تفسير سفر المزامير – مزمور ٩٢
فائدة تقديم الشكر لله
هذا المزمور معنون مَزْمُورُ تَسْبِيحَةٍ. لِيَوْمِ ٱلسَّبْتِ. وهو أول مزمور يحمل هذا العنوان. وربما كان ترنيمة للترنيم والتأمل في يوم السبت. كتب ديريك كدنر (Derek Kidner): “هذه الترنيمة ليوم السبت برهان كافٍ، أنه كانت هنالك حاجة إلى مثل هذا البرهان أصلًا، على أن يوم السبت في العهد القديم لم يُقصد به أن يكون مجرد يوم للراحة فحسب، بل للعبادة الجماعية أيضًا (مَحْفَل مقدس، سفر اللاويين٣:٢٣). وكان المقصود أن يكون بهجة لا عبئًا.”
“استخدم اليهود هذا المزمور لفترة طويلة في العبادة في المجمع أيام السبت. وكان ملائمًا تمامًا ليوم السبت، لا بسبب مظهره – حيث لا يوجد أي تلميح كبير أو صغير إلى يوم السبت إلى راحة سبتية فيه – بل لأن أهم شيء هو في ذلك اليوم دون سواه يجب أن ترتفع أفكارنا عن الأمور الأرضية إلى الله نفسه.” سبيرجن (Spurgeon)
أولًا. تقديم الشكر
أ ) الآيات (١-٣): التحلي بالشكر.
١حَسَنٌ هُوَ الْحَمْدُ لِلرَّبِّ وَالتَّرَنُّمُ لاسْمِكَ أَيُّهَا الْعَلِيُّ. ٢أَنْ يُخْبَرَ بِرَحْمَتِكَ فِي الْغَدَاةِ، وَأَمَانَتِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ، ٣عَلَى ذَاتِ عَشَرَةِ أَوْتَارٍ وَعَلَى الرَّبَابِ، عَلَى عَزْفِ الْعُودِ.
١. حَسَنٌ هُوَ ٱلْحَمْدُ لِلرَّبِّ: يبدأ مزمور السبت بتصريح بسيط وعميق معًا. إنه أمر جيد أن نرفع الشكر ليهوه إلى إله عهد إسرائيل، صانع السماوات والأرض.
· حَسَنٌ هُوَ ٱلْحَمْدُ لأنّ حمد خالقنا أمر ملائم.
· حَسَنٌ هُوَ ٱلْحَمْدُ لأن حمد فادي العهد لائق.
· حَسَنٌ هُوَ ٱلْحَمْدُ لأن الحمد لمن يباركنا وينقذنا أمر صواب.
· حَسَنٌ هُوَ ٱلْحَمْدُ لأن الإله الصالح سيبقى دائمًا صالح.
· حَسَنٌ هُوَ ٱلْحَمْدُ لأن الحمد يفيدنا.
· حَسَنٌ هُوَ ٱلْحَمْدُّ لأننا بهذا نضرب مثلًا للآخرين ليتبعوه.
· حَسَنٌ هُوَ ٱلْحَمْدُ لأن مجرد نظرة الشكر (من دون تعبير) غير كافية.
· ليس تقديم الحمد لله صوابًا فحسب، بل أكثر من ذلك، هو حَسَنٌ أيضًا. “… لا شك أنه حسن لأن الله في محبته يثمّنها كما ثمّن خليقته. لكنه حسن أيضًا بمعنى أن هذا يرفعنا ويحررنا.” كيدنر(Kidner)
· “يبدو أن هذا التصريح واضح جدًّا، ولن يميل أحد إلى معارضته. لكننا لا نعرف إلا القليل عن وظيفة العبادة، وظيفة تقديم ذبيحة حمد خالصة.” مورجان (Morgan)
· “اذهب ودقِّقْ بعناية وبشكل وافٍ في الاجتماعات العادية لكنائسنا، سواء أكانت طقسية أم حرّة في شكلها، ولاحظ كيف أن قدرًا ضئيلًا يكرَّس لرفع الشكر.” مورجان (Morgan)
· “يحس القلب التقي بأن العبادة حسنة، لا لأنها مقبولة لله ولأنها أسمى واجب مريح للإنسان فحسب، بل أيضًا كمصدر بهجة للعابد.” ماكلارين (Maclaren)
٢. وَٱلتَّرَنُّمُ لِٱسْمِكَ أَيُّهَا ٱلْعَلِيُّ: غالبًا ما يستخدم الشعر العبري أسلوب التوازي، حيث يكرر فكرة بكلمات مشابهة. ونحن نجد هنا مثلًا لهذا، حيث يكرر هذا السطر الفكرة في السطر الأول. ولهذا، فإن الحمد للرب هو مشابه جدًّا للترنم لاسم العليّ بالنسبة لصاحب المزمور. والترنيم هو تعبير رائع ومشروع عن الامتنان لله.
