رسالة كورنثوس الأولى – الإصحاح ١٥
قيامة يسوع وقيامتنا
أولًا. حقيقة قيامة يسوع
أ ) الآيات (١-٢): المقدمة: الإعلان عن الإنجيل الذي بشر به بولس.
١وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِالإِنْجِيلِ الَّذِي بَشَّرْتُكُمْ بِهِ، وَقَبِلْتُمُوهُ، وَتَقُومُونَ فِيهِ. ٢وَبِهِ أَيْضًا تَخْلُصُونَ، إِنْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَ أَيُّ كَلاَمٍ بَشَّرْتُكُمْ بِهِ. إِلاَّ إِذَا كُنْتُمْ قَدْ آمَنْتُمْ عَبَثًا!
- بِالإِنْجِيلِ الَّذِي بَشَّرْتُكُمْ بِهِ: سوف يصف بولس محتوى الإنجيل في العددين الثالث والرابع. أما هنا، فيصف كيف يمكن للإنجيل أن يكون نافعًا للإنسان؛ لن ينفع الإنجيل إلا الأشخاص الذين قَبِلْتُمُوهُ، وَيقُومُونَ فِيهِ.
- تعني كلمة’الإِنْجِيلِ‘: الخبر السار. لم يقتصر استخدام هذه الكلمة قديمًا لوصف رسالة الخلاص بيسوع؛ بل كانت تصف أي خبر سار. لكن أفضل الأخبار على الإطلاق هو أننا نستطيع أن نَخلُص من العقاب الذي نستحقه من الله بسبب عمل يسوع من أجلنا.
- قَبِلَ المؤمنين في كورنثوس الإنجيل أولًا. فرسالة الإنجيل يجب أن تُقبل وتُصدَّق أولًا. وكما كتب بولس في رسالته الأولى إلى كنيسة تسالونيكي: “مِنْ أَجْلِ ذلِكَ نَحْنُ أَيْضًا نَشْكُرُ اللهَ بِلاَ انْقِطَاعٍ، لأَنَّكُمْ إِذْ تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا كَلِمَةَ خَبَرٍ مِنَ اللهِ، قَبِلْتُمُوهَا لاَ كَكَلِمَةِ أُنَاسٍ، بَلْ كَمَا هِيَ بِالْحَقِيقَةِ كَكَلِمَةِ اللهِ، الَّتِي تَعْمَلُ أَيْضًا فِيكُمْ أَنْتُمُ الْمُؤْمِنِينَ.” (تسالونيكي الأولى ١٣:٢)
- ورغم كل الضعفات التي كانت في كنيسة كورنثوس: شهوات جنسية وعدم فهم ونزاع وانقسامات وفساد أخلاقي وروحانية غريبة، إلا أنهم كانوا ما زالوا يقُومُونَ في الإنجيل. وهذا على نقيض كنيسة غلاطية، التي انتقلت سريعًا إلى إنجيلٍ آخر (غلاطية ٦:١).
- بِهِ أَيْضًا تَخْلُصُونَ، إِنْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَ أَيُّ كَلاَمٍ بَشَّرْتُكُمْ بِهِ: فعل مؤمنو كورنثوس حسنًا عندما قبلوا الإنجيل وقاموا فيه (أي استمروا فيه بقوة)، لكن عليهم أن يستمروا في تمسكهم بالإنجيل الذي بشرهم به بولس. فعلى كل مؤمن أن يتحمل مسئوليته بجديه، ليس فقط ليكون له ماضٍ جيد، وحاضر جيد، ولكن ليكون له مستقبل عظيم مع الرب أيضًا.
- توحي كلمة ’تَذْكُرُونَ‘ (أو مُتَمَسِّكِينَ بِالرِّسَالَةِ) أيضًا بأنه كان هناك بعض الناس أو بعض الأشياء التي تريد انتزاع الإنجيل الحقيقي من مؤمني كورنثوس، ولهذا كان يجب عليهم أن يتمسكوا به!
- إِلاَّ إِذَا كُنْتُمْ قَدْ آمَنْتُمْ عَبَثًا: إن لم يستمر مؤمنو كورنثوس في التمسك بالإنجيل، فيومًا ما سوف يتركونه. وإذا تركوه، لن ينفعهم بشيء كل إيمانهم السابق، ويكون الأمر كما لو كان إيمانهم عَبَثًا.
ب) الآيات (٣-٤): محتوى الإنجيل الذي بَشَّر به بولس.
٣فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضًا: أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ، ٤وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ.
- فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضًا: لم يخترع بولس هذا الإنجيل، بل تسلَّمه وقَبِلَهُ. (ليس بحسب إنسانٍ، بل من يسوع المسيح كما جاء في غلاطية ١١:١-١٢). ليس هذا “إنجيل بولس” بمعنى أنه هو من ابتدعه أو صاغه؛ بل هو “إنجيل بولس” بمعنى أنه آمن به شخصيًا وبشَّر به.
- “لاحظ أن المُبشِّر لا يخترع إنجيله الشخصي، وإن فعل ذلك، فهو إذًا لا يستحق أن تؤمن به. فالإبداع في التبشير، إن كان إبداعًا في كلام العقيدة، يعد كذبًا. فنحن لسنا صناع ومخترعين، بل نكرر ونعلن عن الرسالة التي قبلناها.” سبيرجن (Spurgeon)
- فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضًا: بينما يصف بولس الإنجيل في الأعداد التالية، من المهم أن نلاحظ أن هذا الإنجيل ليس مجرد تعليمًا مُبصِرًا أو نصائح جيدة، كما أنه ليس مجرد آراء دينية أو حكايات خرافية، بل هو في حقيقته أحداث تاريخية واقعية قد حدثت بالفعل.
- “لم يؤسس ديننا على مجرد آراء، بل على حقائق. نسمع أحيانًا أشخاصًا يقولون: ’تلك هي آرائك، وهذه آرائنا.‘ أيَّا كانت آرائك، فهي مسألة صغيرة؛ لكن ما هي وقائع القضية؟” سبيرجن (Spurgeon)
- الْمَسِيحَ مَاتَ: إن موت يسوع المسيح، المسيا ابن الله، هو مركز الإنجيل. وعلى الرغم من أن فكرة التفاخُر بموت مُخلِّص تبدو حماقة للعالم، إلا أنها خلاص لأولئك الذين يؤمنون.
- كيف مات يسوع؟ لقد قامت الحكومة الرومانية بإعدامه مستخدمة الصليب، أحد أكثر أشكال عقوبة الإعدام قسوة واستبدادًا على الإطلاق.
