مَثَل يُظْهِر النِّعْمَة

فَأجَابَ وَقَالَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ: يَا صَاحِبُ، مَا ظَلَمْتُكَ! أَمَا اتَّفَقْتَ مَعِي عَلَى دِينَارٍ؟ فَخُذِ الَّذِي لَكَ وَاذْهَبْ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَ هذَا الأَخِيرَ مِثْلَكَ. أَوَ مَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَفْعَلَ مَا أُرِيدُ بِمَا لِي؟ أَمْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةٌ لأَنِّي أَنَا صَالِحٌ؟ (متى ١٣:٢٠-١٥)

هذا من الأمثال العزيزة على قلبي. حكى يسوعُ قصةً عن صاحبِ كرمٍ استأجرَ عمالًا في أوقاتٍ مختلفةٍ خلال النهار. عمل بعضهم اثنتي عشرة ساعة، وآخرون ثماني ساعات، أو أربعًا، وبعضهم لساعاتٍ قليلةٍ فقط. وعندما حان وقتُ دفعِ الأجور، بدأ بدفع الأجر لآخرِ من تمّ استئجارهم، ودفع لهم الأجرة نفسها التي أعطاها للذين عملوا منذ الصباح. لقد أعطى الجميع أجرَ يومٍ كامل، سواء عملوا ساعتين أو اثنتي عشرة ساعة.

لماذا؟ لأنه ببساطة أراد ذلك.

الذين عملوا طوال اليوم تَذَمَّرُوا عَلَى رَبِّ الْبَيْتِ. ومع أنهم تقاضوا الأجرة الذي وُعِدوا بها، إلا أنهم لم يُعجبوا أن صاحب الكرم كان أكثر سخاءً مع الذين عملوا لساعاتٍ قليلة فقط.

من السهل أن نتعاطف مع الذين عملوا طوال اليوم؛ فقد عملوا بينما كان الآخرون عاطلين، وعملوا في ثِقَلَ النَّهَارِ وَالْحَرَّ، بينما كان الآخرون يستظلون. ومع ذلك، فقد نالوا الأجرة نفسها.

وفي رده، ذكّرهم صاحب الكرم بأنه كان منصفًا تمامًا معهم. لم يظلمهم، ولم يُخلّ بأي وعد. لم يُقدّم صاحب الكرم أي تفسير لما فعله، سوى القول ببساطة: ’فَإِنِّي أُرِيدُ.‘ إن أسباب كَرَم صاحب الكرم كانت كامنة فيه هو وحده، وليست في أولئك الذين تلقّوا الأجرة.

هذا المثل كان جوابًا على سؤال بطرس: «هَا نَحْنُ قَدْ تَرَكْنَا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعْنَاكَ. فَمَاذَا يَكُونُ لَنَا؟» (متى ١٩: ٢٧). وكأن الرب يسوع يقول: على تلاميذه أن يتوقعوا مكافأة، لكن لا ينبغي أن يندهشوا إن كافأ الله آخرين بطرق غير متوقعة عند توزيع المكافآت.

إن لبّ النعمة الإلهية يكمن في أن الله يكافئ ويبارك بحسب مشيئته ومسرّته، لا بناءً على استحقاق البشر. فصاحب الكرم لم يُجحف في حق أحد، مع أنه اختار أن يكون كريمًا مع بعضهم دون غيرهم. إن عدل الله لا يُنتقص أبدًا، لكنه يحتفظ بحقه أن يسمو فوق العدل ويمنح كما يشاء، بحسب صلاحه.

هذا المثل ليس تمثيلًا كاملًا لنعمة الله، لأن مبدأَي العمل والاستحقاق متضمَّنان فيه. فنعمة الله لا تمنحنا بركةً تفوق ما نستحقه فحسب، بل تمنحنا البركة بمعزلٍ تمامًا عمّا نستحقه.

ومع ذلك، فإن العيش تحت النعمة يشبه سيفًا ذا حدّين. فمن يعيش في ظلّ النعمة لا يستطيع أن يأتي إلى الله شاكيًا: “اعتقد أنني أستحق أفضل من هذا،” لأن الله سيجيبه: “هل يعني هذا أنك تريد حقًا أن أعاملك بما تستحقه؟”

فلا تتذمّر من حقّ الله في أن يُعطي ويكافئ كما يشاء؛ فإن خطة نعمته مملوءةٌ مجدًا.

اضغط هنا للحصول على تفسير كامل لإنجيل متى الإصحاح ٢٠

اضغط هنا لقراءة المزيد من التأملات اليومية للقس ديفيد كوزيك

اَلْغَنِيّ الْمِسْكِين

قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلًا فَاذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي». فَلَمَّا سَمِعَ الشَّابُّ الْكَلِمَةَ مَضَى حَزِينًا، لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَال كَثِيرَةٍ. (متى ٢١:١٩-٢٢)

جاء رجل إلى يسوع وسأله: “ماذا أعمل لكي أرث الحياة الأبدية؟” كان يظن أن الطريق إلى السماء يتطلب القيام بأعمال صالحة، فسأل يسوع عن العمل الذي يجب عليه فعله.

