سفر أيوب – الإصحاح ١٤
أيوب يأخذ بالاعتبار القبر والآخرة
أولًا. رجل ضعيف وإله جبار
أ ) الآيات (١-٢): يتأمل أيوب في ضعف الإنسان.
١اَلإِنْسَانُ مَوْلُودُ الْمَرْأَةِ، قَلِيلُ الأَيَّامِ وَشَبْعَانُ تَعَبًا. ٢يَخْرُجُ كَالزَّهْرِ ثُمَّ يَنْحَسِمُ وَيَبْرَحُ كَالظِّلِّ وَلاَ يَقِفُ.
١. قَلِيلُ الأَيَّامِ وَشَبْعَانُ تَعَبًا: بعد أن ذكر فكرة ضعف البشر بشكل عام وضعفه بشكل خاص، يتوسع أيوب هنا في الفكرة. إنه يعتبر أن أيام الإنسان على هذه الأرض قصيرة وغالبًا ما تكون مُشَبْعَةً بِالتَعَب.
٢. وَيَبْرَحُ كَالظِّلِّ وَلاَ يَقِفُ: بالنظر إلى حياة الإنسان – الزائلة والضعيفة – تكهَّن أيوب أيضًا بما سيحدث للإنسان بعد هذه الحياة الزائلة التي تشبه الظل. معتبرًا أن الإنسان لن يدوم، لا يَقِفُ.
• “لم يكن أيوب يقدم جدلًا عامًا ضد القيامة. بل على العكس تمامًا، كان يقول إن الله يمكنه إن أراد، أن يُخفي أيوب في الهاوية (Sheol) حتى يمر غضبه ثم يقيمه (أيوب ١٤: ١٣).” سميك (Smick)
ب) الآيات (٣-٦): صلاة أيوب: ’أنظر كم هو ضعيف الإنسان وارحمه.‘
٣فَعَلَى مِثْلِ هذَا حَدَّقْتَ عَيْنَيْكَ، وَإِيَّايَ أَحْضَرْتَ إِلَى الْمُحَاكَمَةِ مَعَكَ. ٤مَنْ يُخْرِجُ الطَّاهِرَ مِنَ النَّجِسِ؟ لاَ أَحَدٌ! ٥إِنْ كَانَتْ أَيَّامُهُ مَحْدُودَةً، وَعَدَدُ أَشْهُرِهِ عِنْدَكَ، وَقَدْ عَيَّنْتَ أَجَلَهُ فَلاَ يَتَجَاوَزُهُ، ٦فَأَقْصِرْ عَنْهُ لِيَسْتَرِيحْ، إِلَى أَنْ يُسَرَّ كَالأَجِيرِ بِانْتِهَاءِ يَوْمِهِ.
١. فَعَلَى مِثْلِ هذَا حَدَّقْتَ عَيْنَيْكَ: طبق أيوب هنا أفكاره السابقة حول الطبيعة الزائلة والضعيفة للبشرية للصلاة من أجل حالته الخاصة. “يا الله، أنت ترى أنني أنا المتعفن. أنا الثوب الذي يأكله العث. أنا الزهرة الذابلة والظل الزائل. أُنظر إليَّ بعين الرحمة!”
٢. مَنْ يُخْرِجُ الطَّاهِرَ مِنَ النَّجِسِ؟ لاَ أَحَدٌ: أعرب أيوب بيأس عن خوفه من أن يطلب الله منه شيئًا لا يستطيع أن يكونه ولا يستطيع أن يفعله. فإن طلب الله منه طهارة كاملة قبل أن يخفف من آلامه، عندئذٍ سيعرف أيوب أنه لا يستطيع أبدًا أن يصل هذا المعيار.
• مَنْ يُخْرِجُ الطَّاهِرَ مِنَ النَّجِسِ: “أنا لا أقول، أنا طاهر، كما يدَّعي صُوفَر. لكني اعترف بأنني مخلوق نجس للغاية، وبالتالي أنا عَرضة لقضائك، إن كنت ستتعامل معي بصرامة. لكن تذكر أن حالتي ليست غَيْرُ مَأْلُوفة، بل هذه حالة كل البشر.” بوله (Poole)
٣. وَقَدْ عَيَّنْتَ أَجَلَهُ فَلاَ يَتَجَاوَزُهُ، فَأَقْصِرْ عَنْهُ لِيَسْتَرِيحْ: استمر أيوب في رسم صورة الله وهو يُسيج على الإنسان، ويقيد تحركاته. في ظل هذه الفكرة، سيكون من الأفضل أن يُبعد الله عينيه (يُقْصِر) عن الشخص المتألم لِيَسْتَرِيحْ.
