أَرْض، أُمَّة، بَرَكَة

أَرْض، أُمَّة، بَرَكَة

فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً. وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ، وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ. (تكوين ٢:١٢-٣)

أمر الله رجلًا من بلاد ما بين النهرين، ينحدر من عائلة تعبد الأوثان، أن يترك أرضه وعائلته. وفي المقابل، تعهد الله لأبرام بأرض وأمة وبركة.

أَرْض، أُمَّة، بَرَكَة

عندما تلقَّى أبرام هذه الدعوة من الله، كان مُطيعًا بشكلٍ جزئيٍّ في طريقتَين على الأقلِّ. أوَّلًا، لم يتوجَّه مباشرة نحو المكان الَّذي وعد به الله، لكنه قطع نصف المسافة فقط. ثانيًا، جلب معه أباه وابن أخيه، رغم أن الله أمره بترك عائلته. ولكن رُغم طاعة أبرام الجزئيَّة، إلا أن الله، في نعمته وصلاحه، أرشده إلى أرض كنعان، محققًا الوعد الذي قطعه له.

سيكون أبرام بالتَّأكيد عملاق الإيمان، حتَّى أبًا للمؤمنين (غلاطية ٧:٣-٩)؛ ومع ذلك فهو لم يبدأ كبطلٍ للإيمان. نرى أبرام كمثال للنموِّ في الإيمان والطاعة. فمن خلال إيمانه وصبره، ورث أبرام مواعيد الله.

وعد الله أبرام بأَرْض. في تكوين ١:١٢، وجه الله أبرام إِلَى الأَرْضِ التي يريد أن يريه إياها.

وعد الله أن يصنع من أبرام أُمَّةً عَظِيمَة. وسيكون لديه نسل يكفي لإسكان أُمَّةً عَظِيمَة. وهذا من شأنه أن يجعل اسمه عظيمًا. ربَّما لا يوجد اسم أكثر تكريمًا في التاريخ من اسم أبرام، المكرَّم من اليهود والمسلمين والمسيحيِّين.

وعد الله أيضًا أنَّه سيُباركُ مُباركيه ويلعن لاعنيه. هذا الوعد – الموروث من قِبَل أولاد أبرام بالعهد، الشعب اليهوديّ – يبقى صالحًا اليوم وهو أصلُ سقوط وموت الكثير من الإمبراطوريَّات. فمن الناحية التاريخية، أنعم الله على الكثير من الدول التي عاملت الشعب اليهودي بطريقة جيدة. ويمكن رؤية العكس من خلال سقوط إمبراطوريات مثل بابل وفارس واليونان وروما. فإسبانيا تراجعت تمامًا بعد تشريع محاكم التفتيش ضدَّ اليهود، وبولندا سقطت بعد المذابح، وألمانيا انهارت بعد مَحرَقَة اليهود، وبريطانيا فقدت إمبراطوريَّتها عندما تخلت عن إسرائيل.

لم يكن وعد الله لأبرام بالبركة فقط، لكنَّه وعده أيضًا بأن يجعله بركةً، حتَّى الدرجة التي فيها تَتَبَارَك جميع قبائل الأرض. تحقَّق هذا الوعد المذهل في المسيح الَّذي جاء من نسل أبرام. فبركة الله لأبرام لم تكن له فقط، أو حتَّى لشعب إسرائيل، بل كانت من أجل العالَم كلِّه بواسطة يسوع المسيح. نقرأ في رؤيا ٩:٥ أن عمل يسوع سوف يمسُّ جَمِيعُ قَبَائِلِ ٱلْأَرْضِ.

سواء كنت من نسل أبرام وراثيًا أم لا، فإن هذه البركة الموعودة لأبرام قد تحققت وهي لك – في يسوع المسيح ومن خلاله. فاحصل على هذه البركة بالإيمان اليوم.

اضغط هنا للحصول على تفسير كامل لسفر التكوين الإصحاح ١٢

اضغط هنا لقراءة المزيد من التأملات اليومية للقس ديفيد كوزيك

حَقّق إمكَاناتك

حَقّق إمكَاناتك

وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «هَلُمَّ نَصْنَعُ لِبْنًا وَنَشْوِيهِ شَيًّا». فَكَانَ لَهُمُ اللِّبْنُ مَكَانَ الْحَجَرِ، وَكَانَ لَهُمُ الْحُمَرُ مَكَانَ الطِّينِ. وَقَالُوا: «هَلُمَّ نَبْنِ لأَنْفُسِنَا مَدِينَةً وَبُرْجًا رَأْسُهُ بِالسَّمَاءِ. وَنَصْنَعُ لأَنْفُسِنَا اسْمًا لِئَلاَّ نَتَبَدَّدَ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ». (تكوين ٣:١١-٤)

بعد الطوفان، بدأت البشرية في التكاثر. قال الله لنوح ونسله أن يثمروا ويتكاثروا (تكوين ١:٩)، وقد فعلوا ذلك بالفعل. ولكن بدلًا من أن ينتشروا بأنحاء الأرض، تجمَّعت الأنسال المتكاثرة في منطقة واحدة: جنوب بلاد ما بين النهرين بالقرب من نهري دجلة والفرات. سُميت تلك المنطقة شِنْعَار (١:١١)، والمعروفة أيضًا باسم بابل (تكوين ١٠:١٠). وكان هذا تمرُّد واضح ضدَّ وصيَّة الله في تكوين ١:٩ – بالانتشار وملء الأرض، لا التمركز في بقعة بذاتها.

حَقّق إمكَاناتك

ويمكننا القول إن البشريَّة كانت عازمة ومستعدة للبناء وتحقيق الكثير من الأشياء، ولكنهم مع الأسف، لم يطلبوا مشورة الله ولم يسلموه هذه العزيمة. إن تكلم البشريَّة لُغَّةً واحدة (تكوين ١:١١)، منح الإنسان القدرة على التقدم السريع في التكنولوجيا والتنظيم. ومع ذلك، استخدموا تلك العزيمة والإمكانات والتقنيات والتنظيم للتمرد على الله ومشيئته.