يُشار إلى هذا الرجل غالبًا بلقب “الرئيس الشاب الغني.” إذ تخبرنا الأناجيل الثلاثة: متى ومرقس ولوقا، بأنه كان غنيًا، بينما أشار متى إلى أنه كان شابًا (متى ١٩: ٢٢)، وذكر لوقا في ١٨: ١٨ أنه كان رئيسًا.

أخبر يسوع هذا الرجل في النهاية بما ينبغي أن يفعله: “بعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي.” إن الدعوة للتخلي عن كل شيء واتباع يسوع هي دعوة لوضع الله في المقام الأول في كل شيء. لقد دعا يسوع الرجل إلى طاعة كاملة للوح الأول من الشريعة، والذي تعامل فحواه مع علاقة الإنسان بالله.

من السهل أن نخطئ في فهم الجواب الذي أعطاه يسوع لهذا الشاب الغني. الخطأ الأول هو أن نعتقد أن هذا الأمر موجَّه للجميع، بينما في الحقيقة لم يجعل يسوع ذلك وصية عامة لكل أتباعه، بل كانت دعوة خاصة لهذا الرجل الغني تحديدًا، لأن ثروته كانت تمثل عائقًا واضحًا أمام إيمانه. في المقابل، يمكن للعديد من الأثرياء أن يحققوا المزيد من الخير في العالم من خلال الاستمرار في جني الأموال واستخدام هذه الموارد لمجد الله ولصالح الآخرين.

أما الخطأ الثاني، فهو الاعتقاد بأن هذا الأمر لا ينطبق على أحد، في حين أن هناك، بلا شك، أشخاصًا اليوم يكون أفضل ما يمكنهم فعله من أجل نموهم الروحي هو أن يتخلّوا جذريًا عن التعلّق بالماديات التي تدمرهم.

ومع ذلك، نلاحظ أن يسوع دعا هذا الرجل ببساطة ليكون تلميذًا له، إذ قال له: “اتْبَعْنِي “.وقد استخدم يسوع لغة مشابهة في دعوته لكثيرين من تلاميذه (كما في متى ١٩:٤؛ ٢٢:٨؛ ٩:٩؛ مرقس ١٤:٢). لقد دعا يسوع هذا الرجل ليكون من أتباعه؛ ولكن بالنسبة لهذا الرجل، فقد كان هذا يعني أن يترك وراءه الثروات التي تعلّق قلبه بها.

لكن الرجل مَضَى حَزِينًا، لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَال كَثِيرَةٍ. وهكذا فشل هذا الغني تمامًا. فقد كان المال إلهه، وكان مذنبًا بحبه للأصنام. ولهذا السبب طلب منه يسوع، وهو العارف بقلبه، أن يتخلى عن ممتلكاته.

يبقى المبدأ ثابتًا: قد يمتحن الله شخصًا ويطلب منه أن يتخلى عن أمرٍ معين من أجل ملكوته، في حين يسمح لغيره أن يحتفظ به. ولكن، ما أكثر الذين يهلكون لأنهم أبوا أن يتركوا ما أوصى الرب بتركه.

تمتّع الشاب الغني بأشياء كثيرة: الغنى، الشباب، والسلطة. لكنه أدرك أن كل هذا لا يشبع قلبه، ولهذا سأل يسوع. لكنه، مع الأسف، رفض أن يضع يسوع أولًا في كل شيء، ومضى حزينًا وفارغ القلب.

لا تكن مثل هذا الغني المسكين.

اضغط هنا للحصول على تفسير كامل لإنجيل متى الإصحاح ١٩

اضغط هنا لقراءة المزيد من التأملات اليومية للقس ديفيد كوزيك

إلحاحيَّةُ الْغُفْرَان

فَهكَذَا أَبِي السَّمَاوِيُّ يَفْعَلُ بِكُمْ إِنْ لَمْ تَتْرُكُوا مِنْ قُلُوبِكُمْ كُلُّ وَاحِدٍ لأَخِيهِ زَّلاَتِهِ. (متى ٣٥:١٨)

قبل هذا مباشرة، قدّم يسوع لتلاميذه مَثَلًا يُظهر فيه مدى أهمية الغفران، خصوصًا في ضوء غفران الله لهم. وينتهي هذا المَثَل وتطبيقه بتحذير من عدم الغفران.

المبدأ واضح: حين نتأمل في عِظَم الغفران الذي نلناه من الله، ندرك أن ما يَدِين به الآخرون لنا يُعدّ تافهًا بالمقارنة. فلا يمكن لأي إنسان أن يُسيء إليّ بمقدار ما أسأتُ أنا إلى الله بخطاياي.

علّم يسوع هنا مبدأً مهمًا وغالبًا ما يُهمَل في موضوع الغفران. فهناك عدد كبير من المؤمنين الصادقين لا يغفرون للآخرين لأسباب مغلوطة، وهم يعتقدون أنهم محقّون تمامًا في موقفهم.

ويُبرّرون موقفهم بهذا الشكل: لا ينبغي أن نغفر لمن أساء إلينا ما لم يُظهر توبة حقيقية، لأن التوبة ارتبطت بأمر الغفران في مواضع مثل لوقا ١٧: ٤، وأن غفراننا للآخرين يجب أن يعكس غفران الله لنا. فكما أن الله لا يمنح غفرانه لمن لا يتوب، ينبغي علينا أيضًا ألا نغفر لمن لم يتب. بل يرى البعض أن علينا واجبًا أن نمتنع عن الغفران، وأن نحكم على توبتهم، بحجة أن ذلك يصبّ في مصلحتهم.

