إنجيل متى – الإصحاح ١٧
يسوع يتجلى، وينتصر، ويدفع الضريبة
أولًا. يسوع يتجَّلى
أ ) الآيات (١-٢): يسوع يتجلى أمام تلاميذه.
١وَبَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَخَذَ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا أَخَاهُ وَصَعِدَ بِهِمْ إِلَى جَبَل عَال مُنْفَرِدِينَ. ٢وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ، وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ.
- أَخَذَ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا: لم يدع يسوع جميع التلاميذ، بل هؤلاء الثلاثة فقط. وربما قام يسوع بذلك لمنع سرد هذه المعجزة المذهلة قبل أن يحين الوقت (متى ٩:١٧). واقترح آخرون أنه فعل ذلك لأن هؤلاء الثلاثة يحتاجون مراقبة أشد من الآخرين.
- وَبَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ: “إن عبارة البشير لوقا ’وَبَعْدَ هذَا الْكَلاَمِ بِنَحْوِ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ‘ (لوقا ٢٨:٩) تستند إلى طريقة يونانية للتحدث وتعني ’بعد حوالي أسبوع.‘” كارسون (Carson)
- وَصَعِدَ بِهِمْ إِلَى جَبَل عَال: كانت هناك عدة اقتراحات لموقع جبل التجلي.
- جبل تابور (حوالي ١٩٠٠ قدمًا، ٥٨٠ مترًا)؛ لكنه ليس عاليًا، وهو ليس في الطريق من قيصرية فيلبس إلى كفرناحوم.
- جبل حرمون (حوالي ٩٣٠٠ قدمًا، ٢٨٣٥ مترًا)؛ ولكن ربما يكون عاليًا للغاية وباردًا للغاية في الأعلى، حيث يبدو أنهم قضوا الليل. كما أنه لم يكن قريبًا من الحشود اليهودية التي قابلت يسوع على الفور من نزوله من الجبل (متى ١٤:١٧، لوقا ٣٧:٩).
- جبل ميرون (حوالي ٣٩٠٠ قدمًا، ١١٩٠ مترًا)؛ وكان أعلى جبل في منطقة اليهودية، وهو في الطريق بين قيصرية فيلبس وكفرناحوم. وكارسون (Carson) يفضل هذا الموقع.
- “اسم ’الجبل المرتفع‘ لا يمكن معرفته أبدًا؛ بالنسبة لأولئك الذين يعرفون المنطقة لم يتركوا أي معلومات. تابور، إذا كنت تُفضل ذلك؛ حرمون، إذا كنت تفضل ذلك. لا أحد يستطيع أن يقرر.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ: الكلمة ’تَغَيَّرَتْ‘ تتحدث عن التحول، وليس مجرد تغيير في المظهر الخارجي. فكان التأثير ملفتًا للغاية؛ أصبح يسوع ساطعًا في المظهر لدرجة أنه كان من الصعب النظر إليه (كَالشَّمْسِ).
- “إن الفعل ’ميتامورفو (metamorphoo)‘ (أي تحوَل أو تغيَّر في الشكل) يشير إلى تغيير عميق في الطبيعة انعكس خارجيًا.” كارسون (Carson). وقد يكون هذا المجد قد أشرق في بستان جثسيماني عندما سقط أولئك الذين ألقوا القبض عليه عندما قال لهم يسوع: ’أنا هو.‘ (يوحنا ٦:١٨).
- في الأساس، لم تكن هذه معجزة جديدة، لكنها توقف مؤقت عن معجزة كانت تحدث. فكانت المعجزة الحقيقية هي أن يسوع، في معظم الوقت، كان بإمكانه أن يخفي هذا المجد. ومع ذلك، قال يوحنا ’رَأيْنَا مَجْدَهُ،‘ وكتب بطرس: ’كُنَّا مُعَايِنِينَ عَظَمَتَهُ.‘
- “أن يكون المسيح مجيدًا كان أمرًا أقل أهمية مقارنة بقدرته على كبح مجده أو إخفاؤه. إنه ممجد بالأحرى لأنه أخفى مجده؛ فعلى الرغم من أنه كان غنيًا، لكنه من أجلنا أفتقرَ.” سبيرجن (Spurgeon)
- حدث هذا كوفاء بوعد يسوع في إنجيل متى ٢٨:١٦. وعلينا أن نتذكر أن الفصول وتقسيم الآيات لم تكن بالتأكيد في الكتابات الأصلية للرسل، ولم تأتِ حتى القرن السادس عشر.
- وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ: كان وَجْهُهُ هو الذي أشرق كالشمس. فهو لم يتحول إلى كائن آخر بهيئة أخرى؛ لكن وَجْهُهُ هو الذي أشرق.
- كان يسوع مع تلاميذه عندما أضاء في مجده. إنه غير ممجد بمعزل عنهم، لأنهم يشاركون في مجده. “أَيُّهَا الآبُ أُرِيدُ أَنَّ هؤُلاَءِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ أَكُونُ أَنَا، لِيَنْظُرُوا مَجْدِي الَّذِي أَعْطَيْتَنِي.” (يوحنا ٢٤:١٧)
- “الشيء الآخر الذي قد نتعلمه من ربنا يسوع المسيح الذي أظهر نفسه إلى رسله وهو متسربل بالمجد، هو أننا بالكاد ندرك المجد الذي يمكن أن يكون جسد الإنسان قادرًا أن يكون عليه.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآية (٣): موسى وإيليا يظهران مع يسوع.
