إنجيل يوحنا – الإصحاح ١٠
ٱلرَّاعِي ٱلصَّالِحُ
أولاً. مقارنة بين الراعي الصالح ورعاة إسرائيل الكذبة
أ ) الآيات (١-٢): يسوع هو الراعي الحقيقي والشرعي الذي يدخل بالطريقة اللائقة والمُعدة جيداً
١«اَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ ٱلَّذِي لَا يَدْخُلُ مِنَ ٱلْبَابِ إِلَى حَظِيرَةِ ٱلْخِرَافِ، بَلْ يَطْلَعُ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ، فَذَاكَ سَارِقٌ وَلِصٌّ. ٢وَأَمَّا ٱلَّذِي يَدْخُلُ مِنَ ٱلْبَابِ فَهُوَ رَاعِي ٱلْخِرَافِ».
- اَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: حدث هذا، (على الأقل وفقاً للتسلسل الموضوعي في إنجيل يوحنا) بعد النزاع الكبير مع القادة الدينيين حول شفاء الأعمى. فقد أظهر القادة اليهود بأنهم غير متعاونين وقساة تجاه الرجل وأهله والناس العاديين عموماً، مما دفع يسوع للتحدث عن التباين بين قلبه وعمله كقائد لشعب الله وقلب وعمل العديد من القادة الدينيين في عصره.
- “اَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ: هذه عبارة غريبة على الإنجيل الرابع، وبشكل عام تقدم تعهداً رسمياً عن يسوع أو إرساليته.” تيني (Tenney)
- إِنَّ ٱلَّذِي لَا يَدْخُلُ مِنَ ٱلْبَابِ إِلَى حَظِيرَةِ ٱلْخِرَافِ، بَلْ يَطْلَعُ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ، فَذَاكَ سَارِقٌ وَلِصٌّ: غالباً ما كان يطلق على القادة السياسيين والروحيين في العالم القديم لقب ’الرعاة‘ (إشعياء ١١:٥٦، إرميا ٥:٣١). فأوضح يسوع هنا أنه ليس كل من يقف في حظيرة الخراف يعني أنه راعي الخراف الحقيقي، فقد يكون سارقاً أو لصاً. والعلامة الوحيدة لمعرفة إن كان سَارِقٌ وَلِصٌّ هي الطريقة التي دخل بها إلى حظيرة الخراف.
- الفكرة هنا أنه يوجد بَاب، وهذا الباب هو الطريقة الملائمة للدخول. فليس كل من يقف وسط الخراف قد دخل من خلال الباب. فالبعض يَطْلَعُ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ.
- اكتسب القادة الدينيون مكانتهم بين شعب الله، أي الخراف المذكورين هنا، من خلال العلاقات الشخصية والسياسية، ومن خلال التعليم الرسمي والطموح والتلاعب والفساد.
- وَأَمَّا ٱلَّذِي يَدْخُلُ مِنَ ٱلْبَابِ فَهُوَ رَاعِي ٱلْخِرَافِ: يدخل الراعي الحقيقي بالطريقة اللائقة ويكون على أتم الاستعداد: بالمحبة والدعوة والرعاية والخدمة المضحية.
- أراد الله على الدوام أن يكون هناك من يقود شعبه ويرعاهم ويحميهم، وعلى هؤلاء الرعاة أن يأتوا بالطريقة الشرعية والمُعدة جيداً. فالباب موجود لسبب. ويحاول البعض باستمرار التسلق والدخول عبر الحواجز، ولكن الله هو من وضع تلك الحواجز والباب موجود لهذا السبب.
- “وبالتالي، كل من يدخل حظيرة الخراف ليس عن طريق يسوع المسيح ويتقلد منصب الراعي، ما هو إلا لص وسارق، وهمه الوحيد تحقيق مصالحه الذاتية لا مصالح المسيح أو شعبه. فالطموح والجشع وحب الرفاهية والشهرة وتعزيز المصالح الشخصية والعائلية وتحقيق كل الرغبات، كلها طرق يدخل من خلالها السُرَّاق وَالُلصُوص إلى الكنيسة. وكل من يدخل مستخدماً أي من تلك الطرق، أو حسب طريقة سيمون الساحر لا يستحق اسماً أفضل.” كلارك (Clarke)
ب) الآيات (٣-٦): ٱلْخِرَاف وٱلرَّاعِي
«٣لِهَذَا يَفْتَحُ ٱلْبَوَّابُ، وَٱلْخِرَافُ تَسْمَعُ صَوْتَهُ، فَيَدْعُو خِرَافَهُ ٱلْخَاصَّةَ بِأَسْمَاءٍ وَيُخْرِجُهَا. ٤وَمَتَى أَخْرَجَ خِرَافَهُ ٱلْخَاصَّةَ يَذْهَبُ أَمَامَهَا، وَٱلْخِرَافُ تَتْبَعُهُ، لِأَنَّهَا تَعْرِفُ صَوْتَهُ. ٥وَأَمَّا ٱلْغَرِيبُ فَلَا تَتْبَعُهُ بَلْ تَهْرُبُ مِنْهُ، لِأَنَّهَا لَا تَعْرِفُ صَوْتَ ٱلْغُرَبَاءِ». ٦هَذَا ٱلْمَثَلُ قَالَهُ لَهُمْ يَسُوعُ، وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ يَفْهَمُوا مَا هُوَ ٱلَّذِي كَانَ يُكَلِّمُهُمْ بِهِ.
- لِهَذَا يَفْتَحُ ٱلْبَوَّابُ: في الصورة الروحية التي تكلم عنها يسوع، هناك بَوَّاب يقف على باب حظيرة الخراف ويراقب الداخل والخارج. وٱلْبَوَّاب يعرف الراعي الحقيقي جيداً ويمنحه حق الدخول.
- في الُقرى في ذلك العصر، كانت معظم خراف القرية تحفظ في الليل في حظيرة مشتركة يُشرف عليها أحد البوابين لتنظيم دخول وخروج الرعاة مع خرافهم دون اختلاطها بغيرها.
- فَيَدْعُو خِرَافَهُ ٱلْخَاصَّةَ بِأَسْمَاءٍ وَيُخْرِجُهَا: يدعو الراعي خِرَافَهُ ٱلْخَاصَّةَ بِأَسْمَاءٍ، مُظهراً علاقة الراعي الشخصية بالخراف. فالراعي يقودها (يُخْرِجُهَا) ويرشدها، وهي تتبع.
- “كما نُسمي نحن الخيول والكلاب والأبقار، هكذا كان يفعل الرعاة الشرقيون مع خرافهم.” دودز (Dods)
- “عندما كنت شاباً، كان بعض الرعاة في المرتفعات الاسكتلندية لا يدعون خرافهم بأسماء فحسب، بل زعموا أن الخروف كان يميز اسمه ويستجيب له أيضاً.” بروس (Bruce)
- “في هذا الإنجيل، يدعو يسوع ’خرافه‘ التي تتبعه بأسماءٍ: فيلبس ومريم المجدلية وتوما وسمعان بطرس. وفي كل مناسبة تكون نقطة تحول في حياة التلميذ.” تاسكر (Tasker)
- “وَيُخْرِجُهَا: كان شائعاً في البلدان الشرقية أن يمشي الراعي أمام خرافه بينما تتبعه من مرعى إلى آخر.” كلارك (Clarke)
- لِأَنَّهَا تَعْرِفُ صَوْتَهُ: في الحظيرة المشتركة في تلك الأيام، بمجرد أن يطلق الراعي نداءاً بنغمة خاصة، تخرج خرافه فقط من الحظيرة وتتبعه. فالخراف خبيرة وتميز صوت راعيها.
- “هناك قصة عن مسافر اسكتلندي قام بتبديل ملابسه مع راعٍ فلسطيني وحاول أن يقود الخراف. ولكن الخراف تتبع صوت الراعي وليس ملابسه.” دودز (Dods)
- خلال الحرب العالمية الأولى، حاول بعض الجنود سرقة قطيع من الخراف من أحد التلال بالقرب من القدس. استيقظ الراعي النائم ليجد أن قطيعه ابتدأ في الابتعاد. ولأنه كان من المستحيل أن يستردهم بالقوة، ابتدأ يطلق نداءه الخاص، وهكذا عاد القطيع إلى مالكه الشرعي عندما سمع صوته. وبالطبع لم يتمكن الجنود من منع الخراف من العودة إلى راعيها.