هذا المنطق – مهما بدا نبيلًا – يحمل في طيّاته خطأً قاتلًا. يوضح لنا مَثَل يسوع في متى ١٨: ٢٣-٣٥ سببًا مهمًا لرفض الفكرة القائلة: “الله لا يغفر لي إن لم أتُب، إذًا لا يجب أن أغفر للآخرين إلا إذا تابوا.” هذه الفكرة غير صحيحة، لأنني لا أُساوي الله في هذا الأمر، ولا يمكنني أن أكون مثله. الله لم يُغفر له أبدًا لأنه لم يُخطئ قط، أما أنا، فخاطئ مديون، لا أحيا إلا بغفران الله المتجدد يومًا بعد يوم.

لذلك – إن جاز التعبير – ينبغي أن نكون أسرع في الغفران من الله، دون اشتراط التوبة أولًا، لأننا خطاة غُفر لنا، ومَدعوون لأن نغفر كما غُفر لنا. نحن مُلزَمون إذًا بالغفران أكثر من التزام الله به.

من المهم أيضًا أن نفهم الفرق بين الغفران والمصالحة. فالمصالحة الحقيقية لأي علاقة، لا تحصل إلا إذا وافق الطرفان، وقد تحتاج إلى توبة من أحدهما أو كليهما. أما الغفران، فيمكن أن يكون من طرف واحد فقط.

علاوة على ذلك، الغفران لا يعني بالضرورة إعفاء الشخص من التبعات القانونية أو الواقعية لخطئه. فعلى الصعيد الشخصي، يُطلب منا أن نغفر؛ أما على الصعيد القانوني والاجتماعي، فينبغي أن يُحاسب الإنسان من قبل السلطات المختصة (راجع رومية ١٣).

ومع ذلك، يبقى المبدأ قائمًا بوضوح. ففي سياقه، قُدِّم هذا المَثَل ليجعلنا أكثر استعدادًا للغفران، لا أقل. ما من قارئ صادق يستطيع أن يتأمل كلمات يسوع هنا ويظن أن غايته كانت الحد من غفران تلاميذه.

فلا تفوّت أهمية الغفران الحقيقي وضرورته.

اضغط هنا للحصول على تفسير كامل لإنجيل متى الإصحاح ١٨

اضغط هنا لقراءة المزيد من التأملات اليومية للقس ديفيد كوزيك

يَسُوعَ وَحْدَهُ

فَرَفَعُوا أَعْيُنَهُمْ وَلَمْ يَرَوْا أَحَدًا إِلاَّ يَسُوعَ وَحْدَهُ. (متى ٨:١٧)

مَنَحَ يسوع لبطرس ويعقوب ويوحنا تجربة فريدة. فعندما تبعوه إلى جبلٍ عالٍ، رأوه متجليًا في مجدٍ ساطع ومعه موسى وإيليا. وعندما اقترح بطرس أن يُقيموا ثلاث مَظَالّ، تكلّم الله الآب من السماء قائلًا: هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ اسْمَعُوا. أراد الآب السماوي أن يُبرز الحقيقة بأن يسوع فريد في جوهره، ولا يمكن مساواته حتى مع عظماء مثل موسى وإيليا.

عند حدوث هذا، سقط بطرس ويعقوب ويوحنا على وجوههم وامتلأوا خوفًا. فقال لهم يسوع مطمئنًا: «قُومُوا، وَلاَ تَخَافُوا». ولما رفعوا أعينهم، لم يروا أَحَدًا إِلاَّ يَسُوعَ وَحْدَهُ، إذ كان موسى وإيليا قد اختفيا.

يا لها من عبارة رائعة: لَمْ يَرَوْا أَحَدًا إِلاَّ يَسُوعَ وَحْدَهُ. كان من الضروري في هذه المرحلة أن تركيزهم عاد وانصبّ على يسوع وحده. لقد زال السحاب، ومضى موسى، واختفى إيليا.

لنفترض أنه بعد تجربة التجلي، بقي التلاميذ وحدهم، لم يبقَ هناك موسى ولا إيليا ولا حتى يسوع. وهذا يشبه ما يعيشه كثيرون في حياتهم الروحية: يختبرون لمسة أو زيارة من روح الله القدوس، ولكن عند انتهاء الاختبار، ينتهي كل شيء وكأن شيئًا لم يحدث.

لنفترض إنه بعد حادثة التجلي، بقي موسى وحده مع التلاميذ. ومع أن موسى كان رجلًا عظيمًا، إلا أنه بالمقارنة مع يسوع، يشبه القمر إذا قيس بالشمس. إنه لأمر مُحزن أن تُستبدل النعمة والحق اللذين أتى بهما يسوع بالناموس الذي أتى به موسى؛ ولكن يوجد بعض المساكين الذين لا يرون إلا موسى وشريعته.

لنفترض إنه بعد حادثة التجلي، بقي إيليا وحده مع التلاميذ. كان إيليا رجلًا عظيمًا ومعروفًا بقوة كلمته وجرأته في إصلاح الأمة. ولكن كل هذا لا يُقارن بشخص يسوع وعمله.

