تفسير سفر المزامير – مزمور ٣٦
رحمة ترتفع إلى السماء
هذا المزمور معنون: لِإِمَامِ ٱلْمُغَنِّينَ. لِعَبْدِ ٱلرَّبِّ دَاوُدَ. وهنالك مزمور آخر فقط يتضمن عنوانه لقب ’خَادِمِ اللهِ‘ وهو المزمور ١٨. وقد لاحظ جون تراب أن المزمور ١٨ كُتب في شيخوخة داود، بينما كُتب المزمور ٣٦ في شبابه. “لقد سُرَّ داود بالألقاب الموحِية بالواجب أكثر من تلك الموحية بالكرامة.” جون تراب (John Trapp)
أولًا. مقابلة بين الرجل الشرير والله البار
أ ) الآيات (١-٤): الرجل الشرير.
١نَأْمَةُ مَعْصِيَةِ الشِّرِّير فِي دَاخِلِ قَلْبِي أَنْ لَيْسَ خَوْفُ اللهِ أَمَامَ عَيْنَيْهِ. ٢لأَنَّهُ مَلَّقَ نَفْسَهُ لِنَفْسِهِ مِنْ جِهَةِ وِجْدَانِ إِثْمِهِ وَبُغْضِهِ. ٣كَلاَمُ فَمِهِ إِثْمٌ وَغِشٌّ. كَفَّ عَنِ التَّعَقُّلِ، عَنْ عَمَلِ الْخَيْرِ. ٤يَتَفَكَّرُ بِالإِثْمِ عَلَى مَضْجَعِهِ. يَقِفُ فِي طَرِيق غَيْرِ صَالِحٍ. لاَ يَرْفُضُ الشَّرَّ.
١. نَأْمَةُ (إعلان، وحْي) مَعْصِيَةِ ٱلشِّرِّيرِ فِي دَاخِلِ قَلْبِي: المعنى الأصلي هو أنه يوجد إعلان إلهي حول التَّعدي (المعصية)، كما لو أن داود يتلقى تعليمًا إلهيًّا من خطايا البشر.
· تُستخدم الكلمة العبرية المترجمة إلى ’نَأْمَةُ‘ (neum) في مواضع كثيرة مشيرة إلى نُطق إلهي (كما في عبارة ’يقول الرب‘ في سفر التكوين ١٦:٢٢ وسفر العدد ٤٨:١٤). وهي تُستخدم لوصف إعلان إلهي لداود في سفر صموئيل الثاني ١١:٢٣ (وَحْيُ دَاوُدَ بْنِ يَسَّى). والاستخدام هنا في مزمور ١:٣٦ مثير للاهتمام، حيث تقول الآية حرفيًّا: “هكذا تقول التعدي.”
· “لدى خطايا البشر صوت موجَّه للآذان التقية. فهي مؤشرات خارجية لشرٍّ خارجي.” سبيرجن (Spurgeon)
· هنالك طريقة ثانوية لفهم هذا، ألا وهي أن ’نَأْمَةَ المَعْصِيَةِ‘ (إعلان التعدي) هي ما يتكلم في قلب الخاطئ نفسه. “هكذا لدينا تشخيص جسور للتعدي في قلب الشرير، كما لو أنه في كهف مظلم، مكان مسكون تُطلَق فيه إعلانات من آلهة وثنية… هكذا يتحرك الشرير للقيام بفعل الشر، حيث هنالك صوت يهمس بالزيف في داخله.” ماكلارين (Maclaren)
٢. أَنْ لَيْسَ خَوْفُ ٱللهِ أَمَامَ عَيْنَيْهِ: ربما يكون هذا واضحًا، لكنه غالبًا ما يُنسى. فأساس المعدن الأخلاقي للشرير هو الافتقار إلى خَوْفُ ٱللهِ. فهو لا يحترم أو يوقر الله كما ينبغي.
· “يُحتمل أن هذا المزمور خطر ببال الرسول بولس وهو يكتب الإصحاحات الافتتاحية لرسالته العظيمة، حيث اقتبس الآية الأولى في رسالته إلى أهل رومية ١٨:٣.” بويس (Boice)
· “وصْف الشرير تصويريٌّ حيٌّ هنا. إذ أقنع نفسه بطريقة ما أن الله لا يتدخل في أمور البشر، وبالتالي ليس لديه خوف الله. وهو يتوّج نفسه ملكًا على كيانه، ويسير في طريق الشر في الفكر والعمل.” مورجان (Morgan)
٣. لِأَنَّهُ مَلَّقَ نَفْسَهُ لِنَفْسِهِ (في عينيه): يقلل الشرير من تقديره لله ويرفع تقديره لنفسه. وهو يرتئي في نفسه أكثر مما ينبغي في ما يتعلق بخطاياه (إِثْمِهِ) وتحاملاته (بُغْضِهِ).
