تفسير سفر المزامير – مزمور ٥٣
الإله الأمين ينقذ شعبه من الحمقى
هذا المزمور معنون: لِإِمَامِ ٱلْمُغَنِّينَ عَلَى «ٱلْعُودِ» (مهالاث). قَصِيدَةٌ لِدَاوُدَ. يعرِّفنا عنوان المزمور باسم المؤلف، وجمهوره، ولحنه أو الآلة التي يُعزَف عليها، مهالاث (Mahalath).
والمزمور ٨٨ هو المزمور الآخر الوحيد الذي يُعزف على مهالاث هذه. ويشكل هذا المزمور بشكل رئيسي تكرارًا للمزمور ١٤، مع تعديلات طفيفة. ويرجح أنه يهدف إلى بثّ الإيمان والشجاعة في نفوس إسرائيل في وسط تحدٍّ قومي، مثل تهديد بالغزو أو بالحصار.
أولًا. الحالة المحزنة للإنسان الذي يرفض الله
أ ) الآية (١): تحليل داود للإنسان الذي يرفض الله.
١قَالَ ٱلْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: «لَيْسَ إِلَهٌ». فَسَدُوا وَرَجِسُوا رَجَاسَةً. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلَاحًا.
١. قَالَ ٱلْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: “لَيْسَ إِلَهٌ”: نظر داود إلى أولئك الذين أنكروا وجود الله، ووصل إلى الاستنتاج إلى أنهم حمقى (ٱلْجَاهِلُ). وللفكرة الكامنة وراء هذه الكلمة العبرية القديمة المترجمة إلى (جَاهِل) بُعد أخلاقي أكثر منه ذهني. لم يخطر ببال داود أن هؤلاء لم يكونوا أذكياء بما يكفي ليكتشفوا الله وحقيقته (لا يوجد أحد ذكي بما يكفي لذلك)؛ لكن ما خطر بباله هو أنهم ببساطة يرفضون الله.
· تقدم ترجمة نسخة الملك جيمس الجديدة عبارة ’لَيْسَ إِلَهٌ‘ بخط مائل لتشير إلى المعنى الحقيقي للعبارة. “إنها تعني ’لَيْسَ إِلَهٌ‘ بالنسبة لي.” فهذا إلحاد عملي ونظري في الوقت نفسه.” فهو لا يؤمن بالله فحسب، لكنه يتصرف وفق هذه القناعة أيضًا.” بويس (Boice)
· يقول داود هذا بسبب الدليل الواضح على وجود الله: دليل في كل من الخليقة والضمير البشري الذي ذكره بولس في رسالته إلى أهل رومية الإصحاح ١. وإن حقيقة أن بعض الناس يصرون على إنكار وجود الله لا تمحو الله من الكون. بل تدل على أنهم جهلاء (حمقى). فكما كتب بولس في رومية ٢٢:١ “وَبَيْنَمَا هُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ حُكَمَاءُ صَارُوا جُهَلَاءَ.”
· “الكلمة العبرية المستخدمة في هذا المزمور والمترجمة إلى جاهل (أحمق) هي نابال، وهي تدل على انحراف عدواني (مُبادِر) جسَّده رجل اسمه نابال في سفر صموئيل الأول ٢٥:٢٥.” كيدنر (Kidner)
· الرجل الذي ينكر وجود الله أحمق (جَاهِل) لأنه:
ü ينكر ما هو واضح بشكل جلي.
ü يؤمن بتأثير (نتيجة) هائل من دون عِلّة (سبب).
ü ينكر وجود سلطة أخلاقية في الكون.
ü هو لا يؤمن إلا بما يمكن أن يثبته الأسلوب العلمي.
ü يأخذ فرصة درامية خاسرة في افتراضه أنه لا يوجد إله.
ü يرفض أن يقتنع بالحجج القوية الكثيرة على وجود الله.
· هنالك حجج قوية كثيرة على وجود الله منها:
ü الحجة الكونية: يعني وجود الكون وجوب وجود إله خالق.
ü الحجة الغائيّة: يعني وجود تصميم في الكون وجوب وجود إله مصمم.
ü الحجة الأنثروبولوجية: تعني الطبيعة الفريدة للبشر ومعدنهم الأدبي وجوب وجود إله علاقي.
ü الحجة الأخلاقية: يعني وجود الأخلاق وجوب وجود إله متحكم.
