تفسير سفر المزامير – مزمور ١٤
الإنسان الساقط والإله الأمين
عنوان هذا المزمور هو “لِإِمَامِ ٱلْمُغَنِّينَ. لِدَاوُدَ.” وبهذا لدينا اسم الكاتب (داود) والجمهور المقصود (إِمَام ٱلْمُغَنِّينَ) أو إمام الموسيقيين الذي يمكن أن نأخذه على أنه أكثر من مجرد قائد لجوقة مثل آساف. ويبدو أنه يشير إلى الموسيقار الأسمى للكون، أي الله نفسه. “إن فكرة المزمور كله هي السلامة في التقوى، والخطر في الإثم.” ج. كامبل مورجان (G. Campbell Morgan)
أولًا. الحالة المحزنة للإنسان الذي يرفض الله
أ ) الآية (١): تحليل داود للإنسان (الرجل) الذي يرفض الله.
١قَالَ ٱلْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: «لَيْسَ إِلَهٌ». فَسَدُوا وَرَجِسُوا بِأَفْعَالِهِمْ. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلَاحًا.
١. قَالَ ٱلْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: «لَيْسَ إِلَهٌ»: نظر داود إلى أولئك الذين أنكروا وجود الله، ووصل إلى الاستنتاج إلى أنهم حمقى (جهلاء). وللفكرة الكامنة وراء هذه الكلمة العبرية القديمة المترجمة إلى (جَاهِل) بُعد أخلاقي أكثر منه ذهني. لم يخطر ببال داود أن هؤلاء لم يكونوا أذكياء بما يكفي ليكتشفوا الله وحقيقته (لا يوجد أحد ذكي بما يكفي لذلك)؛ لكن ما خطر بباله هو أنهم ببساطة يرفضون الله.
· تقدم ترجمة نسخة الملك جيمس الجديدة عبارة «لَيْسَ إِلَهٌ» بخط مائل لتشير إلى المعنى الحقيقي للعبارة. “إنها تعني ’لَيْسَ إِلَهٌ بالنسبة لي.‘ فهذا إلحاد عملي ونظري في الوقت نفسه. فهو لا يؤمن بالله فحسب، لكنه يتصرف وفق هذه القناعة أيضًا.” بويس (Boice)
· يقول داود هذا بسبب الدليل الواضح على وجود الله: دليل في كل من الخليقة والضمير البشري الذي ذكره بولس في رسالته إلى أهل رومية الإصحاح ١. وإن حقيقة أن بعض الناس يصرون على إنكار وجود الله لا تمحو الله من الكون. بل تدل على أنهم جهلاء (حمقى). فكما كتب بولس في رومية ٢٢:١ “وَبَيْنَمَا هُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ حُكَمَاءُ صَارُوا جُهَلَاءَ.”
· “الكلمة العبرية المستخدمة في هذا المزمور والمترجمة إلى جاهل (أحمق) هي نابال، وهي تدل على انحراف عدواني (مُبادِر) جسَّده رجل اسمه نابال في صموئيل الأول ٢٥:٢٥.” كيدنر (Kidner)
· الرجل الذي ينكر وجود الله جَاهِلُ (أحمق) لأنه:
ü ينكر ما هو واضح بشكل جلي.
ü يؤمن بتأثير (نتيجة) هائل من دون عِلّة (سبب).
ü ينكر وجود سلطة أخلاقية في الكون.
ü هو لا يؤمن إلا بما يمكن أن يثبته الأسلوب العلمي.
ü يأخذ فرصة درامية خاسرة في افتراضه أنه لا يوجد إله.
ü يرفض أن يقتنع بالحجج القوية الكثيرة على وجود الله.
· هنالك حجج قوية كثيرة على وجود الله منها:
ü الحجة الكونية: يعني وجود الكون وجوب وجود إله خالق.
ü الحجة الغائية: يعني وجود تصميم في الكون وجوب وجود إله مصمم.
ü الحجة الأنثروبولوجية: تعني الطبيعة الفريدة للبشر ومعدنهم الأدبي وجوب وجود إله علاقي.
ü الحجة الأخلاقية: يعني وجود الأخلاق وجوب وجود إله متحكم.