ثانيًا. تأمل أيوب بما يكمُن وراء هذه الحياة
أ ) الآيات (٧-١٢): يتمعن أيوب في فكرة أن الإنسان لا يعيش بعد القبر.
٧«لأَنَّ لِلشَّجَرَةِ رَجَاءً. إِنْ قُطِعَتْ تُخْلِفْ أَيْضًا وَلاَ تُعْدَمُ خَرَاعِيبُهَا. ٨وَلَوْ قَدُمَ فِي الأَرْضِ أَصْلُهَا، وَمَاتَ فِي التُّرَابِ جِذْعُهَا، ٩فَمِنْ رَائِحَةِ الْمَاءِ تُفْرِخُ وَتُنْبِتُ فُرُوعًا كَالْغِرْسِ. ١٠أَمَّا الرَّجُلُ فَيَمُوتُ وَيَبْلَى. الإِنْسَانُ يُسْلِمُ الرُّوحَ، فَأَيْنَ هُوَ؟ ١١قَدْ تَنْفَدُ الْمِيَاهُ مِنَ الْبَحْرَةِ، وَالنَّهْرُ يَنْشَفُ وَيَجِفُّ، ١٢وَالإِنْسَانُ يَضْطَجِعُ وَلاَ يَقُومُ. لاَ يَسْتَيْقِظُونَ حَتَّى لاَ تَبْقَى السَّمَاوَاتُ، وَلاَ يَنْتَبِهُونَ مِنْ نَوْمِهِمْ.
١. لأَنَّ لِلشَّجَرَةِ رَجَاءً: لاحظ أيوب هنا أن هناك نوعًا من القيامة في عالم الأشجار والنباتات؛ حيث يمكن أن تُنبت حياة جديدة من جذع قديم.
٢. أَمَّا الرَّجُلُ فَيَمُوتُ وَيَبْلَى: وفقًا لتقدير أيوب أو فهمه، يُنهي الموت وجود الإنسان، وبعد الموت يختفي الإنسان بكل بساطة (أين هو؟) عندما فكر أيوب في الأمر، بدا كل شيء غير عادل. لماذا يجب أن يكون للشجرة رجاء في القيامة أفضل من الإنسان؟
٣. الإِنْسَانُ يَضْطَجِعُ وَلاَ يَقُومُ… وَلاَ يَنْتَبِهُونَ مِنْ نَوْمِهِمْ: نأتي إلى مكان آخر في سفر أيوب يعكس الفهم الغامض وغير المؤكد للحياة الآخرة. ويمكننا ببساطة أن نقول إن أيوب كان مخطئًا في فهمه للحياة الآخرة.
• يمكننا أن نفسر عدم معرفة أيوب بالحياة الآخرة من خلال فهم مبدأ الآية في رسالة تيموثاوس الثانية ١: ١٠ ’وَإِنَّمَا أُظْهِرَتِ الآنَ بِظُهُورِ مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي أَبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ.‘ لقد كان فهم الخلود في أوضح صوره غائمًا في العهد القديم، لكنه أكثر وضوحًا في العهد الجديد. على سبيل المثال، يمكننا أن نقول أن المسيح كان يعرف تمامًا ما كان يتحدث عنه عندما وصف الجحيم والدينونة (كما في متى ٢٥: ٤١-٤٦). لذلك نحن نعتمد على العهد الجديد لفهمنا للحياة الآخرة، أكثر بكثير من العهد القديم.
• نحن نفهم أيضًا أن هذا لا ينتقص بأي شكل من الأشكال من حقيقة الكتاب المقدس وسفر أيوب. ما هو صحيح هو أن أيوب قال هذا بالفعل وصدقه بالفعل. ويجب تقييم حقيقة البيان نفسه وفقًا لبقية الكتاب المقدس.
• تحدى الله أيوب لاحقًا وصحح تأكيداته المتغطرسة فيما يتعلق بالحياة الآخرة، مذكرًا إياه بأنه في الحقيقة لم يكن يعرف في الواقع شيئًا عن الحياة بعد الموت (أيوب ٣٨: ٢ و٣٨: ١٧).
