إنجيل متى – الإصحاح ٢١
بداية أسبوع يسوع الأخير
أولًا. الدخول الانتصاري
أ ) الآيات (١-٦): يسوع يوجه تلاميذه فيما يتعلق بالتحضير لدخوله المنتصر إلى أورشليم.
١وَلَمَّا قَرُبُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ وَجَاءُوا إِلَى بَيْتِ فَاجِي عِنْدَ جَبَلِ الزَّيْتُونِ، حِينَئِذٍ أَرْسَلَ يَسُوعُ تِلْمِيذَيْنِ ٢قَائِلًا لَهُمَا: «اِذْهَبَا إِلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أَمَامَكُمَا، فَلِلْوَقْتِ تَجِدَانِ أَتَانًا مَرْبُوطَةً وَجَحْشًا مَعَهَا، فَحُّلاَهُمَا وَأْتِيَاني بِهِمَا. ٣وَإِنْ قَالَ لَكُمَا أَحَدٌ شَيْئًا، فَقُولاَ: الرَّبُّ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِمَا. فَلِلْوَقْتِ يُرْسِلُهُمَا». ٤فَكَانَ هذَا كُلُّهُ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالنَّبِيِّ الْقَائِلِ: ٥«قُولُوا لابْنَةِ صِهْيَوْنَ: هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِيكِ وَدِيعًا، رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ وَجَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ». ٦فَذَهَبَ التِّلْمِيذَانِ وَفَعَلاَ كَمَا أَمَرَهُمَا يَسُوع.
- وَلَمَّا قَرُبُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ: علِم يسوع أن القادة الدينيين سوف يعتقلونه ويدينونه ويسخرون منه ويجلدونه ويسلمونه إلى الرومانيين ليصلبوه (متى ١٩:٢٠). ومع ذلك كان لديه الشجاعة ليس فقط لدخول أورشليم، ولكن لدخولها بأكثر طريقة علنية ممكنة، مما يتناقض مع نمطه السابق الذي كان يتسم بالتكتم.
- لو لم يمنع يسوع الحماسَ الشعبي تجاهه وأعلن أنه المسيا، لحدث هذا منذ زمن بعيد ومرات عديدة.
- “لم يكن يسوع قد اختار لحظة أكثر دراماتيكية؛ فقد دخل مدينة تعُج بأناس منتظرين ومتوقعين مجيء المسيا.” باركلي (Barclay)
- “لم يتم التلاعب بتجمع الحشود أو التصفيق، فهذا كان سيحدث على أية حال. ولكن الركوب على جحش، الذي كان مخططًا له، كان فعلًا متعمدًا للكشف عن الذات، إذ قد تم رفع السرية.” كارسون (Carson)
- تَجِدَانِ أَتَانًا مَرْبُوطَةً وَجَحْشًا مَعَهَا: كان يسوع سيركب على أصغر الحيوانات سنًا، وهو الجحش. وقد أخبر التلاميذ كيف سيجدون هذه الحيوانات، وأمرهم بإحضارها.
- يذكر النص العبري في سفر زكريا ٩ حيوانًا واحدًا وليس اثنين. “إذا افترضنا أن البشير متى كان يفهِم اللغة العبرية، فإن الاقتباس الكامل يؤكد أن يسوع ركب ’الجحش‘ وليس أمه (الأتان). ويقول كل من مرقس ولوقا أن الحيوان كان صغيرًا لدرجة أنه لم يسبق له أن رُكِبَ. إذًا، وسط هذا الحشد المُهتاج، يظل حيوان غير مروض هادئًا تحت يد المسيا المسيطر على الطبيعة.” كارسون (Carson)
- “يخبرنا مرقس أن الجحش لم يسبق له أن رُكِبَ من قبل (مرقس ٢:١١)، لذلك سيكون من الحكمة إحضار أمه (الأتان) أيضًا لطمأنته بين الجماهير الصاخبة.” فرانس (France)
- “مُحْتَاجٌ إِلَيْهِمَا: ليس بسبب التعب الجسدي؛ فمن سافر مشيًا على الأقدام من الجليل إلى بيت عنيا، كان يمكن أن يمشي الميلين الآخرين؛ ولكنه فعل ذلك لكي يدخل أورشليم كما تُنبأ زكريا ٩:٩.” بوله (Poole)
- “هل لاحظتم صيغة المفرد هنا: ’الرب‘ و’محتاج إليه!‘. فيسوع، دون أن يضع سيادته جانبًا، اتخذ الطبيعة الإنسانية المليئة بالاحتياجات؛ ومع ذلك، كونه محتاجًا، لا يزال هو الرب الذي كان بإمكانه توجيه رعاياه وطلب ممتلكاتهم بشرعية.” سبيرجن (Spurgeon)
- فَكَانَ هذَا كُلُّهُ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالنَّبِيِّ: هنا، عمل يسوع عمدًا على تحقيق النبوءة، وخاصة نبوءة دانيال الخاصة بالسبعين أسبوعًا، والتي يشعر الكثيرون أن يسوع قد حققها في اليوم المحدد لدخوله الانتصاري (دانيال ٢٤:٩-٢٧).
- “من الممكن أن البشير متى قدم هذه الآيات على أنها كلمات نطق يسوع بها.” كارسون (Carson)
- هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِيكِ وَدِيعًا، رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ وَجَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ: لقد جاء يسوع إلى أورشليم بتواضع، ولكن بكرامة مناسبة. وبدلًا من المجيء على ظهر حصان كقائد عام، ركب على وَجَحْش، كما كان معتادًا مع الملوك. لقد جاء إلى أورشليم كرئيس السلام.
- “الحمير كانوا من الحيوانات القديمة التي اعتاد الأشخاص العظماء على ركوبها (سفر القضاة ٤:١٠؛ ١٤:١٢). ولكن بعد زمن سليمان، وبعد حصول اليهود على سلالة من الخيول، خصصت الحمير للفقراء فقط وكانت تستخدم معظمها لحمل الأثقال.” بوله (Poole)
- “لذلك، من أجل أن يرى من لديهم عيون للنظر، لم يعلن يسوع فقط عن مسيانيته وعن تتميمه لنبوات الكُتب المقدسة، لكنه أظهر نوعًا من نَهج المحبة وصنع السلام التي كان يوجهه الآن للمدينة.” كارسون (Carson)
- “هذا الدخول إلى أورشليم أُطلِق عليه ’انتصار المسيح.‘ لقد كان بالفعل انتصار التواضع على الفخر والعظمة الدنيوية، وانتصار الفقر على الغِنى، وانتصار الوداعة والرقة على الغضب والخبث.” كلارك (Clarke)
ب) الآيات (٧-١١): يسوع يقبل ويشجع على عبادته باعتباره المسيا.
