تفسير رسالة رومية – الإصحَاح ١
الجنس البشري مذنبٌ أمام الله
أولاً. أهمية وتأثير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية
أ ) تأثير رسالة رومية على القديس أغسطينوس (Augustine)
- في صيف عام ٣٨٦، كان هناك شاب يبكي وهو جالس في الفناء الخلفي لمنزل صديقه. وكان هذا الشاب يعلم أن حياة الخطية والتمرد على الله التي كان يحياها قد تركته يشعر بفراغ رهيب، كما لو كان ميتاً؛ لكنه لم يكن يستطيع أن يتخذ قراراً نهائياً وحقيقياً فيما يتعلق بيسوع المسيح. وبينما كان جالساً، سمع صوت أطفال يلعبون لُعبة فيها ينادون بعضهم البعض بهذه الكلمات “التقط واقرأ! التقط واقرأ.”
- شعر الشاب بأن كلمات هؤلاء الأطفال تحمل له رسالة من الله، فالتقط لفيفة قديمة كانت بجواره وبدأ يقرأ “لاَ بِالْبَطَرِ وَالسُّكْرِ، لاَ بِالْمَضَاجعِ وَالْعَهَر، لاَ بِالْخِصَامِ وَالْحَسَدِ. بَلِ الْبَسُوا الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ، وَلاَ تَصْنَعُوا تَدْبِيرًا لِلجسد لأَجْلِ الشَّهَوَاتِ” (رومية ١٣: ١٣ – ١٤). لم يقرأ المزيد، لم يكُن محتاجاً إلى ذلك. فقد نال أغسطينوس، من خلال قوة كلمة الله، على الإيمان الذي جَعَله يُسلِم حياته بالكامل ليسوع المسيح في تلك اللحظة.
ب) تأثير رسالة رومية على مارتن لوثر (Martin Luther)
- في شهر أغسطس من عام ١٥١٣، قام راهب بإلقاء مُحاضرة من سفر المزامير على طُلاب يدرسون اللاهوت رغم أن حياته الداخلية كانت مضطربة تماماً. وذات يوم وجد نفسه يقرأ مزمور ٣١: ١ “بِعَدْلِكَ نَجِّنِي“. أربك هذا المقطع لوثر كثيراً؛ فهل يستطيع بر الله أن يفعل أي شيء سوى إدانته وإرساله إلى الجحيم كعقاب عادل على خطاياه؟ وبقي لوثر يتأمل في كلمات الآية في رومية ١: ١٧ التي تقول: “لأَنْ فِيهِ مُعْلَنٌ بِرُّ اللهِ بِإِيمَانٍ، لإِيمَانٍ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: أَمَّا الْبَارُّ فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا.”
- وتابع لوثر الراهب قائلاً: “تأملت كثيراً في هذه الآية حتى أدركت حقيقة أن بِر الله هو الذي يبررنا بالإيمان من خلال النعمة والرحمة المُطلقة. وحينها شَعَرت أني ولِدت ثانية ودخلت عبر بوابة السماء المفتوحة.” آمن مارتن لوثر بسبب هذه الآية وهكذا بدأت ’حركة الإصلاح‘ في قلبه.
ج) تأثير رسالة رومية على جون ويسلي (John Wesley)
- في شهر مايو من عام ١٧٣٨ ذهب مُرسل يشعر بالإحباط والفشل لحضور إجتماع بسيط لدرس الكتاب. ذهب وهو متردد ولكنه سمع هناك شخصٌ ما يقرأ بصوت عالٍ تفسير مارتن لوثر لرسالة رومية.
- قال ويسلي، المُرسل المحبط لاحقاً: “بينما كان القارئ يَصِف التغيير الذي يُحدثه الله في القلب من خلال الإيمان بالمسيح، شَعرت بدِفء غريب يسري في قلبي. وشَعَرت بأنني أثق فعلاً في المسيح من أجل خلاصي وتأكد لي أنه قد أبعد عني كل خطاياي.” وفي تلك الليلة في مدينة لندن، حصل جون ويسلي على الخلاص.
د ) تأمل شهادة هؤلاء الرجال فيما يتعلق برسالة رومية:
- قال مارتن لوثر (Martin Luther) ممتدحاً رسالة رومية: “إنها الجزء الرئيسي في العهد الجديد بل إنها الإنجيل الكامل… هي الخُلاصة البحتة للإنجيل.”
- وَصَف فيليب ميلانكثون (Philip Melancthon)، خَليفة مارتن لوثر، رسالة رومية بأنها “خُلاصة العقيدة المسيحية.”
- قال جون كالفين (John Calvin) عن رسالة رومية: “عندما يفهم أي شخص هذه الرسالة، يُصبِح أمامه ممراً مفتوحاً لفَهم الكتاب المقدس بأكمله.”
- قال سامويل كوليريدج (Samuel Coleridge)، الشاعر والناقد الأدبي الإنجليزي، أن رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية هي “من أعمق الرسائل في الوجود.”
- قال فريدريك جوديت (Frederick Godet)، اللاهوتي السويسري الذي كان يعيش في القرن التاسع عشر، عن رسالة رومية أنها “كاتدرائية الإيمان المسيحي.”
- قال ج. كامبيل مورجان (G. Campbell Morgan) أن رسالة رومية هي “أكثر صفحة أدبية تشاؤمية قد تَستَقِر عليها عيناك” وفي ذات الوقت “هي أكثر قصيدة شِعرية تدعو إلى التفاؤل قد تسمعها على الإطلاق.”
- كَتَب ريتشارد لينسكي (Richard Lenski) عن رسالة رومية ما يلي: “تعتبر رسالة رومية من أقوى رسائل العهد الجديد على الإطلاق، وكأنها كُتبت في ذُروة مسيرة بولس الرسولية.”
هـ) يجب أن نتذكر أيضاً كلمات بطرس الرسول عن رسائل بولس: كَمَا كَتَبَ إِلَيْكُمْ أَخُونَا الْحَبِيبُ بُولُسُ أَيْضًا بِحَسَبِ الْحِكْمَةِ الْمُعْطَاةِ لَهُ، كَمَا فِي الرَّسَائِلِ كُلِّهَا أَيْضًا، مُتَكَلِّمًا فِيهَا عَنْ هذِهِ الأُمُورِ، الَّتِي فِيهَا أَشْيَاءُ عَسِرَةُ الْفَهْمِ. (بطرس الثانية ١٥:٣-١٦)
- نجد في رسالة رومية حقيقة مُغيرة للحياة، ويجب الاقتراب منها بجهد وتصميم لفَهم ما قاله الروح القدس من خلال بولس الرسول.
ثانياً. المُقدمة
أ ) الآية (١): بولس يُقَدِم نفسه إلى المؤمنين في رومية
١بُولُسُ، عَبْدٌ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الْمَدْعُوُّ رَسُولاً، الْمُفْرَزُ لإِنْجِيلِ اللهِ
- بُولُسُ: إن حياة وخدمة الرسول بولس (المعروف باسم شاول الطرسوسي أيضاً) مُوثقة بشكل جيد في سفر أعمال الرسل من إصحاح ١ وحتى ٢٨، وكذلك في غلاطية ١ وكورنثوس الثانية ١١ و١٢.
- مِن المُتَفَق عليه عالمياً، وبشكل شِبه مُطلَق، أن بولس كَتَب رسالة رومية بينما كان يقضي فصل الشتاء في مدينة كورنثوس أثناء رحلته التبشيرية الثالثة، كما هو مذكور في أعمال الرسل ٢:٢٠-٣. وهذا مبني على ما ورد في رومية ١:١٦ و٢٣:١٦ وكذلك كورنثوس الأولى ١٤:١. ويرى العديد من المُفسرين أن الرسالة قد كتبت في الفترة ما بين ٥٣ إلى ٥٨م.
