حياة بمعنى وبلا معنى

حياة بمعنى وبلا معنى

فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ. (تكوين ١:١)

إدراكنا لحقيقة الله وحقيقتنا يضفي معنى على الحياة. لماذا يوجد كَون (عالم) أصلًا؟ لماذا يوجد شيء ما بدلًا من لا شيء؟ الإجابة على كل هذه الأسئلة يمكن أن تقود الإنسان إما إلى حياة مليئة بالمعنى، أو إلى حياة بلا معنى. إن كان كلُّ شيءٍ حولنا، بما فيه ذواتنا، هو نتيجة حوادث عشوائيَّة لا معنى لها بعيدة عن عمل الله الخالق، فهي إذًا تقول شيئًا عنا وإلى أين نحن والكون متجهون. وإذا كان هذا هو الحال، عندها تصبح الكرامة أو الشرف الَّذي نضفيه على الإنسان مجرَّد عواطف خالِصة، لأنَّنا لا نزيد أهميَّة عن أصغر الخلايا، ولا يوجد أيُّ قانون كونيّ أكبر وأهمّ من بقاء الأفضل.

حياة بمعنى وبلا معنى

تُعلن الآية في تكوين ١:١ ببساطة وبشكلٍ مباشر أنَّ العالَم لم يخلُق نفسه أو أنه أتى إلى الوجود بالصدفة. لقد خُلِق بواسطة الله الَّذي بحسب التَّعريف هو كائن أبديّ أزلي. وإذا كان الله قد خلق هذا العالم، ولديه خطة للعالم ولنا كأفراد، فيمكننا إذًا أن نجد معنى لحياتنا من خلال تحقيق الهدف الذي خالقنا لأجله. على سبيل المثال، إن أخذت مفكًا وحاولت استخدامه كمطرقة، فلن يعمل جيدًا وقد يُكسر. وإذا لم يحقق المفك الغرض المرجو منه، كلّ ما نملكه هو خيبة الأمل. عندما نتوجه إلى خالقنا وإلى كلمته، فإننا نكشف عن مقاصده لنا.

يعتقد البعض أن تكوين 1:1 لا علاقة له بالحقائق العلميَّة. ونراهم يبحثون عن المعنى في الحياة من مصادر أخرى. هناك قصَّة تقول أنَّه في يومٍ من الأيَّام قرَّر الطلاب في أحد الصفوف التي يُعلِّمها عالم عظيم أن لا وجود لله. فسألهم الأُستاذ عن مقدار المعرفة التي يملكونها كصف. تباحَث الطلاب بالأمر لوقتٍ ما وقرَّروا أنَّهم يمتلكون نسبة ٥٪ من المعرفة الإنسانيَّة. فكَّر الأُستاذ مليًّا مُعتقدًا بأنَّ تقديرهم كان مبالغًا بعض الشيء، وسألهم: “هل من الممكِن أن يكون الله في الـ ٩٥ ٪ التي لا تملكونها!”

منذ حوالي مئة سنة، كان هناك فيلسوفٌ ألمانيّ اسمه آرثر شوبنهاور (Arthur Schopenhauer). اعتاد أن يجلس على مقعدٍ في حديقةٍ في برلين، ويُفكِّر مليًّا. أثار وجوده شبهات أحد رجال الشرطة، فما كان منه إلَّا وأن سأل الفيلسوف عن مَن هو. أجاب شوبنهاور: ’أتمنى حقًا لو كنت أعرف من أنا.‘

إنَّ الطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها أن نكتشف مَن نحن هي من الله. والمكان الأفضل لذلك يبدأ من سفر التكوين ١:١.

اقض بعض الوقت اليوم في التفكير فيما يعنيه أن الله هو خالقك وأنت خليقته. ثم ابحث في الكتاب المقدس لتعرف المزيد عن قصده لك. إن الله لم يخطئ ولم يقامر عندما خلقك.

لك دور مهم في خطة الله، ويُظهر موت يسوع على الصليب من أجلك مدى أهميتك بالنسبة له.

اضغط هنا للحصول على تفسير كامل لسفر التكوين الإصحاح ١

لَا تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ

لَا تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ

لَا تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ، بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ مَعَ الشُّكْرِ، لِتُعْلَمْ طِلْبَاتُكُمْ لَدَى اللهِ. (فيلبي ٦:٤)

نجد صعوبة أحيانًا في طلب ما نحتاج إليه في الصلاة. قرأت ذات مرة عن مستكشف في القطب الجنوبي كان يعمل في خيمته عندما سمع صوتًا خافتًا من الخارج يسأله: “هل أنت مشغول؟” “أدرك المستكشف أن زميله كان يناديه. فأجاب: “نعم أنا مشغول. ما المشكلة؟” سأل الرجل مرة أخرى: “هل أنت مشغول جدًا؟” رد المستكشف بعصبية: “نعم، أنا مشغول، كيف يمكنني مساعدتك؟” بعد لحظة من الصمت، رد الرجل معتذرًا: “لقد سقطت في صدع في الواقع، ولا أعتقد أنني قادر على الصمود لفترة أطول.”

لَا تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ

يتردد المؤمنون أحيانًا في سؤال الله عن احتياجاتهم. ربما نشعر بالقلق من أننا نزعج الله، وبدلًا من اللجوء لله نرضى بالقليل، ونبذل قصارى جهدنا، ونقرر الانتظار حتى تسوء الأمور حقًا.