٧وَأَتَيَا بِالأَتَانِ وَالْجَحْشِ، وَوَضَعَا عَلَيْهِمَا ثِيَابَهُمَا فَجَلَسَ عَلَيْهِمَا. ٨وَالْجَمْعُ الأَكْثَرُ فَرَشُوا ثِيَابَهُمْ فِي الطَّرِيقِ. وَآخَرُونَ قَطَعُوا أَغْصَانًا مِنَ الشَّجَرِ وَفَرَشُوهَا فِي الطَّرِيقِ. ٩وَالْجُمُوعُ الَّذِينَ تَقَدَّمُوا وَالَّذِينَ تَبِعُوا كَانُوا يَصْرَخُونَ قَائِلِينَ: «أُوصَنَّا لابْنِ دَاوُدَ! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! أُوصَنَّا فِي الأَعَالِي!». ١٠وَلَمَّا دَخَلَ أُورُشَلِيمَ ارْتَجَّتِ الْمَدِينَةُ كُلُّهَا قَائِلَةً: «مَنْ هذَا؟» ١١فَقَالَتِ الْجُمُوعُ: «هذَا يَسُوعُ النَّبِيُّ الَّذِي مِنْ نَاصِرَةِ الْجَلِيلِ».
- وَوَضَعَا عَلَيْهِمَا ثِيَابَهُمَا فَجَلَسَ عَلَيْهِمَا. وَالْجَمْعُ الأَكْثَرُ فَرَشُوا ثِيَابَهُمْ فِي الطَّرِيقِ. وَآخَرُونَ قَطَعُوا أَغْصَانًا مِنَ الشَّجَرِ وَفَرَشُوهَا فِي الطَّرِيقِ: كل هذا تم لتكريم يسوع باعتباره شخصًا عظيمًا منتصرًا قادمًا إلى أورشليم في موسم الفصح.
- هذا ما قاله وايزمان (Wiseman) عن فَرش الملابس الذي صار للمَلَكَ يَاهُو في ملوك الثاني ١٣:٩ “كان فرش الملابس تعبيرًا عن التقدير والولاء ووعد بالدعم.”
- “كان حمل النخيل وغيرها من الفروع رمزًا للانتصار والنجاح. انظر مكابيين الأول ٥١:١٣؛ ومكابيين الثاني ٧:١٠؛ رؤيا يوحنا ٩:٧.” كلارك (Clarke). “في اليوم الثالث والعشرين من الشهر الثاني، في السنة الواحدة والسبعين، دخل اليهود القلعة مع صيحات الابتهاج، ملوحين بأغصان النخيل، مع موسيقى القيثارة والصنوج وغناء التراتيل والأناشيد الدينية، لأنه قد تم تدمير عدو كبير لإسرائيل.” (مكابيين الأول ٥١:١٣).
- بطريقة ما، ما فعله هذا الحشد كان رائعًا ومجيدًا. “هتاف الكنيسة وحماسها هو علامة على وجود المسيح. لكني أسمع أحيانًا تذمر البعض حول كون النهضات حماسية ومثيرة. ربما تكون تلك الشكاوي صحيحة، لكني لا أراها شيئا سيئًا أو خطأ. فهذا العصر لا يخطئ في كونه متحمسًا للأمور الروحية. فقد أخطأ كثيرًا كونه على الجانب الآخر، فربما إذًا لا يكون الإفراط في الحماس الأسوأ من بين جميع المصائب؛ وعلى أية حال، لا أخاف أن أجرب الأمر وأكون أكثر حماسة في عبادتي.” سبيرجن (Spurgeon)
- ومن ناحية أخرى، كان هذا الحشد سخيفًا، من وجهة النظر العالمية. “إن سمع بيلاطس نفسه عن ذلك لقال: ’آه! ليس هناك ما أخشاه من هذا. فلا خوف في أن يزعج هذا الإنسانُ البسيطُ قيصرَ؛ ولا خوف من أن يحدث انقلابًا عسكريًا. أين سيوفهم؟ لا يوجد معهم سيوف! وصيحاتهم لا تدل على صيحات التمرد. وأغانيهم ليست سوى بعض الآيات الدينية التي تم اقتباسها من سفر المزامير. أوه! إن الأمر برمته تافه وسخيف.” سبيرجن (Spurgeon)
- أُوصَنَّا لابْنِ دَاوُدَ!: كانت هذه صيحة عبادة مخصصة للمسيا. إنهم يتطلعون إلى يسوع من أجل الخلاص (كلمة ’أُوصَنَّا‘ تعني ’خلصنا الآن!‘ وكانت توجه إلى الملوك، كما في صموئيل الثاني ٤:١٤، وملوك الثاني ٢٦:٦). إنهم يعطون يسوع علنًا الألقاب المناسبة للمسيا (ابْنِ دَاوُدَ… الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ).
- قَبِل يسوعُ هذه العبادة وشجعها بالفعل. ويرجع هذا إلى الآية المذكورة في مزمور ٢٤:١١٨ ’هذَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي صَنَعُهُ الرَّبُّ،‘ وهو اليوم الذي جاء فيه المسيا كمخلص إلى أورشليم تحقيقًا لنبوءة دانيال.
- “ترجمة ’أوصنا‘ حرفيًا هي التعبير العبري للصرخة طلبًا للمساعدة: ’خَلَّصْ.‘ وبمرور الوقت أصبح هذا التعبير توسلًا لنوال البركة، بل وحتى صيحة هتاف. يهلل الناس لله في الأعالي لأنه أرسل إليهم المسيا، وإذا كان تعبير ’أوصنا‘ محتفظًا ببعض من قوته اللغوية الأصلية، إذًا فهم أيضًا يصرخون إليه طلبًا في أن يخلصهم.” كارسون (Carson)
- “إنها في الأساس صرخة الناس من أجل الخلاص والمساعدة في يوم بليتهم؛ إنها صرخة الشعب المضطهَد إلى منقذهم وملكهم.” باركلي (Barclay)
- “اعتادوا على قول الجملة التالية في اللاتينية: ’صوت الشعب مِن صوت الله.‘ ولكن القول خاطئ: فقد يبدو أن صوت الناس هو صوت الله عندما يصرخون ’أوصنا في الأعالي‘؛ ولكن صوت من كان عندما صرخوا: ’أصلبه، أصلبه؟‘” سبيرجن (Spurgeon)
- وَلَمَّا دَخَلَ أُورُشَلِيمَ ارْتَجَّتِ الْمَدِينَةُ كُلُّهَا: وبدخوله الانتصاري أيضًا، أظهر يسوع أنه لا يخاف من رؤساء الكهنة والفريسيين. فقد كان يعلم أنهم كانوا يخططون لقتله، ومع ذلك، جاء صراحة إلى المدينة باعتباره المسيا.