ب) الآيات (١٣-١٧): يتوق أيوب إلى القبر ويرجو ما هو أبعد من ذلك.
١٣«لَيْتَكَ تُوارِينِي فِي الْهَاوِيَةِ، وَتُخْفِينِي إِلَى أَنْ يَنْصَرِفَ غَضَبُكَ، وَتُعَيِّنُ لِي أَجَلاً فَتَذْكُرَنِي. ١٤إِنْ مَاتَ رَجُلٌ أَفَيَحْيَا؟ كُلَّ أَيَّامِ جِهَادِي أَصْبِرُ إِلَى أَنْ يَأْتِيَ بَدَلِي. ١٥تَدْعُو فَأَنَا أُجِيبُكَ. تَشْتَاقُ إِلَى عَمَلِ يَدِكَ. ١٦أَمَّا الآنَ فَتُحْصِي خَطَوَاتِي، أَلاَ تُحَافِظُ عَلَى خَطِيَّتِي! ١٧مَعْصِيَتِي مَخْتُومٌ عَلَيْهَا فِي صُرَّةٍ، وَتُلَفِّقُ عَلَيَّ فَوْقَ إِثْمِي.
١. لَيْتَكَ تُوارِينِي فِي الْهَاوِيَةِ: لم يكن أيوب يعرف الكثير عن حالة الإنسان بعد الموت، لكنه افترض – وربما كان يأمل – أنها أفضل من بؤسه الحالي. ومع ذلك، فإن عدم يقين أيوب العام ينعكس في سؤاله: “إِنْ مَاتَ رَجُلٌ أَفَيَحْيَا؟”
• “لقد كان هذا سؤالًا كبيرًا: لكن دعونا نُذكِّر أنفسنا أنه لا توجد إجابة عليه، باستثناء الإجابة التي جاءت للإنسان من خلال يسوع المسيح وإنجيله. وكما قال بولس، إنه هو “الَّذِي أَبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ” (٢ تيموثاوس ١: ١٠). فسؤال أيوب قد أجاب عليه يسوع، بحيث لم يترك مجالًا للشك.” مورغان (Morgan)
• “نقرأ عن رجل الله الإسكتلندي التقي والمتعلم، السيد جون نوكس (John Knox)، أنه قبل موته بقليل نهض من سريره، فسأله أصدقاؤه: لماذا يريد أن يترك فراشه وهو مريض جدًا؟ أجاب، أنه قد قضى الليلة الماضية متأملًا في القيامة، وسوف يصعد الآن إلى المنبر، حتى ينقل للآخرين التعزيات التي تلقاها هو نفسه. وبالتأكيد لو كان قادرًا على فعل ما يريد، فأنا لا أعرف أي نص أكثر ملاءمة لغرضه غير كلمات أيوب هذه: ’إِنْ مَاتَ رَجُلٌ أَفَيَحْيَا؟‘” تراب (Trapp)
٢. كُلَّ أَيَّامِ جِهَادِي أَصْبِرُ إِلَى أَنْ يَأْتِيَ بَدَلِي: بحث أيوب عن التغيير (بَدَلِي) الذي كان يأمل أن يجلبه الموت، والذي سيريحه على الأقل من عذابه الحالي.
• “حتى لو أماته الله (قبل تبرئته؟) سوف ينتظر على رجاء. فاستعداده للنزول إلى الموت بالإيمان يغير أفكاره عن الهاوية (Sheol)… التي ينظر إليها الآن على أنها مكان مؤقت للاختباء… وكفترة أخرى من الانكماش والتقلص. ومع أن الصمت يسودها الآن، لكن الله سوف يسمع بعد ذلك.” أندرسن (Andersen)
• لقد شوهدت ثلاث لمحات من هذا التغيير المجيد: ١. في وجه موسى. ٢. في تجلي المسيح. ٣. في وجه استيفانوس عندما وقف أمام المجلس. مثل هذا التغيير يستحق الانتظار.
• نحن أيضًا ننتظر أن يأتي التغيير (البَدَل).
سوف نتغير إلى عديمي الفساد عند القيامة (١ كورنثوس ١٥: ٥٠-٥٣).