· أساس التملق موجود في الكلمات التي تقول إن المرء أفضل مما هو عليه حقًّا. وعادة ما نعتقد أن التملق يأتي من آخرين، غير أننا قادرون على أن نخبر أنفسنا بأننا أفضل مما نحن عليه فعلًا.
- وصَف ماثيو بوله (Matthew Poole) عدة طرق يتملق المرء نفسه بها في ما يتعلق بالخطية:
ü يخبر نفسه أن الخطايا ليست خطية. ويمكن أن يصدّق ذلك عقل رَشَتْهُ الرغبات المحمومة والمصلحة.
ü يخبر نفسه أن خطاياه مجرد خطايا صغيرة عرَضية يمكن غفرانها.
ü يخبر نفسه أن خطاياه ستُعْذَر إن لم تبرَّر بنية حسنة، أو بالمجاهرة الخارجية بالإيمان أو ببعض الأعمال الصالحة، حيث يعتقد أنه يمكن التعويض عنها بطريقة أو أخرى.
· “لم يكن خَوْفُ ٱللهِ أَمَامَ عَيْنَيْهِ بخشوع مقدس، ولهذا وضع نفسه هناك في طموح غير مقدس. فمن يقلل من شأن الله فإنه يبالغ في قيمة نفسه. ومن ينسى العبادة، فإنه يسقط في التملق والمداهنة. لا بدّ أن ترى العينان شيئًا. فإذا لم تُعجبا بالله، فإنه يتملّق نفسه.” سبيرجن (Spurgeon)
· مِنْ جِهَةِ وِجْدَانِ إِثْمِهِ وَبُغْضِهِ (عندما يُكتشف إثمه): “يعتقد أن جرائمه ستُخفى أو ستتنكّر إلى أن يكسر الاكتشاف السحر ويشتت الوهم.” هورن (Horne)
· “إلى أن يواجهه الله بالحقيقة بدينونة مخيفة ما.” بوله (Poole)
· “يتملق نفسه عندما تُكشف الخطية. “أن يملّس سلوكه حسب ضميره (هذا هو المعنى العبري) يعني أن يملّس طريقه إلى الجحيم.” سبيرجن (Spurgeon)
٤. كَفَّ عَنِ ٱلتَّعَقُّلِ، عَنْ عَمَلِ ٱلْخَيْرِ: ينعكس المعدن الأخلاقي للشرير في كلامه (والذي هو إِثْمٌ وَغِشٌّ) في خططه ويبتدع خطايا (يَتَفَكَّرُ بِٱلْإِثْمِ) في عاداته (يَقِفُ فِي طَرِيقٍ غَيْرِ صَالِحٍ) وفي اهتماماته (لَا يَرْفُضُ ٱلشَّرَّ).