لنفترض إنه بعد حادثة التجلي، بقي الثلاثة مع التلاميذ. في البداية، ربما بدى هذا أنه الخيار الأفضل؛ فلم لا يبقى الثلاثة؟ ولكن الآن وقد جاء يسوع، يمكن لموسى وإيليا أن يختفيا عن المشهد ليلعبا دورًا مُساندًا، دون أن يُوضَعا على نفس المستوى مع يسوع.

لكنهم بدلًا من كل هذا، رأوا ’يسوع فقط.‘ هُوَ وَحْدَهُ.

أيها الإخوة والأخوات، نحن في النهاية لا نخدم أحدًا سوى يسوع المسيح. إنه سيدنا، ونحن لا ننحني حتى لعظماء الرجال والنساء في التاريخ المسيحي. بقدر ما استخدمهم الله بشكل رائع، فإن يسوع تفوق عليهم جميعًا. نحن نشكر الله على هؤلاء الرجال والنساء، ولكننا ممتنون أكثر لأنهم يختفون عن المشهد، ولا نرى أَحَدًا إِلاَّ يَسُوعَ وَحْدَهُ.

اضغط هنا للحصول على تفسير كامل لإنجيل متى الإصحاح ١٧

اضغط هنا لقراءة المزيد من التأملات اليومية للقس ديفيد كوزيك

كيف تحظى بإيمان عظيم

حِينَئِذٍ أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهَا: «يَا امْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ». فَشُفِيَتِ ابْنَتُهَا مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ. (متى ٢٨:١٥)

غادر يسوع أرض إسرائيل – وهو المثال الوحيد المسجل لفعله ذلك أثناء خدمته. ذهب إلى نواحي صُور وَصَيْدَا، والحدث الوحيد الذي نعرفه من تلك الزيارة هو لقاؤه بامرأةٍ كانت ابنتها تسكنها روح شريرة.

توسلت المرأة إلى يسوع أن يخلص ابنتها من العذاب، ولكن بدا وكأنه يصرفها. ومع ذلك، أصرت، متجاوزة كل عقبة ظاهرية، وقد تأثر المخلص بتصميمها.

ثم خاطب يسوع المرأة بهذه الكلمات اللافتة والمشجعة: يَا امْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لا نجد في الأناجيل أن يسوع قال هذه العبارة نفسها لأي شخص آخر. صحيح أنه مدح إيمان قائد المئة الروماني الذي طلب شفاء غُلامه (متى ١٠:٨)، لكن تلك الكلمات وُجّهت إلى الجموع، لا إلى القائد نفسه. أما هذه المرأة الأممية، فقد سمعت هذا المديح مباشرة من يسوع.

من الملفت للنظر أن الشخصين الوحيدين اللذين تلقّيا هذا الإطراء من يسوع كانا من غير اليهود. فالإيمان العظيم قد يظهر في أماكن لا نتوقعها.

كان إيمان هذه المرأة غير المتوقعة عظيمًا إلى درجة أن صلاتها استُجيبت، وحرّر يسوع ابنتها من قبضة الشيطان.

– إيمانها كان عظيمًا، حتى بالمقارنة مع فضائلها الأخرى – مثل التواضع، والصبر، والمثابرة، ومحبتها لابنتها. ومع ذلك، لم يمدحها يسوع على أي من هذه الصفات الحسنة، بل امتدح إيمانها وحده.

– إيمانها كان عظيمًا لأنه لم يكن متوقعًا. فلم يكن أحد ليتوقّع من امرأة أممية أن تضع هذا القدر من الثقة في يسوع.

– إيمانها كان عظيمًا لأنها اقتربت من يسوع بروح عبادة، مؤمنة أنه قادر أن يلبّي حاجتها.

– إيمانها كان عظيمًا لأنه خضع لاختبار قاسٍ جدًا. فمن الصعب تصوّر اختبار أشد من أن يكون للإنسان ابنة يسكنها شيطان؛ ومع ذلك، فقد تعرّض إيمانها أيضًا للامتحان حين بدا يسوع وكأنه غير مبالٍ أو بارد تجاها.

– إيمانها كان عظيمًا لأنه كان ذكيًا. لقد حوَّلت كلمات يسوع، واستخدمت، ما قد يكون بمثابة إهانة، كمدخل للإيمان.

– إيمانها كان عظيمًا لأنه ركّز على حاجة حقيقية وفورية. فكثيرون يؤمنون بكل شيء، إلا بما يخص احتياجاتهم المباشرة والملموسة.

– إيمانها كان عظيمًا لأنه لم يستسلم. لم تتوقف حتى نالت ما كانت تحتاجه من يسوع.

يمكنك القول إن إيمانها غلب يسوع. فهو لم يشفِ ابنتها فحسب، بل فعل ذلك في الحال، وهو أمر لم تطلبه حتى.

لا نقرأ عن أي أمر آخر فعله يسوع خلال وجوده في صور وصيدا. ويبدو أن الموعد الإلهي الوحيد هناك كان تلبيةُ حاجة هذه المرأة المؤمنة وابنتها المعذّبة.

بهذا القدر أحبّها يسوع واهتمّ بأمرها – وهو لا يزال يعمل بنفس الطريقة لكل من يقترب منه بإيمان عظيم.

