إشعياء ٢٤
طبيعة الله الأدبية ودينونته
أولًا. مشهد دينونة الله
أ ) الآيات (١-٣): نطاق دينونة الله
١هُوَذَا الرَّبُّ يُخْلِي الأَرْضَ وَيُفْرِغُهَا وَيَقْلِبُ وَجْهَهَا وَيُبَدِّدُ سُكَّانَهَا. ٢وَكَمَا يَكُونُ الشَّعْبُ هكَذَا الْكَاهِنُ. كَمَا الْعَبْدُ هكَذَا سَيِّدُهُ. كَمَا الأَمَةُ هكَذَا سَيِّدَتُهَا. كَمَا الشَّارِي هكَذَا الْبَائِعُ. كَمَا الْمُقْرِضُ هكَذَا الْمُقْتَرِضُ. وَكَمَا الدَّائِنُ هكَذَا الْمَدْيُونُ. ٣تُفْرَغُ الأَرْضُ إِفْرَاغًا وَتُنْهَبُ نَهْبًا، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ تَكَلَّمَ بِهذَا الْقَوْلِ.
١. هُوَذَا ٱلرَّبُّ يُخْلِي ٱلْأَرْضَ: يدعونا إشعياء إلى أن ننظر ونتأمل مشهد دينونة الله. وتنطبق المبادئ المعلنة هنا على دينونة الرب بشكل شمولي، لكن التحقيق النهائي لها سيتم في الفترة النهائية للدينونة، وقت الضيقة العظمى (متى ٢٤: ٢١-٢٢) التي ستسبق مجيء يسوع المسيح مباشرة (متى ٢٤: ٢٩-٣٠).
• في أيام الضيقة العظمى، لن تكون الأرض فارغة حرفيًّا، لكن وصف إشعياء الشعري يعطي هذا الانطباع، لأن الأرض ستبدو فارغة في أماكن كثيرة. إذ سيموت ثلث سكان العالم في دينونات الضيقة العظيمة (رؤيا ٩: ١٥-٢١)، ما يجعل المناطق الأكثر تضررًا وكأنها فارغة.
• “يبدو أن الصلة بين هذه الإصحاحات وتلك السابقة هي كما يلي: يتم تجميع الدينونات المعلنة على البلدان والشعوب المختلفة في تلك الإصحاحات في نقطة محورية، وتصبح الدينونات الإلهية المذكورة الدينونة العامة على الأمم، والتي ستحدث عندما يعود الرب يسوع المسيح مع كنيسته إلى الأرض.” بولتيما (Bultema)
٢. وَكَمَا يَكُونُ ٱلشَّعْبُ هَكَذَا ٱلْكَاهِنُ. كَمَا ٱلْعَبْدُ هَكَذَا سَيِّدُهُ: يبيّن إشعياء في هذه المفارقات أن المنصب أو المركز العالي في الحياة (الكاهن، السيّد، السيّدة، البائع) لن يحمي المرء من دينونة الرب. وبالمقابل، فإن المركز المتدني في الحياة (العبد، الأَمَة، الشاري) لن يعفي المرء أيضًا من تلك الدينونة. فعندما تأتي دينونة الضيقة العظيمة، ستكون كاملة في نطاقها.
• يعتقد بعضهم أن الكنيسة ستبقى على الأرض لتعاني من الضيقة العظمى، وأن الله سيحمي المؤمنين بالمسيح بشكل معجزي أثناء تلك الفترة لئلا يواجهوا أيًّا من دينونات الرب، ربما عدا اضطهاد ضد المسيح. لكن هذا النص يعزز فكرة أن دينونات الرب أثناء الضيقة العظيمة ستكون شمولية في نطاقها، وأنه لا توجد فئة بمنأى عن دينونة الرب العامة. ولهذا، فإن من المنطقي أن يزيح الرب مفدييه قبل هذه الفترة من الضيقة العظمى، حتى لا يعاني تحتها إلا الذين لا يؤمنون به أثناء تلك الفترة.
ب) الآيات (٤-٦): سبب الدينونة
٤نَاحَتْ ذَبُلَتِ الأَرْضُ. حَزِنَتْ ذَبُلَتِ الْمَسْكُونَةُ. حَزِنَ مُرْتَفِعُو شَعْبِ الأَرْضِ. ٥وَالأَرْضُ تَدَنَّسَتْ تَحْتَ سُكَّانِهَا لأَنَّهُمْ تَعَدَّوْا الشَّرَائِعَ، غَيَّرُوا الْفَرِيضَةَ، نَكَثُوا الْعَهْدَ الأَبَدِيَّ. ٦لِذلِكَ لَعْنَةٌ أَكَلَتِ الأَرْضَ وَعُوقِبَ السَّاكِنُونَ فِيهَا. لِذلِكَ احْتَرَقَ سُكَّانُ الأَرْضِ وَبَقِيَ أُنَاسٌ قَلاَئِلُ.