٣وَإِذَا مُوسَى وَإِيلِيَّا قَدْ ظَهَرَا لَهُمْ يَتَكَلَّمَانِ مَعَهُ.
- مُوسَى وَإِيلِيَّا: من اللافت للنظر ظهور هذين الشخصين في العهد القديم وتحدثهما مع يسوع في تجليه. فكان موسى قد عاش قبل حوالي ١٤٠٠ عام؛ وإيليا قبل حوالي ٩٠٠ سنة؛ ومع ذلك كانوا على قيد الحياة وبجسد القيامة وفي حالة ممجدة.
- من العدل أن نتصور أن هذين الشخصين المعينين من العهد القديم قد ظهرا لأنهما يمثلان الشريعة (مُوسَى) والأنبياء (إِيلِيَّا). فكل وحي العهد القديم جاء للقاء يسوع في جبل التجلي.
- يمكننا أن نقول أيضًا أن مُوسَى وَإِيلِيَّا يمثلان أولئك الذين رفعوا إلى الله (مُوسَى في رسالة يهوذا ٩، وإِيلِيَّا في سفر ملوك الثاني ١١:٢). بشكل أكثر تحديدًا، يمثل موسى أولئك الذين يموتون ويذهبون إلى المجد، ويمثل إيليا أولئك الذين لا يموتون ويُرفعون إلى السماء (كما هو الحال في الاختطاف الموصوف في تسالونيكي الأولى ١٣:٤-١٨).
- نفهم من هذا أن: “القديسون الذين انتقلوا منذ فترة طويلة، لا يزالون على قيد الحياة، ويعيشون في شخصيتهم، ومعروفين بأسمائهم، ويتمتعون بالقرب من المسيح.” سبيرجن (Spurgeon)
- يَتَكَلَّمَانِ مَعَهُ: يخبرنا البشير لوقا في ٣١:٩ عن موضوع حديثهم؛ لقد تحدثوا عن موته الوشيك في أورشليم. وتحدثوا عن العمل المقبل للصليب، ويفترض عن القيامة التي تلي الصليب.
- “وأين يمكن أن يكون هناك موضوعات أعظم من هذا الموت العجيب وقيامته المجيدة؟” ماير (Meyer)
- “’ظهرا لهم‘ لكنهما تحدثّا معه. فلم يكن هدف هذين القديسين أن يتحدثا مع الرسل، بل مع سيّدهم. فرغم أن الرجال (الرسل) رأوا هذين القديسين، إلا أن شركتهما كانت مع يسوع.” سبيرجن (Spurgeon)
ج ) الآيات (٤-٥): بطرس يساوي يسوع بموسى وإيليا، فيتم توبيخه بشكل كبير بصوت من سحابة مجد الله.
٤فَجَعَلَ بُطْرُسُ يَقُولُ لِيَسُوعَ: «يَارَبُّ، جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ ههُنَا! فَإِنْ شِئْتَ نَصْنَعْ هُنَا ثَلاَثَ مَظَالَّ: لَكَ وَاحِدَةٌ، وَلِمُوسَى وَاحِدَةٌ، وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةٌ» ٥وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذَا سَحَابَةٌ نَيِّرَةٌ ظَلَّلَتْهُمْ، وَصَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةِ قَائِلًا: «هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ اسْمَعُوا».
- يَارَبُّ، جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ ههُنَا! فَإِنْ شِئْتَ نَصْنَعْ هُنَا ثَلاَثَ مَظَالَّ: لَكَ وَاحِدَةٌ، وَلِمُوسَى وَاحِدَةٌ، وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةٌ: يشير كل من مرقس ٦:٩ ولوقا ٣٣:٩ إلى أن بطرس لم يكن يعلم ما كان يقوله عندما قال هذا. ورغم أنه تكلم دون التفكير بروية، إلا أن تأثير كلماته وضع يسوع على قدم المساواة مع موسى وإيليا، عندما اقترح بناء مَظَالَّ متساوية لكل منهم.
- “اقترح بطرس أن يبقى الثلاثة متساويين: موسى، مانح الشريعة؛ وايليا المُصلح؛ ويسوع المسيا.” مورجان (Morgan)
- “تعني كلمة ’مَظَال‘ عادة ’الخيام‘ وهي ملاجئ مؤقتة من فروع الشجر، مثل التي كانت تُقام لعيد المظلات.” فرانس (France)
- “يا لها من فكرة أنانية: ’جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ ههُنَا!‘ ولكن ماذا عن بقية التلاميذ الاثني عشر والتلاميذ الآخرين والعالم الواسع والممتد؟” سبيرجن (Spurgeon)
- إِذَا سَحَابَةٌ نَيِّرَةٌ ظَلَّلَتْهُمْ: هذه هي سحابة مجد الله، التي تسمى الشكينة في العهد القديم؛ فمن سحابة المجد هذه، تكلم الله الآب.