اضغط هنا للحصول على تفسير كامل لإنجيل متى الإصحاح ١٥

اضغط هنا لقراءة المزيد من التأملات اليومية للقس ديفيد كوزيك

لاَ حَاجَةَ لَك أَنْ تَمْضِي

وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ تَلاَمِيذُهُ قَائِلِينَ: «الْمَوْضِعُ خَلاَءٌ وَالْوَقْتُ قَدْ مَضَى. اِصْرِفِ الْجُمُوعَ لِكَيْ يَمْضُوا إِلَى الْقُرَى وَيَبْتَاعُوا لَهُمْ طَعَامًا». فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «لاَ حَاجَةَ لَهُمْ أَنْ يَمْضُوا. أَعْطُوهُمْ أَنْتُمْ لِيَأْكُلُوا». (متى ١٥:١٤-١٦)

تَبِع الْجُمُوع يسوع إلى موضع خلاء (متى 14:13) بعيدًا عن صخب مدن الجليل الكبيرة. وكان بينهم باحثون حقيقيون عن الحق، وآخرون مجرد متفرجين فضوليين.

ومع انقضاء النهار، رأى يسوع أن الجُموع بدأت تجوع، فقال لتلاميذه: أَعْطُوهُمْ أَنْتُمْ لِيَأْكُلُوا. شكلت هذه الكلمات تحديًا لعطف التلاميذ وإيمانهم في آنٍ واحد. فبعد أن رأوا يسوع يصنع معجزة في عُرس قانا الجليل (يوحنا ٢: ١-١١)، كان لديهم سبب وجيه ليؤمنوا بأنه قادر أن يُشبع آلاف الجياع.

أدرك كلٌّ من يسوع وتلاميذه حجمَ الْجُمُوع وعرفوا احتياجاتهم. ومع ذلك، فإن تحنُن يسوع (كما ورد في متى ١٤:14) وثقته بقدرة الله هما اللذان دفعاه إلى إطعام الجُمُوع.

العالم جائع، وسواء أدركوا ذلك أم لا، فإن جوعهم الأعمق هو إلى يسوع.

– العالم جائع، فيقدم لهم المُتدين الفارغ طقوسًا أو كلمات فارغة لا يمكن أن تشبع أرواحهم أبدًا.

– العالم جائع، فيحاول الملحدون والمتشككون إقناعهم بأن جوعهم غير موجود.

– العالم جائع، فيقدم لهم رجل الاستعراض الديني عرضًا متلفزًا وإضاءة خاصة وموسيقى عصرية.

– العالم جائع، فيأتي المُسلِّي ليُشغلهم بعرض مليء بالإثارة والسرعة يمنعهم من التوقّف لحظة والتفكّر.

– العالم جائع، فمن سيعطيهم خبز الحياة؟

مع وجود يسوع في الوسط، لاَ حَاجَةَ لَهُمْ أَنْ يَمْضُوا ليُشبَع جوعهم أو تُسَدّ حاجتهم. فإذا لم تكن هناك حاجة تدفع معظم هؤلاء المهتمين العابرين – غير الملتزمين – على أَنْ يَمْضُوا ليجدوا ما يحتاجونه، فكم بالحري أتباع يسوع المخلصون الذين لاَ حَاجَةَ لَهُمْ أَنْ يَمْضُوا ليجدوا الشبع الحقيقي في الحياة.

ومع ذلك، هناك أسبابٌ عديدة – أو ربما أعذار – تدفع الناس إلى السعي لإشباع أعمق احتياجاتهم بعيدًا عن يسوع. عندما نشعر بالرغبة في التخلي عنه والسعي وراء إشباع رغباتنا بوسائل أخرى، من الضروري أن نتوقف ونتأمل بصدق سبب بحثنا في مكان آخر.

– لا تسمح للظروف بأن تجبرك على أَنْ تَمْضي. لن تجد أمورًا صعبة في الحياة أو سهلة تجعلك غير محتاج إلى يسوع.

– لا يوجد شيء في يسوع من شأنه أن يجعلك ترغب في أَنْ تَمْضي.

– لا يوجد شيء في المستقبل من شأنه أن يجعلك بحاجة إلى أَنْ تَمْضي.

احتياجاتنا تُلبّى في يسوع، ومن خلال يسوع، وبواسطة يسوع. قد يستخدم وسائل متعددة لتوفيرها، لكن الشكر كله يعود له وحده. فلا حَاجَةَ لَك أَنْ تَمْضي بعيدًا – اذهب إلى يسوع.

اضغط هنا للحصول على تفسير كامل لإنجيل متى الإصحاح ١٤

اضغط هنا لقراءة المزيد من التأملات اليومية للقس ديفيد كوزيك

الزَّارِع، البُذُور، وَالتُربَة

فَكَلَّمَهُمْ كَثِيرًا بِأَمْثَال قَائِلًا: «هُوَذَا الزَّارِعُ قَدْ خَرَجَ لِيَزْرَعَ». (متى ٣:١٣)

يركز إنجيل متى الإصحاح ١٣ على الأمثال، وهي قصص رواها يسوع لتوضيح عمل الله واستجابة الإنسان. استخدم يسوع الأمثال حتى لا تتقسى قلوب الرافضين أكثر (متى ١٣: ١٠-١٧). وكما أن الشمس التي تُليّن الشمع تُقسي الطين أيضًا، فإن الإنجيل نفسه الذي يُذلّ القلب الصادق ويقود إلى التوبة يُمكن أن يُقسي القلب المُخادع، ويُثبته في المعصية

المثل الأول في إنجيل متى الإصحاح 13 معروف جيدًا: وصف يسوع مزارعًا ينثر البذور، فسقطت على أربعة أنواع مختلفة من التربة.