- “عندما جاء المجوس باحثين عن ملك اليهود، ’اضطربت كل المدينة‘ (متى ٣:٢). والآن عندما وصل الملك ’ارْتَجَّتِ الْمَدِينَةُ كُلُّهَا‘.” فرانس (France)
- “كم هو غريب أن يغير هؤلاء الأشخاص أنفسهم… فبعد حوالي خمسة أيام تغير صراخهم من ’أوصنا‘ إلى ’اصلبه! اصلبه!‘ كم هو متقلب هذا الجمهور! حتى عندما يكونون على حق، هناك القليل من الأمل في استمرارهم لفترة طويلة على هذا الحق.” كلارك (Clarke)
- قبل أن يدخل المدينة، نظر إلى المدينة وبكى، وهو يعرف الدينونة التي كانت ستأتي على أورشليم (لوقا ٤١:١٩-٤٤).
- “ربنا يحب أن يكون شعبه سعيدًا. فقد بكى بمفرده على أورشليم. ولكن السعادة قد نشرها في كل مكان، حتى أن الصبيان والبنات في شوارع أورشليم جعلوا بلاط الهيكل يرن بأقدامهم بفرحهم وأغانيهم السعيدة.” سبيرجن (Spurgeon)
- هذَا يَسُوعُ النَّبِيُّ الَّذِي مِنْ نَاصِرَةِ الْجَلِيلِ: هذا مواصلة للتعرف المبكر على يسوع الذي من الناصرة (متى ٢٣:٢). فقد يبدو غريبًا بالنسبة للكثيرين، خاصة للمؤسسة الدينية، أن نبيًا سيأتي من مدينة الناصرة المغمورة التي لم يلاحظها أحد.
- “عندما ينهض ربنا الكنيسة، يطرح العالم في الخارج السؤال التالي: ’لماذا هذا الحماس؟ ماذا يعني كل هذا؟ من هو هذا المسيح وما معنى خلاصه؟‘ روح هذا الاستفسار مرغوب به بشدة. فقد أصبحت المسألة الآن أمر ينبغي السعي وراءه من خلال الصلاة المُلحَّة.” سبيرجن (Spurgeon)
- “لم يكونوا قد استفادوا كثيرًا ولم يحرزوا تقدمًا كبيرًا فيما يخص سِر المسيح، ليعرفوا أنه ولد من بيت لحم.” تراب (Trapp)
ثانيًا. يسوع يطهر الهيكل
أ ) الآيات (١٢-١٣): يسوع يوقف بالقوة التدنيس التجاري للهيكل.
١٢وَدَخَلَ يَسُوعُ إِلَى هَيْكَلِ اللهِ وَأَخْرَجَ جَمِيعَ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِي الْهَيْكَلِ، وَقَلَبَ مَوَائِدَ الصَّيَارِفَةِ وَكَرَاسِيَّ بَاعَةِ الْحَمَامِ ١٣وَقَالَ لَهُمْ: «مَكْتُوبٌ: بَيْتِي بَيْتَ الصَّلاَةِ يُدْعَى. وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ!»
- وَأَخْرَجَ جَمِيعَ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِي الْهَيْكَلِ: يبدو هذا مختلفًا عن تطهير فناء الهيكل في إنجيل يوحنا ١٣:٢-٢٢، والذي حدث نحو بداية خدمة يسوع الأرضية. ولكن الغرض كان هو نفسه: لطرد التجار، الذين قاموا بالتعاون مع الكهنة، بخداع زوار أورشليم بإجبارهم على شراء الذبائح بأسعار مرتفعة.
- يلاحظ باركلي (Barclay) ما يلي: “زوج الحمام يمكن أن يكلف أقل من ٤ قروش خارج الهيكل، ولكنه كان يُباع في الهيكل مقابل ٧٥ قرشًا.” وهذا أكثر تكلفة بنحو عشرين مرة.
- ومع ذلك، كان غضب يسوع موجهًا ضد جَمِيعَ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ. “يُنظر إلى البائعين والمشترين على أنهم شركة واحدة، يتمتعون بروح واحدة، فيتم طردهم بالجملة. كانت التجارة ضرورية، وربما كانت بريئة؛ لكن روح التجارة سرعان ما طورت الانتهاكات التي كانت بلا شك متفشية في تلك الفترة.” بروس (Bruce)
- ما فعله يسوع لم يحقق شيء. “ليس هناك ما يشير، ولا من المحتمل، إلى تحقيق أي إصلاح دائم؛ لا شك أن الطاولات عادت لبقية الأسبوع، ولم يتخذ يسوع أي إجراء آخر.” فرانس (France)
- يقول فرانس (France) إنه كان هناك توقع معاصر بأن يطهر المسيا الهيكل، ليس من الغزاة الوثنيين (مثل أنطيوخوس إبيڨانيس وبومباي) فسحب، ولكن أيضًا من العبادة الزائفة لشعب الله.
- “لا أعتقد أننا سنطهر أي كنيسة تمامًا بموجب قوانين البرلمان، ولا عن طريق جمعيات الإصلاح، ولا عن طريق التحريض، ولا عن طريق أي وكالة بشرية. فلا يمكن لأي يد أن تفهم الآفة التي أحدثها المشترين والبائعين والتي أدت إلى طردهم، إلا تلك اليد التي كانت مثبتة على الصليب. دع الرب يفعل ذلك وسيُنجز العمل، لأن الأمر لا يخص الإنسان، ولن يستطيع أن ينجزه الإنسان.” سبيرجن (Spurgeon)
- بَيْتِي بَيْتَ الصَّلاَةِ يُدْعَى: كان التجار يعملون في الفناء الخارجي للهيكل، وهي المنطقة الوحيدة التي يمكن أن يصل إليها الأمم ليصلون. لذلك، تم تحويل مكان الصلاة هذا إلى سوق، وسوق غير شريف (مَغَارَةَ لُصُوصٍ).
