أَبعاد مَحَبَّة الله

أَبعاد مَحَبَّة الله

يساعد دعمك المادي لخدمة الكلمة الثابتة الملايين على مستوى العالم. اضغط هنا للتبرع.

“لِيَحِلَّ الْمَسِيحُ بِالإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ، وَأَنْتُمْ مُتَأَصِّلُونَ وَمُتَأَسِّسُونَ فِي الْمَحَبَّةِ، حَتَّى تَسْتَطِيعُوا أَنْ تُدْرِكُوا مَعَ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، مَا هُوَ الْعَرْضُ وَالطُّولُ وَالْعُمْقُ وَالْعُلْوُ، وَتَعْرِفُوا مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ الْفَائِقَةَ الْمَعْرِفَةِ، لِكَيْ تَمْتَلِئُوا إِلَى كُلِّ مِلْءِ اللهِ.” (أفسس ١٧:٣-١٩)

كان هذا جزءًا من صلاة رائعة رفعها بولس لأهل أفسس. بوحي من الروح القدس، قدم لنا بولس أكثر من مجرد صلاة فَصِيحة. إذ تكشف هذه الصلاة، وبطريقة خاصة، ما يريده الله لشعبه.

سنسلط الضوء على جزء بسيط جدًا من هذه الصلاة المجيدة. في الآية ١٨، صلى بولس أنْ يفهموا معًا كجماعة كل أبعاد محبّة يسوع (الْعَرْضُ وَالطُّولُ وَالْعُمْقُ وَالْعُلْوُ). والمقصود أنَّ محبّة يسوع لها أبعاد ويمكن قياسها. إنها حقيقة واقعية وملموسة، وليست مجرد خيال جميل وإيمان عاطفي ونظرية فلسفية تقليدية. محبّة يسوع قابلة للقياس.

محبّة يسوع لها عَرْض. ويمكنك أن ترى عرض النهر بملاحظة المساحة التي يغطّيها. فنهر محبّة الله واسع جدًّا إلى درجة أنَّه يغطّي خطيتي، ويغطي كل ظروف حياتي، بحيث تعمل كل الأشياء معًا من أجل الخير. وعندما أشك في غفرانه أو عنايته، فأنا أضيّق نهر محبّة الله العظيم. فمحبّته واسعة سعة العالم: «لِأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ ٱللهُ ٱلْعَالَمَ» (يوحنا ١٦:٣).

محبّة يسوع لها طُول. عند التفكير في طول محبّة الله، اسأل نفسك: ’متى بدأت محبّة الله نحوي؟ وإلى متى ستستمر؟‘ هذه الحقائق تقيس طول محبّة الله. نعم، «مَحَبَّةً أَبَدِيَّةً أَحْبَبْتُكِ» (إرميا ٣:٣١)

محبّة يسوع لها عُمْق. تخبرنا رسالة فيلبّي ٧:٢-٨ عن عمق محبّة يسوع: «لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ ٱلنَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي ٱلْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ، وَأَطَاعَ حَتَّى ٱلْمَوْتَ، مَوْتَ ٱلصَّلِيبِ». وما من شيء أدنى من موت الصليب. فهذا هو مدى عمق محبّة يسوع لنا.

محبّة يسوع لها عُلْوُ. لكي ترى ذروة محبّة الله، اسأل نفسك: ’إلى أي مدى ترفعني محبّته؟‘ إنَّها ترفعني إلى السماويّات حيث أجلس مع المسيح. لقد «أَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ» (أفسس ٦:٢).

هل يمكن أن نُدرِك حقًّا مَا هُوَ عَرْضُ وَطُولُ وَعُمْقُ وَعُلْوُ محبّة الله؟ لكي نتوصل إلى فهم أبعاد محبّة الله، يجب أن نأتي عند الصليب. فالصليب يشير إلى أربعة طرق، أي في كل اتجاه، لأنَّ:

  • محبّة الله واسعة بما يكفي لاحتواء كل شخص.
  • محبّة الله طويلة بما يكفي للاستمرار إلى الأبد.
  • محبّة الله عميقة بما يكفي للوصول إلى أسوأ خاطئ.
  • محبّة الله مرتفعة بما يكفي لنقلنا إلى السماء.

أنظر إلى يسوع المسيح وصليبه واختبر كل أبعاد محبة الله.