ولأننا مخلوقون على صورة الله، يتمتع الناس بالكثير من الإمكانات – خاصة عندما يعملون جنبًا إلى جنب في وئام. أولًا، بنوا لأنفسهم مدينة. ثم قاموا ببناء برج. وباستخدامهم لِبنًا مشويًّا وحُمرًا، بدأوا في بناء برج يصل إلى السماء.

اسمحوا لي أن أقترح عليكم فكرة. إنها ليست فكرتي، وليس لدينا معلومات كافية لنتأكد. ومع ذلك، اعتقد أنهم بنو برجًا عاليًا مستخدمين هذا النوع من اللِّبنِ (الطِّين) والحُمر لجعله قويًا ومُقاومًا للمياه. وهذا الطِّين نفسه استخدمهُ نوح في طلي الفُلك (تكوين ١٤:٦). ولاحقًا، استَخدمت أُمُّ موسى نفس المادَّة لطلي السلَّة التي وضعت فيها موسى (خروج ٣:٢).

إنَّ الموقف القلبيّ والمواد المتعلِّقة ببناء برج بابل تُشير ليس إلى عصيان وصيَّة الله لملء الأرض فحسب (تكوين ١:٩)، بل تُشير أيضًا إلى أنَّ الإنسان لم يُصدِّق وعد الله أنَّه لن يجلب الطوفان مرَّةً أخرى على الأرض. فقد بنى بُرجًا عاليًا مُقاوِمًا للمياه كي يحميَ البشرية من أيِّ طوفانٍ مستقبليّ.

كان رأس البرج مقصودًا منه أن يكون بِالسَّمَاءِ. نشكُّ بأنَّهم فكَّروا أنَّه بإمكانهم أن يبنوا برجًا يصل إلى السماء. على الأغلب بنوا برجًا لكي يستطيعوا من خلاله معاينة السماء. فمعظم ممارسات التَّنجيم والسحر اليوم لها تاريخٌ قديم يعود إلى بابل. كان البرج حقيقيًّا. يقول المؤرِّخ اليونانيّ القديم هيرودوت أنَّ برج بابل كان ما زال قائمًا في أيَّامه وأنَّه رآه شخصيًّا.

لم يستفيدوا شيئًا من عصيانهم المنظَّم ضدَّ الله وعدم ثقتهم بوعده. لقد أحبط الرب خطتهم بكل سهولة عندما بَلْبَلَ لِسَانَهم، وبَدَّدَهُم على وجه كل الأرض.

أنت مخلوقٌ على صورة الله وقادرٌ على تحقيق أمور عظيمة. فلا تضيع كل هذه الإمكانات والقدرات في العصيان وعدم الإيمان.

اضغط هنا للحصول على تفسير كامل لسفر التكوين الإصحاح ١١

اضغط هنا لقراءة المزيد من التأملات اليومية للقس ديفيد كوزيك

الكل من واحد

الكل من واحد

هؤُلاَءِ قَبَائِلُ بَنِي نُوحٍ حَسَبَ مَوَالِيدِهِمْ بِأُمَمِهِمْ. وَمِنْ هؤُلاَءِ تَفَرَّقَتِ الأُمَمُ فِي الأَرْضِ بَعْدَ الطُّوفَانِ. (تكوين ٣٢:١٠)

يجمع تكوين ١٠ أسماء نسل نوح، الذي منه خرجت جميع أمم الأرض. إنه إصحاح رائع بالفعل، وغالبًا ما يشير إليه العلماء باسم “فِهرِس الأمم.” حتى عالم الآثار العظيم وليام ف. أولبرايت (William F. Albright) الذي لم يفسر الكتاب المقدس بمعناه الحرفي، كتب عن تكوين ١٠: “إنَّ الإصحاح العاشر من سفر التكوين … يقف وحيدًا بشكلٍ كامل في الأدب القديم، بدون نظيرٍ بعيد، حتَّى بين اليونانيِّين، نجد فيه الأسلوب الأقرب لتوزيع أطُر الأنسال الإنسانيَّة … فِهرِس الأمم يبقى وثيقة دقيقة مذهلة.”

الكل من واحد

في حين أن التعمق في نسب كل اسم في تكوين 10 يمكن أن يوفر نظرة ثاقبة حول مجموعات الأشخاص التي تنحدر من هؤلاء الأسلاف، إلا أن هناك أيضًا ميزة في استخلاص ثلاثة مفاهيم رئيسية من تكوين ١٠.

وحدة الجنس البشري. يوضح تكوين 10 أن البشرية جمعاء انحدرت من نوح وعائلته، وهو ما يعكس الأصل المشترك الموصوف في سفر التكوين مع آدم وحواء. وكما أوضح الرسول بولس للفلاسفة فِي أَرِيُوسَ بَاغُوسَ: وَصَنَعَ مِنْ دَمٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ النَّاسِ يَسْكُنُونَ عَلَى كُلِّ وَجْهِ الأَرْضِ (أعمال الرسل ٢٦:١٠). نحن حقًا ننتمي جميعًا إلى “دم واحد،”  وعلى الرغم من اختلاف الأجيال والأجناس والأعراق، إلا أن ما يجمعنا أكبر بكثير من اختلافاتنا. نحن جميعًا مخلوقون على صورة الله.

كرم الله. يدفعنا تكوين 10 إلى التأمل في اتساع الخليقة وعدد البشر الذين يسكنون الأرض في الحاضر وعبر التاريخ. حتى مع وجود مليارات الأفراد حاليًا وربما أكثر في المستقبل، فإن محبة الله تمتد على نطاق واسع بما يكفي لتشمل البشرية جمعاء. فالله أحب العالم حتى بذل ابنه الوحيد (يوحنا ١٦:٣)، وهو يُظهر محبته للعالم بطريقة ما يوميًا من خلال البركات الطبيعية مثل الشمس والمطر (متى ٤٥:٥). وبما أن الله كريم مع الجميع، فيمكننا أن نثق في محبته الوفيرة لشعبه – أولئك الذين يثقون في شخص يسوع المسيح وعمله ويعتمدون عليه ويتمسكون به.