- عندما كَتَب بولس رسالة رومية، كان قد قضى ما يقرب من عشرين عاماً في التبشير. وفي طريقه إلى أورشليم، أمضى ثلاثة أشهر في مدينة كورنثوس بلا أية التزامات مُلِحة. وربما شعر أنه كان الوقت المناسب ليكتب رسالة إلى المؤمنين في روما، الكنيسة التي كان يعتزم زيارتها بعد رحلته إلى أورشليم.
- عندما حاول بولس الذهاب إلى رومية (رُومَا)، حذره الروح القدس من الخطر الذي ينتظره في أورشليم (أعمال الرسل ١٠:٢١-١٤). فماذا لو لَم يتمكَن من الوصول إلى روما؟ إذاً يتوجب على بولس أن يكتُب رسالة شاملة حتى يضمَن أن المؤمنين في رومية يملكون الإنجيل الذي بشر به، حتى وإن لم يتمَكَن من زيارتهم بنفسه.
- تختلف رسالة رومية، بسبب كل هذه الظروف، عن الكثير من الرسائل التي كتبها بولس إلى الكنائس. فالرسائل الأخرى تُرَكِز أكثر على الكنائس وتحدياتها ومشاكلها، بينماتُركز الرسالة إلى أهل رومية بصورة أكبر على الله وخطته العظيمة للفداء.
- نحن نعلم أن المؤمنين في رومية (رُومَا) كانوا يُقدرون هذه الرسالة كثيراً. وقد كتب كليمنت (Clement) بابا روما في عام ٩٦م رسالة أظهرت كيف كان مُلماً بكل ما جاء في رسالة بولس إلى أهل رومية. وربما كان قد حفظها عن ظهر قلب، وأن قراءتها كانت جزءاً لا يتجزأ من كل خدمة في الكنيسة الرومانية. ويعتقد العديد من الدارسين من بينهم بروس (Bruce) وباركلي (Barclay) أن نُسخة منقحة من رومية – بدون الإشارات الشخصية في رومية ١٦ – قد تم توزيعها على نطاق واسع بين الكنائس الأولى كمُلخَص للعقيدة الرسولية.
- عَبْدٌ … رَسُولاً: إن تحديد بولس لهويته هو شيء هام للغاية. فهو أولاً عَبْدٌ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، وثانياً الْمَدْعُوُّ رَسُولاً.
- هناك العديد من الكلمات اليونانية القديمة التي كانت تُستَخدَم للإشارة إلى العبد، ولكن الفكرة وراء كلمة عَبْد (doulos) هنا هي للإشارة إلى “التفاني التام والمُطلق، وليس الإذلال الذي كان هو الوضع الطبيعي للعبد.” موريس (Morris)
- “عَبْدٌ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، هو لقب أعلى من لقب أي ملك في العالم.” بووله (Poole)
- الْمُفْرَزُ لإِنْجِيلِ اللهِ: أن تكون رَسُولاً يعني أن تكون سفيراً أو مَبعوثاً. فرسالة بولس هي إِنْجِيلِ اللهِ (أي الخبر السار)، أي أنه الإنجيل الخاص بإله السماء. فهو لم يكن إنجيلاً قد ألفه بولس، إنما كان هو ببساطة سفيراً يحمل إنجيل الله.
- الْمُفْرَزُ للإِنْجِيلِ: “ربما يُشير القديس بولس هنا إلى حالته السابقة كفريسي، والتي تعني حرفياً المُفرَز أو المُنفَصِل. فلقد كان قبلاً مُفرزاً لخدمة طائفته، ولكنه الآن مُفرَزاً لإنجيل الله.” كلارك (Clarke)
- “يعتقد البعض أنه يُلَمِح إلى اسم ’فريسي‘ الذي يعني المفرز: فعندما كان فريسياً، كان مُفرزاً لناموس الله، ولكنه الآن، كمؤمن، مُفرَزاً لإنجيل الله.” بووله (Poole)
- إِنْجِيلِ اللهِ: تركز رسائل عديدة في العهد الجديد على المشاكل والتحديات التي تواجه الكنيسة، أما رسالة رومية فتُرَكِز على اللهِ نفسه. “كلمة ’الله‘ هي أهم كلمة في هذه الرسالة. فرسالة رومية هي سِفرٌ عن الله. وموضوع الله كان من أكثر المواضيع التي تكررت في الرسالة. فكل ما يتطرق إليه بولس في هذه الرسالة هو مُرتبط بالله. وحتى في سعينا لفهم ما يقوله الرسول عن البِر والتبرير وعن أمور مشابهة، لا ينبغي أن نَغفَل التركيز الهائل على الله.” موريس (Morris)
- تكررت كلمة “اللهِ” ١٥٣ مرة في رسالة رومية، بمعدل مرة كل ٤٦ كلمة – وهذا يُعتَبَر أكبر مُعَدَل تكررت به هذه الكلمة في العهد الجديد. وبالمقارنة، لاحظ مُعَدَل تكرار كلمات أخرى في رسالة رومية: الناموس (٧٢)، المسيح (٦٥)، الخطية (٤٨)، رَب (٤٣)، الإيمان (٤٠). فرسالة رومية تتعامل مع موضوعات عديدة لكنها إلى حَد ما تُعتَبَر رسالة عن الله.
- هناك العديد من الكلمات الهامة التي يجب علينا أن نفهمها ضِمن مُفردات رسالة رومية. فقال بروس (Bruce) مقتبساً من مُقدمة تينديل (Tyndale) التالي عن رسالة رومية: “أولاً، يجب علينا أن نلاحظ باجتهاد طريقة حديث الرسول، وفوق كل شيء نعرف ما يعنيه بولس بهذه الكلمات: الناموس، الخطية، النعمة، الإيمان، البِر، الجسد، الروح، وما شابه ذلك، وإلا نظل نقرأها، ولا نستفيد شيئاً ويضيع جهدنا.”
ب) الآيات (٢-٦): بولس يُقَدِم إنجيله إلى أهل رومية.
٢الَّذِي سَبَقَ فَوَعَدَ بِهِ بِأَنْبِيَائِهِ فِي الْكُتُبِ الْمُقَدَّسَةِ، ٣عَنِ ابْنِهِ. الَّذِي صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ الْجَسَدِ، ٤وَتَعَيَّنَ ابْنَ اللهِ بِقُوَّةٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ الْقَدَاسَةِ، بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ: يَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا. ٥الَّذِي بِهِ، لأَجْلِ اسْمِهِ، قَبِلْنَا نِعْمَةً وَرِسَالَةً، لإِطَاعَةِ الإِيمَانِ فِي جَمِيعِ الأُمَمِ، ٦الَّذِينَ بَيْنَهُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا مَدْعُوُّو يَسُوعَ الْمَسِيحِ.
- الَّذِي سَبَقَ فَوَعَدَ بِهِ بِأَنْبِيَائِهِ: ليس هذا إنجيلاً جديداً، وهو ليس اختراعاً ذكياً من ابتكار الإنسان. فقد كان عالم بولس يُشبِه عالمنا، حيث أحب الناس التعاليم والعقائد “الجديدة.” ومع ذلك، فإن بولس لم يجلب شيئاً جديداً، بل تناول شيئاً قديماً جداً موجوداً في خطة الله.
- عَنِ ابْنِهِ … يَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا: هذا هو مركز إنجيل بولس، أي ’الشمس‘ التي يدور حولها كل شيء آخر. فمركز المسيحية ليس التعليم أو النظام الأخلاقي، بل هو شخص: يَسُوعَ الْمَسِيحِ.
- يسوع هذا له أصل بشري (مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ الْجَسَدِ) وكذلك وجود أبدي (تَعَيَّنَ ابْنَ اللهِ). والبرهان على ناسوت يسوع هو ميلاده البشري وبرهان ألوهيته هو الْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ.