· “أيّهما العلّة (السبب)، وأيهما التأثير (النتيجة)؟ هل ينتج الإلحاد عن الحماقة، أم الحماقة عن الإلحاد؟ سيكون صحيحًا تمامًا أن نقول إن كليهما السبب والعلة في الوقت نفسه.” مورجان (Morgan)
٢. قَالَ ٱلْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: لم يجد داود أن ما قاله الجاهل مهم فحسب، بل مصدر هذا القول كان مهمًّا (فِي قَلْبِهِ) أيضًا. فليس الشخص الذي في بال داود، والذي ينكر الله، ينزعج من الاعتراضات الفكرية لوجود الله فحسب، لكنه يرغب فِي قَلْبِهِ أن يختفي الله أو يبتعد، لأسباب متعلقة بأمور أخلاقية في الأساس عادة.
· تشرح الآية في إنجيل يوحنا ٢٠:٣ هذا الأمر هكذا: لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ ٱلسَّيِّآتِ (يمارس الشر) يُبْغِضُ ٱلنُّورَ، وَلَا يَأْتِي إِلَى ٱلنُّورِ لِئَلَّا تُوَبَّخَ أَعْمَالُهُ (لئلَّا يُفضَح).
· يعني هذا أن الرجل الذي في بال داود ليس ملحدًا لأسباب فكرية بشكل أساسي. “لا تنتج اللاأدرية الصادقة الانحلال الأخلاقي بالضرورة، لكن الإلحاد العاطفي غير الصادق ينتج ذلك دائمًا.” مورجان (Morgan)
· عندما نتحدث مع شخص ينكر وجود الله، لا ينبغي أن نخاطب عقله (حتى بشكل رئيسي) فحسب، بل قَلْبِهِ أيضًا. “دع الواعظ يستهدف قلبه ويكرز بمحبة المسيح القاهرة الخارقة، وسيربح بنعمة الله متشككين في رسالة الإنجيل أكثر مما سيربحه أفضل المفكرين المنطقيين الذين يوجهون حججهم إلى العقل فقط.” سبيرجن (Spurgeon)
· تذكّرنا أيضًا عبارة “قَالَ … فِي قَلْبِهِ” بأنه يمكن أن يقول أحدهم في عقله إنه يوجد إله، بينما ينكره في قَلْبِهِ وحياته. قد يؤمن المرء بالله نظريًّا، لكنه ملحد عمليًّا في أسلوب حياته.
· تخبرنا الآية في سفر صموئيل الأول ١:٢٧ ما قاله دَاوُدُ فِي قَلْبِهِ ذات مرة: “إِنِّي سَأَهْلِكُ يَوْمًا بِيَدِ شَاوُلَ، فَلَا شَيْءَ خَيْرٌ لِي مِنْ أَنْ أُفْلِتَ إِلَى أَرْضِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ، فَيَيْأَسَ شَاوُلُ مِنِّي فَلَا يُفَتِّشَ عَلَيَّ بَعْدُ فِي جَمِيعِ تُخُومِ إِسْرَائِيلَ، فَأَنْجُوَ مِنْ يَدِهِ.” ألم يكن داود، بمعنى ما، ينكر الله ويتحدث كشخص أحمق (جاهل) أيضًا؟
· “قَالَ ٱلْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: ’لَيْسَ إِلَهٌ.‘ هذه هي الرغبة السرية لكل صدر (قلب) غير مجدَّد. ولو كان صدر الله في متناول البشر، فسيُطعن مليون مرة في لحظة واحدة. فعندما ظهر الله في الجسد، كان رائعًا بمعنى الكلمة. فلم يفعل خطية. كان دائمًا يجول يعمل خيرًا. غير أنهم أخذوه وعلّقوه على شجرة. استهزأوا به وبصقوا عليه. وهذه هي الطريقة التي يمكن أن يعاملوا الله بها مرة أخرى.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن ماشين (Macheyne)
٣. فَسَدُوا وَرَجِسُوا بِأَفْعَالِهِمْ: يتأمل داود هنا نتيجة إنكار الله. إنه يؤدي إلى الفساد وأعمال رجسة بغيضة. ولا يعني هذا أن كل ملحد يحيا حياة الانحلال الأخلاقي وأن كل مؤمن يحيا حياة صالحة. غير أن هنالك فرقًا واضحًا جدًّا في السلوك الأخلاقي بين الذين يأخذون الله مأخذ الجِد والذين لا يفعلون ذلك.