أهمية وجود ’قلبٌ مُبَشِّر.‘ لقد فرق الله البشرية في كل الأرض، ولكن ليس بغرض إبعادهم عن الأخبار السارة والخلاص المقدم من خلال يسوع المسيح، الذي هو مخلص العالم (يوحنا ٤٢:٤). بِالأحرَى، أعطى يسوع تلاميذه تعليمات محددة قبل صعوده إلى السماء: اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به (متى ١٨:٢٨-٢٠). فعلينا إذًا أن ننمي بداخلنا ’قلبٌ مُبَشِّر،‘ تمامًا كما أوصى يسوع، لنشر رسالته إلى أقصى الأرض.

تذكّر اليوم قلب الله نحو البشرية جمعاء.

اضغط هنا للحصول على تفسير كامل لسفر التكوين الإصحاح ١٠

اضغط هنا لقراءة المزيد من التأملات اليومية للقس ديفيد كوزيك

الدَم (شريان الحياة)

الدَم (شريان الحياة)

غَيْرَ أَنَّ لَحْمًا بِحَيَاتِهِ، دَمِهِ، لاَ تَأْكُلُوهُ. (تكوين ٤:٩)

بعد خروج نوح وعائلته من الفُلك، أعطاه الله وصايا خاصة بالعالم بعد الطوفان. لقد أعطاه نفس التكليف الذي أعطاه لآدم عند فجر الخليقة: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا» (تكوين ٢٨:١) لأن نوح، إلى حدّ ما، بدأ من جديد.

الدَم (شريان الحياة)

حصل نوح على إذنٍ خاص بأكل الحيوانات، إذنٌ لم يُعطَ لآدم (على حدِّ علمنا). لا يخبرنا الكتاب المقدس لماذا أعطى الله الجنس البشري بعد الطوفان إذنًا بأكل اللَّحم. كان هذا ربَّما بسبب أنَّ الأرض كانت أقلَّ إنتاجية زراعيًّا بعد الطوفان، بسبب التَّغيُّرات البيئيَّة المذكورة في تكوين ١:٩-٣ و٢٢:٨. أو ربما لأن اللحوم كانت مفيدة للإنسان بعد الطوفان بطريقة لم تكن عليه قبل الطوفان.

أمر الله نوحًا أنَّه إذا قُتِلت الحيوان وأُكل، فيجب إظهار أقصى درجات الاحترام لدَمِهِ، الَّذي يُمثِّل جوهر الحياة (نَفْسَ الْجَسَدِ) (لاويِّين ١١:١٧-١٤، تثنية ٢٣:١٢). إنَّ احترام الدم غير مبنيٍّ على التصوُّف أو الخرافة، لكن ببساطة لأنَّ الدَم يُمثِّل الحَيَاة لكل من الحيوان والإنسان. فعندما يُراق الدَم، تُهرَق وتُزهق الحياة.

تظهر اهميَّة فكرة الدَم في الكتاب المقدَّس من خلال عدد المرَّات التي استُخدِمت فيها الكلمة. فقد استُخدِمت ٤٢٤ مرَّةً في ٣٥٧ آية منفصِلة (في نسخة الملك جيمس الجديدة).

وبوسعنا أن نقول إن الدَم موجود في جميع أنحاء الكتاب المقدس:

  • الدم كان علامة رحمة لإسرائيل في عيد الفصح الأول (خروج ١٣:١٢).
  • الدم كان ختمَ عهد الله مع إسرائيل (خروج ٨:٢٤).
  • الدم قدَّس مَذْبَحَ النُّحَاس (خروج ١٢:٢٩).
  • الدم أفرز الكهنة وقدسهم للخدمة (خروج ٢٠:٢٩).
  • الدم صنع تكفيرًا لشعب الله (خروج ١٠:٣٠).
  • الدم ختم العهد الجديد (متَّى ٢٨:٢٦).
  • الدم يُبرِّر المؤمنين (رومية ٩:٥).
  • الدم يجلب الفداء (أفسس ٧:١).
  • الدم يمنح السلام مع الله (كولوسي ٢٠:١).
  • الدم يُطهِّر المؤمنين (عبرانيِّين ١٤:٩ و١ يوحنَّا ٧:١).
  • الدم يُدخِل شعب الله إلى قدس الأقداس (عبرانيِّين ١٩:١٠).
  • الدم يُقدِّس المؤمن (عبرانيِّين ١٢:١٣).
  • الدم يُمكِّن المؤمن من غلبة الشيطان (رؤيا ١١:١٢).

قد يفكر البعض عند قراءة كل هذا أن الله وحش متعطش للدماء يشبه شخصية من فيلم رعب. ومع ذلك، فإن هذا التحليل مضلل للغاية. ويكمن الجوهر في فهم مبدأين أساسيين.

أولًا، من الضروري أن ندرك أن الدم مرتبط بالحياة ارتباطًا جوهريًا (لاويين ١١:١٧). إن سفك الدماء غالبًا ما يدل على خسارة الأرواح، لأن الدم هو جوهر الحياة نفسها.

ثانيًا، هذا يؤكد على أهم عطاء في الحياة: ذبيحة يسوع المسيح، الذي بذل نفسه ليفدي شعب الله.

وحتى اليوم، ينبغي معاملة الدم باحترام. ولكن الأهم هو دم المسيح؛ فحياته المنسكبة تعني حياة جديدة لكل من يؤمن بيسوع ويعتمد عليه ويلتصق به وبكل عمله الخلاصي على الصليب وبقيامته.

شكرًا يا رب على الدم الثمين – دم يسوع المسيح.