- هَذَا ٱلْمَثَلُ قَالَهُ لَهُمْ يَسُوعُ: هذه صورة تحكي عن عمل يسوع وسط خرافه، وعن ما يجب أن يركز عليه أولئك الذين يسعون للخدمة بين خراف يسوع. وقد حدد آدم كلارك ستة علامات لخادم الله الحقيقي في الآيات الست الأولى من إنجيل يوحنا الإصحاح ١٠:
- يدخل الخدمة من الباب الصحيح
- يرى الروح القدس يفتح الطريق أمامه كما يفعل البواب مع خراف الله
- يتأكد من أن الخراف تسمع لصوته من خلال التعليم والقيادة
- يعرف قطيعه جيداً
- يقود القطيع ولا يدفعهم أو يتسيد عليهم
- يذهب أولاً قبل الخراف ليكون مثلاً لهم
ج) الآيات (٧-١٠): الراعي الحقيقي يحمي ويحافظ على الحياة؛ الرعاة الكذبة يسلبون الحياة.
٧فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضاً: «ٱلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي أَنَا بَابُ ٱلْخِرَافِ. ٨جَمِيعُ ٱلَّذِينَ أَتَوْا قَبْلِي هُمْ سُرَّاقٌ وَلُصُوصٌ، وَلَكِنَّ ٱلْخِرَافَ لَمْ تَسْمَعْ لَهُمْ. ٩أَنَا هُوَ ٱلْبَابُ. إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُصُ وَيَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَيَجِدُ مَرْعًى. ١٠اَلسَّارِقُ لَا يَأْتِي إِلَّا لِيَسْرِقَ وَيَذْبَحَ وَيُهْلِكَ، وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ».
- إِنِّي أَنَا بَابُ ٱلْخِرَافِ: استعان يسوع بصورة أخرى من تربية الخراف في عصره. كانت الحظائر تقام على سفوح التلال، ولها مدخل واحد فقط. وكان باب الحظيرة هو الراعي نفسه، حيث ينام عند مدخل الحظيرة ليبقى القطيع في الداخل وليمنع دخول الذئاب إليها. فالراعي في الواقع كان هو بَابُ ٱلْخِرَافِ.
- “قيلت هذه الكلمات في المقام الأول لرجل عُزل من المجمع، ولكنها نقلت للرجل ضمانات بأنه بدلاً من أن يكون منبوذاً بسبب تعلقه بيسوع حاز على إذنٍ بالدخول بعلاقة شركة مع الله وكل الناس الطيبين.” دودز (Dods)
- جَمِيعُ ٱلَّذِينَ أَتَوْا قَبْلِي هُمْ سُرَّاقٌ وَلُصُوصٌ: اللص يعني الخداع والغش، والسارق يعني العنف والدمار. والإثنان يأخذان الحياة ولكن يسوع يُعطي الحياة وتلك الحياة تكون أَفْضَل. فهؤلاء هم المحتالون وقطاع الطرق في العالم الروحي.
- يرى آلفورد (Alford) أن جملة ’جَمِيعُ ٱلَّذِينَ أَتَوْا قَبْلِي‘ تشير أساساً إلى القادة الدينيين الذين كانوا في الحقيقة أدوات في يد الشيطان، وقال أيضاً للبعض منهم من قبل أن أبوهم كان الشيطان حقاً. “لأن الفريسيون كانوا قادة لا يبصرون، فهم بالتالي رعاة مزيفون، ويندرجون تحت الفئة المذكورين في يوحنا٨:١٠ سُرَّاقٌ وَلُصُوصٌ.” تاسكر (Tasker)
- “لا يقول يسوع أنهم ’كانوا‘ ولكنهم ’سُرَّاقٌ وَلُصُوصٌ.‘ ينصبّ تركيز يسوع على القادة الموجودين في عصره.” موريس (Morris)
- قال مانيس (Manes) (مؤسس ديانة المانيشية وهي من الهرطقات المسيحية) أن هذا النص يتكلم ضد موسى والأنبياء لأنهم كانوا قبل المسيح. وكان رد أوستن (Austin) على هذا الكلام، أن موسى والأنبياء لم يأتوا قبل المسيح، بل مع المسيح.” تراب (Trapp)
- “علينا أن نميز بين السُرَّاق (kleptes) وَاللُصُوص (lestes) في اللغة الأصلية. المجموعة الأولى تعتمد على الاحتيال والتسلل، والثانية على العنف والعلانية. لهذا لن يكون من الصعب العثور على خدام سيئين يحملون نفس هذه الصفات.” كلارك (Clarke)
- وَلَكِنَّ ٱلْخِرَافَ لَمْ تَسْمَعْ لَهُمْ: يبدو أن يسوع يقول إن خرافه واضحة لأنها لَمْ تَسْمَعْ (تتبع) صوت السُرَّاق وَاللُصُوص التي تستهدف الخراف.
- “لا شك أنهم كانوا يفرضون سلطتهم على شعب الله ويجبرونهم على الطاعة، ولكن أولاد الله الحقيقيين لم يجدوا في صوتهم ما يجذبهم ويقدودهم إلى المراعي.” دودز (Dods)
- إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُصُ وَيَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَيَجِدُ مَرْعًى: يصف يسوع هنا حياة الرضا والثبات التي يتمتع بها قطيعه الذي يرعاه.”
- “وَيَدْخُلُ وَيَخْرُجُ: تشير هذه العبارة، في اللغة العبرية، إلى كل الأعمال في حياة الإنسان، وإلى حرية التصرف.” كلارك (Clarke)
- “إن تعبير ’وَيَدْخُلُ وَيَخْرُجُ‘ مألوف في لغة العهد القديم ويستخدم للدلالة على حرية الحركة اليومية. إرميا ٤:٣٧، مزمور ٨:١٢١، تثنية ٦:٢٨.” دودز (Dods)
- وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ: قال يسوع هذا ليقارن بين رعايته لقطيعه مع رعاية القادة غير المخلصين وغير الشرعيين. فهؤلاء قد جاؤوا لِيَسْرِقَوا وَيَذْبَحَوا وَيُهْلِكَوا، أما يسوع فجاء ليعطي أولاده حَيَاة.
- كانت الكلمة اليونانية ’أَفْضَلُ‘ (perissos) تستخدم في الرياضيات، وتدل عموماً على أن هناك فائض… فالحياة الأفضل تفوق حياة القناعة لأنها تستند على حقيقة أن الله قادر على حل كل مشكلة وسيَمْلَأُ كُلَّ ٱحْتِيَاجِاتنا بِحَسَبِ غِنَاهُ فِي ٱلْمَجْدِ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ.” بويس (Boice)
- الحياة الأفضل لا تعني بالضرورة حياة أطول
- الحياة الأفضل لا تعني أنها ستكون حياة سهلة ومريحة
- الحياة الأفضل هي حياة الرضا والاكتفاء في يسوع
- “الحياة تتفاوت من شخص لآخر. فالبعض يملك حياة، ولكنها كوميض الشمعة المتقطع فلا تعطي نوراً واضحاً بل مجرد دخان متصاعد، والبعض يملكون حياة متقدة ومفعمة بالحيوية والإشراق.” سبيرجن (Spurgeon)
- من له حياة أفضل يملك القدرة على التحمل
- من له حياة أفضل يملك طاقة أكبر
- من له حياة أفضل لا يعيش على الحافة بل لا حدود لعالمه
- من له حياة أفضل يملك القدرة على تحقيق ما يريد
- من له حياة أفضل يستمتع بفيض في كل ما يعمل
- من له حياة أفضل يملك المطلوب لتحقيق الفوز
- الخراف التي تملك حياة أفضل تُعطي المجد للراعي، وهو يفتخر بها.
