهِ: إذا أصدرت دولة ما قانوناً لا يسمح بإقامة غير ابناء تلك الأمة، وأراد شخص لم يولد هناك أن يعيش فيها:
- فلا يهم إن أطلق على نفسه اسماً شائعاً في تلك البلد.
- ولا يهم إن كان يتكلم اللغة.
- ولا يهم إن كان يحافظ على بعض العادات السائدة.
- ولا يهم إن كان يرتدي ملابس تلك البلد.
- ولا يهم إن كان يمارس بعض التقاليد الدينية لتلك البلد.
- ولا يهم إن كان والداه قد ولدا في تلك البلد.
- ولا يهم إن كان أولاده قد ولدوا هناك.
- ولا يهم إن كان لديه العديد من الأصدقاء في تلك البلد.
- كل ما يهم هو أن يكون هو قد ولد هناك.
- “قد يتخلى الشخص عن العديد من الرذائل ويترك الكثير من الشهوات التي انغمس فيها ويقهر العادات الشريرة ولكنه لا يستطيع أن يجعل نفسه مولوداً من الله، ومهما حاول فلن يتمكن من عمل شيء يفوق طاقته. وإن تمكن وفعل وولد ثانية فلن يدخل السماء لأنه سينتهك شرطاً آخر هو: “ما لم يولد الرجل من الروح فلن يرى ملكوت الله.” سبيرجن (Spurgeon)
- إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَا يُولَدُ مِنَ ٱلْمَاءِ: نعلم من يوحنا ١٠:٣ أن فكرة الولادة مِنَ ٱلْمَاءِ كان ينبغي أن تكون مألوفة بالنسبة لنيقوديموس من العهد القديم.
- اعتقد البعض أن الولادة مِنَ ٱلْمَاءِ تعني المعمودية. فالماء قد تمثل المعمودية ولكن ليس لها أساس حقيقي في العهد القديم.
- واعتقد البعض أن الولادة مِنَ ٱلْمَاءِ تشير إلى الولادة الطبيعية لأننا نولد بعد انفجار كيس الماء. قد يكون هذا التفسير ملائماً، لكنه كلام يؤكد حقيقة بديهية لا حاجة لذكرها وإن كانت تتماشى منطقياً مع فكرة الولادة من الجسد في يوحنا ٦:٣.
- وقال البعض أن الولادة مِنَ ٱلْمَاءِ تعني أن يولد المرء ثانية بكلمة الله. في مقاطع أخرى من الكتاب المقدس تمثل الماء الكلمة… مُطَهِّراً إِيَّانا بِغَسْلِ ٱلْمَاءِ بِٱلْكَلِمَةِ (أفسس ٢٦:٥).
- وفكر البعض أن الولادة مِنَ ٱلْمَاءِ تعني تجديد الروح القدس الماء الحي من يوحنا ٣٨:٧-٣٩.
- وقد اعتقد البعض أن الولادة مِنَ ٱلْمَاءِ تعني الحصول على ماء التطهير الذي تنبأ عنها حزقيال ٢٥:٣٦-٢٨ كجزء من العهد الجديد. وهذا الفكر يعتبر الأفضل (على الرغم من صعوبته) بسبب ارتباطه القوي بنبوة العهد القديم، لهذا قال يسوع أنه كان على نيقوديموس أن يفهم هذه الأمور.
- اَلْمَوْلُودُ مِنَ ٱلْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ: يلوث الجسد كل أعمال البر بدون الولادة الجديدة للروح. ومع ذلك فإن كل ما يفعله الرجل المقاد بالروح يرضي الله.
- “يضم هذا ٱلْجَسَد كل جزء تَكَوَّنَ بالطريقة الطبيعية: حتى روح الإنسان التي تقبل ما لروح الله، ولكن هذه الروح ميتة وغارقة في التعديات والخطايا.” آلفورد (Alford)
- لَا تَتَعَجَّبْ أَنِّي قُلْتُ لَكَ: يَنْبَغِي أَنْ تُولَدُوا مِنْ فَوْقُ: نرى نيقوديموس يتعجب ثانية من هذا الكلام لأنه كمعظم اليهود في عصره الذين يعتقدون أنهم يملكون التجديد الروحي الداخلي حسب وعد العهد الجديد، وبالتالي أراد يسوع أن يفهم نيقوديموس حقيقة أنهم لا يملكون هذا التجديد وأن عليهم أَنْ يولَدُوا مِنْ فَوْقُ.
- يجب ألا ننسى لمن وجه يسوع هذا الكلام. فقد كان نيقوديموس قائداً دينياً وفريسياً ومثقفاً ومخلصاً في سعيه، ويبدو حسب الظاهر أنه قد تجدد روحياً ولكنه في الواقع لم يكن كذلك.
- “هذه الكلمات البالغة الأهمية تستبعد تماماً إمكانية خلاص الإنسان بواسطة بره الذاتي أو أعماله. فطبيعة الإنسان تسودها الخطية، ولهذا يتطلب الأمر تدخلاً من روح الله ليتمكن الإنسان من دخول ملكوت الله.” موريس (Morris)
- اَلرِّيحُ تَهُبُّ حَيْثُ تَشَاءُ: الفكرة التي أراد يسوع نقلها لنيقوديموس كانت التالي: “أنت لا تفهم كل شيء عن الريح لكنك تشعر بها، وهذا هو الحال بالضبط مع الولادة الروحية.” أراد يسوع لنيقوديموس أن يعرف أنه قد لا يفهم كل شيء عن الولادة الجديدة قبل أن يختبرها.
- وبما أننا لا نستطيع السيطرة على الروح، “على سلوكنا أن يكون حساساً لشخص الروح كي لا نحزنه ويفارقنا.” سبيرجن (Spurgeon)
د ) الآيات (٩-١٣): رد يسوع على السؤال: «كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا؟».