اضغط هنا للحصول على تفسير كامل لرسالة أفسس الإصحاح ٣

صدق كلامه

صدِّق كَلامَهُ

يساعد دعمك المادي لخدمة الكلمة الثابتة الملايين على مستوى العالم. اضغط هنا للتبرع.

“لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَال كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ.” (أفسس ٨:٢-٩)

تسعى طبيعتنا البشريّة باستمرار لنيل إحسان الله بطريقتها الخاصّة. ولكن موقفنا الصحيح أمام الله ليس أمرًا نصنعه أو نكتسبه أو نستحقّه لأنفسنا. إنّه عطية مجانيّة تُمنح بالإيمان لغير المستحقّين. بالإضافة لذلك، من المهم أن نتذكّر أن الإيمان ليس عملًا صالحًا يجعلنا نكسب مكانتنا أمام الله. ورغم أنّ الأعمال الصالحة تُصاحب الإيمان الحقيقي، فإن الإيمان بحدّ ذاته ليس ’عملًا.‘ فالإيمان يرى ببساطة العرض الذي يقدّمه الله ويؤمن أنّه حقيقي. إنه ينظر إلى وعود الله ويقول: “أنا أؤمن أنّها لي.” والإيمان يرفض أن يدعو الله كاذبًا، ويأخذ كلامه دائمًا على محمل الجدّ، ويثق بأنّه جدير بالثقة. ولكن عندما نفقد إيماننا، ننكر أن كلمة الله صحيحة، وندعوه كاذبًا. وليس هناك أيّ ميزة في عدم وصف الله بأنه كاذب؛ فهذا مجرّد حُسْنُ تَمْيِيز.

يُحكى أنّ رجلًا كان يُعلّم فصلًا في مدرسة الأحد مليئًا بالأولاد الصغار. في أحد الأيام عرَض على أحد الأولاد هدية غالية الثمن: ساعة جديدة. لكنّ الصبي ظنّ أنها مجرد خدعة. فرفض تلك الساعة على الفور، خوفًا من سخرية زملائه عندما تنكشف الخدعة. فعرض المعلّم الساعة على صبيّ آخر، لكنّه فعل كما فعل زميله ورفضها. وهكذا، واحدًا تلو الآخر، رفض الجميع الساعة لأن العرض بدا رائعًا لدرجة يصعب تصديقه؛ وقالوا إنها حتمًا مجرّد خدعة. ولكن عندما عرَض المُعلّم الساعة على آخر صبيّ في الفصل، كان جريئًا بما يكفي لقبول الساعة. وعندما أعطى المُعلم الساعة للصبي، اندهش الجميع ثم شعروا بالغضب. استخدم المعلم هذا المثل ليوضّح لطلابه أنه مهما كانت جودة الهدية المقدمة لهم، كان عليهم أن يصدّقوا مُعطي الهديّة ويقبلوا الهدية للاستفادة منها.

في عام ١٨٢٩، حكمت محكمة الولايات المتحدة على رجل من ولاية بنسلفانيا يُدعى جورج ويلسون بالإعدام شنقًا بتهمة السرقة والقتل. عفا عنه الرئيس أندرو جاكسون، لكن السجين رفض العفو. فأصرّ الرئيس على أن العفو لن يكون ساريًا إلا إذا قبله السجين. ولأنه لم يتم طرح مثل هذه المسألة القانونية سابقًا، دعا الرئيس جاكسون المحكمة العليا للبتّ فيها. فأصدر رئيس المحكمة العليا جون مارشال القرار التالي: “العفو هو مجرّد ورقة، تعتمد قيمتها على قبولها من قِبل الشخص المعني. ورفض العفو، لا يمنح العفو. جورج ويلسون يجب أن يُعدَم.” وبالفعل تمّ شنقه.

ومع ذلك، فإنّ عَرض الله للغفران والخلاص في المسيح يسوع مُقدّم للكثيرين، ولكن فقط أولئك الذين يصدّقون الله وكلمته سينالون فوائد هذا الغفران.

نشجّعك عزيزي على أن تصدِّق ما يقوله الله لك اليوم، وأن تقبل عطيّة النعمة التي يقدّمها لك.