اضغط هنا للحصول على تفسير كامل لسفر التكوين الإصحاح ٩

اضغط هنا لقراءة المزيد من التأملات اليومية للقس ديفيد كوزيك

ذَبِيحَة وعهد صادق

ذَبِيحَة وعهد صادق

فَتَنَسَّمَ الرَّبُّ رَائِحَةَ الرِّضَا. وَقَالَ الرَّبُّ فِي قَلْبِهِ: «لاَ أَعُودُ أَلْعَنُ الأَرْضَ أَيْضًا مِنْ أَجْلِ الإِنْسَانِ، لأَنَّ تَصَوُّرَ قَلْبِ الإِنْسَانِ شِرِّيرٌ مُنْذُ حَدَاثَتِهِ. وَلاَ أَعُودُ أَيْضًا أُمِيتُ كُلَّ حَيٍّ كَمَا فَعَلْتُ». (تكوين ٢١:٨)

بعد أن توقفت الأمطار وانحسرت المياه، تمكن نوح وعائلته من مغادرة الفلك. وكان أوَّل عمل قام به نوح بعد خروجه من الفُلك هو تقديم الذبائح لله. كان هذا قربانًا مُكلفًا وخطيرًا في آن واحد. لقد أدرك نوح ندرة الحيوانات على الأرض، ومع ذلك قدم البعض إكرامًا لله.

ذَبِيحَة وعهد صادق

مع ذلك، تقدمةُ نوح الثمينة أرضت الرَّبَّ: فَتَنَسَّمَ ٱلرَّبُّ رَائِحَةَ ٱلرِّضَا. بالطبع، إنَّ الكتاب المقدَّس هنا يتكلَّم مجازيًّا  مُستخدِمًا تعبيرًا بشريًّا لعملٍ أو موقفٍ إلهيّ. ما كان أكثر رضًا من رائحة الذبائح هو قلب نوح فيما كان يُقدِّم ذبيحته. إن طبيعة تقدمة نوح المُكلفة والمبنية على الإيمان كانت بمثابة رائحة طيبة لله. وردًا على هذا، قطع الله وعدًا رائعًا لنوح والبشرية: لاَ أَعُودُ أَلْعَنُ الأَرْضَ أَيْضًا مِنْ أَجْلِ الإِنْسَانِ.

وعد الله ألَّا يضرب الأرض مرَّةً أخرى بالدينونة بفيضانٍ بهذا الحجم، وَلاَ أَعُودُ أَيْضًا أُمِيتُ كُلَّ حَيٍّ. لقد فعل الله هذا لأنه عرف أن تَصَوُّرَ قَلْبِ الإِنْسَانِ شِرِّيرٌ مُنْذُ حَدَاثَتِهِ. كان هذا وعدًا مليئًا بالرحمة.

نرى هنا مزيجًا غريبًا من الحقائق. أوَّلًا، أَنَّ تَصَوُّرَ قَلْبِ الْإِنْسَانِ شِرِّيرٌ مُنْذُ حَدَاثَتِهِ، والثَّاني، وعد الله أن لَا يعُودُ يلْعَنُ ٱلْأَرْضَ أَيْضًا مِنْ أَجْلِ الْإِنْسَانِ. يبدو أنَّ شرَّ الإنسان يجلب لعنة الله، ولا يُبعِدها. هذا الخليط الغريب مُعبَّرٌ عنه في مذبح نوح وتقدمته وفي رضا الله على الذبيحة.

كانت الذبيحة التي قدمها نوح واستقبلها الله هي العنصر الأساسي. ففي غياب الذبيحة، تُطالب الخطيَّة بالدينونة والانتقام، على غرار دينونة الطوفان التي أرسلها الله. ولكن ذبيحة نوح الثمينة كانت ترمز إلى الذبيحة النهائية، ذات القيمة اللانهائية: عندما بذل ابن الله الوحيد، يسوع المسيح، نفسه، ليصالح المؤمنين مع الله.

يمكننا أن نقول أنَّه بعد الطوفان، تُمثِّل قصَّة نوح عدَّة أشياءٍ تتعلَّق بحياة المؤمن.

  • عندما خرج من الفلك ليمتلك الأرض، أظهر نوح حُرّيّة المؤمن.
  • عندما قدم هذه الذبيحة الثمينة، أظهر نوح إِيمان المؤمن.
  • عندما أكرم الله بذبيحة تّبجيل وعبادة، أظهر نوح قَلب المؤمن.

إن عهد رحمة الله العظيم، الذي ظهر بعد ذبيحة نوح، يفوق أي شيء أظهره نوح نفسه. لقد وعد الله بأنه لن يدين العالم مرة أخرى بطوفان مثل ذاك الذي حدث في زمن نوح، وقد استمر هذا العهد عبر العصور، وصمد أمام اختبار الزمن.

إن أمانة الله للعهد الذي قطعه في أيام نوح واضحٌ عبر التاريخ. وبالمثل، في يسوع المسيح، سيحترم الله عهده معك بالكامل. جد الراحة في هذه الحقيقة اليوم.

اضغط هنا للحصول على تفسير كامل لسفر التكوين الإصحاح ٨

اضغط هنا لقراءة المزيد من التأملات اليومية للقس ديفيد كوزيك

شُهُود الْقِيَامَة

شُهُود الْقِيَامَة

وَأَنَّهُ ظَهَرَ لِصَفَا ثُمَّ لِلاثْنَيْ عَشَرَ. وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ دَفْعَةً وَاحِدَةً لأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِئَةِ أَخٍ، أَكْثَرُهُمْ بَاق إِلَى الآنَ. وَلكِنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ رَقَدُوا. وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ لِيَعْقُوبَ، ثُمَّ لِلرُّسُلِ أَجْمَعِينَ. وَآخِرَ الْكُلِّ ­ كَأَنَّهُ لِلسِّقْطِ ­ ظَهَرَ لِي أَنَا. (١ كورنثوس ٥:١٥-٨)

لم يرَ أحد قيامة يسوع الفعلية؛ لم يكن هناك أحد في القبر معه عندما تحول جسده إلى جسد قيامة. إذا كان لشخص أن يكون هناك وقت القيامة، ربما كان سيرى جسد يسوع يتحول في لمح البصر متبخترًا خارج الأربطة. ونحن نعلم أن يسوع كان يستطيع أن يفعل ذلك بعد قيامته؛ فقد ظهر بشكل معجزي في غرفة ذات أبواب ونوافذ مُغَلَّقَة (يوحنا ١٩:٢٠، ٢٦). لم يكن شبحًا؛ بل كان له جسد حقيقي من عظم ولحم.

