عبرانيين – الإصحاح ١٠
التمسك بالذبيحة الكاملة
أولاً. ذبيحة يسوع المسيح، مرة واحدة وللأبد.
أ ) الآيات (١-٤): ذبيحة العهد القديم لم يكن بإمكانها محو الخطية تماماً.
١لأَنَّ النَّامُوسَ، إِذْ لَهُ ظِلُّ الْخَيْرَاتِ الْعَتِيدَةِ لاَ نَفْسُ صُورَةِ الأَشْيَاءِ، لاَ يَقْدِرُ أَبَدًا بِنَفْسِ الذَّبَائِحِ كُلَّ سَنَةٍ، الَّتِي يُقَدِّمُونَهَا عَلَى الدَّوَامِ، أَنْ يُكَمِّلَ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ. ٢وَإِلاَّ، أَفَمَا زَالَتْ تُقَدَّمُ؟ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْخَادِمِينَ، وَهُمْ مُطَهَّرُونَ مَرَّةً، لاَ يَكُونُ لَهُمْ أَيْضًا ضَمِيرُ خَطَايَا. ٣لكِنْ فِيهَا كُلَّ سَنَةٍ ذِكْرُ خَطَايَا. ٤لأَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنَّ دَمَ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ يَرْفَعُ خَطَايَا.
- ظِلُّ الْخَيْرَاتِ الْعَتِيدَةِ: ناموس العهد القديم كان مجرد ظِلّ أو صورة للعهد الجديد الحقيقي (كولوسي ١٧:٢، عبرانيين ٥:٨). وكلمة ظِلّ هنا تعني أن الناموس قدم لنا الخطوط العريضة للكمال الذي سيأتي في يسوع، لكنه لم يكن له نَفْسُ صُورَةِ الأَشْيَاءِ.
- كلمة الظِلّ لا تحمل معنى سلبي هنا. فالظل يمكن أن يخبرك بالكثير عن الأصل، لكنه مجرد ظل وليس الحقيقة. فالعهد القديم وشريعته لم يكونا سيئين، لكنهما لم يكونا كاملين أو كافيين للتطهير التام من الخطية وللخلاص، ولا يمكنه أن يُكَمِّلَ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ.
- ينوه نويل (Newell) أن الناموس هنا يشار له بكلمة ظِلُّ وليس نَفْسُ صُورَةِ الأَشْيَاءِ. “فهو ليس صورة مطابقة للأصل أو مثل التمثال الذي يجسد المميزات والتفاصيل بدقة. فالظل لا يقدم لنا هذا. وشريعة الناموس لم تكن إلا ظلاً للعهد الجديد.”
- “فمثلاً، إن كنت بحاجة لبعض الخشب ستذهب إلى تاجر الخشب، فيأخذك هذا إلى شجرة بلوط كبيرة في ركن بعيد ليشير إلى ظلها الطويل على الأرض ويعرض أن يبيع لك هذا الظل. فهل ستشتريه؟ والآن إن كان الله يقول إن الناموس كان مجرد ظل، وليس حتى نفس صورة الأشياء، فلماذا تتمسك بالظل؟” نويل (Newell)
- “حين تكون الشمس ورائك يكون الظل أمامك، وحين تكون الشمس أمامك يكون الظل خلفك. وهكذا كان الأمر لمن سبقونا. كانت الشمس خلفهم، فكان الظل هو الماثل أمامهم، أما لنا نحن في عهد النعمة فالشمس أمامنا، وأضحت شعائر الناموس وطقوسه مجرد ظلال متلاشية خلفنا.” تراب (Trapp)
- “في الواقع يخبرنا هذا النص أنه من دون المسيح لا يمكننا أن نختبر أكثر من “ظلال” الله أو صورة غير واضحة المعالم له.” باركلي (Barclay)
- نَفْسُ صُورَةِ الأَشْيَاءِ: الكلمة اليونانية القديمة eikon المستخدمة هنا تعني أن الصورة في حد ذاتها تحمل ذات قيمة الأصل وتمثل حقيقة ما تصوّره.” دودز (Dods)
- وَإِلاَّ، أَفَمَا زَالَتْ تُقَدَّمُ؟: يكرر الكاتب إلى العبرانيين حجته السابقة بأن ضرورة تكرار الذبيحة يظهر الضعف المتأصل فيها. فإن كانت الذبائح الحيوانية قد حلت مشكلة الخطية فلماذا لا زلنا نقدمها؟
- مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْخَادِمِينَ، وَهُمْ مُطَهَّرُونَ مَرَّةً، لاَ يَكُونُ لَهُمْ أَيْضاً ضَمِيرُ خَطَايَا. لَكِنْ فِيهَا كُلَّ سَنَةٍ ذِكْرُ خَطَايَا: كل ذبيحة قُدمت كانت بمثابة تذكير بالخطايا (ذِكْرُ خَطَايَا)، وكانت تذكر ضمير الشعب بخطاياهم (ضَمِيرُ خَطَايَا) مرة تلو المرة، أما عمل يسوع على الصليب فيمحو الخطية تماماً!
- “لم تكن الذبائح إلا لتذكير الإنسان بخطيته. فهي لم تطهر الإنسان أبداً، بل كانت تذكره أن خطاياه لا زالت تفصله عن الله.” باركلي (Barclay)
- “الكفارة التي يجب أن تتكرر ليست كفارة حقيقية؛ والضمير الذي يتم تطهيره مرة واحدة في السنة ليس طاهراً في الحقيقة.” روبنسون (Robinson)
- لأَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنَّ دَمَ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ يَرْفَعُ خَطَايَا: كان يمكن للذبائح الحيوانية بموجب شريعة العهد القديم أن تغطي الخطية. والكلمة العبرية التي تعني التكفير هي kophar، والتي تعني حرفيًا “التغطية.” ومع ذلك، لا يمكن للذبيحة الحيوانية أن تَرْفَعُ خَطَايَا. فيسوع وحده، ذبيحة العهد الجديد الكاملة يمكنه أن يَرْفَعُ الخَطَايَا.
- “كانت عملية تقديم الذبائح روتينية ومكررة دون نهاية وإن كانت تذكر الإنسان، فقد أبقته بعيداً عن الله.” باركلي (Barclay)
- تعني كلمة (aphaireo) التي ترجمت إلى ’يَرْفَع‘ حرفياً انتزاع أو فصل الشيء كما في حادثة قطع بطرس لأذن عبد رئيس الكهنة في لوقا ٢٥:١. فهي هنا تعني الإزالة الكاملة للخطية بحيث لا يعود لها دور. وهذا ما كنا نحتاجه والذي لم يمكن للذبيحة الحيوانية أن تقدمه. موريس (Morris)
- “ينوه هيرنج (Hering) إلى أن هذا ما يميز المسيحية عن الديانات الوثنية التي كانت تكرر الذبائح للآلهة سنوياً. ففي الواقع ليس هناك أي دين آخر يجلب فيه حدث ما الخلاص عبر الزمان ولكل العالم، وهذا ما يميز الإيمان المسيحي.” موريس (Morris)
ب) الآيات (٥-١٠): يقدم لنا مزمور ٦:٤٠-٨ الأساس النبوي لذبيحة يسوع الكاملة بموجب العهد الجديد.