٩أَجَابَ نِيقُودِيمُوسُ وَقَالَ لَهُ: «كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا؟». ١٠أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «أَنْتَ مُعَلِّمُ إِسْرَائِيلَ وَلَسْتَ تَعْلَمُ هَذَا! ١١اَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّنَا إِنَّمَا نَتَكَلَّمُ بِمَا نَعْلَمُ وَنَشْهَدُ بِمَا رَأَيْنَا، وَلَسْتُمْ تَقْبَلُونَ شَهَادَتَنَا. ١٢إِنْ كُنْتُ قُلْتُ لَكُمُ ٱلْأَرْضِيَّاتِ وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ، فَكَيْفَ تُؤْمِنُونَ إِنْ قُلْتُ لَكُمُ ٱلسَّمَاوِيَّاتِ؟ ١٣وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ إِلَّا ٱلَّذِي نَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ، ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ ٱلَّذِي هُوَ فِي ٱلسَّمَاءِ.»
- «كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا؟»: اختلط الأمر على نيقوديموس. فقد كان متأكداً أنه قد حصل بالفعل على الولادة الجديدة كما جميع المؤمنين في إسرائيل وبالتالي وجد صعوبة في التفكير بطريقة مختلفة. لهذا استمر يسوع في توضيح الأمر له.
- «أَنْتَ مُعَلِّمُ إِسْرَائِيلَ وَلَسْتَ تَعْلَمُ هَذَا!»: وبخ يسوع نيقوديموس لعدم إدراكه لحاجته ولوعد الولادة الجديدة لأنها ذكرت بوضوح في العهد القديم. كان نيقوديموس يعرف هذه المقاطع جيداً ولكنه اعتقد أن الوعد بالولادة الجديدة قد تحقق بالفعل. كان عليه أن يكون أكثر علماً بهذه الأمور.”
- أَنْتَ مُعَلِّمُ إِسْرَائِيلَ: “لا نعرف بالتحديد ما هو منصب نيقوديموس الديني في الدائرة الروحية في إسرائيل ولكن يشير السياق إلى أنه كان شخصاً بالغ الأهمية. ولهذا قال يسوع كان ينبغي أن يكون نيقوديموس على دراية بتعليم الولادة الجديدة بصفته معلم بارز للأمة.” تيني (Tenney)
- إِنْ كُنْتُ قُلْتُ لَكُمُ ٱلْأَرْضِيَّاتِ وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ، فَكَيْفَ تُؤْمِنُونَ إِنْ قُلْتُ لَكُمُ ٱلسَّمَاوِيَّاتِ؟: نظرة بسيطة على الأُمُورِ الأرْضِيَّةِ (ٱلْأَرْضِيَّاتِ) – مثل الصور التي استخدمها يسوع من الحياة اليومية وحتى نظرة على حياته الخاصة – ستكفي لتوضيح الأمور لنيقوديموس. وإذا لم يتمكن نيقوديموس من رؤية حاجته لهذا التغيير الروحي، ماذا يمكن ليسوع أن يقول أكثر؟
- وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ إِلَّا ٱلَّذِي نَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ: “أوضح يسوع أن بإمكانه أن يتكلم بسلطان عن السماويات ولا يُمكن لأحدٍ آخر فعل ذلك.” موريس (Morris)
- “باختصار لدينا هنا تصريح من المسيح نفسه على أن ’الكلمة‘ المذكور في بداية الإنجيل كان في البدء عند الله وصار جسداً ليكون نوراً للناس.” دودز (Dods)
- وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ: “يبدو أن هذه الآية تعبير مجازي للفكرة: ’لا أحد يعرف أسرار ملكوت الله‘ كما هو موضح في سفر التثنية ١٢:٣٠ ومزمور ١٧:٧٣ وأمثال ٤:٣٠ ورومية ٣٤:١١. ويستند التعبير على القول المأثور: لتكون على دراية تامة بمكان ما عليك أن تكون قد زرته أولاً.” كلارك (Clarke)
هـ) الآيات (١٤-١٥): يسوع والحية النحاسية
١٤«وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى ٱلْحَيَّةَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ، ١٥لِكَيْ لَا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلْأَبَدِيَّةُ».
- وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى ٱلْحَيَّةَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ: يؤكد يسوع هنا بشكل رائع أن الحية المذكورة في سفر العدد ٤:٢١-٩ ما هي إلا صورة للمسيح وعمله.
- غالباً ما ترمز الحية في الكتاب المقدس للشر (سفر التكوين ١:٣-٥ ورؤيا يوحنا ٩:١٢). ومع ذلك، كانت حية موسى المذكورة في سفر العدد ٢١ مصنوعة من النحاس، ولأن النحاس معدن مرتبط بالنار فهو إذاً يمثل الدينونة في الكتاب المقدس.
- إذاً فالحية النحاسية تمثل الخطية، ولكن الخطية التي أدينت. وهكذا صار يسوع الذي لم يعرف خطية، خطية لأجلنا على الصليب وأدين لأجل خطايانا. فالحية النحاسية صورة عن خطية أدينت وانتهت.
- قد نرغب بتخفيف شعورنا بالخطية فنعلق صورة الإنسان على الراية مكان الحية النحاسية. فصورتنا عن الإنسان قد تصور كلاً من الخير والشر الذين في الإنسان. ولكن الحية تعبّر عن الشر أكثر وتُظهر لنا طبيعتنا الحقيقية وحاجتنا الحقيقية للخلاص.
- بالإضافة إلى ذلك إن وضعنا حية بشكل أفقي على قطب عمودي فمن السهل أن نرى ما يشابه الصليب. ومع ذلك تُظهر العديد من التقاليد الحية ملتفة حول عامود وهو رمز استخدمه القدماء للتعبير عن الطب والاستشفاء.
- نقرأ في سفر العدد ٤:٢١-٩ عن الأشخاص الذين خلصوا بالنظر إلى الحية النحاسية دون أن يبذلو أي مجهود. كان عليهم أن يثقوا بأن شيئاً تافهاً كهذا يكفي لإنقاذهم. وقد لاقى البعض حتفهم طبعاً لأنهم ظنوا أنه أمر غبي.