سقطت بعض البذور عَلَى الطَّرِيقِ (متى ١٣: ٤) فأكلتها الطيور بسرعة. وهكذا، يسمع بعض الناس كلمة الله، لكن قلوبهم قاسية جدًا، فيأتي الشيطان وينتزعها بسهولة. وهذا يمثل أولئك الذين لا يسمعون الكلمة حقًا أو يفهمونها. يجب فهم كلمة الله لكي تُثمر. إحدى استراتيجيات الشيطان الرئيسية هي إبقاء الناس عميانًا عن الإنجيل (كورنثوس الثانية ٤: ٣-٤).

سقطت بذور أخرى عَلَى الأَمَاكِنِ الْمُحْجِرَةِ (متى ٥:١٣-٦). وعلى طبقة رقيقة من التربة فوق الصخور، نبتت هذه البذور بسرعة، لكنها ذبلت وماتت. هكذا يستجيب البعض لكلمة الله بحماس في البداية، ولكن لأن جذورهم ليست عميقة، فإنهم سرعان ما يذبلون. إنهم غير مستعدين لتحمل المشقة أو الاضطهاد دفاعًا عن حق كلمة الله.

وسقط البعض عَلَى الشَّوْكِ (متى ١٣: ٧). وبينما كانت تنمو، اختنقت بالأعشاب الشائكة. وهكذا يستجيب البعض للكلمة ويبدأون بالنمو، لكن تقدمهم الروحي يتوقف بسبب هموم هذا العالم وشهواته.

وأخيرًا، سقطت بعض البذار عَلَى الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ (متى ١٣: ٨)، فأعطت ثمرًا وفيرًا. وبالمثل، يستقبل البعض كلمة الله بقلبٍ مُستعدٍّ، فيُثمرون – وإن كانت بدرجاتٍ مُتفاوتة، إلا أن كلًا منهم يُثمر غلةً وفيرة.

نرى جوانب من ذواتنا تنعكس في هذه الأنواع الأربعة من التربة:

– مِثل الطَّرِيقِ، هناك أوقات لا نعطي فيها مكانًا لكلمة الله في حياتنا.

– مِثل الأَمَاكِنِ الْمُحْجِرَةِ، نستقبل أحيانًا كلمة الله بحماس، ولكننا ننطفئ أو نذبل سريعًا.

– مِثل الشَّوْكِ، غالبًا ما يُهدد العالم وشهواته بخنق كلمة الله وإعاقة نمونا.

– مِثل الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ، يمكن لكلمة الله أن تتجذر وتُثمر فينا ثمارًا دائمة.

مع ذلك، من المهم أن ندرك أن اختلاف النتائج كان بسبب التربة، وليس البذرة أو الزارع. فالبذرة نفسها نثرها نفس المزارع، ولكن حالة التربة هي التي حددت النتيجة.

يجب أن تكون صلاتنا: “يا رب، أَعَدَّ تربة قلبي وهيئها حتى تقبل كلمتك وتأتي بثمر وفير .”

اضغط هنا للحصول على تفسير كامل لإنجيل متى الإصحاح ١٣

اضغط هنا لقراءة المزيد من التأملات اليومية للقس ديفيد كوزيك

النِّيرِ الهَيِّن وَالحِمْل الخَفِيف

تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ. اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ. لأَنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ. (متى ٢٨:١١-٣٠)

هذه من أجمل الكلمات التي نطق بها يسوع. إنها دعوة مفتوحة لجميع المتعبين والثقيلي الأحمال بأن يجدوا الراحة والعزاء فيه.

وجه يسوع دعوته إلى جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ – أولئك الذين يدركون حاجتهم ويرغبون في اللجوء إليه طلبًا للعون، بدلًا من الاجتهاد بقوتهم الذاتية. يشير أحد المفسرين إلى أن التَّعَب يوحي بالأعباء التي نلقيها على أنفسنا، بينما يشير الحِمْل الثَّقِيل إلى الأعباء التي يفرضها الآخرون علينا. وقد استخدم يسوع هذه الصورة نفسها في إنجيل متى ٤:٢٣، واصفًا الأعباء الروحية التي فرضها القادة الدينيون على الناس.

لكل من تُثقله الأعباء، قال يسوع ببساطة: تَعَالَوْا إِلَيَّ. هذه دعوة شخصية – لم يُوجِّهنا للذهاب إلى موسى، أو إلى عقيدة، أو طقس، أو حتى إلى كاهِن. بل يدعونا إلى القدوم إليه مباشرةً، إلى يسوع نفسه، كمخلص شخصي.

كان هذا إعلانًا جريئًا عن السلطة الإلهية – الله وحده له الحق في أن يقول: تَعَالَوْا إِلَيَّ. بينما وجّه الأنبياء الناس نحو الله، وجّههم يسوع إليه، كاشفًا عن هويته الإلهية.

ومع ذلك، فإن هذه الدعوة للمتعبين لا تأتي دون نير. فعندما يقول يسوع: اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، فإنه لا يدعونا للراحة فحسب، بل للتلمذة أيضًا. يجب أن نأتي بقلب قابل للتعلم، مستعدًا للاهتداء بنيره – ليس فقط لقبول شيء ما. علينا أن نكون مستعدين لتحمل العبء الذي يُلقيه طوعًا.

