سفر إرميا – الإصحاح ٣٣
وعود من السجن
أولًا. من الدمار إلى الاسترداد
أ ) الآيات (١-٣): عظائم وعوائص
١ثُمَّ صَارَتْ كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا ثَانِيَةً وَهُوَ مَحْبُوسٌ بَعْدُ فِي دَارِ ٱلسِّجْنِ قَائِلَةً: ٢”هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ صَانِعُهَا، ٱلرَّبُّ مُصَوِّرُهَا لِيُثَبِّتَهَا، يَهْوَهُ ٱسْمُهُ: ٣اُدْعُنِي فَأُجِيبَكَ وَأُخْبِرَكَ بِعَظَائِمَ وَعَوَائِصَ لَمْ تَعْرِفْهَا.”
١. وَهُوَ مَحْبُوسٌ بَعْدُ فِي دَارِ ٱلسِّجْنِ: كما في إرميا ٣٢، جاءت هذه الكلمة إلى إرميا أثناء الحصار الأخير الرهيب للبابليين على أورشليم في السنوات الأخيرة من حكم صدقيا. وقد وضع صدقيا إرميا في السجن الملكي لأنه كان يكرز باسم الرب أن البابليين سينجحون (إرميا ٣٢: ١-٥).
٢. هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ صَانِعُهَا، ٱلرَّبُّ مُصَوِّرُهَا لِيُثَبِّتَهَا: هنالك تشديد قوي على اسم الرب (يهوه)، حيث يؤكد اسم الله هذا علاقته العهدية بإسرائيل. وسيتكلم الرب عن أمانته للعهد.
٣. اُدْعُنِي فَأُجِيبَكَ وَأُخْبِرَكَ بِعَظَائِمَ وَعَوَائِصَ لَمْ تَعْرِفْهَا: دعا الله إرميا وكل من يسمع إلى أن يأتوا إليه في صلاة ممتلئة بالإيمان، واثقين ياستجابته. وهذا الوعد مذهل بالنظر إلى الظروف المحيطة، وهو تحمُّل رعب الحصار والتحقيق الوشيك للدينونة الموعودة. فعندما كانت الدينونة على الأبواب، قدّم الله كلمة رجاء ودعوة وإيمان لإرميا وأورشليم.
• “يصرخ الرب علينا، ’ادعُني، ادعُني.‘ صلاة صغيرة، بركة صغيرة؛ مزيد من الصلوات، مزيد من البركات؛ صلوات كثيرة، بركات كثيرة.” ماير (Meyer)
• عوائص: “تعني كلمة عوائص Besurot في العادة ’أشياء خفية،‘ أشياء لا يمكن الوصول إليها. وهي تعني هنا ما هو أبعد من متناول المعرفة البشرية.” هاريسون (Harrison)
• “الأشياء التي سيُعلن عنها غير قابلة للفحص أو الاستقصاء. إنها Basur وهي تعني حرفيًّا ’ما لا يمكن الوصول إليه،‘ لأنها خارج متناول المعرفة البشرية. ويُستخدم هذا النعت للإشارة إلى المدن المحصنة بقوة في تثنية ٢٨:١. وهنا تشير إلى أمور أبعد من البصيرة البشرية حتى إنها تتطلب وحيًا إلهيًّا.” فينبيرغ (Feinberg)
ب) الآيات (٤-٩): استرداد مدينة مخرّبة