٥لِذلِكَ عِنْدَ دُخُولِهِ إِلَى الْعَالَمِ يَقُولُ: «ذَبِيحَةً وَقُرْبَانًا لَمْ تُرِدْ، وَلكِنْ هَيَّأْتَ لِي جَسَدًا. ٦بِمُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ لِلْخَطِيَّةِ لَمْ تُسَرَّ. ٧ثُمَّ قُلْتُ: هنَذَا أَجِيءُ. فِي دَرْجِ الْكِتَابِ مَكْتُوبٌ عَنِّي، لأَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا أَللهُ». ٨إِذْ يَقُولُ آنِفًا: «إِنَّكَ ذَبِيحَةً وَقُرْبَانًا وَمُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ لِلْخَطِيَّةِ لَمْ تُرِدْ وَلاَ سُرِرْتَ بِهَا». الَّتِي تُقَدَّمُ حَسَبَ النَّامُوسِ. ٩ثُمَّ قَالَ: «هنَذَا أَجِيءُ لأَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا أَللهُ». يَنْزِعُ الأَوَّلَ لِكَيْ يُثَبِّتَ الثَّانِيَ. ١٠فَبِهذِهِ الْمَشِيئَةِ نَحْنُ مُقَدَّسُونَ بِتَقْدِيمِ جَسَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَرَّةً وَاحِدَةً.
- يَقُولُ: هذا الاقتباس مأخوذ من الترجمة السبعينية لمزمور ٦:٤٠-٨ (الترجمة السبعينية هي الترجمة اليونانية القديمة للعهد القديم الأكثر استخداماً خلال القرن الأول). وتشير هذه الكلمة هنا إلى إعلان النبوة في كلام يسوع المسيح عن عدم كفاية ذبيحة العهد القديم وإعلانه عن استعداده لتقديم الذبيحة الكاملة بموجب العهد الجديد.
- ذَبِيحَةً وَقُرْبَاناً لَمْ تُرِدْ: الذبائح الحيوانية المقدمة بحسب الشريعة لم تعد ترضي الله، فقد أعلن الله مرارًا وتكرارًا في العهد القديم عن رغبته بطاعة الشعب بدلاً عن الذبائح.
- ذَبِيحَةً وَقُرْبَاناً… بِمُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ لِلْخَطِيَّةِ: “من المحتمل أن الكلمات الأربع التي استخدمها كاتب المزمور كان القصد منها شمول جميع أنواع الذبائح والتقدمات التي وردت في سفر اللاويين.” بروس (Bruce)
- وَلَكِنْ هَيَّأْتَ لِي جَسَداً: بدلاً مما سبق، نرى أن ما يسِر الله هو ما يقدمه يسوع ابن الله المتجسد. فمن خلال التجسد هيأ الله جسد المسيح ليعيش كإنسان كامل وإله كامل.
- “ليس هناك شك في أن الكاتب هنا يدرك تماماً بحقيقة وجود المسيح قبل كل هذا.” غوثري (Guthrie)
- “تجسد المسيح هو في حد ذاته خضوع لإرادة الله وتهيئة لخضوعه الأسمى في قبوله لتلك الإرادة بموته للفداء.” بروس (Bruce)
- هَئَنَذَا أَجِيءُ… لأَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا أَللهُ: تمثلت قمة خضوع وطاعة يسوع لإرادة الله الآب في موت الصليب، كما نرى هذه الإرادة في طاعة يسوع للآب في بستان جثسيماني قبل الصلب في لوقا ٣٩:٢٢-٤٤.
- “لأَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا أَللهُ: هذا هو هدف الإنسان الكامل، الذي حققه جزئياً بعض البشر الأتقياء، لكنه تحقق بالكامل في يسوع. فما كان كاتب المزمور يتغنى به كهدف بعيد أصبح الآن حقيقة على شفتي يسوع.” غوثري (Guthrie)
- هَئَنَذَا أَجِيءُ لأَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا أَللهُ: كانت ذبيحة يسوع المسيح مقررة قبل تأسيس العالم (بطرس الأولى ٢٠:١ ؛ رؤيا يوحنا ٨:١٣). ولكن كان لا يزال على المسيح أن يخضع بإرادته للتجسد وللصليب في الوقت المعين؛ لنكون بِهَذِهِ الْمَشِيئَةِ نَحْنُ مُقَدَّسُونَ بِتَقْدِيمِ جَسَدِ يَسُوعَ الْمَسِيح.
- تكريسنا أو تخصيصنا لله يقوم على مشيئة الله وليس مشيئتنا نحن، وهذا أساسه ذبيحة المسيح نفسه وليس أي تقدمات أو ذبائح نقدمها نحن الله.
- مَرَّةً وَاحِدَةً: هذه كلمات مهمة، والكاتب الآن يكررها ثانية: مَرَّةً وَاحِدَةً فقط وللجميع.
- “هذه الذبيحة الوحيدة تحقق الغرض الذي فشلت كل الذبائح الأخرى في تحقيقه. ولنا أن نتساءل عن تفسير هذه الآية لدى الكهنة الذين يرون القداس تكراراً لذبيحة المسيح.” روبرتسون (Robertson)
- “خدمة رئيس كهنتنا السماوي المستمرة هي التشفع في شعبه وهو عن يمين الآب على أساس الذبيحة المقدمة والمقبولة مرة واحدة وإلى الأبد، وليس التقديم المتكرر لذبيحة نفسه. ولا شك في أن هذا الفهم الخاطئ لدى الكنيسة الغربية استمر طويلاً نتيجة ترجمة خاطئة لتصريف هذا الفعل في الترجمة اللاتينية للعهد الجديد.” بروس (Bruce)
ج ) الآيات (١١-١٨): عمل يسوع المسيح الكامل والتام.