· “إنه لأمر حسن أن يقدَّم الشكر على شكل ترنيمة أو أغنية صوتية. فالطبيعة نفسها تعلّمنا أن نعبّر عن الامتنان لله. ألا تغني الطيور، وتدندن الجداول وهي تجري؟” سبيرجن (Spurgeon)
· “لقد ثبّتت خبرتنا الشخصية أنه حسن أن نترنم للرب. فغالبًا ما أحسسنا ما أحس به لوثر(Luther) عندما قال: ’هلمّ نرنم مزمور فنطرد به إبليس.‘” سبيرجن (Spurgeon)
٣. أَنْ يُخْبَرَ بِرَحْمَتِكَ فِي ٱلْغَدَاةِ: الإعلان عن رحمة الله (محبته المتسمة بالمحبة، أو المحبة العهدية (بالعبرية – حِسِد)، أي أَنْ يُخْبَرَ بِرَحْمَتِهِ وأمانتهِ هي طريقة أخرى لتقديم الشكر لله. ولا ينبغي أن نعلن عن رحمته وأمانته هذه في الايام والليالي الجيدة فحسب، بل في كل ليلة.
· “رحمة الله في الوعد بالخلاص، وأمانته في تحقيق هذا الوعد موضوعان لا ينضبان للحمد والتسبيح صباحًا ومساءً.” هورن (Horne)
· “ينبغي أن نعظم الرب بشوق وباستعداد فوري. فنحن نترك مهمّاتنا غير المُسِرة ما دام بإمكاننا ذلك. لكن قلوبنا منغمسة في الهيام بالله حتى إننا ننهض على عجل لكي ننكب على ذلك. هنالك نضارة خاصة وسحر مميز في ما يتعلق بالحمد والتسبيح في الصباح الباكر. وأجمل ما يكون اليوم عندما يفتح جفنيه لأول مرة، وعندما يبدو أن الرب يوزع مَنَّهُ السماوي لذلك اليوم، حيث يكون مذاق المنّ السماوي أحلى ما يكون عندما يُلتقط في الصباح الباكر قبل أن تشتد حرارة الشمس.” سبيرجن (Spurgeon)
· يعطي هذا النوع من الحمد والتسبيح إكرامًا للرب. “نحن نتكلم وكأننا نرثي لوجودنا، كما لو أننا أفضل قليلًا من الضفدع في البرك أو الحلزون في حوض من الملح. ونحن نتذمر كما لو أننا نحيا كشهداء، وكأنّ كل نفَس ويل. لكن ليس هذا هو واقع الحال. ومثل هذ السلوك افتراء على الرب الصالح.” سبيرجن (Spurgeon)
· وَأَمَانَتِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ: “اختبارنا على مدى النهار أغنى مما حصلنا عليه في الصباح. ولهذا فإن لدينا قوة أكبر للترنم بأمانة الله.” سبيرجن (Spurgeon)
٤. عَلَى ذَاتِ عَشَرَةِ أَوْتَارٍ: يمكن التعبير عن عبادة الله وإكرامه من خلال الموسيقى بآلات متنوعة، لكن ينبغي أن يتم هذا بصوت منسجم. ويعني هذا أنه ينبغي للذين يكرسون موسيقاهم لخدمة الله وشعبه أن يكونوا منسجمين وممتازين في تقديمهم للموسيقى.