- “على الرغم من أن الرومان لم يخترعوا الصلب، إلا أنهم أتقنوه وكانوا يستخدمونه كشكل من أشكال التعذيب ولتنفيذ عقوبة الإعدام إذ كان هدف الصلب أن يموت المجرم ببطء وبألم شديد.” إدواردز (Edwards). ولكن ما الذي يعنيه الصلب بالضبط؟ لم يكُن الموت بالصلب يحتاج إلى تفسير في الوقت الذي كُتب فيه العهد الجديد، لكننا نفعل حسنًا عندما نُقدِّر ما حدث في الصلب.
- كان الظهر يمزق أولاً بسبب الجَلد، ثم تُفتح جروحه ثانيةً عندما تُنزع عنه ملابسه بسبب تجلط الدم. وعندما كان يُلقى على الأرض لتسمير يديه على الخشبة، كانت الجروح تُفتح مرة أخرى وتتلوث بالتراب. ومع كل نفس يتنفسه المصلوب وهو معلق على الصليب، كانت الجروح التي على الظهر تحتك بخشبة الصليب القاسي مسبباً آلاماً شديدة.
- كان عصب اليد الأوسط يُقطع عندما يشق المسمار المعصم، متسببًا في آلام مُبرحة في كلتا الذراعين وإلى تشجنات في اليد.
- بعيدًا عن الألم المُبرح، كان التأثير الأساسي للصلب هو منع التنفس الطبيعي. فكان وزن الجسم يسحب الذراعين والكتفين لأسفل، فيجعل عضلات الجهاز التنفسي تميل أكثر إلى الشهيق، مُعيقة الزفير. ويؤدي هذا النقص في التنفس إلى تشنجات عضلية شديدة، مما يُعيق التنفس بصورة أكثر. ولكي يستطيع الشخص أن يتنفس، كان يحتاج أن يضغط على القدمين مع ثني المِرفقين وسحب الكتفين لأعلى. وكان وضع ثقل الجسم على القدمين يسبب ألمًا شديدًا، وثني المِرفقين يتسبب في لَوي الأيدي المعلقة بالمسامير. كان رفع الجسم للتنفس مؤلمًا للظهر أيضًا بسبب احتكاكه بالخشب. فكل جهد يُبذل المصلوب للحصول على نَفَس كان مؤلمًا ومرهقًا، بل ويؤدي إلى موت قريب.
- “ليس من غير المألوف أن تقع الحشرات على الجروح المفتوحة أو عينَي وأُذُني وأنف الضحية التي لا حول لها ولا قوة، وأن تندفع الطيور الجارحة بقوة نحو تلك المناطق. علاوة على ذلك، كان من المعتاد ترك الجثة على الصليب لكي تلتهمها الحيوانات المفترسة.” إدواردز (Edwards)
- كان الموت بالصلب يأتي من عدة أسباب: صدمة حادة بسبب النزيف، الإرهاق الشديد وعدم القدرة على التنفس، الجفاف، الذبحة الصدرية بسبب الإجهاد أو بسبب قصور في القلب الذي يؤدي لتمزق الأوردة. وإذا لم يمُت المُعلق على الصليب بالسرعة المُرادة، تكسر الساقين، وبذلك تعجز الضحية عن التنفس.
- إلى أي مدى كان الصلب سيئًا؟ لقد جاءت كلمة ألم مُبرح أو شديد أو موجع (excruciating) في الإنجليزية من الكلمة الرومانية ’الصليب.‘ “تأمل بشاعة الخطية في نظر الله، حتى يطلب مثل هذه التضحية!” كلارك (Clarke)
- ومع ذلك، فإننا لا نتحدث أبدًا عن المعاناة الجسدية ليسوع حتى نشعر بالأسف تجاهه، كما لو أنه كان يحتاج إلى شفقتنا. اِدَّخِر شفقتك لأولئك الذين يرفضون عمل يسوع الكامل على الصليب في الجلجثة، ولأولئك الوعاظ أو الكارزين الذين ليس لديهم قلب بولس الذي أعلن عن محور الرسالة المسيحية في كورنثوس الأولى ٢٣:١ “نَحْنُ نَكْرِزُ بِالْمَسِيحِ مَصْلُوبًا.”
- الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا: ماذا يعني أن يسوع مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا؟ كيف يمكن لموته أن يفعل أي شيء من أجل خطايانا؟ فقد مات الكثير من الرجال والنساء النبلاء بطرق رهيبة لأسباب صالحة على مر القرون. فكيف يمكن لموت يسوع أن يفعل أي شيء مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا؟
- في مرحلةٍ ما قبل موته، وقبل أن ينشق حجاب الهيكل إلى جزئين وقبل أن يصرخ يسوع «قَدْ أُكْمِلَ»، حدثت صفقة روحية رائعة. فقد وضع الله الآب على الله الابن كل الإثم والغضب المُستحق عن خطايانا، وحملهما يسوع في نفسه بالكامل، مُرضيًا غضب الله تمامًا.
- بقدر فظاعة المعاناة الجسدية التي تعرض لها يسوع، إلا أن المعاناة الروحية في إدانته بسبب خطايانا كانت أكثر ما أرعب يسوع في الصليب. لقد كانت هذه كأس غضب الله العادل التي أرتعد يسوع من شُربها (لوقا ٣٩:٢٢-٤٦، مزمور ٨:٧٥، إشعياء ١٧:٥١، و إرميا ١٥:٢٥). فقد أصبح يسوع على الصليب عدوًا لله؛ تم إدانته وأرغم على شرب كأس غضب الآب حتى لا نضطر نحن لشرب تلك الكأس.
- يصيغ إشعياء ٣:٥٣-٥ هذه الفكرة بقوة: مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحَزَنِ، وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا، مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ. لكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَابًا مَضْرُوبًا مِنَ اللهِ وَمَذْلُولاً. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا.
- “أيها القارئ العزيز، إن قطرة واحدة من هذه الكأس يمكنها أن تؤدي إلى هلاك روحك إلى الأبد، وهذه الآلام المُبرحة من شأنها أن تقضي على كل الكون. فقد عانى يسوع وحده: فلم يكن معه أحد؛ لأن آلامه كفرت عن خطايا العالم: وفي عمل الفداء لم يكن له مُعين.” كلارك (Clarke)
- وعندما أُكمل العمل على الصليب (من يدري كم طالت المدة)، لم يكن هناك سبب يدعو يسوع لأن يظل مُعلقًا على الصليب. لقد أتم عمله وكان بإمكانه أن يذهب للخطوة التالية.
- مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا: خَطَايَانَا هي سبب موت يسوع. فلم يمت يسوع من أجل قضية سياسية أو كعدو للدولة أو بسبب حسد شخص. لقد مات يسوع مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا. فيسوع لم يمت كمجرد شهيد من أجل قضية ما.
- أَنَّهُ دُفِنَ: لا نفكر عادةً في دفن يسوع على أنه جزء من الإنجيل، لكنه كذلك. إن دفن يسوع أمر هام لعدة أسباب.