- قد نكون مستعدين للقيام بمئات الأشياء لكسب خلاصنا ولكن وصية الله لنا أن نثق به وحده وأن نلتفت إليه كما تقول الآية في إِشَعْيَاء ٢٢:٤٥ “اِلْتَفِتُوا إِلَيَّ وَٱخْلُصُوا يَا جَمِيعَ أَقَاصِي ٱلْأَرْضِ، لِأَنِّي أَنَا ٱللهُ وَلَيْسَ آخَرَ.”
- هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ: على الرغم من أن يسوع حمل خطايانا لكنه لم يصبح هو نفسه شخصاً خاطئاً، وصيرورته خطية لأجلنا كان عملاً يعبر عن المحبة والقداسة والبر. فيسوع القدوس بقي قدوساً طوال وجوده على الصليب.
- “لم يفهم نيقوديموس التعليم عن الولادة الجديدة المستمد من نبوة حزقيال؛ والآن يقدم له التعليم عن طريق درس عملي مستوحى من قصة كانت معروفة لديه منذ الطفولة.” بروس (Bruce)
- يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ: “كان يجب أن يموت لأنه كان سيُخلص وكان سيُخلص لأنه أحب.” ماكلارين (Maclaren)
- أَنْ يُرْفَعَ: استخدم هذا المصطلح لاحقاً ليصف صلب يسوع (يوحنا ٣٢:١٢) وصعوده (أعمال الرسل ٣٣:٢). فالمعاناة والتمجيد يحملان نفس المعنى. فقد ارتفع يسوع في الحالتين.
- “كان على ابن الإنسان أَنْ يُرْفَعَ ولكن ليس على عرش في قصر هيرودس بل بشكل واضح يراه الجميع كما عُلقت الحية النحاسية لشفاء الناس.” دودز (Dods)
- لِكَيْ لَا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلْأَبَدِيَّةُ: الفكرة وراء ٱلْحَيَاةُ ٱلْأَبَدِيَّةُ تعني أكثر بكثير من مجرد حياة طويلة لا تنتهي أبداً وتستمر إلى الأبد، فٱلْحَيَاةُ ٱلْأَبَدِيَّةُ تحمل فكرة الحياة بجودة معينة تتناسب مع الله … حياة لن نستمتع بها سوى في الأبدية.
- “نرى طبيعة هذا الإيمان ضمنياً في مثال موسى حينما رفع الحية في البرية. فالإيمان هو قبول الشيء لا العمل للحصول عليه.” تيني (Tenney)
و ) الآية (١٦): هدية الخلاص الإلهي
١٦لِأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ ٱللهُ ٱلْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ، لِكَيْ لَا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلْأَبَدِيَّةُ.
- لِأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ ٱللهُ ٱلْعَالَمَ: من أكثر الإعلانات القوية والموجزة عن الأخبار السارة والتي احتفل بها لفترة طويلة للغاية هي الآية في يوحنا ١٦:٣. وقد تكون من أكثر الآيات المستخدمة في الكرازة من أصل ٣١،٣٧٣ آية في الكتاب المقدس.
- نتعلم هنا موضوع محبة الله: لِأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ ٱللهُ ٱلْعَالَمَ. فالله لم ينتظر إيمان العالم قبل أن يحبهم بل أحب وأعطى ابنه الوحيد للعالم عندما كان العالم لا يزال هو ٱلْعَالَمَ!
- ما قاله يسوع لنيقوديموس في يوحنا ٧:٣ (يجب أن تولد ثانية) دحض الفكر اليهودي السائد بشأن طريق الخلاص. والآن ها هو يدحض الفكرة اليهودية السائدة فيما يتعلق بنطاق الخلاص: لِأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ ٱللهُ ٱلْعَالَمَ.
- نادراً ما اعتقد اليهود في ذلك العصر أن ٱللهُ أَحَبَّ ٱلْعَالَمَ وكثيرين يعتقدون أن الله يحب إسرائيل فقط. لهذا كان العرض للخلاص الشامل والحياة في يسوع ثورياً.
- “كان اليهود على استعداد كافٍ للتفكير في الله كالذي يحب إسرائيل ولكن ليس هناك أي فقرة في الكتابات اليهودية يمكن اقتباسها تقول أن الله يحب العالم. ففكرة أن الله يحب كل العالم هي فكرة تميزت بها المسيحية، فمحبة الله كافية لتشمل البشرية جمعاء.” موريس (Morris)
- اقترح موريسون (Morrison) أن هناك ثلاثة محاور للمحبة:
- لِأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ ٱللهُ ٱلْعَالَمَ (يوحنا ١٦:٣).
- أَحَبَّ ٱلْمَسِيحُ أَيْضاً ٱلْكَنِيسَةَ (أفسس ٢٥:٥).
- ٱبْنِ ٱللهِ ٱلَّذِي أَحَبَّنِي (غلاطية ٢٠:٢).
- حَتَّى بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ: تصف هذه الآية كلاً من تعبير وعطية الله عن محبته. فالله بمحبته لم يشعر فقط بمحنة العالم الساقط بل فعل شيئاً حياله وبَذَلَ أغلى شيء يمكن أن يُعطى: ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ.
- بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ: “يبدو أنها كلمات تشير إلى تقدمة إبراهيم لابنه اسحق كذبيحة، وهذا جعل نيقوديموس على الفور يتذكر المحبة المطلوبة والبديل الذي قُدم والنبوة التي أعطيت لإبراهيم.” آلفورد (Alford)
- كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ: تصف هذه الكلمات المتلقي أو المستفيد من محبة الله. فالله أحب العالم ولكن العالم لن يستفيد من هذه المحبة قبل أن يُؤْمِنُ بيسوع الذي هو عطية الآب. فكلمة يُؤْمِنُ تحمل معنى أعمق من مجرد الوعي الفكري أو الاتفاق، فهي تعني الثقة في والاعتماد على والتمسك بما تؤمن.
- لَا يَهْلِكَ: تصف هذه الكلمات القصد من محبة الله. فمحبة الله تخلص الإنسان من الهلاك الأبدي ولا تريد للعالم الساقط أن يَهْلِكَ ولهذا بمحبته قدم هدية الخلاص في يسوع المسيح.