شُهُود الْقِيَامَة

برغم أن أحدًا لم يشهد حَدَث القيامة الفعلية ليسوع، إلا أن كثيرين رأوا يسوع المُقام. والآن يدعو بولس هؤلاء الشهود على القيامة، ليثبت، بما لا يجعل مجالًا للشك، أن يسوع قد قام من بين الأموات في جسد قيامة.

الشاهد الأول كان صَفَا. ظَهَرَ يسوع ظهورًا خاصًا لبطرس (صَفَا) في لوقا ٣٤:٢٤. ويمكننا أن نفترض أن بطرس كان بحاجة إلى تعزية خاصة وتشجيع.

يقدم بولس الاثْنَيْ عَشَرَ كشهود على القيامة. يشير هذا على الأرجح إلى اللقاء الأول ليسوع مع تلاميذه مجتمعين، كما هو مذكور في مرقس ١٤:١٦، لوقا ٣٦:٢٤-٤٣، ويوحنا ١٩:٢٠-٢٥. كان هذا هو الاجتماع الذي ظهر فيه يسوع في الغرفة ذات الأبواب والنوافذ المُغلقة، ونفخ في التلاميذ مانحًا إياهم الروح القدس.

إن اجتماع يسوع بأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِئَةِ أَخٍ ليس مُفصلًا في الأناجيل، لكن ذكره متى في إنجيله ١٠:٢٨، ١٦-١٧. فخلال الفترة التي أعقبت قيامته وقبل صعوده، التقى يسوع مع أتباعه في مناسبات عديدة مختلفة. وكأن بولس يقول، “اذهب واسأل هؤلاء الذين رأوا يسوع المُقام. هم ليسوا مجموعة صغيرة من النفوس المخدوعة؛ فهناك المئات الذين رأوا يسوع المُقام بعيونهم، وهم يعلمون أن يسوع قام من بين الأموات.”

إن يَعْقُوب المذكور هنا هو شقيق يسوع، الذي كان يُنظر إليه كقائد بارز في الكنيسة الأولى (أعمال الرسل ١٣:١٥-٢١). كان إخوة يسوع بحسب الأناجيل معادين له ولإرساليته (يوحنا ٣:٧-٥)، لكن بعد القيامة، كان إخوة يسوع من بين أتباعه (أعمال الرسل ١٤:١).

ثُمَّ لِلرُّسُلِ أَجْمَعِينَ: يشير هذا إلى عدد قليل من اللقاءات المختلفة، كما هو مذكور في يوحنا ٢٦:٢٠-٣١، يوحنا ١:٢١-٢٥، متى ١٦:٢٨-٢٠، ولوقا ٤٤:٢٤-٤٩. وفي هذه اللقاءات، أكل معهم وعزَّاهم وأوصاهم بأن يكرزوا بالإنجيل، ثم طلب منهم البقاء في أورشليم لانتظار سكيب الروح القدس بعد صعوده.

أخيرًا، تمكن بولس من تقديم شهادته الخاصة (وَآخِرَ الْكُلِّ ­ كَأَنَّهُ لِلسِّقْطِ ­ ظَهَرَ لِي أَنَا). فقد التقى مع المخلص المُقام بعد صعود يسوع إلى السماء.

إن التغيير الجذري الذي حدث في شخصيات الرسل، واستعدادهم للموت من أجل شهادة القيامة يقضي على فكرة الخداع كتفسير للقبر الفارغ.

فهمك وتقديرك لكل هذه الأدلة هو أمر جيد، ولكن قم بتضمين دليلك الأخير – اختبارك الشخصي مع يسوع المُقام.

اضغط هنا للحصول على تفسير كامل لرسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس الإصحاح ١٥

اضغط هنا لقراءة المزيد من التأملات اليومية للقس ديفيد كوزيك

عِندَمَا يُغْلِق اللهُ الْبَابَ

عِندَمَا يُغْلِق اللهُ الْبَابَ

وَدَخَلَتْ إِلَى نُوحٍ إِلَى الْفُلْكِ، اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ مِنْ كُلِّ جَسَدٍ فِيهِ رُوحُ حَيَاةٍ. وَالدَّاخِلاَتُ دَخَلَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى، مِنْ كُلِّ ذِي جَسَدٍ، كَمَا أَمَرَهُ اللهُ. وَأَغْلَقَ الرَّبُّ عَلَيْهِ. (تكوين ١٥:٧-١٦)

تقول الآية في سفر التكوين ٥:٧ أنه استعدادًا للطوفان القادم، فعل نوح كَمَا أَمَرَهُ الله. لم يكن هناك شيء ناقِص أو غير منتهي. نوح وعائلته والحيوانات، والفلك نفسه، كانوا مستعدين للطوفان العظيم الذي كان على وشك الحدوث.

عِندَمَا يُغْلِق اللهُ الْبَابَ

ولما دخلوا الفلك انتظروا هطول المطر. يخبرنا تكوين ١٠:٧ أنهم كانوا في الفلك لمدة سبعة أيام قبل أن سقوط المطر وقبل أن تنفجر كُلُّ يَنَابِيعِ الْغَمْرِ الْعَظِيمِ. كان الانتظار لمدة سبعة أيام اختبارًا حقيقيًا للإيمان، ومن السهل أن نتخيل سخرية جيران نوح المتشككين من كل من كان في الفلك. “قلت إن الطوفان قادم، ولكن لم يحدث شيء. وقلت إن الله سيرسل الدينونة، لكننا لم نر شيئًا، وأمورنا تسير بأحسن حال.” إن كانوا قد عبروا عن هذا فعلًا، فكلامهم صحيح، وإن كان مؤقتًا. جاءت المياه من كل ناحية، من فوق ومن أسفل، وسرعان ما أصبح الملجأ الوحيد هو الفلك الذي كانوا يستهزئون به ويحتقرونه.

