سفر نحميا – الإصحاح ٥
العمل مهدد من الداخل
أولًا. المشاكل المالية تهدد العمل
أ ) الآية (١): صُرَاخُ الشَّعْبِ عَظِيمًا ويوقف عمل إعادة بناء السور.
١وَكَانَ صُرَاخُ الشَّعْبِ وَنِسَائِهِمْ عَظِيمًا عَلَى إِخْوَتِهِمِ الْيَهُودِ.
١. وَكَانَ: انتهى الإصحاح الرابع على نغمة انتصار عظيم. لقد كان شعب الله يقوم بعمل الرب على الرغم من كل العقبات. لقد عملوا وهم يحملون السلاح بيد ويبنون ويحملون المجرفة باليد الأخرى. لم يسمحوا لأعدائهم بأن يوقفوهم عن البناء. لكن في هذا الجزء من الإصحاح الخامس، لا يوجد ذكر للعمل ببناء السور، وهذا إنما يشير إلى أن العمل قد توقف.
٢. عَلَى إِخْوَتِهِمِ الْيَهُودِ: توقف العمل بسبب صراع وسط شعب الله. إن العدو لم يستطع إيقاف عمل الله في البناء بهجوم مباشر، لكن العمل توقف عندما لم يكن شعب الله موحدًا ويعملون معًا بقلب واحد.
• وَكَانَ صُرَاخُ الشَّعْبِ وَنِسَائِهِمْ عَظِيمًا عَلَى إِخْوَتِهِمِ الْيَهُودِ: إن هذه الكلمات تعني أن هناك مجموعة قد قاتلت ضد الأخرى. وعندما يقاتل شعب الله بعضهم البعض، فهم بالتأكيد لا يقاتلون العدو الحقيقي ولا هم يقومون بعمل الله.
ب) الآيات (٢-٥): سبب الصراع بين شعب الله هو مشاكل مالية.
٢وَكَانَ مَنْ يَقُولُ: «بَنُونَا وَبَنَاتُنَا نَحْنُ كَثِيرُونَ. دَعْنَا نَأْخُذْ قَمْحًا فَنَأْكُلَ وَنَحْيَا». ٣وَكَانَ مَنْ يَقُولُ: «حُقُولُنَا وَكُرُومُنَا وَبُيُوتُنَا نَحْنُ رَاهِنُوهَا حَتَّى نَأْخُذَ قَمْحًا فِي الْجُوعِ». ٤وَكَانَ مَنْ يَقُولُ: «قَدِ اسْتَقْرَضْنَا فِضَّةً لِخَرَاجِ الْمَلِكِ عَلَى حُقُولِنَا وَكُرُومِنَا. ٥وَالآنَ لَحْمُنَا كَلَحْمِ إِخْوَتِنَا وَبَنُونَا كَبَنِيهِمْ، وَهَا نَحْنُ نُخْضِعُ بَنِينَا وَبَنَاتِنَا عَبِيدًا، وَيُوجَدُ مِنْ بَنَاتِنَا مُسْتَعْبَدَاتٌ، وَلَيْسَ شَيْءٌ فِي طَاقَةِ يَدِنَا، وَحُقُولُنَا وَكُرُومُنَا لِلآخَرِينَ».
١. بَنُونَا وَبَنَاتُنَا نَحْنُ كَثِيرُونَ. دَعْنَا نَأْخُذْ قَمْحًا فَنَأْكُلَ وَنَحْيَا: إن سفر نحميا بالأساس ليس سفرًا عن المال؛ لكنه سفر يتحدث عن إعادة بناء أسوار أورشليم وإعادة شعب الله إلى مكان السلام والأمان والبركة. ومع ذلك، فقد أثّرت المشاكل المالية بشكل مباشر على عمل إعادة البناء.
• والمشاكل المالية تؤثر في معظم الأحيان على أي مشروع بناء إذ لا يكون هناك ما يكفي من المال للقيام بالعمل. ولكن يبدو أن مشروع إعادة بناء أسوار أورشليم قد تم دفعه للأمام بدفعة خاصة بواسطة ملك فارس الذي قدم المواد اللازمة للبناء إلى نحميا (نحميا ٢: ٨) وأرسل معه حراس ملكيين (نحميا ٢: ٩).