· “أيّهما العلّة (السبب)، وأيهما التأثير (النتيجة)؟ هل ينتج الإلحاد عن الحماقة، أم الحماقة عن الإلحاد؟ سيكون صحيحًا تمامًا أن نقول إن كليهما السبب والعلة في الوقت نفسه.” مورجان (Morgan)
٢. قَالَ ٱلْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: لم يجد داود أن ما قاله الجاهل مهم فحسب، بل مصدر هذا القول كان مهمًّا (فِي قَلْبِهِ) أيضًا. فليس الشخص الذي في بال داود، والذي ينكر الله، ينزعج من الاعتراضات الفكرية لوجود الله فحسب، لكنه يرغب فِي قَلْبِهِ أن يختفي الله أو يبتعد، لأسباب متعلقة بأمور أخلاقية في الأساس عادة.
· تشرح الآية في إنجيل يوحنا ٢٠:٣ هذا الأمر هكذا: لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ ٱلسَّيِّآتِ يُبْغِضُ ٱلنُّورَ، وَلَا يَأْتِي إِلَى ٱلنُّورِ لِئَلَّا تُوَبَّخَ أَعْمَالُهُ (لئلَّا يُفضَح).
· يعني هذا أن الرجل الذي في بال داود ليس ملحدًا لأسباب فكرية بشكل أساسي. “لا تنتج اللاأدرية الصادقة الانحلال الأخلاقي بالضرورة، لكن الإلحاد العاطفي غير الصادق ينتج ذلك دائمًا.” مورجان (Morgan)
· عندما نتحدث مع شخص ينكر وجود الله، لا ينبغي أن نخاطب عقله (حتى بشكل رئيسي) فحسب، بل قلبه أيضًا. “دع الواعظ يستهدف قلبه ويكرز بمحبة المسيح القاهرة الخارقة، وسيربح بنعمة الله متشككين في رسالة الإنجيل أكثر مما سيربحه أفضل المفكرين المنطقيين الذين يوجهون حججهم إلى العقل فقط.” سبيرجن (Spurgeon)
· تذكّرنا أيضًا عبارة “قَالَ … فِي قَلْبِهِ” بأنه يمكن أن يقول أحدهم في عقله إنه يوجد إله، بينما ينكره فِي قَلْبِهِ وحياته. قد يؤمن المرء بالله نظريًّا، لكنه ملحد عمليًّا في أسلوب حياته.
· تخبرنا الآية في صموئيل الأول ١:٢٧ ما قاله داود فِي قَلْبِهِ ذات مرة: “وَقَالَ دَاوُدُ فِي قَلْبِهِ: إِنِّي سَأَهْلِكُ يَوْمًا بِيَدِ شَاوُلَ، فَلَا شَيْءَ خَيْرٌ لِي مِنْ أَنْ أُفْلِتَ إِلَى أَرْضِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ، فَيَيْأَسَ شَاوُلُ مِنِّي فَلَا يُفَتِّشَ عَلَيَّ بَعْدُ فِي جَمِيعِ تُخُومِ إِسْرَائِيلَ، فَأَنْجُوَ مِنْ يَدِهِ.” ألم يكن داود، بمعنى ما، ينكر الله ويتحدث كشخص أحمق (جَاهِلُ) أيضًا؟
· “إن ما يخطر ببال صاحب المزمور الإنكار أو الإهمال العملي في عمل الله في العالم وتدخُّله فيه، وليس نفيًا لعقيدة وجوده. ومن ناحية عملية، عندما نقول إنه لا إله، فإننا نُغلق عليه في سماء بعيدة، ولا نفكر فيه أو لا نهتم بأموره. وتجريدنا له من عدالته وسلْبُنا له من سيطرته جزء من طبيعة الحُمق. فالتصور الكتابي للحمق أو الجهالة هو انحراف أخلاقي لا ضعف ذهني. ولا يستطيع كل من هو خطأ أخلاقيًّا ودينيًّا في الواقع أن يكون على صواب ذهنيًّا.” ماكلارين (Maclaren)
٣. فَسَدُوا وَرَجِسُوا بِأَفْعَالِهِمْ: يتأمل داود هنا نتيجة إنكار الله. إنه يؤدي إلى الفساد وأعمال رجسة بغيضة. ولا يعني هذا أن كل ملحد يحيا حياة الانحلال الأخلاقي وأن كل مؤمن يحيا حياة صالحة. غير أن هنالك فرقًا واضحًا جدًّا في السلوك الأخلاقي بين الذين يأخذون الله مأخذ الجِد والذين لا يفعلون ذلك.
٤. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلَاحًا: عندما يتأمل داود خطية المنكِر لوجود الله، فإنه ينظر إلى مشهد البشرية كلها، ويَخْلُص إلى أنه لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلَاحًا. وهو لا يعني بذلك أنه لا يوجد شخص واحد صالح في هذا العالم. لكنه يقصد أن الإنسان الساقط ساقط جدًّا إلى درجة أنه لا يفعل صلاحًا بغريزته، وعندما يفعل الصلاح، فإنه قد يكون بطريقة ما مختلطًا بالشر.