١. نَاحَتْ ذَبُلَتِ ٱلْأَرْضُ: لماذا تنوح الأرض؟ لأنها ستُبتلى في الضيقة العظمى بدينونات الله. وتصف رؤيا ٨: ٧-١٣ التأثير الرهيب لدينونات الله على الأرض.
• هل هذا ذنب الله؟ أيبغض الله الأرض؟ لا، إنه ذنب الإنسان. لقد تدنّست الأرض بسبب سكانها. إذ دنّسها الإنسان بخطيته وشره الكبير، بحيث يتوجب على الأرض أيضًا أن تحتمل بعض دينونة الله البارّة. وبهذا المعنى، فإن أكثر شيء مسؤولية من ناحية بيئية يمكن أن يفعله الإنسان ليكرم الله هو أن يسلك معه باستقامة وفي طاعة.
• يمثّل هذا النص تذكيرًا جيدًا بالمبدأ القائل بأن الله أعظم من خليقته. ولا يعلّم الكتاب المقدس على الإطلاق فكرة العصر الجديد أن الله مرتبط معًا بما خلقه. فالله منفصل عن خليقته. وعندما تذبل الأرض أو تتلاشى، أو عندما يتلاشى العالم، يبقى الله من دون أي تغيير.
٢. لِأَنَّهُمْ تَعَدَّوْا ٱلشَّرَائِعَ: التعدّي هو تجاوز الحد الذي وضعه الله. لقد وضع الله حدودًا لنا، لكن كثيرين منا لا يريدون حدود الله أو يحترمونها.
• التعدي هو روح عصرنا. وقد رأينا هذا في شعارات الحملات الإعلانية الوطنية في العقود السابقة: لا توجد محرمات… اكسروا كل القواعد… لا تعترفوا بحدود…استرخِ: لا توجد قواعد هنا… أزِل الموانع… جد طريقك الخاص… نحن كلنا أتباع مذهب المتعة، ونحن نفعل ما يجعلنا نحس بالرضا… هذا هو ما يجعلنا بشرًا… افعل ذلك فحسب. والفكرة ثابتة: لست ملزمًا باحترام حدود الله، لأنك تستطيع أن تصنع حدودك الخاصة وتحيا بموجبها.
٣. غَيَّرُوا ٱلْفَرِيضَةَ: الكلمة العبرية المترجمة إلى فريضة هي ’توراة.‘ وهي غالبًا ما تعني شريعة الرب وكلمة الله. وقد صار الجنس البشري ناضجًا للدينونة لأننا غيّرنا كلمة الله إلى شيء “أخف” و”أكثر مقبولية.”
• غيَّرَ الجنس البشري شريعة الله بمعنى تغيُّر القانون الأخلاقي الأساسي الذي أقرّ به الناس وعاشوا بموجبه لقرون. إذ كان معترفًا ذات يوم بشكل شمولي أن من الخطأ أن نكذب، وأن من الخطأ أن نغش، وأن من الخطأ أن نكون منحلّين جنسيًّا، ومن الخطأ أن نفعل أشياء أخرى شريرة. لكن هذه الأمور صارت مقبولة، بل يُحتفى بها! لقد غيّرنا فريضة الرب ونحن ناضجون للدينونة.
• غيّر الجنس البشري كلمة الله باللجوء إلى بدائل، أو بتحويلها إلى شيء أكثر ملاءمة لذوقه. ففي كل مرة يخفف واعظ رسالة الإنجيل، وفي كل مرة يلوي سياسي كلمة الله لكي يصعد في استطلاعات الرأي، وفي كل مرة يلوي فيها مرشد نص كلمة الله ليجعلها ملائمة لنظرية سيكولوجية مجنونة، فإنهم جميعًا يغيّرون فريضة الرب، وهم ناضجون للدينونة.
٤. نَكَثُوا ٱلْعَهْدَ ٱلْأَبَدِيَّ: لقد دخل الله في عهد مع الإنسان، فأدار الإنسان ظهره لهذا العهد. وبدلًا من أن يقبل عهد الله الأبدي، فإنه يريد أن يشق طريقه الخاص مع الله.
• لا يوجد عهد واحد دون غيره يُعرف بالعهد الأبدي، حيث يُطبّق هذا التعبير على عدة عهود مختلفة.