· “أنا أعرف أن هنالك تقليدًا في الكنيسة يعارض استخدام الآلات الموسيقية في العبادة، لكني لا أفهم كيف يمكن لهذا أن ينسجم مع هذه النصوص ونصوص مشابهة في الكتاب المقدس.” بويس (Boice)
· تبيّن الآيات الثلاث الأولى من هذا المزمور أن عبادة الله وإكرامه يحملان جوانب وتعابير متنوعة. وينبغي لنا أن نعبد الله بأية طريقة متاحة تكرم الله.
ü يمكن أن يسبّح الله بتقديم الشكر أو بالترانيم أو الإعلانات.
ü يمكن أن يسبّح الله على هويته (كونه الرب والعليّ)، أو على ما فعله (معبَّرًا عن ذلك من خلال أعمال رحمته ومحبته وأمانته).
ü يمكن أن يتم هذا نهارًا أو ليلًا.
ü يمكن أن يتم هذا بالترنيم والآلات الموسيقية.
ب) الآية(٤): أسباب تقديم الشكر
٤لِأَنَّكَ فَرَّحْتَنِي يَارَبُّ بِصَنَائِعِكَ. بِأَعْمَالِ يَدَيْكَ أَبْتَهِجُ.
١. لِأَنَّكَ… يا ربُّ: ينصبّ التركيز هنا على عمل الله الشخصي. فهذا هو ما فعله نفسه.
٢. فَرَّحْتَنِي … بِصَنَائِعِكَ :أحيانًا ما يتذمر خدام الله من أعماله وطرقه. لكن طريقة صاحب المزمور أفضل بكثير، وهي أن يفرح من خلال عمل الله.
· “لا ينبغي فصل أعمال الله عن صفاته وطبيعته (مثل محبته وأمانته – انظر الآية ٢)، لأن ’أعماله‘ تعبّر عن طبيعته.” فانجيميرين (VanGemeren)
٣. بِأَعْمَالِ يَدَيْكَ أَبْتَهِجُ (أنتصر): ينصبّ التركيز بشكل كامل على الله، لا على الذات. إذ يكمن الانتصار لا في ما نفعله من أجل الله، بل في ما فعله الله بيديه.
ثانيًا. أعمال الله من أجل شعبه وأعدائه
أ ) الآيات (٥-٦): أفكار الله العظيمة.
٥مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ! وَأَعْمَقَ جِدًّا أَفْكَارَكَ! ٦ٱلرَّجُلُ ٱلْبَلِيدُ لَا يَعْرِفُ، وَٱلْجَاهِلُ لَا يَفْهَمُ هَذَا.
١. مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَارَبُّ: بعد أن طرح صاحب المزمور فكرة أعمال الرب في السطور السابقة، فإنه الآن يتعجب من عظمتها.
· مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ! “إنها متعددة ومتنوعة ورائعة بديعة! وأفكارك وتصاميمك التي شكلت تلك الأعمال عميقة جدًّا حتى إنه تستعصي على فهم الإنسان.” كلارك (Clarke)
· “انتهت صراعات الإنسان مع عدم الإيمان بالنسبة لصاحب المزمور. فهو ينحني في عبادة واثقة أمام عظمة أعمال الرب وعمق مقاصده التي لا تُستقصى، والتي توجّه تلك الأعمال.” ماكلارين (Maclaren)
· “لكن كيف تتهلل النفس المتجددة وتنتصر؟ إنها تفعل ذلك برؤية عمل يد الله الذي خلق كل شيء جديدًا في المسيح يسوع.” هورن (Horne)
٢. وَمَا أَعْمَقَ جِدًّا أَفْكَارَكَ: قبل أن يتحدث صاحب المزمور عن أعمال الله، فإنه يتطرق إلى ذكاء الله الذي هو وراء تلك الأعمال. فمعرفة الله ليست واسعة فتطال كل شيء فحسب، لكنها عميقة جدًّا حيث يعرف الله عن كل شيء.