- تُظهِر قيامة يسوع قوته الإلهية لأنه قام من الأموات بسلطانه الشخصي: “انْقُضُوا هذَا الْهَيْكَلَ، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ.” (يوحنا ١٩:٢)
- “يتصور البعض أن يسوع كان ابن الله في حالة ضعف قبل القيامة، وأنه كان ابن الله بكامل قوته وسلطانه بعد القيامة.” موريس (Morris)
- تَعَيَّن: تأتي هذه الكلمة اليونانية القديمة (horizo) من فكرة: “يُحدد أو يميز أو يفصِل، ومنها أتت الكلمة ’الأفق‘ (horizon)، أي الخط الذي يميز بين الأرض والسماء. ومن هنا، تشير الكلمة إلى الظهور والعرض الكامل لأي شيء كي يجعله غير قابل للشك.” كلارك (Clarke)
- يَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا: أن يدعو بولس الرسول يسوع رباً كان له معنى خاص: “ربما كان هذا المُصطلح مجرد أسلوب مهذب لمخاطبة شخص، كما نقول نحن ’سيدي.‘ ولكنه قد يُستَخدَم أيضاً للحديث عن إله يُعبد. ولكن إن أخذنا خلفية الموضوع سنرى أن الكلمة استخدامت في الترجمة اليونانية للعهد القديم للإشارة إلى يهوه الرب… والمؤمنون الذين استخدموا العهد القديم ككتابهم المُقدس، كانوا على دراية بهذا المُصطَلَح باعتباره مُعادلاً لكلمة إله.” موريس (Morris)
- الَّذِي بِهِ، لأَجْلِ اسْمِهِ، قَبِلْنَا نِعْمَةً وَرِسَالَةً، لإِطَاعَةِ الإِيمَانِ: يؤثر إنجيل بولس في حياة الأفراد. فهو ليس نظرية شيقة أو فلسفة، بل هو الخبر السار الذي يُغير الحياة.
- لقد وَهَب الإنجيل لبولس والكنيسة نِعْمَةً وَرِسَالَةً، وسبب منح هاتين العطيتين كان لإِطَاعَةِ الإِيمَانِ. “فبدون نعمة وإحسان وعون الله العجيب، لم يكُن بإمكان بولس أن يُصبِح رسولاً.” كلارك (Clarke)
- الإنجيل كبير وعظيم بالقدر الذي يكفي العالم كله، ويجب أن يُنادى به ليؤثر فِي جَمِيعِ الأُمَمِ.
- لقد وصل الإنجيل إلى مؤمنين روما، مبرهناً على أنهم مَدْعُوُّو يَسُوعَ الْمَسِيحِ.
ج ) الآيات (٧-١٥): رغبة بولس في المجيء إلى رومية (رُومَا)
٧إِلَى جَمِيعِ الْمَوْجُودِينَ فِي رُومِيَةَ، أَحِبَّاءَ اللهِ، مَدْعُوِّينَ قِدِّيسِينَ: نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. ٨أَوَّلاً، أَشْكُرُ إِلهِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ مِنْ جِهَةِ جَمِيعِكُمْ، أَنَّ إِيمَانَكُمْ يُنَادَى بِهِ فِي كُلِّ الْعَالَمِ. ٩فَإِنَّ اللهَ الَّذِي أَعْبُدُهُ بِرُوحِي، فِي إِنْجِيلِ ابْنِهِ، شَاهِدٌ لِي كَيْفَ بِلاَ انْقِطَاعٍ أَذْكُرُكُمْ، ١٠مُتَضَرِّعًا دَائِمًا فِي صَلَوَاتِي عَسَى الآنَ أَنْ يَتَيَسَّرَ لِي مَرَّةً بِمَشِيئَةِ اللهِ أَنْ آتِيَ إِلَيْكُمْ. ١١لأَنِّي مُشْتَاقٌ أَنْ أَرَاكُمْ، لِكَيْ أَمْنَحَكُمْ هِبَةً رُوحِيَّةً لِثَبَاتِكُمْ، ١٢أَيْ لِنَتَعَزَّى بَيْنَكُمْ بِالإِيمَانِ الَّذِي فِينَا جَمِيعًا، إِيمَانِكُمْ وَإِيمَانِي. ١٣ثُمَّ لَسْتُ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنَّنِي مِرَارًا كَثِيرَةً قَصَدْتُ أَنْ آتِيَ إِلَيْكُمْ، وَمُنِعْتُ حَتَّى الآنَ، لِيَكُونَ لِي ثَمَرٌ فِيكُمْ أَيْضًا كَمَا فِي سَائِرِ الأُمَمِ. ١٤إِنِّي مَدْيُونٌ لِلْيُونَانِيِّينَ وَالْبَرَابِرَةِ، لِلْحُكَمَاءِ وَالْجُهَلاَءِ. ١٥فَهكَذَا مَا هُوَ لِي مُسْتَعَدٌّ لِتَبْشِيرِكُمْ أَنْتُمُ الَّذِينَ فِي رُومِيَةَ أَيْضًا.
- إِلَى جَمِيعِ الْمَوْجُودِينَ فِي رُومِيَةَ: لم يكُن بولس قد ذهب إلى رومية (روما) من قبل، ولم يكن قد أسس الكنيسة بعد، وهذا ما يجعل الرسالة إلى أهل رومية مُختلفة، لأن معظم رسائل بولس كانت إلى الكنائس التي أسسها. ويبدو أن الكنيسة في رومية كانت قد تأسست بشكل عَفَوي حينما وفد المؤمنون إلى المدينة العظيمة للإمبراطورية واستقروا فيها. وبالإضافة إلى ذلك، لم يكن هناك أي دليل كتابي أو تاريخي يؤكد أن الرسول بطرس هو مَن أسس الكنيسة في رومية.
- يصف سفر أعمال الرسل ١٠:٢ كيف أنه كان هناك أشخاص من رومية حاضرين بين اليهود في يوم الخمسين. فعندما عادوا إلى ديارهم، أصبح هناك مجتمع مسيحي في رومية. وفيما عدا ذلك، تبقى أصول الكنيسة في رومية غامضة بعض الشيء، ولكن المؤمنون استمروا في الهجرة إلى رومية من جميع أنحاء الإمبراطورية. ولا ينبغي لنا أن نفاجأ بأن الكنيسة بدأت هناك بشكل تلقائي دون أن يزرعها أي رسول مباشرة.
- ومع ذلك، فإنه من خلال المعارف والأصدقاء المشتركين أو من خلال أسفاره، كان بولس يعرف الكثير من مؤمني رومية بالاسم لأنه يذكرهم في رومية ١٦. وحتى لو كان بولس يعرف الكثير من المؤمنين في رومية، فهو يعلم شيئين عنهم وعن كل مؤمن حقيقي: إنه يعلم أنهم أَحِبَّاءَ اللهِ، وأنهم قِدِّيسِونَ.
- مَدْعُوِّينَ ليكونوا قِدِّيسِينَ: “لاحظ أن كلمة ’ليكونوا‘ تم إضافتها من بعض المترجمين؛ ولكن بالرغم من إضافتها، إلا أنها ليست ضرورية للمعنى. فهؤلاء المؤمنون في رومية كانوا ’مدعوين قديسين.‘ فلم يتم دعوتهم لأنهم كانوا قديسين، لكنهم أصبحوا قديسين من خلال تلك الدعوة.” سبيرجن (Spurgeon)
- نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ: يخاطب بولس قراءه بشكل رسمي بتحيته المألوفة، ويجمع بين التحية اليونانية بالنعمة والتحية اليهودية بالسلام. وهما ليسا مجرد أمنية صالحة للإنسان؛ بل هما عطيتان آتيتان مِنَ اللهِ أَبِينَا وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.