يُدعى العهد الذي قطعه الله مع الجنس البشري بعد الطوفان (بأن لا يغرق العالم بالماء كدينونة مرة أخرى) عهدًا أبديًّا (تكوين ٩: ١٦).
يُدعى العهد الذي قطعه الله مع إبراهيم ونسله عهدًا أبديًّا (تكوين ١٧: ٧، ١٣، ١٩).
يُدعى العهد الذي قطعه الله مع إسرائيل والكهنة عهدًا أبديًّا (لاويين ٢٤: ٨).
يُدعى العهد الذي قطعه الله مع داود بأن يجعل المسيّا من نسله عهدًا أبديًّا (٢ صموئيل ٢٣: ٥).
يُدعى العهد الجديد نبويًّا (إرميا ٣٢: ٤) وبعد تأسيسه أيضًا ’عهدًا أبديًا‘ (عبرانيين ١٣: ٢٠).
٥. لِذَلِكَ لَعْنَةٌ أَكَلَتِ ٱلْأَرْضَ: هنالك سبب لهذه اللعنة. إذ سيجلب رفض الإنسان المتقسّي المتكرر لله دينونة نهائية، وهي الضيقة العظيمة.
• “لقد تعدّى الإنسان الشرائع، وخرق الفرائض، ونكث العهد. اقرأ ما كتبه بولس في رومية ١: ١٨-٣٢ للحصول على تفسير لهذه الكلمات.” مورجان (Morgan)
• “هذا هو تفسير كل مرض، وكل جنون، وكل هدر، وكل فوضى، وكل نزاع، وكل تعاسة في التاريخ البشري والخبرة الإنسانية. فالجنس (البشري) الملوث يلوث الأرض، والفوضى هي النتيجة.” مورجان (Morgan)
ج) الآيات (٧-١٣): مشهد الدينونة
٧نَاحَ الْمِسْطَارُ، ذَبُلَتِ الْكَرْمَةُ، أَنَّ كُلُّ مَسْرُورِي الْقُلُوبِ. ٨بَطَلَ فَرَحُ الدُّفُوفِ، انْقَطَعَ ضَجِيجُ الْمُبْتَهِجِينَ، بَطَلَ فَرَحُ الْعُودِ. ٩لاَ يَشْرَبُونَ خَمْرًا بِالْغِنَاءِ. يَكُونُ الْمُسْكِرُ مُرًّا لِشَارِبِيهِ. ١٠دُمِّرَتْ قَرْيَةُ الْخَرَابِ. أُغْلِقَ كُلُّ بَيْتٍ عَنِ الدُّخُولِ. ١١صُرَاخٌ عَلَى الْخَمْرِ فِي الأَزِقَّةِ. غَرَبَ كُلُّ فَرَحٍ. انْتَفَى سُرُورُ الأَرْضِ. ١٢اَلْبَاقِي فِي الْمَدِينَةِ خَرَابٌ، وَضُرِبَ الْبَابُ رَدْمًا. ١٣إِنَّهُ هكَذَا يَكُونُ فِي وَسَطِ الأَرْضِ بَيْنَ الشُّعُوبِ كَنُفَاضَةِ زَيْتُونَةٍ، كَالْخُصَاصَةِ إِذِ انْتَهَى الْقِطَافُ.
١. أَنَّ كُلُّ مَسْرُورِي ٱلْقُلُوبِ: عندما يجلب الرب دينونة الضيقة العظيمة، لن يكون هنالك حفلات ومرح كالمعتاد. فحفلات الأكل والشراب والزواج (متى ٢٤: ٣٨) هي قبل الضيقة العظيمة. وعندما تأتي، ينقطع كل فرح (ٱنْقَطَعَ ضَجِيجُ ٱلْمُبْتَهِجِينَ، بَطَلَ فَرَحُ ٱلْعُودِ).
٢. اَلْبَاقِي فِي ٱلْمَدِينَةِ خَرَابٌ، وَضُرِبَ ٱلْبَابُ رَدْمًا: ستجلب دينونة الله دمارًا في كل مكان أثناء الضيقة العظيمة. وستكون الدينونة تامّة كزيتونة جرداء (كَنُفَاضَةِ زَيْتُونَةٍ) وكرمة نُزع منها كل شيء (كَٱلْخُصَاصَةِ إِذِ ٱنْتَهَى ٱلْقِطَافُ).