- كانت الكلمة اليونانية ’أَفْضَلُ‘ (perissos) تستخدم في الرياضيات، وتدل عموماً على أن هناك فائض… فالحياة الأفضل تفوق حياة القناعة لأنها تستند على حقيقة أن الله قادر على حل كل مشكلة وسيَمْلَأُ كُلَّ ٱحْتِيَاجِاتنا بِحَسَبِ غِنَاهُ فِي ٱلْمَجْدِ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ.” بويس (Boice)
د ) الآيات (١١-١٥): ٱلرَّاعِي ٱلصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عن القطيع
١١أَنَا هُوَ ٱلرَّاعِي ٱلصَّالِحُ، وَٱلرَّاعِي ٱلصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ ٱلْخِرَافِ. ١٢وَأَمَّا ٱلَّذِي هُوَ أَجِيرٌ، وَلَيْسَ رَاعِياً، ٱلَّذِي لَيْسَتِ ٱلْخِرَافُ لَهُ، فَيَرَى ٱلذِّئْبَ مُقْبِلاً وَيَتْرُكُ ٱلْخِرَافَ وَيَهْرُبُ، فَيَخْطَفُ ٱلذِّئْبُ ٱلْخِرَافَ وَيُبَدِّدُهَا. ١٣وَٱلْأَجِيرُ يَهْرُبُ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ، وَلَا يُبَالِي بِٱلْخِرَافِ. ١٤أَمَّا أَنَا فَإِنِّي ٱلرَّاعِي ٱلصَّالِحُ، وَأَعْرِفُ خَاصَّتِي وَخَاصَّتِي تَعْرِفُنِي، ١٥كَمَا أَنَّ ٱلْآبَ يَعْرِفُنِي وَأَنَا أَعْرِفُ ٱلْآبَ. وَأَنَا أَضَعُ نَفْسِي عَنِ ٱلْخِرَافِ.
- أَنَا هُوَ ٱلرَّاعِي ٱلصَّالِحُ: قال يسوع هذه الكلمات بكل وضوح ولن يساء فهمه بكل تأكيد. فقد حقق يسوع المثل الأعلى كالراعي الصالح لشعب الله على النحو المبين في العهد القديم وفي تلك الثقافة.
- “يعلن يسوع أنه ٱلرَّاعِي ٱلصَّالِحُ – أكبر عدو للسراق واللصوص – ومثال ورئيس لكل الرعاة الصالحين (كما هو الشيطان لكل سارق ولص): وهو أيضاً المسيا في مكانته ووظيفته التي تعبر عن محبته العظيمة.” آلفورد (Alford)
- ما وصفه يسوع بالرَّاعِي ٱلصَّالِحُ يُظهر أنه في الحقيقة راعٍ مدهش حقاً. فالرعاة قد يخاطرون من أجل سلامة الخراف، ولكن من النادر أن يَبْذِلُ أحدهم نَفْسَهُ عَنِ ٱلْخِرَافِ.
- “كلمة ’المال‘ في اللغة اللاتينية تشبه في نطقها كلمة ’خروف،‘ فقد كان الصوف بالنسبة للكثير من الرومان الُقدامى مصدر رزقهم وثرائهم، وبالتالي تكمن ثرواتهم في قطعانهم. الرب يسوع هو راعينا: ونحن ثروته.” سبيرجن (Spurgeon)
- “يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ ٱلْخِرَافِ: وما زال يَبْذِلُ نَفْسَهُ لأجلنا. فالحياة التي في الإنسان يسوع المسيح ما زالت تنبض فينا. فقد عاش من أجلنا، وبسببه صار لنا حياة. عاش ليدافع عنا ويمثلنا أمام الآب في السماء وليضمن لنا العناية الإلهية.” سبيرجن (Spurgeon)
- فَيَرَى ٱلذِّئْبَ مُقْبِلاً: خطر الحيوانات البرية (مثل ٱلذِّئْب) أو قُطاع الطرق (السُرَّاق وَاللُصُوص المذكورين سابقاً) يهدد القطيع على الدوام. فيبقى السؤال إذاً: “كيف سيستجيب الراعي؟”
- “إن هدف ٱلذِّئْبَ هو نفس هدف اَلسَّارِقُ في الآية ١٠، وكلاهما يرمزان لأعظم عدو لخراف السيد المسيح.” آلفورد (Alford)
- وَٱلرَّاعِي ٱلصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ ٱلْخِرَافِ: الراعي الفاسد (الخائن) لن يدافع عن الخراف ويظن أن القطيع موجود لتحقيق منفعته الخاصة، أما ٱلرَّاعِي ٱلصَّالِحُ فيعيش ويموت من أجل منفعة وخير الخراف.
- ٱلرَّاعِي ٱلصَّالِحُ يضحي بحياته لإنقاذ الخراف (يَبْذِلُ نَفْسَهُ)
- ٱلرَّاعِي ٱلصَّالِحُ يعرف خرافه (أَعْرِفُ خَاصَّتِي). كلنا نظن أن كل الخراف متشابهة، ولكن الراعي يعرف شخصية وخصائص كل خروف على حِدَة.
- ٱلرَّاعِي ٱلصَّالِحُ معروفٌ لدى الخراف (وَخَاصَّتِي تَعْرِفُنِي)
- “هناك معرفة متبادلة بين يسوع وخرافه. فوجود هذه المعرفة يثبت أنه الراعي.” دودز (Dods)
- على الراعي الأمين أن يُظهر نفس خصائص الراعي الصالح. وسيبذل نفسه عن الخراف، وسيعرف خاصَّته وخاصَّته ستعرفه. وهو سيكون ٱلرَّاعِي لا ٱلْأَجِيرُ الذي لَا يُبَالِي بِٱلْخِرَافِ. لن يتمكن الراعي من إظهار نفس الخصائص كيسوع، ولكنه يستطيع على الأقل أن يعكس قلبه وهدفه.
- “نخشى أن يكون هناك رعاة يتصرفون كالأجير لأنهم لا يعترضون على العقائد الخاطئة ولا الضلالات الخارجية. وهم مستعدون لتحمل أي شيء من أجل السلام والهدوء.” سبيرجن (Spurgeon)
- تستخدم اللغة اليونانية القديمة نفس كلمة ٱلرَّاعِي لتشير إلى كل من راعي الكنيسة وراعي الخراف. وهو لقب يُكتسب بشكل شرعي فقط، ولا يمنح أو يفترض.
- كَمَا أَنَّ ٱلْآبَ يَعْرِفُنِي وَأَنَا أَعْرِفُ ٱلْآبَ: كان عمل يسوع كالرَّاعِي ٱلصَّالِحُ متجذراً في علاقته الوثيقة مع إلهه وأبيه.
هـ) الآية (١٦): تحدث يسوع عن خِرَافٌ أُخَر
١٦وَلِي خِرَافٌ أُخَرُ لَيْسَتْ مِنْ هَذِهِ ٱلْحَظِيرَةِ، يَنْبَغِي أَنْ آتِيَ بِتِلْكَ أَيْضاً فَتَسْمَعُ صَوْتِي، وَتَكُونُ رَعِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَرَاعٍ وَاحِدٌ.
- وَلِي خِرَافٌ أُخَرُ لَيْسَتْ مِنْ هَذِهِ ٱلْحَظِيرَةِ: هذه الخِرَاف الأُخَر هم المؤمنون الأمم وليسوا اليهود. قال يسوع يَنْبَغِي أَنْ آتِيَ بتلك الخراف أيضاً، وسوف تَسْمَعُ صوت يسوع أيضاً.
- “لا أتخيل أني سأبذل نفسي من أجل اليهود بالذات دوناً عن كل البشر، كلا… بل سأبذل نفسي أيضاً من أجل الأمم، لأنه سأتَذُوقَ بِنِعْمَةِ ٱللهِ ورحمته ومشيئته ٱلْمَوْتَ لِأَجْلِ كُلِّ وَاحِدٍ (سفر العبرانيين ٩:٢). وعلى الرغم من أنهم ليسوا من هذه الحظيرة الآن، ولكن المؤمنين منهم سيتحدون مع اليهود المؤمنين ويكون الاثنين قطيعاً واحداً يرعاهما رَاعٍ وَاحِدٌ (أفسس ١٣:٢-١٧).” كلارك (Clarke)
- وَتَكُونُ رَعِيَّةٌ وَاحِدَةٌ: ٱلْحَظِيرَةِ جزء من الرعيَّة من حيث البناء والمحتوى. وقد يفصل الراعي الخراف إلى مجموعات مختلفة لرعايتهم بشكل أفضل. فهناك رَعِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَرَاعٍ وَاحِدٌ، ولكن يسوع لا يدعو خرافه من حَظِيرَةِ واحدة (جماعة أو كيان معينين).