اضغط هنا للحصول على تفسير كامل لرسالة أفسس الإصحاح ٢

إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَات

إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَات

مُسْتَنِيرَةً عُيُونُ أَذْهَانِكُمْ، لِتَعْلَمُوا مَا هُوَ رَجَاءُ دَعْوَتِهِ، وَمَا هُوَ غِنَى مَجْدِ مِيرَاثِهِ فِي الْقِدِّيسِينَ، وَمَا هِيَ عَظَمَةُ قُدْرَتِهِ الْفَائِقَةُ نَحْوَنَا نَحْنُ الْمُؤْمِنِينَ، حَسَبَ عَمَلِ شِدَّةِ قُوَّتِهِ. الَّذِي عَمِلَهُ فِي الْمَسِيحِ، إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ. (أفسس ١٨:١-٢٠)

قدم بولس هنا صلاة قوّية ممتلئة شوقًا بأن يختبر شعب الله أمورًا كثيرة، منها عظمة قدرة الله الفائقة نحوهم كمؤمنين.

إنَّ القوّة التي تعمل فينا هي قُوَّتِهِ التي أقامت يسوع مِن بين الأموات. إن كان موت المسيح هو أسمى إظهار لمحبة الله… فإنَّ قيامة المسيح هي أسمى إظهار لقوته.

يمكننا القول إن القيامة تتعلق بالقوة حقًا. فجوهر الصليب هو المحبة، لكن المحبة بدون قوة ليست كافية. قد تكون المحبة أصِيلة أو حسنة النيّة، لكن هذا لا يكفي. نحن بحاجة إلى محبة الله وإلى قوة الله، وما هي القيامة إلا دليل على حقيقة أن محبّة الله الباذلة نفسها غنية بالقوة.

قوة الله الفائقة أقامت الموتى، لكنها تجاوزت القيامة حقًا. فهذه القوة التي أقامت يسوع المسيح من بين الأموات، توجت يسوع ورفعته فوق كل قوى الشر الروحية وكل عدو محتمل لا في العصر الحاضر فحسب، بل في العصر الآتي أيضًا.

هذه القوّة – التي أقامت يسوع من بين الأموات، وأجلسته عن يمين الله في السماويات – تعمل من أجلنا نحن المؤمنين! ماذا يمكن أن يقال عن هذه القوة؟

إنها قوة أعظم من أسوأ الشرور. لقد تعرض يسوع لأسوأ ما في الإنسانية عندما صُلب، ومع ذلك حققت قوة القيامة له النصرة على جميع الأصعدة. فمهما كان شر الإنسان، يظل الله أعظم بكثير.

إنها قوة للشفاء. عندما قام يسوع من بين الأموات، لم يعد يتألم من جراحه، رُغم أنها لا تزال موجودة. فقوة القيامة هي قوة شفاء.

إنها قوة متاحة لنا نَحْنُ الْمُؤْمِنِين (أفسس ١٩:١). قد نظن أحيانًا أنها متاحة لأولئك الذين يفعلون أشياء عظيمة، أو لأولئك الذين حققوا مكانًا روحيًا رفيعًا. ولكن ليس هذا ما يقوله الكتاب المقدس؛ إنها قوة متاحة لأولئك الذين يؤمنون ببساطة.

إنها قوة لمواصلة الحياة. قوة يختبرها المؤمن كل يوم، وليس فقط مرة واحدة. لم تعمل هذه القوة على إقامة يسوع من بين الأموات فحسب، لكنها أجلسته أيضًا في السماويات فوق كل رياسة وسلطان في هذا الدهر وفي المستقبل أيضًا. إنها قوة ثابتة، وليست تجربة لمرة واحدة تنتهي صلاحيتها عند استخدامها.

أوضح بولس في هذا الإصحاح هذه الحقيقة الرائعة: قوة القيامة متاحة لشعب الله في كل مكان وزمان! فالله لا يريد أن يعطينا هذه القوة بعد الموت، لكنه يريد لهذه القوة التي أقامت يسوع من بين الأموات أن تحيا فينا، نحن الْمُؤْمِنِينَ، الآن… اليوم. فآمن به واقبل قوة القيامة.