١١وَكُلُّ كَاهِنٍ يَقُومُ كُلَّ يَوْمٍ يَخْدِمُ وَيُقَدِّمُ مِرَارًا كَثِيرَةً تِلْكَ الذَّبَائِحَ عَيْنَهَا، الَّتِي لاَ تَسْتَطِيعُ الْبَتَّةَ أَنْ تَنْزِعَ الْخَطِيَّةَ. ١٢وَأَمَّا هذَا فَبَعْدَمَا قَدَّمَ عَنِ الْخَطَايَا ذَبِيحَةً وَاحِدَةً، جَلَسَ إِلَى الأَبَدِ عَنْ يَمِينِ اللهِ، ١٣مُنْتَظِرًا بَعْدَ ذلِكَ حَتَّى تُوضَعَ أَعْدَاؤُهُ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْهِ. ١٤لأَنَّهُ بِقُرْبَانٍ وَاحِدٍ قَدْ أَكْمَلَ إِلَى الأَبَدِ الْمُقَدَّسِينَ. ١٥وَيَشْهَدُ لَنَا الرُّوحُ الْقُدُسُ أَيْضًا. لأَنَّهُ بَعْدَمَا قَالَ سَابِقًا: ١٦«هذَا هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أَعْهَدُهُ مَعَهُمْ بَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَجْعَلُ نَوَامِيسِي فِي قُلُوبِهِمْ وَأَكْتُبُهَا فِي أَذْهَانِهِمْ ١٧وَلَنْ أَذْكُرَ خَطَايَاهُمْ وَتَعَدِّيَاتِهِمْ فِي مَا بَعْدُ». ١٨وَإِنَّمَا حَيْثُ تَكُونُ مَغْفِرَةٌ لِهذِهِ لاَ يَكُونُ بَعْدُ قُرْبَانٌ عَنِ الْخَطِيَّةِ.
- وَكُلُّ كَاهِنٍ يَقُومُ كُلَّ يَوْمٍ يَخْدِمُ وَيُقَدِّمُ: كان على الكهنة الوقوف كُلَّ يَوْمٍ خلال خدمتهم بينما يتم تقديم الذبائح بشكل مستمر. فهؤلاء الكهنة لم يمكنهم الجلوس مطلقاً! أما يسوع فقد جَلَسَ إِلَى الأَبَدِ عَنْ يَمِينِ اللهِ، بعد أن أكمل عمل ذبيحته من أجل الخطية.
- وَأَمَّا هَذَا: “يقصد الكاتب هنا إبراز دور المسيح الفردي كذبيحة واحدة لمرة واحدة وإلى الأبد مقابل الذبائح الكثيرة المتعددة كما في حال الكهنة اللاويين.” تراب (Trapp)
- ذبائح العهد القديم لم يمكنها أبداً معالجة مشكلة الخطية التي جعلتنا كمرضى في احتياج مستمر إلى الدواء أو كالحشائش الضارة التي جزّ رأسها دون اقتلاع جذورها.
- في المقابل، الإشارة إلى جلوس يسوع هنا يعني أن عمله قد انتهى. فهو ليس بحاجة لأن يَقُومُ كُلَّ يَوْمٍ يَخْدِمُ وَيُقَدِّمُ مِرَاراً كَثِيرَةً تِلْكَ الذَّبَائِحَ عَيْنَهَا كما فعل كهنة العهد القديم. ومع ذلك لا يزال يسوع يعمل في السموات، فهو يشفع في شعبه. وهذه الخدمة تقوم على عمله الذي اكتمل، لهذا جَلَسَ إِلَى الأَبَدِ عَنْ يَمِينِ اللهِ.
- حين أشار يسوع إلى جلوسه عن يمين الآب اعتبر رئيس الكهنة هذا الكلام تجديفًا وادعاء من المسيح بأنه هو الله نفسه (مرقس ٦٢:١٤-٦٣).
- حَتَّى تُوضَعَ أَعْدَاؤُهُ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْهِ: هذه العبارة تستشرف لحظة اختتام واكتمال كل جزء من عمل يسوع. فالتجسد كان الطريق إلى الحياة الكاملة وهذه الحياة الكاملة كانت مفتاح موته الكفّاري؛ وموته الكفّاري قاد إلى قيامته، وقيامته قادت إلى ارتفاعه إلى المجد؛ وارتفاعه إلى المجد سيؤدي إلى عودته منتصراً على كل أعدائه.
- لأَنَّهُ بِقُرْبَانٍ وَاحِدٍ قَدْ أَكْمَلَ إِلَى الأَبَدِ الْمُقَدَّسِينَ: هذا يؤكد أن عمل يسوع يغطي فقط أولئك الْمُقَدَّسِينَ. فما عمله يسوع قادر على تخليص كل إنسان، لكنه فعال فقط في إنقاذ أولئك الْمُقَدَّسِينَ (أي المفروزين أو المكرسين لله).
- “يا لها من كلمة مجيدة! أولئك الذين مات المسيح من أجلهم صاروا مُقَدَّسِينَ بموته. وهذا لا يعني أنه جعلهم كاملين لا يخطئون، لكنه حرر أولئك الذين مات من أجلهم من ذنب الخطية. فقد حمل المسيح على نفسه وزر وعار الخطية وأزاحه عنهم، إذ لا يمكن أن يدان اثنان لأجل ذات الخطية.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَيَشْهَدُ لَنَا الرُّوحُ الْقُدُسُ أَيْضاً. لأَنَّهُ بَعْدَمَا قَالَ سَابِقاً: يوضح كاتب العبرانيين في هذا المقطع بوضوح أن الرُّوحُ الْقُدُسُ هو الله يهوه إله العهد القديم. فحين يتكلم الروح القدس فهذا يعني أن الله يتكلم.
- “نرى في هذا المقطع كشفاً ثلاثي الأوجه عن طبيعة الله وتجسيد روحي وعملي واضح للثالوث الأقدس من خلال إرادة الله (عبرانيين ٩:١٠) وعمل المسيح (عبرانيين ١٢:١٠) وشهادة الروح (عبرانيين ١٥:١٠).” توماس (Thomas)
- هَذَا هُوَ الْعَهْدُ: في هذا المقطع المقتبس من سفر إرميا يشير كاتب العبرانيين إلى مواعيد الْعَهْد الجديد التي أساسها المسيح.
- الَّذِي أَعْهَدُهُ مَعَهُمْ بَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ: العهد الجديد هو عهد جديد سيأتي بَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ.
- أَجْعَلُ نَوَامِيسِي فِي قُلُوبِهِمْ: العهد الجديد محوره التغيير الداخلي. فالله يغير قلب الإنسان ويَجْعَلُ نَوَامِيسِه فِي قُلُوبِهِمْ.
- لَنْ أَذْكُرَ خَطَايَاهُمْ وَتَعَدِّيَاتِهِمْ فِي مَا بَعْدُ: العهد الجديد يقدم لنا الغفران الكامل لدرجة يمكن فيها لله أن يقول لن أَذْكُرَ خطاياكم في هذا العهد الجديد!
- على المؤمن أن يفعل ما فعله الله مع خطيته، وهو أن ينساها! وهذا يذكرنا كذلك أن المؤمن ليس بأي حال في وضع مؤقت أو تحت المراقبة. فخطاياه السابقة ليس لها تأثير على تعاملات الله الحالية معه.