٤لِأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ عَنْ بُيُوتِ هَذِهِ ٱلْمَدِينَةِ وَعَنْ بُيُوتِ مُلُوكِ يَهُوذَا ٱلَّتِي هُدِمَتْ لِلْمَتَارِيسِ وَٱلْمَجَانِيقِ: ٥يَأْتُونَ لِيُحَارِبُوا ٱلْكَلْدَانِيِّينَ وَيَمْلَأُوهَا مِنْ جِيَفِ ٱلنَّاسِ ٱلَّذِينَ ضَرَبْتُهُمْ بِغَضَبِي وَغَيْظِي، وَٱلَّذِينَ سَتَرْتُ وَجْهِي عَنْ هَذِهِ ٱلْمَدِينَةِ لِأَجْلِ كُلِّ شَرِّهِمْ. ٦هَأَنَذَا أَضَعُ عَلَيْهَا رِفَادَةً وَعِلَاجًا، وَأَشْفِيهِمْ وَأُعْلِنُ لَهُمْ كَثْرَةَ ٱلسَّلَامِ وَٱلْأَمَانَةِ. ٧وَأَرُدُّ سَبْيَ يَهُوذَا وَسَبْيَ إِسْرَائِيلَ وَأَبْنِيهِمْ كَٱلْأَوَّلِ. ٨وَأُطَهِّرُهُمْ مِنْ كُلِّ إِثْمِهِمِ ٱلَّذِي أَخْطَأُوا بِهِ إِلَيَّ، وَأَغْفِرُ كُلَّ ذُنُوبِهِمِ ٱلَّتِي أَخْطَأُوا بِهَا إِلَيَّ، وَٱلَّتِي عَصَوْا بِهَا عَلَيَّ. ٩فَتَكُونُ لِيَ ٱسْمَ فَرَحٍ لِلتَّسْبِيحِ وَلِلزِّينَةِ لَدَى كُلِّ أُمَمِ ٱلْأَرْضِ، ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ بِكُلِّ ٱلْخَيْرِ ٱلَّذِي أَصْنَعُهُ مَعَهُمْ، فَيَخَافُونَ وَيَرْتَعِدُونَ مِنْ أَجْلِ كُلِّ ٱلْخَيْرِ وَمِنْ أَجْلِ كُلِّ ٱلسَّلَامِ ٱلَّذِي أَصْنَعُهُ لَهَا.
١. عَنْ بُيُوتِ هَذِهِ ٱلْمَدِينَةِ وَعَنْ بُيُوتِ مُلُوكِ يَهُوذَا ٱلَّتِي هُدِمَتْ لِلْمَتَارِيسِ (للتحصين): تكلم الله وعيناه على البيوت في أورشليم، والتي تحولت إلى أنقاض الآن بعد تفكيكها للقيام بأعمال دفاعية ضد البابليين الغزاة. فكان هذا مشهدًا مؤلمًا ومحبطًا، لكنه لم يسلب حقيقة وعد الله بالاسترداد.
٢. يَأْتُونَ لِيُحَارِبُوا ٱلْكَلْدَانِيِّينَ وَيَمْلَأُوهَا مِنْ جِيَفِ ٱلنَّاسِ: بذلوا جهدًا كبيرًا وأشخاصًا كثيرين في الدفاع عن المدينة، لكن هذا كله لن يسفر عن شيء. فكان عليهم أن يصغوا إلى كلمة الرب السابقة التي أعلنت حتمية دينونته من خلال البابليين.
٣. هَأَنَذَا أَضَعُ عَلَيْهَا رِفَادَةً (صحة) وَعِلَاجًا (شفاء): امتلأت أورشليم دمارًا وموتًا. ورغم هذا، وعد الله لهذه المدينة بجلب الصحة والشفاء، وَأُعْلِنُ لَهُمْ كَثْرَةَ ٱلسَّلَامِ وَٱلْأَمَانَةِ (الحق). وتصاغ الوعود بطرق تشمل الاسترداد القريب بقيادة عزرا ونحميا، لكنها لا تتحقق حقًّا إلا في العهد الجديد.
• وَأَرُدُّ سَبْيَ يَهُوذَا وَسَبْيَ إِسْرَائِيلَ: بموجب العهد الجديد، سيجمع الله ذات يوم شعبه المشتت من المملكتين الشمالية والجنوبية.
• وَأُطَهِّرُهُمْ مِنْ كُلِّ إِثْمِهِمِ: لن يمنح الله، بموجب العهد الجديد، غفرانًا للخطايا فحسب، بل ستُنتزع نهائيًّا.
• فَتَكُونُ لِيَ ٱسْمَ فَرَحٍ لِلتَّسْبِيحِ وَلِلزِّينَةِ: بموجب العهد الجديد، سيجلب الله مثل هذه العلاقة المستردة التي ستكرمه إسرائيل من خلالها، بدلًا من أن تهين اسمه.