 

الزرع والحصاد

الزرع والحصاد

لاَ تَضِلُّوا! اَللهُ لاَ يُشْمَخُ عَلَيْهِ. فَإِنَّ الَّذِي يَزْرَعُهُ الإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضًا. (غلاطية ٧:٦)

من المهم عندما نقرأ الكتاب المقدس أن نأخذ السياق بعين الاعتبار. إن تعاملنا مع الآية في غلاطية ٧:٦ على أنها حقيقة مطلقة وتنطبق على كل حالة، فلن يدخل أحد السماء وسيتناقض الكتاب المقدس مع نفسه. ولكن لا علاقة لهذا بقانون كارما أو بمبدأ الجذب؛ فهذا كلام صحيح في سياقه، إن راعينا ما جاء قبل الآية وبعدها.

في الآية التي قبلها (غلاطية ٦:٦)، يطلب بولس من المؤمنين أن يدعموا أولئك الذين يعلّمونهم (لِيُشَارِكِ… فِي جَمِيعِ ٱلْخَيْرَاتِ). هذا مبدأ روحيّ أساسيّ، حتّى وإن كان مُهمَلًا في بعض الأحيان. فأولئك الذين يغذّونكم ويباركونكم روحيّا يجب أن تدعموهم ماليًّا (١ كورنثوس ١١:٩، 14؛ ١ تيموثاوس ١٧:٥).

فبالنسبة إلى أولئك الذين يتردّدون في مشاركة ’جَمِيعِ ٱلْخَيْرَاتِ‘ (غلاطية ٦:٦) مع أولئك الذين يعلمونهم، يذكّرهم بولس بمبدأ الزرع والحصاد الإلهيّ. فعطاؤهم ليس إهدارًا للمال؛ إنَّه مِثل زرع البذور، وٱلَّذِي يَزْرَعُهُ ٱلْإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضًا. لم تكن نقطة بولس الأساسية أنه يجب على شعب الله أن يدعم معلميهم لأن ذلك مفيد للمعلّم، بل يجب أن يفعلوا ذلك لأن مشاركة الخيرات أمر مفيد جدًا للشخص المتعلّم، ومبدأ الزرع والحصاد يثبت ذلك.

يتضح هذا أكثر عندما نتأمل الآية ٨. كتب بولس هنا عن الزرع للجسد والزرع للروح، وعن الحصاد الذي يُحصد من كل نوع. فإن أرادنا أن نحصد للروح، فلا ينبغي لنا أن نتردّد في الزرع للروح بأي موارد رزقنا بها الله.

فالمزارع يحصد نفس ما زرعه، ولكن ليس تمامًا. فبذور التفاح لا تنتج المزيد من بذور التفاح، بل المزيد من التفاح الذي يحتوي على بذور. رغم ذلك، عندما نزرع لِلرُّوحِ – حتّى وإن كان بالأمور المادية – فما نحصده ليس بالضرورة أمورًا مادية، بل شيئًا أفضل: فَمِنَ ٱلرُّوحِ نحصد حَيَاةً أَبَدِيَّةً (غلاطية ٨:٦). لذلك فنحن لا نعطي على سبيل ’الاستثمار‘ أو بقصد كسب المال ومضاعفته، رغم أننا على ثقة تامّة بأننا لن نخسر أبدًا إذا أعطينا.

إن راعينا سياق النص، فسنجد أن لمبدأ “ٱلَّذِي يَزْرَعُهُ ٱلْإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضًا” تطبيق يتخطّى حدود العطاء ودعم المعلّمين والخُدّام. لهذا المبدأ تطبيق عام في الحياة. فما نحصل عليه من الحياة هو غالبًا ما نُدخِله فيها. ولكن إن كان الأبرار فقط هم من ينالون الخير من الله لهلكنا جميعًا، لأن الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله. بدلًا من ذلك، يقرن بولس مبدأ الزرع والحصاد ببساطة بالطريقة التي ندبّر بها مواردنا أمام الربّ، ويستخدم نفس الصورة في ١ كورنثوس ٩:٩ و٢ كورنثوس ٦:٩-١٠.

قد نخدع أنفسنا عندما نتوقّع الكثير بينما نحن زرعنا القليل. ولكن لا يمكننا خداع الله، ونتائج زرعنا الشحيح ستكون واضحة. فعندما تدير ما يعطيك الله، اِزرع بكثرة واحصد بكثرة.