- “غفران الخطايا هو ما يميز العهد الجديد. ففي سفر أرميا لنا وعد الله بالغفران كامل، وإن كان الغفران كاملاً فليس هناك مكان بعد لذبائح الناموس في زمن العهد الجديد.” فينسنت (Vincent)
- وَإِنَّمَا حَيْثُ تَكُونُ مَغْفِرَةٌ لِهَذِهِ لاَ يَكُونُ بَعْدُ قُرْبَانٌ عَنِ الْخَطِيَّةِ: بما أن الخطايا قد غفرت وتم نسيانها فعلاً، فليس هناك داع بعد لذبائح الخطية.
- “تقدم لنا هذه العبارة: ’لاَ يَكُونُ بَعْدُ قُرْبَانٌ‘ جوهر وخلاصة التعليم الذي تقدمه رسالة العبرانيين.” نويل (Newell). وكل ما يلي ذلك سيكون مجرد وعظ وإرشاد.
- “المسيح الذي مات على صليب الجلجثة مرة لن يكون عليه أن يموت ثانية من أجل خطاياي الجديدة أو أن يكفر ثانية عن خطايا المستقبل. فلقد جمع وحمل على عاتقه مرة واحدة وإلى الأبد ذلك الحمل الرهيب الذي يشكل كامل خطايا شعبه في عبء هائل واحد ودفنها في القبر حيث رقد لكيلا تكون بعد دليل إدانة على أي من المخلّصين من الآن وإلى الأبد.” سبيرجن (Spurgeon)
- عمل يسوع لتبريرنا قد تمّ. وإن لم يكن هذا كافيًا بالنسبة لنا فلن يكفينا شيء غيره أبداً. “لقد أرسل الله المسيح ليريح الخطاة المذنبين؛ وإن كان هذا لا يكفيك، فماذا تريد بعد؟ لقد قدم المسيح نفسه ومات وتألم بدلاً منا وذهب للمجد. إن كان لا يمكنك الاتكال عليه، فماذا تريده أن يفعل بعد؟ هل يأتي ليموت ثانية؟ وإن رفضته مرة فسترفضه وإن مات مرتين.” سبيرجن (Spurgeon)
ثانياً. تشجيع الضعفاء من خلال ذبيحة المسيح الكاملة.
أ ) الآيات (١٩-٢١): تلخيص لما فعله يسوع لأجل شعبه.
١٩فَإِذْ لَنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ ثِقَةٌ بِالدُّخُولِ إِلَى «الأَقْدَاسِ» بِدَمِ يَسُوعَ، ٢٠طَرِيقًا كَرَّسَهُ لَنَا حَدِيثًا حَيًّا، بِالْحِجَابِ، أَيْ جَسَدِهِ، ٢١وَكَاهِنٌ عَظِيمٌ عَلَى بَيْتِ اللهِ.
- لَنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ ثِقَةٌ: يذكر الكاتب هذا كحقيقة لا جدال فيها، وليس وعظاً. فنحن لدينا وسيلة فعالة للتواصل مع الله، وما يقوله الكاتب هو أن علينا أن نستغل هذه الوسيلة ونستعملها بثِقَة. ففي يوم الكفارة كان رئيس الكهنة يدخل إلى قدس الأقداس بخوف ورهبة، أما نحن فلنا أن ندخل إِلَى الأَقْدَاسِ… بثِقَة.
- لنا هذه الثقة لأننا ندخل إِلَى الأَقْدَاسِ بِدَمِ يَسُوعَ. لأنه إن كان دخولنا على أساس دم الذبائح كما كان في حال رئيس كهنة العهد القديم لما كانت لنا هذه الثقة. لكنه صار بِدَمِ يَسُوعَ، طَرِيقاً كَرَّسَهُ لَنَا حَدِيثاً حَيّاً يمكننا بواسطته الدخول إلى محضر الله بثِقَة.
- هذه الثِقَة تخالف تماماً الحال الذي كان عليه رئيس الكهنة عند دخوله قدس الأقداس في العهد القديم. “فقد كان الكاهن يدخل بكل خوف ورهبة حريصاً على عدم إهمال أصغر التفاصيل التي نصت عليها الشريعة وإلا كان مصيره الموت. أما المؤمنون الحقيقيون فيمكنهم التقدم إلى عرش الله بثقة لأنهم يحملون للحضرة الإلهية دم الذبيحة العظمى المبارك، لأنهم إذ تبرروا بذلك الدم صار لهم الحق في جميع بركات الملكوت الأبدي.” كلارك (Clarke)
- طَرِيقاً … حَدِيثاً حَيّاً: وهذا يعني أن ذبيحة يسوع هي جديدة دائمًا في عيني الله. فرغم أن الذبيحة كانت منذ قرون لكنها ليست قديمة بل ذبيحة حيّة ندخل بها إلى محضر الله.
- طَرِيقاً … حَدِيثاً حَيّاً: “هذا حدث أبدي، وكأن المسيح قد حمل آثامنا في جسده على الصليب الآن وكأنه للتو قد قال ’قد أكمل‘ فيما طعن الجندي جنبه بالحربة ليخرج دم وماء. إنه الذبيحة الآنية الأبدية”. نويل (Newell)
- في هذا تصوير لدم الذبيحة غير المتخثر الذي أريق للتو والذي يصلح للرش. فدم الذبيحة كان صالحاً للاستخدام طالما كان دافئاً وسائلاً.” كلارك (Clarke)
- إنه طَرِيق… حَيّ. فبحسب العهد القديم كان دخول رئيس الكهنة على حساب دم الحيوان المذبوح، أما في العهد الجديد فقد صار دخولنا على حساب الذبيحة الكاملة لابن الله الذي بلا خطية، وكأن يسوع الحيّ المقام يدخلنا بنفسه إلى عرش الله
- بِالْحِجَابِ: كان الْحِجَابِ هو ما يفصل القدس عن قدس الأقداس، وللدخول إلى قدس الأقداس كان يجب المرور بِالْحِجَابِ. لكن هذا الحجاب الذي كان يفصل الإنسان عن العلاقة مع لله قد انشق الآن من الأعلى إلى الأسفل. (متى ٥١:٢٧)
- أَيْ جَسَدِهِ: يشبّه كاتب العبرانيين الحجاب الذي وقف حاجزاً بين الله والإنسان بجسد يسوع. فجسد يسوع قد تمزق، وكذلك الحجاب، وفي الحالتين إشارة إلى أنه صار لنا الآن أن نأتي إلى الله بثقة.
- “بالنسبة للمؤمنين، لم يكن الحجاب مطوياً ومحفوظاً بعناية بل كان ممزقاً. فقد مزقته اليد الإلهية من الأعلى إلى الأسفل لكي لا يمكن تعليقه ثانية، ولكي لا يعود هناك فاصل بين من هم في المسيح يسوع وبين الله.” سبيرجن (Spurgeon)
- “يبدو أن الكاتب يريد أن يقول إنه فقط عندما تمزق جسد المسيح على الصليب أصبح دمه متاحًا لذلك لغرض الأسمى، خلاص الإنسان.” روبنسون (Robinson)
- وَكَاهِنٌ عَظِيمٌ عَلَى بَيْتِ اللهِ: صار لنا رئيس كهنة يتسيّد السموات ليضمن لنا حق الدخول إلى محضر الله.