· وَمَا أَعْمَقَ جِدًّا أَفْكَارَكَ: “أيها الإخوة، إنه لا يوجد بحر بعمق أفكار الرب الذي يجعل الأشرار ينجحون والصالحين يعانون. لا يوجد عمق كهذا. لا توجد أبعاد عويصة كهذه. وفي هذا العمق، وفي هذه الأبعاد العويصة، تتحطم كل نفس غير مؤمنة. فهل ترغب في أن تَعْبر هذا العمق؟ لا تفلت خشبة صليب المسيح ولن تغرق. تمسّكْ بالمسيح.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن أوغسطين (Augustine)
٣. ٱلرَّجُلُ ٱلْبَلِيدُ لَا يَعْرِفُ، وَٱلْجَاهِلُ لَا يَفْهَمُ هَذَا: لا يفهم الرجل البليد (الأحمق) والجاهل أن الله أذكى وأعظم منهما بلا حد. ويَصْعُب جدًّا على بعضهم أن يقبلوا أن الله يعرف أكثر مما يعرفون، وستكون حياتهم أكثر صعوبة لو كان هذا صحيحًا بالنسبة لهم.
· لا يفهم الرجل البليد عظمة الله المذكورة في الآية ٥، ولا يفهم الدينونة الآتية (رغم ازدهاره الحالي) المذكورة في الآية ٧.
· ٱلرَّجُلُ ٱلْبَلِيدُ هو بالعبرية Ish baar وهو يشير إلى خنزير غبي، أو الرجل الذي هو كله جسد، والذي يبدو أن الروح والعقل غير عاملين أو موجودين. فالرجل البهيم لا يحاول أبدًا أن يرى الله في أعماله.” كلارك (Clarke)
· “كلمة البليد Baar في الآية ٦ (انظر ١٠:٤٩؛ ٢٢:٧٣؛ أمثال١:١٢؛ ٢:٣٠) تعبير ينطبق على سلوك مشابه لسلوك الحيوان. فكما لا يُظهر الحيوان إدراكًا أو قدرة تحليلية، كذلك الأحمق (الجاهل) لا يملك عقلًا (انظر إشعياء٢:١).” فانجيميرين (VanGemeren)
· اقترح بويس (Boice) هنا بوجود صلة بالمزمور الثامن،”حيث يشير إلى الإنسان قائلًا: ’تَنْقُصَهُ قَلِيلًا عَنِ ٱلْمَلَائِكَةِ،‘ بدلًا من أن يكون ’أعلى قليلًا من الحيوانات.‘ ويشير هذا إلى أن دعوة الإنسان هي إلى أن ينظر إلى فوق ليصبح كالله الذي تكون هو على صورته. لكن اذا لم ينظر للأعلى فلا يوجد مكان آخر ينظر إليه إلا إلى أسفل وبالتالي سيبدء بالتصرف مثل الحيوان.” بويس (Boice)
ب) الآيات (٧-٩): الله يدين أعداءه.
٧إِذَا زَهَا الأَشْرَارُ كَالْعُشْبِ، وَأَزْهَرَ كُلُّ فَاعِلِي الإِثْمِ، فَلِكَيْ يُبَادُوا إِلَى الدَّهْرِ. ٨أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَمُتَعَال إِلَى الأَبَدِ. ٩لأَنَّهُ هُوَذَا أَعْدَاؤُكَ يَا رَبُّ، لأَنَّهُ هُوَذَا أَعْدَاؤُكَ يَبِيدُونَ. يَتَبَدَّدُ كُلُّ فَاعِلِي الإِثْمِ.
١. إِذَا زَهَا ٱلْأَشْرَارُ كَٱلْعُشْبِ: رأى صاحب المزمور أوقاتًا كثيرة بدا فيها أن الأشرار نجحوا، ونموا سريعًا كالعشب، وبدا أنهم يزهرون كالعشب. لكنه عرف أن ازدهارهم هذا لم يكن إلا تمهيدًا لدمارهم وهلاكهم (فَلِكَيْ يُبَادُوا إِلَى ٱلدَّهْرِ).