- “عندما يقترب الله من الإنسان، من الضروري للغاية أن يكون مجده محجوبًا؛ فلا أحد يستطيع أن يرى وجهه ويعيش. ولهذا السبب استخدم الله هنا وفي حالات أخرى.” سبيرجن (Spurgeon)
- هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ اسْمَعُوا: وبخ اللهُ الآب من السماء، محاولة بطرس لوضع يسوع على قدم المساواة مع موسى وإيليا، وقاطعه (وفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ). وكان من المهم مقاطعة بطرس، حتى يعلم الجميع أن يسوع فريد من نوعه وأنه هو الابن الحبيب الوحيد؛ وإنه يستحق اهتمامنا الخاص، لذا لَهُ اسْمَعُوا!
- يمكن للمرء أن يقول أن كل ما قاله الآب جاء من الكتاب المقدس.
- في مزمور ٧:٢ يقول الآب للابن: «أَنْتَ ابْنِي».
- في إشعياء ١:٤٢ يقول الآب للابن: «مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي». أو كما يقتبس البشير متى ١٨:١٢ المقطع: «الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ».
- في سفر التثنية ١٥:١٨ يقول الله الآب من خلال النبي موسى عن يسوع الآتي: «لَهُ تَسْمَعُونَ».
- “رغم روعة ومهابة هذه المناسبة، إلا أنه لم تكن هناك حاجة إلى كلمات أفضل من الرب عن ابنه من تلك التي سجلت في العصور السابقة في صفحات الكتاب المقدس. فكان هذا صوت الرب ينطق بهذه الكلمات الثلاثة من الكتاب المقدس، وبالتأكيد إذا كان الله يتحدث بلغة الكتاب المقدس، فكم بالحري يجب على خُدامه أن يعملوا ذلك؟ فنحن نعظ أفضل عندما نكرز بكلمة الله.” سبيرجن (Spurgeon)
- هذا تطور آخر للموضوع الهام في إنجيل متى للصراع بين يسوع والقادة الدينيين. فبهذه الكلمات من السماء، وضع الله الآب يسوعَ بوضوح فوق الناموس والأنبياء. فهو ليس مجرد أحد المُشرعين الآخرين أو حتى نبي أفضل. إن يسوع هو ابن الله الحبيب (ابْني الْحَبِيبُ).
- “إن قال الله الآب: ’هذا هو ابني‘ فلنلاحظ النعمة في تبنينا! فمع وجود هذا النوع من الأبناء للرب، لم يكن هناك حاجة لوجود أبناء آخرين. ولكن لم يجعلنا الرب أبناءه لأنه كان بحاجة إلى أبناء، ولكن لأننا نحن من كنا بحاجة إلى أب.” سبيرجن (Spurgeon)
- يمكن للمرء أن يقول أن كل ما قاله الآب جاء من الكتاب المقدس.
- لَهُ اسْمَعُوا! إذا كان ينبغي لنا الاستماع إلى أي شخص، فيجب أن نستمع إلى يسوع. وقد يظن المرء أن صوتًا من السماء سيقول: “اسمعوا لي!” لكن الآب قال “لَهُ اسْمَعُوا!” فكل شيء يقودنا إلى يسوع.
- “إن هذه الكلمات تثبت أن المسيح هو الطبيب والمعلم الوحيد في كنيسته، والوحيد الذي من شأن المؤمنون أن يستمعون إليه: وهذا يضع خُدام الكلمة في وضعهم الطبيعي، فهم ليسوا أكثر من مفسرين لما قاله، فلا يجب يُنظر إليهم على أنهم أكثر من ذلك، فحينما نسمعهم فلابد أن نسمع المسيح يتكلم بوضوح أكثر وبصورة متكررة لنا من خلالهم.” بوله (Poole)
- “إذا كان بطرس سيدنا، فدعنا ندعوه هكذا؛ إذا كان كالفن هو سيدنا، فدعنا ندعوه هكذا؛ وإذا كان ويسلي سيدنا، فدعنا ندعوه هكذا؛ ولكن إذا كنا تلاميذ يسوع، فلنتبع يسوع إذًا، ونتبعه مع آخرين يتبعون المسيح أيضًا.” سبيرجن (Spurgeon)
د ) الآيات (٦-٨): التلاميذ يتفاعلون بخوف مقدس.
٦وَلَمَّا سَمِعَ التَّلاَمِيذُ سَقَطُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ وَخَافُوا جِدًّا. ٧فَجَاءَ يَسُوعُ وَلَمَسَهُمْ وَقَالَ: «قُومُوا، وَلاَ تَخَافُوا». ٨فَرَفَعُوا أَعْيُنَهُمْ وَلَمْ يَرَوْا أَحَدًا إِلاَّ يَسُوعَ وَحْدَهُ.
- سَقَطُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ وَخَافُوا جِدًّا: لم يسقطوا على وجوههم عندما رأوا يسوع قد تجلى، ليس عندما أضاء وجهه مثل الشمس، وليس عندما أصبحت ثيابه بيضاء كالنور، وليس عندما ظهر موسى وايليا معه، وليس عندما تحدث موسى وايليا معه، وليس حتى عندما ظهرت سحابة المجد وطغت عليهم؛ ولكن عندما سَمِعَ التَّلاَمِيذُ الصوت من السماء، سَقَطُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ وَخَافُوا جِدًّا.