- “لم ترد أية إشارة إلى أن الرعية ستكون من حظيرة واحدة بل من عدة حظائر، ولكنها جميعاً رَعِيَّةٌ وَاحِدَةٌ.” دودز (Dods)
- “ما الذي سيجمع هذا القطيع الكبير معاً ويوفر الحماية اللازمة من الأعداء؟ ليس بحبسهم داخل الجدران تحت رقابة وقوة الراعي. فوحدة وسلامة شعب المسيح تعتمد على قربهم منه.” بروس (Bruce)
- “إن الوحدة الحقيقية لا تنبع من أن كل الخراف تدفع دفعاً لحظيرة واحدة، بل في سماعها صوت الراعي الواحد واستجابتها له طواعية واختياراً، دون انسياق لصوت عدا صوته. إن الوحدة ليست وحدة كنسية، بل هي وحدة ولاء ليسوع المسيح.” باركلي (Barclay)
- “كل من هو متحد مع المسيح يشعر وكأنه ينتمي لعائلة معينة، عائلة تفوق الانتماء لعشيرة ما، وهو شعور لا يمكن التخلص منه بسهولة. لقد وجدت نفسي أقرأ كتاباً لطيفاً يتحدث عن خلاص تسعة نفوس، وعلى الرغم من أني لا أتفق كثيراً مع الكاتب، إلا أنني لم أرفض أن أستنير بما كتبه. وشكراً لله أنه بالرغم من عيوبه، عرف الكثير عن الحق الثمين وعاش مستمتعاً بعلاقة حية مع ربه.” سبيرجن (Spurgeon)
- “ترجم جيروم، مترجم الكتاب المقدس الأول، في نسخته اللاتينية جملة ’حظيرة واحدة‘ بدلاً من ’رَعِيَّةٌ وَاحِدَةٌ‘ في هذه الآية عن طريق الخطأ. وترجمته اللاتينية الشائعة المعروفة بالفولجاتا كانت الأساس التي بنت عليه الكنيسة الكاثوليكية عقيدتها عن التفرد.”
- “وفقاً لترجمة جيروم، يبدو أن يسوع قال أنهم سيكونوا منظمة واحدة فقط (من حظيرة واحدة)، ولهذا كان الاستنتاج الواضح أنه لا يوجد خلاص خارج التنظيم الرسمي للكنيسة الكاثوليكية. وأصبح هذا هو التعليم الرسمي للكنيسة الكاثوليكية.” بويس (Boice)
و ) الآيات (١٧-١٨): أعلن يسوع أن له سلطاناً على الحياة والموت.
١٧«لِهَذَا يُحِبُّنِي ٱلْآبُ، لِأَنِّي أَضَعُ نَفْسِي لِآخُذَهَا أَيْضاً. ١٨لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضاً. هَذِهِ ٱلْوَصِيَّةُ قَبِلْتُهَا مِنْ أَبِي».
- لِهَذَا يُحِبُّنِي ٱلْآبُ: رأى الله الآب جمال شخصية وتضحية الله الابن، ولهذا أحب الابن أكثر.
- لِآخُذَهَا أَيْضاً… وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضاً: ومن هذا المنطلق، يمكننا القول أن يسوع ’أقام نفسه‘ من بين الأموات، وأن له السلطان أن يضع حياته، وله السلطان أن يأخذها ثانية.
- “عندما يموت أي إنسان عادي فإنه سيدفع ’دينه الطبيعي.‘ حتى وإن مات من أجل صديق له، فإنه ببساطة سيدفع دينه في وقت مبكر قليلاً، ولكن في النهاية عليه أن يدفع، أما يسوع السرمدي، فلا يحتاج أن يموت إلا لكي يتمم العهد ويضع نفسه ويتألم من أجل خاصته.” سبيرجن (Spurgeon)
- يستطيع أي إنسان أن يضع حياته (أن يميت نفسه)، ولكن يسوع وحده يملك السلطان أن يسترد حياته ثانية. والدليل على علاقته الفريدة مع ٱلْآب هو قدرته على أن يقيم نفسه من الأموات.
- لهذا ليس مفاجئاً أن شهود يهوه ينكرون قيامة يسوع. غير أن كثيرين آخرين (مثل كينيث كوبلاند، وكينيث هاغن، وفرد برايس وغيرهم) يعلّمون أن يسوع كان ضحية عاجزة في الجحيم، وما كان ليخلص لولا تدخل الله الآب.
- هَذِهِ ٱلْوَصِيَّةُ قَبِلْتُهَا مِنْ أَبِي: مات يسوع طواعية، ولكنه لم يكن انتحاراً غير مباشر بأي حال من الأحوال. فموت المسيح كان جزءاً من خطة خضوعه للموت وقيامته منتصراً وفقاً للوصية التي قَبِلْهَا مِنْ الله الآب.
ز ) الآيات (١٩-٢١): هل يسوع مجنون أم به شيطان؟
١٩فَحَدَثَ أَيْضاً ٱنْشِقَاقٌ بَيْنَ ٱلْيَهُودِ بِسَبَبِ هَذَا ٱلْكَلَامِ. ٢٠فَقَالَ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ: «بِهِ شَيْطَانٌ وَهُوَ يَهْذِي. لِمَاذَا تَسْتَمِعُونَ لَهُ؟». ٢١آخَرُونَ قَالُوا: «لَيْسَ هَذَا كَلَامَ مَنْ بِهِ شَيْطَانٌ. أَلَعَلَّ شَيْطَاناً يَقْدِرُ أَنْ يَفْتَحَ أَعْيُنَ ٱلْعُمْيَانِ؟».
- فَحَدَثَ أَيْضاً ٱنْشِقَاقٌ بَيْنَ ٱلْيَهُودِ بِسَبَبِ هَذَا ٱلْكَلَامِ: ويظهر يسوع مرة أخرى كالخط الفاصل بين البشر. تنقسم البشرية إلى مجموعتين: قبول يسوع أو رفضه.
- بِهِ شَيْطَانٌ وَهُوَ يَهْذِي: بسبب إدعاءات يسوع المتطرفة حدث انشقاقٌ بين الناس. فآمن البعض بكلامه، أما آخرون فقالوا إن أي شخص يدّعي أنه الله، كما فعل يسوع، إما أن يكون بِهِ شَيْطَانٌ أو أنه يَهْذِي (مَجْنُون).
- كان وليم باركلي محقاً عندما كتب: “إما أن يسوع كان مصاباً بجنون العظمة أو كان ابن الله حقاً.” ولكن مما نعرفه عن يسوع، هل من العدل القول أنه كان مجنوناً؟
- لم تكن كلمات يسوع كلمات شخص مجنون، بل إنسان يتمتع برجاحةِ عَقْلٍ.
- لم تعكس أعمال يسوع تصرفات شخص مصاب بجنون العظمة، بل كانت أعماله مثالاً رائعاً للتضحية.
- لم يكن تأثير يسوع تأثير شخص مجنون، بل غير يسوع حياة الملايين إلى الأفضل.
- “لو كان المسيح مدعياً، فمن الغريب أن السماء لم ترتعد وأن الأرض لم تذوب وأن الجحيم لم يفغر فاها لسماع هذا التجديف البشع.” تراب (Trapp)
- “ماذا فعل ليستحق كل هذا؟ لماذا كان يعلم الجاهل ويخبر البائس أنه سيموت ليخلص أرواحهم! يا لمحبة الله الرائعة، ويا لجحود وغرور الإنسان.” باركلي (Barclay)
- كان وليم باركلي محقاً عندما كتب: “إما أن يسوع كان مصاباً بجنون العظمة أو كان ابن الله حقاً.” ولكن مما نعرفه عن يسوع، هل من العدل القول أنه كان مجنوناً؟
- «لَيْسَ هَذَا كَلَامَ مَنْ بِهِ شَيْطَانٌ. أَلَعَلَّ شَيْطَاناً يَقْدِرُ أَنْ يَفْتَحَ أَعْيُنَ ٱلْعُمْيَانِ؟»: يمكن للمعجزات التي صنعها يسوع مثل فتح أعين العميان أن تكون شهادة فعالة إن تناغمت مع كلمة الله. كان هؤلاء الناس محقين في فحص كل من أعمال يسوع وكلماته.