- أَشْكُرُ إِلهِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ مِنْ جِهَةِ جَمِيعِكُمْ، أَنَّ إِيمَانَكُمْ يُنَادَى بِهِ فِي كُلِّ الْعَالَم: كان بولس شاكراً من أجل السُمعة الطيبة التي تتمتعت بها الكنيسة في روما. وبسبب موقعها الجغرافي، كان للكنيسة حضوراً بارزاً وفرصاً لتمجيد يسوع في كل أنحاء الإمبراطورية.
- كان على هؤلاء المؤمنين أن يكونوا أقوياء. “لم تكُن للمؤمنين في رومية شعبية كبيرة – بل كانوا يشتهرون بأنهم ’أعداء للجنس البشري،‘ كما نُسبت إليهم بعض الرذائل مثل زنا المحارم وأكل لحوم البشر. وقد أصبح عدد كبير منهم ضحايا لحقد الإمبراطور – وهذا الاضطهاد الذي كان المؤمنون يعانون منه تحت حُكم نيرون يعكس الحالة التي كانت سائدة وقت استشهاد بولس.” بروس (Bruce)
- مُتَضَرِّعًا دَائِمًا فِي صَلَوَاتِي: أراد بولس أن يعرف المؤمنين في روما أنه كان يُصلي من أجلهم، ومن أجل أن تُتاح له فُرصة زيارتهم (عَسَى الآنَ أَنْ يَتَيَسَّرَ لِي مَرَّةً بِمَشِيئَةِ اللهِ أَنْ آتِيَ إِلَيْكُمْ).
- “لا عَجَب في أنهم كانوا يزدهرون بشكل واضح عندما كان بولس يذكرهم في صلاته. فقد تزدهر بعض الكنائس بصورة أفضل إذا ذكرها بعضكم في الصلاة.” سبيرجن (Spurgeon)
- استخدم بولس عبارة “الله.. شَاهِدٌ لِي” ليؤكد للكنيسة في رومية أنه كان حقاً يصلي من أجلهم. فمن السهل أن تقول بأنك سوف تُصلي من أجل شَخص ثم تَفشَل في القيام بذلك، فالقول أسهل بكثير من الفعل.
- لِكَيْ أَمْنَحَكُمْ … لِنَتَعَزَّى (وَنَتَشَجَّعَ مَعاً): لم تكن رغبة بولس في زيارة الكنيسة في روما هي فقط لكي يعطيهم بل أيضاً لكي يستقبل منهم. فإيمانهم المشترك (إِيمَانِكُمْ وَإِيمَانِي) حتماً سيمنحه التشجيع المناسب.
- أَنَّنِي مِرَارًا كَثِيرَةً قَصَدْتُ أَنْ آتِيَ إِلَيْكُمْ، وَمُنِعْتُ حَتَّى الآنَ: على مدار فترة طويلة، كان بولس يعتَزِم أن يقوم بزيارة لكنيسة رومية ولم تمنعه سوى ظروف خارجية. وربما أشار بعض أعداء بولس إلى أنه كان يخشى الذهاب إلى روما ليُبشر بالإنجيل في المدينة الرئيسية داخل الإمبراطورية.
- إِنِّي مَدْيُونٌ لِلْيُونَانِيِّينَ وَالْبَرَابِرَةِ، لِلْحُكَمَاءِ وَالْجُهَلاَءِ: أدرك بولس أنه مديون لروما. فقد جلبت الإمبراطورية الرومانية السلام العالمي والنظام؛ وجلبوا ثقافة مشتركة ونظام نقل ممتاز. وقد استخدم بولس كل هذا في نشر الإنجيل؛ وأفضل طريقة لسداد هذا الدَين هي بإعطاء روما الأخبار السارة عن يسوع المسيح.
- كان بولس مبشراً دؤوباً، ويعمل في كل أنحاء العالم لأنه كان يؤمِن بأن عليه دين يجب أن يُسَدِده، وأنه مديون للعالم كله.
- مُسْتَعَدٌّ: تساءل سبيرجن إذا كان بولس يستخدم كلمة ’مستعد‘ كشعار له. فكانت الكلمات الأولى التي خرجت من فمه حينما حصل على الخلاص هي: «يَا رَبُّ، مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟» (٦:٩)
- كان بولس مستعداً للتبشير والخدمة (رومية ١٥:١).
- كان بولس مستعداً للمعاناة (أعمال الرسل ١٣:٢١).
- كان بولس مستعداً للقيام بأعمال بغيضة (رسالة كورنثوس الثانية ٦:١٠).
- كان بولس مستعداً للموت (رسالة تيموثاوس الثانية ٦:٤).
- “كان المصلح الألماني زينزندورف (Zinzendorf) على وشك أن يرسل شخص من مورافيا (التي تقع في جنوب شرق تشيكيا) ليُبَشِر في منطقة جرينلاند. ولم يكن هذا الشخص قد سَمِع عن هذه المنطقة من قبل، ولكن قائده دعاه قائلاً: ’أخي، هل ستذهَب إلى جرينلاند؟‘ أجابه قائلاً: ’نعم سيدي.‘ ’متى ستذهَب؟‘ ’حينما يعود حذائي إلى المنزل من عند الإسكافي.‘ وبالفعل ذهب مباشرة بمجرد أن وصل حذائه إلى البيت. فلم يُرِد شيئاً سوى هذا الحذاء، وهكذا كان مستعداً للرحيل. أما بولس فلم ينتظر حتى وصول الحذاء إلى البيت، بل كان يقول: ’أنا مُسْتَعَدٌّ.‘ يا له من أمر رائع أن تجد رجلاً مُتاحاً إلى هذه الدرجة، وأن يكون مستعداً للذهاب حيثما يُرسله الله، ويمكنه الذهاب في الحال.” سبيرجن (Spurgeon)
- مُسْتَعَدٌّ لِتَبْشِيرِكُمْ أَنْتُمُ الَّذِينَ فِي رُومِيَةَ أَيْضًا: الجرأة هي التي نطقت بهذه الكلمات هنا. “تحدث أيها العالم عن رجالك الشجعان، وعن رجالك العظماء! ولكن أين يمكنك أن تجد في كل التاريخ رجلاً مثل بولس؟ فالإسكندر وقيصر ونابليون، كلهم كانوا يسيرون في حماية جيوشهم لكي يفرضوا إرادتهم على الناس. بينما كان بولس حريصاً على السير مع المسيح وحده إلى حيث مركز سلطان هذا العالم الواقع تحت نفوذ الشيطان، ومعه كلمة الصليب، التي يقول أنها لليهود عثرة وللأمم جهالة.” نيويل (Newell)
- من سخرية القدر- أو ربما من لغز تدابير الله – أنه عندما وصل بولس أخيراً إلى روما، جاء كسجين غرُقت سفينته.
- “لا أعتقد أن بولس كان يتوقع أن يذهب إلى هناك على نَفَقة الحكومة، ولكن هذا ما حدث بالفعل. فقد اضطرت الإمبراطورية الرومانية إلى إيجاد سفينة له، وإلى إيجاد مُرافق مناسب له أيضاً؛ ودخل إلى المدينة كسفير في سلاسل. فعندما تتوق قلوبنا إلى شيء، ونصلي من أجله، قد يمنحنا الله البركة، ولكن يُمكن أن تأتي بطريقة لم نبحَث عنها قَط. فسوف تَذهَب إلى روما يا بولس، ولكنك سوف تذهب في سلاسل.” سبيرجن (Spurgeon)
د ) الآيات (١٦-١٧): بولس يقدم موضوع رسالته: بر الله، كما هو مُعلن في إنجيل يسوع المسيح.