- “لقد كانوا في حضور الله المُباشر، واستمعوا إلى صوت أبيهم: فمن الطبيعي أن ينبطحوا ويسجدوا ويرتعشوا. ولأن حضور الله كان واضحًا جدًا، رغم أنه كان مخصصًا ليسوع، فمن الطبيعي أن يرهبنا بدلًا من أن يقوينا.” سبيرجن (Spurgeon)
- قُومُوا، وَلاَ تَخَافُوا: كان التلاميذ مرة أخرى في حالة من الخشوع كامل أمام يسوع. وهذا يساعد في تفسير الغرض من التجلي: لطمأنة التلاميذ بأن يسوع هو المسيا، حتى لو كان سيصلب بالفعل كما أعلن لهم سابقًا.
- لاحظ السياق: كشف يسوع لهم عن الهوان والآلام التي سيقاسيها. فمن المنطقي أن يسمعوا شهادة إلهية أخرى عن مكانة يسوع باعتباره ابن الله في هذا الوقت.
- فَرَفَعُوا أَعْيُنَهُمْ وَلَمْ يَرَوْا أَحَدًا إِلاَّ يَسُوعَ وَحْدَهُ: من الضروري جدًا في هذه المرحلة أن يحولوا تركيزهم بالكامل على يسوع مرة أخرى. فالسحابة اختفت، وكذلك موسى وإيليا.
- ربما بعد حادثة التجلي؛ بقي التلاميذ وحدهم. فمن الناحية النظرية، عندما انتهت التجربة، لم يكن هناك موسى ولا إيليا ولا يسوع. وهذه هي بالضبط تجربة الكثيرين. لديهم بعض الخبرة الروحية أو قد تلقوا بعض الخدمة من روح الله القدوس؛ ولكن عندما انتهى الأمر، انتهى كل شيء ولم يتبقى شيء.
- ربما بعد حادثة التجلي، بقي موسى فقط مع التلاميذ. فمن الناحية النظرية، عندما انتهت التجربة، لم يكن هناك سوى موسى. وعلى الرغم من أن موسى كان رجلًا عظيمًا، فمقارنةً بالسيد المسيح، كان مثل القمر بالنسبة للشمس. وسيكون من المحزن تبديل النعمة والحق التي أتى بها يسوع بالشريعة التي أتى بها موسى؛ ولكن هناك بعض الأشخاص المساكين الذين يرون موسى وشريعته فقط.
- ربما بعد حادثة التجلي، بقي إيليا فقط مع التلاميذ. فمن الناحية النظرية، عندما انتهت التجربة، كان هناك إيليا فقط. وكان إيليا رجلًا عظيمًا ومعروفًا بقوة كلمته وجرأة إصلاحاته الوطنية. ولكن كل هذا لا يقارن بشخص يسوع وعمله.
- ربما بعد حادثة التجلي، بقي الثلاثة مع التلاميذ. في البداية، ربما بدى هذا هو الأفضل؛ لم لا يبقى الثلاثة؟ ولكن بعد أن جاء يسوع، يمكن لموسى وإيليا أن يختفيا بعد أن أتموا أدوارهم الداعمة، ولا يوضعوا على نفس المستوى مع يسوع.
- “على الرغم من أن الرسل رأوا ’يسوع فقط،‘ فقد رأوا ما يكفي، فيسوع يكفي الآن وإلى الأبد، ويكفي أن تعيش بجانبه وتموت بجانبه. آه، أنظر إليه، وعلى الرغم من أنه يسوع فقط، وعلى الرغم من أن موسى ربما يدينك، وربما يحذرك إيليا، إلا أن ’يسوع فقط‘ سيكون كافيًا لراحتك ولخلاصك.” سبيرجن (Spurgeon)
- “في هذا اليوم، يا إخوتي، ليس لدينا سيد إلا المسيح؛ نحن لا نخضع أنفسنا لأي ممثلٍ عن لله؛ ولا ننحني أمام أي قائد كبير لطائفة ما، لا لكالفن ولا إلى أرمينيوس أو ويسلي أو ويتفيلد. ’واحد هو سيدنا‘ وهذا يكفي، لأننا تعلمنا أن نرى حكمة الله وقوة الله في يسوع فقط.” سبيرجن (Spurgeon)
هـ) الآيات (٩-١٣) مشكلة إيليا تأتي أولًا.
٩وَفِيمَا هُمْ نَازِلُونَ مِنَ الْجَبَلِ أَوْصَاهُمْ يَسُوعُ قَائِلًا: «لاَ تُعْلِمُوا أَحَدًا بِمَا رَأَيْتُمْ حَتَّى يَقُومَ ابْنُ الإِنْسَانِ مِنَ الأَمْوَاتِ». ١٠وَسَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ قَائِلِينَ: «فَلِمَاذَا يَقُولُ الْكَتَبَةُ: إِنَّ إِيلِيَّا يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ أَوَّلًا؟» ١١فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّ إِيلِيَّا يَأْتِي أَوَّلًا وَيَرُدُّ كُلَّ شَيْءٍ.١٢وَلكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ إِيلِيَّا قَدْ جَاءَ وَلَمْ يَعْرِفُوهُ، بَلْ عَمِلُوا بِهِ كُلَّ مَا أَرَادُوا. كَذلِكَ ابْنُ الإِنْسَانِ أَيْضًا سَوْفَ يَتَأَلَّمُ مِنْهُمْ» ١٣حِينَئِذٍ فَهِمَ التَّلاَمِيذُ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ عَنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ.