· زَهَا … أَزْهَرَ: “إن نجاح الأشرار البادي مثل انحدار جميل يؤدي إلى أسفل. فكلما تسارعَ تَبَرْعُمُهم ونموهم، تسارَع أيضًا سقوط الزهرات.” ماكلارين (Maclaren)
· لا يُعرف رضا الله على الإنسان بالازدهار الخارجي، ولا استياؤه منه بالظروف الصعبة التي يمكن أن يمر بها. غير أنه عندما يزدهر الأشرار، يمكننا أن نتأكد من أن إساءة استخدامهم لمراحم الله ستجعلهم يُقطعون مثل العشب من الأرض. وعندما يموتون في خطاياهم، سيهلكون إلى الأبد (فَلِكَيْ يُبَادُوا إِلَى ٱلدَّهْرِ). كلارك (Clarke)
· فَلِكَيْ يُبَادُوا إِلَى ٱلدَّهْرِ: “الهلاك ’إِلَى ٱلدَّهْرِ‘ نصيب رهيب جدًّا بحيث لا يستطيع العقل أن يدركه. فما لم ترَ عين، وما لم تسمع أذن، رعب الله الكامل ألمَعَدَّ للأشرار.” سبيرجن (Spurgeon)
· “لا يخطر ببالهم أنهم يزدهرون مثل الحيوانات التي لا تسمَّن إلا للذبح. فكلما ازدادوا بدانة، صاروا أكثر ملاءمة للذبح، وصار وقت ذبْحهم أقرب.” سبيرجن(Spurgeon) نقلًا عن بوجان(Bogan)
٢. أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَمُتَعَالٍ (عالٍ في مكانك) إِلَى ٱلْأَبَد: بالمقابلة مع الأشرار الذين يزدهرون وقتيًّا، الرب هنا، عالٍ إلى الأبد. وسيهلك أعداؤه، وسيتشتت الأشرار.
٣. لِأَنَّهُ هُوَذَا أَعْدَاؤُكَ يَا رَبُّ: تتكرر هذه العبارة للتوكيد. فأعداء الله سيُقضى عليهم. وسيُدعى شعب الله إلى رؤية هذا كعمل آخر من أعمال الله العظيمة.
· يستخدم صاحب المزمور تعبير “هُوَذا” (انظر إلى هذا) وكأنه يؤشر بإصبعه إلى شيء واضح تمامًا لا يعتريه أي شك.” تراب (Trapp)
· وفي النهاية، فإن الله عازم على القضاء على الذين يجعلون من أنفسهم أعداء له. “هذا لُطف ضعيف وخطِر ذاك الذي يسمح للشر بأن يستمر في عمله التدميري. وهذه شفقة قوية وحنان تلك التي تضرب الشر بلا هوادة وتقضي عليه.” مورجان (Morgan)
· يعلّق كيدنر على الآية ٩: “هذه الآية بقوتها التراكمية شبيهة بشكل ملحوظ بسطور معيّنة في كتابات أوغاريت كُتِبت قبل قرون من ذلك. فإذا كانت هذه معروفة جيدًا، فإن الآية التي نحن بصددها يمكن أن تكون توكيدًا قويًّا أن الرب، لا البعل، هو الذي سينتصر، وأن انتصاره سيخلّص العالم من الشر، بدلًا من تخلُّص إله طبيعة (زائف) من منافسيه.” كيدنر (Kidner)
ج) الآيات (١٠-١١): اختبار صاحب المزمور للبركة والإنقاذ.
١٠وَتَنْصِبُ مِثْلَ ٱلْبَقَرِ ٱلْوَحْشِيِّ قَرْنِي. تَدَهَّنْتُ بِزَيْتٍ طَرِيٍّ. ١١وَتُبْصِرُ عَيْنِي بِمُرَاقِبِيَّ، وَبِٱلْقَائِمِينَ عَلَيَّ بِٱلشَّرِّ تَسْمَعُ أُذُنَايَ.
١. وَتَنْصِبُ مِثْلَ ٱلْبَقَرِ ٱلْوَحْشِيِّ قَرْنِي: كان القرن رمزًا للقوة والقدرة. فالأشرار سيبيدون (الآية ٧)، لكن قوة الأبرار ستزداد.