١٦لأَنِّي لَسْتُ أَسْتَحِي بِإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، لأَنَّهُ قُوَّةُ اللهِ لِلْخَلاَصِ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ: لِلْيَهُودِيِّ أَوَّلاً ثُمَّ لِلْيُونَانِيِّ. ١٧لأَنْ فِيهِ مُعْلَنٌ بِرُّ اللهِ بِإِيمَانٍ، لإِيمَانٍ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «أَمَّا الْبَارُّ فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا».
- بعد المقدمة، يعرِض بولس الفكرة أو الهدف من رسالته إلى أهل رومية. ويقول ليون موريس (Leon Morris) عن رومية ١٦:١-١٧ “هاتان الآيتان لهما أهمية لا تتناسب مع طولهما.”
- لأَنِّي لَسْتُ أَسْتَحِي بِإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ: هذه الكلمات تُفصِح عَما بداخل قلب بولس. ففي مدينة مُعقدة مثل روما، قد يستحي البعض من إنجيل مركزه مُخَلِص يهودي مصلوب مقبول من الطبقات الدنيا من المجتمع – ولكن بولس يعلن ويقول: لَسْتُ أَسْتَحِي بِإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ.
- لأَنَّهُ قُوَّةُ اللهِ لِلْخَلاَصِ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ: لهذا السبب لا يستحي بولس من إنجيل مركزه مُخَلِص مصلوب. فهو يعلم أن الإنجيل – الخبر السار عن يسوع المسيح – به قوة كامنة. فنحن لا نُعطي الإنجيل القوة، لكننا نتوقف عن إعاقة قوته عندما نقدمه بفعالية.
- الإنجيل هو بالطَبع خبر، ولكنه أكثر من مُجَرَد معلومة، فلديه قوة كامنة. “ليس الإنجيلنصيحة تقدم للناس لكي يشعروا بالتحسن. وإنما الإنجيل قوة. قوة ترفع وتشجع الناس. فلا يقول بولس أن الإنجيل يجلب القوة، بل أنه هو قوة، قوة الله.” موريس (Morris)
- كانت مدينة روما، بصفة خاصة، تعتقد أنها تعرف كل شيء عن القوة. “القوة هي ذلك الشيء الوحيد الذي تفاخرت به روما كثيراً. فقد يكون لليونان فلسفتها، لكن روما لها قوتها.” ويرزبي (Wiersbe). وعلى الرغم من كل قوتهم، كان الرومان – مثل جميع الناس – عاجزين عن جعل أنفسهم أبراراً أمام الله. وأطلق الفيلسوف القديم، سينيكا (Seneca) على روما لقب ’بالوعة الإثم.‘ وقال عنها الكاتب القديم جوفينال (Juvenal) أنها ’المجاري القذرة التي تطفو بحثالة الإمبراطورية.‘
- لِلْخَلاَصِ: كان الناس في العالم الروماني في أيام بولس يبحثون عن الخلاص. وأدرَك الفلاسفة أن الإنسان مريض وأنه يحتاج إلى المساعدة. وأطلق أبيكتيتوس (Epictetus) على قاعة مُحاضراته اسم ’مَشفى الروح السقيمة.‘ وكان أبيكورس (Epicurus) يقول إن تعاليمه هي ’دواء الخلاص.‘ وقال سينيكا (Seneca): “إنه بسبب إدراك الناس ’لضعفهم وعدم كفاءتهم في الأمور الضرورية‘ كانوا يتوقون ’إلى الخلاص.‘ قال أبيكتيتوس أن الناس كانوا يبحثون عن سلام “ليس من خلال بيان لقيصر بل سلام من عند الله.” مقتبس من باركلي (Barclay)
- إن قوة الإنجيل للخلاص تأتي لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ. فالله لن يمنع الخلاص عن الذين يؤمنون، لكن الإيمان هو المَطلَب الوحيد.
- لِلْيَهُودِيِّ أَوَّلاً ثُمَّ لِلْيُونَانِي: هذا هو نمط انتشار الإنجيل الذي أظهرته كل من خدمة يسوع (متى ٢٤:١٥) والخدمة الأولى للتلاميذ (متى ٥:١٠-٦).
- يعني هذا أن الإنجيل كان يجب أن يذهب أولاً ليهودي العرق والثقافة، ثم إلى يوناني الثقافة. “في ذلك الحين، كانت كلمة يوناني قد فقدت تماماً معناها العِرقي. فلم تَعُد تعني أحد مواطني دولة اليونان… بل كانت تعني ذلك الشخص الذي على دراية بثقافة وفكر اليونان.” باركلي (Barclay)
- لأَنْ فِيهِ مُعْلَنٌ بِرُّ اللهِ: ببساطة، يعلن الإنجيل بِرُّ اللهِ. وهذا الإعلان عن بِر الله يأتي إلى هؤلاء الذين لديهم إيمان، ليتِم ما قيل في سفر حبقوق ٢: “أَمَّا الْبَارُّ- أي المتبرر – فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا.”
- من الضروري أن نفهم على نحو صحيح ما المقصود ببر الله الذي يُعلِنه الإنجيل. فالإنجيل لا يتحَدَث عن قداسة بِر الله الذي يُدين الخاطئ المُذنِب، بل يتحَدَث عن البِر الخاص بالله الذي يُمنَح للخاطئ الذي يَضَع ثقته في يسوع المسيح.
- بِرُّ: يشرح وليام باركلي (William Barclay) معنى هذه الكلمة اليونانية القديمة dikaioo، والتي تُعني أنا أُبَرِر، وهي أصل كلمة dikaioun (البِر): “كل الأفعال في اللغة اليونانية التي تنتهي بحرفي (oo)… تحمل دائماً معنى يُعامِل أو يُحاسِب أو يرى الإنسان كشيء. فإذا كان الله يبرر الخاطئ فهذا لا يعني أنه يجد أسباباً لإثبات أنه كان على حق، فالمَعنى بعيد كل البُعد عن ذلك. ولا يعني حتى في هذه المرحلة أنه يجعل الخاطئ رجلاً صالحاً، بل يعني أن الله يتعامل مع الخاطئ كما لو أنه لم يكن خاطئاً على الإطلاق.”
- “كان أسعد يوم في حياة لوثر عندما اكتشف أن ’بر الله‘ كما استُخدِم في رسالة رومية، يعني حكم الله بالبِر على المؤمن”. لينسكي (Lenski)
- يعظُم هذا الإعلان حينما نُدرِك أن هذا هو بِر الله الممنوح للمؤمِن. فهو ليس حتى بِر أكثر الناس قداسة ولا هو بر آدم البريء في عدن، بل هو بِر الله. “البِر القادِر أن يُبَرِر، يتمَيَز بكمال الله وفعله. إنه بر الله.” موراي (Murray)
- هذا الإيمان (الثقة) في يسوع المسيح يصبح أساس حياة أولئك المُبَررين (المُعلنين أبرار)؛ فالواقع هو أن الْبَارُّ فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا. فهُم لا يُخَلَصون فقط بالإيمان ولكنهم بالإيمان يحيون.
- بِإِيمَانٍ، لإِيمَانٍ: إن الفكرة وراء هذه العبارة الصعبة هي على الأرجح “بالإيمان من البداية إلى النهاية.” وفي الترجمة الدولية الحديثة NIV تُتَرجم هذه العبارة “من إيمان إلى إيمان” كما بالإيمان من الأول إلى الآخر.
- “لا يقُول: من الإيمان إلى الأعمال أو من الأعمال إلى الإيمان؛ ولكن بإيمان لإيمان، أي بالإيمان فقط.” بووله (Poole)
- “ربما المعنى الذي تحمله العبارة، هو ضرورة تَذكِرة المؤمِن بأن التبرير بالإيمان هو فقط بداية الحياة المسيحية. وأن على نفس هذا الفكر أن يحكمه في علاقته المستمرة كابن لله” هاريسون (Harrison). ويعد هذا صدى لرسالة بولس إلى أهل غلاطية ١:٣-٣.