- دفن يسوع مهم لأنه الدليل القاطع على موته؛ فأنت لا تدفن شخصًا ما لم يكن ميتًا بالفعل، وقد تأكَّد موت يسوع على الصليب قبل وضعه في القبر (يوحنا ٣١:١٩-٣٧).
- دفن يسوع كان مهمًا أيضًا لأنه تمم ما أعلنه الكتاب المقدس: “وَجُعِلَ مَعَ الأَشْرَارِ قَبْرُهُ، وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ.” (إشعياء ٩:٥٣). لقد دُفِن يسوع في قبر رجل غني (متى ٥٧:٢٧-٦٠).
- وَأَنَّهُ قَامَ: هذا هو الحق الأساسي للإنجيل. إن مات يسوع على الصليب ليدفع ثمن خطايانا وليُزيل إثمنا، فلماذا إذاً تُعتبر قيامة يسوع في غاية الأهمية؟
- رغم أن يسوع قد حمل غضب الله بالكامل على الصليب كما لو كان خاطئًا ومذنبًا بارتكب كل خطايانا وجُعل خطية من أجلنا (كورنثوس الثانية ٢١:٥)، إلا أنه جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا. فحتى حَمله لخطايانا كان فِعل محبة باذلة مقدسة. هذه هي رسالة الإنجيل! لقد أخذ يسوع عقاب خطايانا على الصليب، وظل مُخلِّصًا كاملاً طوال المحنة – وأثبت ذلك بقيامته.
- لهذا السبب، ظل هو القدوس (أعمال الرسل ٢٧:٢،
٣١:٢-٣٢)، حتى في موته. ونظرًا لأنه من غير المفهوم أن يظل قدوس الله مُقيدًا بالموت، كانت القيامة محتومة. - لذلك، ليست قيامة يسوع “إضافة” إلى عمل “أكثر أهمية” تم على الصليب. فإن كان الصليب هو الثمن الذي دُفع مقابل خطايانا، فإن القبر الفارغ هو إيصال الدفع الذي يثبت أن ابن الله الكامل دفع ثمن خطايانا بالكامل. فليس هناك فائدة من تسديد دَين دون إيصال! لهذا فإن قيامة يسوع كانت الموضوع الأساسي والمحوري في الكرازة بالإنجيل في الكنيسة الأولى (أعمال الرسل ٢٤:٢،
١٥:٣،
١٠:٤،
٣٠:١٣-٣٩). - كان الصليب وقتًا للموت الإنتصاري، انتصارًا سلبيًا. لقد هُزمت الخطية، ولكن لم يحدث شيء إيجابي إلى أن حدثت القيامة. لقد أظهرت القيامة أن يسوع لم يخضع للنتيجة الحتمية للخطية. والقيامة هي دليل على هذا للانتصار.
- وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ: حقيقة أن يسوع قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ هي جزء لا يتجزأ من الإنجيل. فقد كان يسوع حالة فريدة من نوعها، فلم تكُن قيامته قيامة أموات طبيعية، وإنما قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ بعد موته. وهذا يؤكد على مصداقية يسوع لأنه أعلن سابقًا أنه سوف يقوم من الأموات في اليوم الثالث (متى ٢١:٦،
٢٣:١٧،
١٩:٢٠).- بسبب الإشارة إلى الْيَوْمِ الثَّالِثِ، ولأن يسوع يشير في متى ٤٠:١٢ إلى ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال، ظن البعض أنه من الضروري أن يقضي يسوع ٧٢ ساعة على الأقل في القبر. وهذا الارتباك، بشأن التواريخ الزمنية لموت يسوع وقيامته، هو أمر غير ضروري، لأننا لا ندرك أساليب الكلام التي كانت تُستخدم قديمًا. فقال إلعازر بن عزريا (حوالي عام ١٠٠م): “إن يوم وليلة يعنيان يومًا كاملًا.” وهذا يوضح ما كانت تعنيه عبارة ثلاثة أيام وثلاث ليال في أيام يسوع، فالعبارة لا تعني بالضرورة فترة ٧٢ ساعة، ولكن فترة تشمل ما لا يقل عن ثلاثة أيام وثلاث ليال.
- “وفقًا لحسابات اليهود، تشمل”ثلاثة أيام” جزء من بعد ظهر يوم الجمعة، وكل يوم السبت وصباح الأحد.” مير (Mare)
- حَسَبَ الْكُتُب: لأن هذه الفكرة مهمة جدًا، يكررها بولس مرتين في هذين العددين. فعمل يسوع من أجلنا لم يحدث صدفًة، بل كان مخططًا له منذ الأزل ووُصِف في نبوات الْكُتُب.
- تم وصف خطة موت يسوع في مقاطع من الكتاب المقدس مثل مزمور ٢٢ وإشعياء ٥٣.
- كما تم أيضًا وصف خطة قيامته في مقاطع مثل
هوشع ٢:٦، و
يونان ١٧:١، و مزمور ١٠:١٦. ومثال آخر نجده في سفر التكوين ٢٢، حيث “رُفع” إسحق، الذي يُشبه بيسوع، في اليوم الثالث من رحلتهم، بعد أن ظن إبراهيم أن ابنه كان ميتًا. - كان فهم العهد القديم للقيامة، باعتراف الجميع، مُبهمًا. فتوجد مقاطع عدة تشير إلى حياة كئيبة بعد الموت (مزامير ٥:٦، ٩:٣٠، ١٣:٣٩، ١٠:٨٨-١٢، ١٧:١١٥، إشعياء ١٨:٣٨، الجامعة ٤:٩-٥، ١٠:٩). ومع ذلك، توجد مقاطع أخرى تشير إلى الرجاء والإيمان بعد هذه الحياة (أيوب ٢٥:١٩-٢٧، مزمور ٩:١٦-١١، ٢٤:٧٣).
- لكن تذكر أن يسوع، وليس العهد القديم، هو الَّذِي أَبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ (تيموثاوس الثانية ١٠:١).
ج ) الآيات (٥-٨): دليل ملموس على قيامة يسوع.
٥وَأَنَّهُ ظَهَرَ لِصَفَا ثُمَّ لِلاثْنَيْ عَشَرَ. ٦وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ دَفْعَةً وَاحِدَةً لأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِئَةِ أَخٍ، أَكْثَرُهُمْ بَاق إِلَى الآنَ. وَلكِنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ رَقَدُوا. ٧وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ لِيَعْقُوبَ، ثُمَّ لِلرُّسُلِ أَجْمَعِينَ. ٨وَآخِرَ الْكُلِّ كَأَنَّهُ لِلسِّقْطِ ظَهَرَ لِي أَنَا.