وفقا لآدم كلارك (Adam Clarke)، استخدم اليهود القدامى فكرة النِّير كرمز لالتزام المرء تجاه الله. وكانت مصطلحات مثل نير الملكوت، ونير الشريعة، ونير التوبة، ونير الإيمان شائعة. في هذا السياق الثقافي، تبرز كلمات يسوع ببساطة شديدة: “انسوا كل تلك الأنيار الأخرى – اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي.”

هذه ليست دعوة لحياة كسولة أو مُدّلَلَة. فلا يزال هناك نير ليُرفع وحِمل ليُحْمل. ولكن مع يسوع وفي يسوع، يصبح النير هينًا وخفيفًا. في العصور القديمة، عند تدريب ثورٍ صغيرٍ على الحراثة، كان المزارعون يربطونه غالبًا بثورٍ أكبر سنًا وأقوى وأكثر خبرة، فيحمل الحمل ويُعلِّم الثور الصغير كيفية السير في الطريق.

هذا ما يجعل نير يسوع هَيِّن وحمله خَفِيف – لأنه يحمله معنا. قد يكون حمل النير بمفردنا لا يطاق؛ ولكن مع يسوع يمكن أن يكون هينًا وخفيفًا.

إن كان نيرك صعبًا وحملك ثقيلًا، فربما ليس هذا هو النير أو الحِمل الذي يُلقيه يسوع عليك، أو ربما لا تسمح له بحمله معك. تعالَ إليه، وستجد روحك الراحة الحقيقية.

اضغط هنا للحصول على تفسير كامل لإنجيل متى الإصحاح ١١

اضغط هنا لقراءة المزيد من التأملات اليومية للقس ديفيد كوزيك

عَلَيْكَ أنْ تَعْتَرِف

فَكُلُّ مَنْ يَعْتَرِفُ بِي قُدَّامَ النَّاسِ أَعْتَرِفُ أَنَا أَيْضًا بِهِ قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، وَلكِنْ مَنْ يُنْكِرُني قُدَّامَ النَّاسِ أُنْكِرُهُ أَنَا أَيْضًا قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. (متى ٣٢:١٠-٣٣)

في هذا الجزء من إنجيل متى، يصف يسوع ثمن أن تكون تلميذه. فاتباعه يصاحبه تحديات، ويجب على تلاميذه أن يكونوا مستعدين لمواجهة الاضطهاد (متى ١٦:١٠-٣١).

لم يكن يسوع بائعًا يُخفي تكلفة اتباع مُخلِّصٍ مرفوضٍ ومصلوب. لم يُرِد يسوع أتباعًا لم يحسبوا تكلفة التلمذة.

في الوقت نفسه، أوضح يسوع أن رفضه له ثمن، وأن اتباعه له مكافأة عظيمة. قالها يسوع على هذا النحو، واصفًا المكافأة أولًا: فَكُلُّ مَنْ يَعْتَرِفُ بِي قُدَّامَ النَّاسِ أَعْتَرِفُ أَنَا أَيْضًا بِهِ قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. أن تكون تلميذًا له يعني الاعتراف به قُدَّامَ النَّاسِ. فإذا لم نعلن ولاءنا له، فلا يمكننا أن نتوقع منه أن يُعلن ولائه لنا.

لقد دعا يسوع الجميع علنًا. لا وجود لمؤمن ’سِرّي،‘ على الأقل ليس دائمًا. ينبغي على كل مؤمن أن يُظهر للعالم دليلًا واضحًا على اتباعه الحقيقي للمسيح.

إذا تم القبض على العديد من المؤمنين المعاصرين بسبب اتباعهم ليسوع وتم تقديمهم للمحاكمة في محكمة قانونية، فسيتم إسقاط التهم عنهم بسبب نقص الأدلة. اسأل جيرانه: ’هل هو مؤمن حقيقي؟‘ ستكون الإجابة: ’لست أعلم.‘ اسأل الأصدقاء، أو زملاء العمل، أو حتى العائلة: ’هل هذا الشخص تابع حقيقي ليسوع المسيح؟‘ ربما ستكون الإجابة: ’ليس على حد علمي.‘ هذا هو المقصود بعدم الاعتراف بالمسيح قُدَّامَ النَّاسِ.

ولكن هناك أيضًا بُعدًا سلبيًا لكلام يسوع. إن أنكرناه قُدَّامَ النَّاسِ، فمن المؤكد أن يسوع سينكرنا قُدَّامَ أبيه الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.

بشكل عام، بمقدار ما يكون المسيح بالنسبة لك على الأرض، سيكون مقدارك بالنسبة للمسيح يوم الدينونة في السماء. فإن كان المسيح عزيزًا وثمينًا بالنسبة لك، سوف يحسبك ثمينًا وعزيزًا يوم الدينونة. ولكن إذا أنكرته الآن، فسوف ينكرك حينها. وكما قالها سبيرجن: ’إن كان هو أغلى ما لديك، فستكون أنت أغلى ما لديه.‘

ومع ذلك، لا ينبغي لنا أن نتجاهل أن يسوع هنا أعلن بوضوح أن مصير الإنسان الأبدي يعتمد على موقفه تجاهه. وهذا يثبت أن يسوع كان يَعْلَم أنه أكثر من مجرد رسول أو نبي – فهو كان ولا يزال الله-الإنسان، الله الابن وابن الله.