ثالثاً. لماذا يجب أن يتبرَر الإنسان بالإيمان: إثم الجنس البشري بشكل عام.
أ ) الآية (١٨أ): أعظم خطر يواجه الجنس البشري: غضب الله.
١٨لأَنَّ غَضَبَ اللهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ…
- لأَنَّ غَضَبَ اللهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ: الفكرة بسيطة لكنها تدعو للقلق – فغضب الله مُعلَن من السماء على الجنس البشري، والجنس البشري يستحِق غضب الله.
- غَضَبَ اللهِ: نعترض في بعض الأحيان على فكرة غَضَبَ اللهِ لأننا نساويها بغضب الإنسان الذي تدفعه أسباب شخصية أنانية أو الرغبة في الانتقام. ولكن علينا ألا ننسى أن غَضَبَ الله صالح تماماً.
- “تجريد غضب الله من الطبيعة العاطفية والشعورية يضعف المفهوم الكتابي لغضب الله، فالنظر إلى غضب الله بكونه عقاباً للخطية أو تأكيداً للإرتباط ما بين الخطية والبؤس هو كالربط بين الغضب وتأثيراته، وهذا الربط يبعد الغضب عن حقيقة كونه حركة داخل فكر الله. فالغضب في جوهره شعور واشمئزاز مقدسان في كيان الله من كل ما يتعارض مع قداسته.” موراي (Murray)
- في رومية ١٦:١، تحدث بولس عن الخلاص – ولكن ما الذي تم خلاصنا منه؟ أولاً وقبل كل شيء، قد خلصنا من غَضَبَ اللهِ الذي نستحقه بعدل. “إن لم يكُن هناك ما ينبغي أن نخلُص منه، فليس هناك داعٍ أن نتكلم عن الخلاص.” موريس (Morris)
- غَضَبَ اللهِ: في هذا الجزء من الرسالة (رومية ١٨:١، ٢٠:٣) لا يهدف بولس إلى إعلان الأخبار السارة، بل هدفه إظهار الضرورة المُطلقة للخبر السار للخلاص من غضب الله العادل.
- إن غَضَبَ اللهِ ليس مُعلناً في الإنجيل، ولكن من واقع التجربة الإنسانية.
ب) الآيات (١٨ب-٢٣): لماذا أصبح الجنس البشري مذنباً أمام الله: لإظهار فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِمِ.
١٨… عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِمِ، الَّذِينَ يَحْجِزُونَ الْحَقَّ بِالإِثْمِ. ١٩إِذْ مَعْرِفَةُ اللهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ، لأَنَّ اللهَ أَظْهَرَهَا لَهُمْ، ٢٠لأَنَّ أُمُورَهُ غَيْرَ الْمَنْظُورَةِ تُرىَ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ، قُدْرَتَهُ السَّرْمَدِيَّةَ وَلاَهُوتَهُ، حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ. ٢١لأَنَّهُمْ لَمَّا عَرَفُوا اللهَ لَمْ يُمَجِّدُوهُ أَوْ يَشْكُرُوهُ كَإِلهٍ، بَلْ حَمِقُوا فِي أَفْكَارِهِمْ، وَأَظْلَمَ قَلْبُهُمُ الْغَبِيُّ. ٢٢وَبَيْنَمَا هُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ حُكَمَاءُ صَارُوا جُهَلاَءَ، ٢٣وَأَبْدَلُوا مَجْدَ اللهِ الَّذِي لاَ يَفْنَى بِشِبْهِ صُورَةِ الإِنْسَانِ الَّذِي يَفْنَى، وَالطُّيُورِ، وَالدَّوَابِّ، وَالزَّحَّافَاتِ.
- فُجُورِ: هذا اللفظ يُشير إلى إساءة الإنسان إلى الله. وإِثْمِهِمِ تشير إلى خطية الإنسان تجاه الآخر.
- الَّذِينَ يَحْجِزُونَ (يُخْفُونَ) الْحَقَّ بِالإِثْمِ: الإنسان بطبيعته الساقطة يُخْفُي الحَقَّ الإلهي، بل يحارب ويتجاهل ويحجب عن قصد كل حقيقة كشفها الله له.
- لأَنَّ أُمُورَهُ غَيْرَ الْمَنْظُورَةِ تُرىَ: الله يُرينا شيئاً من قُدْرَتَهُ السَّرْمَدِيَّةَ ولاهوته من خلال الأشياء التي خلقها. وقد قدم الله إعلاناً عاماً واضحاً للجميع سواء في الخليقة أو داخل عقل الإنسان وقلبه.
- مُدْرَكَةً (يَسْتَطِيعُ الإنْسَانُ أنْ يَفْهَمَ وَأنْ يُدرِكَ صِفَاتِ اللهِ غَيْرَ المَرئِيَّةِ مِنْ خِلَالِ الأشْيَاءِ الَّتِي خَلَقَهَا): الصفة العالمية لهذا الإعلان ووضوحه يجعل الإنسان بِلاَ عُذْرٍ في رفضه. “لا يستطيع الإنسان أن يتهم الله بأنه يحجُب نفسه عنه وأن يجد عُذراً يُبَرِر به عدم إسمانه وفجوره.” لينسكي (Lenski)
- لأَنَّهُمْ لَمَّا عَرَفُوا اللهَ لَمْ يُمَجِّدُوهُ أَوْ يَشْكُرُوهُ كَإِلهٍ: لا تكمُن المشكلة في أن الناس لا يعرفون الله بل في أنهم يعرفونه، وبالرغم من ذلك لَمْ يُمَجِّدُوهُ كَإِلهٍ. لذلك فإن الإنسان بِلاَ عُذْرٍ. فبدلاً من أن نُمَجِد الله، حوّلنا فكرتنا عنه إلى أشكال وصور تكون أكثر راحة بالنسبة لقلوبنا الفاسدة والمظلمة.
- “وفقاً للنص أمامنا، ما هي الفائدة من المعرفة إذا لم تقود إلى ممارسة القداسة؟ فقد عَرَفُوا اللهَ ولكن هذا لم يفدهم شيئاً: ’فلَمْ يُمَجِّدُوهُ كَإِلهٍ.‘ لذلك يا صديقي اللاهوتي، الذي تعرف الكثير وتختَلِف على أدَق تفاصيل العقائد، لا يهم ما تعتقد أو ما تعرف ما لم يقدك ذلك إلى تمجيد الله وشكره.” سبيرجن (Spurgeon)
- يبدو أنه لا يمكننا إلا أن نتصور الله في صورة الخليقة الفاسدة التي نحن عليها الآن، بل وربما في صورة أسوأ، إذ أننا وللأسف نصبح في نهاية المطاف مشابهين لطبيعة الإله الذي نعبده.
- من الضروري أن نقوم باستمرار بمقارنة مفهومنا عن الله بحقيقته المُعلنة في كلمته. وقد نكون أيضاً مذنبين لعبادتنا إله صنعناه بأنفسنا.
- كلمةصُورَةِ المُستخدمة في رومية ٢٣:١ هي الكلمة اليونانية القديمة eikon. فمن الخطر أن تُبدِل مجد الله، الَّذِي لاَ يَفْنَى بصورة (eikon) من اختيارك.