- وَأَنَّهُ ظَهَرَ لِصَفَا: لم يرَ أحد قيامة يسوع الفعلية؛ لم يكن هناك أحد في القبر معه عندما تحول جسده إلى جسد قيامة. إذا كان لشخص أن يكون هناك وقت القيامة، ربما كان سيرى جسد يسوع يتحول في لمح البصر متبخترا خارج الأربطة. ربما سيكون الأمر على غرار الطريقة التي تحوَّل بها الجسد في المسلسل الأمريكي القديم ستار تريك Star Trek؛ حيث تتغير الجزيئات، ويستطيع الشخص المرور عبر جسم صلب، ثم يُعيد تجميع نفسه مرة أخرى. ونحن نعلم أن يسوع كان يستطيع أن يفعل ذلك بعد قيامته؛ فقد ظهر بشكل معجزي في غرفة ذات أبواب ونوافذ مغلقة. لم يكن شبحًا؛ بل كان له جسد حقيقي من عظم ولحم.
- برغم أن أحدًا لم يشهد حَدَث القيامة الفعلية ليسوع، إلا أن كثيرين رأوا يسوع المُقام. والآن يدعو بولس هؤلاء الشهود على القيامة، ليثبت، بما لا يجعل مجالًا للشك، أن يسوع قد قام من بين الأموات في جسد قيامة.
- أَنَّهُ ظَهَرَ لِصَفَا: ظهر يسوع ظهورًا خاصًا لبطرس (لوقا ٣٤:٢٤). ورغم أننا لا نعرف الكثير عن تلك الزيارة، لكن يمكننا أن نفترض أن بطرس كان بحاجة إلى تعزية خاصة وتشجيع.
- ثُمَّ لِلاثْنَيْ عَشَرَ: يشير هذا على الأرجح إلى اللقاء الأول ليسوع مع تلاميذه مجتمعين، كما هو مذكور في مرقس ١٤:١٦، لوقا ٣٦:٢٤-٤٣، و يوحنا ١٩:٢٠-٢٥. كان هذا هو الاجتماع الذي ظهر فيه يسوع في الغرفة ذات الأبواب والنوافذ المُغلقة، ونفخ في التلاميذ مانحًا إياهم الروح القدس.
- عندما يكتب بولس ’الاثْنَيْ عَشَرَ‘ فهو يستخدم المصطلح كلقب مجازي. فلم يكن توما حاضرًا في أول اجتماع ليسوع المُقام مع تلاميذه، كذلك يهوذا الذي شنق نفسه. ولكنهم كانوا ما زالوا يُعرفون بـ ’الاثْنَيْ عَشَرَ.‘
- “ربما تم استخدام مصطلح الإثني عشر للإشارة إلى مُجتمع الرُسُل، الذين، على الرغم من كونهم أحد عشر فقط في ذلك الوقت، كان يطلق عليهم اسم الإثني عشر لأن هذا كان عددهم الأصلي.” كلارك (Clarke)
- دَفْعَةً وَاحِدَةً لأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِئَةِ أَخٍ: إن اجتماع يسوع بأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِئَةِ أَخٍ ليس مُفصلاً في الأناجيل، لكن ذكره متى في إنجيله ١٠:٢٨ و
١٦:٢٨-١٧. فخلال الفترة التي أعقبت قيامته وقبل صعوده، التقى يسوع مع أتباعه في مناسبات عديدة مختلفة.- أَكْثَرُهُمْ بَاق إِلَى الآنَ: هذه هي شهادة قوية على حقيقة قيامة يسوع. يقول بولس، “اذهب واسأل هؤلاء الذين رأوا يسوع المُقام. هم ليسوا مجموعة صغيرة من النفوس المخدوعة؛ فهناك المئات الذين رأوا يسوع المُقام بعيونهم، وهم يعلمون أن يسوع قام من بين الأموات.”
- كان هناك حقًا خَمْسِمِئَةِ أَخٍ تابع ليسوع قبل صعوده، رغم أن سفر أعمال الرسل ١٥:١ يذكر فقط الـ١٢٠ الذين كانوا في منطقة أورشليم. فقد تقابل يسوع مع ٥٠٠ تابع له في منطقة الجليل، وهؤلاء علموا أن يسوع قام من بين الأموات.
- نُرنم أحيانًا قائلين: “تسألني كيف أعلم أنه حي؛ هو حيّ، حيّ بداخل قلبي.” لكن ليست هذه أفضل طريقة لإثبات أن يسوع حيّ. فنحن نعلم أنه حيّ لأن الدليل التاريخي يثبت أنه حي ويطالب بأن نؤمن بقيامة يسوع. إن كنا نصدق أي شيء في التاريخ، فسوف نصدق الشهادة الموثقة المؤكدة لهؤلاء الشهود. لقد قام يسوع من بين الأموات.
- على مر السنين، كان هناك العديد من الاعتراضات على قيامة يسوع. فقال البعض إنه لم يمت على الإطلاق، بل تعرَّض “للإغماء” على الصليب وعاد إلى وعيه في القبر. ويقول آخرون إنه مات بالفعل، لكن جسده سُرق. ولا يزال البعض يشير إلى أنه مات حقًا، لكن أتباعه اليائسين كانوا يُهلوسون بقيامته. إن الفهم البسيط والواضح لهذه الأدلة على قيامة يسوع يدمر كل هذه النظريات، ويظهر أن من يؤمنون بهذه النظريات يؤمنون بها أكثر بكثير من رواية الكتاب المقدس.
- “اعتقد أيها الإخوة أننا قد نجد أشخاصًا يُشككون في وجود رجل مثل يوليوس قيصر أو نابليون بونابرت؛ وإن نجحوا في إثبات ذلك – ويلقى التاريخ في مهب الريح – حينئذ فقط يمكن لهؤلاء الرجال أن يتساءلوا عما إذا كان يسوع المسيح قد قام حقًا من بين الأموات، لأن هذه الحقيقة التاريخية يُوثقها شهود أكثر من أي حقيقة أخرى في التاريخ، مقدسة كانت أم دنسة.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ لِيَعْقُوبَ: إنه يَعْقُوبَ أخا يسوع، الذي كان يُنظر إليه كقائد بارز في الكنيسة في أعمال الرسل ١٥. كان إخوة يسوع بحسب الأناجيل معادين له ولإرساليته (يوحنا ٣:٧-٥)، لكن في الأصحاح الأول من أعمال الرسل، كان إخوة يسوع من بين تلاميذه (أعمال الرسل ١: ١٤). ما الذي غيَّرَهم؟ مِن المؤكد أن لقاء يسوع المُقام مع أخيه يَعْقُوب كان له بعض التأثير.