- يذكر إنجيل مرقس الاقتباس الأكثر اكتمالًا لإشارة يسوع إلى سفر إشعياء ٥٦:٧ “أَلَيْسَ مَكْتُوبًا: بَيْتِي بَيْتَ صَلاَةٍ يُدْعَى لِجَمِيعِ الأُمَمِ؟” (مرقس ١١:١٧). كانت النقطة أن إشعياء تنبأ، وأمر يسوع أن يكون الهيكل مكانًا يصلي فيه جميع الأمم. الحركة التي أحدثها جَمِيعَ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ في الفناء الخارجي جعلت من المستحيل على أي أممي أن يأتي ويصلي.
- “في خضَّم تلك الضجة من البيع والشراء والمساومة والمزادات، كانت الصلاة مستحيلة. فأولئك الذين طلبوا حضور الله كانوا محرومين منه بسبب شعب الله.” باركلي (Barclay)
ب) الآية (١٤): يسوع يستمر في إظهار رحمة الله في فناء الهيكل.
١٤وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ عُمْيٌ وَعُرْجٌ فِي الْهَيْكَلِ فَشَفَاهُمْ.
- وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ عُمْيٌ وَعُرْجٌ: العمل الجريء ليسوع عندما أخرج التجار والصيارفة من فناء الهيكل لم يثنِ المحتاج عن المجيء إليه.
- تم اقتصار وجود العُمْيٌ وَالعُرْجٌ على فناء الأمم؛ فأولئك لم يتمكنوا من الاقتراب من الهيكل ولم يتمكنوا من الذهاب إلى المذبح للتضحية. فبعد تطهير فناء الأمم من التجار واللصوص، خدم يسوع المنبوذين الذين تجمعوا هناك.
- فَشَفَاهُمْ: بعد طرد الصيارفة والتجار من فناء الهيكل، لم يقم يسوع بتأسيس ’جمعية تطهير الهيكل،‘ لكنه عاد إلى ممارسة عمله باعتباره المسيا، وهو جزء مهم يُظهر قوة الله من خلال الرحمة والرأفة.
ج ) الآيات (١٥-١٧): غضب القادة اليهود.
٥فَلَمَّا رَأَى رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ الْعَجَائِبَ الَّتِي صَنَعَ، وَالأَوْلاَدَ يَصْرَخُونَ فِي الْهَيْكَلِ وَيَقُولُونَ: «أُوصَنَّا لابْنِ دَاوُدَ!»، غَضِبُوا ١٦وَقَالُوا لَهُ: «أَتَسْمَعُ مَا يَقُولُ هؤُلاَءِ؟» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «نَعَمْ! أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ: مِنْ أَفْوَاهِ الأَطْفَالِ وَالرُّضَّعِ هَيَّأْتَ تَسْبِيحًا؟». ١٧ثُمَّ تَرَكَهُمْ وَخَرَجَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا وَبَاتَ هُنَاكَ.
- غَضِبُوا: كان هذا ردهم على الْعَجَائِبَ الَّتِي صَنَعَ، ولمدح يسوع الأَوْلاَد في فناء الهيكل. وقد كان نفاق القادة الدينيين واضح. لم يزعجهم الجشع والسرقة في الهيكل، لكن التسبيح ليسوع أزعجهم.
- “كان من الشائع بين اليهود أن يتم الاستعانة بالأولاد في الهتافات العامة؛ وهكذا اعتادوا أن يثنوا على أحبارهم المشهورين. وبالتالي، لم يكن هذا الصراخ شيئًا غريبًا في المدينة: فقد غضبوا عليهم لأنهم احتفلوا بشخص كان لديهم كراهية متأصلة ضده.” كلارك (Clarke)
- هذا يذكرنا أنه يمكن للأَوْلاَد أن يتمتعوا بعلاقة حقيقية بالله وأن يكون لهم حياة روحية حقيقية، ومع ذلك يظلون أطفالًا. “عندما يتصرف أي ولد كرجل ناضج، هذا ليس تقديسًا له، بل إفسادًا له. وأن تتصرف بنت بطريقة أكبر من عمرها، وتقلد أسلوب وشخصية أمها، هو أيضًا أمر مؤذي. فالله لا يقدس الأولاد ليتصرفوا كالناضجين، لكنه يقدس الأولاد بما يتناسب مع عمرهم.” سبيرجن (Spurgeon)
- أَتَسْمَعُ مَا يَقُولُ هؤُلاَءِ؟: أجاب يسوع على هذا السؤال من رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ. وكانت الإجابة واضحة: نعم، لقد سمع مَا يَقُولُ هؤُلاَءِ – وكان تَسْبِيحًا مثاليًا في آذان الله.
- “تشجع لوثر (Luther) كثيرًا عندما عرف أن الأطفال كانوا يلتقون معًا للصلاة. وقال، ’سوف يسمعهم الله. والشيطان نفسه لا يستطيع إلحاق الهزيمة بنا الآن حيث يبدأ الأطفال في الصلاة.‘” سبيرجن (Spurgeon)
- ثُمَّ تَرَكَهُمْ وَخَرَجَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا وَبَاتَ هُنَاكَ: في وقت الفصح، احتشد الآلاف والآلاف من الحجاج في أورشليم. وكان من الشائع أن يقيم البعض في القرى المحيطة، وكانت بَيْتِ عَنْيَا قريبة.
- “في عيد الفصح، لا يمكن الوصول بسهولة إلى المدينة، لكن منزل مرثا ومريم سيكون مفتوحًا ليسوع (راجع لوقا ٣٧:٢١).” بروس (Bruce)
ثالثًا. درس من شجرة التين
أ ) الآيات (١٨-١٩): يسوع يوبخ شجرة تين.
١٨وَفِي الصُّبْحِ إِذْ كَانَ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ جَاعَ، ١٩فَنَظَرَ شَجَرَةَ تِينٍ عَلَى الطَّرِيقِ، وَجَاءَ إِلَيْهَا فَلَمْ يَجِدْ فِيهَا شَيْئًا إِلاَّ وَرَقًا فَقَطْ. فَقَالَ لَهَا: «لاَ يَكُنْ مِنْكِ ثَمَرٌ بَعْدُ إِلَى الأَبَدِ!». فَيَبِسَتِ التِّينَةُ فِي الْحَالِ.