- أَوْ يَشْكُرُوهُ: يُعد جحود الإنسان تجاه الله أمراً صادِماً. “لا يوجد ما هو أسوأ من شخص لا يشكر أولئك الذين أحسنوا إليه؛ وحينما تقول إنه لا يشكر الله أيضاً، فهذا أسوأ ما يُمكِن أن يُقال عنه.” سبيرجن (Spurgeon)
- “ولكن عندما تُمجِد الله كإله وتشكره على كل شيء – وعندما تتناول القليل من الخبز وكوب من الماء البارد، وتقول مع المؤمن الفقير: ’كل هذا الخبز لي وللمسيح أيضاً؟” – فأنت إذاً إنسان سعيد وتُسعِد الآخرين أيضاً. فالواعظ التَقي، عندما يجد أن كل ما لديه لوجبة العشاء هو حبة بطاطا وسمكة واحدة، يشكر الله أنه فَتَش في البحر والأرض حتى يجد طعاماً لأطفاله. فمثل هذه الروح الحلوة تولِد الحب للجميع، وتجعل الإنسان يعيش بفرح في العالم.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَبَيْنَمَا هُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ حُكَمَاءُ صَارُوا جُهَلاَءَ: إن رفضنا لإعلان الله العام لا يجعلنا أكثر حكمة أو أفضل من الآخرين. فالرفض يجعل البشر حَمِقُى فِي أَفْكَارِهمِ ويجعل قلوبهم الغبية مُظلمة – ونُصبِح أيضاً جُهَلاَءَ.
- في الواقع، بمجرد أن يرفض الإنسان حقيقة الله في يسوع، سوف يُخدَع من أي شيء أحمق وسيثق في أنظمة أكثر ضعفاً ووهماً مما يرفضه عن الله.
- يجب أن ننظر إلى هذا العُقم في التفكير وسواد القلب والحماقة على أنهم أمثلة لغضب الله العادل تجاه هؤلاء الذين يرفضون إعلانه. فجزء من دينونة الله لنا هو حين يدعنا نعاني نتائج الضرر الذي يتسبب فيه مسارنا الخاطئ.
ج ) الآيات (٢٤-٣٢): النتيجة المأساوية لمعصية الإنسان.
٢٤لِذلِكَ أَسْلَمَهُمُ اللهُ أَيْضًا فِي شَهَوَاتِ قُلُوبِهِمْ إِلَى النَّجَاسَةِ، لإِهَانَةِ أَجْسَادِهِمْ بَيْنَ ذَوَاتِهِمِ. ٢٥الَّذِينَ اسْتَبْدَلُوا حَقَّ اللهِ بِالْكَذِبِ، وَاتَّقَوْا وَعَبَدُوا الْمَخْلُوقَ دُونَ الْخَالِقِ، الَّذِي هُوَ مُبَارَكٌ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ. ٢٦لِذلِكَ أَسْلَمَهُمُ اللهُ إِلَى أَهْوَاءِ الْهَوَانِ، لأَنَّ إِنَاثَهُمُ اسْتَبْدَلْنَ الاسْتِعْمَالَ الطَّبِيعِيَّ بِالَّذِي عَلَى خِلاَفِ الطَّبِيعَةِ، ٢٧وَكَذلِكَ الذُّكُورُ أَيْضًا تَارِكِينَ اسْتِعْمَالَ الأُنْثَى الطَّبِيعِيَّ، اشْتَعَلُوا بِشَهْوَتِهِمْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، فَاعِلِينَ الْفَحْشَاءَ ذُكُورًا بِذُكُورٍ، وَنَائِلِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ جَزَاءَ ضَلاَلِهِمِ الْمُحِقَّ. ٢٨وَكَمَا لَمْ يَسْتَحْسِنُوا أَنْ يُبْقُوا اللهَ فِي مَعْرِفَتِهِمْ، أَسْلَمَهُمُ اللهُ إِلَى ذِهْنٍ مَرْفُوضٍ لِيَفْعَلُوا مَا لاَ يَلِيقُ. ٢٩مَمْلُوئِينَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ وَزِنًا وَشَرّ وَطَمَعٍ وَخُبْثٍ، مَشْحُونِينَ حَسَدًا وَقَتْلاً وَخِصَامًا وَمَكْرًا وَسُوءًا، ٣٠نَمَّامِينَ مُفْتَرِينَ، مُبْغِضِينَ للهِ، ثَالِبِينَ مُتَعَظِّمِينَ مُدَّعِينَ، مُبْتَدِعِينَ شُرُورًا، غَيْرَ طَائِعِينَ لِلْوَالِدَيْنِ، ٣١بِلاَ فَهْمٍ وَلاَ عَهْدٍ وَلاَ حُنُوٍّ وَلاَ رِضىً وَلاَ رَحْمَةٍ. ٣٢الَّذِينَ إِذْ عَرَفُوا حُكْمَ اللهِ أَنَّ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ مِثْلَ هذِهِ يَسْتَوْجِبُونَ الْمَوْتَ، لاَ يَفْعَلُونَهَا فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا يُسَرُّونَ بِالَّذِينَ يَعْمَلُون.
- لِذلِكَ أَسْلَمَهُمُ اللهُ: في غضبه العادل ودينونته العادلة، يُسلِم الله الإنسان إلى الخطية التي تشتهيها قلوبنا الشريرة، سامحاً لنا أن نَختَبِر نتيجة الخطية المُدمرة للذات. وهذه العبارة هامة جداً إذ يكررها بولس في هذه الفقرة ثلاث مرات.
- تُعَبِر الآية في سفر هوشع ١٧:٤ عن جانِب الدينونة الخاص بالله وهو أن “يُسلمنا” أي تاركاً إيانا لخطيتنا: أَفْرَايِمُ مُوثَقٌ بِالأَصْنَامِ. اتْرُكُوهُ.
- نحن نخطئ عندما نعتقد أن رحمة الله أو لطفه تسمح للإنسان بأن يستمر في الخطية. فالواقع هو أن غضبه هو الذي يسمح لنا بالاستمرار في تدمير أنفسنا بالخطية.
- الَّذِينَ اسْتَبْدَلُوا حَقَّ اللهِ بِالْكَذِبِ: في كل تَمَرُد وعصيان ضد الله، نستبدِل حَقَّ اللهِ بِالْكَذِبِ الذي نختاره، عابدين المخلوق دون الخالق.
- يستخدم بولس أل االتعريف ويكتب الْكَذِبِ وليس ’كَذِبة.‘ فالْكَذِبِ هو في الأصل عبادة الأوثان الذي يضعنا مكان الله. وهي الكذبة التي تقول بأننا سنكون كالله (سفر التكوين ٥:٣).
- لِذلِكَ أَسْلَمَهُمُ اللهُ أَيْضًا فِي شَهَوَاتِ قُلُوبِهِمْ إِلَى النَّجَاسَةِ: كتب بولس هذه الكلمات من مدينة كورنثوس، حيث كانت تمارَس كل أنواع الفجور الجنسي والدعارة الطقسية بحُرية. وتشير المصطلحات المُستَخدمة في ٢٤:١ إلى هذا المزيج من الفجور الجنسي وعبادة الأوثان.
- يصف بولس هنا خطية وفساد العالم الوثني بصراحة مُذهِلة، حتى أن سبيرجن كان يرى أن هذه الفقرة لا يليق أن تقرأ للعامة. “إن الإصحَاح الأول من رسالة بولس لهو جزء مُرَوِع من الكلمة. قلما أردت قراءته بصوت عالٍ، فليس الهدف منه أن يُستَخدَم بكثرة. اقرأه في البيت وتَعَجَب من كم الفجور الهائل الذي كان يُمارسه العالم الوثني.” سبيرجن (Spurgeon)
- لأَنَّ إِنَاثَهُمُ اسْتَبْدَلْنَ الاسْتِعْمَالَ الطَّبِيعِيَّ: يُشير بولس هنا إلى الشذوذ الجنسي – بالنسبة للإناث والذكور- كمثال على تسليم الله الناس للنجاسة والشهوة.