- لاَ تُعْلِمُوا أَحَدًا بِمَا رَأَيْتُمْ حَتَّى يَقُومَ ابْنُ الإِنْسَانِ مِنَ الأَمْوَاتِ: بحكمة، أخبر يسوع التلاميذ أن لا يتحدثوا عن التجلي إلا بعد قيامته. فقيامة يسوع كانت التأكيد النهائي لخدمته ومجده. وحتى ذلك الحين، من المرجح أن حادثة التجلي سوف تختبر إيمان أولئك الذين لم يروها بدلًا من تقوية إيمانهم.
- لِمَاذَا يَقُولُ الْكَتَبَةُ: إِنَّ إِيلِيَّا يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ أَوَّلًا؟: سمع التلاميذ إِنَّ إِيلِيَّا يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ أَوَّلًا، حسب الوعد في سفر ملاخي ٥:٤ “هأَنَذَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ إِيلِيَّا النَّبِيَّ قَبْلَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ، الْيَوْمِ الْعَظِيمِ وَالْمَخُوفِ.”
- قد يكون سؤالهم هكذا: “يسوع، نحن نعلم أن إيليا يأتي أولًا قبل المسيا. ونحن نعرف أنك المسيا، لكننا رأينا إيليا للتو، ويبدو أنه جاء بعدك.”
- إِنَّ إِيلِيَّا يَأْتِي أَوَّلًا وَيَرُدُّ كُلَّ شَيْءٍ: طمْأَّنَ يسوعُ التلاميذَ أن إيليا سيأتي أولًا. ولكن مجيء يسوع الأول لم يجلب يوم الرب العظيم المروع. وبدلًا من ذلك، فإن أفضل تحقيق لنبوءة ملاخي ٥:٤ هو ظهور الشاهدين المذكور في رؤيا يوحنا ٣:١١-١٣ ثم المجيء الثاني ليسوع.
- إِنَّ إِيلِيَّا قَدْ جَاءَ وَلَمْ يَعْرِفُوهُ: ومع ذلك، كان هناك شعور يمكن أن يقول فيه يسوع بحق ’إِنَّ إِيلِيَّا قَدْ جَاءَ‘ بالفعل. فقد جاء إيليا أثناء عمل يوحنا المعمدان، الذي خدم بروح إيليا وقوته (لوقا ١٧:١).
- هذا واضح من المقارنة بين حياة وعمل كل من إيليا ويوحنا المعمدان.
- لاحظ أنه كما كان إيليا مليئًا بالحماس لله، هكذا كان يوحنا المعمدان.
- إيليا وبخ الخطيئةَ بجرأة في الأماكن المرتفعة، وكذلك فعل يوحنا المعمدان.
- دعا إيليا الخطاة والمساومين إلى التوبة، وكذلك فعل يوحنا المعمدان.
- اجتذب إيليا جموعًا في خدمته، وكذلك فعل يوحنا المعمدان.
- اجتذب إيليا انتباه وغضب الملك وزوجته، وكذلك فعل يوحنا المعمدان.
- كان إيليا رجلًا صارمًا، وهكذا كان يوحنا المعمدان.
- فر إيليا إلى البرية، وعاش يوحنا المعمدان هناك أيضًا.
- عاش إيليا في زمن فاسد وكان أداة لاستعادة الحياة الروحية الفاشلة، وهذا أيضًا ينطبق على يوحنا المعمدان.
- هذا واضح من المقارنة بين حياة وعمل كل من إيليا ويوحنا المعمدان.
ثانيًا. يسوع يطرد شيطانًا صعبًا من صبي
أ ) الآيات (١٤-١٦): شيطان لم يقدر التلاميذ التعامل معه.
١٤وَلَمَّا جَاءُوا إِلَى الْجَمْعِ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ رَجُلٌ جَاثِيًا لَهُ ١٥وَقَائِلًا: «يَا سَيِّدُ، ارْحَمِ ابْني فَإِنَّهُ يُصْرَعُ وَيَتَأَلَّمُ شَدِيدًا، وَيَقَعُ كَثِيرًا فِي النَّارِ وَكَثِيرًا فِي الْمَاءِ. ١٦وَأَحْضَرْتُهُ إِلَى تَلاَمِيذِكَ فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَشْفُوهُ».
- يَا سَيِّدُ، ارْحَمِ ابْني فَإِنَّهُ يُصْرَعُ: أعراض هذا الصرع بالذات كانت شيطانية في الأصل (متى ١٨:١٧)، وعلى الرغم من أن هذا بالتأكيد لا يمكن أن يقال عن كل حالة من أعراض الصرع في ذلك الوقت أو اليوم. يخبرنا السرد في إنجيل مرقس ١٤:٩-٢٩) أن الصبي كان أصم وأبكم بفعل هذا الشيطان.