يا صديقي العزيز، لا تفوّت أهمية هذا الأمر. يجب علينا أن نعترف بيسوع، مُقرّين بكل ما أعلنه الكتاب المقدس عنه، واثقين أنه أنجز كل ما هو مطلوب لخلاصنا. فحياتنا الأبدية تتوقف على هذا الاعتراف.

اضغط هنا للحصول على تفسير كامل لإنجيل متى الإصحاح ١٠

اضغط هنا لقراءة المزيد من التأملات اليومية للقس ديفيد كوزيك

يَسُوع وَالْعَشَّار

وَفِيمَا يَسُوعُ مُجْتَازٌ مِنْ هُنَاكَ، رَأَى إِنْسَانًا جَالِسًا عِنْدَ مَكَانِ الْجِبَايَةِ، اسْمُهُ مَتَّى. فَقَالَ لَهُ: «اتْبَعْنِي». فَقَامَ وَتَبِعَهُ. (متى ٩:٩)

في متى ٩:٩، نتعرف على كاتب هذا الإنجيل – رَجُل اسْمُهُ مَتَّى. ووفقًا للبشير مرقس ١٤:٢ كان يُعرف أيضًا باسم لاَوِيَ بْنَ حَلْفَى. ويذكر البشير متى ٣:١٠ أن تلميذ آخر كان أيضًا ابنًا لحَلْفَى. ما يعني أنه ربما كان من بين تلاميذ يسوع الاثني عشر ثلاث مجموعات من الإخوة: بطرس وأندراوس (ابنَا يُونَا)، ويعقوب ويوحنا (ابنَا زَبْدِي)، ومتى ويعقوب (ابنَا حَلْفَى).

كان متّى مميزًا بين التلاميذ، إذ كان يجلس عِنْدَ مَكَانِ الْجِبَايَةِ. وفي ذلك الوقت والآن، الكثير من الناس لا يحبون من يجلس عِنْدَ مَكَانِ الْجِبَايَةِ.

لقد اعتبر الشعب اليهودي، وهم على حق، أن الْعَشَّارِين (أو جَامِعِي الضَّرَائِبِ) خونة لأنهم عملوا لصالح الحكومة الرومانية، واستخدموا الجنود الرومان لإرغامهم على دفع الضرائب. وكان من الواضح أنهم يهود متعاونون مع روما.

كان الشعب اليهودي ينظر إلى الْعَشَّارِين على أنهم مبتزون أيضًا، لأنه كان يُسمح لهم بالاحتفاظ بالنقود الإضافية التي يجمعونها. كان الْعَشَّارُون يُقدمون عروضًا للفوز بعقود ضريبية. على سبيل المثال، قد يرغب العديد منهم في الحصول على عقد الضريبة لمدينة مثل كفرناحوم، لأن الرومان يمنحون العقد لأعلى مُزايِد. وكان الْعَشَّارُون يدفعون لروما المبلغ المُتفق عليه ويحتفظون بأي فائض يجمعونه. وقد أعطى هذا النظام لهم دافعًا قويًا للمبالغة في تحصيل الضرائب والغش.

اقترب يسوع من هذا الرجل الجالس عند مكان جَمعِ الضَّرَائِب، وقال له: «اتْبَعْنِي». لا نعرف ما إذا كانا قد التقيا أو تحدثا من قبل أم لا، ولكن هذه كانت لحظة حاسمة في دعوة مَتَّى. كان أمام مَتَّى خيار واضح: إما البقاء جالسًا عند مكان الجباية، أو النهوض وترك كل شيء وراءه واتباع يسوع باعتباره معلمه وربه.

بطريقة ما، كانت هذه تضحية أكبر مما قدمه بعض التلاميذ الآخرين. فقد كان بإمكان بطرس ويعقوب ويوحنا العودة بسهولة إلى عملهم في صيد الأسماك، ولكن سيكون من الصعب على لاَوِي العودة إلى جمع الضرائب.

حقيقة أن الجميع كان يكره العشارين، تجعل محبة يسوع لمَتَّى ودعوته أمرًا لافتًا للنظر. لم تكن هذه المحبة في غير محلها – فقد استجاب مَتَّى لدعوة يسوع وترك مهنته وراءه وتبعه بكل قلبه، وفي النهاية كتب هذا الإنجيل. يمكننا القول إن مَتَّى ترك كل شيء وراءه عند مكان الجباية – باستثناء شيء واحد: قَلَمَهُ. نفس القَلَم الذي كان يستخدم في تسجيل المدفوعات وإصدار الإيصالات سيسجل الآن قصة يسوع.

عندما نتبع يسوع، يجب أن نكون مستعدين لترك كل شيء وراءنا. لكن الله غالبًا ما يستخدم معرفتنا أو خبراتنا لتمجيده وامتداد ملكوته. وعلى غرار مَتَّى، اِتبع يسوع، ولكن لا تنس قلمك.

اضغط هنا للحصول على تفسير كامل لإنجيل متى الإصحاح ٩

اضغط هنا لقراءة المزيد من التأملات اليومية للقس ديفيد كوزيك