د ) الآيات (١٤-١٦): مجد الله وويل الإنسان
١٤هُمْ يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ وَيَتَرَنَّمُونَ. لأَجْلِ عَظَمَةِ الرَّبِّ يُصَوِّتُونَ مِنَ الْبَحْرِ. ١٥لِذلِكَ فِي الْمَشَارِقِ مَجِّدُوا الرَّبَّ. فِي جَزَائِرِ الْبَحْرِ مَجِّدُوا اسْمَ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ. ١٦مِنْ أَطْرَافِ الأَرْضِ سَمِعْنَا تَرْنِيمَةً: «مَجْدًا لِلْبَارِّ». فَقُلْتُ: «يَا تَلَفِي، يَا تَلَفِي! وَيْلٌ لِي! النَّاهِبُونَ نَهَبُوا. النَّاهِبُونَ نَهَبُوا نَهْبًا».
١. هُمْ يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ وَيَتَرَنَّمُونَ: حتى في وسط الدينونة العظيمة، فإن لله خاصته التي تحمده وتسبّحه. وسيرفع الله كل شعبه قبل الضيقة العظيمة، لكن كثيرين سيؤمنون بيسوع في الضيقة العظيمة، وسيمجدونه في وسط الدينونة (رؤيا ٧: ٩-١٤).
٢. مَجْدًا لِلْبَارِّ: سيحمدون الله ويسبحونه حتى في دينوناته، أو بشكل خاص في دينوناته، لأنه يُظهر من خلالها جلاله ومجده. ويرى الأتقياء صلاح الرب وعظمته ومجده حتى في الدينونة، رغم الذين ينهبون ويغشون (ٱلنَّاهِبُونَ نَهَبُوا. ٱلنَّاهِبُونَ نَهَبُوا نَهْبًا).
ثانيًا. طبيعة دينونة الله
أ ) الآيات (١٧-١٨): ستكتمل دينونة الرب
١٧عَلَيْكَ رُعْبٌ وَحُفْرَةٌ وَفَخٌّ يَا سَاكِنَ الأَرْضِ. ١٨وَيَكُونُ أَنَّ الْهَارِبَ مِنْ صَوْتِ الرُّعْبِ يَسْقُطُ فِي الْحُفْرَةِ، وَالصَّاعِدَ مِنْ وَسَطِ الْحُفْرَةِ يُؤْخَذُ بِالْفَخِّ. لأَنَّ مَيَازِيبَ مِنَ الْعَلاَءِ انْفَتَحَتْ، وَأُسُسَ الأَرْضِ تَزَلْزَلَتْ.
١. يَا سَاكِنَ ٱلْأَرْضِ: يشير سفر الرؤيا الذي يتكلم عن هذه الفترة من الضيقة العظيمة بشكل دائم إلى ساكني الأرض (رؤيا ٣: ١٠؛ ٦: ١٠؛ ١١: ١٠؛ ١٣: ١٢؛ ١٣: ١٤). ويأتي هذا بالمقابلة مع ساكني السماء (رؤيا ١٣: ٦) الجالسين مع يسوع في السماويات (أفسس ٢: ٦).
• من العدل أن يسأل كل تلميذ ليسوع نفسه هذا السؤال: أين تجلس؟ أين تسكن؟ أأنت من سكان الأرض أم أنك تجلس مع يسوع في السماويات؟
٢. ٱلرُّعْبِ… ٱلْحُفْرَةِ… ٱلْفَخِّ: لا مفر من دينونة الرب. إن نجوت من الخوف، فستسقط في الحفرة. وإذا نجوت من الحفرة، فستقع في الفخ. فلدى دينونة الله خطط احتياطية كافية للإيقاع بالجميع. والطريقة الوحيدة للنجاة من دينونة الله هي إرضاؤها. والمكان الوحيد الذي تم فيه إرضاء دينونة الله هو على الصليب.
• “هذه الصور مأخوذة من الطرق المختلفة لصيد الوحوش البرية وأسرها. وهي طرق استُخدمت قديمًا.” كلارك (Clarke)
ب) الآيات (١٩-٢٠): شدة دينونة الرب تؤثر في كل شيء.
١٩اِنْسَحَقَتِ الأَرْضُ انْسِحَاقًا. تَشَقَّقَتِ الأَرْضُ تَشَقُّقًا. تَزَعْزَعَتِ الأَرْضُ تَزَعْزُعًا. ٢٠تَرَنَّحَتِ الأَرْضُ تَرَنُّحًا كَالسَّكْرَانِ، وَتَدَلْدَلَتْ كَالْعِرْزَالِ، وَثَقُلَ عَلَيْهَا ذَنْبُهَا، فَسَقَطَتْ وَلاَ تَعُودُ تَقُومُ.