- “الجمع بين كلمتي “الطريق” و”الكاهن” يمنحنا ثقة ويحررنا من الخوف ومن جميع المعيقات الأخرى، ويمكننا من الدخول كما نحن إلى محضر الله.” روبنسون (Robinson)
- “’بيت الله‘ الذي يمارس فيه المسيح كهنوته هو بالطبع مكان سكنى شعب الله.” بروس (Bruce)
ب) الآية (٢٢): بناءً على عمل يسوع المسيح لنتقدم من الله.
٢٢لِنَتَقَدَّمْ بِقَلْبٍ صَادِقٍ فِي يَقِينِ الإِيمَانِ، مَرْشُوشَةً قُلُوبُنَا مِنْ ضَمِيرٍ شِرِّيرٍ، وَمُغْتَسِلَةً أَجْسَادُنَا بِمَاءٍ نَقِيٍّ.
- لِنَتَقَدَّمْ: من خلال التطهير والتبرير التام الذي صار لنا بحسب مواعيد العهد الجديد التي دونت بالعبرية (مَرْشُوشَةً قُلُوبُنَا) ومن خلال طقس المعمودية (وَمُغْتَسِلَةً أَجْسَادُنَا)، يمكننا أن نَتَقَدَّمْ من الله بطريقة لم تكن متاحة لأحد بموجب العهد القديم. فعمل يسوع يجعلنا قادرين على هذا الاقتراب والتقدم بِقَلْبٍ صَادِقٍ فِي يَقِينِ الإِيمَانِ.
- “الدعوة الموجهة لي هنا ليست لأعد الطريق أو لأصلح نفسي للوصول لله، لكنها ببساطة دعوة للمجيء والاقتراب والدخول، وأنا أفعل هذا من خلال رئيس كهنتي دون خشية أو خوف.” مورغان (Morgan)
- وَمُغْتَسِلَةً أَجْسَادُنَا: “ما يميز المعمودية المسيحية عن طقوس التطهير التي كانت تمارس في ديانات العالم القديم هو أنها أكثر من مجرد طقوس خارجية لغسل الجسم من الدنس. فالمعمودية هي مجرد العلامة الخارجية عن التطهير الداخلي، وهو الأكثر أهمية.” موريس (Morris)
- مَرْشُوشَةً قُلُوبُنَا… وَمُغْتَسِلَةً أَجْسَادُنَا: “هذه الصفات لا تعبر عن حالة يجب تحقيقها بعد، لكنها تصف حالنا الآن.” دودز (Dods)
- لِنَتَقَدَّمْ: يمكننا الآن أن نَتَقَدَّمْ لأن ديون كثيرة قد سُددت، ومشكلة الوصول إلى الله قد حُلت، ومشكلة رئيس الكهنة الكامل حلت، ومشكلة التلوث الأخلاقي والروحي حلت أيضاً.
- ما كان الكاتب ليشجعنا لِنَتَقَدَّمْ ما لم يكن ذلك ضروريًا. فالمؤمنون المحبطون لم يمكنهم التقدم، وكانت هذه مشكلتهم الحقيقية إذ فقدوا علاقتهم الحميمة مع يسوع ولم تعد حياتهم الروحية على ما يرام.
- ربما كان هؤلاء يعتقدون أنهم يواجهون مشاكل كثيرة مثل الاضطهاد أو توتر علاقاتهم مع الآخرين أو مشاكل المجتمع وظروفهم المالية، لكن المشكلة الحقيقية كانت في أن علاقتهم بالله لم تكن كما يجب، إذ أنهم لم يقتربوا أو يتقدموا من الله على أساس عمل المسيح يسوع.
- حين نواجه أوقاتاً صعبة علينا أن نتذكر أن هناك آخرين واجهوا أحوالاً أسوأ لكنهم واجهوها بعقلية وفرح أفضل. فما الذي كان يميزهم؟ لقد كانوا يعرفون كيفية التقدم نحو عرش الله.
- وبنفس الأهمية، يُذكر كاتب الرسالة قراءه أيضاً بأنهم لن يستعيدوا أبدًا تلك العلاقة الوثيقة مع الله من خلال شرائع وممارسات العهد القديم.
ج ) الآية (٢٣): بناء على عمل يسوع المسيح لنتمسك بالحق.
٢٣لِنَتَمَسَّكْ بِإِقْرَارِ الرَّجَاءِ رَاسِخاً، لأَنَّ الَّذِي وَعَدَ هُوَ أَمِينٌ.
- لِنَتَمَسَّكْ بِإِقْرَارِ الرَّجَاءِ رَاسِخاً: إحباط المؤمنين جعلهم مترددين، لهذا فتجديد ثقتهم بعظمة يسوع والعهد الجديد سيجعلهم راسخين من جديد في الإيمان.
- “وصية ’لنتمسك‘ يجب أن تكتب على غلاف الكتاب المقدس الخاص بكل مؤمن. فنحن نعيش في عالم متقلب متغير نحتاج فيه أن نتذكر دائماً أن نتمسك بجذورنا وأن نكون راسخين ثابتين في الحق.” سبيرجن (Spurgeon)
- رَاسِخاً: “الكلمة اليونانية المستخدمة هنا وردت مرة فقط في العهد الجديد وتعني الشيء الثابت المنتصب الراسخ على قاعدته. إذ لا مجال في الحياة المسيحية للمراوحة بين الثبات وبين التقلقل من وقت لآخر.” غوثري (Guthrie)
- لأَنَّ الَّذِي وَعَدَ هُوَ أَمِينٌ: سبب رسوخنا هو لأَنَّ الَّذِي وَعَدَ هُوَ أَمِينٌ. فمن الأفضل أن نثق في أمانته هو بدلاً من أمانتنا!
د ) الآيات (٢٤-٢٥): بناءً على عمل يسوع المسيح لنحافظ على علاقة وشركة صحية مع شعب الله.
٢٤وَلْنُلاَحِظْ بَعْضُنَا بَعْضًا لِلتَّحْرِيضِ عَلَى الْمَحَبَّةِ وَالأَعْمَالِ الْحَسَنَةِ، ٢٥غَيْرَ تَارِكِينَ اجْتِمَاعَنَا كَمَا لِقَوْمٍ عَادَةٌ، بَلْ وَاعِظِينَ بَعْضُنَا بَعْضًا، وَبِالأَكْثَرِ عَلَى قَدْرِ مَا تَرَوْنَ الْيَوْمَ يَقْرُبُ.
- وَلْنُلاَحِظْ بَعْضُنَا بَعْضاً: إحباط المؤمنين جعلهم يتجنبون الاختلاط بالمجتمع في الوقت الذي كانوا فيه في أمس الحاجة إليه. فنحن نرى يسوع في بعضنا البعض وهذا يثير فينا الْمَحَبَّةِ وَالأَعْمَالِ الْحَسَنَةِ.