عندما نراه نَكُونُ مِثْلَهُ (١ يوحنا ٣: ٢).
سَيَتَغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ (فيلبي ٣: ٢١).
كان داود واثقًا من أنه سيتغير إلى ما يُشبه الله (مزمور ١٧: ١٥).
• في الوقت نفسه، هناك بعض الأشياء التي لن تتغير بالنسبة للمؤمن عندما يذهب إلى السماء.
إن هدف المؤمن وأولويته في الحياة لا يتغيران.
هوية المؤمن لا تتغير.
رفاق المؤمن لا يتغيرون كثيرًا.
٣. تَدْعُو فَأَنَا أُجِيبُكَ. تَشْتَاقُ إِلَى عَمَلِ يَدِكَ: كان أيوب هنا يأمل في أن يسترد علاقته بالله بعد الموت، حيث لم يعد يأمل حقًا في استعادتها خلال هذه الحياة.
• نرى التوتر (ربما الارتباك) لدى أيوب فيما يتعلق بالحياة الآخرة. فالقول: “تَدْعُو فَأَنَا أُجِيبُكَ. تَشْتَاقُ إِلَى عَمَلِ يَدِكَ” أكثر تفاؤلًا وإيجابية من التصريحات السابقة.
• إن فكرة أن الله يَشْتَاقُ إِلَى عَمَلِ يَدَيْهِ هي فكرة قوية. “’سوف يلهث برغبة،‘ أو ’سوف يتوق إلى عمل يديه.‘ لقد أخضع الله المخلوق للبُطل، على رجاء؛ وحدد له القيامة. والإنسان هو واحد من أنبل أعمال الله. وقد عرضه كتحفة فنية من مهاراته الإبداعية وقوته وصلاحه. لا شيء أقل من قوة عدالته كان يمكن أن يدفعه إلى تدمير عمل يديه. ولا عجب أن لديه رغبة جادة تجاه ذلك. حتى أن الله يُوصف على أنه يتوق بجدية إلى التجديد النهائي لهذا التراب النائم. فلا يستطيع، ولن يَنسى، عمل يديه.” كلارك (Clarke)
٣. أَلاَ تُحَافِظُ عَلَى خَطِيَّتِي… وَتُلَفِّقُ عَلَيَّ فَوْقَ إِثْمِي: صلى أيوب هذه الكلمات ليس فقط لأنه أراد بشدة ألا يدينه الله وفقًا للمعيار الكامل لخطاياه، ولكنه أراد أيضًا أن يسمع صُوفَر والآخرون أنه في الواقع يعرف أنه كان خاطئًا وليس كاملًا (كما اتهم صُوفَر أيوب في أيوب ١١: ٤).
• مَعْصِيَتِي مَخْتُومٌ عَلَيْهَا فِي صُرَّةٍ: “يتضمن هذا فكرتين: ١) كانت جميع تعديات أيوب معدودة. ولم يتم تجاوز أي منها. ٢) وهي مختومة في صُرَّة. بحيث لا يمكن أن يضيع أي منها. وقد خيطت هذه الصُرَّة (الأكياس) أو أُغلقت بلا اكتراث، والكلمتان توجدان في النص.” كلارك (Clark)
ج) الآيات (١٨-٢٢): ينظر أيوب إلى قوة الله غير المحدوده – وييأس.
١٨«إِنَّ الْجَبَلَ السَّاقِطَ يَنْتَثِرُ، وَالصَّخْرَ يُزَحْزَحُ مِنْ مَكَانِهِ. ١٩الْحِجَارَةُ تَبْلِيهَا الْمِيَاهُ وَتَجْرُفُ سُيُولُهَا تُرَابَ الأَرْضِ، وَكَذلِكَ أَنْتَ تُبِيدُ رَجَاءَ الإِنْسَانِ. ٢٠تَتَجَبَّرُ عَلَيْهِ أَبَدًا فَيَذْهَبُ. تُغَيِّرُ وَجْهَهُ وَتَطْرُدُهُ. ٢١يُكْرَمُ بَنُوهُ وَلاَ يَعْلَمُ، أَوْ يَصْغِرُونَ وَلاَ يَفْهَمُ بِهِمْ. ٢٢إِنَّمَا عَلَى ذَاتِهِ يَتَوَجَّعُ لَحْمُهُ وَعَلَى ذَاتِهَا تَنُوحُ نَفْسُهُ».