ثانياً. يسوع في عِيد ٱلتَّجْدِيدِ.
أ ) الآيات (٢٢-٢٣): عيد التجديد في فصل الشتاء
٢٢وَكَانَ عِيدُ ٱلتَّجْدِيدِ فِي أُورُشَلِيمَ، وَكَانَ شِتَاءٌ. ٢٣وَكَانَ يَسُوعُ يَتَمَشَّى فِي ٱلْهَيْكَلِ فِي رِوَاقِ سُلَيْمَانَ.
- عِيدُ ٱلتَّجْدِيدِ: كان هذا العيد (المعروف أيضاً باسم الهانوكاه Hanukkah) احتفالاً بتقديس الهيكل وتكريسه بعد أن دنسه ملك سوريا أنطيوخوس إبفانوس بثلاث سنوات (١٦٤ أو ١٦٥ ق.م.).
- بعد هجوم أنطيوخوس على أورشليم، حكم اليهود بقبضة من حديد. لاحظ باركلي ما يلي:
- نهب أنطيوخوس من خزانة الهيكل الملايين من الذهب والفضة.
- كان الاحتفاظ بنسخة من التوراة يُعد جريمة عظمى تستحق الإعدام.
- كان ختان الطفل تحت حكم انطيوخوس جريمة يعاقب عليها بالموت.
- يكون مصير كل أم تحاول ختان أبنائها تحت حكم أنطيوخوس الموت صلباً وأطفالها يعلقون في عنقها.
- تحول الهيكل تحت حكم أنطيوخوس إلى دار دعارة.
- تحول مذبح المحرقات تحت حكم أنطيوخوس إلى مذبح للإله اليوناني زيوس.
- قدمت الخنازير تحت حكم أنطيوخوس كذبائح على المذبح العظيم.
- تحت حكم أنطيوخوس هلك ما يقرب من ثمانين ألف يهودي، وعدد مماثل تم بيعه كعبيد.
- ظهور المكابيين أنهى كل هذه الأهوال. “يقال أنه حينما طهر الهيكل من رجاساته واضيء الشمعدان السباعي العظيم، بحث الكهنة عما تبقى من الزيت المقدس الذي لم تنله أيدي العبث والدنس، فلم يجدوا الإ قنينة زيت واحدة مختومة بخاتم رئيس الكهنة. وكان الزيت في هذه القنينة لا يكفي بالكاد يوماً واحداً. ولكن بمعجزة استمر الزيت دون نقصان يوماً بعد يوم حتى انتهت أيام العيد الثمانية، وأتيحت الفرصة لعمل زيت جديد تم تقديسه لاستخدامه المقدس.” باركلي (Barclay)
- وَكَانَ شِتَاءٌ: “(ceimwn hn) أو كان الطقس عاصفاً أو ممطراً” كلارك (Clarke). “يجب أن يكون معناه، ’كان الطقس عاصفاً‘ أو ’كان هناك عاصفة تهب.‘” ترينش (Trench)
- بعد هجوم أنطيوخوس على أورشليم، حكم اليهود بقبضة من حديد. لاحظ باركلي ما يلي:
- يَسُوعُ يَتَمَشَّى فِي ٱلْهَيْكَلِ: هذه مواجهة أخرى بين يسوع والقادة الدينيين في ساحات ٱلْهَيْكَلِ. ومع ذلك، لا يبدو أن يسوع كان يُعلم عندما بدأت هذه المواجهة.
- فِي رِوَاقِ سُلَيْمَانَ: “كان رواق سليمان هو الاسم الذي يطلق على ممر الأعمدة الذي يمتد على طول الجانب الشرقي من الساحة الخارجية لهيكل هيرودس. وهو المكان المذكور في سفر أعمال الرسل حيث خاطب بطرس الحشد الذي تجمّع لرؤية الأعرج الذي شفي عند بوابة ٱلْجَمِيل، وهو أيضاً المكان الذي كان يجتمع فيه مؤمنون أورشليم بانتظام للشهادة عن يسوع والإعلان أنه المسيا (أعمال الرسل ١١:٣، ١٢:٥). بروس (Bruce)
- “يبدو أنه كان بناءً قديم جداً، وكان يُعتقد عموماً أنه جزء من هيكل سليمان، ولكن هذا الاعتقاد لم يكن له أي أساس.” موريس (Morris)
ب) الآيات (٢٤-٢٥): رد يسوع على السؤال العدائي من القادة اليهود.
٢٤فَٱحْتَاطَ بِهِ ٱلْيَهُودُ وَقَالُوا لَهُ: «إِلَى مَتَى تُعَلِّقُ أَنْفُسَنَا؟ إِنْ كُنْتَ أَنْتَ ٱلْمَسِيحَ فَقُلْ لَنَا جَهْراً». ٢٥أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «إِنِّي قُلْتُ لَكُمْ وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ. اَلْأَعْمَالُ ٱلَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا بِٱسْمِ أَبِي هِيَ تَشْهَدُ لِي».
- فَٱحْتَاطَ بِهِ ٱلْيَهُودُ: لا يقال أن يسوع كان يعلم في الهيكل بل أنه كان ببساطة يَتَمَشَّى فِي ٱلْهَيْكَلِ (يوحنا ٢٣:١٠). كان هذا كميناً واضحاً بينما كان يسوع يتمشى في الهيكل.
- “أحاط به اليهود ومنعوه من الهرب لأغراض عدائية.” دودز (Dods)
- إِلَى مَتَى تُعَلِّقُ أَنْفُسَنَا؟ إِنْ كُنْتَ أَنْتَ ٱلْمَسِيحَ فَقُلْ لَنَا جَهْراً: رفض القادة الدينيون (الذين وصفوا مرة أخرى بٱلْيَهُود) الاستماع إلى يسوع أو الإيمان به. وكانوا يأملون لوم يسوع لعدم إيمانهم: إِلَى مَتَى تُعَلِّقُ أَنْفُسَنَا؟ (حَتَّى مَتَى سَتُبْقِيْنا مُعَلَّقِيْنَ؟).
- يشبه هذا أن تطلب من شرطي المرور وضع علامة تحديد السرعة كل ١٠٠ متر، وهكذا تحافظ على السرعة القانونية.
- “كان سؤال اليهود محاولة لاتهامه بالخيانة العظمى: فقد أرادوه أن يعلن عن نفسه كملك اليهود ليسلموه إلى الحاكم الروماني. فلمحوا بهذا السؤال بكل وقاحة، أن كل البراهين التي قدمها لهم حتى الآن عن مهمته الإلهية لا تعني لهم شيئاً.” كلارك (Clarke)
- إِنِّي قُلْتُ لَكُمْ وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ: تفادى يسوع استخدام لقب المسيا بين اليهود في كثير من الأحيان. وفعل ذلك لأن المسيا كانت كلمة لها مدلولات سياسية وحتى عسكرية أراد يسوع تجنبها. ومع ذلك، كان يسوع محقاً من عدة أوجه حينما قال: إِنِّي قُلْتُ لَكُمْ وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ.
- قُلْتُ لَكُمْ، أنا ٱلَّذِي نَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ (يوحنا ١٣:٣، <٣٨:٦).
- قُلْتُ لَكُمْ، كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِي تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلْأَبَدِيَّةُ (يوحنا ١٥:٣).
- قُلْتُ لَكُمْ، أنا ابن الله الوحيد (يوحنا ١٩:٥-٢٣).
- قُلْتُ لَكُمْ، أني سَأُدِينُ كُلَّ البشرية (يوحنا ١٩:٥-٢٣).