٤. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلَاحًا: عندما يتأمل داود خطية المنكِر لوجود الله، فإنه ينظر إلى مشهد البشرية كلها، ويَخْلُص إلى أنه لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلَاحًا. وهو لا يعني بذلك أنه لا يوجد شخص واحد صالح في هذا العالم. لكنه يقصد أن الإنسان الساقط ساقط جدًّا إلى درجة أنه لا يفعل صلاحًا بغريزته، وعندما يفعل الصلاح، فإنه قد يكون بطريقة ما مختلطًا بالشر.
· نحن مولودون بإرادةٍ لفعل الشر وقدرةٍ على ذلك في الوقت نفسه. فليس الطفل محتاجًا إلى شخص يعلّمه أن يفعل أشياء سيئة.
· عادة ما يؤدي السبيل الأقل مقاومة لله بنا إلى فعل أشياء سيئة، لا أشياء صالحة.
· غالبًا ما يكون أسهل أن نشجع الآخرين على فعل أشياء سيئة بدلًا من أشياء صالحة.
· إن قدْرًا كثيرًا من أعمالنا الصالحة مختلط بدوافع أنانية سيئة.
ü “ليس هذا مبالغة، حيث إن كل خطية توحي بوقاحة الافتراض أننا نعرف أفضل من الله، وبفسادٍ يحب الشر أكثر من الخير والصلاح.” كيدنر (Kidner)
ü “التعامل مع الإلحاد قضية حساسة هذه الأيام. وليس الإلحاد ضلالة خالية من الأذى. فهي خطية مهينة وكريهة، وينبغي للأبرار أن ينظروا إليها كذلك.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (٢-٣): تحليل السماء للبشرية الساقطة.
٢اَللهُ مِنَ السَّمَاءِ أَشْرَفَ عَلَى بَنِي الْبَشَرِ لِيَنْظُرَ: هَلْ مِنْ فَاهِمٍ طَالِبِ اللهِ؟ ٣كُلُّهُمْ قَدِ ارْتَدُّوا مَعًا، فَسَدُوا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا، لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ.
١. اَلرَّبُّ مِنَ ٱلسَّمَاءِ أَشْرَفَ عَلَى بَنِي ٱلْبَشَرِ: بينما يرغب الإنسان في أن ينسى الله، فإن الله لا ينسى الإنسان أبدًا. فهو دائمًا يراقب الإنسان مشرفًا عَلَى بَنِي ٱلْبَشَرِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ.
· غالبًا ما يوجد في رفض الإنسان لله أمنية في أن يتركنا الله وشأننا. وهذه رغبة غير حكيمة، لأن كل حياة تعتمد على الله (سفر أعمال الرسل ٢٨:١٧؛ إنجيل متى ٤٥:٥). فهذه أمنية مستحيلة، لأن لله، بصفته الخالق، الحق على خليقته.
· “تخبرنا الكلمات أن الله يشرف من السماء ليراقب حماقة أولئك الذين يبنون برج بابل (سفر التكوين ٥:١١). وهو ينظر من عُلاه إلى شر الجنس البشري قبل دينونته لهم بالطوفان.” كيدنر (Kidner)
· يكمن أحد الاختلافات بين هذا المزمور والمزمور ١٤ في أن كلمة إيلوهيم تحل محل كلمة يهوه بشكل متكرر. ويَصْعب تمييز السبب الدقيق في ذلك.
· كل من أوجه الشبه والاختلاف مثقِّفة. “تبيّن بعض التعديلات الطفيفة كيف أنه يمكن تكييف ترنيمة عظيمة لتلبّي الحاجة إلى بعض التطبيقات الخاصة بالحق المتضمَّن فيها.” مورجان (Morgan)
٢. لِيَنْظُرَ: هَلْ مِنْ فَاهِمٍ طَالِبِ ٱلله: عندما يُشرف الله من السماء، فإن من الأشياء التي يبحث عنها هو إن كان هنالك فهمٌ أو سعي إلى الله من قِبلِ البشرية.
· لا يبحث الله عن هذا بشكل رئيسي كحُكم فكري. فهو لا يتساءل إن كان أشخاص أذكياء بما يكفي ليفهموه ويكتشفوه. بل يبحث عن هذا كحُكم أخلاقي وروحي: إن كان هنالك من يفهم قلبه ويطلبه من أجل بره.