السلوك فِي الْحُرِّيَّة

السلوك فِي الْحُرِّيَّة

“فَاثْبُتُوا إِذًا فِي الْحُرِّيَّةِ الَّتِي قَدْ حَرَّرَنَا الْمَسِيحُ بِهَا، وَلاَ تَرْتَبِكُوا أَيْضًا بِنِيرِ عُبُودِيَّةٍ.” (غلاطية 1:5)

يوضّح بولس هنا حقيقة أنَّ يسوع قد حرَّرنا من عبوديّة الخطيّة، ويناشدنا بألاَّ نرتبك مرَّة أخرى بِنِيرِ تلك العُبُودِيَّة. كيف يمكن للمؤمن أن يعيش تحت نير العبوديّة ثانية؟

منذ فترة طويلة، تشاجر شقيقان على ملكيّة قطعة الأرض نفسها، والتي تُعرف الآن ببلجيكا. كان اسم الأخ الأكبر راينالد، لكن الجميع أطلقوا عليه لقب “كراسوس (Crassus)،” وهو لقب لاتيني يعني “سمين،” لأنّه كان يعاني من زيادة شديدة في الوزن. بعد معركة ضارية بينهما، استولى إدوارد، شقيق راينالد الأصغر، على أرضه. لكن إدوارد لم يقتل راينالد، بل وضَعه في غرفة في قلعة لها باب واحد ضيّق جدًا. لم يكن الباب مُغلقًا، ولم تكن النوافذ مسدودة. وعَد إدوارد راينالد باستعادة أرضه وملكيّته في أيّ وقت يشاء. كلّ ما كان عليه فعله هو مغادرة الغرفة. العائق أمام حريّته لم يكن الباب أو النوافذ، بل راينالد نفسه. ولأنّه كان يعاني من زيادة في الوزن، لم يتمكّن من الخروج من الباب. كلّ ما كان على راينالد فِعله هو اتّباع حمية لتخفيف وزنه ليتمكّن من الخروج من هذا الباب كرجل حرّ.

استمرّ شقيقه الأصغر في إرسال الأطعمة اللذيذة له، ولكن رغبة راينالد في أن يكون حرًّا لم تطغَ أبدًا على رغبته في تناول الطعام. اتّهم بعضهم إدوارد بالقسوة على شقيقه، لكنّه ردّ ببساطة قائلًا: “أخي ليس سجينًا، يمكنه أن يغادر وقتما يشاء.” ولكن راينالد بقي في تلك الغرفة لمدّة عشر سنوات، حتّى قُتل إدوارد نفسه في معركة في نهاية المطاف.

تعكس هذه القصّة صورة درامية عن حياة الكثير من المؤمنين اليوم. الحقيقة هي أنَّ يسوع قد حرَّرهم من علاقة ناموسيّة مع الله وإلى الأبد، ويمكنهم الآن أن يسلكوا في هذه الحريّة من الخطية في أي وقت يشاؤون. ولكن بما أنّهم لا يزالون يسلِّمون رغباتهم الجسدية لخدمة الخطية، فإنّهم يعيشون حياة الهزيمة والإحباط والسجن. وبسبب عدم الإيمان أو الاعتماد على الذات أو الجهل، لا يعيش العديد من المؤمنين في الحريّة التي دفع المسيح ثمنها على الصليب.

شرح الواعظ العظيم مودي (Moody) هذه النقطة إذ اقتبس كلام امرأة عجوز من الجنوب بعد الحرب الأهليّة. ولكونها عبدة في السابق، فقد كانت في حيرة من أمرها، فسألت: «هل أنا حرّة الآن أم لا؟ عندما أذهب إلى سيّدي القديم، يقول إنَّني لستُ حرّة، وعندما أذهب إلى أهلي يقولون إنني حرّة. أنا لا أعرف إن كنت حرّة أم لا. أخبَرني بعض الناس أنّ أبراهام لنكولن وقّع إعلانًا ما، لكنَّ سيّدي يقول إنَّه لم يفعل ذلك؛ بل لا يحقّ له أن يفعل ذلك».

هذا هو بالضبط حال العديد من المؤمنين اليوم. لقد حررهم المسيح قانونيًّا من عبوديّتهم للخطيّة، لكنّهم غير متأكّدين من هذه الحقيقة. وبالطبع يحاول ’سيّدهم القديم‘ إقناعهم باستمرار بأنّهم لم يزالوا عبيدًا له وتحت سلطانه.