لا ينبغي أن يكون الأمر كذلك. في فيلبي ٤: ٦، يوصينا الله بأمرين على الأقل:

– ألا نقلق بشأن أي شيء

– أن نصلي من أجل أي أمر كان

لَا تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ: هذا أمر وليس خيارًا. إذ ينتهك القلق المفرط دور الله في حياتنا، ويجعلنا نأخذ دور رب الأسرة بدلًا من دور الابن. هناك فرق في الواقع، بين القلق المُنتَقَى والقلق التَقِيّ، ولكن كل قلق غير مبرر يختار المؤمن أن يتمسك به هو انتقاد مباشر لله. يكاد يكون مثل القول: “انزل عن عرشك يا الله، دعني أقلق بشأن هذا الأمر نيابة عنا.”

يقول بولس إنَّ مواضيع الصلاة يمكن أنْ تشمل كُلّ شَيْءٍ. إذ لا توجد مجالات في حياتنا لا تهمّ الله. يجب أن ندخل محضر الله بِالصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ. الصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ متشابهان، لكنهما متميزان. فالصَّلَاة كلمة أوسع ويمكن أن تعني كل اتّصالاتنا بالله، لكنَّ الدُّعَاء هو طلب تدخل الله مباشرة. ليس من الخطأ أن نطلب أشياء من الله. فنحن نصلي: ’لتكن مشيئتك يا رب،‘ ونترك الأمر كله بين يديه (وهذا لمصلحتنا بالمناسبة)، ومع ذلك فإن صلوات كثيرة لا تُستجاب لأننا لا نطلب من الله أي شيء.

يدعونا الله هنا ببساطة أنْ نُعلن له طلباتنا: لتُعْلَم طِلْبَاتُكُمْ. ولكن، ألا يعرف الله طلباتنا قبل أن نطلب؟ بالطبع يعرف. الله يعلم طلباتنا قبل أن نصلّيها؛ ومع ذلك ينتظر مساهمتنا من خلال الصلاة قبل أنْ يهبنا ما نطلب.

أخيرًا، مَعَ الشُّكْرِ: الشكر يحمينا من روح التذمر والشكوى عندما نعلن طلباتنا لدى الله. فالله يريدنا:

– ألا نقلق أو نهتم بشيء

– أن نصلّي من أجل كل شيء

– ‌أن نبحث عن أسباب لنكون شاكرين على كل شيء

ارفع طلباتك إلى الله. لا تنتظر حتى اللحظة الأخيرة وتخور قواك تمامًا. اجعل الصلاة ملاذك الأول بدلاً من ملاذك الأخير.

اضغط هنا للحصول على تفسير رسالة فيلبي الإصحاح ٤

مَعْرِفَةِ يَسُوع الْمَسِيح

مَعْرِفَةِ يَسُوع الْمَسِيح

لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ، لَعَلِّي أَبْلُغُ إِلَى قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ. (فيلبي ١٠:٣-١١)

كان هناك نداء بسيط وهدف واضح في حياة الرسول بولس: أَنْ يَعْرِفَ يَسُوع. وقد لخص الأمر بهذه الكلمة: لأَعْرِفَهُ. أما النَّامُوسِيُّون الذين أزعجوا المؤمنين في فيلبي، فقد كانوا يجهلون تمامًا معنى هذا الشوق لمعرفة يسوع المسيح. فقد انصب تركيزهم على الذات، وليس على الله. لكن بولس أراد يسوع، وليس الذات.

مَعْرِفَةِ يَسُوع الْمَسِيح

معرفة يسوع ليست هي معرفة حياته التاريخيّة، وليست هي معرفة العقائد الصحيحة المتعلّقة به، وليست معرفة مبادئه الأخلاقية، ولا حتى معرفة عمله العظيم من أجلنا.

– يمكننا القول بأنَّنا نعرف شخصًا ما لأننا قادرون على التعرُّف عليه، وتمييز ما يفرّقه عن غيره من الناس.

– يمكننا القول بأنَّنا نعرف شخصًا ما لأننا على دراية بما يفعله. فنحن نعرف الخبّاز لأننا نحصل منه على الخبز.

– يمكننا القول بأنَّنا نعرف شخصًا ما لأننا نتحدث معه بالفعل، ونتمتع بعلاقة جيدة معه.

– يمكننا القول بأنَّنا نعرف شخصًا ما لأننا نقضي وقتًا في منزله ومع أسرته.

– يمكننا القول بأنَّنا نعرف شخصًا ما لأننا تعهّدنا بقضاء حياتنا معه كل يوم، ومشاركة كل الظروف معه، كما يحدث في الزواج.

معرفة يسوع تعني أيضًا معرفة واختبار قُوَّةَ قِيَامَتِهِ، أي اختبار الحياة الجديدة الممنوحة لنا الآن وليس عندما نموت.

– قوّة قيامته هي البرهان والختم على أنَّ كل ما فعله يسوع وقاله كان صحيحًا.

– قوّة قيامته هي سند القبض والدليل على أنَّ ذبيحة الصليب استوفت الدين كله.

– قوّة قيامته تعني أنَّ المرتبطين بيسوع المسيح يحصلون على نفس حياة القيامة.

معرفة يسوع تعني أيضًا اشتراكي في آلامِهِ (شَرِكَةَ آلَامِهِ). وكل ذلك جزء من تبعيتي ليسوع وجزء من كوني في المسيح. وكوني في المسيح يعني أيضًا أن أكون مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ. ومع ذلك، لم يكن بولس مهووسًا بالألم والموت في الحياة المسيحيّة، بل كان مشغولًا برجاء القيامة من بين الأموات. لقد فهم بولس أن أي ألم يسمح به الله في حياة المؤمن أو حتى الموت، هما وسيلتان ضروريتان للحصول على حياة القيامة الآن ثُمَّ القيامة النهائية بعد الموت الجسدي. واجه بولس الكثير من المشقات في حياته، وكان الأمر يستحق التضحية، نظرًا إلى عظمة القيامة من بين لأموات.