“يتم الآن الكشف عن العظائم والعوائص. إذ سيجلب الرب شفاء، وسلامًا، وأمنًا، واستردادًا، وتطهيرًا، وغفرانًا.” ثومبسون (Thompson)
وَأُطَهِّرُهُمْ… وَأَغْفِرُ: “يزيل التطهير الذنب، والتلوث، والنجاسة أخلاقيًّا. ويعيد المُسيء إلى علاقة الرضا والشركة. فالله لا يغفر للنفوس الملوّثة. فهو يطهرها أولًا. وأما الصفح بمنأى عن نقل الطهارة، فيُديم التلوث، وبهذا ينتهك النظام الأخلاقي الذي لا علاج له.” مورجان (Morgan)
٤. فَيَخَافُونَ وَيَرْتَعِدُونَ مِنْ أَجْلِ كُلِّ ٱلْخَيْرِ وَمِنْ أَجْلِ كُلِّ ٱلسَّلَامِ ٱلَّذِي أَصْنَعُهُ لَهَا: التباين مذهل. ففي الوقت الذي أعلن فيه إرميا النبوة، كان شعب الله ممتلئين خوفًا وارتعادًا بسبب الدمار والموت. وهنا سيخافون ويرتعدون بسبب عظمة بركة الله في استرداده لشعبه.
ج) الآيات (١٠-١١): صوت الفرح
١٠هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: سَيُسْمَعُ بَعْدُ فِي هَذَا ٱلْمَوْضِعِ ٱلَّذِي تَقُولُونَ إِنَّهُ خَرِبٌ بِلَا إِنْسَانٍ وَبِلَا حَيَوَانٍ، فِي مُدُنِ يَهُوذَا، وَفِي شَوَارِعِ أُورُشَلِيمَ ٱلْخَرِبَةِ بِلَا إِنْسَانٍ وَلَا سَاكِنٍ وَلَا بَهِيمَةٍ، ١١صَوْتُ ٱلطَّرَبِ وَصَوْتُ ٱلْفَرَحِ، صَوْتُ ٱلْعَرِيسِ وَصَوْتُ ٱلْعَرُوسِ، صَوْتُ ٱلْقَائِلِينَ: ٱحْمَدُوا رَبَّ ٱلْجُنُودِ لِأَنَّ ٱلرَّبَّ صَالِحٌ، لِأَنَّ إِلَى ٱلْأَبَدِ رَحْمَتَهُ. صَوْتُ ٱلَّذِينَ يَأْتُونَ بِذَبِيحَةِ ٱلشُّكْرِ إِلَى بَيْتِ ٱلرَّبِّ، لِأَنِّي أَرُدُّ سَبْيَ ٱلْأَرْضِ كَٱلْأَوَّلِ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ.
١. سَيُسْمَعُ بَعْدُ فِي هَذَا ٱلْمَوْضِعِ: كانت أصوات مدينة أورشليم تحت الحصار رهيبة. إذ يستطيع المرء أن يتخيل الصرخات البائسة، والبكاء، والتأوهات، وصوت الانهيارات والدمار. وستُستبدَل هذه الأصوات الرهيبة في نهاية الأمر بهدوء رهيب، عندما تصبح أورشليم مقفرة بلا ساكن أو حيوان فيها. ووعد الله بأن تأتي أصوات أفضل.
٢. صَوْتُ ٱلطَّرَبِ وَصَوْتُ ٱلْفَرَحِ: بدلًا من أن تمتلئ أورشليم بالأصوات الرهيبة أو الهدوء الرهيب، ستمتلئ المدينة عند استردادها بالأصوات السعيدة كشعب مبارَك ومزدهر. وسيكون الصوت مثل ذاك الصادر عن أجمل حفلة، حفلة عرس، حيث يُسمَع فيها صَوْتُ ٱلْعَرِيسِ وَصَوْتُ ٱلْعَرُوسِ.
• “ستُسمع أصوات الفرح وأصوات العريس والعروس ثانية في تناقض لكلمات الدينونة في ٧: ٣٤، و١٦: ٩، و٢٥: ١٠.” ثومبسون (Thompson)
٣. ٱحْمَدُوا رَبَّ ٱلْجُنُودِ لِأَنَّ ٱلرَّبَّ صَالِحٌ: بدلًا من صرخات المدينة المعذبة تحت الدينونة، ستُسمع أصوات الشعب وهم يسبّحون الله على صلاحه ورحمته الدائمة.