· مِثْلَ ٱلْبَقَرِ ٱلْوَحْشِيِّ: “كانت قوة هذا الحيوان وشراسته مضربًا للمثل.” فانجيميرين (VanGemeren)
· “تستدعي صورة ’القرن‘ استعارة الزيت أيضًا، حيث كان الزيت يُسكب من قرن (انظر ١صموئيل ١٣:١٦).” فانجيميرين (VanGemeren)
٢. تَدَهَّنْتُ بِزَيْتٍ طَرِيٍّ (طازج منعش): كانت المسحة بالزيت الطازج يجلب الانتعاش والكرامة، حيث كانت تُسكب بركة وقوة وتمكين من الرب على الشخص الممسوح.
· بِزَيْتٍ طَرِيٍّ: “احنوا رؤوسكم كل صباح، يا كهنة العليّ، من أجل سكب جديد من أجل الخدمات التي تنتظركم. فلن تكفي النعمة السابقة والقوة الأولى. يتوجب عليكم تجديد الموارد وإعادة سَكِّها. العهود القديمة يجب تجديدها، يتوجب أن يكون ملء الروح القدس نابضًا بالحياة وواضحًا مثل أول ملء.” ميير (Meyer)
· “أحيانًا عندما نلتقي مؤمنين ممتلئتين نعمة وصبرًا وشجاعة وحماسة ومحبة، نقول: ’لا أستطيع الوصول إلى النقطة التي وصل إليها.‘ نعم يمكننا ذلك، لأننا سنُمسَح بزيت طري. وإذا حصلنا على نعمة جديدة، فلن يكون هنالك مرتفَع لا نستطيع الوصول إليه.” سبيرجن (Spurgeon)
· “يشير الزيت الطري في هذا السياق ببلاغة إلى مسحة جديدة من الله، أو تكريس جديد لخدمة الله. وقد تكون فكرة إضافية للاستعداد لأن نكون ’ذبيحة حية،‘ حيث إن الفعل هنا يُستخدم في مواضع أخرى لا للمسحة، بل لترطيب تقدمة الدقيق بالزيت قبل تقديمها على المذبح (خروج ٤٠:٢٩).” كيدنر (Kidner)
٣. وَتُبْصِرُ عَيْنِي بِمُرَاقِبِيَّ: حصل صاحب المزمور على بركة إضافية برؤية انتصاره على أعدائه (وَتُبْصِرُ عَيْنِي بِمُرَاقِبِيَّ). هنالك توكيد لانتصار شعب الله (رومية ٣٧:٨)، لكنه لا يُفهم أحيانًا إلاّ بالإيمان، ولا يرى بالعين المجردة.
· يُقصد بهذا التعبير عن توكيد الإيمان ثقة متواضعة بوعود الله وبتتويج جهودنا بالانتصار على كل شيء يعارضها، وأن اليوم قادم عندما نرى كل أعداء خلاصنا أمواتًا تحت أقدامنا.” هورن (Horne)
د ) الآيات (١٢-١٥): الله يُنجح الأبرار.
١٢اَلصِّدِّيقُ كَالنَّخْلَةِ يَزْهُو، كَالأَرْزِ فِي لُبْنَانَ يَنْمُو. ١٣مَغْرُوسِينَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ، فِي دِيَارِ إِلهِنَا يُزْهِرُونَ. ١٤أَيْضًا يُثْمِرُونَ فِي الشَّيْبَةِ. يَكُونُونَ دِسَامًا وَخُضْرًا، ١٥لِيُخْبِرُوا بِأَنَّ الرَّبَّ مُسْتَقِيمٌ. صَخْرَتِي هُوَ وَلاَ ظُلْمَ فِيهِ.
١. اَلصِّدِّيقُ كَالنَّخْلَةِ يَزْهُو: كان للشرير موسمه للازدهار(الآية ٧)، لكن الصدّيق سيزهو مثل شجرة نخيل دائمة الخُضرة. وينبغي للأشرار أن يفهموا أن هذا العالم يقدم أفضل ما يمكن أن يختبروه في هذه الحياة. وينبغي للصدّيقين أن يعرفوا أن العالم يقدم لهم أسوأ ما يمكن أن يختبروه في هذه الحياة.