تذكّر أنَّ بولس كتب هذا بعد أن تجرّع آلامًا أكثر مِمّا سنختبره يومًا، وقد كتبه وهو في عُهدة جنود رومان. فلم تكن هذه مُجرَّد نظرية أو أفكار لاهوتيّة، بل علاقة مُعاشَة وحقيقية مع الله.

يا صديقي العزيز، هل تسَعَى وراء معرفة يسوع المسيح؟ هل تُنَادِي في حياتك: لأَعْرِفَهُ؟

اضغط هنا للحصول على تفسير رسالة فيلبي الإصحاح ٣

إن كان الماء سائِلًا والصخور صلبة

إن كان الماء سائِلًا والصخور صلبة

فَإِنْ كَانَ وَعْظٌ مَا فِي الْمَسِيحِ. إِنْ كَانَتْ تَسْلِيَةٌ مَا لِلْمَحَبَّةِ. إِنْ كَانَتْ شَرِكَةٌ مَا فِي الرُّوحِ. إِنْ كَانَتْ أَحْشَاءٌ وَرَأْفَةٌ. (فيلبي ١:٢)

 يحتوي الإصحاح الثاني من رسالة فيلبي على وصف بلاغي مؤثرة جدًا عن طبيعة المسيح وعمله. كان قصد بولس من تقديم هذا الوصف هو تعزيز الانسجام والتناغم بين المؤمنين في فيلبي. ولذلك شجعهم بتقديم الأساس الحقيقيّ للوحدة والتواضع والمحبة الأخوية. إن اقتنعوا بكلامه، فإن مسؤولية اتباع ما كان على وشك تعليمهم مُلقاة على عاتقهم.

إن كان الماء سائِلًا والصخور صلبة

إِنْ كَانَ وَعْظٌ مَا فِي الْمَسِيحِ: هل ينال المؤمن وَعْظٌ مَا (كلمات التشجيع والإرشاد والنصائح والتحريضات) فِي الْمَسِيحِ؟ نعم، بكل تأكيد. ينبغي على كل مؤمن أن يختبر هذا في المسيح. يخبرنا إنجيل لوقا ٢٥:٢ إنَّ أحد ألقاب يسوع باعتباره المسيّا هو ’تَعْزِيَةَ إِسْرَائِيل.‘ ونقرأ في كورنثوس الثانية ٥:١ «لِأَنَّهُ كَمَا تَكْثُرُ آلَامُ الْمَسِيحِ فِينَا، كَذَلِكَ بِالْمَسِيحِ تَكْثُرُ تَعْزِيَتُنَا أَيْضًا». ويقول بولس في تسالونيكي الثانية ١٦:٢، إنَّ الله قد «أَحَبَّنَا وَأَعْطَانَا عَزَاءً أَبَدِيًّا وَرَجَاءً صَالِحًا بِالنِّعْمَةِ». فبالطبع هناك تشجيع رائع ووَعْظٌ فِي الْمَسِيحِ – ولكن هل اختبرت هذا التشجيع شخصيًا؟

إِنْ كَانَتْ تَسْلِيَةٌ مَا لِلْمَحَبَّةِ: هل ينال المؤمن تَسْلِيَةٌ مَا لِلْمَحَبَّة؟ نعم، بكل تأكيد. فعلى كل مؤمن أن يختبر تعزية محبّته. تقول رسالة كورنثوس الثانية ٣:١ أن الله هو إِلهُ كُلِّ تَعْزِيَةٍ. وبالتالي، لا يوجد ظرف يمكن أن يتجاوز قدرته على توفير التعزية والراحة. والفكرة وراء كلمة تَسْلِيَةٌ (تعزية) هنا يتخطّى حدود التعاطف؛ فهي تشتمل على فكرة التقويّة والمعونة والتشديد. فمحبة الله في حياة المؤمن تجعله قويًا وشجاعًا. فبالطبع هناك تَسْلِيَة (تعزية) في المسيح يسوع. ولكن هل اختبرت تعزية محبته؟

إِنْ كَانَتْ شَرِكَةٌ مَا فِي الرُّوحِ: هل ينال المؤمن شَرِكَةٌ مَا فِي الرُّوحِ؟ نعم، بكل تأكيد. ينبغي على كل مؤمن أن يختبر معنى شَرِكَة الرُّوح. كلمة شَرِكَة هي الكلمة اليونانية القديمة كونونِيا (kononia) وتعني تقاسم الأشياء المشتركة. فنحن نتشارك الحياة مع روح الله بطريقة لم نعرفها من قبل. ويملأ الروح القدس حياتنا ويوجّهها ويتحرك فيها بطريقة قويّة وفريدة. فبالطبع هناك شَرِكَة فِي الرُّوحِ! ولكن هل اختبرت هذه الشَرِكَة؟

إِنْ كَانَتْ أَحْشَاءٌ وَرَأْفَةٌ: هل ينال المؤمن أَحْشَاء (حَنَان) وَرَأْفَة (رَحمَة) من الله؟ نعم، بكل تأكيد. وكما كتب بولس في رومية ٥:٥ “لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا.” لا شك أن كل مؤمن اختبر  أَحْشَاء الله وَرَأْفَة الله بطريقة ما. ولكن هل اختبرت هذا شخصيًا؟

ذكر بولس هذه الأمور بطريقة توحي لنا أنّها يجب أن تكون جميعًا جزءًا واضحًا من الاختبار المسيحي، وواقعًا حقيقيًا مثل نَدَاوَة الماء، وسُخُونَة النار، وصَلاَبَة الصخور.