- قُلْتُ لَكُمْ، ينبغي على الكل أن يُكْرِمَوني كَمَا يُكْرِمُونَ ٱلْآبَ (يوحنا ١٩:٥-٢٣).
- قُلْتُ لَكُمْ، أن الكتب العبرية تَشْهَدُ عني (يوحنا ٣٩:٥).
- قُلْتُ لَكُمْ، أنا أعرف الله جيداً وبإمكاني أن أظهره لكم (يوحنا ٢٨:٧-٢٩).
- قُلْتُ لَكُمْ، أنِّي أعمَلُ دائِماً ما يَسُرُّ الله ولا اخطئ أبداً (يوحنا ٢٩:٨، ٤٦).
- قُلْتُ لَكُمْ، أن الله أرْسَلَنِي (يوحنا ٤٢:٨).
- قُلْتُ لَكُمْ، قَبلَ أنْ يَكُونَ إبْراهِيْمُ، أنا كائِنٌ (يوحنا ٥٨:٨).
- قُلْتُ لَكُمْ، أني أنا ابْنِ الإنسانِ الذي تنبأ عنه دانيال (يوحنا ٣٧:٩).
- قُلْتُ لَكُمْ، سأقيم نفسي من الأموات (يوحنا ١٧:١٠-١٨).
- قُلْتُ لَكُمْ، أَنَا هُوَ خُبْزُ ٱلْحَيَاةِ (يوحنا ٤٨:٦).
- قُلْتُ لَكُمْ، أَنَا هُوَ نُورُ ٱلْعَالَمِ (يوحنا ١٢:٨).
- قُلْتُ لَكُمْ، أَنَا هُوَ ٱلْبَابُ (يوحنا ٩:١٠).
- قُلْتُ لَكُمْ، أَنَا هُوَ ٱلرَّاعِي ٱلصَّالِحُ (يوحنا ١١:١٠).
- لم تكن المشكلة أن يسوع لم يوضح من يكون ومن أين أتى، بل تكمن في القادة الدينيين قساة القلوب ورغبتهم في إلقاء اللوم على يسوع.
- “لاحظوا أن جملة يسوع ’لَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ‘ تدل على موقف حالي وليس مجرد حالة سابقة، وتشير إلى أن المشكلة متجذرة في الداخل.” موريس (Morris)
- كشف يسوع عن نفسه أنه المسيا بالفم الملآن لمن كانوا خارج الجالية اليهودية، مثلما فعل مع المرأة السامرية في يوحنا ١:٤-٢٦. كان هناك فرصة أقل لسوء فهم هؤلاء عن حقيقة يسوع وما جاء ليفعل.
- اَلْأَعْمَالُ ٱلَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا بِٱسْمِ أَبِي هِيَ تَشْهَدُ لِي: أخبرهم يسوع من هو من خلال كلامه. ومع ذلك، أظهرت الأعمال أيضاً أنه من الله، وأنه كان صادقاً.
- “تخبرك هذه الأعمال من أكون، لأني فعلتها باسم أبي وكالمندوب عنه، وهي تظهر نوع المسيا الذي أرسله لكم الله.” دودز (Dods)
ج) الآيات (٢٦-٢٩): يواجه يسوع القادة الدينيين بحالتهم.
«٢٦وَلَكِنَّكُمْ لَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ لِأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنْ خِرَافِي، كَمَا قُلْتُ لَكُمْ. ٢٧خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. ٢٨وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى ٱلْأَبَدِ، وَلَا يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي. ٢٩أَبِي ٱلَّذِي أَعْطَانِي إِيَّاهَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ ٱلْكُلِّ، وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْطَفَ مِنْ يَدِ أَبِي».
- وَلَكِنَّكُمْ لَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ لِأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنْ خِرَافِي: أراد القادة اليهود من يسوع أن يتكلم بصراحة، وفعل ذلك فعلاً، ولكنهم لم يقبلوا كلامه. أخبرهم يسوع من قبل أنهم ليسوا رعاة حقيقيين (يوحنا ٥:١٠، ٨:١٠، ١٠:١٠، ١٢:١٠-١٣)، وأخبرهم هنا أنهم لم يكونوا خرافاً حقيقيين، لأن خراف المسيا يؤمنون به ويسمعون صوته.
- “لم يكونوا رعاة غير جديرين بالثقة فحسب، ولكنهم أظهروا أيضاً أنهم لن يكونوا من بين الخراف التي ستهتم بأن تسمع صوته.” تاسكر (Tasker)
- “إن عدم إيمانك ما هو إلا دليل على عدم اختيارك، وأن روح الله لم يدعوك، وأنك لا زلت في خطاياك.” سبيرجن (Spurgeon)
- “يمكن لأي شخص يقرأ هذه الكلمات دون تحيز أن يرى بسهولة أن ربنا لا يلمح على الإطلاق إلى أن هؤلاء الأشخاص لا يمكنهم أن يؤمنوا، وأنه جعل الأمر مستحيلاً بالنسبة لهم؛ ولكنهم ببساطة لم يسمعوا كلام المسيح ولم يتبعوه، وهو الأمر الذي كان بإمكانهم أن يفعلوه وهذا ما أثبته ربنا المبارك.” كلارك (Clarke)
- وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى ٱلْأَبَدِ: وصف يسوع الفوائد والبركات التي ستتمتع بها الخراف. يسوع سيعطيها حَيَاةً أَبَدِيَّةً. وهذه الحياة ستبدأ الآن، وهي أعظم من الحياة المادية.
- “يجب ألا نغفل عن حقيقة أن الحياة الأبدية لا تنتهي أبداً. وهذا هو الجانب البارز هنا.” موريس (Morris)
- “قد تدمر الحياة المادية، ولكن المتحدون بإيمان ابن الله، والذين ينتمون إلى قطيع الراعي الحقيقي، لا يمكنهم أبداً أن يفقدوا الحياة الحقيقية، لأنه سيحفظها آمنة.” بروس (Bruce)
- “الطريقة الوحيدة لخلاص الروح هي الثبات في المسيح. وإن لم تثبت الروح في المسيح، فستطرح خارجاً كالغصن وتجف. ولكننا نعلم أن كل من يغرس نفسه في المسيح سيثبت فيه.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَلَا يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي: من المتوقع أن يعتني الراعي الصالح بخرافه. الخراف آمنة ومضمونة بيد الراعي الصالح.
- وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْطَفَ مِنْ يَدِ أَبِي: تجد خراف الله الأمان في يد الراعي الصالح والله الآب. ونتعزى عندما نعرف أن الأيدي التي خلقت العالم تمسك بالمؤمن.
- أَبِي ٱلَّذِي أَعْطَانِي إِيَّاهَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ ٱلْكُلِّ: “حتى لو اجتمع الإنسان والشيطان معاً ضد الله فسيبقى هو الأعظم. فمن يحب الله ينبغي أن يكون فرحاً، ومن يخافه لن يخاف في هذا الجانب من الأبدية.” كلارك (Clarke)
د ) الآيات (٣٠-٣٣): أعلن يسوع عن وحدته مع الآب.
«٣٠أَنَا وَٱلْآبُ وَاحِدٌ».٣١فَتَنَاوَلَ ٱلْيَهُودُ أَيْضاً حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ. ٣٢أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَعْمَالاً كَثِيرَةً حَسَنَةً أَرَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَبِي. بِسَبَبِ أَيِّ عَمَلٍ مِنْهَا تَرْجُمُونَنِي؟». ٣٣أَجَابَهُ ٱلْيَهُودُ قَائِلِينَ: «لَسْنَا نَرْجُمُكَ لِأَجْلِ عَمَلٍ حَسَنٍ، بَلْ لِأَجْلِ تَجْدِيفٍ، فَإِنَّكَ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلَهاً».
- أَنَا وَٱلْآبُ وَاحِدٌ: هذا إعلان هام للغاية عن ألوهية يسوع وطبيعته. فجملة أَنَا وَٱلْآبُ تعني أن الآب والابن ليسا نفس الأقنوم، دحضاً لعقيدة ’يسوع فقط‘ (المعروفة سابقاً باسم السبلية). وكلمة وَاحِدٌ تعني أن الآب والابن متساويان في الطبيعة وفي الجوهر وفي الذات، دحضاً للتعليم القائل بأن يسوع ليس الله (المعروفة سابقاً باسم الآريوسية).