· إِثْمٌ وَغِشٌّ: “عادةً ما يصطاد هذان الكلبان الجهنميان (الإثم والغش) معًا. وما لا يصطاده أحدهما فإن الآخر ينجح في ذلك. فإذا لم يستطع الإثم أن يفوز بالظلم والقمع، فإن الغش يفوز بالتحايل.” سبيرجن (Spurgeon)
· يَتَفَكَّرُ بِٱلْإِثْمِ عَلَى مَضْجَعِهِ: “نلاحظ أنه يفعل ذلك أولًا، بشكل دائم ومن دون انزعاج، مفضّلًا أن يقوم بذلك قبل وقت راحته. ثانيًا، بشكل جدي عندما يتحرر عقله من الملهيات الخارجية، وهو الآن متفرغ للعمل الذي يهمه (قارن مزمور ٤:٤). ثالثًا، بحرية، بميوله الخاصة من دون تحريض من آخرين.” بوله (Poole)
· “لا ينجرف الإنسان الشرير إلى الطرق الشريرة فحسب، بل يبتكر طرقًا للقيام بذلك بالمقابلة مع الإنسان التقي الذي يمضي ساعات في النهار والليل في التأمل في الله ووصاياه [كما في مزمور ٢:١ و٦:٦٣.]” بويس (Boice)
· عَلَى مَضْجَعِهِ… فِي طَرِيقٍ: “تعبيرا ’عَلَى مَضْجَعِهِ‘ و’فِي طَرِيقٍ‘ متوازيان. فغير الأتقياء يتفكرون في الإثم في مضجعهم وفي طريقهم أي وهم يمشون.” فانجيميرين (VanGemeren)
· يَقِفُ فِي طَرِيقٍ غَيْرِ صَالِحٍ: “يعني هنا أنه يُبقي نفسه، كما توحي الكلمة، على هذه الحال. فهو يضع نفسه في مكان لا يريد أن يتزحزح منه، مستخدمًا كل حيلة لتحقيق ذلك.” تراب (Trapp)
· لَا يَرْفُضُ (لا يمقت) ٱلشَّرَّ: “بدلًا من أن يحتقر الشر أو أن يمقته، فإنه يبتهج به. هو لا يبغض أبدًا شيئًا خطأً على أنه خطأ، لكنه يتأمله ويدافع عنه ويمارسه.” سبيرجن (Spurgeon)
· الخطية موجودة في أشياء لا نفعلها وفي أشياء نفعلها. “من اللافت للنظر في هذا الوصف بروز الخطايا السلبية بين تلك الإيجابية (كَفَّ… غَيْرِ صَالِح… لَا يَرْفُضُ).” كيدنر (Kidner)
ب) الآيات (٥-٦): الإله الصالح البار.
٥يَا رَبُّ، فِي السَّمَاوَاتِ رَحْمَتُكَ. أَمَانَتُكَ إِلَى الْغَمَامِ. ٦عَدْلُكَ مِثْلُ جِبَالِ اللهِ، وَأَحْكَامُكَ لُجَّةٌ عَظِيمَةٌ. النَّاسَ وَالْبَهَائِمَ تُخَلِّصُ يَا رَبُّ.
١. يَا رَبُّ، فِي ٱلسَّمَاوَاتِ رَحْمَتُكَ: نحس بأن داود فكّر طويلًا بما يكفي في الإنسان الشرير. وهو الآن يلتفت إلى رحمة الرب وأمانته العظيمتين، إله عهد إسرائيل.
· كلمة “رحمة” هنا غير دقيقة في الترجمة. فالكلمة العبرية المستخدمة هي ’حِسِد‘ (hesed) وتدل على لطف الله أو كرَمه المدفوع بالمحبة في كل من مزمور ٧:٣٦ و١٠:٣٦. وتتحدث هذه الكلمة الرائعة عن محبة الله ورحمته معًا، ولاسيما تجاه شعب عهده.
· “أهم صفات الله من منظور هذا المزمور هو ’حِسِد‘ وتترجم هذه الكلمة العبرية عادة إلى ’محبة ثابتة‘ أو ’لطف الله أو كرمه المدفوع بالمحبة.‘” بويس (Boice)
· “يمكن للمرء أن يتخيل بسهولة أن هذا المزمور كُتب على ارتفاع طبيعي أشرفَ منه داود على مشهد وسيع المدى ورأى فيه رموزًا للحق متعلقة بإلهه. لاحظ المدى الهائل للرؤية: السماوات، والسماء أو الغمام، والجبال، واللجة العظيمة، والنهر، وفوق كل ذلك النور.” مورجان (Morgan)
· يَا رَبُّ، فِي ٱلسَّمَاوَاتِ رَحْمَتُكَ: “تطوّق رحمتك الأرض كلها مثل الأزرق الأثيري، باسمةً للطبيعة الكونية، وكأنها مظلة لكل خلائق الأرض، وتتسلق أعلى قمم الاستفزازات البشرية، وترتفع عاليًا فوق ضباب التعدي المميت.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. رحمة… جبال… عدل (بر)… لجة عظيمة… أحكام: لا يملك داود إلا أن يصف صفات الله التي ترتبط في ذهنه بأشياء كبيرة: السماوات، الغمام الذي يملأ السماء، والجبال الضخمة، والبحر (اللجة العظيمة).