· إن كان شخص يطلب الله حقًّا، فإن هذا دليل على أن الله يعمل فيه. ربما يكون المرء متدينًا، ويقوم بطقوس، غير أنه لا يطلب الله حقًّا. فغالبًا ما يسعى البشر إلى وثن من صُنعهم، لا الإله الحقيقي الذي يسكن السماء ويملك عليها.
· “لقد مررتَ بهذا الشكل من العبادة، لكنك لم تطلب الله. لقد مللتُ من هذا التدين الأجوف. إذ نراه في كل مكان. وهو ليس تواصلًا أو شركة مع الله. إنه لا يصل إلى الله. بل إن الله ليس موجودًا فيه.” سبيرجن (Spurgeon) في إحدى عظاته حول رومية ٣.
٣. ٱلْكُلُّ قَدْ زَاغُوا مَعًا، فَسَدُوا: عندما ينظر الله، فهذا هو ما يراه. يجد أن الإنسان زاغ بعيدًا عن الله ولهذا فسُدَ.
· “تُستخدم هذه الكلمة لوصف طبيعة الخطية وجثة حيوان. ومرة أخرى، فإنها تدل على الخطية ونتانتها.” تراب (Trapp)
٤. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلَاحًا، لَيْسَ وَلَا وَاحِدٌ: عندما يجد الله أنه لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلَاحًا، لَيْسَ وَلَا وَاحِدٌ، فإن هذا يعود إلى أنه لا يوجد واحد بالفعل. ليس الأمر أنه يوجد بعضهم لكن الله لم يستطع أن يراهم. هنا يراقب ويتذكر داود أن الإنسان ساقط إلى حد بعيد عميق.
· فجأة يتسع استخدام داود لعبارة “لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلَاحًا” متجاوزًا الملحدين ليشملنا جميعًا. “يمكننا أن نقول إننا ’لسنا جميعًا ملحدين.‘ لكننا، من منظور الله، مشمولون أيضًا. وبعبارة أخرى، فإن الملحد الصريح في الآية الأولى مجرد مثل للجنس البشري بشكل عام.” كيدنر (Kidner)
· “يا لها من صورة عن جنسنا! لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلَاحًا إلاّ حيث تسود النعمة. إن بشريتنا الساقطة المنحطة صحراء بلا واحة، وليل بلا نجمة، كومة من الروث بلا جوهرة، وجحيم بلا قاع.” سبيرجن (Spurgeon)
ثانيًا. دفاع الله عن جماعته البارة
أ ) الآيات (٤-٥): يدافع الله عن شعبه عندما يهاجَمون.
٤أَلَمْ يَعْلَمْ فَاعِلُو الإِثْمِ، الَّذِينَ يَأْكُلُونَ شَعْبِي كَمَا يَأْكُلُونَ الْخُبْزَ، وَاللهَ لَمْ يَدْعُوا؟ ٥هُنَاكَ خَافُوا خَوْفًا، وَلَمْ يَكُنْ خَوْفٌ، لأَنَّ اللهَ قَدْ بَدَّدَ عِظَامَ مُحَاصِرِكَ. أَخْزَيْتَهُمْ لأَنَّ اللهَ قَدْ رَفَضَهُمْ.
١. لَمْ يَعْلَمْ كُلُّ فَاعِلِي ٱلْإِثْمِ: تأمّل داود أولًا في سقوط الإنسان العميق. وهو الآن يتعامل مع مصير شعب الله في عالم ساقط. ربما يبدو شعب الله وكأنهم أدوات ضعيفة، لكن داود فهِم أن فَاعِلِي ٱلْإِثْم هم الذين ِليست لديهم أية معرفة.
· “يحمل السؤال ما يشبه نغمة استغراب كما لو أن الله في عِلْمه الكلي وجد عجبًا في محبة الناس الغامضة للشر.” ماكلارين (Maclaren)
٢. ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ شَعْبِي كَمَا يَأْكُلُونَ ٱلْخُبْزَ: يبدو أن فَاعِلِي ٱلْإِثْمِ أقوياء وأنّ لهم اليد العليا. ويتساءل داود إن كان قد تُرِك شعب الله للحمقى والفاسدين في هذا العالم، للذين لَمْ يَدْعُوا ٱلرَّبَّ.