فهل هذه أجزاء واضحة من حياتك؟

اضغط هنا للحصول على تفسير رسالة فيلبي الإصحاح ٢

رؤية صلاح الله وإن بدت الأمور سيئة

رؤية صلاح الله وإن بدت الأمور سيئة

ثُمَّ أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنَّ أُمُورِي قَدْ آلَتْ أَكْثَرَ إِلَى تَقَدُّمِ الإِنْجِيلِ، حَتَّى إِنَّ وُثُقِي صَارَتْ ظَاهِرَةً فِي الْمَسِيحِ فِي كُلِّ دَارِ الْوِلاَيَةِ وَفِي بَاقِي الأَمَاكِنِ أَجْمَعَ. وَأَكْثَرُ الإِخْوَةِ، وَهُمْ وَاثِقُونَ فِي الرَّبِّ بِوُثُقِي، يَجْتَرِئُونَ أَكْثَرَ عَلَى التَّكَلُّمِ بِالْكَلِمَةِ بِلاَ خَوْفٍ. (فيلبي ١٢:١-١٤)

تمتع بولس بعلاقة خاصة مع المؤمنين في مدينة فيلبي. فهؤلاء الإخوة لم يكونوا مجرد جزء من الكنيسة التي أسسها، بل كانوا أصدقاءه المقربين. قد يشعر أصدقاؤنا بالحيرة أو ربما القلق أحيانًا بشأن ما يفعله الله في حياتنا – وأحيانًا نجد أنفسنا محتارون أكثر منهم. ولهذا السبب أراد بولس من خلال هذه الآيات أن يطمئن أخوته بأن الله ما زال يعمل لخير الملكوت حتى وإن بدت ظروفه سيئة.

رؤية صلاح الله وإن بدت الأمور سيئة

عندما كان بولس في فيلبّي، أُلقي القبض عليه وسُجِن. لكن الله حرره بطريقة معجزيّة، واستمر يكرز برسالة الإنجيل (أعمال الرسل ٢٥:١٦-٣٤). كان بولس يقبع في سجن روما عندما كتب رسالته لأهل فيلبي. ربما تساءل أصدقاؤه حينها: “لقد حرر الله بولس من السجن من قبل، فلماذا لا يفعل ذلك الآن؟ هل تَخَلَّى الله عنه، أم هل هناك خطية في حياته؟ لهذا السبب أرادهم بولس من خلال هذه الآيات، أن يعلموا أنَّ نعمة الله وقدرته لم تزالا معه رغم قيود سجنه – فهو لم يكن خارج إرادة الله.

في ضوء ما فعله الله في السابق، لا عجبَ أنَّ أهل فيلبّي تعجبّوا أين كانت قوّة الله هذه المَرَّة عندما سُجِن بولس. ولكن بولس لم يهتم إطلاقًا بتقدمه الشخصي – كان جل اهتمامه تَقَدُّمِ الْإِنْجِيلِ. ورُغم ظروفه الصعبة ووجوده في السجن، بيّن للجميع من خلال سلوكه أنّه لم يكن مُجرَّد سجين عادي، بل كان مبعوثًا ليسوع المسيح. وقد أدّت هذه الشهادة إلى إيمان الكثيرين، ومن ضمنهم حرس دَارِ الْوِلَايَةِ.

في الواقع، منح سجن بولس المؤمنين من حوله، الذين لم يتم سجنهم، المزيد من الثقة والجرأة، إذ رأوا أنَّ بولس كان فرحًا وسط هذه المحنة. رأوا أنَّ الله سيعتني ببولس ويستخدمه حتّى وهو في السجن. ونحن نعلم أيضًا أنَّ كل هذا آل في النهاية إِلَى تَقَدُّمِ الْإِنْجِيلِ لأنَّه خلال هذه الفترة كتب بولس رسائله إلى أهل أفسس وفيلبّي وكولوسي. ورغم الظروف الصعبة، استخدم الله بولس بقوة.

الله لم يضيّع وقت بولس أثناء سجنه في روما. فالله لا يضيّع وقتنا أبدًا، على الرغم من أننا قد نضيّعه بعدم تمييز قصده لحياتنا في تلك اللحظة.

هل تمر بظروف صعبة – ربما تقبع الآن في ’سجن‘ ما؟ يستطيع الله أن يستخدمك أينما كنت، وهو يرغب بذلك. فتوقف إذًا عن التفكير في أن ظروفك يجب أن تتغير حتى تظهر قوة الله في حياتك. يمكن لقوة الله أن تظهر في حياتك الآن.

أعطى الله بولس القدرة على رؤية الخير حتى في السجن – وهو نفس الإله الذي معنا.