أشجّعك اليوم صديقي المؤمن، ألا تصغٍ إلى ما يقوله سيّدك القديم. افعل كل ما بوسعك لتسلك في ٱلْحُرِّيَّةِ ٱلَّتِي قَدْ حَرَّرَنَا ٱلْمَسِيحُ بِهَا.

شعب مَفْدِيّ ومُتَبَنًّى

شعب مَفْدِيّ ومُتَبَنًّى

وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ. (غلاطية ٤:٤-٥).

الفكرة وراء عبارة ’مِلْءُ ٱلزَّمَانِ‘ هي ’عندما أصبح الوقت مناسبًا.‘ جاء يسوع في الوقت المناسب تمامًا في خطة الله للفداء، عندما كان العالم مستعدًا تمامًا لعمل الله.

عندما جاء الوقت المناسب، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ. لم يأتِ يسوع كابن لله فقط، بل باعتباره مَوْلُودًا مِنِ ٱمْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ. أضاف ابن الله الأبديّ في السماء الناسوت إلى لاهوته وأصبح بشرًا، مَوْلُودًا مِنِ ٱمْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ.

لقد فعل الله ذلك لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ. ولأنَّ يسوع هو الله، فهو يملك القدرة والموارد اللازمة لِيَفْتَدِيَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِه. ولأنَّ يسوع إنسان، فهو يملك الحقّ والقدرة لِيَفْتَدِيَ شعبه. وقد جاء ليشتري المؤمنين من سوق العبيد، وحررهم من عبودية الخطية والموت.

كان جون نيوتن (John Newton)، الذي كتب الترنيمة الشهيرة «ما أعجب النعمة» (Amazing Grace)، يُذكّر نفسه بهذا الفداء العجيب. فقد كان طفلًا وحيدًا في السابعة من عمره فقط عندما توفيت والدته. ثم أصبح بحارًا وهو في الحادية عشرة من عمره. وحينما كبر، عمل على متن سفينة للعبيد وكان له دور فعال في التدهور الرهيب والوحشية التي آلت إليها تجارة العبيد. ولكن في عام 1748، عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وبينما كانت سفينته معرّضة لخطر الغرق الوشيك قبالة ساحل نيوفاوندلاند، صرخ إلى الله طالبًا رحمته، فوجدها.  ولم ينسَ قط الطريقة العجيبة التي قبله بها الله رغم شرّه وفساده. ولكي يحافظ على ذلك حيًّا في ذاكرته، علّق على الحائط فوق رف مدفأة غرفة المكتب كلمات تثنية ١٥:١٥ «وَٱذْكُرْ أَنَّكَ كُنْتَ عَبْدًا فِي أَرْضِ مِصْرَ، فَفَدَاكَ ٱلرَّبُّ إِلَهُكَ». إذا حفظنا في أذهاننا ذكرى الحالة التي كنا عليها من قبل، وما نحن عليه الآن في يسوع المسيح، نكون قد أحسنّا صنعًا.

لكنَّ عمل الله لا ينتهي بالفداء، بل يمتد إلى ٱلتَّبَنِّيَ. كان يكفي شراؤنا من سوق العبيد. لكنَّ عمل الله لأجلنا لا ينتهي عند هذا الحدّ؛ فإنه رفعنا إلى مكانة أبناء الله وبناته بٱلتَّبَنِّيَ.

لاحظ أننا نَنَالَ التَّبَنِّيَ، ولم نستردّه. بهذا المعنى، نحن نكتسب شيئًا في يسوع أعظم من أي شيء كان يملكه آدم. فالله لم يتبنَّ آدم كما تبنَّى المؤمن. ولم يسترد مَا فُقد مع آدم. لقد نال المؤمن في يسوع أكثر مِمَّا كان عند آدم بكثير.

فقَدّر مجد المكانة الدائمة التي أعطاها الله لشعبه المَفْدِيّ والمُتَبَنًّى.

انقر هنا للحصول على تفسير رسالة غلاطية الإصحاح 4.

إزَالَة… إضافة

فَإِذْ لَنَا هذِهِ الْمَوَاعِيدُ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ لِنُطَهِّرْ ذَوَاتِنَا مِنْ كُلِّ دَنَسِ الْجَسَدِ وَالرُّوحِ، مُكَمِّلِينَ الْقَدَاسَةَ فِي خَوْفِ اللهِ. (كورنثوس الثانية ٧: ١)

أنهى بولس الإصحاح السادس من رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس بوعد الله بعلاقة مقرّبة وذات معنى مع أولئك المستعدّين لأن يفصلوا أنفسهم عن تأثيرات وأفكار وأعمال العالم الشرّير. ولأن لنا هذه المواعيد، يقدّم الله لنا هنا أمريْن لنفعلهما.