- بَعْضُنَا بَعْضاً: هذه المرة الوحيدة التي استخدم فيها الكاتب تعبير “بَعْضُنَا بَعْضاً” على الرغم من وروده كثيرًا في العهد الجديد. والكاتب هنا يتحدث عن نشاط متبادل يشجع فيه المؤمنون بعضهم بعضًا، وليس نشاطًا يوجه فيه القادة أشخاصاً آخرين إلى ما يجب فعله.” موريس (Morris)
- كلمة التَّحْرِيضِ كلمة قوية، لكنها تستخدم هنا بمعنى إيجابي وليس كما في أعمال الرسل ٣٩:١٥. وكأن الكاتب يريد أن يقول إن محبة بعضنا البعض لن تحصل دون أن ننويها فعلاً.” غوثري (Guthrie)
- الكلمة اليونانية القديمة المستخدمة لوصف المحبة هي (agape)، والتي أصبحت على أهمية كبيرة في زمن العهد الجديد. فالمحبة تحتاج إلى محفزات وتحتاج إلى مجتمع. فالإيمان والرجاء يمكن أن يمارسهما شخص وحيد في زنزانة أو في جزيرة، لكن لا يمكن ممارسة المحبة العملية إلا في المجتمع.” روبنسون (Robinson)
- غَيْرَ تَارِكِينَ اجْتِمَاعَنَا كَمَا لِقَوْمٍ عَادَةٌ: إهمال اجتماعات المؤمنين يفسح المجال للإحباط. فالإحباط يزداد حينما لا نكون مشجعين ووَاعِظِينَ بَعْضُنَا بَعْضاً.
- يذهب البعض للكنيسة فقط إن شعروا أنهم “بحاجة” للذهاب. ولكن دافعنا للشركة يجب أن يكون طاعة الله ودعم الآخرين. فنحن يجب أن نجتمع معاً لنشجع كل من يواجه حالة من الإحباط.
- نحن نجتمع لنأخذ من الله.
- نحن نجتمع لنعطي لله.
- نحن نجتمع لنشجع بعضنا البعض من خلال إيماننا المشترك.
- نحن نجتمع لنبارك بعضنا البعض.
- نحن نجتمع لنعمل معاً.
- “كان المؤمن في زمن الكنيسة الأولى الذي يحاول العيش وحيداً كراهب دون دعم مجتمع الكنيسة معرضاً لمخاطر كونه وحيداً في زمن لم يكن فيه أحد يسانده.” موريس (Morris) مقتبساً من موفات (Moffatt).
- نظرًا لأهمية اجتماع المؤمنين معًا، فيجب اعتبار ما يعيق هذا خطراً جدياً. “فالانشقاق هو تمزق للأعضاء الداخلية لجسد المسيح. فقد لا ننعزل عن المؤمنين ولكن هذا قد يحدث بسبب الاضطهاد والهرطقات والزنى الروحي والمسحاء الكذبة.” تراب (Trapp)
- “يشير الدكتور ماكنتوش (Mackintosh) إلى أن كلمة القديسين لم ترد أبداً في صيغة المفرد وإلى أنها أشارت دائماً إلى جماعة المؤمنين.” توماس (Thomas)
- اجْتِمَاعَنَا: “الكلمة هنا تشير غالباً إلى اجتماعات العبادة رغم عدم ذكر هذا صراحة. وربما أراد الكاتب ترك الأمر مبهماً ليشمل أنواعاً أخرى من الاجتماعات غير الرسمية، رغم أن الكلمة اليونانية (episynagoge) المستخدمة تعني التجمع الرسمي.” غوثري (Guthrie)
- يذهب البعض للكنيسة فقط إن شعروا أنهم “بحاجة” للذهاب. ولكن دافعنا للشركة يجب أن يكون طاعة الله ودعم الآخرين. فنحن يجب أن نجتمع معاً لنشجع كل من يواجه حالة من الإحباط.
- وَبِالأَكْثَرِ عَلَى قَدْرِ مَا تَرَوْنَ الْيَوْمَ يَقْرُبُ: مع اقتراب يوم مجيء يسوع المسيح علينا أن نكون أكثر التزامًا بالشركة مع شعب الله غَيْرَ تَارِكِينَ اجْتِمَاعَنَا.
- عَلَى قَدْرِ مَا تَرَوْنَ الْيَوْمَ يَقْرُبُ: “تجدر الإشارة إلى أن صيغة الفعل تعكس حقيقة آنية واقعة وليس كصيغة أمر أو وصية كما في الأفعال السابقة. فالمجيء الثاني كان حقيقة واقعة، وليس سراً يخفى، وكان المؤمنون يعيشون أيامهم في ترقب مستمر لهذا اليوم.” غوثري (Guthrie)
- “كل جيل من أجيال المؤمنين مطالب بأن يعيش كما لو كان جيل الأيام الأخيرة.” بروس (Bruce)
ثالثاً. تحذير آخر يجب الانتباه له.
أ ) الآيات (٢٦-٣١): خطورة رفض ذبيحة المسيح الكاملة بالنيابة عنّا.
٢٦فَإِنَّهُ إِنْ أَخْطَأْنَا بِاخْتِيَارِنَا بَعْدَمَا أَخَذْنَا مَعْرِفَةَ الْحَقِّ، لاَ تَبْقَى بَعْدُ ذَبِيحَةٌ عَنِ الْخَطَايَا، ٢٧بَلْ قُبُولُ دَيْنُونَةٍ مُخِيفٌ، وَغَيْرَةُ نَارٍ عَتِيدَةٍ أَنْ تَأْكُلَ الْمُضَادِّينَ. ٢٨مَنْ خَالَفَ نَامُوسَ مُوسَى فَعَلَى شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةِ شُهُودٍ يَمُوتُ بِدُونِ رَأْفَةٍ. ٢٩فَكَمْ عِقَاباً أَشَرَّ تَظُنُّونَ أَنَّهُ يُحْسَبُ مُسْتَحِقّاً مَنْ دَاسَ ابْنَ اللهِ، وَحَسِبَ دَمَ الْعَهْدِ الَّذِي قُدِّسَ بِهِ دَنِساً، وَازْدَرَى بِرُوحِ النِّعْمَةِ؟ ٣٠فَإِنَّنَا نَعْرِفُ الَّذِي قَالَ: «لِيَ الاِنْتِقَامُ، أَنَا أُجَازِي، يَقُولُ الرَّبُّ». وَأَيْضاً: «الرَّبُّ يَدِينُ شَعْبَهُ». ٣١مُخِيفٌ هُوَ الْوُقُوعُ فِي يَدَيِ اللهِ الْحَيِّ!