- “يصف البشير متى الولد بالفعل ’سلينيازسثاي (seleniazesthai)‘ الذي يعني حرفيًا ’مضروب من القمر.‘” باركلي (Barclay)
- “عندما نزل موسى من الجبل قوبل بإرتداد إسرائيل (خروج ٣٢)؛ وعند عودة يسوع من الجبل دخل مشهد الصراع الروحي وعدم الإيمان.” فرانس (France)
- “هناك الجبل، والآن الوادي. هناك قديسين ممجدين، وهنا المجنون. هناك الملك في مجده السماوي، وهنا ممثلي الإيمان المرتبك والمُعْيي.” مورجان (Morgan)
- “من السهل الشعور بالإيمان في لحظة الصلاة والتأمل. ومن السهل أن تشعر بالقرب من الله عندما يتركك العالم. ولكن هذه ليست عبادة، بل هروب. فالعبادة الحقيقية هي النهوض على ركبنا أمام الله لمقابلة الناس والتعامل مع مشاكل الوضع الإنساني.” باركلي (Barclay)
- وَأَحْضَرْتُهُ إِلَى تَلاَمِيذِكَ فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَشْفُوهُ: أحيانًا يفشل أتباع يسوع، لكن يسوع لا يفشل أبدًا. كان الرجل حكيمًا لأنه ذهب مباشرة إلى يسوع عندما فشل أتباع يسوع.
- في مناسبات سابقة، أخرج التلاميذ شياطين (لوقا ١٧:١٠). ومع ذلك فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَشْفُوهُ. وهذا لأن هناك صفوف من القوى الشيطانية (أفسس ١٢:٦)، ومن الواضح أن بعض الشياطين أقوى (أكثر عنادًا، مقاومة) من غيرها. وبما أن التلاميذ قد مُنِحوا سلطة إخراج الشياطين من قبل (متى ٨:١٠)، يبدو أن هذا الشيطان كان أكثر صعوبة من غيره.
- فشلهم كان في الواقع جيدًا بالنسبة لهم. ففشلهم قد علمهم.
- علمهم ألا يدخلوا بروتين ورتابة الخدمة.
- علمهم تفوق يسوع العظيم.
- علمهم أن يطلبوا حضور يسوع.
- علمهم احضار المشكلة إلى يسوع.
- “لقد ارتبكوا بسبب رغبتهم في النجاح، وليس بسبب رغبتهم في الإيمان، وهذا أدى إلى إخفاقهم!” كلارك (Clarke)
ب) الآيات (١٧-٢١): يسوع يخرج الشيطان بسهولة.
١٧فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: «أَيُّهَا الْجِيلُ غَيْرُ الْمُؤْمِنِ، الْمُلْتَوِي، إِلَى مَتَى أَكُونُ مَعَكُمْ؟ إِلَى مَتَى أَحْتَمِلُكُمْ؟ قَدِّمُوهُ إِلَيَّ ههُنَا!» ١٨فَانْتَهَرَهُ يَسُوعُ، فَخَرَجَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ. فَشُفِيَ الْغُلاَمُ مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ. ١٩ثُمَّ تَقَدَّمَ التَّلاَمِيذُ إِلَى يَسُوعَ عَلَى انْفِرَادٍ وَقَالُوا: «لِمَاذَا لَمْ نَقْدِرْ نَحْنُ أَنْ نُخْرِجَهُ؟» ٢٠فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «لِعَدَمِ إِيمَانِكُمْ. فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ، وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَيْكُمْ. ٢١وَأَمَّا هذَا الْجِنْسُ فَلاَ يَخْرُجُ إِلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ».
- أَيُّهَا الْجِيلُ غَيْرُ الْمُؤْمِنِ، الْمُلْتَوِي، إِلَى مَتَى أَكُونُ مَعَكُمْ؟: هناك شعور بأن يسوع محبط من تلاميذه. فموسم خدمته قبل الصليب قد انتهى، وربما شعر بالإحباط لأن التلاميذ لم يكن لديهم المزيد من الإيمان.
- فَانْتَهَرَهُ يَسُوعُ، فَخَرَجَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ: لقد حرر يسوعُ على الفور الصبيَ الذي كان يمتلكه الشيطان. فما كان صعبًا على التلاميذ لم يكن صعبًا على يسوع.
- لِعَدَمِ إِيمَانِكُمْ: أعاز يسوع عجز التلاميذ عن طرد الشيطان إلى عدم إيمانهم. ولكي تنجح في معركة ضد الشياطين، يجب أن تكون هناك ثقة في الرب الذي يتمتع بسلطة كاملة على الشياطين.
- “هناك بعض الأشياء التي نحصل عليها عن طريق إيمان أقوى وصلاة أكثر حماسة وإلحاحًا. ويبدو أن الرحمة أحيانًا تأتي من يد الله بمزيد من الصعوبة، إذ عليك أن تُصارع من أجلها.” بوله (Poole)
- لم تكن هناك فائدة من إلقاء اللوم على الصبي أو والده أو الشيطان، رغم أن الشيطان كان قويًا وكان هناك طويلًا. الخطأ يكمن في التلاميذ. “عندما يجد خدام الإنجيل مساعيهم، فيما يتعلق ببعض الأماكن أو الأشخاص، غير فعالة، ينبغي عليهم القدوم، من خلال الصلاة الخاصة، إلى المسيح، ويتضعوا أمامه، ويتوسلون إليه لإبلاغهم بما إذا كان هناك بعض الشر في ذواتهم، ربما يكون هو السبب في عدم جدوى مساعيهم.” كلارك (Clarke)
- لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل: الإيمان الذي ينبغي أن يكون لنا له علاقة بنوع الإيمان أكثر من حجم الإيمان. فمقدار ضئيل من الإيمان، صغيرًا مثل بذرة الخردل (بذرة صغيرة جدًا)، يمكن أن ينجز أمورًا عظيمة إذا تم وضع هذا القدر الصغير من الإيمان في يد الله العظيم القدير.