· “كَمَا يَأْكُلُونَ ٱلْخُبْزَ: أي من دون أسف أو ندم، بل بجشع وسرور وثبات كبير أيضًا، كما يأكلون اللحم.” بوله (Poole)
· وَٱلرَّبَّ لَمْ يَدْعُوا: “الإلحاد العملي هو بطبيعة الحال بلا صلاة.” ماكلارين (Maclaren)
٣. هُنَاكَ خَافُوا خَوْفًا، وَلَمْ يَكُنْ خَوْفٌ: هنا يخرج داود قليلًا عن المزمور ١٤. ويبدو أن الفكرة هي أن داود أخذ المزمور ١٤ وعدّله قليلًا ليلائم أزمته الحالية وليشجع إسرائيل.
· يبدو أن هذا حدث أثناء وقت هجوم أو حصار فرَضَه عدو (مُحَاصِركَ). وثق داود بأن الله سيبث خوفًا شديدًا في نفوس الأعداء رغم أن مركزهم الإستراتيجي لم يعطِهم سببًا للخوف (وَلَمْ يَكُنْ خَوْفٌ).
· صلى داود من أجل شيء سبق أن وعد الله به لإسرائيل المطيعة. فقد وعد بأن يرسل مثل هذا الخوف (سفر اللاويين ٣٦:٢٦).
· صلى داود من أجل شيء سبق أن وعد الله به في مناسبات أخرى. إذ سبق أن بثَّ خوفًا في قلوب أعداء إسرائيل مرات كثيرة. ومن أمثلة ذلك مواجهة يشوع مع الكنعانيين (سفر يشوع ١٠:١٠)، وجدعون مع المديانيين (سفر القضاة ٧)، وناثان وحامل سلاحه مع الفلسطينيين (سفر صموئيل الأول ١٤)، وحزقيال مع الأشوريين (سفر ملوك الثاني ١٩:١٨).
· “لم يخافوا الله، لكنهم خافوا البشر كثيرًا. غير أنهم خافوا خوفًا هنا حيث لا يوجد أي داعٍ للخوف.” تراب (Trapp)
· “الخوف من الله إما أن يكون دافعًا قويًّا يؤدي إلى طرق الحياة، وإما رعبًا قويًّا يؤدي إلى هلاك.” مورجان (Morgan)
٤. أَخْزَيْتَهُمْ لِأَنَّ ٱللهَ قَدْ رَفَضَهُمْ (احتقرهم): هنا يرد الله على الغبي (الأحمق) الذي يحتقره باحتقار مقابل. غير أنه يبدو أن إنكار الأحمق لله لم يكن في المقام الأول هو الذي استفز العليّ، بل كان هجومه على شعب الله هو الذي استفز الله بشكل أكثر حدة. ويمكننا القول إن الهجوم على شعب الله يمثل حماقة تعادل حماقة إنكار وجود الله.
ب) الآية (٦): الحنين إلى خلاص الله.
٦لَيْتَ مِنْ صِهْيَوْنَ خَلاَصَ إِسْرَائِيلَ. عِنْدَ رَدِّ اللهِ سَبْيَ شَعْبِهِ، يَهْتِفُ يَعْقُوبُ، وَيَفْرَحُ إِسْرَائِيلُ.
١. لَيْتَ مِنْ صِهْيَوْنَ خَلَاصَ إِسْرَائِيلَ: عرف داود أن الرب ملجأ لشعبه وأن فاعلي الإثم لن يفوزوا أبدًا. لكن كان صعبًا أن يُرى ذلك في الوقت الحالي، ولهذا عبّر داود عن توقه إلى الانتصار والخلاص الذي سبق أن وعد به الرب شعبه.
٢. عِنْدَ رَدِّ ٱلرَّبِّ سَبْيَ شَعْبِهِ: ليست هذه إشارة إلى السبي البابلي الذي سيحدث بعد أجيال كثيرة من زمن داود. فالسَبْيُ هنا يُستخدم بمعنى عام مشيرًا إلى أيّ زمن أو وضع يكون فيه شعب الله مقموعًا ومقيَّدًا.
· “نحن نفهم الكلمات ’عِنْدَ رَدِّ ٱلرَّبِّ سَبْيَ شَعْبِهِ‘ بالمعنى المعروف المتضمن في سفر أيوب ١٠:٤٢ وسفر حزقيال ٥٣:١٦، أي الإنقاذ من الشدة والمِحن.” ماكلارين (Maclaren)