· كَالنَّخْلَةِ: “عندما نرى نخلة فخمة منتصبة، مرسِلة كل قوّتها إلى أعلى في عامود جسور، ونامية وسط القلّة والمجاعة وجفاف الصحراء، فإننا نحصل على صورة رائعة للصديق الذي يهدف في استقامته إلى مجد الله وحده. وبغضّ النظر عن الظروف الخارجية، فإن النعمة الإلهية تجعله حيًّا مزدهرًا حيث يهلك كل شيء آخر.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. كَالأَرْزِ فِي لُبْنَانَ يَنْمُو: أشجار لبنان معروفة بحجمها وقوّتها وديمومتها وجمالها وفائدتها. وستجلب البركات الآتية على الصدّيق نفس الصفات.
· “تعطينا أشجار الأرز فكرة الجلالة والثبات والديمومة وعدم قابلية الفساد.” كلارك (Clarke)
٣. مَغْرُوسِينَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ، فِي دِيَارِ إِلهِنَا يُزْهِرُونَ: بيت الله، وهو مكان حضوره، هو حيث يُغرس فيه المؤمنون ويزدهرون باستمرار في الوقت نفسه. ويمكن أن يقول المرء إنهم في حضرة الرب من البداية إلى النهاية. وسيثمرون حتى في الشيخوخة، كما فعل موسى (تثنية ٧:٣٤).
· مَغْرُوسِينَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ: “إنه لأمر مشكوك فيه أنه كانت تُغرس أشجار في ساحات الهيكل. لكن فكرة صاحب المزمور هي أن من المؤكد أن الصدّيقين سيكونون هناك، وأن بيت الرب هو تربتهم الأصلية التي تجذّروا فيها، وهم دائمون.” ماكلارين (Maclaren)
· أَيْضًا يُثْمِرُونَ فِي الشَّيْبَةِ: “ليست هذه خضرة الشباب الدائم، بل نضارة العمر من دون عُقم، مثل موسى الذي “لم تكل عينه ولا ذهبت نضارته” (تثنية ٧:٣٤)، والذي كانت حكمته ناضجة، وذاكرته غنية بشكل ثمين لا يوصف.” تراب (Trapp)
· كما تشير ٢ كورنثوس ١٦:٤، فإنه يمكن أن يفنى إنساننا الخارجي، بينما يتجدد إنساننا الداخلي يومًا فيومًا. “عندما تتحلل قوّتهم الخارجة، ستتجدد أيامهم الأخيرة وستكون أفضل أيام، وسيزدادون في النعمة والراحة والبركة.” ميير (Meyer)
· “سمعت مؤمنًا ذات يوم يقول إنه اعترف بخطأ، وقال: ’أخشى أن تكون ثمر شيخوختي هي النكد والتذمر.‘ فقلت له: ’لا. هذا ليس ثمر شيخوختك بل هو ثمر طبيعتك القديمة.‘ لكن ثمر شيخوختك، حين توجد النعمة في الشيخوخة، يجب أن يكون هو الصبر.” سبيرجن (Spurgeon)
٤. لِيُخْبِرُوا بِأَنَّ الرَّبَّ مُسْتَقِيمٌ: هذا هو السبب وراء حقيقة أن شعب الله يحيون بطريقة مباركة – لكي يعطوا كرامة لله ويلفتوا الأنظار إليه (بثمرهم). ولا يهدف هذا الإثمار إلى جذب الانتباه إلى أنفسهم كاشخاص رائعين، بل إلى الرب هاتفين أن الرَّبَّ مُسْتَقِيمٌ.
· بِأَنَّ الرَّبَّ مُسْتَقِيمٌ: “كيف يُظهر ثمر شيخوخة المؤمن نفسه؟ يبيّن هذا أن الله لم يتركه ولم يهمله وأنه حفظ وعده. هكذا يُظهر الثمر نفسه. فقد وعد بأننا عندما نكون ضعفاء سنكون أقوياء به. هكذا يُظهر الثمر نفسه. ووعد بأننا إذا طلبناه، فإنه لن يعوزنا أي خير. هكذا يُظهر الثمر نفسه.” سبيرجن (Spurgeon)