اضغط هنا للحصول على تفسير رسالة فيلبي الإصحاح ١

السَفِير فِي سَلَاسِلَ

السَفِير فِي سَلَاسِلَ

وَلأَجْلِي، لِكَيْ يُعْطَى لِي كَلاَمٌ عِنْدَ افْتِتَاحِ فَمِي، لأُعْلِمَ جِهَارًا بِسِرِّ الإِنْجِيلِ، الَّذِي لأَجْلِهِ أَنَا سَفِيرٌ فِي سَلاَسِلَ، لِكَيْ أُجَاهِرَ فِيهِ كَمَا يَجِبُ أَنْ أَتَكَلَّمَ. (أفسس 19:6-20)

في ختام رسالته الرائعة إلى كنيسة أفسس، وبعد  أن أوصاهم بأن يلْبَسُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ وأن يصلوا بِكُلِّ مُواظَبَةٍ (أفسس ١٠:٦-١٨)، طلب  بولس منهم تحديدًا أن يصلوا من أجله. كانت طلبته شخصية جدًا، إذ طلب منهم أن يصلوا لكي يعطيه الرب كَلاَم عند افتتاح الفم، وأن يُعلم جهارًا بسر الإنجيل. ويعني هذا أننا نستطيع أن نحارب بالروح ليس من أجل أنفسنا فقط، ولكن نيابةً عن الآخرين أيضًا. فإن تمكن أهل أفسس من القيام بذلك من أجل بولس، فيمكننا نحن أيضًا، بل ويجب علينا، أن نفعل ذلك من أجل الآخرين.

السَفِير فِي سَلَاسِلَ

الفكرة وراء كلمة كَلَام هي التحدّث الواضح. فبالإضافة إلى الكلام جِهَارًا، طلب بولس الصلاة لكي ينادي بالإنجيل بوضوح وبقوّة لا يشوبها خوف. فمن السهل إهمال هذا أو تلك. وبالتالي، يحتاج الوعاظ اليوم إلى مزيد من الوضوح في وَعظهم. فمن السهل أن تضيع في التفاصيل الصغيرة والقضايا الجانبية والتكهنات. ولكن الوعظ الواضح هو عطية لكل من الكنيسة والعالم، ويحتاج الوعاظ أن يصلوا لكي يعطيهم الرب رسالة واضحة كلما أتيحت لهم فرصة الكَلَامِ. وعندما يقترن هذا الوضوح بالشجاعة والجرأة، تحدث أمور عظيمة.

عندما طلب بولس من قرائه أن يصلوا من أجل نعمة الكرازة بوضوح وبجرأة، رُبَّما كان يفكّر في دفاعه القادم عن نفسه أمام قيصر. فعندما تقابل بولس مع مُخلصه على طريق دمشق، أخبره الله أنه سيحمل اسمه أمام أمم وملوك (أعمال الرسل ١٥:٩). ولهذا السبب كان بولس بحاجة إلى صلوات ودعم اخوته المؤمنين لأن الفرصة للقيام بذلك كانت قريبة جدًا.

كان بمقدور بولس أنْ يطلب الصلاة من أجل أشياء كثيرة، مثل إعفائه من سجنه أو وسائل الراحة الأخرى. ولكنَّ قلبه وعقله كانا مُثبّتين على مسؤوليّته كـسَفِير لله وللإنجيل.

تأمل في الوصف الرائع الذي قدمه بولس عن نفسه: أَنَا سَفِيرٌ فِي سَلاَسِلَ. بالطبع، الكلمة اليونانيّة القديمة المترجمة ’سَلَاسِل‘ تعني سلاسل السجين. ففي ذلك الوقت، كان بولس سجينًا مكبلًا بسلاسل حديدية حول معصميه.

ولكن يمكن أن تستخدم هذه الكلمة القديمة أيضًا بمعنى الزينة الذهبية التي يلبسها الأثرياء والأقوياء حول الرقبة والمعصمين. ففي المناسبات الخاصّة، كان السفراء يرتدون مثل هذه السلاسل لإظهار غنى وقوة وكرامة الحكومة التي يمثلونها.

فأي معنى كان يقصد بولس هنا؟ أعتقد أنه كان يقصد المعنيين معًا! اعتبر بولس أن سلاسل سجنه هي في الحقيقة زينة مجيدة لـسَفِير يسوع المسيح.

ففي يسوع المسيح، ما يستخدمه العالم بنية التشهير بالمؤمن وتقييده قد يتحول إلى شيء مجيد ورائع. لقد كان هذا صحيحًا بالنسبة لبولس، ويمكن أن يكون صحيحًا بالنسبة لك اليوم. اعترف بالقيود، لكن لا تركز عليها: فهويتك الحقيقية هي أن تكون سفيرًا لله.

اضغط هنا للحصول على تفسير رسالة أفسس الإصحاح ٦

كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِاللهِ

كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِاللهِ

فَكُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِاللهِ كَأَوْلاَدٍ أَحِبَّاءَ، وَاسْلُكُوا فِي الْمَحَبَّةِ كَمَا أَحَبَّنَا الْمَسِيحُ أَيْضًا وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، قُرْبَانًا وَذَبِيحَةً للهِ رَائِحَةً طَيِّبَةً. (أفسس ١:٥-٢)

الفكرة الواردة في هذه الآيات تواصل الفكر من نهاية الإصحاح ٤، حيث وصف بولس كيفيّة ارتباط المؤمنين بعضهم بالبعض. فمِثَال المؤمن فيما يتعلق بمعاملة الآخرين هو الله نفسه. على المؤمنين أن يكونوا مُتَمَثِّلِينَ بِاللهِ.

كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِاللهِ

كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِاللهِ

الفكرة بسيطة هي أن نجعل الله مثالًا ونموذجًا لنا. إنَّه لا يقول: ’فكّروا في الله‘ أو ’كونوا مُعجبين بالله‘ أو ’كونوا مُغرمين بالله،‘ رغم أنَّ هذه كلها واجبات مسيحيّة مهمّة. بل هذه دعوة إلى اتّخاذ خطوة عملية، تتجاوز علاقتنا الشخصية مع الله.