• “لن يميّز الفرح والبهجة علاقات شعب الله فحسب، بل عبادتهم في الهيكل أيضًا. كانت تُستخدم كلمات الطقوس الجماعية من قبل المرنمين اللاويين في خدمة الهيكل (مزمور ١٠٦: ١). ويبيّن هذا أن الهيكل سيعاد بناؤه، وستُستأنف الخدمة فيه كما كانت قبل السبي.” فينبيرغ (Feinberg)
د ) الآيات (١٢-١٣): المدى الرائع للاسترداد
١٢هَكَذَا قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ: سَيَكُونُ بَعْدُ فِي هَذَا ٱلْمَوْضِعِ ٱلْخَرِبِ بِلَا إِنْسَانٍ وَلَا بَهِيمَةٍ وَفِي كُلِّ مُدُنِهِ، مَسْكَنُ ٱلرُّعَاةِ ٱلْمُرْبِضِينَ ٱلْغَنَمَ. ١٣فِي مُدُنِ ٱلْجَبَلِ وَمُدُنِ ٱلسَّهْلِ وَمُدُنِ ٱلْجَنُوبِ، وَفِي أَرْضِ بِنْيَامِينَ وَحَوَالَيْ أُورُشَلِيمَ، وَفِي مُدُنِ يَهُوذَا، تَمُرُّ أَيْضًا ٱلْغَنَمُ تَحْتَ يَدَيِ ٱلْمُحْصِي، يَقُولُ ٱلرَّبُّ.
١. سَيَكُونُ بَعْدُ … مَسْكَنُ ٱلرُّعَاةِ ٱلْمُرْبِضِينَ ٱلْغَنَمَ: بدلًا من الفوضى واليأس من مدينة تحت الحصار، سيكون هنالك سلام وخير للمدينة المُسترَدّة.
٢. فِي مُدُنِ ٱلْجَبَلِ وَمُدُنِ ٱلسَّهْلِ: وصف الله المناطق الجغرافية المختلفة لأرض إسرائيل، موضحًا أن الاسترداد الموعود سيمتد إلى كل المناطق. فلن يقتصر على أورشليم فحسب، بل سيمتد إلى بقية البلد كلها.
• تَحْتَ يَدَيِ ٱلْمُحْصِي: “من الغريب أن الترجوم يقدّم تفسيرًا مسيّانيًّا هنا. فهو يستبدل كلمة ’المحصي‘ بكلمة ’المسيّا‘.” فينبيرغ (Feinberg)
• “ربما لمس كل واحد عبر المدخل.” ثومبسون (Thompson)
هـ) الآيات (١٤-١٨): يقين الوعد لبيت داود
١٤هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَأُقِيمُ ٱلْكَلِمَةَ ٱلصَّالِحَةَ ٱلَّتِي تَكَلَّمْتُ بِهَا إِلَى بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَإِلَى بَيْتِ يَهُوذَا. ١٥فِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ وَفِي ذَلِكَ ٱلزَّمَانِ أُنْبِتُ لِدَاوُدَ غُصْنَ ٱلْبِرِّ، فَيُجْرِي عَدْلًا وَبِرًّا فِي ٱلْأَرْضِ. ١٦فِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ يَخْلُصُ يَهُوذَا، وَتَسْكُنُ أُورُشَلِيمُ آمِنَةً، وَهَذَا مَا تَتَسَمَّى بِهِ: ٱلرَّبُّ بِرُّنَا. ١٧لِأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: لَا يَنْقَطِعُ لِدَاوُدَ إِنْسَانٌ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ. ١٨وَلَا يَنْقَطِعُ لِلْكَهَنَةِ ٱللَّاوِيِّينَ إِنْسَانٌ مِنْ أَمَامِي يُصْعِدُ مُحْرَقَةً، وَيُحْرِقُ تَقْدِمَةً، وَيُهَيِّيءُ ذَبِيحَةً كُلَّ ٱلْأَيَّامِ.