وكما وعد الله في تكوين ٤:٧، بعد سبعة أيام من الانتظار، تدفقت المياه لمدة أربعين يومًا وليلة. ارتبط الرقم ٤٠ بالامتحان والتطهير، خصوصًا قبل الدخول في أمرٍ جديد ومُهمٍّ. يمكن أن يُرى هذا في عدة حالات:

  • أيَّام موسى على جبل سيناء (خروج ١٨:٢٤؛ تثنية ٢٥:٩).
  • رحلة الجواسيس إلى كنعان (سفر العدد ٢٥:١٣).
  • وقت إسرائيل في البريَّة (سفر العدد ٣٣:١٤، ١٣:٣٢).
  • رحلة إيليا العجائبيَّة إلى سيناء (١ ملوك ٨:١٩).
  • تجربة يسوع في البريَّة (مرقس ١٣:١).

قد تبدو الأربعون يومًا مدة طويلة، لكنها أيضًا ليست طويلة جدًا. لقد وفرت وقتًا كافيًا لاختبار إيمان (وصبر) نوح وعائلته والحيوانات التي كانت على متن السفينة، ولكن كان له نهاية. لقد كانت النهاية مؤكدة تمامًا كما كانت البداية.

الآية ’أَغْلَقَ الرَّبُّ عَلَيْهِ‘ لافِتة لِلنّظَر. لم يكُن على نوح أن يُغلِق الباب ليمنع أي أحد من دخول الفلك؛ فالله هو مَن قام بذلك. وبنفس الأسلوب، ليس من واجب خدام الله أن يحرموا الناس من الخلاص. إذا كان الباب سيُغلَق، دعِ الله يُغلِق الباب. وفي حين أن خدام الله قد يصدرون تحذيرات، إلا أن الحكم النهائي يقع على عاتق الله، وليس على البشر.

في زمن نوح، ظلَّ الله فاتحًا الباب حتَّى اللَّحظة الأخيرة الممكنة، لكن أتى وقتٌ كان لا بُدَّ أن يُغلَق الباب. عندما يكون الباب مفتوحًا، يبقي مفتوحًا، ولكن عندما يُغلَق، فهو سيُغلَق ويبقى مُغلَقًا. يسوع هو ٱلَّذِي يَفْتَحُ وَلَا أَحَدٌ يُغْلِقُ، وَيُغْلِقُ وَلَا أَحَدٌ يَفْتَحُ (رؤيا ٧:٣).

إن فترة التجربة لها نهاية (40 يومًا)، ولكن كذلك فترة النعمة الإلهية. وبينما لا يزال الباب مفتوحًا، تعال إلى يسوع، ستجد الملجأ من الدينونة الوشيكة.

اضغط هنا للحصول على تفسير كامل لسفر التكوين الإصحاح ٧

اضغط هنا لقراءة المزيد من التأملات اليومية للقس ديفيد كوزيك

حَفِظ فُلْك نُوح

حَفِظ فُلْك نُوح

ِصْنَعْ لِنَفْسِكَ فُلْكًا مِنْ خَشَبِ جُفْرٍ. تَجْعَلُ الْفُلْكَ مَسَاكِنَ، وَتَطْلِيهِ مِنْ دَاخِل وَمِنْ خَارِجٍ بِالْقَارِ. وَهكَذَا تَصْنَعُهُ: ثَلاَثَ مِئَةِ ذِرَاعٍ يَكُونُ طُولُ الْفُلْكِ، وَخَمْسِينَ ذِرَاعًا عَرْضُهُ، وَثَلاَثِينَ ذِرَاعًا ارْتِفَاعُهُ. وَتَصْنَعُ كَوًّا لِلْفُلْكِ، وَتُكَمِّلُهُ إِلَى حَدِّ ذِرَاعٍ مِنْ فَوْقُ. وَتَضَعُ بَابَ الْفُلْكِ فِي جَانِبِهِ. مَسَاكِنَ سُفْلِيَّةً وَمُتَوَسِّطَةً وَعُلْوِيَّةً تَجْعَلُهُ. (تكوين ١٤:٦-١٦)

نظرًا للدينونة الوشيكة، أمر الله نوحًا أن يصنع لِنفسهِ فُلْكًا. عندما نقول كلمة ’فُلْكَ‘ – على الأقل في اللغة الإنجليزية – فإننا نتصور سفينة تحمل الكثير من الحيوانات. لكن هذا ليس المعنى الحقيقي للكلمة. يشير الفُلك في الواقع إلى صندوق وليس سفينة – صندوق كبير لتخزين الأشياء.

حَفِظ فُلْك نُوح

ما أمر الله نوح أن يبنيه لم يكن قاربًا بالمعنى التقليدي، بل بارجةً جيِّدة التَّهوية مُصممة فقط لتطفو وتوفر الملجأ، لم تُبن لتُبحِر إلى أيِّ مكان.

كان الفُلك طويلًا بطول مبنًى مؤلَّف من ثلاثين طابقًا (حوالي ٤٥٠ قدَم أو ١٥٠ مترًا)، وكان حوالي ٧٥ قدمًا (٢٥ مترًا) عرضًا و٤٥ قدمًا (١٥ مترًا) ارتفاعًا. وكان حجم الفُلك، الذي يشبه صندوق أحذية تقريبًا، مماثلًا لحجم سفينة تيتانيك، وله فتحةٌ أو كوَّةٌ مُكعَّبة (١٨ إنشًا، نصف متر) في القسم العلويّ.