يمكننا أن نقول إنَّ هذا استمرار لنفس الفكرة التي أوردها بولس في أفسس ١٣:٤ فيما يتعلّق بمدى النمو المسيحيّ: «إِلَى إِنْسَانٍ كَامِلٍ. إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ.» ويمكننا أيضًا أن نقول إنَّ هذا استمرار لفكرة أفسس ٣٢:٤، حيث أوصانا الرسول: «كُونُوا مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ اللهُ أَيْضًا فِي الْمَسِيحِ.» فيصبح سلوك الله تجاهنا مقياسًا لسلوكنا بعضنا تجاه البعض.

من المهمّ أنْ نرى أنَّ الله أعلى بكثير من أنْ يكون مُجَرَّد مثال لنا. فالعديد من الضلالات تدخل الكنيسة عندما يُقدَّم يسوع كمِثال للسلوك فقط. فنحن لا ننال الخلاص من مِثال يسوع، ولكن بمجرد أن نتصالح مع الله من خلال عمل يسوع، فإن مِثاله يصبح ذو معنى بالنسبة لنا. الله أكثر من مُجَرَّد مثال لنا، لكنَّه أيضًا مثالنا.

علينا أن نتَمَثَّل بِاللهِ كَأَوْلاَدٍ أَحِبَّاءَ. الأطفال مقلِّدون بالطبيعيّة. فهم غالبًا يفعلون ما يرون آباءهم أو غيرهم من البالغين يفعلونه. وعندما نتصرّف وفقًا لطبيعتنا كأبناء الله، فإننا نقلّده.

نحن جميعًا نقلد شخصًا ما أو شيء ما. نلتقي بشخص ونُعجب به ونريد دون وعي أن نكون مثله. نشاهد مقطع فيديو لشخص نحبه ونريد أن نكون مثله. علينا كمؤمنين أن نتخذ قرارات واعية ليكون الله قدوة لنا – الله كما ظهر في شخص يسوع المسيح وعمله. وينبغي أن نسلك فِي الْمَحَبَّةِ كَمَا أَحَبَّنَا الْمَسِيحُ أَيْضًا. فيسوع هو مثالنا في كل شيء. وكَمَا أَحَبَّنَا وأَسْلَمَ نَفْسَهُ لِأَجْلِنَا، علينا أن نقدّم نفس نوع المحبّة المضحّية بنفسها. كثيرًا ما نعتقد أننا نستطيع أن نبذل حياتنا بطريقة دراميّة لإظهار حبنا للآخرين. لكنَّ الله غالبًا ما يدعونا إلى بذل حياتنا شيئًا فشيئًا، على دفعات صغيرة، لا دفعةً واحدة كبيرة.

وبِمَا أن المسيح يسكن فيك، كن متمثلاً بالله. إذ يليق بالأولاد أن يتمثلوا بأبيهم.

اضغط هنا للحصول على تفسير رسالة أفسس الإصحاح ٥

الظُهُور الأول، الظُهُور الثاني

الظُهُور الأول، الظُهُور الثاني

يساعد دعمك المادي لخدمة الكلمة الثابتة الملايين على مستوى العالم. اضغط هنا للتبرع.

هكَذَا الْمَسِيحُ أَيْضًا، بَعْدَمَا قُدِّمَ مَرَّةً لِكَيْ يَحْمِلَ خَطَايَا كَثِيرِينَ، سَيَظْهَرُ ثَانِيَةً بِلاَ خَطِيَّةٍ لِلْخَلاَصِ لِلَّذِينَ يَنْتَظِرُونَهُ. (عبرانيين ٩: ٢٨)

يذكّرنا عيد الميلاد المجيد بميلاد يسوع المسيح، الذي يُعلم الكتاب المقدس أنّه الله الابن، الأقنوم الثاني الأزلي في الثالوث. ففي فترة محدّدة من التاريخ، أضاف الله الابن طبيعة بشريَّة إلى طبيعته الإلهيَّة، وحُبل به بطريقة عجائبية في بطن أمّه العذراء. وبعد تسعة أشهر ولد يسوع في بيت لحم، كما قال النبي ميخا. (ميخا ٥: ٢)

كُل هذا حدث في أول ظهور ليسوع، مما يدعو للاحتفال حقًا. كم سيكون رائعًا أن نعرف عدد الأشخاص الذين يفكّرون في يسوع، ولو للحظة، هذا الموسم. فالمعظم يصبّ جُلّ اهتمامه على العُطلَة، وتقديم الهدايا وتلقّيها، وقضاء الوقت مع العائلة، وأكل الوجبات المميّزة. لكن حتّى مع اهتمامهم بهذه الأشياء، يجد الكثير من الناس أنفسهم يفكّرون في يسوع وميلاده، حتى لو كان ذلك مجرّد شعور عابر.

تشير رسالة العبرانيين ٩: ٢٨ إلى ظهور يسوع الأوّل ضمنيًا،  لكنها تشير بشكل مباشر إلى أنه سَيَظْهَرُ ثَانِيَةً. وضع كاتب العبرانيين أمام المؤمنين، من أصل يهودي، مجيء يسوع الأوّل بجانب مجيئه الثاني لأنهما متشابهان في كثير من النواحي.

ففي مجيء يسوع الأول، جاء بالنور إلى العالم. وعندما يَظْهَرُ ثَانِيَةً، سيكون هو النور الذي يستبدل نور الشمس (رؤيا 21: 23).