• لقد كانت المشاكل المالية التي واجهها نحميا مختلفة. لقد كانت مشاكل مالية فيما بين الشعب وأضرت بوحدة شعب الله.
٢. دَعْنَا نَأْخُذْ قَمْحًا فَنَأْكُلَ وَنَحْيَا: كان لدى الناس مشاكل مالية لأنهم عملوا بجد على الأسوار ولم يقضوا وقتًا مماثلًا في العمل على توفير احتياجات أسرهم.
• إذا أردت أن تقضي وقتًا طويلًا في خدمة احتياجات شعب الله مباشرة وفي نشر رسالة الإنجيل، ستجد أنه في معظم الحالات سيؤثر ذلك على قدرتك على العمل أوقاتًا طويلة من أجل المعيشة. إن الخدمة تستغرق وقتًا، والوقت الذي يُقضى في الخدمة هو وقت لا تكسب فيه المال. وإذا وصلت إلى الوضع الذي تصبح فيه الخدمة طريقتك في كسب العيش، يجب ألا تعتاد على كسب الكثير من المال – وإلا سيكون التحول صعبًا لحدٍ ما.
٣. فِي الْجُوعِ: عانى الناس من مشاكل مالية بسبب وجود مجاعة، مما جعل الطعام أكثر كُلفة. كان الطعام باهظ الثمن لدرجة أن بعضهم رهنوا ممتلكاتهم لتوفير الطعام.
• المجاعة ليست بسبب خطأ أحد؛ والكثير من المشاكل المالية التي يواجهها الناس ليست بالفعل خطأ أحد. ومع ذلك، قد يكون هناك خطأ في كيفية معالجة المشاكل.
٤. لِخَرَاجِ الْمَلِكِ: واجه الناس مشاكل مالية لأن الحكومة ظلت تفرض عليهم الضرائب على الرغم من أنهم لم يعملوا بهذا المقدار، هذا بالإضافة إلى أن تكلفة المعيشة قد ارتفعت.
• لم تكن هذه الضرائب خطأ الذين تضرروا منها. ولم يتصرف نحميا ولا الشعب كما لو كانت هذه الضرائب غير عادلة، على الرغم من أنها كانت عبئًا.
٥. قَدِ اسْتَقْرَضْنَا فِضَّةً… وَهَا نَحْنُ نُخْضِعُ بَنِينَا وَبَنَاتِنَا عَبِيدًا: كان لدى الناس مشاكل مالية لأن القروض التي اقترضوها من أجل توفير العيش كلفتهم فائدة، وكان بعضهم قد تأخر عن السداد. لذلك، اضطر بعض الناس رهن أطفالهم كعبيد لدائنيهم لحين سداد الدين.
• وكما سيتم الإشارة إليه لاحقًا في (نحميا ٥: ١١، الجزء المئوي)، نجد أن الأغنياء كانوا يستغلون تلك الأزمة لكسب المال من الفقراء، مُحملين الديون فائدة قدرها ١٢٪ في السنة.
• إنه أمر معتاد أن تخلق مشاكل المال خلافًا وتعطل ما يريد الله القيام به تمامًا. وإذا لم يجد نحميا وشعبه طريقة للقيام بما يريده الله منهم فيما يتعلق بأموالهم ومشاكلهم المالية، فسيتوقف عمل الله – دون أن يطلق أعداء الله سهمًا واحدًا.
• إننا نريد أحيانًا فصل ما نفعله بأموالنا عن مسيرتنا مع الله. وهذه خدعة كبيرة من الشيطان، فشراء منزل هو قرار روحي، وليس مجرد قرار مالي. وهكذا اختيار وظيفة، أو مهنة، أو تحديد كمية المال التي يجب أن تكسبها – فكل هذه الأمور ستؤثر مباشرة على مسيرتك مع الله، حاليًا وفي المستقبل.