- ثُمَّ لِلرُّسُلِ أَجْمَعِينَ: يشير هذا إلى عدد قليل من اللقاءات المختلفة، كما هو مذكور في يوحنا ٢٦:٢٠-٣١، يوحنا ١:٢١-٢٥، متى ١٦:٢٨-٢٠، و لوقا ٤٤:٢٤-٤٩. وربما كان هناك العديد من اللقاءات التي لم تذكر في الأناجيل، لكن هذه اللقاءات كان لها أهميتها في إثبات أن يسوع هو من قال أنه هو. ففي هذه اللقاءات، أكل معهم وعزَّاهم وأوصاهم الكرازة بالإنجيل وطلب منهم البقاء في أورشليم لانتظار سكيب الروح القدس بعد صعوده.
- وَآخِرَ الْكُلِّ كَأَنَّهُ لِلسِّقْطِ (المَولُودِ قَبْلَ وَقْتِهِ) ظَهَرَ لِي أَنَا: ربما قصد بولس بكلمة ’سِّقْطِ‘ أنه لم يكن قد حُمِل به فترة ثلاث سنوات مثل باقي الرسل؛ فقد ظهر بولس في المشهد فجأة.
- استخدم بولس المصطلح اليوناني القديم (ektroma) لكلمة سِّقْطِ، بمعنى “إجهاض أو ولادة جنين ميت” – أي ولادة مبكرة. ويظن البعض أن بولس استخدم هذه الكلمة الأخاذة لأن مؤمني كورنثوس كانوا يستهينون بمكانته كرسول، وكانوا يعتبرونه رسولًاPaulus (أي “صغيرًا”)، لكن بولس سيفتخر في ضعفه.
- ظَهَرَ لِي أَنَا: إن شهادة هؤلاء الشهود هي شهادة ساحقة. فهم لم يروا يسوع بعد موته فحسب، بل رأوه بطريقة أحدثت ثورة في إيمانهم وثقتهم به.
- إن التغيير الجذري الذي حدث في شخصيات الرسل، واستعدادهم للموت من أجل شهادة القيامة يقضي على فكرة الخداع كتفسير للقبر الفارغ.
- لماذا لم يذكر بولس ظهور يسوع للنساء عند القبر كدليل على قيامة يسوع؟ ربما لأنه في تلك الأيام لم يكن يؤخذ بشهادة المرأة في المحاكم. ومع ذلك، ظهوره للنساء كان حقيقيًا أيضًا، وكان دليلًا جيدًا بالنسبة للرسل، لكنها كانت شهادة لا يقبلها العالم في ذلك الوقت.
د ) الآيات (٩-١١): شهادة بولس عن النعمة.
٩لأَنِّي أَصْغَرُ الرُّسُلِ، أَنَا الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً لأَنْ أُدْعَى رَسُولاً، لأَنِّي اضْطَهَدْتُ كَنِيسَةَ اللهِ. ١٠وَلكِنْ بِنِعْمَةِ اللهِ أَنَا مَا أَنَا، وَنِعْمَتُهُ الْمُعْطَاةُ لِي لَمْ تَكُنْ بَاطِلَةً، بَلْ أَنَا تَعِبْتُ أَكْثَرَ مِنْهُمْ جَمِيعِهِمْ. وَلكِنْ لاَ أَنَا، بَلْ نِعْمَةُ اللهِ الَّتِي مَعِي. ١١فَسَوَاءٌ أَنَا أَمْ أُولئِكَ، هكَذَا نَكْرِزُ وَهكَذَا آمَنْتُمْ.
- لأَنِّي أَصْغَرُ الرُّسُلِ: قد يجادل بولس بشدة من أجل اثبات رسوليته، لأنه كان يعلم أنه يجب احترامه كرسول، لكنه لن يتنافس مع الرسل الآخرين للحصول على جائزة “الرسول الأكثر قيمة.” لذا يقول بكل سرور أَنِّي أَصْغَرُ الرُّسُلِ. وفي الواقع، اعتقد بولس أنه لَيس أَهْلًا أَنْ يُدْعَى رَسُولًا.
- بالنسبة للبعض، قد يكون هذا مجرد حديث روحي، يُظهر فخرًا أكثر من التواضع. ولكن بولس كان صادقًا فيما قال. لقد كان يرى نفسه أَصْغَرُ الرُّسُلِ لأنه اضْطَهَدْ كَنِيسَةَ اللهِ. ومع أن خطيته قد غُفِرت، إلا أنه كان لا يزال يتذكر ما فعل.
- كان بولس يشعر بمدى سوء خطيته لأنه كان مسؤولاً عن موت وسجن ومعاناة المؤمنين الذين كان يضطهدهم قبل أن يغيره يسوع (أعمال الرسل ٣:٨، ١:٩-٢، غلاطية ١٣:١،
فيلبي ٦:٣، تيموثاوس الأولى ١٥:١). - “كان هذا صحيحًا حرفيًا كونه اختير آخرًا، ولم يتم اختياره ضمن الإثني عشر بل كرسول إضافي. كم من معاناة يكبدها البعض لجعل الرسول يناقض نفسه من خلال محاولتهم إثبات أنه كان أعظم الرسل، على الرغم من أنه يصف نفسه بأنه الأقل!” كلارك (Clarke)
- هناك أنواع سيئة من الخطية. الخطايا التي تؤذي شعب الله هي خطايا مُحزنة في عيني الله. فهل أنت مذنب الآن أو في الماضي بإيذاء شعب الله؟ “يتذكر [الله] السخرية التي تُوجَّه إلى صغاره، ويناشد أولئك الذين ينغمسون فيها بأن يأخذوا حذرهم. فمن الأفضل لك أن تسيء إلى مَلِك عن أن تُسيء إلى أحد صغار الرب.” سبيرجن (Spurgeon)
- بِنِعْمَةِ اللهِ أَنَا مَا أَنَا: أرجع بولس كل الفضل لهذا التغيير لنعمة الله. لقد تغيرت حياة بولس بالكامل: غفرت خطاياه وتطهر منها وامتلأ بالمحبة بعدما كان مملوءًا كراهية. كان بولس يعلم أن هذا لم يكن بفضل إنجازه الخاص، ولكنه كان عمل نعمة الله فيه.
- النعمة التي تُخلصنا هي أيضا تُغيرنا. فالنعمة غيرت حياة بولس تمامًا. فإن كانت نعمة الله تسود حياتك، حتمًا هي ستغيرك. ولكن التغييرات لا تحدث دفعة واحدة ولا تكتمل إلا عندما ننتقل إلى السماء، لكننا بالفعل نتغير.