· نحن مولودون بإرادةٍ لفعل الشر وقدرةٍ على ذلك في الوقت نفسه. فليس الطفل محتاجًا إلى شخص يعلّمه أن يفعل أشياء سيئة.
· عادة ما يؤدي السبيل الأقل مقاومة لله بنا إلى فعل أشياء سيئة، لا أشياء صالحة.
· غالبًا ما يكون أسهل أن نشجع الآخرين على فعل أشياء سيئة بدلًا من أشياء صالحة.
· إن قدْرًا كثيرًا من أعمالنا الصالحة مختلط بدوافع أنانية سيئة.
ü “ليس هذا مبالغة، حيث إن كل خطية توحي بوقاحة الافتراض أننا نعرف أفضل من الله، وبفسادٍ يحب الشر أكثر من الخير والصلاح.” كيدنر (Kidner)
ب) الآيات (٢-٣): تحليل السماء للبشرية الساقطة.
٢اَلرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ أَشْرَفَ عَلَى بَنِي الْبَشَرِ، لِيَنْظُرَ: هَلْ مِنْ فَاهِمٍ طَالِبِ اللهِ؟ ٣الْكُلُّ قَدْ زَاغُوا مَعًا، فَسَدُوا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا، لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ.
١. اَلرَّبُّ مِنَ ٱلسَّمَاءِ أَشْرَفَ عَلَى بَنِي ٱلْبَشَرِ: بينما يرغب الإنسان في أن ينسى الله، فإن الله لا ينسى الإنسان أبدًا. فهو دائمًا يراقب الإنسان مشرفًا عَلَى بَنِي ٱلْبَشَرِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ.
· غالبًا ما يوجد في رفض الإنسان لله أمنية في أن يتركنا الله وشأننا. وهذه رغبة غير حكيمة، لأن كل حياة تعتمد على الله (أعمال الرسل ٢٨:١٧؛ متى ٤٥:٥). فهذه أمنية مستحيلة، لأن لله، بصفته الخالق، الحق على خليقته.
· “تحبرنا الكلمات أن الله يشرف من السماء ليراقب حماقة أولئك الذين يبنون برج بابل (سفر التكوين ٥:١١). وهو ينظر من عُلاه إلى شر الجنس البشري قبل دينونته لهم بالطوفان.” كيدنر (Kidner)
٢. لِيَنْظُرَ: هَلْ مِنْ فَاهِمٍ طَالِبِ ٱلله: عندما يُشرف الله من السماء، فإن من الأشياء التي يبحث عنها هو إن كان هنالك فهمٌ أو سعي إلى الله من قِبلِ البشرية.
· لا يبحث الله عن هذا بشكل رئيسي كحُكم فكري. فهو لا يتساءل إن كان أشخاص أذكياء بما يكفي ليفهموه ويكتشفوه. بل يبحث عن هذا كحُكم أخلاقي وروحي: إن كان هنالك من يفهم قلبه ويطلبه من أجل بره.
· إننا نخدع أنفسنا إذا اعتقدنا أن الإنسان وحده يمكن أن يطلب الله. ألا تثبت كل الديانات والطقوس والممارسات منذ بداية الزمن أن الإنسان يطلب الله فعلًا؟ لا أبدًا. فإن كان الإنسان يبادر إلى البحث، فإنه عندئذٍ لا يطلب الإله الحقيقي، إله الكتاب المقدس. بل يطلب صنمًا يصنعه بنفسه.
· “لقد مررتَ بهذا الشكل من العبادة، لكنك لم تطلب الله. لقد مللتُ من هذا التدين الأجوف. إذ نراه في كل مكان. وهو ليس تواصلًا أو شركة مع الله. إنه لا يصل إلى الله. بل إن الله ليس موجودًا فيه.” (سبيرجن في إحدى عظاته حول رومية ٣.)
٣. ٱلْكُلُّ قَدْ زَاغُوا مَعًا، فَسَدُوا: عندما ينظر الله، فهذا هو ما يراه. يجد أن الإنسان زاغ بعيدًا عن الله ولهذا فسُدَ.
· كتب بوله (Poole) معلِّقا على كلمة ’زَاغُوا‘: “أو ربما ’صارت أنفسهم لاذعة تجاه الله كالأحماض‘ كما تدل الكلمة.”