• إذا لم نتعامل مع أموالنا بالقلب الصحيح، ونتخذ قرارات مالية وعيوننا ثابتة على الأبدية فقد نرتكب أخطاء ستؤثر على عمل الله في حياتنا لسنوات وسنوات قادمة.
• من الضروري التعامل مع أموالنا بالقلب الصحيح أمام الله وهو أن نكون مِعطاءين. أن نكون مِعطاءين لعمل الرب فهذا يساعدنا دائمًا على تذكّر أن الله وملكوته يأتيان في ترتيب الأوليات أولًا. يخبرنا العهد الجديد أن عطاءنا يجب أن يكون منتظمًا، مدروسًا، متناسبًا، وفي الخفاء (١ كورنثوس ١٦: ١-٤)؛ كما أنه يجب أن يكون بسخاء، ونقدمه بحرية وبفرح (٢ كورنثوس ٩: ٧).
• نادرًا ما تكون المشاكل المالية مجرد مشاكل مالية فقط. كثيرًا ما نعتقد أنه إذا كان لدينا المزيد من المال، لاختفت مشاكلنا المالية. مثل هذا الفكر يمكن ألا يكون صحيحًا وذلك بالنظر إلى حياة الكثيرين ممن فازوا باليانصيب أو حصلوا على ثروات غير متوقعة. فإذا كان لديهم مشاكل مالية من قبل، ولم يعرفوا كيف يتعاملون مع أموالهم ويمجدون الله بها – فلن يعرفوا بعد ذلك أيضًا. ستظهر نفس المشاكل مرة أخرى، وغالبًا ما تكون أكبر من ذي قبل.
ج) الآية (٦): رد فعل نحميا الفوري: الغضب.
٦فَغَضِبْتُ جِدًّا حِينَ سَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ وَهذَا الْكَلاَمَ.
١. فَغَضِبْتُ جِدًّا: أصبح نحميا غاضبًا لأن هذه المشاكل المالية كانت ناتجة، جزئيًا، عن جشع الذين أرادوا الربح عل حساب المشاكل المالية التي تخص الآخرين، وهو ما أعلن ناموس موسى عنه بوضوح إنه أمر خاطئ (خروج ٢٢: ٢٥).
٢. فَغَضِبْتُ جِدًّا حِينَ سَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ: أصبح نحميا غاضبًا لأن هذه المشاكل المالية أدت إلى نقص الوحدة بين شعب الله. لقد كانت هذه الوحدة أثمن من أي مبلغ من المال.
٣. سَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ وَهذَا الْكَلاَمَ: ليس هناك أي ذكر عن العمل بالأسوار. لقد أصبح نحميا غاضبًا لأن هذه المشاكل المالية أوقفت عمل الرب بإعادة بناء الأسوار. لابد أنه شعر بالإحباط لأنهم رغم أنهم وقفوا بقوة ضد عدو خارجي، لكنهم ها هم يسقطون بسرعة بسبب مثل هذه الأنواع من المشاكل.
د ) الآيات (٧-١١): رد فعل نحميا الحكيم: مواجهة الذين كانوا على خطأ.