- جَاعَ: يتساءل البعض عن سبب جوع يسوع في الصباح وهو يغادر منزل مرثا ومريم. تكهن سبيرجن (Spurgeon) بأن ذلك كان لأنه استيقظ مبكرًا ليقضي وقتًا مع أبيه السماوي، ولم يأخذ وقتًا لتناول الطعام.
- “لأنه إنسان، شعر بالجوع. فالجوع علامة على الصحة.” مورجان (Morgan)
- لاَ يَكُنْ مِنْكِ ثَمَرٌ بَعْدُ إِلَى الأَبَدِ!: بطريقة مثيرة، صنع يسوع معجزة مدمِرة. جعلت لعنته شَجَرَةَ تِينٍ تذبل.
- تجدر الإشارة إلى أن معجزتي يسوع المدمرتين (هذه بالإضافة إلى حادثة تدمير قطيع الخنازير، متى ٣٠:٨-٣٢)، لم تكن موجهة نحو الناس.
- فَلَمْ يَجِدْ فِيهَا شَيْئًا إِلاَّ وَرَقًا فَقَطْ: هذا ما يفسر سبب قيام يسوع بهذه المعجزة المدمرة. ففي الأساس، كانت الشجرة صورة لإعلانات كاذبة، لها أوراق، ولكن لا يوجد تين. فلا ينبغي أن يكون هذا هو الحال مع هذه الأشجار بالذات، التي عادةً الكثير من التين.
- “بحث آدم الأول عن الأوراق في شجرة التين، لكن آدم الثاني بحث عن التين.” سبيرجن (Spurgeon)
- في مثل هذا التصرف، حذر يسوع من الدينونة القادمة على إسرائيل غير المثمرة. لقد أظهر استنكار الله للناس الذين هم جميعهم أوراق بلا ثمر. “القصة واضحة وبسيطة، وتشير لما هو واضح تمامًا: ما يهم هو الفعل وليس الكلام والوعود فقط.” فرانس (France)
ب) الآيات (٢٠-٢٢): كيف فعل يسوع هذا؟
٢٠فَلَمَّا رَأَى التَّلاَمِيذُ ذلِكَ تَعَجَّبُوا قَائِلِينَ: «كَيْفَ يَبِسَتِ التِّينَةُ فِي الْحَالِ؟» ٢١فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ وَلاَ تَشُكُّونَ، فَلاَ تَفْعَلُونَ أَمْرَ التِّينَةِ فَقَطْ، بَلْ إِنْ قُلْتُمْ أَيْضًا لِهذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ وَانْطَرِحْ فِي الْبَحْرِ فَيَكُونُ. ٢٢وَكُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ فِي الصَّلاَةِ مُؤْمِنِينَ تَنَالُونَهُ».
- كَيْفَ يَبِسَتِ التِّينَةُ فِي الْحَالِ؟: أوضح يسوع أن هذه المعجزة كانت حقًا نتيجة صلاة الإيمان (إِنْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ وَلاَ تَشُكُّونَ). ثم شجع تلاميذه المُنذهلين على أن يكون لديهم هذا النوع من الإيمان، واثقين أن الله سيسمعهم أيضًا.
- وَكُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ فِي الصَّلاَةِ مُؤْمِنِينَ تَنَالُونَهُ: هذا الوعد باستجابة صلاة الإيمان، كان للتلاميذ وليس للجمهور. وهذا وعد لأولئك الذين يتبعون يسوع.
- “ليس هناك ما هو صعب على الإيمان الحقيقي، لكن يجب أن يكون لهذا الإيمان وعد ليستند عليه.” بوله (Poole)
- “لا يمكننا إلا أن نصلي بإيمان إلا عندما نكون في اتحاد مع الله بحيث يتدفق فكره وغرضه بحرية إلينا، مشيرًا إلى ما ينبغي أن نصلي من أجله، ويقودنا إلى النقطة تفاهم تام مع الإرادة الإلهية. الإيمان هو دائمًا نتاج إطار كهذا.” ماير (Meyer)
رابعًا. يسوع يجيب على القادة اليهود
أ ) الآيات (٢٣-٢٧): استجواب يسوع من قِبل القادة الدينيين وهو عائد إلى الهيكل.
٢٣وَلَمَّا جَاءَ إِلَى الْهَيْكَلِ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَشُيُوخُ الشَّعْب وَهُوَ يُعَلِّمُ، قَائِلِينَ: «بِأَيِّ سُلْطَانٍ تَفْعَلُ هذَا؟ وَمَنْ أَعْطَاكَ هذَا السُّلْطَانَ؟» ٢٤فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «وَأَنَا أَيْضًا أَسْأَلُكُمْ كَلِمَةً وَاحِدَةً، فَإِنْ قُلْتُمْ لِي عَنْهَا أَقُولُ لَكُمْ أَنَا أَيْضًا بِأَيِّ سُلْطَانٍ أَفْعَلُ هذَا: ٢٥مَعْمُودِيَّةُ يُوحَنَّا: مِنْ أَيْنَ كَانَتْ؟ مِنَ السَّمَاءِ أَمْ مِنَ النَّاسِ؟» فَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ قَائِلِينَ: «إِنْ قُلْنَا: مِنَ السَّمَاءِ، يَقُولُ لَنَا: فَلِمَاذَا لَمْ تُؤْمِنُوا بِهِ؟ ٢٦وَإِنْ قُلْنَا: مِنَ النَّاسِ، نَخَافُ مِنَ الشَّعْبِ، لأَنَّ يُوحَنَّا عِنْدَ الْجَمِيعِ مِثْلُ نَبِيٍّ». ٢٧فَأَجَابُوا يَسُوعَ وَقَالُوا: «لاَ نَعْلَمُ». فَقَالَ لَهُمْ هُوَ أَيْضًا: «وَلاَ أَنَا أَقُولُ لَكُمْ بِأَيِّ سُلْطَانٍ أَفْعَلُ هذَا.
- تَقَدَّمَ إِلَيْهِ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَشُيُوخُ الشَّعْب وَهُوَ يُعَلِّمُ: في زيارته السابقة في اليوم السابق، أخرج يسوع الصيارفة والتجار من فناء الهيكل. والآن عاد هناك ليُعلم، غير خائفٍ من القادة الدينيين.