· “تُستخدم هذه الكلمة لوصف طبيعة الخطية وجثة حيوان. ومرة أخرى، فإنها تدل على الخطية ونتانتها.” تراب (Trapp)
٤. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلَاحًا، لَيْسَ وَلَا وَاحِدٌ: عندما يجد الله أنه لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلَاحًا، لَيْسَ وَلَا وَاحِدٌ، فإن هذا يعود إلى أنه لا يوجد واحد بالفعل. ليس الأمر أنه يوجد بعضهم لكن الله لم يستطع أن يراهم. هنا يراقب ويتذكر داود أن الإنسان ساقط بشكل إلى حد بعيد عميق.
· فجأة يتسع استخدام داود لعبارة “لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلَاحًا” متجاوزًا الملحدين ليشملنا جميعًا. “يمكننا أن نقول إننا ’لسنا جميعًا ملحدين‘ لكننا، من منظور الله، مشمولون أيضًا. وبعبارة أخرى، فإن الملحد الصريح في الآية الأولى مجرد مثل للجنس البشري بشكل عام.” كيدنر (Kidner)
· “يا لها من صورة عن جنسنا! لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلَاحًا إلاّ حيث تسود النعمة. إن بشريتنا الساقطة المنحطة صحراء بلا واحة، وليل بلا نجمة، كومة من الروث بلا جوهرة، وجحيم بلا قاع.” سبيرجن (Spurgeon)
ثانيًا. دفاع الله عن شعبه الأبرار
أ ) الآيات (٤-٦): يدافع الله عن جيل الأبرار.
٤أَلَمْ يَعْلَمْ كُلُّ فَاعِلِي الإِثْمِ، الَّذِينَ يَأْكُلُونَ شَعْبِي كَمَا يَأْكُلُونَ الْخُبْزَ، وَالرَّبَّ لَمْ يَدْعُوا. ٥هُنَاكَ خَافُوا خَوْفًا، لأَنَّ اللهَ فِي الْجِيلِ الْبَارِّ. ٦رَأْيَ الْمِسْكِينِ نَاقَضْتُمْ، لأَنَّ الرَّبَّ مَلْجَأُهُ.
١. لَمْ يَعْلَمْ كُلُّ فَاعِلِي ٱلْإِثْمِ: تأمّل داود أولًا في سقوط الإنسان العميق. وهو الآن يتعامل مع مصير شعب الله في عالم ساقط. ربما يبدو شعب الله وكأنهم أدوات ضعيفة، لكن داود فهِم أن فَاعِلِي ٱلْإِثْم هم الذين ِليست لديهم أية معرفة.
· “يحمل السؤال ما يشبه نغمة استغراب كما لو أن الله في عِلْمه الكلي وجد عجبًا في محبة الناس الغامضة للشر.” ماكلارين (Maclaren)
٢. ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ شَعْبِي كَمَا يَأْكُلُونَ ٱلْخُبْزَ: يبدو أن فَاعِلِي ٱلْإِثْمِ أقوياء وأنّ لهم اليد العليا. ويتساءل داود إن كان قد تُرِك شعب الله للحمقى والفاسدين في هذا العالم، للذين لَمْ يَدْعُوا ٱلرَّبَّ.
· “’كَمَا يَأْكُلُونَ ٱلْخُبْزَ‘ أي من دون أسف أو ندم، بل بجشع وسرور وثبات كبير أيضًا، كما يأكلون اللحم.” بوله (Poole)
· وَٱلرَّبَّ لَمْ يَدْعُوا: “الإلحاد العملي هو بطبيعة الحال بلا صلاة.” ماكلارين (Maclaren)
٣. هُنَاكَ خَافُوا خَوْفًا، لِأَنَّ ٱللهَ فِي ٱلْجِيلِ ٱلْبَارِّ: بعد أن طرح داود السؤال، فإنه يجيب عنه بحكمة عظيمة. قد يبدو أن فَاعِلِي ٱلْإِثْمِ أقوياء وواثقون، لكنهم في واقع الأمر في خوف شديد (هُنَاكَ خَافُوا خَوْفً)، لأنهم لا يستطيعون أن يمحو الوعي بأن ٱللهَ فِي ٱلْجِيلِ ٱلْبَارِّ.