٧فَشَاوَرْتُ قَلْبِي فِيَّ، وَبَكَّتُّ الْعُظَمَاءَ وَالْوُلاَةَ، وَقُلْتُ لَهُمْ: «إِنَّكُمْ تَأْخُذُونَ الرِّبَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَخِيهِ». وَأَقَمْتُ عَلَيْهِمْ جَمَاعَةً عَظِيمَةً. ٨وَقُلْتُ لَهُمْ: «نَحْنُ اشْتَرَيْنَا إِخْوَتَنَا الْيَهُودَ الَّذِينَ بِيعُوا لِلأُمَمِ حَسَبَ طَاقَتِنَا. وَأَنْتُمْ أَيْضًا تَبِيعُونَ إِخْوَتَكُمْ فَيُبَاعُونَ لَنَا». فَسَكَتُوا وَلَمْ يَجِدُوا جَوَابًا. ٩وَقُلْتُ: «لَيْسَ حَسَنًا الأَمْرُ الَّذِي تَعْمَلُونَهُ. أَمَا تَسِيرُونَ بِخَوْفِ إِلهِنَا بِسَبَبِ تَعْيِيرِ الأُمَمِ أَعْدَائِنَا؟ ١٠وَأَنَا أَيْضًا وَإِخْوَتِي وَغِلْمَانِي أَقْرَضْنَاهُمْ فِضَّةً وَقَمْحًا. فَلْنَتْرُكْ هذَا الرِّبَا. ١١رُدُّوا لَهُمْ هذَا الْيَوْمَ حُقُولَهُمْ وَكُرُومَهُمْ وَزَيْتُونَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ، وَالْجُزْءَ مِنْ مِئَةِ الْفِضَّةِ وَالْقَمْحِ وَالْخَمْرِ وَالزَّيْتِ الَّذِي تَأْخُذُونَهُ مِنْهُمْ رِبًا».
١. فَشَاوَرْتُ قَلْبِي فِيَّ: هذه كان قيادة عظيمة من نحميا. لقد كان رجلًا ذو أحشاء ليغضب؛ ولكنه في ذات الوقت كان حكيمًا بالقدر الذي يجعله لا يتصرف حتى يفكر في الأمر بعناية.
٢. وَبَكَّتُّ الْعُظَمَاءَ وَالْوُلاَةَ: لم يكن نحميا جبانًا. عندما كان الناس على خطأ، واجههم. قال الحقيقة، ومن النتيجة التي نقرأ عنها فيما بعد(نحميا ٥: ١٢-١٣)، يمكننا أن نحكم أنه قد قال الحقيقة بمحبة.
• إن نحميا يعلمنا أن القائد يجب أن يتعامل مع المشاكل بشكل مباشر.
٣. إِنَّكُمْ تَأْخُذُونَ الرِّبَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَخِيهِ: المقصود بالربا هو الفائدة التي تكون مرتفعة جدًا أو لا ينبغي فرضها على الإطلاق. يعلمنا الكتاب المقدس إنه من الخطأ كسب المال من وراء احتياج مالي لشخص ما. فإذا كان شخص ما بحاجة إلى المال لتسديد أبسط احتياجات الحياة، فيجب أن يُعطى المال، وليس أن يُقَرض بفائدة.
• بالطبع، يُسمح بإقراض المال بفائدة للأشياء التي ليست ضرورات مطلقة للحياة. ومع ذلك، فيجب على شعب الله دائمًا التفكير بحكمة كبيرة والتحكم بالنفس عند الاقتراض.
٤. نَحْنُ اشْتَرَيْنَا إِخْوَتَنَا الْيَهُودَ: لاحظ نحميا أنه عندما تم اقتحام يهوذا، تم بيع العديد من اليهود كعبيد للأجانب، كما اشترى يهود آخرين الكثير منهم لفكهم من العبودية. وبسبب ذلك، كان من الخطأ جدًا أن يُباع اليهود في العبودية ليهود آخرين لأنهم لا يستطيعون سداد القروض ذات الفائدة العالية.
٥. أَمَا تَسِيرُونَ بِخَوْفِ إِلهِنَا: هذا هو المحك الذي تقع فيه الكثير من الصفقات التجارية في الخطأ أمام نظر الله بسبب أنه لا يوضع اعتبار لإرادة الله أو حكمته، بل يكون الاهتمام الوحيد هو إذا ما كان يمكن عقد الصفقة، وإذا كانت تلك الصفقة ستأتي بالمال؛ وليس إذا كانت هذه الصفقة صحيحة أم خاطئة في نظر الرب.
٦. رُدُّوا لَهُمْ هذَا الْيَوْمَ: لم يكن نحميا يطلب من الْعُظَمَاءَ وَالْوُلاَةَ أن يشعروا بالسوء فقط، أو أن يتوقفوا عما يفعلونه فقط؛ بل كان عليهم تصحيح الخطأ الذي ارتكبوه. إذا تم فرض المال بشكل غير عادل أو تم أخذ الضمانات بشكل غير عادل، فكان يجب تصحيح تلك الأمور.