· إِلَى ٱلْغَمَامِ: “يدل التعبير العبري (ad shechakim) إلى المناطق الأبدية؛ فوق كل فضاء منظور.” كلارك (Clarke)
· جِبَالِ ٱللهِ (الجبال العظيمة): “يلجأ داود حسب لغته العبرية، عندما يريد أن يعظّم شيئًا، إلى إضافة اسم الله إليه.” تراب (Trapp)
٣. ٱلنَّاسَ وَٱلْبَهَائِمَ تُخَلِّصُ يَا رَبُّ: يظهر صلاح الله في طريقة رعايته بخلائقه. فبيئة الخليقة كافية لتدبير احتياجات كل من ٱلنَّاسَ وَٱلْبَهَائِمَ.
ثانيًا. النظر إلى إله الرحمة من أجل العون ضد الأشرار
أ ) الآيات (٧-٩): شكر لله على صلاحه تجاه شعبه.
٧مَا أَكْرَمَ رَحْمَتَكَ يَا اَللهُ! فَبَنُو الْبَشَرِ فِي ظِلِّ جَنَاحَيْكَ يَحْتَمُونَ. ٨يَرْوَوْنَ مِنْ دَسَمِ بَيْتِكَ، وَمِنْ نَهْرِ نِعَمِكَ تَسْقِيهِمْ. ٩لأَنَّ عِنْدَكَ يَنْبُوعَ الْحَيَاةِ. بِنُورِكَ نَرَى نُورًا.
١. مَا أَكْرَمَ رَحْمَتَكَ يَا ٱللهُ: عندما تأمّل داود في رعاية الله لشعبه وخليقته، أحس بأن رحمة الله ثمينة (مَا أَكْرَمَ رَحْمَتَكَ) وشخصية.
· “يبيّن تعبير ’أكرم‘ انتقال داود من الحديث عما هو هائل في نطاقه إلى ما هو حميم وشخصي.” كيدنر (Kidner)
· “الاستخدام المتكرر لكلمة ’رحمة‘ (هي في العبرية “محبة ثابتة”) مفيد. فهي تؤكد أمرين. فهي تؤكد في الآية الخامسة المعنى أنها أعظم من أن تُستوعب، وفي الآية السابعة تفيد معنى أنها صالحة جدًّا بحيث لا يمكن تفويتها.” كيدنر (Kidner)
٢. فَبَنُو ٱلْبَشَرِ فِي ظِلِّ جَنَاحَيْكَ يَحْتَمُونَ: الإله العظيم مكان للراحة والحماية لشعبه. وهو يدعو بني البشر إلى أن يجدوا فيه ملجأ ثقة واتكال.
· يفهم المفسرون تعبير “ظِلِّ جَنَاحَيْكَ” بطريقتين رئيسيتين. إذ يعده بعضهم إشارة إلى أجنحة الكروبين المرسومين في خيمة الاجتماع والهيكل لاحقًا. وقد صُورت أجنحة الكروبين على غطاء تابوت العهد الذي كان تمثيلًا لعرش الله. ويرى آخرون في ذلك تشبيهًا بالدجاجة التي تضم فراخها تحت جناحيها للحماية والإخفاء والملجأ.
· “هذان جناحا الصلاح الإلهي اللذان يلجأ إليهما بنو البشر. وقد يكون التلميح هنا إلى أجنحة الكروبيم فوق كرسي الرحمة.” كلارك (Clarke)
· “مثل فراخ في عاصفة، أو عند ظهور تهديد من طائر كاسر، تندس تحت جناحي الدجاجة.” تراب (Trapp)
· “استخدمت صورة اللجوء تحت ’ظل جناحيك‘ في حديث راعوث مع بوعز (راعوث ١٢:٢). كما استخدمها يسوع في إشارته إلى أورشليم (متى ٣٧:٢٣). وهي تبيّن جانبًا من الخلاص الذي يفترض أن يدفعنا إلى التواضع ويعطينا طمأنينة.” كيدنر (Kidner)
٣. يَرْوَوْنَ مِنْ دَسَمِ بَيْتِكَ: يهتم الله بالذين يتكلون عليه ويحميهم كما يفعل المضيف الكريم الجليل من أجل أي شخص في بيته. وملء (دَسَمِ) بيته كافٍ لإشباع أي شخص مقدمًا له نهرًا من المسرّات فيه.