١. اِنْسَحَقَتِ ٱلْأَرْضُ ٱنْسِحَاقًا. تَشَقَّقَتِ ٱلْأَرْضُ تَشَقُّقًا: يصف الكتاب المقدس بعض هذه الدينونة أثناء الضيقة العظمى (رؤيا ٦: ١٣-١٤)، وتذْكر على نحو خاص أنه “حَدَثَتْ زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ، لَمْ يَحْدُثْ مِثْلُهَا مُنْذُ صَارَ ٱلنَّاسُ عَلَى ٱلْأَرْضِ، زَلْزَلَةٌ بِمِقْدَارِهَا عَظِيمَةٌ هَكَذَا” (رؤيا ١٦: ١٨). فلا عجب أن إشعياء يقول: تَرَنَّحَتِ ٱلْأَرْضُ تَرَنُّحًا كَٱلسَّكْرَانِ.
ج) الآيات (٢١-٢٣): دينونة الرب تصيب كل شيء.
٢١وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ الرَّبَّ يُطَالِبُ جُنْدَ الْعَلاَءِ فِي الْعَلاَءِ، وَمُلُوكَ الأَرْضِ عَلَى الأَرْضِ. ٢٢وَيُجْمَعُونَ جَمْعًا كَأَسَارَى فِي سِجْنٍ، وَيُغْلَقُ عَلَيْهِمْ فِي حَبْسٍ، ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ يَتَعَهَّدُونَ. ٢٣وَيَخْجَلُ الْقَمَرُ وَتُخْزَى الشَّمْسُ، لأَنَّ رَبَّ الْجُنُودِ قَدْ مَلَكَ فِي جَبَلِ صِهْيَوْنَ وَفِي أُورُشَلِيمَ، وَقُدَّامَ شُيُوخِهِ مَجْدٌ.
١. أَنَّ ٱلرَّبَّ يُطَالِبُ جُنْدَ ٱلْعَلَاءِ فِي ٱلْعَلَاءِ (يعاقب المتعالين والمتعظمين): إن أحد جوانب الحياة الأكثر إحباطًا هو رؤية الأغنياء والأقوياء والأشرار وهم يفلتون من عواقب خطاياهم الحالية. لكن في دينونة الله العظيمة، لن يتمكن أحد من شراء محام باهظ الثمن للإفلات من الدينونة، أو رشوة سياسي ليخرج من دون أذى.
• يرجَّح أن إشعياء يتحدث عن شيء أعلى من المعظّمين أو المتعالين في هذه الأرض. إذ يعتقد وولف (Wolf) وبولتيما (Bultema) أن تعبير “جُنْدَ ٱلْعَلَاءِ” يشير إلى الملائكة المتمردين في نهاية الدهر، وهم المحبوسون في الهاوية حتى التمرد النهائي في الألفية (رؤيا ٢٠: ١-١٠). وهنالك ترجمة للكتاب المقدس تترجم هذا التعبير إلى “القوى فوق في السماء.”
٢. وَمُلُوكَ ٱلْأَرْضِ عَلَى ٱلْأَرْضِ. وَيُجْمَعُونَ جَمْعًا كَأَسَارَى فِي سِجْنٍ: تحت دينونة الله العظيمة النهائية، لن تشتري لهم مكانتهم على هذه الأرض شيئًا. ويقول إشعياء بشكل شعري مجازي إنه “يَخْجَلُ ٱلْقَمَرُ وَتُخْزَى ٱلشَّمْسُ.” ولن تساعد أية درجة من العظمة الأرضية الإنسان في ذلك اليوم. ولن تساعد أية درجة من العظمة السماوية أي كائن من الملائكة في ذلك اليوم.
• “يبدو أن الصورة مأخوذة من ممارسة الملوك العظماء في ذلك الزمان الذين يُلقون بأسراهم في الزنزانة لا يكلفون أنفسهم عناء السؤال عنهم بعد ذلك. لكن دعهم يعيشون في هذه الكذبة وهذه الحالة البائسة لوقت طويل، محرومين تمامًا من الراحة، ومُهمَلين.” كلارك (Clarke)
٣. لِأَنَّ رَبَّ ٱلْجُنُودِ قَدْ مَلَكَ فِي جَبَلِ صِهْيَوْنَ وَفِي أُورُشَلِيمَ، وَقُدَّامَ شُيُوخِهِ مَجْدٌ: في نهاية الضيقة العظيمة، سيبدأ الله ألف سنة من الحكم المجيد على كل الأرض من جبل صهيون في أورشليم. وليس قصد الله في الدينونة انتعاشًا أو اقتصاصًا بسيطًا، بل أن يجلب عالمًا جديدًا مجيدًا.