- فإِنَّهُ إِنْ أَخْطَأْنَا بِاخْتِيَارِنَا: الخطيئة عن عمد تعرّفها لنا الآية في عبرانيين ٢٩:١٠. فالآية تصف الشخص الذي دَاسَ ابْنَ اللهِ وَاحتَقَرَ دَمَ العَهْدِ الَّذِي قَدَّسَهُ، وَأهَانَ رُوحَ النِّعمَةِ. فهو إذاً رفضٌ واعٍ ومتعمد لعمل يسوع العظيم من أجلنا على الصليب.
- أَخْطَأْنَا بِاخْتِيَارِنَا: بشكل ما يمكننا أن نقول إن كل خطية هي خطية بالاختيار، لكن كاتب العبرانيين يتحدث هنا عن أمر أكثر خطورة وأهمية يتعلق بهؤلاء المؤمنين اليهود المحبطين الذين فكروا في التراجع عن المسيحية والعودة إلى اليهودية وشريعة الذبيحة، مما يعني التخلي عن يسوع نفسه.
- “الأمر هنا لا علاقة له بالارتداد بالمعنى العام للكلمة. فقد يسقط الإنسان أو قد يتعمد الخطية، لكن دون أن ينكر الإنجيل أو ينكر الرب الذي اشتراه. فشخص كهذا قضيته خطيرة لكنها ليست ميؤوس منها.” كلارك (Clarke)
- “يبدو أن الفكرة هنا ترتبط بالآية السابقة بما يعني أننا إن تخلينا عن إخوتنا المؤمنين فهذا قد يؤدي بسهولة إلى التخلي عن المسيح.” توماس (Thomas)
- لاَ تَبْقَى بَعْدُ ذَبِيحَةٌ عَنِ الْخَطَايَا: إن رُفضت ذبيحة المسيح التي كفرت عن الخطية، فليس من ذبيحة بعد يمكنها أن تطهرك.
- “إن رفضت هذه الوسيلة العظيمة للخلاص، أي رفضت الذبيحة العظمى، فلن تفيدك أي ذبيحة أخرى.” مورغان (Morgan)
- فَكَمْ عِقَاباً أَشَرَّ: إن رفض أحد ما ذبيحة يسوع المسيح فالدينونة مؤكدة (مُسْتَحِقّاً)، وأكثر تأكيدًا مما كانت عليه في العهد القديم.
- إِنْ أَخْطَأْنَا بِاخْتِيَارِنَا بَعْدَمَا أَخَذْنَا مَعْرِفَةَ الْحَقِّ: من أخطأ باختياره برفضه عمل يسوع على الصليب كذبيحة كافية فقد:
- دَاسَ ابْنَ اللهِ: نحن نجلب له العار برفضنا عمله العظيم ونزدريه هو إذ نزدري بعمله. وعن هذه العبارة يقول فنسنت (Vincent): “استخدمت هذه الكلمة في الترجمة السبعينية لتنقل معاني التخريب والتحقير والمهانة، واستخدمت هنا للتعبير عن مشاعر الغضب المرتبطة بفعل التخلي عن المسيح والعودة إلى اليهودية.”
- وَحَسِبَ دَمَ الْعَهْدِ الَّذِي قُدِّسَ بِهِ دَنِساً: أي أنهم لم يعتبروا دم يسوع أكثر أهمية من دم الحيوانات التي لا تعد ولا تحصى والتي قُدمت بموجب العهد القديم. فيقول فنسنت (Vincent): “تقدم الكلمة لنا هنا تفسيرين: أولاً. إن دم المسيح اعتبر دماً عادياً كدم أي شخص عادي دون قيمة مقدسة أو خاصة، ثانياً. أنهم برفضهم دم المسيح للتكفير والفداء، فهذا يعني ضمناً أن دمه كان نجسًا وغير مقبول.”
- وَازْدَرَى بِرُوحِ النِّعْمَةِ: بهذا نحن نهين الروح القدس الذي يتمثل عمله في تقديم يسوع وعمله لنا (يوحنا ٨:١٦-١٥).
- لِيَ الاِنْتِقَامُ: “للأسف هذه الترجمة غير موفقة لأن كلمة الانتقام هنا تحمل معنى “النقمة” وهو معنى لا تحمله الكلمة اليونانية، لكن المقصود هنا هو أخذ كل طرف ما يستحقه.” فنسنت (Vincent)
- مُخِيفٌ هُوَ الْوُقُوعُ فِي يَدَيِ اللهِ الْحَيِّ: من المخيف فعلاً أن تواجه يوماً ذلك الإله الذي رفضته وأهنته.
- “الْوُقُوعُ فِي يَدَيِ اللهِ الْحَيِّ يعني أنك قد قاومت محبته ورفضت خلاصه واحتقرت تحذيرات روحه القدوس ووصلت مرحلة ما عاد فيها لله أن يبدي لك المزيد من نعمته.” نويل (Newell)
ب) الآيات (٣٢-٣٤): تشجعوا وسط مشاعر الإحباط وتذكروا تمسككم بالله في الأوقات الصعبة.
٣٢وَلَكِنْ تَذَكَّرُوا الأَيَّامَ السَّالِفَةَ الَّتِي فِيهَا بَعْدَمَا أُنِرْتُمْ صَبِرْتُمْ عَلَى مُجَاهَدَةِ آلاَمٍ كَثِيرَةٍ. ٣٣مِنْ جِهَةٍ مَشْهُورِينَ بِتَعْيِيرَاتٍ وَضِيقَاتٍ، وَمِنْ جِهَةٍ صَائِرِينَ شُرَكَاءَ الَّذِينَ تُصُرِّفَ فِيهِمْ هَكَذَا. ٣٤لأَنَّكُمْ رَثَيْتُمْ لِقُيُودِي أَيْضاً، وَقَبِلْتُمْ سَلْبَ أَمْوَالِكُمْ بِفَرَحٍ، عَالِمِينَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَنَّ لَكُمْ مَالاً أَفْضَلَ فِي السَّمَاوَاتِ وَبَاقِياً.
- وَلَكِنْ تَذَكَّرُوا الأَيَّامَ السَّالِفَةَ: كان هؤلاء المؤمنون قاد عانوا بالفعل من أجل يسوع بعد أن رفضهم مجتمعهم اليهودي وربما اعتبروهم في عداد الموتى. فهؤلاء قد انضموا للمؤمنين بعد أن وثقوا بيسوع (بَعْدَمَا أُنِرْتُمْ).
- مُجَاهَدَةِ آلاَمٍ كَثِيرَةٍ: واجه هؤلاء الاضطهاد بطرق مختلفة. فكانوا مَشْهُورِينَ بِتَعْيِيرَاتٍ وَضِيقَاتٍ، وكانوا شُرَكَاءَ الَّذِينَ تُصُرِّفَ فِيهِمْ هَكَذَا، بما في ذلك كاتب العبرانيين نفسه (لأَنَّكُمْ رَثَيْتُمْ لِقُيُودِي أَيْضاً)، كما واجهوا الاضطهاد المالي (وَقَبِلْتُمْ سَلْبَ أَمْوَالِكُمْ). ولكن النقطة المهمة هنا هي أنهم واجهوا هذه الأمور وتحملوها، أي أنه بإمكانهم إلقاء نظرة على ما سبق وتحملوه في الماضي ليتشجعوا للثبات ومواصلة المسير.