- ٱلْحَيَاةُ ٱلْأَبَدِيَّةُ: تصف هذه الكلمات المدة الزمنية لمحبة الله. قد تتلاشى محبة الناس لنا أو تتغير أما محبة الله فلن تتغير أبداً. فلن يتوقف الله عن محبته لأولاده إلى أبد الآبدين.
- نستطيع القول أن هناك سبع أمور عجيبة في يوحنا ١٦:٣.
- ٱللهُ… السلطان الأعلى
- أحب ٱلْعَالَم… الدافع الأقوى
- بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ… العطية الأعظم
- لِكَيْ لَا يَهْلِكَ… الخلاص الإلهي
- كُلُّ مَنْ… الدعوة المفتوحة
- يُؤْمِنُ بِهِ… النجاة الأسهل
- بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلْأَبَدِيَّةُ… العطية التي لا تُقدر بثمن
- “إذا كان هناك جملة واحدة تلخص رسالة الأناجيل الأربعة فهي هذه الآية. فمحبة الله ليس لها حدود وتشمل كل البشر. لم يكن هناك تضحية أعظم يمكن أن تؤثر بقوتها على البشرية بأكملها كالتضحية التي قدمها الله: ابنه الوحيد الحبيب.” بروس (Bruce)
- نستطيع القول أن هناك سبع أمور عجيبة في يوحنا ١٦:٣.
ز ) الآيات (١٧-٢١): دينونة الخطية
«١٧لِأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ ٱللهُ ٱبْنَهُ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِيَدِينَ ٱلْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ ٱلْعَالَمُ. ١٨اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لَا يُدَانُ، وَٱلَّذِي لَا يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ، لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِٱسْمِ ٱبْنِ ٱللهِ ٱلْوَحِيدِ. ١٩وَهَذِهِ هِيَ ٱلدَّيْنُونَةُ: إِنَّ ٱلنُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى ٱلْعَالَمِ، وَأَحَبَّ ٱلنَّاسُ ٱلظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ ٱلنُّورِ، لِأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً. ٢٠لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ ٱلسَّيِّآتِ يُبْغِضُ ٱلنُّورَ، وَلَا يَأْتِي إِلَى ٱلنُّورِ لِئَلَّا تُوَبَّخَ أَعْمَالُهُ. ٢١وَأَمَّا مَنْ يَفْعَلُ ٱلْحَقَّ فَيُقْبِلُ إِلَى ٱلنُّورِ، لِكَيْ تَظْهَرَ أَعْمَالُهُ أَنَّهَا بِٱللهِ مَعْمُولَةٌ».
- لِأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ ٱللهُ ٱبْنَهُ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِيَدِينَ ٱلْعَالَمَ: كشف يسوع عما في قلب الله الآب حينما أرسل الله الابن. فقد أرسله ليمنح الخلاص – النجاة والرجاء والشفاء – للعالم من خلاله (لِيَخْلُصَ بِهِ ٱلْعَالَمُ).
- “ستأتي الدينونة على البعض بسبب مجيء يسوع إلى العالم يوحنا ١٩:٣) ولكن لم يكن هذا هو الغرض من مجيئه.” موريس (Morris)
- وَٱلَّذِي لَا يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ: نجد في يوحنا ١٦:٣ أروع دعوة وأكرمها على الإطلاق – الحياة الأبدية لكل من يؤمن. ولكن لهذا العرض عواقب حقيقية لكل من يرفض أن يُؤْمِنُ. إن رفضهم يجعل دينونتهم مؤكدة.
- ثمة قضية هامة بالنسبة لأولئك الذين لا يؤمنون: “ماذا عن أولئك الذين لم تتاح لهم الفرصة للإيمان لأنهم لم يسمعوا الخبر السار عن يسوع المسيح؟” هذه قضية هامة ولكنها منفصلة ويتناولها بولس الرسول على أكمل وجه في رومية ١ و٢. ولكن يبدو أن التركيز هنا على أولئك الذين رفضوا الرسالة عن قصد، أي أولئك الذين سمعوا يسوع وتقابلوا معه في القرن الأول.
- “لا يذكر هنا صراحة أولئك الذين لم تتاح لهم فرصة الإيمان بيسوع المسيح، الذين لم يشرق النور عليهم بالكامل. ولكن ربما كشفت كلمات يوحنا هنا عن المبدأ الذي سيدانون على أساسه. وكما جاء الكلمة الأبدية للناس قبل أن يتجسد في يسوع المسيح هكذا الحال مع نور الله. فإن أدين الناس نتيجة تجاوبهم مع النور فسيدانون أيضاً نتيجة تجاوبهم مع مقدار النور المتوفر لديهم.” بروس (Bruce)
- وَهَذِهِ هِيَ ٱلدَّيْنُونَةُ: جاء يسوع ليمنح الخلاص للجميع ولكن من يرفض هذا الخلاص يدين نفسه. فالدينونة تقع على كاهل من يرفض هذا الخلاص وليس على الله.
- “لن يكون في السماء أبداً من لم يتجدد روحياً، تماماً كما لن ينال الكلب المتسخ فرصة المشي على الرصيف الذهبي، فهذا الميراث لا يتدنس.” تراب (Trapp)
- وَأَحَبَّ ٱلنَّاسُ ٱلظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ ٱلنُّورِ لِأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً: يوضح يسوع ما يمنع الناس من الإيمان والخلاص به فهم منجذبون للظلمة ويحبونها أكثر من النور. هناك بُعدٍ أخلاقي خطير لعدم الإيمان غالباً ما يتم رفضه أو تجاهله.
- أولئك الذين يرفضون يسوع بإدراك غالباً ما يقدمون أنفسهم كشخصيات بطولية تخلوا بشجاعة عن الخرافات وتعاملوا بصدق مع المشاكل الفلسفية العميقة. وفي كثير من الأحيان يكون هناك بعض التنازلات الأخلاقية في هذا الرفض.