- “واحدٌ في جوهره في المقام الأول، أي وحدة عمل وسلطان وإرادة.” آلفورد (Alford)
- “لاحظوا أن كلمة ’وَاحِدٌ‘ محايدة ولا ترتبط بأي جنس، وهي ليست مذكر: الآب والابن ليسا متطابقان، ولكنهما متساويان في الجوهر.” آلفورد (Alford) “في جملة: ‘أَنَا وَٱلْآبُ وَاحِدٌ،’ كلمة ‘وَاحِدٌ‘ محايدة، وتعني واحد في الجوهر: ولم تأتي بصيغة المذكر، يعني طبيعة واحدة، جوهر واحد.” ترينش (Trench)
- يقول معارضو ألوهية يسوع أن وحدانيته مع الآب كانت مجرد وحدة في الهدف والمهمة، مثل اتحاد الزوج مع الزوجة أو الأب مع الابن لتحقيق هدف أو مهمة ما، فاتحادهما لا يعني أنهما أصبحا شخصاً واحداً. ولكن هذا ليس بيت القصيد. أولاً، لا ندّعي أبداً أن الكتاب المقدس يُعلم أن الآب والابن هما أقنوم واحد، بل هم الله من حيث الطبيعة والجوهر ولكنهما متميزان في الأقانيم. ثانياً، هذا التفكير يحيد عن النقطة الأكثر وضوحاً: فالوحدة الحقيقية في الهدف والمهمة بين الزوج والزوجة أو الأب والابن موجودة لأنهم متساويان وبشر كامل. أما الأب والابن فوحدتهما فريدة لأنهما متساويان وإله بالكامل، أي: كائن إلهي.
- أرادنا يسوع أن نكون واحداً كما هو والآب واحد (يوحنا ١١:١٧، ٢١). فمثل هذه الوحدانية لا يمكن أن توجد دون مساواة في الجوهر، وهكذا كل المؤمنين يتمتعون بهذه المساواة (غلاطية ٢٦:٣-٢٨) كالمساواة التي بين الآب والابن.
- أَعْمَالاً كَثِيرَةً حَسَنَةً أَرَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَبِي: “كل أعماله كانت بإرشاد الآب (يوحنا ١٩:٥)، وكانت ’أعمال صالحة‘ (erge kala ’أعمال جميلة‘) ليس فقط لأنها كانت ناتجة عن طاعة الآب بل لأنها كانت أيضاً لبركة وخير الإنسان.” بروس (Bruce)
- فَتَنَاوَلَ ٱلْيَهُودُ أَيْضاً حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ: حقيقة أن القادة الدينيين اعتبروا جملة يسوع ‘أَنَا وَٱلْآبُ وَاحِدٌ‘ تجديفاً، يثبت أن ما قصده كان أكثر بكثير من مجرد وحدة في الهدف وفي المشيئة. كانوا مخطئين في ردهم، ولكنهم فهموا قصد يسوع تماماً.
- “أعد اليهود العدة ليرجموا يسوع، وهذا ما تعنيه الكلمات في الأصل اليوناني.” باركلي (Barclay)
- من الواضح أنهم فقدوا الحجة. فلم يتمكنوا من الإمساك بيسوع لا بكلمة ولا بأعمال ليثبتوا أنه لم يكن المسيا.
- “كان العقاب على التجديف وفقاً للناموس، الموت رجماً (سفر اللاويين ١٦:٢٤). ولكن هؤلاء الرجال لم يسمحوا للقانون أن يأخذ مجراه.” موريس (Morris)
- “بما أنهم كانوا عاجزين عن مواجهة حججه القوية بمنطق سليم، فلم يمكنهم إلا مواجهتها بالحجارة. فإذا كنت لا تستطيع تدمير المنطق أو الحجة، يمكنك ربما تدمير المُفكر.” سبيرجن (Spurgeon)
- فَإِنَّكَ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلَهاً: فهم اليهود في عهد يسوع بكل وضوح ما فَوَّتَهُ شهود يهوه وغيرهم: لقد ادّعى يسوع بكل وضوح أنه الله.
- “إنه لم ’يجعل نفسه إلهاً‘ ولم يفعل من نفسه أي شيء، ولكنه أظهر حقيقته بالكلام والعمل: إنه الابن الذي أرسله الآب ليعطي حياة ونور للإنسان.” بروس (Bruce)
- “التجديف هو أن يدّعي أحدهم أنه الله. ومن الجدير بالذكر أن يسوع لم يعبر أبداً عن سخطه عندما وجهت إليه هذه التهمة؛ ومع ذلك كونه مجرد إنسان لن يمتعض أحد من هذه الخطية مثله.” دودز (Dods)
هـ) الآيات (٣٤-٣٩): يقتبس يسوع من المزمور ٨٢ ويستخدم أعماله ليبرهن لهم كلامه
٣٤أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَلَيْسَ مَكْتُوباً فِي نَامُوسِكُمْ: أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ؟ ٣٥إِنْ قَالَ آلِهَةٌ لِأُولَئِكَ ٱلَّذِينَ صَارَتْ إِلَيْهِمْ كَلِمَةُ ٱللهِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ ٱلْمَكْتُوبُ، ٣٦فَٱلَّذِي قَدَّسَهُ ٱلْآبُ وَأَرْسَلَهُ إِلَى ٱلْعَالَمِ، أَتَقُولُونَ لَهُ: إِنَّكَ تُجَدِّفُ، لِأَنِّي قُلْتُ: إِنِّي ٱبْنُ ٱللهِ؟ ٣٧إِنْ كُنْتُ لَسْتُ أَعْمَلُ أَعْمَالَ أَبِي فَلَا تُؤْمِنُوا بِي. ٣٨وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُ أَعْمَلُ، فَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِي فَآمِنُوا بِٱلْأَعْمَالِ، لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا أَنَّ ٱلْآبَ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ».٣٩فَطَلَبُوا أَيْضاً أَنْ يُمْسِكُوهُ فَخَرَجَ مِنْ أَيْدِيهِمْ.
- أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: أحاط القادة الدينيون يسوع (يوحنا ٢٤:١٠)، وها هم الآن يحملون الحجارة ليرجموه حتى الموت (٣١:١٠). ولكن يسوع لم يهلع ولم يهرب، بل أوقفهم بقوة كلمته، وتكلم معهم كما يتكلم المعلم اليهودي المثقف مع زملائه المتعلمين.
- “استخدم يسوع مقاطع مألوفة لهم من الكُتب المقدسة ليدحض تهمة التجديف. وكان سؤاله سيثير قضية هامة للقادة اليهود.” بروس (Bruce)
- أَلَيْسَ مَكْتُوباً فِي نَامُوسِكُمْ: أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ؟: كان القضاة يدعون ’آلِهَةٌ‘ وفقاً لمزمور ٨٢، لأنهم كانوا، بحكم منصبهم، يقررون مصائر الناس. وفي سفر الخروج ٢١:٦ و٨:٢٢-٩ دعا الله القضاة الأرضية ’بآلِهَةٌ‘ أيضاً.
- “كلمة نَامُوسِكُمْ هنا تشمل كل العهد القديم، كما نقرأ في إنجيل يوحنا ٣٤:٧، ٢٥:١٥.” آلفورد (Alford)
- “كان يحق لهم أن يكونوا مخصصين هكذا لأنهم كانوا، على الرغم من ضعفاتهم، يمثلون المشيئة الإلهية، وكانوا مدعوين لنشر كلمة الله.” تاسكر (Tasker)
- إِنْ قَالَ آلِهَةٌ لِأُولَئِكَ ٱلَّذِينَ صَارَتْ إِلَيْهِمْ كَلِمَةُ ٱللهِ: أجابهم يسوع، “إذا كانَ الله قد أعطى هؤلاء القضاة الظالمين لقب ’آلهة‘ بسبب مناصبهم، فلماذا تعتبرونه تجديفاً إن قلت عن نفسي ’ابن الله‘ في ضوء شهادتني عن نفسي وأعمالي؟”
- “استخدم يسوع حجة: من الأعظم إلى الأقل. وإن كان ملائماً بشكل من الأشكال أن يدعى هؤلاء ’آلهة‘ – فكم بالحري هو.” آلفورد (Alford)
- لم يأخذ يسوع جملة ’إِنَّكُمْ آلِهَةٌ‘ في المزمور ٨٢ وطبقها على البشرية جمعاء أو على كل المؤمنين. فقد كان استخدام لقب الآلهة في مزمور ٨٢ استعارة. وتكلم يسوع عن تلك الاستعارة لفضح جهل وتناقض متهميه.