· يَرْوَوْنَ مِنْ دَسَمِ بَيْتِكَ: كلمة ’ملء‘ المستخدمة في النص الإنجليزي هي في واقع الأمر ’دسم،‘ كما هو في النص العربي. وهي كلمة ممتلئة بالإيحاءات. “يُقدَّر الطعام الأدسم على أنه أفضل الأطعمة وأشهاها. ولهذا كان يُطلب من القديس أن يقدم الدسم مع الذبيحة حسب الناموس. وكما يتوقع منا الله الأفضل، فإنه يعطينا الأفضل.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن سوينوك (Swinnock)
· دسم بيتك: استشهد سبيرجن بقصة رواها آرنوت (Arnot) حول شخص انتقل مع عائلته إلى بيت أكبر مساحة وأفضل تجهيزًا بمراحل. فظل طفله الصغير يركض عبر البيت صارخًا: “بابا، هل هذا بيتنا؟ وهل هذا لنا؟” لاحظ آرنوت: “لم يقل الطفل: ’بابا، هل هذا بيتك؟‘ وأنا لاحظت أن الأب أثناء روايته للقصة لم يحس بالإهانة بسبب اللغة المتحررة. كان بإمكانك أن تقرأ في عيني الطفل المتلألئتين ثقته وهو ينسب كل ما يمتلكه أبوه إليه. وهذا مظهر مهم في إحساسه بالرضا.” وسيكون هذا واحدًا من أعظم الأفراح في السماء عندما نصل إلى بيت أبينا. سنحس هناك برضا لا حد له بأنّ لدينا الحق في أن نتجول في السماء ونقول: “هل هذا لنا؟ وهل هذا لنا؟” وسنقولها عبر الأبدية.
· وَمِنْ نَهْرِ نِعَمِكَ تَسْقِيهِمْ: “الاتحاد معه مصدر كل بهجة، ككل إثمار حقيقي للرغبات. وربما يكون هذا إشارة إلى جنة عدن في اختيار كلمة ’نِعَمِكَ‘ (نعيم)، وهي كلمة مشابهة لاسم جنة عدن.” ماكلارين (Maclaren)
· نَهْر نِعَمِكَ: ” تكفي بعض القطرات من الكأس السماوية لفترة لتُنسينا أحزاننا حتى عندما نكون في وسطها. فما الذي لا نتوقعه من هذا الرسم الكامل لنعمك الموجودة على يمينك يا رب إلى الأبد؟” هورن (Horne)
· “يخبرنا أوغسطين أنه في أحد الأيام، بينما كان على وشك كتابة شيء عن الآية الثامنة من المزمور ٣٦، “وَمِنْ نَهْرِ نِعَمِكَ تَسْقِيهِمْ”، انغمس بشكل كلي في التأمل في الأفراح السماوية.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن بروكس (Brooks)
· “إن تصور صاحب المزمور للديانة فرِحٌ بشكل جوهري. ولا شك أن هنالك مصادر للحزن غريبة عن الرجل المتدين لأنه بالضرورة محروم من قدر كبير من السم الفوّار الموجود في الأفراح الأرضية المخدَّرة بالخطية. وإنّ قدْرًا كبيرًا من حياته كالحٌ وصارم وحزين في معظمها بالضرورة. لكن مصادر الفرح المفتوحة أعمق من تلك المغلقة.” ماكلارين (Maclaren)
٤. أَنَّ عِنْدَكَ يَنْبُوعَ ٱلْحَيَاةِ. بِنُورِكَ نَرَى نُورًا: الإشباع والمسرات الموجودة في الله متصلة بالحياة والنور. وهي تشفي وتبني وتحيي. وهي ممتلئة بنور الحق والصلاح.
· يدل اليُنبوع على “١. السببية. فهي موجودة كما في يُنبوع، وهي مستمدة منه. ٢. الوفرة. ٣. التفوق. فأعذب ماء هو من الينبوع.” بوله (Poole)
· من بين كل أنواع الحياة المختلفة الفيّاضة، فإن الله هو المصدر أو الينبوع، وأشعة وجهه نور لكل شيء.” مورجان (Morgan)
· بِنُورِكَ نَرَى نُورًا: “إن ما نتمتع به الآن مجرد نوع من الشَّقَق الخافت نسبيًّا. وبينما نختبئ في هذا البيت – السجن، لا نستطيع أن نرى إلا القليل. لكن بيت أبينا فوق ممتلئ بالنور.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن كروزو (Cruso)
· بِنُورِكَ نَرَى نُورًا: “هذا مشابه من حيث الفكرة لِما كتبه يوحنا في مقدمة إنجيله مبيّنًا أن يسوع هو النور الحقيقي الذي يعطي نورًا لكل إنسان (يوحنا ٩:١)، وهو يخطّ مقدمته.” بويس (Boice)
ب) الآيات (١٠-١٢): صلاة من أجل بركة وحماية مستمرتين.