١. وَأُقِيمُ ٱلْكَلِمَةَ ٱلصَّالِحَةَ ٱلَّتِي تَكَلَّمْتُ بِهَا: كانت وعود الاسترداد هذه – والتي تحققت جزئيًّا بقيادة عزرا ونحميا، وستتحقق بشكل كامل مع اكتمال العهد الجديد – تباينًا صارخًا مع حالة الدمار الحالية في يهوذا وأورشليم. ويكررها الله هنا لغرض التوكيد والتشديد.
• “هذا النص الجميل (الآيات ١٤-٢٦) غير موجود في الترجمة السبعينية، ولهذا خضع لتعليقات كثيرة لمفسرين كثيرين.” فينبيرغ (Feinberg)
٢. وَفِي ذَلِكَ ٱلزَّمَانِ أُنْبِتُ لِدَاوُدَ غُصْنَ ٱلْبِرِّ: في سياق وعود العهد الجديد، وعد الله بأن يكون فرع من نسل داود غصن البر (كما في ٤: ٢، و١١: ١، إرميا ٢٣: ٥).
• “لا يكشف إرميا عن مجيء المسيّا بقدر ما يكشفه إشعياء. ومع ذلك، فإنه يقدم لمحات عنه بصفته ينبوع الحياة الحية (إرميا ٢: ١٣)، والراعي الصالح (إرميا ٢٣: ٤؛ ٣١: ١٠)، والغصن البار (٢٣: ٥)، والفادي (٥٠: ٣٤)، والرب برنا (٢٣: ٦)، وداود الملك (٣٠: ٩).” هاريسون (Harrison)
٣. فَيُجْرِي عَدْلًا وَبِرًّا فِي ٱلْأَرْضِ: ستتحقق وعود الاسترداد العظيمة والبركة عند اكتمال العهد الجديد من خلال إنسان معيّن، غصن البر، والذي سيكون من نسل داود. ولن يملك على أورشليم ويهوذا فحسب، بل على الأرض كلها أيضًا، جالبًا الدينونة والبر.
٤. وَهَذَا مَا تَتَسَمَّى بِهِ: ٱلرَّبُّ بِرُّنَا: سيكون هذا لقب أورشليم المستردة تحت المسيّا، غصن البر من نسل داود. ولن تكون مكانًا بعد للعبادة الوثنية، والتمرد، والخزي، والدمار الذي أتى من كل هذه. بل ستكون مدينة وشعبًا وجدا البر حقًّا في الرب.
• الخلاص والأمان محفوظان ليهوذا وأورشليم بفضل وجود العدل والبر مُشَخَّصين. ويعطى هذا الاسم المعطى للمسيا في إرميا ٦: ٢٣ لأورشليم هنا أيضًا. إذ يمكنها أن تحمل هذا الاسم أو اللقب الذي يحمله المسيا نفسه، لأنها تعكس البر الذي يمنحه لها.” فينبيرغ (Feinberg)
• “غير أنه لا حاجة إلى ترميز اسم المدينة كما لو أنها كنيسة العهد الجديد. فعلى أي أساس يمكن تبرير نقل مثل هذا المفهوم هنا؟ سيُطلق اسمه على أورشليم لأنها ستشترك في طبيعته التي مُتحت لها بكرم منه.” فينبيرغ (Feinberg)
ثانيًا. الطبيعة الدائمة لعهد الله
أ ) الآيات (١٩-٢٢): العهد المقطوع لداود يقيني مثل النهار والليل
١٩ثُمَّ صَارَتْ كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا قَائِلَةً: ٢٠«هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: إِنْ نَقَضْتُمْ عَهْدِي مَعَ ٱلنَّهَارِ، وَعَهْدِي مَعَ ٱللَّيْلِ حَتَّى لَا يَكُونَ نَهَارٌ وَلَا لَيْلٌ فِي وَقْتِهِمَا، ٢١فَإِنَّ عَهْدِي أَيْضًا مَعَ دَاوُدَ عَبْدِي يُنْقَضُ، فَلَا يَكُونُ لَهُ ٱبْنٌ مَالِكًا عَلَى كُرْسِيِّهِ، وَمَعَ ٱللَّاوِيِّينَ ٱلْكَهَنَةِ خَادِمِيَّ. ٢٢كَمَا أَنَّ جُنْدَ ٱلسَّمَاوَاتِ لَا يُعَدُّ، وَرَمْلَ ٱلْبَحْرِ لَا يُحْصَى، هَكَذَا أُكَثِّرُ نَسْلَ دَاوُدَ عَبْدِي وَٱللَّاوِيِّينَ خَادِمِيَّ.