- يزعم بعضهم أن الكتاب المقدس لم يذكر في أي موضع المثلية الجنسية للإناث، ولكن كلمة وَكَذلِكَ في رومية ٢٧:١ توَضِح أن خطية الشذوذ الجنسي المُدانة في رومية ٢٧:١ ترتبط بخطية الإناث المذكورة في رومية ٢٦:١.
- لا يستخدم بولس هنا الكلمات العادية للإشارة إلى الرجال والنساء، بل يستخدم كلمات ’ذكور وإناث‘ مستخدماً الفئات التي تصف الجنس بعيداً عن المصطلحات البشرية، لأن نوع الخطية الجنسية التي يصفها هنا هي خارج نطاق كرامة الإنسان.
- يُصَنِف بولس كل الفقرة تحت فكرة شَهَوَاتِ النَّجَاسَةِ – غير الصحية وغير المُقدسة. ومع ذلك، كان بولس يعيش داخل ثقافة وافقت علناً على الشذوذ الجنسي. فبولس لم يكتب هذا لثقافة كانت تتفِق معه في الرأي.
- كتب بولس هذه الكلمات إلى ثقافة كانت تقبل الشذوذ الجنسي كجزء من الحياة لكل من الرجال والنساء. وطوال ٢٠٠ عام، مارس الرجال الذين حكموا الإمبراطورية الرومانية الشذوذ الجنسي بشكل صريح، وفي كثير من الأحيان كانوا يمارسونه مع الأولاد الصغار.
- في بعض الأحيان كانت الإمبراطورية الرومانية تَفرِض ضريبة على دعارة المثليين المُصرح بها، وكانت تعطي الأولاد الذين يمارسون الزنا تصاريح رسمية. وكان هناك اعتراف قانوني بالزواج المثلي، حتى أن بعض الأباطرة تزوجوا برجال. وقد كان نيرون إمبراطوراً في نفس الوقت الذي كتب فيه بولس هذه الكلمات. وكان قد أخذ غُلاما اسمه سبوروس (Sporus) وتزوج به (بمراسم كاملة)، وأحضره إلى القصر في موكب عظيم، وجعل من الغلام ’زوجة‘ له. وفي وقت لاحق، عاش نيرون مع رجل آخر، وكان نيرون هو ’الزوجة.‘
- في الثقافة الحديثة، ينعكس الشذوذ الجنسي على ترك الله لهم وتسليمهم لشَهَوَاتِ قُلُوبِهِمْ إِلَى النَّجَاسَةِ لإِهَانَةِ أَجْسَادِهِمْ بَيْنَ ذَوَاتِهِمِ. أظهرت دراسة أجريت عام 2013 أنه من الواضح أنه كان للمثليين الذكور تجارب جنسية لأول مرة في وقت مبكر من حياتهم، والعديد من الشركاء الجنسيين على مدار حياتهم، ومن المرجح أن يكون لديهم أكثر من شريك جنسي واحد في وقت واحد مقارنة بالذكور غير المثليين أو الإناث. وأن لديهم شركاء جنسيون أكبر سنًا أو أصغر منهم سنًا، مقارنةً بالذكور غير المثليين أو الإناث.(https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC3334840)
- تشير أبحاث أخرى إلى أن للمثليين الذكور العديد من الشركاء (4 أو أكثر خلال الاثني عشر شهرًا الماضية) ما يقرب من ثلاثة أضعاف معدل الرجال غير المثليين، وما يقرب من ثمانية أضعاف معدل النساء غير المثليات. https://contexts.org/blog/an-unequal-distribution-of-partners-gays-versus-straights/
- وَنَائِلِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ جَزَاءَ ضَلاَلِهِمِ الْمُحِقَّ: يتحدث بولس عن عقوبة السلوك المثلي، فالشذوذ الجنسي له في ذاته عقوبة. ويتحدث هذا عن الطبيعة العامة للخطية التي تدمر الذات، ففي كثير من الأحيان تحمل الخطية في ذاتها عقوبتها الخاصة.
- في بعض الأحيان تكون العقوبة مَرَض، نتيجة لانتهاك نظام الطبيعة. وفي بعض الأحيان تكون التَمَرُد، الذي ينتُج عنه الفراغ الروحي وما يصحبه من تداعيات. ومن هذا المُنطَلَق فإن مصطلح ’شاذ جنسياً‘ (gay) يعني التمني. وهو يوحي برسالة مفادها أن هناك سعادة وراحة في هذا النوع من السلوك – وهو الأمر الذي لا وجود له.
- مرة أخرى، ينبغي النظر إلى ’حرية‘ العصيان هذه على أنها دينونة الله وليس لُطفه؛ فأولئك الذين يشتركون في مثل هذه الأفعال ينالون فِي أَنْفُسِهِمْ جَزَاءَ ضَلاَلِهِمِ الْمُحِقَّ.
- وكَنوع من الدينونة الإضافية، يُسلِمهم اللهُ إِلَى ذِهْنٍ مَرْفُوضٍ، حتى أن الأفعال المُشينة والمُقززة تُصبِح مقبولة ومُصدق عليها.
- إن كلمة مَرْفُوضٍ (أو فَاسِد/عاطل) تعني في الأصل ’ذلك الذي لم يصمُد أمام الاختبار.‘ وكانت تُستخدم لوَصف العملات التي هي دون المستوى القياسي وبالتالي كانت مرفوضة. والفكرة هي أنه بما أن الإنسان لم ’يقبل‘ أن يعرف الله، فقد أصبح لديه عقل ’مرفوض.‘
- لقد وضع الجنس البشري الله تحت الاختبار وجعلوا قبولهمتوقفاً على إذاما كان يفي بالمواصفات التي تؤهله أن يكون إلهاً مقبولاً، ولما لم يوجد مُستوفياً للمواصفات، رفض البشر قبوله كإله يُعبَد كما رفضوا البقاء في معرفته.” وييست (Wuest)
- ذِهْنٍ مَرْفُوضٍ: إن تمردنا ضد الله لا يظهر فقط في أفعالنا بل في تفكيرنا أيضاً. فنحن حقاً “مختلون روحياً” في تمردنا على الله.
- تُقَدِم القائمة المذكورة في رومية ٢٩:١-٣١ أمثلة ملموسة لنوعية الأشياء التي لاَ يَلِيقُ. فلاحظ كيف أن الخطايا ’المقبولة اجتماعياً‘ (مثل الطَمَع والحَسَد والكبرياء) تُذكَر جنباً إلى جَنب مع الخطايا ’غير المقبولة اجتماعياً‘ (مثل القتل والخصام).
- الطمع: هذه الكلمة تعني حرفياً “التلهُف على المزيد.”
- نَمَّامِينَ: “الزمامين السِريين، الذين في سرية مزعومة، يكيلون الاتهامات لأقربائهم، سواء كانت صحيحة أم خاطئة، مُسيئين بذلك إلى سُمعة الآخرين بثرثرتهم السرية.” كلارك (Clarke)
- حسد: هل هذه خطية صغيرة؟ الحَسَد قوي جداً لدرجة أنه وضع يسوع على الصليب. لأن بيلاطس عَلِمَ أَنَّهُمْ أَسْلَمُوهُ حَسَداً (متى ١٨:٢٧).
- مُتَعَظِّمِينَ: “أولئك الذين يُرَفعون أنفسهم باستمرار ويدوسون على الآخرين ويتمنون أن يقبل الجميع أقوالهم وكأنها وحي إلهي.” كلارك (Clarke)
- أولئك الذين يَعْمَلُونَ أو يُسَرُّونَ مِثْلَ هذِهِ الأشياء يَسْتَوْجِبُونَ الْمَوْتَ، ويستحقون غَضَب الله.
- من أين يأتي كل هذا العنف والفجور والقسوة والتَدَني؟ يحدث هذا حينما يتخلى الناس عن المعرفة الحقيقية لله، وتعكس حالة المجتمع دينونة الله عليهم بسبب هذه التصرفات.