- “الهدف الأساسي من هذه الحجة هو إظهار أن فكرة الوحدة بين الله والإنسان لم تكن غريبة على روح عهدهم القديم، ووضعت هناك كعلامات وصور لتعكس الله-الإنسان الحقيقي.” آلفورد (Alford)
- وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ ٱلْمَكْتُوبُ: هذه قاعدة عامة لكل الكتاب المقدس، ولكن يسوع طبقها هنا على نص غامض إلى حد ما، واستندت النقطة الأساسية على كلمة واحدة استخدمها الله للإشارة إلى القضاة الأرضيين. يا له من عرض رائع لحقيقة أن كل كلمة في الكتاب المقدس موحى بها من الله، وليس فقط الموضوعات والأفكار العريضة.
- “هذا يعني أنه لا يمكن تجريد الكتاب المقدس من سلطانه بتسليط الضوء على عيوبه.” موريس (Morris)
- “لا يمكن للكتاب المقدس أن يُبطل أو يُلغى (مرقس ١٣:٧)؛ ولا يجوز وضعه جانباً عندما تكون تعاليمه غير مريح بالنسبة لنا. فالمكتوب سيبقى مكتوباً.” بروس (Bruce)
- “لاحظوا أن ما قاله هنا لم يتعلق بإعلان يمكن اعتباره من بين الإعلانات الرئيسية للعهد القديم، ولكن ما قد نسميه قراءة عابرة وسريعة للنص.” موريس (Morris)
- لا يمكننا نْقَض كلمة الله، فهي تكسر كل من يعارضها.
- فَٱلَّذِي قَدَّسَهُ ٱلْآبُ وَأَرْسَلَهُ إِلَى ٱلْعَالَمِ: كانت هذه طريقة رائعة ليكلمهم عن نفسه. فهو الوحيد الذي قدسه الآب، وهو الوحيد الذي أرسله الآب إِلَى ٱلْعَالَمِ.
- “بالنسبة للقضاة وحافظي الناموس والأنبياء في النظام الديني القديم، والمشار إليهم في الآية ٣٥، صَارَتْ لهؤلاء كَلِمَةُ ٱللهِ، بينما يسوع أرسله الله، وكلمة الله نفسها صارت جسداً.” تاسكر (Tasker)
- لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا: “الأول كان مقدمة، والآن الثبات في المعرفة التي تكلم عنها.” آلفورد (Alford)
- فَطَلَبُوا أَيْضاً أَنْ يُمْسِكُوهُ فَخَرَجَ مِنْ أَيْدِيهِمْ: مرة أخرى، لم يتمكن أعداء يسوع من تنفيذ خطتهم العنيفة ضده.
- “خرج من الدائرة التي كانت محيطة به – القوة التي انبثقت منه منعتهم من الامساك به: وهي نفس القوة التي سمحت لهم بالقاء القبض عليه ليلة اعتقاله.” ترينش (Trench)
و ) الآيات (٤٠-٤٢): مضى يسوع إلى عبر الأردن وآمن كثيرون به
٤٠وَمَضَى أَيْضاً إِلَى عَبْرِ ٱلْأُرْدُنِّ إِلَى ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي كَانَ يُوحَنَّا يُعَمِّدُ فِيهِ أَوَّلاً وَمَكَثَ هُنَاكَ. ٤١فَأَتَى إِلَيْهِ كَثِيرُونَ وَقَالُوا: «إِنَّ يُوحَنَّا لَمْ يَفْعَلْ آيَةً وَاحِدَةً، وَلَكِنْ كُلُّ مَا قَالَهُ يُوحَنَّا عَنْ هَذَا كَانَ حَقّاً». ٤٢فَآمَنَ كَثِيرُونَ بِهِ هُنَاكَ.
- وَمَضَى أَيْضاً إِلَى عَبْرِ ٱلْأُرْدُنِّ: لم يبقى يسوع في أورشليم بين القادة اليهود المُعادين. عالماً أن وقته لم يكن قد حان بعد لاعتقاله وصلبه ولكنه قريب جداً، مضى يسوع إِلَى عَبْرِ ٱلْأُرْدُنِّ.
- “كان يحكم بيرية هيرودس أنتيباس، حيث لم يكن للحكام في أورشليم أي سلطة. كان يسوع في مأمن من المضايقات هناك، مؤقتاً على الأقل.” تيني (Tenney)
- “في المكان الذي قد يتوقع المرء أن يلقى الترحاب، حاول الناس رجمه بالحجارة. والآن في بيرية المحتقرة آمن كثيرون به.” موريس (Morris)
- “إن كنت يا أخي العزيز تتكلم عن المسيح في مكان ما، ووجدت عدم ترحيب من الناس هناك، قد تكون مشيئة الروح أن تذهب إلى مكان يرحب بك ويستقبلك. ومن المحتمل أنه في المكان الذي يَعِدُ بالقليل ستربح الكثير. قد تُنتج بلدة بَيْتِ عَبْرَةَ مؤمنين كثيرين بينما أورشليم ستنتج فقط المضطهدين.” سبيرجن (Spurgeon)
- “هكذا كان يسوع على الدوام يعد العدة للقاء البشر بملاقاة الله أولاً. وهكذا نراه يلجأ إلى عبر الأردن، في خلوته الروحية. ولا نرى فيه هروباً من الخطر، بل استعداداً للمعركة الأخيرة.” باركلي (Barclay)
- إِنَّ يُوحَنَّا لَمْ يَفْعَلْ آيَةً وَاحِدَةً: من المثير للاهتمام أنه كان معروفاً لدى الجميع أن يوحنا المعمدان لم يصنع أية معجزة هناك رغم روعة خدمته. ومع ذلك، كل ما قاله عن يسوع كان صحيحاً (وَلَكِنْ كُلُّ مَا قَالَهُ يُوحَنَّا عَنْ هَذَا كَانَ حَقّاً).
- “نفهم ضمناً أنهم استمروا في القول بأن يوحنا (هناك تشديد في اللغة اليونانية) لم يصنع آية واحدة، مما يعني أن يسوع صنع الكثير من المعجزات هنا.” ترينش (Trench)
- يظهر لنا هذا شيئاً عن مكانة المعجزات في الحياة المسيحية العادية.
- لم يفعل يوحنا آيَةً وَاحِدَةً، ولكنه تمتع بأخلاق عالية.
- لم يفعل يوحنا آيَةً وَاحِدَةً، ولكن كان أمامه مهمة خاصة.
- لم يفعل يوحنا آيَةً وَاحِدَةً، ولكن كان له تأثير عميق ودائم.
- لم يفعل يوحنا آيَةً وَاحِدَةً، ولكنه حاز على أعلى مدح من يسوع.
- “نميل للاعتقاد أن الخدمة الخاصة تعطى فقط لأشخاص مميزين جداً، وأن تلك المهام العظيمة ليست للناس العاديين ولكن لأشخاص يملكون مواهب خارقة للطبيعة.” موريسون (Morrison)
- فَأَتَى إِلَيْهِ كَثِيرُونَ … فَآمَنَ كَثِيرُونَ بِهِ هُنَاكَ: ما زال يسوع يواجه مقاومة شديدة من القادة اليهود في أورشليم، وأشد تعبير عن مقاومتهم له كان على وشك الحدوث. ومع ذلك، أتى الكثيرون إلى يسوع. فخدمة الرب ستستمر رغم معارضة الإنسان.