هـ) الآيات (١٢-١٣): رد فعل الْعُظَمَاءَ وَالْوُلاَةَ الذين أخطأوا.
١٢فَقَالُوا: «نَرُدُّ وَلاَ نَطْلُبُ مِنْهُمْ. هكَذَا نَفْعَلُ كَمَا تَقُولُ». فَدَعَوْتُ الْكَهَنَةَ وَاسْتَحْلَفْتُهُمْ أَنْ يَعْمَلُوا حَسَبَ هذَا الْكَلاَمِ. ١٣ثُمَّ نَفَضْتُ حِجِرِي وَقُلْتُ: «هكَذَا يَنْفُضُ اللهُ كُلَّ إِنْسَانٍ لاَ يُقِيمُ هذَا الْكَلاَمَ مِنْ بَيْتِهِ وَمِنْ تَعَبِهِ، وَهكَذَا يَكُونُ مَنْفُوضًا وَفَارِغًا». فَقَالَ كُلُّ الْجَمَاعَةِ: «آمِينَ». وَسَبَّحُوا الرَّبَّ. وَعَمِلَ الشَّعْبُ حَسَبَ هذَا الْكَلاَمِ.
١. نَرُدُّ: كان هذا جيدًا. لقد قال نحميا الحق بمحبة، مواجهًا هؤلاء الإخوة؛ وقد قبلوا التوبيخ، وفعلوا الشيء الصحيح واعترفوا بأنهم كانوا على خطأ.
• لقد كانت أرواحهم القابلة للتعلّم المفتوحة لتلقي التصحيح مثيرة للإعجاب. القليلون فقط هم الذين على استعداد للاعتراف بأنهم على خطأ وعمل الصواب – وعلى الأخص عندما يكون المال في الأمر.
٢. هكَذَا يَنْفُضُ اللهُ كُلَّ إِنْسَانٍ لاَ يُقِيمُ هذَا الْكَلاَمَ: عرف نحميا بحكمة أن كلماتهم لم تكن كافية. فقد كان يجب أن يتبع كلماتهم فعل حقيقي – وهذا ما حدث: وَعَمِلَ الشَّعْبُ حَسَبَ هذَا الْكَلاَمِ.
• بالقسم، وبتسجيل كل هذا علنيًا، ضمن نحميا مبدأ المساءلة. نحن غالبًا في احتياج لمبدأ المساءلة لمساعدتنا على فعل ما هو صواب. قد تكون أرواحنا راغبة ونشيطة ولكن أجسادنا غالبًا ما تكون ضعيفة.
ثانيًا. مثال نحميا الصالح
أ ) الآيات (١٤-١٦): نحميا لم يفرض ضرائب على الشعب.
١٤وَأَيْضًا مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي أُوصِيتُ فِيهِ أَنْ أَكُونَ وَالِيَهُمْ فِي أَرْضِ يَهُوذَا، مِنَ السَّنَةِ الْعِشْرِينَ إِلَى السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّلاَثِينَ لأَرْتَحْشَسْتَا الْمَلِكِ، اثْنَتَيْ عَشَرَةَ سَنَةً، لَمْ آكُلْ أَنَا وَلاَ إِخْوَتِي خُبْزَ الْوَالِي. ١٥وَلكِنِ الْوُلاَةُ الأَوَّلُونَ الَّذِينَ قَبْلِي ثَقَّلُوا عَلَى الشَّعْبِ، وَأَخَذُوا مِنْهُمْ خُبْزًا وَخَمْرًا، فَضْلًا عَنْ أَرْبَعِينَ شَاقِلًا مِنَ الْفِضَّةِ، حَتَّى إِنَّ غِلْمَانَهُمْ تَسَلَّطُوا عَلَى الشَّعْبِ. وَأَمَّا أَنَا فَلَمْ أَفْعَلْ هكَذَا مِنْ أَجْلِ خَوْفِ اللهِ. ١٦وَتَمَسَّكْتُ أَيْضًا بِشُغْلِ هذَا السُّورِ، وَلَمْ أَشْتَرِ حَقْلًا. وَكَانَ جَمِيعُ غِلْمَانِي مُجْتَمِعِينَ هُنَاكَ عَلَى الْعَمَلِ.