- القليل من الإيمان يمكنه إنجاز أمورًا عظيمة؛ لكن الإيمان العظيم يمكن أن يحقق أمورًا أكبر. فما يهم أكثر من إيماننا، هو موضوع إيماننا. “العين لا تستطيع رؤية نفسها. هل سبق لك أن رأيت عينيك؟ في المرآة ربما تكون قد فعلت ذلك، لكن ذلك كان مجرد انعكاس لها. وقد تشاهد، بنفس الطريقة، دليل إيمانك، لكن لا يمكنك النظر إلى الإيمان نفسه. الإيمان يرى نفسه من خلال موضوع الإيمان، أي المسيح.” سبيرجن (Spurgeon)
- تَقُولُونَ لِهذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ: “يسمي يسوع هنا فعليًا الإيمان بأنه ’ناقل الجبال‘ وهي عبارة معروفة في المدارس اليهودية تُطلق على المعلم المتميز بالمعرفة القانونية أو الخبرة الشخصية.” بروس (Bruce)
- وَأَمَّا هذَا الْجِنْسُ فَلاَ يَخْرُجُ إِلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْم: نظهر إيماننا بالله والاعتماد عليه من خلال الصلاة والصوم، فهذا يُظهر الشركة مع المسيح والاتكال عليه.
- تُظهر الصلاة والصوم القويان أيضًا الجدية أمام الله الذي يستجيب للصلاة. فنحن نصلي في كثير من الأحيان دون حماس، وكأننا نطلب من الله أن يهتم بأمور لا نهتم بها نحن إلا قليلًا أو لا نهتم بها مطلقًا.
- الصَّلاَةِ وَالصَّوْم يعكسان:
- استعداد كبير للاقتراب من الشخص المصاب.
- عدم الاستخفاف بقوة العالم الشيطاني.
- الاتكال الكُلي على الله.
- رغبة كبيرة في القتال والتضحية من أجل خلاص النفوس.
- “من يفوز على الشيطان في بعض الحالات يجب عليه أولًا أن يفوز بتأييد السماء بالصلاة، ويفوز على نفسه بإنكار الذات.” سبيرجن (Spurgeon)
ثالثًا. نتطلع إلى موت وقيامة يسوع
أ ) الآيات (٢٢-٢٣): يسوع يذكر تلاميذه بآلامه الآتية.
٢٢وَفِيمَا هُمْ يَتَرَدَّدُونَ فِي الْجَلِيلِ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «ابْنُ الإِنْسَانِ سَوْفَ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي النَّاسِ ٢٣فَيَقْتُلُونَهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ». فَحَزِنُوا جِدًّا.
- ابْنُ الإِنْسَانِ سَوْفَ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي النَّاسِ: على الرغم من أن هذه التذكيرات كانت متكررة، إلا أن التلاميذ لم يصدقوا ونسوا آلام يسوع وقيامته حتى بعدما قام من بين الأموات (لوقا ٦:٢٤-٨).
- وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ: نادرًا ما أخبر يسوع تلاميذه عن موته القادم دون أن يخبرهم أيضًا بقيامته القادمة. ونحن نعلم أن التلاميذ لم يفهموا حقًا الانتصار المجيد للقيامة، لأنهم حَزِنُوا جِدًّا.
ب) الآيات (٢٤-٢٦): الوقت لدفع ضريبة الهيكل.
٢٤وَلَمَّا جَاءُوا إِلَى كَفْرَنَاحُومَ تَقَدَّمَ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ الدِّرْهَمَيْنِ إِلَى بُطْرُسَ وَقَالُوا: «أَمَا يُوفِي مُعَلِّمُكُمُ الدِّرْهَمَيْنِ؟» ٢٥قَالَ: «بَلَى». فَلَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ سَبَقَهُ يَسُوعُ قَائِلًا: «مَاذَا تَظُنُّ يَا سِمْعَانُ؟ مِمَّنْ يَأْخُذُ مُلُوكُ الأَرْضِ الْجِبَايَةَ أَوِ الْجِزْيَةَ، أَمِنْ بَنِيهِمْ أَمْ مِنَ الأَجَانِبِ؟» ٢٦قَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «مِنَ الأَجَانِبِ». قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «فَإِذًا الْبَنُونَ أَحْرَارٌ.
- أَمَا يُوفِي مُعَلِّمُكُمُ الدِّرْهَمَيْنِ؟: كانت هذه ضريبة أو رسوم عادية تُطبق على كل رجل يهودي. قام اليهود المُخلِصون بدفع هذا الالتزام؛ بينما سعى آخرون للهروب من المسؤولية.