- ينبري العديد من معارضي المسيحية لمقاومة الحق المتمثل في يسوع لأنهم يحبون خطيتهم ولا يريدون مواجهتها أو مواجهة الله الذي سيدينها.
- عندما نفكر في حب الخطية الذي يرسل الناس إلى نار الأبدية فكثيراً ما نفكر بالخطايا الكبيرة الواضحة. لكن مجرد سعي الإنسان ليكون هو سيد حياته يكفي لأن يكون خطية تستحق الدينونة أمام الله.
- لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ ٱلسَّيِّآتِ يُبْغِضُ ٱلنُّورَ: يعبر البعض عن كراهيتهم للحق من خلال مكافحته بنشاط، وآخرون يعبرون عن كرههم بتجاهل حق الله والقول ليسوع: ’أنت لا تستحق وقتي.‘ وفي المقابل: مَنْ يَفْعَلُ ٱلْحَقَّ فَيُقْبِلُ إِلَى ٱلنُّورِ.
- مَنْ يَفْعَلُ ٱلْحَقَّ: “’أن تفعل الحق‘ هو أن تعيش وفقاً لما تعرفه؛ أن يعيش حياة صادقة وبضمير حي.” دودز (Dods)
- “اختاروا أن يسيروا في الظلمة ولكي يفعلوا أعمال الظلمة كسروا القانون الإلهي ورفضوا الرحمة المقدمة لهم، وأصبحوا تحت رحمة العدالة الإلهية وأدينوا وحُكم عليهم ونالوا المجازاة. فماذا كان إذاً مصدر دينونتهم؟ هم أنفسهم.” كلارك (Clarke)
ثانياً. شهادة يوحنا المعمدان الأخيرة عن يسوع
أ ) الآيات (٢٢-٢٤): يسوع يُعَمِّدُ في اليهودية بينما كان يوحنا أيضاً يُعَمِّدُ
٢٢وَبَعْدَ هَذَا جَاءَ يَسُوعُ وَتَلَامِيذُهُ إِلَى أَرْضِ ٱلْيَهُودِيَّةِ، وَمَكَثَ مَعَهُمْ هُنَاكَ، وَكَانَ يُعَمِّدُ. ٢٣وَكَانَ يُوحَنَّا أَيْضاً يُعَمِّدُ فِي عَيْنِ نُونٍ بِقُرْبِ سَالِيمَ، لِأَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ مِيَاهٌ كَثِيرَةٌ، وَكَانُوا يَأْتُونَ وَيَعْتَمِدُونَ. ٢٤لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُوحَنَّا قَدْ أُلْقِيَ بَعْدُ فِي ٱلسِّجْنِ.
- جَاءَ يَسُوعُ وَتَلَامِيذُهُ إِلَى أَرْضِ ٱلْيَهُودِيَّةِ: يواصل يوحنا روايته عن حياة يسوع بالتركيز على خدمته في أَرْضِ ٱلْيَهُودِيَّةِ، أما الأناجيل الأخرى فركزت على خدمته في منطقة الجليل.
- وَمَكَثَ مَعَهُمْ هُنَاكَ وَكَانَ يُعَمِّدُ: قام يسوع مع تلاميذه بخدمة المعمودية التي تبدو مشابهة لخدمة يوحنا المعمدان. كانت تلك طريقة يسوع المتواضعة للاعتراف بأهمية وبصلاح خدمة يوحنا.
- لاحظ موريس (Morris) التالي: “على الأرجح كانت خدمة يسوع في التعميد استمراراً ’لمعمودية التوبة‘ التي ميزت يوحنا المعمدان.” كما ونعلم أنه عندما بدأ يسوع خدمته الكرازية بدأها بالمناداة بالتوبة وهي نفس رسالة يوحنا (متى ٢:٣ و١٧:٤). كان من المنطقي أن يستخدم يسوع أيضاً نفس الطريقة للتعبير عن التوبة التي استخدمها يوحنا والتي كان لها أثر كبير.
- “يبدو أن خدمة المعمودية التي مارسها تلاميذ يسوع كانت تقوم على نفس مبدأ يوحنا المعمدان.” آلفورد (Alford)
- “كلمة ’مَكَثَ‘ ليست محددة هنا ولكننا نفهم من خلالها أنها فترة تأنٍ دون استعجال تعرف خلالها يسوع وأتباعه على بعضهم البعض بشكل أفضل.” موريس (Morris)
- لا يخبرنا يوحنا هنا عن موقع خدمة المعمودية التي قام بها يسوع وقد يكون هذا بسبب حدوثها في عدة أماكن في المنطقة.
- وَكَانَ يُوحَنَّا أَيْضاً يُعَمِّدُ فِي عَيْنِ نُونٍ بِقُرْبِ سَالِيمَ: تتضارب الآراء حول موقع هذا المكان بالتحديد. ولكن أفضل الأدلة تشير إلى أنه كان مكاناً يبعد ١٢ كيلومتراً جنوب مدينة بيسان الحديثة.
- “الاسم ’عَيْنِ نُونٍ‘ يعني عيون الماء وهو مكان غني بالماء (وتعني الكلمة حرفياً لِأَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ مِيَاهٌ كَثِيرَة) وهو المطلوب لخدمة يوحنا في التعميد.” بروس (Bruce)
- “موقع عَيْنِ نُونٍ الدقيق غير مؤكد ولكن هناك موقعان محتملان: احدهما الى الجنوب من بيسان حيث العديد من الينابيع، والآخر يقع على بعد مسافة قصيرة من شكيم. ويبدو ان الموقعين الاولين هما الاحتمال الأفضل.” تيني (Tenney)
- كانت خدمة المعمودية التي مارسها يوحنا لا تزال فعالة، فنقرأ: وَكَانُوا يَأْتُونَ وَيَعْتَمِدُونَ. “نلاحظ أن الأفعال الماضية هنا مستمرة، مما يعطيها قوة إضافية تعني أنهم: ’كانوا يستمرون في المجيء لطلب المعمودية.” موريس (Morris)
ب) الآيات (٢٥-٢٦): سمع يوحنا عن خدمة يسوع في التعميد
٢٥وَحَدَثَتْ مُبَاحَثَةٌ مِنْ تَلَامِيذِ يُوحَنَّا مَعَ يَهُودٍ مِنْ جِهَةِ ٱلتَّطْهِيرِ. ٢٦فَجَاءُوا إِلَى يُوحَنَّا وَقَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، هُوَذَا ٱلَّذِي كَانَ مَعَكَ فِي عَبْرِ ٱلْأُرْدُنِّ، ٱلَّذِي أَنْتَ قَدْ شَهِدْتَ لَهُ، هُوَ يُعَمِّدُ، وَٱلْجَمِيعُ يَأْتُونَ إِلَيْهِ».