لم تُبنَ سفينةٌ أكبر من الفُلك حتَّى سنة ١٨٥٨. كان الفلك حتمًا كبيرًا بشكلٍ كافٍ لكي يقوم بهذه المهمَّة. فإذا حمل الفُلك اثنين من كلِّ عائلات الحيوانات، فسيكون هناك حوالي ٧٠٠ من الأزواج؛ ولكن إذا حمل الفُلك اثنين من كلِّ فصائل الحيوانات، فسيكون هناك حوالي 35.000 زوجًا من الحيوانات. إنَّ معدَّل حجم الحيوان البريّ أصغر من الخروف. يمكن للفُلك أن يحمل 136.560 خروفًا بنصف حمولته، تاركًا مساحةً كافية للناس وتخزين الطعام والماء، بالإضافة إلى ما يحتاجونه من مُستلزمات.

لم يُخبِر الله نوحًا بعد لماذا ينبغي أن يبنيَ الفُلك. في هذه اللَّحظة، كلُّ ما كان يعرفه نوح هو أنَّ الله سيدين الأرض، وأنَّه مفترضٌ منه أن يبنيَ بارجة. وبما أنَّها لم تُمطِر بعد على الأرض، فمن المنطقيّ الاعتقاد بأنَّ نوح لم يعرف قصد الله بعد.

هناك أدلة علمانية غير كتابية على أن بقايا فُلك نوح تعود إلى ما يقرب من ثلاثة قرون قبل ميلاد يسوع وتمتد حتى القرن العشرين. ويعتقد الكثيرون أن ’دوروبينار‘ على شكل قارب في تركيا هو مكان هبوط سفينة نوح.

تشير الأدلة العلمانية غير الكتابية إلى أن بقايا سفينة نوح يعود تاريخها إلى ما يقرب من ثلاثة قرون قبل ميلاد يسوع وتستمر حتى القرن العشرين. يعتقد الكثيرون أن تكوين ’دوروبينار‘ (Durupinar) على شكل قارب في تركيا هو مكان هبوط سفينة نوح.

أخبر الله نوحًا بأن يطليه بِالْقَارِ مِنْ دَاخِلٍ وَمِنْ خَارِجٍ، ما سمح بحفظ الفُلك لمدَّة طويلة من تسرب الماء. من الممكن أنَّ الله ما زال له قصدٌ للفُلك، لاستخدامه كي يُذكِّر العالَم بدينونةٍ سابقة قبل قدوم دينونةٍ مستقبليَّة. (بطرس الثانية 3: 1-7)

قبل مجيء المسيح الثاني، قد يُذكِّر الله أولئك الذين يتقبلون رسالته بدينونته العادلة. ومن المهم جدًا أن نستمع، ونؤمن، ونستعد.

اضغط هنا للحصول على تفسير كامل لسفر التكوين الإصحاح ٦

الرجل الذي سَارَ مَعَ ٱلله

الرجل الذي سَارَ مَعَ ٱلله

وَسَارَ أَخْنُوخُ مَعَ اللهِ بَعْدَ مَا وَلَدَ مَتُوشَالَحَ ثَلاَثَ مِئَةِ سَنَةٍ، وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ… وَسَارَ أَخْنُوخُ مَعَ اللهِ، وَلَمْ يُوجَدْ لأَنَّ اللهَ أَخَذَهُ.

تقدم هذه الآيات من تكوين ٥ رجلين رائعين. يُشار إلى مَتُوشَالَح على أنه الرجل الذي عاش أطول حياة مسجلة في الكتاب المقدس، إذ بلغ عمره ٩٦٩ عامًا (تكوين ٥: ٢٧). ويُشار إلى أَخْنُوخ على أنه الرجل الذي سار مع الله بطريقة خاصة حتى أن الله أخذه – على الأرجح، إلى عرش الله في السماء.

الرجل الذي سَارَ مَعَ ٱلله

ربما من الصعب تصديق ذلك بدون السجل الكتابي، لكن الأمر لا لبس فيه. أُخِذ أخنوخ، ابن يارد، بطريقةٍ عجائبيَّة إلى الله. تتكرر جملة ’وَسَارَ أَخْنُوخُ مَعَ اللهِ‘ للتأكد من أننا نفهم الفكرة. فالسير مع الله، بهذا المعنى، تتكلَّم عن علاقةٍ حقيقيَّة وعميقة.

لا يمكنك أن تمشي بوعيٍ مع شخص لا تعرف وجوده. عندما نسير مع شخصٍ ما، نعلم أنَّه موجود، نسمع وقْعَ أقدامه إذا لم نتمكَّن من رؤية وجهه. عندما يسير الأصدقاء معًا، فإنهم يتواصلون، ويستمتعون برابطة تتجاوز الكلمات. كان هذا هو نوع العلاقة العميقة التي تمتع بها أخنوخ مع الله، والتي تمتع بها الله مع أخنوخ.

وَسَارَ أَخْنُوخُ مَعَ ٱللهِ: والسير مع الله يعني السير بالإيمان (٢ كورنثوس ٧:٥) والسير في النور (١ يوحنا ٥:١-٧) والسير في انسجامٍ مع الله (عاموس ٣:٣). يُخبرنا عبرانيِّين ٥:١١ عن أساس سير أخنوخ مع الله: بِٱلْإِيمَانِ نُقِلَ أَخْنُوخُ لِكَيْ لَا يَرَى ٱلْمَوْتَ، وَلَمْ يُوجَدْ لِأَنَّ ٱللهَ نَقَلَهُ. إِذْ قَبْلَ نَقْلِهِ شُهِدَ لَهُ بِأَنَّهُ قَدْ أَرْضَى ٱللهَ؛ لا يمكنك أن تمشي مع الله وتُكرِم الله بعيدًا عن الإيمان.

بعد أن سار مع الله هكذا، وكأنَّه في يومٍ من الأيَّام أخبر الله أخنوخ، ’ليس من الضروري أن تعود إلى منزلك، لما لا تأتي معي إلى البيت؟‘ يقول النص ببساطة: وَلَمْ يُوجَدْ لأَنَّ اللهَ أَخَذَهُ. تساءل تشارلز سبيرجن عما إذا كان بعض الآباء العظماء قد رأوا أخنوخ يصعد إلى السماء كما فعل يسوع بعد عدة سنوات.