١. إِنْ نَقَضْتُمْ عَهْدِي مَعَ ٱلنَّهَارِ، وَعَهْدِي مَعَ ٱللَّيْلِ: كان عهد الله مع داود وعدًا بجلب المسيّا الذي سيملك من نفسه (٢ صموئيل ٧: ١٢-١٦). وهو عهد يقيني مثل يقينية الليل والنهار.
٢. فَلَا يَكُونُ لَهُ ٱبْنٌ مَالِكًا عَلَى كُرْسِيِّهِ، وَمَعَ ٱللَّاوِيِّينَ ٱلْكَهَنَةِ خَادِمِيَّ: سيملك المسيّا الموعود على عرش داود، وسيملك معه كثيرون.
• “مهما كان شعب ناجحًا، لن يعد نفسه – من دون ملك وكهنوت – أفضل من الرعاع. وهنا ذروة الوعد.” كيدنر (Kidner)
• “ستكون السلالة الحاكمة الموعودة دائمة، وسيكون لها تعاقب من الكهنة اللاويين الذين يشكلون خدمة مشروعة.” هاريسون (Harrison)
• لا تدّعي هذه الكلمات استمرار حكم نسل داود وخدمة الكهنة اللاويين، بل حكمًا وخدمة لا نهاية لهما.
٣. هَكَذَا أُكَثِّرُ نَسْلَ دَاوُدَ عَبْدِي وَٱللَّاوِيِّينَ خَادِمِيَّ: وعد الله بأن يأتي خدام لا عدد لهم إلى جانب المسيّا ليكونوا من نسل داود. ويتحقق هذا في الجموع الذين ملكوا مع يسوع في ظل العهد الجديد (رؤيا ٧: ٩-١٠).
• “في ما يتعلق بتعهد الله بأنه لن يفتقر داود إلى رجل من نسله يجلس على عرش إسرائيل (إرميا ٣٣: ١٧، ٢١أ)، يمكننا أن نرى بعمق كيف أن التحقيق في المسيح يتجاوز كل التوقعات (رؤيا ١١: ١٥؛ ٢٢: ١٦). وينطبق الأمر نفسه على وعد الكهنة اللاويين، حيث إن العمل الكفاري تمّ إلى حد الكمال إلى الأبد منه، وسيستمر دورهم في تقديم ذبيحة التسبيح في الكهنوت الملكي للمؤمنين.” كيدنر (Kidner)
• “ومع ذلك، لا يحتوي نصّنا على أية عناصر خفية في تحقيقه، لكنه كما قال أ. و. سترين (A.W. Streane) يلبس ثوبًا يهوديًّا، وهو الشكل الوحيد الذي يمكن أن يقدَّم في أي معنى لأولئك الذين تسلَّموه.” كيدنر (Kidner)
• “كانت المَلَكية والكهنوت قاعدتي الثيوقراطية (الحكم الإلهي) في العهد القديم. وعندما ظهر أنهما في خطر كبير من الانقراض في أيام إرميا، نجد استمراريتهما مُصاغة في تعابير يقينية وغير قابلة للنقض.” فينبيرغ (Feinberg)
ب) الآيات (٢٣-٢٤): كلام الذين يحتقرون شعبي
٢٣ ثُمَّ صَارَتْ كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا قَائِلَةً: ٢٤«أَمَا تَرَى مَا تَكَلَّمَ بِهِ هَذَا ٱلشَّعْبُ قَائِلًا: إِنَّ ٱلْعَشِيرَتَيْنِ ٱللَّتَيْنِ ٱخْتَارَهُمَا ٱلرَّبُّ قَدْ رَفَضَهُمَا. فَقَدِ ٱحْتَقَرُوا شَعْبِي حَتَّى لَا يَكُونُوا بَعْدُ أُمَّةً أَمَامَهُمْ.”