- “عندما نفكر في الأمور الاستثنائية التي كان يقوم بها يسوع، لا يمكن أن نفاجأ بأن تسأله السلطات اليهودية بأي سلطان كان يفعل ذلك.” باركلي (Barclay)
- بِأَيِّ سُلْطَانٍ تَفْعَلُ هذَا؟: أثار القادة الدينيون مسألة سلطان يسوع، وأجاب بالسؤال عن أهليتهم في الحكم على هذه القضية. فكانت قدرتهم على الحكم على يوحنا المعمدان وخدمته مقياسًا لقدرتهم على الحكم على يسوع أيضًا (مَعْمُودِيَّةُ يُوحَنَّا: مِنْ أَيْنَ كَانَتْ؟).
- “سؤاله أكثر عمقًا بكثير. إذا أجابت السلطات الدينية عن حق، فستحصل بالفعل على الإجابة الصحيحة على سؤالهم.” كارسون (Carson)
- “وبالتالي هذه هي الأسئلة الحالية التي يطرحها البعض على معلمي الحق الكتابي: بأي سلطان تفعل هذه الأشياء؟ من أين دعوتك؟ وأين رسمت؟ ما هو دينك قبل لوثر؟ وكانت أفضل إجابة قدمها شخص: ’سلطاني هو من الكتاب المقدس، أما سلطانكم فلم يكن من هناك أبدًا.” تراب (Trapp)
- لاَ نَعْلَمُ: لقد أجابوا فقط بعد حساب النتائج السياسية لإجابتهم. لا يبدو أنهم مهتمون بالإجابة على السؤال بأمانة، بل بذكاء. أظهر هذا أنهم كانوا أكثر اهتمامًا بآراء الجموع أكثر من إرادة الله، لذلك لم يجب يسوع عن سؤالهم له.
- “لم يستطيعوا أن يقولوا ’من الناس‘ لأنهم جبناء، ولم يقولوا ’من السماء‘ لأنهم كانوا منافقين.” مورجان (Morgan)
- لقد لبى يسوع بلطف ورأفة احتياجات الجمهور المتألم، كما هو موضح في إنجيل متى ١٤:٢١. ولكن يسوع لم يبدِ الكثير من الصبر مع أولئك الذين استجوبوه بغرور آملين في الإيقاع به من خلال كلماته. لم يسقط يسوع في شَرَكهم.
ب) الآيات (٢٨-٣٢): مثل الابنين.
٢٨«مَاذَا تَظُنُّونَ؟ كَانَ لإِنْسَانٍ ابْنَانِ، فَجَاءَ إِلَى الأَوَّلِ وَقَالَ: يَا ابْنِي، اذْهَب الْيَوْمَ اعْمَلْ فِي كَرْمِي. ٢٩فَأَجَابَ وَقَالَ: مَا أُرِيدُ. وَلكِنَّهُ نَدِمَ أَخِيرًا وَمَضَى. ٣٠وَجَاءَ إِلَى الثَّاني وَقَالَ كَذلِكَ. فَأَجَابَ وَقَالَ: هَا أَنَا يَا سَيِّدُ. وَلَمْ يَمْضِ. ٣١فَأَيُّ الاثْنَيْنِ عَمِلَ إِرَادَةَ الأَبِ؟» قَالُوا لَهُ: «الأَوَّلُ». قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ الْعَشَّارِينَ وَالزَّوَانِيَ يَسْبِقُونَكُمْ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ، ٣٢لأَنَّ يُوحَنَّا جَاءَكُمْ فِي طَرِيقِ الْحَقِّ فَلَمْ تُؤْمِنُوا بِهِ، وَأَمَّا الْعَشَّارُونَ وَالزَّوَاني فَآمَنُوا بِهِ. وَأَنْتُمْ إِذْ رَأَيْتُمْ لَمْ تَنْدَمُوا أَخِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِه.
- كَانَ لإِنْسَانٍ ابْنَانِ: هذا المثل يوضح لنا نوعين مختلفين من الأبناء. كانا في نفس المنزل، ويمكن أن نقول أن الأب كان له الحق في أن يخدمه أولاده. ربما تمنوا أن يتركهم الأب وشأنهم، لكنه لم يفعل. كان من الجيد والصحيح أن يتوقع الأب أن يعمل الأبناء لصالحه.
- وفقًا لمبدأ الكتاب المقدس العام، يمكننا القول إنه ليس من واجبنا فصلهم إلا من خلال الإرشاد وحضَّ الضمير. أما الانفصال المؤكد فيجب أن ينتظر حتى نهاية الزمان؛ وحتى ذلك الحين، سينمو القمح والزوان معًا.
- يَا ابْنِي، اذْهَب الْيَوْمَ اعْمَلْ فِي كَرْمِي: هناك الكثير لنراه في هذه الكلمات البسيطة من الأب للابن.
- تحدث الأب إلى هذا الابن بشكل فردي؛ لم يتحدث مع الابنين. بالرغم من أن نفس الدعوة وجهت إلى كلا الابنين (وَجَاءَ إِلَى الثَّاني وَقَالَ كَذلِكَ)، فقد كانت دعوة فردية للعمل.
- ناشده الأب الابن أولًا، مع العلم أنه كونه ابنَ والده كان ينبغي يكون مستعدًا للقيام بإرادة أبيه.
- طلب الأب من الابن أن يعمل؛ للمشاركة في أعمال الأسرة. طلب منه العمل وليس اللعب.
- طلب الأب من الابن العمل اليوم، وليس في وقت بعيد.
- طلب الأب من الابن العمل في ’كرمي.‘ فالكرم يخص الأب، لذلك كان ينبغي أن يكون مهمًا للابن.
- مَا أُرِيدُ. وَلكِنَّهُ نَدِمَ أَخِيرًا وَمَضَى: الابن الأول رفض العمل من أجل والده. فهو لا يريد الخضوع لإرادة الأب. ولكنه نَدِمَ أَخِيرًا وَمَضَى. قال الكلمات الخطأ، لكنه فعل الصواب.
- هَا أَنَا يَا سَيِّدُ. وَلَمْ يَمْضِ: قال الابن الثاني الشيء الصحيح وقال ذلك باحترام (يَا سَيِّدُ)، لكنه لم يفعل ما قال إنه سيفعله.