في مجيئه الأول، جاء متمّمًا لوعد الرب. وعندما يَظْهَرُ ثَانِيَةً، ستجد كل الوعود اكتمالّها في يسوع عندما يملك الله على الأرض ويجمع كل الأشياء معًا.

في مجيئه الأول، أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ. حاز الرعاة على الإكرام من خلال زيارة الملائكة، وسجد المجوس بخشوع للطفل يسوع. وعندما يَظْهَرُ ثَانِيَةً، سيرفع شعبه المتواضع، ويدين أولئك الذين يعتقدون أنهم أعظم وأقوى من حاجتهم إليه.

كان محور وهدف مجيء يسوع الأول هو التعامل مع مشكلة الخطيئة من خلال ذبيحته الكفاريّة. لكنه الآن بعد أن قدم الحل النهائي لمشكلة الخطيئة سيعود ثانية بِلاَ خَطِيَّةٍلْخَلاَصِ شعبه.

في مجيئه الأول، كان العالم ينتظر مجيء المخلّص بشوق. يفترض كاتب العبرانيين أن شعب الله اليوم يَنْتَظِرُونَهُ بِشوق وترقب أيضًا. ومن المُحزن أن هذا الافتراض ليس صحيحًا دائمًا.

وكما قال تشارلز سبيرجن، “علينا أن نشعر كمؤمنين بخيبة الأمل يوميًا حين لا يأتي ربنا في ذلك اليوم.” بدلًا من ذلك، يفترض العديد من المؤمنين اليوم أن يسوع لن يأتي قريبًا. وبالتالي، لا ينتظرونه بشوق. وهذا ليس جيدًا.

من الرائع أن نحتفل بظهور يسوع الأول. فمن بيت لحم إلى الصليب والقبر الفارغ، فاز يسوع بالخلاص لشعبه. وإنه لأمرٌ جيد أن تسمح لعيد الميلاد أن يُلهب قلبك بالشوق للعودة المجيدة ليسوع.

اضغط هنا للحصول على تفسير كامل لرسالة العبرانيين الإصحاح ٩

هَذَا يَكُونُ عَظِيمًا

هَذَا يَكُونُ عَظِيمًا

“هَذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَٱبْنَ ٱلْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ ٱلرَّبُّ ٱلْإِلَهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ.” (لوقا ٣٢:١)

تقع بلدة الناصرة الصغيرة شمالي القدس، التي تبعد عنها حوالي 70 ميلًا (113 كم) تقريبًا. عُرفت المدينة بفسادها وتدني أخلاقها. ورَغْمَ ظُلمة المكان، أشرق نور عجيب على عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُل مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ اسْمُهُ يُوسُفُ. وَاسْمُ الْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ. ويذكر إنجيل لوقا بوضوح أن مريم كانت عذراء، أي أنها لم تتزوج بعد. وذات يوم، حظيت مريم بزيارة عجيبة. صحيح أن الملاك أشاد بمريم، لكن تركيز رسالته لم يكن على مريم بل على الابن الذي سيُدعى يسوع. كان هذا ٱلِٱبْنُ هو المسيا الذي تنبأ عنه العهد القديم.

ليس غريبًا أن يقوم الأهل بشراء كتابًا عن الأطفال عندما يعلمون أنهم سيحظون بطفل. وغالبًا ما يبدأون بتسجيل أفكارهم ومشاعرهم وآمالهم وأحلامهم لطفلهم الذي لم يولد بعد. ولكن لا أحد من الآباء، حتى الأكثرهم فخرًا، سيكتب عن طفله ما قاله الملاك عن يسوع قبل ولادته: هَذَا يَكُونُ عَظِيمًا.

لا شك أن يسوع كان عظيمًا حقًا. إذ لم يؤثر أحد على التاريخ البشري أكثر من يسوع المسيح. منذ عدَّة سنوات، عَبَّر فرد بوك (Fred Bock) عن هذا بقوة في مقال بعنوان: الحياة الوحيدة الفريدة (One Solitary Life):

وُلِدَ في قريةٍ مجهولة، وكان ابنًا لفلاحة. عمِلَ في محل نجارة متواضع، إلى أن أصبح في الثلاثين من عمره، وبعد ذلك ولمدة ثلاث سنوات، جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا: يتكلم مع الناس ويصغي إليهم ويساعدهم حيثما استطاع.

لم يكتُب كتابًا، لم يُحقق نجاحًا يُذكر، لم يدرُس في جامِعة، لم يسعَ وراءَ منصب عامَّ، لم تكُن لديهِ عائِلة، ولم يملِكْ بيتًا. لم يفعَلْ ما يفعله العظماء عادةً. لم يكُن هناك ما يثبت صحة كلامه إلا نفسه. وعندما كان في الثالثة والثلاثين من عُمره، تحوَّل الرَّأي العام ضِده، ورفضَهُ أصدِقاؤه. وعندما اِعْتَقَلوه، تخلى عنه الجميع وقلَّةٌ فقط أرادُوا أن يتعرَّفُوا عليه. وبعد مُحاكمة غيرِ عادلة، أعدمته الدولة إلى جانِبِ لُصُوص. ولو لم يتقدَّم أحدُ أصدِقائِهِ الكُرَماء بوضعِ جسده في مقبرته الخاصَة، لما كانَ هناك مكانٌ لدفنه.