- “إن الدليل على بنوة الله هو عمل النعمة في حياة المؤمن. فإن سألت أحدهم: ’هل اختبرت نعمة الله؟‘ وأجاب: ’نعم، فأنا أحضر الكنيسة بانتظام.‘ فسوف أسأله ثانية: ’هذا جيد، ولكن هل اختبرت نعمة الله؟‘ سيجيب: ’لقد كنت دائمًا رجلًا مستقيمًا وأمينًا وصادقًا ومحترمًا.‘ سأقول: ’أنا مسرور لسماع ذلك؛ ولكن يبقى السؤال: هل اختبرت نعمة الله؟‘” سبيرجن (Spurgeon)
- “’بنعمة الله‘ لسنا فقط ما نحن عليه الآن، ولكننا نبقى على ما نحن عليه. كان يُمكن أن ندمر ونلعن أنفسنا منذ وقت طويل، لولا أن المسيح حفظنا في نعمته الفائقة.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَنِعْمَتُهُ الْمُعْطَاةُ لِي لَمْ تَكُنْ بَاطِلَةً، بَلْ أَنَا تَعِبْتُ أَكْثَرَ مِنْهُمْ جَمِيعِهِمْ: على الرغم من أن النعمة جعلت بولس ما هو عليه الآن، لكنها أيضًا جعلته يلتزم ويعمل بجهد أكثر حتى لا تكون النعمة المعطاة له بَاطِلَة أو بلا فائدة.
- يمكننا القول أنه حتى وإن لم يكن بولس قد تعب بهذا القدر، كانت نعمة الله ستعطى له على أية حال، لكنها كانت ستكون بلا فائدة (بَاطِلَةً) بشكلٍ ما. فالنعمة، بحسب تعريفها، تُعطى مجانًا. ولكن كيفية نوال النعمة سيساعدنا على تحديد مدى فعاليتها.
- لا تُعطى النعمة نتيجة أي أعمال سابقة أو حاضرة أو مُستقبلة؛ ولكنها تُعطى لتشجعنا على العمل بجهد أكثر، فتقديرنا للنعمة المعطاة لنا عليه أن يدفعنا للعمل بجهد أكثر. فالله لا يريدنا أن نحصل على نعمته ونصبح سلبيين أو خاملين.
- أدرك بولس أن عمل الله يتم حينما نعمل بجد من خلال النعمة الممنوحة لنا منه. فنحن نعمل في شراكة مع الله، ليس لأنه يحتاج إلينا، ولكن لأنه يريدنا أن نشاركه في عمله. لقد فهم بولس هذا المبدأ جيدًا فكتب في كورنثوس الأولى ٩:٣ “نَحْنُ عَامِلاَنِ مَعَ اللهِ.”
- يصارع العديد من المؤمنين في إجابة السؤال: “هل الله هو العامل أم أنا؟” الإجابة هي أن الله يعمل ونحن أيضًا. فلله دور ونحن لنا دور أيضًا. فثق في الله واتكل عليه، ثم ابدأ في العمل بكل اجتهاد!هكذا نرى عمل الله يُنجز.
- إن أهملت دوري في الشراكة، فإن نعمة الله لن تنجز كل ما يجب أن يُنجَز، وبالتالي تكون باطلة. لاحقًا، في كورنثوس الثانية ١:٦ يناشد بولس المؤمنين ألا يقبلوا نعمة الله باطلًا: فَإِذْ نَحْنُ عَامِلُونَ مَعَهُ نَطْلُبُ أَنْ لاَ تَقْبَلُوا نِعْمَةَ اللهِ بَاطِلاً.
- أَنَا تَعِبْتُ أَكْثَرَ مِنْهُمْ جَمِيعِهِمْ: يقارن بولس نفسه بالرسل الآخرين. فهو لم يخجل أن يقول إنه عمل بجد أكثر من أي من الرسل الآخرين. لا يعني هذا أن الرسل الآخرين كانوا كسالى (على الرغم من أنه ربما كان البعض كذلك)، لكن بولس أخذ النعمة بجدية وقدرها وهذا جعله يتعب أكثر من الآخرين.
- وَلكِنْ لاَ أَنَا، بَلْ نِعْمَةُ اللهِ الَّتِي مَعِي: كان بولس صادقًا بما يكفي ليقول إنه عمل بجد. وكان أيضًا متواضعًا بما يكفي ليعرف أن حتى عمله الشاق كان عمل نعمة الله فيه.
- إذا سألت بولس “هل تعمل بجد كونك رسولًا؟” فلن تكون إجابته “لا. أنا لا أعمل شيئًا، لكن النعمة هي التي تعمل.” بل سيقول: “لقد عملت بجد، بل وأكثر من أي رسول آخر.” ولم يكن ليسترسل في ذلك، لأنه كان يعلم ببساطة أن كل ما عَمِل كان بسبب نعمة الله فيه.
- فَسَوَاءٌ أَنَا أَمْ أُولئِكَ، هكَذَا نَكْرِزُ وَهكَذَا آمَنْتُمْ: سواء جاءت الرسالة بواسطة بولس أو من خلال أي رسول آخر، النتيجة واحدة. لقد كرزوا بقيامة يسوع، وآمن المؤمنين في كورنثوس بقيامة يسوع.
- فعل ’نَكْرِزُ‘ هنا في زمن المضارع المستمر؛ يقول بولس أنه وسائر الرسل اعتادوا على الكرازة بهذه الرسالة.
ثانيًا. أهمية قيامة يسوع
أ ) الآيات (١٢-١٣): تُثبت قيامة يسوع أن هناك قيامة.
١٢وَلكِنْ إِنْ كَانَ الْمَسِيحُ يُكْرَزُ بِهِ أَنَّهُ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ، فَكَيْفَ يَقُولُ قَوْمٌ بَيْنَكُمْ إِنْ لَيْسَ قِيَامَةُ أَمْوَاتٍ؟ ١٣فَإِنْ لَمْ تَكُنْ قِيَامَةُ أَمْوَاتٍ فَلاَ يَكُونُ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ!
- وَلكِنْ إِنْ كَانَ الْمَسِيحُ يُكْرَزُ بِهِ أَنَّهُ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ: لماذا أثبت بولس بعناية قيامة يسوع؟ لم يكن ذلك بسبب عدم تصديق مؤمني كورنثوس لقيامة يسوع من بين الأموات. بل في الواقع، أوضح بولس في الآية السابقة أنهم آمنوا عندما سمعوا الكرازة. إذًا ما أهمية ذلك؟
- لم يُنكر مؤمنو كورنثوس قيامة يسوع؛ بل أنكروا قيامتنا.لقد كانوا متأثرين إما بالفلسفة اليونانية (التي اعتبرت القيامة أمر غير مرغوب فيه، معتقدين أن حالة “النقاء الروحي” هي الأعلى) أو بفكر الصدوقيين (الذين كانوا يرفضون فكرة وجود عالم روحي غير مرئي). وخلاصة القول هي أن مؤمني كورنثوس كانوا يؤمنون بالعيش إلى الأبد ولكن ليس في أجساد مُقامة.