يبدو أنَّ أخنوخ بدأ بالسير مع الله بطريقةٍ خاصَّة بَعْدَ مَا وَلَدَ مَتُوشَالَح. ربما يعني الاسم متوشالح، عندما يموت، سيأتي. فعندما ولِد متوشالح، أصبح لأخنوخ وعيٌ يرتبط بدينونة الله القادمة، وكان هذا الأمر من أبرز العوامل التي قادته للسير مع الله.

يخبرنا يهوذا ١٤، ١٥ أنَّ أخنوخ كان نبيًّا؛ حتَّى من منظوره البعيد نسبيًّا، استطاع أن يرى مجيء المسيح الثاني (هُوَذَا قَدْ جَاءَ ٱلرَّبُّ فِي رَبَوَاتِ قِدِّيسِيهِ، لِيَصْنَعَ دَيْنُونَةً عَلَى الْجَمِيعِ).

لا أعرف أيهما يأتي أولًا: السير مع الله أم ترقب مجيء المسيح بشوق. لا يهم أيهما سيحدث أولًا، فهما مرتبطان. الشيء المهم هو تنمية كليهما: السير مع الله وترقب مجيء المسيح بصبر . ربما يأتي الله ويأخذك بعيدًا.

اضغط هنا للحصول على تفسير كامل لسفر التكوين الإصحاح ٥

الذبيحة التي ترضي الله

الذبيحة التي ترضي الله

وَحَدَثَ مِنْ بَعْدِ أَيَّامٍ أَنَّ قَايِينَ قَدَّمَ مِنْ أَثْمَارِ الأَرْضِ قُرْبَانًا لِلرَّبِّ، وَقَدَّمَ هَابِيلُ أَيْضًا مِنْ أَبْكَارِ غَنَمِهِ وَمِنْ سِمَانِهَا. فَنَظَرَ الرَّبُّ إِلَى هَابِيلَ وَقُرْبَانِهِ، وَلكِنْ إِلَى قَايِينَ وَقُرْبَانِهِ لَمْ يَنْظُرْ. فَاغْتَاظَ قَايِينُ جِدًّا وَسَقَطَ وَجْهُهُ. (تكوين ٤: ٣-٥)

كان الابنان الأكبران لآدم وحواء يعملان في الزراعة، كان هابيل يرعى الغنم، بينما كان قايين يزرع المحاصيل من الأرض. كانت الزراعة وتدجين الحيوانات تُمارَس منذ البداية. وبصفته مُزارعًا، قدّم قَايِين قُرْبَانًا لِلرَّبِّ مِنْ ثمر تعبه – أَثْمَارِ الأَرْضِ، وقدّم هَابِيل مِنْ أَبْكَارِ غَنَمِه.

الذبيحة التي ترضي الله

يمكننا أن نستنتج أنَّ قايين جاء بقربانه إلى شجرة الحياة لأنَّ الكروبيم كان يحرس الطريق إلى شجرة الحياة (تكوين ٣: ٢٤)، والكروبيم كملائكة هُم دائمًا مرتبطون بمكان الاجتماع بالله (خروج ٢٥: ١٠-٢٢).

لم يقبل الله تقدماتهما. نَظَرَ الرَّب بِرِضَىً ليس فقط إلى تقدمة هابيل، بل إلى هابيل نفسه، لكنه لَمْ يَنْظُرْ بِرِضَىً إلى قَايِين وقُربانه.

ظن الكثيرون أن الله قبِل هابيل وقربانه لأنها كانت ذبيحة دم، أو حيوانًا من قطيعه (على الأرجح خروف أو عنزة). وبناء على هذا المنطق، تم رفض قايين وقربانه لأنه قدم من ثمر الأرض، تقدمة بلا دم. وهذا المنطق يرى أن ذبيحة الدم فقط هي التي يمكن أن ترضي الله.

ولكن هذا ليس صحيحًا على الإطلاق. فالتقدمات لم تقبل أو ترفض على أساس الدم، بل على أساس الإيمان. إنَّ الكاتب إلى العبرانيِّين يشرح بوضوحٍ لماذا كانت تقدمة هابيل مقبولة وتقدمة قايين مرفوضة: بِٱلْإِيمَانِ قَدَّمَ هَابِيلُ لِلهِ ذَبِيحَةً أَفْضَلَ مِنْ قَايِينَ (عبرانيِّين ١١: ٤).

كانت تقدمة قايين نتاج جهدِ ديانةٍ ميِّتة، بينما كانت تقدمة هابيل مبنيَّة على الإيمان، وعلى ذلك الشوق الرَّامي لعبادة الله بالروح وبالحقِّ. ففي نظام تقديم الذبائح الذي أعطاه الله فيما بعد لإسرائيل، تقدمة الحبوب كانت مقبولة أمام الله (كما نرى في لاويِّين ٢)، وإن لم تكن كفَّارة عن الخطيَّة.

كانت تقدمة قايين بلا شكٍّ أكثر إمتاعًا من الناحية الجماليَّة. فتنسيق المحاصيل حتمًا أكثر جمالًا من حَمَل ميت ومُقَطّع. لكنَّ الله كان مُهتمًّا بالإيمان القلبيّ أكثر من اهتمامه بالجمال الفنيّ.

هنا، كان يوجد حملٌ واحدٌ لرجلٍ واحد. فيما بعد، في عيد الفصح، سيكون هناك حملٌ من أجل العائلة. ثمَّ، في يوم التَّكفير، سيكون هناك حملٌ لأجل مجتمعٍ بأكمله. وفي النهاية، مع يسوع، كان هناك حملٌ يرفع خطايا كلِّ العالَم (يوحنَّا ١: ٢٩).

كان يسوع المسيح وما زال ذبيحة الله الكاملة التي مكنت شعبه من تقديم حياتهم كقرابين حية مقدسة مرضية لله. فاقبل ذبيحة المسيح وقدم قربانك لله بالإيمان.

اضغط هنا للحصول على تفسير كامل لسفر التكوين الإصحاح ٤