- “ومع ذلك، كانت هذه مسألة مثيرة للجدل، حيث أن الصدوقيين رفضوا الضريبة، ودفعها الأفراد في قمران مرة واحدة فقط في العمر.” فرانس (France)
- “يمكن دفع الضريبة شخصيًا في عيد الفصح في أورشليم. ولكن كان هناك أماكن لتحصيل الضريبة في مناطق أخرى من فلسطين والخارج قبل شهر من عيد الفصح. لهذا فإن الحدث هنا يقع قبل حوالي شهر من الفصح.” فرانس (France)
- “بعد ٧٠م، بعد دمار الهيكل، قام الرومانيون بتحويل هذه الضريبة إلى هيكل كوكب المشتري في روما، وبعد ذلك توقفت عن أن تكون مسألة وطنية وأصبحت رمزًا لإخضاع اليهود لسلطة وثنية؛ وحقيقة أن القصة مسجلة هنا هي إحدى الدلائل العرضية التي تشير إلى أن إنجيل متى لابد وأن يكون قد أؤرخ قبل عام ٧٠م.” فرانس (France)
- مِمَّنْ يَأْخُذُ مُلُوكُ الأَرْضِ الْجِبَايَةَ أَوِ الْجِزْيَةَ، أَمِنْ بَنِيهِمْ أَمْ مِنَ الأَجَانِبِ؟: أعطى بطرس الإجابة السريعة والطبيعية على هذا السؤال. ولكن بعد ذلك أوضح يسوع أنه غير ملزم بدفع الضريبة، لأن الآب لا يطلبها من ابنه.
- “تم إعفاء معلمي اليهود من دفع هذه الضريبة، وكذلك الكهنة في أورشليم، فهل يطالب يسوع بإعفاءٍ مماثلٍ؟ يفترض السؤال أنه يدفع بانتظام، ويوافق بطرس على ذلك”. فرانس (France)
ج ) الآية (٢٧): يسوع يدفع الضريبة على أي حال، وبتدبير معجزي.
٢٧وَلكِنْ لِئَلاَّ نُعْثِرَهُمُ، اذْهَبْ إِلَى الْبَحْرِ وَأَلْقِ صِنَّارَةً، وَالسَّمَكَةُ الَّتِي تَطْلُعُ أَوَّلًا خُذْهَا، وَمَتَى فَتَحْتَ فَاهَا تَجِدْ إِسْتَارًا، فَخُذْهُ وَأَعْطِهِمْ عَنِّي وَعَنْكَ».
- وَلكِنْ لِئَلاَّ نُعْثِرَهُمُ: لم يكن يسوع ملزَمًا بدفع هذه الضريبة وفقًا للمبدأ الذي ناقشناه للتو مع بطرس؛ أنه كابن، وليس كخادم، لم يكن عليه أن يدفع ضريبة الهيكل هذه. ومع ذلك، أدرك يسوع أيضًا أهمية تجنب الجدل الذي لا داعي له، وكان مستعدًا لدفع الضريبة حتى لا يُعثر الذين استجوبوه.
- إن استخدام الكلمة اليونانية ’سكانداليزين (skandalizein)‘ قاد باركلي (Barclay) إلى القول: “لذلك يقول يسوع: ’يجب أن ندفع حتى لا نصبح مثالًا سيئًا للآخرين. يجب علينا ألا نقوم بواجبنا فحسب، بل يجب أن نتجاوز واجباتنا، حتى نظهر للآخرين ما يتعين عليهم القيام به.‘”
- وَأَلْقِ صِنَّارَةً: كان بطرس صيادًا محترفًا يستخدم الشباك، وليس خطافًا أو صِنَّارَةً. لابد أن الأمر كان مهينًا لبطرس أن يصطاد بهذه الطريقة، ويمكننا أن نتخيل أنه كان يأمل ألا يراه أي من أصدقائه الصيادين الآخرين وهو يحاول صيد سمكة واحدة فقط.
- “كيف دخل هذا المال في فم السمكة هو جدل عقيم للغاية، فبالنظر إلى من يتحدث كان خالق كل شيء.” بوله (Poole)
- فَخُذْهُ وَأَعْطِهِمْ عَنِّي وَعَنْكَ: لقد وثق يسوع في تدبير الله المعجزي. ولا يحدث كل يوم، أو أي يوم، أن يصطاد شخص سمكة ويأخذ عملة من فمها. ولكن يسوع استخدم تدبير الله لدفع ضرائبه.
- “وهكذا يدفع الابن العظيم الضريبة المفروضة على منزل أبيه؛ لكنه يمارس صلاحياته كملك، ويُخرج الشاقل من الخزينة الملكية. كإنسان يدفع، لكنه في المقام الأول وبصفته الملك، يأمر السمكة أن تُحضر له الشاقل في فمها.” سبيرجن (Spurgeon)
- لا ندري لماذا لم يخبر يسوع بطرس بتقديم ما يكفي لدفع الضريبة عن جميع التلاميذ. ربما كان ضمنيًا أو مفهومًا. جادل بوله (Poole) بأن هذه الضريبة في هذا الوقت كانت مطلوبة فقط من يسوع وبطرس لأن الجباية كانت من مدينة كفرناحوم، وكان بطرس ويسوع وحدهما من سكان كفرناحوم في هذا الوقت.
- لكنه دفع عن بطرس، إيذانًا بعمل الفداء لجميع البشر. لقد دفع يسوع الثمن رغم أنه لم يكن مدينًا، وفي الوقت نفسه، بالثمن ذاته، دفع عن بطرس أيضًا.