- يقول كلارك (Clarke) عن ’مُجَاهَدَةِ آلاَمٍ كَثِيرَةٍ‘: “وكأننا نرى هنا تلميحاً لمواجهات الموت الدموية مع المصارعين التي كانت تجري خلال الألعاب اليونانية والتي كان يحضرها العامة.”
- مِنْ جِهَةٍ مَشْهُورِينَ: يستخدم النص ذات الكلمة اليونانية المستخدمة في كورنثوس الأولى ٩:٤: “أَنَّنَا صِرْنَا مَنْظَرًا لِلْعَالَمِ، لِلْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ” والتي تشير لمسرح أو شيء ما هو محط أنظار العامة. “وسواء كان هذا التعبير حقيقياً أم مجازياً، ففي الحالتين نرى ما كان يحل بالمؤمنين.” تراب (Trapp)
- عَالِمِينَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَنَّ لَكُمْ مَالاً أَفْضَلَ فِي السَّمَاوَاتِ وَبَاقِياً: لقد صمدتم واجتزتم زمن الاضطهاد بالمحافظة على فكر سماوي. وما يريده الكاتب واضح هنا: بناءً على هذا، يمكنكم اجتياز فترة الإحباط هذه أيضًا.
ج ) الآيات (٣٥-٣٩): استفيدوا من تجاربكم السابقة لتكتسبوا قوة للمستقبل.
٣٥فَلاَ تَطْرَحُوا ثِقَتَكُمُ الَّتِي لَهَا مُجَازَاةٌ عَظِيمَةٌ. ٣٦لأَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى الصَّبْرِ، حَتَّى إِذَا صَنَعْتُمْ مَشِيئَةَ اللهِ تَنَالُونَ الْمَوْعِدَ. ٣٧لأَنَّهُ بَعْدَ قَلِيلٍ جِدّاً «سَيَأْتِي الآتِي وَلاَ يُبْطِئُ. ٣٨أَمَّا الْبَارُّ فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا، وَإِنِ ارْتَدَّ لاَ تُسَرُّ بِهِ نَفْسِي». ٣٩وَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا مِنَ الاِرْتِدَادِ لِلْهَلاَكِ، بَلْ مِنَ الإِيمَانِ لاِقْتِنَاءِ النَّفْسِ.
- لاَ تَطْرَحُوا ثِقَتَكُمُ: هؤلاء المؤمنون المحبطون كانوا على وشك أن يَطْرَحُوا ثِقَتَهمُ بيسوع وأن يستبدلوها بعلاقة العهد القديم مع الله.
- لاَ تَطْرَحُوا ثِقَتَكُمُ: “لا تطرحوا ثقتكم أبداً، فلا الناس ولا الشياطين يمكنهم أن ينزعوا هذه منكم، والله لن ينزع هذه الثقة أبدًا إن استمريتم على اخلاصكم… وكأننا نرى هنا إشارة إلى الجنود الجبناء الذين قد يرمون درعهم ويهربون من المعركة. فإيمانكم بالمسيح هو درعكم الذي يمنحكم معرفة الخلاص، حافظوا عليه فيحفظكم.” كلارك (Clarke)
- أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى الصَّبْرِ: أنتم (ونحن) تَحْتَاجُونَ إِلَى الصَّبْرِ لتقبلوا وعد الله بعد أن صَنَعْتُمْ مَشِيئَةَ اللهِ. فأصعب التجارب وأكثرها إحباطًا هي حين ندعى إلى طاعة إرادة الله حين يبدو تحقيق مواعيده أمراً بعيد المنال. ولهذا نحن بحاجة إِلَى الصَّبْرِ. فأمانتك في الوقت الذي يبدو فيه أن الوعد لن يتحقق هي مقياس طاعتك ونضجك الروحي.
- هذا الصَّبْرِ ينمو من خلال التجارب ومن خلال اختبار إيماننا (رسالة يعقوب ٢:١-٤).
- أما الْبَارُّ فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا: علينا أن نحذو حذو الْبَارُّ الذي بِالإِيمَانِ يَحْيَا وأن نتحمل ونصبر لنرى الوعد يتحقق.
- كل كلمة في سفر حبقوق ٤:٢ مهمة للغاية، إذ نرى اقتباساً لهذه الآية ثلاث مرات في العهد الجديد لإبراز غنى المعنى.
- في رومية ١٧:١ يستشهد بولس بذات الآية في حبقوق ٤:٢ مع التركيز على الإيمان: “أَمَّا الْبَارُّ فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا.”
- في غلاطية ١١:٣ يستشهد بولس بذات الآية في حبقوق ٤:٢ مع التركيز على البر: “أَمَّا الْبَارُّ فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا.”
- وهنا في العبرانيين ٣٨:١٠ التركيز هو على الحياة: “أَمَّا الْبَارُّ فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا.“
- كل كلمة في سفر حبقوق ٤:٢ مهمة للغاية، إذ نرى اقتباساً لهذه الآية ثلاث مرات في العهد الجديد لإبراز غنى المعنى.
- وَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا مِنَ الاِرْتِدَادِ لِلْهَلاَكِ، بَلْ مِنَ الإِيمَانِ لاِقْتِنَاءِ النَّفْسِ: هذا استنتاج مليء بالثقة. فنحن سنكون أولئك الذين سيصبرون وينالون وعد الله. فنحن لَسْنَا مِنَ الاِرْتِدَادِ والعودة إلى التقاليد القديمة أو إلى علاقة العهد القديم بالله أو استبدال يسوع بأي شيء آخر.· “الفتور أو الارتداد في الحياة المسيحية يعود في بعض الأحيان إلى خيبة الأمل وفي أحيان أخرى إلى الاكتئاب، وفي أحيان أخرى إلى الإحباط، لكن السبب الرئيس هو فقدان الثقة.” توماس (Thomas)
- لاِقْتِنَاءِ النَّفْسِ: “استعارة تشبيهية في اللغة اليونانية من حال التجار أو المقامرين الذين يتاجرون أو يلعبون ليحصلوا على المزيد أو ليفقدوا ما لديهم.” تراب (Trapp)
- لاِقْتِنَاءِ النَّفْسِ: “كلمة اقتناء هنا تشير إلى الملكية التامة. فأول ما يفعله الإيمان هو نشر أشرعته لاستقبال نسائم إعلانات الله ومن ثم الاستجابة لكلمته ونعمته.” توماس (Thomas)