- هناك العديد من المصلين الذين يقلدون الابن الثاني.
- يعترفون بأن كلمة الله صحيحة.
- يعتزمون الحصول على جدية في يوم من الأيام.
- يتحدثون عن القيام بعمل الآب.
- يحافظون على المظهر الخارجي للدين، لكن قلبهم ليس مستقيمًا مع الله.
- يعتقدون أن الكلمات والوعود كافية.
- “قال الابن الثاني: ’أذهب يا سيدي، لكنه لم يفعل؛ وهؤلاء الناس لا يذهبون. يتحدثون عن التوبة، لكنهم لا يتوبون. إنهم يتحدثون عن الإيمان، لكنهم لا يصدقون أبدًا. يفكرون في الخضوع لله، لكنهم لم يقدموا أنفسهم له بعد. يقولون إن الوقت قد حان لزرع الأرض المحروثة، ويطلبون الله، لكنهم لا يسعون إليه. كل هذا في النهاية مجرد وعد وكلام.” سبيرجن (Spurgeon)
- إنهم يخطئون ضد النور، لأنهم يُدركون أكثر. وهذا خطير، لأن هذا يعتبر كذبًا على الروح القدس؛ إنه أمر خطير، لأن هذا يُقسي الضمير.
- هناك العديد من المصلين الذين يقلدون الابن الثاني.
- فَأَيُّ الاثْنَيْنِ عَمِلَ إِرَادَةَ الأَبِ؟: الهدف من هذا المثل واضح. ما يهم هو العيش من أجل الله، وليس قول الكلمات الصحيحة. كان القادة الدينيون بارعون في الكلام الروحي، لكن قلوبهم غير التائبة أظهرت أن الخطاة التائبين سيدخلون الملكوت قبلهم (يَسْبِقُونَكُمْ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ).
- “لا يمكن تقدير قيمة عبارة المسيح إلا عند الأخذ في الاعتبار التقدير المتدني الذي وُجَّه نحو العشارين، ناهيك عن الزواني.” كارسون (Carson)
- وَأَنْتُمْ إِذْ رَأَيْتُمْ لَمْ تَنْدَمُوا أَخِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِه: كان ينبغي على هؤلاء المتدينين الفخورين أن يتوبوا أكثر عندما رأوا الخطاة يتوبون، لكنهم لم يفعلوا.
ج ) الآيات (٣٣-٤١): مثل العبيد الأشرار.
٣٣«اِسْمَعُوا مَثَلًا آخَرَ: كَانَ إِنْسَانٌ رَبُّ بَيْتٍ غَرَسَ كَرْمًا، وَأَحَاطَهُ بِسِيَاجٍ، وَحَفَرَ فِيهِ مَعْصَرَةً، وَبَنَى بُرْجًا، وَسَلَّمَهُ إِلَى كَرَّامِينَ وَسَافَرَ. ٣٤وَلَمَّا قَرُبَ وَقْتُ الأَثْمَارِ أَرْسَلَ عَبِيدَهُ إِلَى الْكَرَّامِينَ لِيَأْخُذَ أَثْمَارَهُ. ٣٥فَأَخَذَ الْكَرَّامُونَ عَبِيدَهُ وَجَلَدُوا بَعْضًا وَقَتَلُوا بَعْضًا وَرَجَمُوا بَعْضًا. ٣٦ثُمَّ أَرْسَلَ أَيْضًا عَبِيدًا آخَرِينَ أَكْثَرَ مِنَ الأَوَّلِينَ، فَفَعَلُوا بِهِمْ كَذلِكَ. ٣٧فَأَخِيرًا أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ ابْنَهُ قَائِلًا: يَهَابُونَ ابْنِي! ٣٨وَأَمَّا الْكَرَّامُونَ فَلَمَّا رَأَوْا الابْنَ قَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: هذَا هُوَ الْوَارِثُ! هَلُمُّوا نَقْتُلْهُ وَنَأْخُذْ مِيرَاثَهُ! ٣٩فَأَخَذُوهُ وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْكَرْمِ وَقَتَلُوهُ. ٤٠فَمَتَى جَاءَ صَاحِبُ الْكَرْمِ، مَاذَا يَفْعَلُ بِأُولَئِكَ الْكَرَّامِينَ؟» ٤١قَالُوا لَهُ: «أُولئِكَ الأَرْدِيَاءُ يُهْلِكُهُمْ هَلاَكًا رَدِيًّا، وَيُسَلِّمُ الْكَرْمَ إِلَى كَرَّامِينَ آخَرِينَ يُعْطُونَهُ الأَثْمَارَ فِي أَوْقَاتِهَا».
- كَانَ إِنْسَانٌ رَبُّ بَيْتٍ غَرَسَ كَرْمًا، وَأَحَاطَهُ بِسِيَاجٍ: أخبر يسوع عن مالك أرض (رَبُّ بَيْتٍ) قام بغرس العنب بعناية واستأجر رجالًا لرعاية الكرم (الْكَرَّامِينَ). ولكن لقد أساء الرجال الذين كان من المفترض أن يديروا كرم العنب، وقتلوا الرسل الذين أرسلهم مالك الأرض. وأخيرًا أرسل ابنه وقتلوه أيضًا، معتقدين بحماقة أنهم سوف يسيطرون على الكرم. ومع ذلك، لم يكن رد مالك الأرض هو الرضوخ للكرامين، ولكن قرر أن يحكم ويقضي عليهم.
- غالبًا ما استخدم العهد القديم صورة الكرم للحديث عن إسرائيل (تثنية ٣٢:٣٢؛مزمور ٨:٨٠؛ إرميا ٢١:٢؛ إِشعياء ١:٥-٧).
- يَهَابُونَ ابْنِي!… هذَا هُوَ الْوَارِثُ!… هَلُمُّوا نَقْتُلْهُ وَنَأْخُذْ مِيرَاثَهُ!: صور يسوع جنون رؤساء الكهنة والشيوخ الذين تآمروا لقتل ابن الآب الذي أرْسِل إلى قادة إسرائيل المتمردين.