- وَحَدَثَتْ مُبَاحَثَةٌ مِنْ تَلَامِيذِ يُوحَنَّا مَعَ يَهُودٍ مِنْ جِهَةِ ٱلتَّطْهِيرِ: نحن لا نعرف بالضبط ما طبيعة هذه المُبَاحَثَةٌ (أو الجدال). ولكن ما نعرفه بالتأكيد أن معمودية يوحنا كانت تحمل عنصر ٱلتَّطْهِيرِ الشخصي مما جعل القادة اليهود يعارضون ما كان يوحنا يفعله أو كيف كان يفعله.
- هُوَ يُعَمِّدُ، وَٱلْجَمِيعُ يَأْتُونَ إِلَيْهِ: نحن لا نعرف تفاصيل النزاع من جهة التطهير ولكن في تلك المباحثة عرف تلاميذ يوحنا أن يسوع كان يعمد ويجذب إليه الحشود الكبيرة.
- “’وَٱلْجَمِيعُ‘ في الكلمة مبالغة مفهومة مصدرها حماس (أو غضب) القائل، لكنها طبيعية في هذا السياق.” موريس (Morris)
- وَٱلْجَمِيعُ يَأْتُونَ إِلَيْهِ: بدا تلاميذ يوحنا قلقين ولكن الأمر لم يزعج يوحنا حتى قليلاً. فيوحنا لن يسمح للحسد أو الجموع ذات الآراء المتضاربة أن ينسوه مهمته: فقد جاء ليعلن أن المسيح قد جاء ومن ثم يخطو خطوة للوراء ويترك الساحة للتركيز على المسيح.
ج ) الآيات (٢٧-٣٠): جواب يوحنا لتلاميذه المضطربين
٢٧أجَابَ يُوحَنَّا وَقَالَ: «لَا يَقْدِرُ إِنْسَانٌ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئاً إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ. ٢٨أَنْتُمْ أَنْفُسُكُمْ تَشْهَدُونَ لِي أَنِّي قُلْتُ: لَسْتُ أَنَا ٱلْمَسِيحَ بَلْ إِنِّي مُرْسَلٌ أَمَامَهُ. ٢٩مَنْ لَهُ ٱلْعَرُوسُ فَهُوَ ٱلْعَرِيسُ، وَأَمَّا صَدِيقُ ٱلْعَرِيسِ ٱلَّذِي يَقِفُ وَيَسْمَعُهُ فَيَفْرَحُ فَرَحاً مِنْ أَجْلِ صَوْتِ ٱلْعَرِيسِ. إِذاً فَرَحِي هَذَا قَدْ كَمَلَ. ٣٠يَنْبَغِي أَنَّ ذَلِكَ يَزِيدُ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ.
- لَا يَقْدِرُ إِنْسَانٌ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئاً إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ: كان جواب يوحنا لتلاميذه القلقين كالتالي: كل ما لي هو عطية من الله بما في ذلك أولئك الذين تجاوبوا مع الخدمة. ولأنها عطية من الله إذاً علينا قبولها بامتنان.
- أَنِّي قُلْتُ: لَسْتُ أَنَا ٱلْمَسِيحَ بَلْ إِنِّي مُرْسَلٌ أَمَامَهُ: ثم ذّكر يوحنا تلاميذه أنه كان يعرف نفسه جيداً ويعرف أيضاً من هو يسوع جيداً. كما وكان يعلم مكانته الصحيحة جيداً: ليس عالياً أكثر مما ينبغي (معتقداً نفسه المسيح) وليس متدنياً أكثر مما ينبغي (معتقداً أن لا دعوة أو مكان له في خطة الله).
- وَأَمَّا صَدِيقُ ٱلْعَرِيسِ: أوضح يوحنا لأتباعه أنه مثل إشْبِيْنُ العريس وليس العريس نفسه وأنه لا يجوز أن يكون محور الاهتمام ولكن المشرف على ربط الطرفين معاً.
- كان على صَدِيقُ ٱلْعَرِيسِ في العادات اليهودية المتعلقة بالزفاف في تلك الأيام أن يرتب تفاصيل العرس ومن ضمنها أن يجلب العروس للعريس. فلم يرغب صَدِيقُ ٱلْعَرِيسِ بأن يكون هو مركز الاهتمام قط.
- حقيقة أن العريس يمثل يسوع ما هي إلا طريقة أخرى يستخدمها الكتاب المقدس ليعلن أن يسوع هو الله. كان يهوه في العهد القديم هو الوحيد الذي يدعى عريس إسرائيل. “كان يوحنا مدركاً تماماً أن إسرائيل هي عروس يهوه في العهد القديم.” موريس (Morris)
- إِذاً فَرَحِي هَذَا قَدْ كَمَلَ: أراد يوحنا لأتباعه أن يعرفوا أن فرحهُ اكتمل بكل هذه الترتيبات. قد يقول أحدهم: كيف يمكن ليوحنا المعمدان أن يقول هذا بعد أن خسر رعيته! لكن يوحنا كان سعيداً لأنه خسر رعيته ليسوع.