- تذكر أن القيامة ليست مجرد حياة بعد الموت؛ إنها استمرار الحياة بعد الموت في أجساد ممجدة، التي هي أجسادنا الحالية في حالة تمجيد.
- فَكَيْفَ يَقُولُ قَوْمٌ بَيْنَكُمْ إِنْ لَيْسَ قِيَامَةُ أَمْوَاتٍ؟ لم يفكر مؤمنو كورنثوس مليًا؛ فأنكر بعضهم حقيقة القيامة، بينما آمنوا بيسوع المُقام. ويوضح بولس كيف أن قيامة يسوع لا تُثبت فقط قيامته، بل تُثبت أيضًا مبدأ القيامة.
- فَإِنْ لَمْ تَكُنْ قِيَامَةُ أَمْوَاتٍ فَلاَ يَكُونُ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ: إذا كان مؤمنو كورنثوس على حق فيما يتعلق بالقيامة، فإن يسوع لا يزال ميتاً!
ب) الآيات (١٤-١٩): ماذا لو لم يكن هناك قيامة؟
١٤وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا وَبَاطِلٌ أَيْضًا إِيمَانُكُمْ، ١٥وَنُوجَدُ نَحْنُ أَيْضًا شُهُودَ زُورٍ للهِ، لأَنَّنَا شَهِدْنَا مِنْ جِهَةِ اللهِ أَنَّهُ أَقَامَ الْمَسِيحَ وَهُوَ لَمْ يُقِمْهُ، إِنْ كَانَ الْمَوْتى لاَ يَقُومُونَ. ١٦لأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمَوْتى لاَ يَقُومُونَ، فَلاَ يَكُونُ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ. ١٧وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، فَبَاطِلٌ إِيمَانُكُمْ. أَنْتُمْ بَعْدُ فِي خَطَايَاكُمْ! ١٨إِذًا الَّذِينَ رَقَدُوا فِي الْمَسِيحِ أَيْضًا هَلَكُوا! ١٩إِنْ كَانَ لَنَا فِي هذِهِ الْحَيَاةِ فَقَطْ رَجَاءٌ فِي الْمَسِيحِ، فَإِنَّنَا أَشْقَى جَمِيعِ النَّاسِ.
- وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا: إن لم يكن هناك قيامة، فيسوع لم يقم، وهكذا فإن كرازة بولس والرسل الآخرين باطلة، لأنه ليس هناك يسوع حقيقي مُقام يخدمونه.
- الأسوأ، إِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، فنَحْنُ أَيْضًا شُهُودَ زُورٍ للهِ. وإن لم يكن هناك قيامة، وإن لم يكن يسوع قد قام من بين الأموات، فإن الرسل كاذبون.
- بل والأسوأ من ذلك، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، فَبَاطِلٌ إِيمَانُكُمْ. أَنْتُمْ بَعْدُ فِي خَطَايَاكُمْ! يمكننا اتباع منطق بولس نقطة بنقطة:
- إن لم يكن هناك القيامة، فإن يسوع لم يقم من بين الأموات.
- إن لم يقم يسوع من بين الأموات، فالموت له سلطان عليه وقد هزمه.
- إن كان للموت سُلطان على يسوع، فهو ليس الله.
- إن لم يكن يسوع هو الله، فلن يستطيع أن يقدم ذبيحة تامة من أجل الخطايا.
- إن لم يستطع يسوع أن يقدم ذبيحة تامة من أجل خطايانا، فخطايانا لم يتم دفع ثمنها بالكامل أمام الله.
- إن لم يتم دفع ثمن خطايانا بالكامل أمام الله، فأنا بعد في خطاياي.
- لذلك، إن لم يقم يسوع، فهو غير قادر أن يُخلِّص.
- ولا يزال الأسوأ أنه، إِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، إِذًا الَّذِينَ رَقَدُوا فِي الْمَسِيحِ أَيْضًا هَلَكُوا! إذا لم يكن هناك قيامة، فإن الأموات في المسيح قد انتهوا إلى الأبد.
- الأسوأ من ذلك كله، إِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، ففي هذِهِ الْحَيَاةِ فَقَطْ لنا رَجَاءٌ فِي الْمَسِيحِ، وهكذا فَإِنَّنَا أَشْقَى جَمِيعِ النَّاسِ. إن لم يكن هناك قيامة، فإن الحياة المسيحية كلها مزحة يرثى لها! إن لم يكن لدينا شيء خارج نطاق هذه الحياة نتطلع إليه، فلماذا نعاني من كوننا مؤمنين؟
- صحيح أن كونك مؤمنًا يحل العديد من المشكلات؛ لكنه يجلب أيضًا العديد منها. رأى بولس (مثل كاتب سفر الجامعة) قيمة قليلة في الحياة إذا كانت هي كل ما نحيا لأجله.
- صحيح أن معرفة يسوع ومحبته يجعلان هذه الحياة أفضل، لكن في بعض الأحيان سيجعلان الحياة أسوأ. فعندما نفهم ما كان يعنيه بولس عندما قال “إِنْ كَانَ لَنَا فِي هذِهِ الْحَيَاةِ فَقَطْ رَجَاءٌ فِي الْمَسِيحِ، فَإِنَّنَا أَشْقَى جَمِيعِ النَّاسِ” سنفهم مدى صعوبة الحياة التي عاشها. فكأنه يقول: ’إن لم يكن هناك قيامة ومكافأة بعد هذه الحياة بعد كل ما تحمله من أجل يسوع المسيح، فأنا أحمق يُرثَى له.‘ فهل يمكننا أن نقول نفس الشيء في هذا العصر المريح جدًا الذي نعيش فيه؟ يقول تراب (Trapp): “كان بإمكان بولس أن يكتب هذا لأنه لم يتألم أحد من الجحيم أكثر مما تألم القديسين.”
- يُطبق بولس هذا المبدأ على المؤمنين فقط، فيكتب: فَإِنَّنَا أَشْقَى جَمِيعِ النَّاسِ. بالنسبة لغير المؤمنين، فإن كل ما يجدونه من سعادة في هذه الحياة، هو كل ما سيعرفونه من سعادة على الإطلاق. ولكن كم يختلف الأمر بالنسبة للمؤمن!
- أترى مدى أهمية القيامة! هي ليست عقيدة هامشية يمكنك الإيمان بها إذا أعجبتك. إن لم تكن تؤمن بأن يسوع المسيح قام من بين الأموات، في جسد قيامة كما هو مكتوب، فلن يكون لك الحق في أن تدعو نفسك مؤمنًا. فهي إحدى العقائد الأساسية للإيمان المسيحي.