١. وَكَذلِكَ أَنْتَ تُبِيدُ رَجَاءَ الإِنْسَانِ: صوَّر أيوب جبلًا عظيمًا ينهار، أو طوفانًا يجرف مساحات كبيرة من الأرض. واعتبر أن هذا يوضح الطريقة التي يكتسح بها الله رَجاءَ الإنْسان. الفكرة هي أنه عندما يضع الله نفسه ضد إنسان، سيهزم الله الإنسان، وينتصر عليه، وفي النهاية يموت. (تَتَجَبَّرُ عَلَيْهِ أَبَدًا فَيَذْهَبُ).
• في تدفق أيوب الشعري في الإصحاح ١٤، وفي منتصف القصيدة يعطي ثقته المجيدة في القيامة. ولكن، تنتهي القصيدة باليأس (لذلك تُبِيدُ رَجَاءَ الإِنْسَانِ). ومع ذلك، من الخطأ الاعتقاد بأن هذا يعني أن رجاء أيوب في القيامة كان مؤقتًا أو عابرًا. ولا ينبغي أن نكون من أولئك الذين “يتوقعون من أيوب أن يستخدم المنطق الغربي في بناء خطابه بحيث يتم اتباع الحجة خطوة بخطوة حتى يتم الوصول إلى النتيجة في النهاية.” أندرسن (Andersen)
• “يمكننا رؤية قناعات المؤلف الحقيقية في منتصف القصيدة، محاطة من كل جهة بآراء متناقضة يرفضها. وتشكل الآيات ١٤-١٧ أعلى نقطة في الخطاب، وتُؤكد من جديد الإيمان الذي تم التعبير عنه بالفعل في الإصحاح ١٣، وخاصة في الآية ١٥.” أندرسن (Andersen)
٢. يُكْرَمُ بَنُوهُ وَلاَ يَعْلَمُ: إن الإنسان الذي جرفه الله بعيدًا لا يعرف الأشياء الجيدة أو السيئة التي تحدث لعائلته بعد رحيله عن هذه الحياة. أخذ أيوب بالاعتبار كيف بالأساس يبدو كل هذا غير عادل. وأنه بطريقة ما، حتى هذا الذي عَلَى ذَاتِهِ يَتَوَجَّعُ – يتوجع أيضًا بسبب عدم المعرفة مثل أي شيء آخر.
٣. وَعَلَى ذَاتِهَا تَنُوحُ نَفْسُهُ: تختتم هذه الكلمات هذا القسم بتسجيل خطاب أيوب لأصدقائه وصلواته إلى الله. ونَفْسُهُ حقًا في حداد، والكثير مما نقرأه فهو التدفق المؤلم لمشاعره.
• من السهل قراءة هذه الانفجارات العاطفية والمنطق اللاهوتي عند هذا الرجل المستقيم والكامل والتفكير في أن أيوب كان أقل روحانية مما ينبغي. لكننا نتذكر أن سفر أيوب يسجل العديد من آراء أيوب (التي وُلدت من ألم وإحباط عظيمين)، وهي آراء تم تصحيحها وتوبيخها فيما بعد (أيوب ٣٨: ٢ و٣٨: ١٧).
• يتم تذكيرنا إلى حد ما بكلمات يسوع في مرقس ٣٤:١٥ إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟ فمن ناحية، كانت هذه الكلمات وصفًا حقيقيًا ودقيقًا لمشاعر يسوع. لقد شعر بحق أن الله الآب قد تخلى عنه في تلك اللحظة. لقد شعر بأنه ليس فقط لا يتحمل الانسحاب من شركة الآب، ولكن أيضًا شعر بالانسكاب الفعلي لغضب الآب عليه كبديل للبشرية الخاطئة. وفي الوقت نفسه، لا يمكننا أن نقول أن الانفصال بين الآب والابن على الصليب كان كاملًا، لأنه كما تقول ٢ كورنثوس ٥: ١٩، إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ على الصليب.
• وفقًا للمثال نفسه، يمكننا القول إن مشاعر أيوب وقت معاناته كانت حقيقية ومفهومة. ومع ذلك كانت هناك حقيقة منطقية لمعانته تجاوزت مشاعر أيوب، رغم أن هذه الحقيقة كانت محجوبة تمامًا عنه.