١. إِنَّ ٱلْعَشِيرَتَيْنِ ٱللَّتَيْنِ ٱخْتَارَهُمَا ٱلرَّبُّ قَدْ رَفَضَهُمَا: إِنَّ ٱلْعَشِيرَتَيْنِ ٱللَّتَيْنِ ٱخْتَارَهُمَا ٱلرَّبُّ هما مملكة إسرائيل الشمالية ومملكة يهوذا الجنوبية. كان هنالك أشخاص (كما هو الحال الآن) يقولون إن الله اختارهم ذات يوم، إلا أنه نبذهم الآن.
٢. ٱحْتَقَرُوا شَعْبِي حَتَّى لَا يَكُونُوا بَعْدُ أُمَّةً أَمَامَهُمْ: قال الله عن أولئك الذين اعتقدوا إن إسرائيل رُفِضت من حبه أنهم احتقروا شعبه، وبالتالي أخطأوا. أنكروا أن إسرائيل استمرت كأمة، كشعب جماعي كان لدى الله خطة وقصد خاصان معهم، أمة لا أمام الله فحسب، بل أمام العالم أيضًا.
• في العهد الجديد، يمتد قصد الله إلى ما هو أبعد من إسرائيل، لكنه لا يتخلى عنها أبدًا. ويرتكب أولئك الذين يقولون إن الله نبذهم، وانتهى من العمل معهم كأمة نفس خطية احتقار شعبه.
ج) الآيات (٢٥-٢٦): تكرار الوعد
٢٥هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: إِنْ كُنْتُ لَمْ أَجْعَلْ عَهْدِي مَعَ ٱلنَّهَارِ وَٱللَّيْلِ، فَرَائِضَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلْأَرْضِ، ٢٦فَإِنِّي أَيْضًا أَرْفُضُ نَسْلَ يَعْقُوبَ وَدَاوُدَ عَبْدِي، فَلَا آخُذُ مِنْ نَسْلِهِ حُكَّامًا لِنَسْلِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، لِأَنِّي أَرُدُّ سَبْيَهُمْ وَأَرْحَمُهُمْ.
١. إِنْ كُنْتُ لَمْ أَجْعَلْ عَهْدِي مَعَ ٱلنَّهَارِ وَٱللَّيْلِ: كرر الله، لغرض التوكيد، نفس الصورة المستخدمة في إرميا ٣٣: ١٩-٢١ للتعبير عن ديمومة العهد.
• “وضع الله الشمس والقمر على طاولة المساومة. فهو يعرض هذين الجرمين السماويين كوديعة ضمان لوعده بالعهد. فإذا لم يقدّم الله ملكًا أبديًّا أو كاهنًا دائمًا، يمكنك أن تحتفظ بهما لنفسك!” رايكن (Ryken)
• “ستنهار الطبيعة تمامًا قبل أن يرجع الرب عن أقل وعد قطعه لشعبه.” فينبيرغ (Feinberg)
• “تجدر الإشارة، ولو بشكل عابر، إلى أن هذه الآيات تشكل جزءًا من أساس دراسة العلوم الحديثة. فهي تؤكد أن انتظام النهار والليل ليس نتاجًا للصدفة التطورية، بل أقام الله عهدًا مع الشمس والقمر.” رايكن (Ryken)
٢. لِنَسْلِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ: تحدث الله عن نسل إسرائيل الجيني، لا عن نسل روحي فحسب. ومرة أخرى يمتد العهد الجديد إلى العالم كله، ولا يقتصر على إسرائيل، لكنه لا يتجاهلها أو ينحّيها جانبًا.
• “كان هذا النص صعبًا على التفسير بالنسبة لمفسرين كثيرين. وهو صعب بشكل خاص لأولئك الذين لا يؤمنون بالحكم الألفي في علم الأُخرويات. وملاذهم الوحيد هو ترميز النص أو استخدام تأويل مزدوج.” فينبيرغ (Feinberg)