١. لَمْ آكُلْ أَنَا وَلاَ إِخْوَتِي خُبْزَ الْوَالِي: كان نحميا مثالًا رائعًا لوضع عمل الله قبل مصلحته الشخصية. بالتأكيد كان له الحق في فرض ضرائب على الشعب من أجل دعمه (فالآخرون قد فعلوا ذلك من قبله)، لكن نحميا لم يطالب بهذا الحق لأن هذا لن يساعد في عمل الله.
• لدينا الرسول بولس مثال آخر رائع لشخص كان له الحق في طلب دعم الكنيسة، ولكنه لم يطالب بهذا الحق حيث كانت عدم المطالبة تخدم قضية الإنجيل بشكل أفضل (١ كورنثوس ٩: ١-١٥).
• هل يجب دعم الخدام اليوم؟ القضية كلها تتعلق بما هو الأفضل للإنجيل. فإذا كان من الأفضل للخادم أن يكرس نفسه بالكامل لرعاية وتعليم شعب الله، فيجب أن تدعمه الكنيسة. وإذا كان من الأفضل له ألا يتلقى الدعم بهذه الطريقة، فلا يجب أن يُدعم. ولكن هناك خطأ ما في الخادم الذي يريد أن يخدم شعب الله فقط إذا كان المال مناسبًا لتقديره.
٢. مِنْ أَجْلِ خَوْفِ اللهِ: لقد فعل نحميا ما هو صحيح أمام الله، وليس ما كان “صحيحًا” لحساب اهتماماته ومخاوفه الخاصة – وهذا لأنه يعرف أن عليه أن يقدم حسابًا لله عن عمله.
٣. وَأَمَّا أَنَا فَلَمْ أَفْعَلْ هكَذَا مِنْ أَجْلِ خَوْفِ اللهِ: استطاع نحميا أن يقول هذا بسبب أنه لم يهمه ما فعله الآخرون، وكيف تصرف الشعب، وبماذا فكر بقية العالم. لقد عاش وفقًا لمعيار آخر. ونحن يجب أن يكون لدينا معيار أفضل من معيار نحميا، ويجب أن نقول، عند مواجهة الخطية التي يعتبرها هذا العالم أمرًا مسلمًا به، لم أفعل ذلك الأمر، بسبب محبة يسوع.
ب) الآيات (١٧-١٨): مثال نحميا في الكَرَم.
١٧وَكَانَ عَلَى مَائِدَتِي مِنَ الْيَهُودِ وَالْوُلاَةِ مِئَةٌ وَخَمْسُونَ رَجُلًا، فَضْلًا عَنِ الآتِينَ إِلَيْنَا مِنَ الأُمَمِ الَّذِينَ حَوْلَنَا. ١٨وَكَانَ مَا يُعْمَلُ لِيَوْمٍ وَاحِدٍ ثَوْرًا وَسِتَّةَ خِرَافٍ مُخْتَارَةٍ. وَكَانَ يُعْمَلُ لِي طُيُورٌ، وَفِي كُلِّ عَشَرَةِ أَيَّامٍ كُلُّ نَوْعٍ مِنَ الْخَمْرِ بِكَثْرَةٍ. وَمَعَ هذَا لَمْ أَطْلُبْ خُبْزَ الْوَالِي، لأَنَّ الْعُبُودِيَّةَ كَانَتْ ثَقِيلَةً عَلَى هذَا الشَّعْبِ.