حدث كُلُّ هذا منذ عدة قرون، ومع ذلك لا يزال هو الشخصية الأبرز في التاريخ، والمثال الأسمى للمحبة. والآن ليس من المبالغة أن نقول إنه إذا جمعت معًا كل الجيوش التي تقدمت يومًا، وكل الأساطيل العسكرية التي أبحرت يومًا، وكل الحُكام والملوك الذين حكموا على هذه الأرض، فستجد أنهم لم يؤثروا على حياة الإنسان كما أثرت عليه حياة هذا الشخص الفريد.

ويظل السؤال المطروح هو: ما مدى تأثير يسوع على حياتك؟ قال الملاك: هذَا يَكُونُ عَظِيمًا – هل اختبرت عظمة يسوع؟

اضغط هنا للحصول على تفسير كامل لإنجيل لوقا الإصحاح ١

احْفَظُوا وَحْدَانِيَّةَ الرُّوحِ

احْفَظُوا وَحْدَانِيَّةَ الرُّوحِ

يساعد دعمك المادي لخدمة الكلمة الثابتة الملايين على مستوى العالم. اضغط هنا للتبرع.

“بِكُلِّ تَوَاضُعٍ، وَوَدَاعَةٍ، وَبِطُولِ أَنَاةٍ، مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي الْمَحَبَّةِ. مُجْتَهِدِينَ أَنْ تَحْفَظُوا وَحْدَانِيَّةَ الرُّوحِ بِرِبَاطِ السَّلاَمِ.” (أفسس ٢:٤-٣)

يبدأ بولس في الإصحاح الرابع من رسالته لأهل أفسس جزءًا جديدًا تمامًا. أفرد بولس ثلاثة إصحاحات لتوضيح كل ما فعله الله للمؤمنين، مجّانًا بنعمته، بكل تفصيل. وهو الآن يوجّه إليهم دعوة بأن يعيشوا بصورة لائقة، ولكن فقط بعد ‌أن وضح ما فعله الله من أجلهم في المسيح يسوع.

عندما نفهم حقًّا مقدار ما فعله الله من أجلنا، سنودّ بطبيعة الحال أن نعيش بِكُلِّ تَوَاضُعٍ وَوَدَاعَةٍ، لا بالرغبة الشديدة في الدفاع عن حقوقنا ودعم أجندتنا الخاصّة. قبل المسيحيّة، كانت كلمة تَوَاضُعٍ ترتبط دائمًا بمعانٍ سلبية. وهي لا تزال كذلك في عقول الكثيرين، ولكنَّها في الواقع، فضيلة مسيحيّة جليلة (فيلبّي ١:٢-١٠). إنها تعني أننا نستطيع أن نكون سعداء وراضين حتّى عندما لا نتحكم في زمام الأمور ولا شيء يسير وفق هوانا.

عندما نفهم حقًّا مقدار ما فعله الله من أجلنا، سنودّ بطبيعة الحال أن نتحلى بِطُولِ أَنَاةٍ، مُحْتَمِلِينَ بَعْضُنا بَعْضًا. نحن بحاجة إلى ذلك، كي لا تعمل الأخطاء الحتمية التي تحدث في عائلة الله ضد قصد الله المتمثل في جمع كل الأشياء معًا في يسوع – الأمر الذي يتّضح بواسطة عمله الحاليّ في الكنيسة.

عندما نفهم حقًّا مقدار ما فعله الله من أجلنا، سنودّ بطبيعة الحال أن نجتهد لنحفظ وَحْدَانِيَّةَ الرُّوحِ بِرِبَاطِ السَّلاَمِ. هذا الموقف المتواضع والمتسامح تجاه الآخرين يحقّق وَحْدَانِيَّة ٱلرُّوحِ.

لاحظ أن دورنا هو أن نجتهد للحفاظ على هذه الوحدة، لا أن نخلقها. فالله لا يأمرنا أبدًا بخلق الوحدة بين المؤمنين، فهو قد خلقها بروحه؛ إنَّما واجبنا التعرف عليها والحفاظ عليه.

إنها وحدة روحية، وليست بالضرورة وحدة هيكلية أو طائفية. ويتّضح ذلك في الترابط الفوري الذي يحدث بين المؤمنين من شتّى الأجناس والقوميات واللغات والطبقات الاقتصادية.

نستطيع أن نفهم وَحْدَانِيَّةَ ٱلرُّوحِ هذه بفهم ما هو ليس وحدة. فوحدانية الروح، ليست وحدة مبنية على الأكاذيب، أو الشر، أو الخرافات، أو استبداد روحي. وهي ليست وحدة ’الجغرافيا‘ التي تعتمد في تحقيقها على اجتماع المؤمنين أسبوعيًا في نفس المبنى. وهي ليست وحدة الإدارة الكنسية أو التَدابِير الطائفية.

هذا هو تعريف الوحدة الروحية الحقيقية، وأي شكل آخر من أشكال الوحدة الزائفة سيعمل حتمًا ضد الحق. نحن واثقون من أنَّ هذه الوحدة موجودة في يسوع المسيح بروح الله. وكلما اقترب المؤمنون من مختلف الخلفيات والخبرات من يسوع أكثر، كلما اقتربوا من بعضهم البعض بصورة أفضل. يسوع المسيح هو مصدر وحدتنا؛ وهو الذي هَدَمَ بِجَسَدِهِ كل الحواجز بين البشر (أفسس ١٤:٢).

لقد اشترى يسوع هذه الوحدة القوية بثمن باهظ: بدمِّه. فماذا تفعل يا أخي المؤمن للحفاظ على هذه الوحدة؟

اضغط هنا للحصول على تفسير كامل لرسالة أفسس الإصحاح ٤