 

أوّلًا، هناك أمر علينا إزالته نحن، بينما نسعى لكي نُطَهِّرْ ذَوَاتِنَا مِنْ كُلِّ دَنَسِ. هناك جانبٌ أساسيّ للتطهير والذي يأتي إلى شعب الله عندما يؤمنون بالمسيح وبعمله من أجلهم. وعمل التطهير هذا هو حقًّا عمل الله فينا، وليس عملنا. ولكن يوجد جانب آخر من التطهير يريدنا الله أن نفعله بإرادتنا وجهودنا، ولكنّه ليس عملنا باستقلالٍ عن الله، بل هو عملٌ ينتظر إرادتنا وجهودنا لنُطَهِّرْ ذَوَاتِنَا. وهذا الجانب التطهيريُّ مرتبطٌ بشكلٍ رئيس بعلاقة حقيقيّة وعميقة مع الله، والفعاليّة للخدمة.

أحيانًا يكون التعامل مع دَنَسِ الْجَسَدِ أسهل علينا من دَنَسِ الرُّوحِ. أثناء خدمة يسوع الأرضيّة، وجد الذين تلوّثوا بدَنَسِ الْجَسَد (مِثل الزواني والعشّارين) سهولة في الاقتراب من يسوع، واختبار محبّته. ولكن الذين تلوّثوا بدَنَسِ الرُّوح (مثل الكتبة والفريسيّين) فقد وجدوا أنّه من الصعب جدًّا الاقتراب من يسوع. قد يكون التعامل مع الخطايا المُستترة مثل الكبرياء، والتمسّك بحرفيّة الناموس، والتركيز على الذات، والبرّ الذاتي، والمرارة، والكراهيّة أسوأ بكثير من التعامل مع خطايا الجسد الواضحة.

ثمّ، هناك أمر آخر ينبغي إضافته، بينما نسعى كتلاميذ مُكَمِّلِينَ الْقَدَاسَةَ فِي خَوْفِ اللهِ. ليس كافيًا أن نُطَهِّرْ ذَوَاتِنَا مِنْ كُلِّ دَنَسِ. فالحياة المسيحيّة لا تعني مجرّد التخلّص من الخطيّة، ولكن فعل الخير والنموّ في القداسة دائمًا (أي تكميل القداسة). لا يكتب بولسُ هنا عن حالة الكمال الخالي من الخطية. إذ يحملُ تعبير ’مُكَمِّلِينَ‘ فكرة ’الاكتمال‘ و ’السلامة الكليّة.‘ يكتب بولس هنا عن قداسةٍ تامّةٍ تدلُّ على السلامة الكليّة، وليس عن حالة كمالٍ خالٍ من الخطيّة.

توجد بضعة أمور أخرى يجب ملاحظتها في عبارة ’لِنُطَهِّرْ ذَوَاتِنَا.‘ لاحِظ أنّ بولس شمل نفسه ضمن المؤمنين في كورنثوس الذين يحتاجون إلى التطهّر. فإن كان بولس يشملُ نفسه في فئة الذين يحتاجون إلى التطهّر، فماذا عنّا نحن؟

لاحظ أيضًا أنّه يتوجّب علينا أن نكون حريصين في أن نُطَهِّرْ ذَوَاتِنَا، وألّا ننشغل بتطهير الآخرين. ففي أغلب الأحيان، نحن مهتمّون بقداسة الآخرين أكثر من اهتمامنا بقداستنا نحن! فمن السهل علينا أن نكشف أخطاء الآخرين وإخفاقاتهم وضعفهم، ولكن يتوجّب علينا أوّلًا أن نولي اهتمامًا خاصًّا بخطايانا نحن. هذا المبدأ مأخوذ من العظة على الجبل (متى ٧: ٣-٥).

إن كنتَ تلميذًا ليسوع المسيح، فهناك أمور يريدك الله أن تنزعها من حياتك، وأمور ينبغي إضافتها. بقوّة روح الله القدّوس، انتبه إلى هذه الأمور اليوم.