- “لم يتأسف يوحنا لأن الناس انجذبت نحو يسوع بل كان هذا تحقيقاً لخدمته ورجائه.” دودز (Dods)
- “لا يخفي يوحنا أي مشاعر حسد أو منافسة. فليس من السهل أن نرى تأثير شخصاً ينال اهتماماً وله تأثير أكثر منا، وبالتأكيد ليس من السهل أن نفرح حين نرى هذا يحدث. ولكن يوحنا شعر أن فرحه اكتمل عندما سمع الأخبار من تلاميذه.” بروس (Bruce)
- يَنْبَغِي أَنَّ ذَلِكَ يَزِيدُ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ: فهم يوحنا المعمدان أنه كان من الأفضل له أن يختفي عن المشهد كي يظهر يسوع ويصبح الأكثر وضوحاً. وعلى المستوى الأكبر، يجب أن يكون هذا شعار كل مؤمن وخاصة القادة بين شعب الله. على يسوع أن يصبح الأعظم والأكثر وضوحاً وعلى الخادم أن يختفي من الصورة والمشهد.
- كان يسوع يعمد الناس معمودية التوبة ويجذب إليه حشوداً كبيرة، أدرك يوحنا أنه لم يكن له ذات خدمة ووظيفة يسوع. كان يسوع هو المسيا الفريد وعلى خدمته أن تمجد وتُعظم باستمرار.
- يُظهر لنا يوحنا المعمدان أنه يمكن أن نملك الشعبية والنجاح مع بقائنا متواضعين. حظي يوحنا المعمدان بالشهرة والمعجبين التي يحلم بها القساوسة المشاهير هذه الأيام ولكنه كان مثالاً رائعاً للتواضع الحقيقي.
- لم يتخلَّ يوحنا المعمدان عن خدمته لمجرد أن يسوع كان يقوم بعمل مماثل ولعدد أكبر من الناس. فقد استمر يوحنا في خدمته مكتفياً بالدعوة التي أعطاها إياه الله على الرغم من أن يسوع حاز على المزيد من الاهتمام ونال هو اهتماماً أقل بكثير.
- “على الخُدام أن يتعلموا ألا يتطلبوا الكثير من خدمتهم لأنه قد يأتي يوم ويرسل الله آخرين ليقوموا بأدوار أعظم وبخدمة أنجح تجعلهم يختفون عن المشهد.” تراب (Trapp)
- “إن لم يكن بسبب الخمول أو الكسل، فلا تقلق إن قل عدد من يقبلون إلى الخلاص، فهذا اختصاص الروح القدس وهو يقسم للكل كما يرتأي.” ماير (Meyer)
د ) الآيات (٣١-٣٣): شهادة يوحنا عن يسوع
٣١اَلَّذِي يَأْتِي مِنْ فَوْقُ هُوَ فَوْقَ ٱلْجَمِيعِ، وَٱلَّذِي مِنَ ٱلْأَرْضِ هُوَ أَرْضِيٌّ، وَمِنَ ٱلْأَرْضِ يَتَكَلَّمُ. اَلَّذِي يَأْتِي مِنَ ٱلسَّمَاءِ هُوَ فَوْقَ ٱلْجَمِيعِ، ٣٢وَمَا رَآهُ وَسَمِعَهُ بِهِ يَشْهَدُ، وَشَهَادَتُهُ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْبَلُهَا. ٣٣وَمَنْ قَبِلَ شَهَادَتَهُ فَقَدْ خَتَمَ أَنَّ ٱللهَ صَادِقٌ،
- اَلَّذِي يَأْتِي مِنْ فَوْقُ: أراد يوحنا أن يعرف الجميع من أين جاء يسوع. فقد كان يسوع مختلفاً عن الجميع لأنه جاء من السماء. ولم يكن مجرد شخص روحي مميز أو حكيم أو صالح بل هو الله الذي جاء مِنَ ٱلسَّمَاءِ.
- هناك بعض الجدل إن كانت الآية في يوحنا ٣١:٣ هي استمرار لكلمات يوحنا المعمدان أم بداية تعليق يوحنا الإنجيلي حول الموضوعات التي طرحتها كلمات يوحنا المعمدان السابقة.
- اَلَّذِي يَأْتِي مِنَ ٱلسَّمَاءِ هُوَ فَوْقَ ٱلْجَمِيعِ: يسوع ليس مختلفاً فقط عن الجميع بل هو الأعظم والأفضل من الجميع أيضاً.
- “إذا أردنا أن نعرف شيئاً عن إحدى العائلات فإننا نلجأ إلى أحد أفراد تلك العائلة، وإذا أردنا معلومات عن بلد بعيد فإننا نصل إلى ما نريد عن طريق شخص أتى من تلك المدينة. إذن إذا أردنا معلومات عن الله فلا خيار أمامنا سوى ابن الله. وإذا أردنا معلومات عن السماء وعن الحياة في السماء فأفضل طريقة هي أن نسمعها من الذي أتى من السماء.” باركلي (Barclay)
- وَمَا رَآهُ وَسَمِعَهُ بِهِ: “الرؤية والسمع يعادلان امتلاك المعرفة المباشرة.” دودز (Dods)
- وَشَهَادَتُهُ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْبَلُهَا: توقع يوحنا الرفض الذي سيلاقيه يسوع أثناء خدمته. فقد جاء يسوع من السماء وشهد عن الحق ولكن لم يقبل أحد شَهَادَتُهُ تقريباً على الرغم من أن الشهود أقروا أن شهادته كانت صادقة.
- “قصد يوحنا أن أحداً لم يقبل شهادة يسوع مقارنة مع الحشود الذين جاءت إليه وبالمقارنة مع أمة إسرائيل وبالمقارنة مع الجنس البشري. فالذين آمنوا بشهادة المسيح كان عددهم قليلاً للغاية ولهذا قال بحزن: ليس أحد قبل شهادة المسيح.” سبيرجن (Spurgeon)
- “إن قبول تعليمه يعني أنك تشهد وتقر بِأنَّ اللهَ صادِق، ومن الناحية الأخرى رفضه يعني أنك تشهد وتقر بأن الله كاذب (يوحنا ٣٣:٣، يوحنا الأولى ١٠:١، ١٠:٥)” تاسكر (Tasker)
- كتب سبيرجن مُعلقاً على كلمة ’خَتَمَ‘: “عندما تؤمن بيسوع فأنت قد وضعت ختمك على شهادة يسوع التي هي الإعلان الإلهي. وبهذا تعلن وتقر أنك تؤمن بأن الله صادق.”