- “عامل الكرامون الرسلَ بأكثر الطرق بربرية ووحشية: الضرب والقتل والرجم حتى الموت؛ وهذا غير محتمل إلى حد كبير في المجال الطبيعي، ولكن هناك حالة أخرى فيها تتعدى الأمثال الاحتمال الطبيعي من أجل وصف سلوك الإنسان الحقيقي في المجال الروحي.” بروس (Bruce)
- “لا يُفهم من الخدام المرسلين إلى الكرامين أنهم هؤلاء الأنبياء غير العاديين.” بوله (Poole)
- “قبضوا عليه في جثسيماني، ثم أخرجوه في مجلسهم في قاعة قيافا، وعندما تم قيادته عبر بوابة أورشليم؛ قتلوه عند الجلجثة.” سبيرجن (Spurgeon)
- يُهْلِكُهُمْ هَلاَكًا رَدِيًّا: إن رسالة هذا المثل واضحة بما فيه الكفاية. بهذه الإجابة، فهم رؤساء الكهنة والشيوخ ما يستحقه الخدام الأشرار. حقًا، أولئك المتمردون على سيدهم، بهذه الطريقة، يستحقون الحكم.
- كانوا يعرفون أن صاحب الكرم (رَبُّ بَيْتٍ) لديه الحق في توقع الأَثْمَارَ فِي أَوْقَاتِهَا. وبنفس الطريقة، بحث الله عن ثمر من قادة اليهود، ولكنه لم يجد إلا القليل (كما هو موضح في حادثة شجرة التين).
- “أوه، يا ليت الرب يقيم أناسًا، يعطونه الثمار في أوانها! إن السمة المميزة للخادم المؤمن هي منحه لله كل مجد في أي عمل يُمكّنه القيام به، فإن الذي لا يمجد الرب، لن يُبَارِك الناس.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَيُسَلِّمُ الْكَرْمَ إِلَى كَرَّامِينَ آخَرِينَ يُعْطُونَهُ الأَثْمَارَ فِي أَوْقَاتِهَا: كان قادة إسرائيل فاسدين إلى درجة أن الله كان ينقل القيادة للآخرين، على وجه التحديد، إلى الرسل ومن ثم إلى الكنيسة اليهودية الأممية التي سيقودونها.
د ) الآيات (٤٢-٤٦): يسوع يحذر القادة الدينيين من نتيجة رفضهم.
٤٢قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ فِي الْكُتُبِ: الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ؟ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا! ٤٣لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلَكُوتَ اللهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ. ٤٤وَمَنْ سَقَطَ عَلَى هذَا الْحَجَرِ يَتَرَضَّضُ، وَمَنْ سَقَطَ هُوَ عَلَيْهِ يَسْحَقُهُ!».٤٥وَلَمَّا سَمِعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ أَمْثَالَهُ، عَرَفُوا أَنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَيْهِمْ. ٤٦وَإِذْ كَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يُمْسِكُوهُ، خَافُوا مِنَ الْجُمُوعِ، لأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ مِثْلَ نَبِيٍّ.
- أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ فِي الْكُتُبِ: هذه الطريقة في التحدث إلى رؤساء الكهنة وشيوخ إسرائيل لابد أنها أغضبتهم. يتحدث يسوع إلى كبار علماء اللاهوت في إسرائيل ويسألهم عما إذا كانوا قد قرأوا الْكُتُب من قبل.
- الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ: نقل يسوع هذا عن مزمور ١١٨ لتذكيرهم بأن رفضهم له قد عبَّر عن ذنبهم وحكمهم القادم أكثر مما قال عن يسوع نفسه. فعلى الرغم من أنهم يرفضونه، إلا أنه لا يزال رَأْسَ الزَّاوِيَةِ، منجزًا الوعد الرائع عن المسيا في مزمور ١١٨.
- مثل لوحة من سيد عظيم، ليس يسوع قيد المحاكمة؛ أولئك الذين ينظرون إليه هم كذلك. كان على هؤلاء القادة الذين رفضوا يسوع أن يسمعوا النتائج النهائية لرفضهم.
- من الواضح أن يسوع قال عن نفسه أنه الحجر المرفوض كما في مزمور ٢٢:١١٨-٢٤ الذي عيّنه الله ليصبح حجر الزاوية. إنه أيضًا الحجر المذكور في إشعياء ١٣:٨-١٥ الذي يتعثر فيه الناس، حجر الأساس وحجر الأساس الثمين في إشعياء ١٦:٢٨)، والحجر في سفر دانيال ٣٤:٢، ٤٤-٤٥ الذي يدمر العالم المتمرد على الله.
- إِنَّ مَلَكُوتَ اللهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ: حذر يسوع القادة الدينيين من أنهم إذا واصلوا رفضهم لله ومسيه، ينبغي أن يتوقعوا أن يمرر الله قيادة عمله على الأرض للآخرين.
- “العذاب هو فقدان الامتياز، فالملكوت أخذ منهم وأعطي للآخرين.” بروس (Bruce)
- “إن المجال الذي يجب أن نبحث فيه عن عمل الله في الخلاص لم يعد أمة إسرائيل فقط بل أمم أخرى أيضًا. ولا يعني هذا الأمم (فمن شأن هذا أن يتطلب استخدام الجمع لكلمة ’اثنيسين (ethnesin) وليس المفرد ’اثيني‘ (ethnei)، بل شعب الله المستمد من جميع الأمم، اليهودية والأممية.” فرانس (France)
- “يا له من تحذير هذا لبلدنا! نحن أيضًا نرى تضحية وألوهية ربنا موضع تشكيك، وكلمته المقدسة قد هاجمها أولئك الذين كان ينبغي أن يكونوا من دعاتها. ما لم يكن هناك تعديل سريع، قد يسلب الرب الامتياز ويجد أناسًا آخرين يثبتون أنهم أكثر إخلاصًا له ولإنجيله أكثر مما كنا نحن.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَمَنْ سَقَطَ عَلَى هذَا الْحَجَرِ يَتَرَضَّضُ (ينكسر)، وَمَنْ سَقَطَ هُوَ عَلَيْهِ يَسْحَقُهُ: الخيار أمام القادة الدينيين هو الخيار أمام كل شخص. إذ يمكن أن ننكسر في الخضوع المتواضع أمام الله أو أن نكسر تمامًا في القضاء.
- كَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يُمْسِكُوهُ: بدلًا من التوبة، استجاب القادة الدينيون بغضب، واستمروا في زيادة عظمة خطيتهم في رفض يسوع.
- لقد أدركوا أنه كان يتحدث عنهم: “من قال لهم ذلك، غير ضمائرهم المذنبة؟” تراب (Trapp)