١. وَكَانَ عَلَى مَائِدَتِي مِنَ الْيَهُودِ وَالْوُلاَةِ مِئَةٌ وَخَمْسُونَ رَجُلًا: لم يأخذ نحميا الكثير الذي كان من حقه عندما كان بإمكانه ذلك فحسب؛ بل أعطى من حوله أيضًا عندما لم يكن عليه أن يفعل هذا. كان نحميا يتلقى الكثير من الطعام من مؤن الملك، وكان بإمكانه بيعها لمصلحته الخاصة. لكن بدلًا من ذلك، أعطاها للآخرين ليكون مثالًا في الكَرَم – لقد كان نحميا يطعم ما يصل إلى ١٥٠ شخصًا بشكل منتظم.
٢. وَمَعَ هذَا لَمْ أَطْلُبْ خُبْزَ الْوَالِي: كان بإمكان نحميا أن ينال المزيد (خُبْزَ الْوَالِي)، لكنه لم يفعل. لذلك، وضع نحميا مثالًا من خلال ما لم يأخذه وأيضًا من خلال ما لم يحتفظ به.
٣. لأَنَّ الْعُبُودِيَّةَ كَانَتْ ثَقِيلَةً عَلَى هذَا الشَّعْبِ: عاش نحميا على مستوى حياته الخاصة بالطريقة التي قال للعظماء والولاة أن يعيشوا بها – وهي ألا يستغلوا احتياج الآخرين لمصلحتهم الشخصية. لقد فعل ما يجب على كل قائد تقي أن يفعل: فهو لم يتوقع من أتباعه أكثر مما توقعه من نفسه.
ج) الآية (١٩): صلاة نحميا، يطلب فيها من الله أن يتذكر أعماله الصالحة.
١٩اذْكُرْ لِي يَا إِلهِي لِلْخَيْرِ كُلَّ مَا عَمِلْتُ لِهذَا الشَّعْبِ.
١. اذْكُرْ لِي يَا إِلهِي: يعتقد البعض أن نحميا كان مخطئًا في قوله كل الأشياء الجيدة التي فعلها. لقد علّمنا يسوع بوضوح أنه لا يجب أن تكون أعمالنا الصالحة محل إعلان للآخرين عن مدى روحانيتنا.
• متى ٦: ١-٤ “اِحْتَرِزُوا مِنْ أَنْ تَصْنَعُوا صَدَقَتَكُمْ قُدَّامَ النَّاسِ لِكَيْ يَنْظُرُوكُمْ، وَإِلاَّ فَلَيْسَ لَكُمْ أَجْرٌ عِنْدَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً فَلاَ تُصَوِّتْ قُدَّامَكَ بِالْبُوقِ، كَمَا يَفْعَلُ الْمُرَاؤُونَ فِي الْمَجَامِعِ وَفِي الأَزِقَّةِ، لِكَيْ يُمَجَّدُوا مِنَ النَّاسِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ! وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً فَلاَ تُعَرِّفْ شِمَالَكَ مَا تَفْعَلُ يَمِينُكَ، لِكَيْ تَكُونَ صَدَقَتُكَ فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ هُوَ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً.”
٢. اذْكُرْ لِي يَا إِلهِي لِلْخَيْرِ: ولكن في صلاته، لم يبحث نحميا عن مديح الناس – بل الله. في الواقع، ربما كان نحميا ينوي أصلًا ألا يرى أحد هذا السفر أو حتى جزء منه، لأنه حين كتبه كان قد كتبه على أنه يومياته.
• في وقتنا الخاص مع الرب، من المناسب تمامًا – والصواب – أن نقول، “اذْكُرْ لِي يَا إِلهِي لِلْخَيْرِ” – حتى نكون واثقين في مكافأتنا السماوية، بدلًا من انتظار مديح الناس.
٣. كُلَّ مَا عَمِلْتُ لِهذَا الشَّعْبِ: يجب أن نكون سعداء أن الله أخذ هذه اليوميات الشخصية الخاصة بنحميا وأعطاها لنا، فهي تُظهر لنا أن القائد يجب أولًا أن يقود بتقديم المثال، وأنه كان بإمكان نحميا أن يقول للآخرين أن يفعلوا ما هو صحيح بسبب أن مسيرته الخاصة كانت صحيحة. لقد كانت كلماته العامة وأفعاله الخاصة تقول نفس الشيء الواحد