١٠أَدِمْ رَحْمَتَكَ لِلَّذِينَ يَعْرِفُونَكَ، وَعَدْلَكَ لِلْمُسْتَقِيمِي الْقَلْب. ١١لاَ تَأْتِنِي رِجْلُ الْكِبْرِيَاءِ، وَيَدُ الأَشْرَارِ لاَ تُزَحْزِحْنِي. ١٢هُنَاكَ سَقَطَ فَاعِلُو الإِثْمِ. دُحِرُوا فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا الْقِيَامَ.
١. أَدِمْ رَحْمَتَكَ لِلَّذِينَ يَعْرِفُونَكَ: بعد أن تلقّى داود رحمة الله وبره، صلى بحق أن يدوم هذا له ولكل الذين يعرفون الله في علاقة سليمة.
· أَدِمْ رَحْمَتَكَ: “يقول النص العبري ’اسحب أو اغرف من محبتك الثابتة.‘ وهذا استخدام مجازي متعلق بأواني الخمر التي تُضبط لتُفتح لا لتملأ كأسًا واحدة فقط، بل كؤوسًا كثيرة. وهكذا يضبط الله أواني خمر رحمته، فلن يملأ كأسك مرة واحدة فحسب، بل مرتين وسبع مرات.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن جرينهيل (Greenhill)
· “تَعَلَّمْ من هذه الآية أنه رغم أن استمرار الرحمة مضمون في العهد، إلا أنه يظل علينا أن نجعله موضوع صلاة.” سبيرجن (Spurgeon)
· نلاحظ هنا التوازي بين الذين يعرفونك ومستقيمي القلوب. ومن الطبيعي أن يعتقد داود أن الذين يعرفون الله حقًّا مستقيمون في قلوبهم.
٢. لَا تَأْتِنِي رِجْلُ ٱلْكِبْرِيَاءِ: سبق أن سبّح داود الله بصفته ذاك الذي يحمي ويبارك شعبه (مزمور ٧:٣٦). وهو الآن يصلي أن يحقق الله هذا الجانب من معدنه الأدبي، فيحمي خادمه ضد رِجْل الشرير ويده.
٣. هُنَاكَ سَقَطَ فَاعِلُو ٱلْإِثْمِ: تأمّل داود نهاية الأشرار كثيرًا حتى إنه فكّر في هذا في بداية المزمور. لقد سقطوا حتى إنهم دُحِرُوا فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا ٱلْقِيَامَ. فعلى خلاف الأبرار الذين يسقطون سبع مرات ويقومون ثانية (سفر الأمثال (١٦:٢٤)، فإن فاعلي الإثم يبقون في التراب، بينما يحمي الله خدامه.
· “ينظر المتضرع من ملجئه تحت جناح الله إلى الخارج إلى الهزيمة المنكرة للأعداء المرتبكين، ويرى النهاية التي أوصلتهم إليها كذبة إعلان التعدّي وتملّقاتها. ضُربوا فسقطوا. وهي نفس الكلمة المستخدمة في صورة ملاك الرب المُطارِد للأشرار في مزمور ٣٥.” ماكلارين (Maclaren)
· يوجد بعض التوكيد على كلمة “هناك” في هذه العبارة. يعتقد بعضهم أنها تشير إلى الكبرياء المذكورة في الآية السابقة، بينما يرى آخرون أنها تشير إلى المكان الذي يمارس فيه فاعلو الإثم خطيتهم.
· “أشار آباء كثيرون إلى أن كلمة ’هناك‘ تعود على ’الكبرياء‘ المذكورة في الآية السابقة. ويقول أوغسطين إنه هناك يهلك كل الخطاة.” كلارك (Clarke)
· “’هناك‘ من حيث يهجمون عليَّ ويأملون أن يقضوا عليَّ. ويبدو أنه مكان يشار إليه بالإصبع.” بوله (Poole)
· “’هناك‘ حيث تآمروا أو تَمَرَّنوا على سقوط الأبرار، كما تعرَّض هنري الثالث ملك فرنسا للطعن في نفس الغرفة التي سبق أن دبّر هو وآخرون المذبحة الباريسية.” تراب (Trapp)