هـ) الآيات (٣٤-٣٦): ثمن رفض الشهادة الحقيقية بشأن يسوع
٣٤لِأَنَّ ٱلَّذِي أَرْسَلَهُ ٱللهُ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامِ ٱللهِ. لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَيْلٍ يُعْطِي ٱللهُ ٱلرُّوحَ. ٣٥اَلْآبُ يُحِبُّ ٱلِٱبْنَ وَقَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي يَدِهِ. ٣٦ٱلَّذِي يُؤْمِنُ بِٱلِٱبْنِ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَٱلَّذِي لَا يُؤْمِنُ بِٱلِٱبْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ ٱللهِ.
- لِأَنَّ ٱلَّذِي أَرْسَلَهُ ٱللهُ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامِ ٱللهِ: يسوع هو الإعلان الفريد الذي يمكن الاعتماد عليه لأنه يملك الروح القدس بلا ’كَيْلٍ‘ (حَدٍّ) على النقيض من الأنبياء السابقين.
- لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَيْلٍ يُعْطِي ٱللهُ ٱلرُّوحَ: تكلم يوحنا عن يسوع (الذي يملك ٱلرُّوحَ بلا كَيْلٍ) وتنبأ عن العهد الجديد (الذي شهد انسكاباً حقيقياً من الروح القدس). وبالنسبة لأولئك الذين تبعوا المسيح من خلال العهد الجديد لا يوجد حدود للروح الذي يمكن أن يُعطى.
- “تقول الكتب اليهودية أن الروح القدس أُعطي فقط للأنبياء ولكن بحدود. وانسكاب الروح على يسوع الذي كان بلا حساب أو حدود كان بسبب كلامه عن الله.” آلفورد (Alford)
- اَلْآبُ يُحِبُّ ٱلِٱبْنَ: “نقرأ مرتين في هذا الإنجيل أن ’الآب يحب الابن.‘ هنا في يوحنا ٣٥:٣ وفي يوحنا ٢٠:٥. الفعل هنا هو أغابو (agapao) وفي الثانية فيليو (phileo). ويوضح التناوب بين هذين الفعلين في العبارات المتطابقة نية يوحنا الإنجيلي لتباين اختياراته للمرادفات.” بروس (Bruce)
- ٱلِٱبْنَ: “هذا الاستخدام المطلق لكلمة ’الابن‘ المحصورة بالمسيح يشير بالتأكيد، إن لم يثبت قطعاً، لاهوت المسيح، وهو الوصف المفضل للمسيح في هذا الإنجيل.” دودز (Dods)
- وَٱلَّذِي لَا يُؤْمِنُ بِٱلِٱبْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ ٱللهِ: أوضح يوحنا بما أن يسوع آتٍ من السماء فهناك ثمن باهظ يجب أن يدفع في حالة رفضه. إن رفضت الابن ستواجه الغضب.
- وَٱلَّذِي لَا يُؤْمِنُ: “قد يعتقد الشخص أن عدم إيمانه أمر بسيط ولكنه في الواقع رُمح مسنون موجه ضد الإله.” سبيرجن (Spurgeon)
- غَضَبُ ٱللهِ: “لا تعني الكلمة تدفقاً مفاجئاً أو إنفجاراً للمشاعر بل هو استياء الله الثابت والمستمر ضد الخطية. إنها الحساسية الإلهية نحو الشر الأخلاقي ورد فعل البر على النجاسة.” تيني (Tenney)
- رفض الابن هو رفض عطيته التي هي الحياة الأبدية. فلا يمكنك أن تقول له: “سآخذ العطية ولكني أرفضك.”
- “’غضب الله‘ عبارة غير مرغوب بها لكثير من الدارسين في هذا العصر. لهذا تم استخدام وسائل أخرى مختلفة لتخفيف التعبير أو شرحه بطريقة بعيدة عن الحق. لا يمكننا القيام بهذا دون إلحاق الضرر بنصوص الكتاب المقدس ودون المساس بصفات الله الأخلاقية.” موريس (Morris)
- “لا يعني هذا أن الله يرسل غضبه عليه بل أنه يجلب على نفسه هذا الغضب.” باركلي (Barclay)
- يَمْكُثُ عَلَيْهِ (يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ) غَضَبُ ٱللهِ: سيستقر غضبه على هذا العالم حتى يكتمل الشر تماماً. سيستقر غضبه على العالم الآتي لأن الذين رفضوا يسوع لا يمكنهم تقديم ذبيحة كاملة مقبولة له… سيستقر غضب الله حتى تستوفي ذبيحة يسوع الكاملة على الصليب كل دين الشر والإثم.
- “قد لا يعجبنا هذا الكلام ولكننا لا ينبغي أن نتجاهله. يخبرنا يوحنا أن هذا الغضب سيمكث وسيستقر، لذا علينا ألا نتوقع أنه سيتلاشى يوماً مع مرور الوقت.” موريس (Morris)
- “عندما كان ويتفيلد القديس (Whitfield) يعظ، كثيراً ما كان يرفع يديه والدموع تسيل من عينيه ويصرخ: ’الغضب الآتي! الغضب الآتي!‘ ثم يصمت لبرهة لأن مشاعره كانت تقاطع كلامه.” سبيرجن (Spurgeon)
- إذا نظرنا ثانية للأصحاح ٣ نستطيع القول أنه أصحاح هام للغاية وينبغي قراءته. فقد تكررت كلمة ’ينبغي‘ ثلاث مرات بارزة في يوحنا ٣
- ينبغي للخطاة: يَنْبَغِي أَنْ تُولَدُوا مِنْ فَوْقُ (يوحنا ٧:٣).
- ينبغي للمخلص: يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ (يوحنا ١٤:٣).
- ينبغي للسيادة: يَنْبَغِي أَنَّ يَزِيدُ (يوحنا ٣٠:٣).
- ينبغي للخادم: يَنْبَغِي أني أَنَا أَنْقُصُ (يوحنا ٣٠:٣).