· “تَمَلَّكَهم رعب وذعر. يقول النص العبري (والترجمة العربية أيضًا) ’خَافُوا خَوْفًا.‘ تسلَّل إلى نفوسهم خوف غير محدد، رهيب، غامض. إذ يمر أكثر الأشخاص تقسِّيًا بينهم بفترات فيها يلقي بهم ضميرهم إلى ذعر بسبب وجود إنذار بخطر فيتصببون عرقًا باردًا.” سبيرجن (Spurgeon)
· ومع أنهم أقوياء جدًّا ويرغبون في إنكار ذلك، إلا أنهم يعيشون تحت غيمة معرفة بأنهم يحاربون الله، ولهذا لا يستطيعون أن يفوزوا أبدًا.
٤. رَأْيَ ٱلْمِسْكِينِ نَاقَضْتُمْ، لِأَنَّ ٱلرَّبَّ مَلْجَأُهُ: يعلن داود هنا لِفَاعِلِي ٱلْإِثْمِ الذي سبق أن ذكرهم أنه ربما يعملون ضد المساكين، لكن لهم ملجأ عند الله لا يستطيعون اختراقه. إنهم يحاربون الله ولن ينجحوا أبدًا.
· يطرح سبيرجن (Spurgeon) الطرق التي يأخذ بها المسكين مشورة (ليشكل رأيًا).
ü يأخذ مشورة من ضعفه حيث يدرك أنه لا يستطيع أن يستغني عن عون الله.
ü يأخذ مشورة من ملاحظاته حيث يرى نهاية الأشرار.
ü يأخذ مشورة من الكتاب المقدس حيث يثق به لأنه كلمة الله.
ü يأخذ مشورة من خبرته الخاصة حيث يرى أن الله يستجيب الصلاة.
· استخدم سبيرجن (Spurgeon) هذه الآية في طرح الطرق التي يمكن بها للمؤمنين بالمسيح أن يصمدوا بقوة أمام فَاعِلِي ٱلْإِثْمِ الذين يعيّرونهم ويهزؤون بهم. “أنتم أيها الشباب العاملون في مؤسسات عظيمة في لندن، ويا من تعملون في المصانع، يا من تتعرضون للسخرية. دعهم يهزؤا. إذا استطاعوا أن يخرجوكم من ديانتكم بسخريتهم منكم، فإنه ليس لديكم شيء يستحق الامتلاك. تذكّروا أنه يمكنهم أن يسخروا منكم إلى أن يوصلوكم إلى الجحيم، لكن لا يمكن أبدًا أن تتعرضوا لسخرية تخرجكم من الجحيم.” (سبيرجن)
· “’نعم! سيشيرون بأصابعهم إليك.‘ ألا تستطيع احتمال إشارتهم إليك؟ ’لكنهم سيضحكون عليك.‘ فليفعلوا ذلك. هل يمكن أن يضر هذا الأمر رجلًا هو رجلٌ بمعنى الكلمة؟ إن كنت مخلوقًا من الرخويّات التي ليس فيها عامود فقري، يمكنك أن تخشى سخريتهم ونكاتهم ودعاباتهم. لكن إذا جعلك الله منتصبًا، فقفْ منتصبًا وكن رجلًا.” (سبيرجن)
ب) الآية (٧): التوق إلى خلاص الرب.
٧لَيْتَ مِنْ صِهْيَوْنَ خَلَاصَ إِسْرَائِيلَ. عِنْدَ رَدِّ ٱلرَّبِّ سَبْيَ شَعْبِهِ، يَهْتِفُ يَعْقُوبُ، وَيَفْرَحُ إِسْرَائِيلُ.
١. لَيْتَ مِنْ صِهْيَوْنَ خَلَاصَ إِسْرَائِيلَ: عرف داود أن الرب ملجأ لشعبه وأن فاعلي الإثم لن يفوزوا أبدًا. لكن كان صعبًا أن يُرى ذلك في الوقت الحالي، ولهذا عبّر داود عن توقه إلى الانتصار والخلاص الذي سبق أن وعد به الرب شعبه.
٢. عِنْدَ رَدِّ ٱلرَّبِّ سَبْيَ شَعْبِهِ: ليست هذه إشارة إلى السبي البابلي الذي سيحدث بعد أجيال كثيرة من زمن داود. فالسَبْيُ هنا يُستخدم بمعنى عام مشيرًا إلى أيّ زمن أو وضع يكون فيه شعب الله مقموعًا ومقيَّدًا.
· “نحن نفهم الكلمات ’عِنْدَ رَدِّ ٱلرَّبِّ سَبْيَ شَعْبِهِ‘ بالمعنى المعروف المتضمن في سفر أيوب ١٠:٤٢ وسفر حزقيال ٣٥:١٦، أي الإنقاذ من الشدة والمِحن.” ماكلارين (Maclaren)