- “يعتمد كل شيء على تمسُكِنا بهذه العقيدة بشكل خاص؛ لأنه إن تزعزعت أو فقدت مكانتها، ستفقد كل العقائد الأخرى قيمتها وصلاحيتها.” مارتن لوثر (Martin Luther)
- “إن كان يسوع قد قام، فإن هذا هو الإنجيل الذي أعلن ذلك؛ وإن لم يكن قد قام من بين الأموات، فهو كله خداع ووهم.” سبيرجن (Spurgeon)
- عندما تعرف ما الذي يرتكز على القيامة، ستفهم لماذا كتب بولس: إِنْ كَانَ لَنَا فِي هذِهِ الْحَيَاةِ فَقَطْ رَجَاءٌ فِي الْمَسِيحِ، فَإِنَّنَا أَشْقَى جَمِيعِ النَّاسِ.
- ترتكز ألوهية يسوع على قيامتة (رومية ٤:١).
- ترتكز سيادة يسوع على قيامتة (رومية ٩:١٤).
- يرتكز تبريرنا على قيامة يسوع (رومية ٢٥:٤).
- يرتكز تجديدنا على قيامة يسوع (بطرس الأولى ٣:١).
- ترتكز قيامتنا النهائية على قيامة يسوع (رومية ١١:٨).
- “الحقيقة هي أن الخيط الفضي للقيامة يمر عبر كل البركات، من التجديد وحتى مجدنا الأبدي ويربطها كلها معا.” سبيرجن (Spurgeon)
ج ) الآيات (٢٠-٢٣): قيامة يسوع هي باكورة قيامتنا.
٢٠وَلكِنِ الآنَ قَدْ قَامَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ وَصَارَ بَاكُورَةَ الرَّاقِدِينَ. ٢١فَإِنَّهُ إِذِ الْمَوْتُ بِإِنْسَانٍ، بِإِنْسَانٍ أَيْضًا قِيَامَةُ الأَمْوَاتِ. ٢٢لأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ الْجَمِيعُ، هكَذَا فِي الْمَسِيحِ سَيُحْيَا الْجَمِيعُ. ٢٣وَلكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ فِي رُتْبَتِهِ: الْمَسِيحُ بَاكُورَةٌ، ثُمَّ الَّذِينَ لِلْمَسِيحِ فِي مَجِيئِهِ.
- وَلكِنِ الآنَ قَدْ قَامَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ: في الجزء السابق من الأصحاح، برهن بولس بما لا يجعل مجالًا للشك على قيامة يسوع من بين الأموات، وبرهن على أهمية تلك الحقيقة. وهنا، يذكر الحقيقة بساطة: الآنَ قَدْ قَامَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ.
- وَصَارَ بَاكُورَةَ الرَّاقِدِينَ: ’بَاكُورَةَ‘ هي الكلمة اليونانية القديمة (aparche). وقد استخدمتها الترجمة السبعينية للإشارة إلى أول الحصاد، أما الاستخدام العلماني لها فكان يُشير إلى رسم الدخول.
- كان يسوع بَاكُورَةَ قيامتنا بكلا المعنيين. ففي العهد القديم، كانت تقدمة الباكورة عبارة عن حزمة من الحبوب تُمثِّل وتتنبأ ببقية الحصاد (سفر
اللاويين ٩:٢٣-١٤). وقيامة يسوع تمثل قيامتنا، لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته، نصير أيضًا بقيامته رومية ٥:٦). كما تتنبأ قيامة يسوع أيضًا بقيامتنا، لأننا سنقوم في جسد مثل جسده. “كما كانت الباكورة تُقدَّم إلى الله، فكان اليهود يضمنون مباركة الله للحصاد كله؛ كذلك بقيامة المسيح، نضمن قيامتنا.” تراب (Trapp) - كان يتم الاحتفال بعيد الباكورة في اليوم التالي لسبت الفصح (لاويين ٩:٢٣-١٤). ومن الجدير بالذكر أن يسوع قد قام من بين الأموات في يوم عيد الباكورة، اليوم التالي لسبت الفصح.
- كانت تقدمة عيد الباكورة غير دموية، أي أنها كانت تتكون من الحبوب (لاويين ٢). فلم يكن هناك داعٍ لذبيحة تكفيرية، لأن حَمَل الفصح هو الذبيحة. ويتوافق هذا تمامًا مع قيامة يسوع، لأن موته أنهى الحاجة إلى ذبيحة، بعد أن قدم تكفيرًا تامًا وكاملاً.
- إن قيامة يسوع هي أيضًا باكورة قيامتنا بمعنى “رسم الدخول” إلى القيامة، الذي دفعه يسوع كاملًا!
- كان يسوع بَاكُورَةَ قيامتنا بكلا المعنيين. ففي العهد القديم، كانت تقدمة الباكورة عبارة عن حزمة من الحبوب تُمثِّل وتتنبأ ببقية الحصاد (سفر
- إِذِ الْمَوْتُ بِإِنْسَانٍ، بِإِنْسَانٍ أَيْضًا قِيَامَةُ الأَمْوَاتِ: ينقل بولس هنا نفس الأفكار الموجودة في رومية ١٢:٥-٢١. فآدم (بِإِنْسَانٍ) الذي هو “رأس” الجنس البشري، قد جلب الموت لكل البشر. وآدم الثاني، يسوع المسيح (بِإِنْسَانٍ) هو الرأس الآخر للجنس البشري، وقد جلب القيامة لجميع من هم “تحت” رئاسته.
- “يُعجب الناس بالرجل الذييكون أول مَن اكتشف بلدًا جديدًا… تُغنى له أغاني، ويُنادى بعمله مع صوت البوق إلى نهايات الأرض – فالمسيح هو أول من عاد من فكي الموت ليحكي عن الخلود والنور.” سبيرجن (Spurgeon)
- فِي الْمَسِيحِ سَيُحْيَا الْجَمِيعُ: هل يعني هذا قيامة الجميع؟ نعم ولا. سيحيا الجميع بمعنى أنهم سوف يحصلون على جسد قيامة ويحيون إلى الأبد. وقد تحدث يسوع بوضوح عن قيامة الحياة وعن قيامة الدينونة في يوحنا ٢٩:٥. إذًا، سيقوم الجميع، لكن لن يحصل الجميع على قيامة الحياة. سيحصل البعض على قيامة الدينونة، ويحيون إلى الأبد في جسد مُقام في الجحيم.
- “رغم أن هذا النص لا يتحدث عن القيامة التي سيختبرها الجميع (بل يتحدث عن القيامة التي سيختبرها أولاد المسيح)، إلا أنه لا يعارضها. ولكن كلمة ’الجميع‘ المذكورة هنا لا تعني أكثر من كل المؤمنين، ولا تظهر فقط في مصطلح “في المسيح” في هذه الآية، بل في الخطاب التالي كله الذي يتكلم فقط عن قيامة المؤمنين للحياة، وليست قيامة الأشرار إلى الدينونة الأبدية.” بووله (Poole)
- كُلَّ وَاحِدٍ فِي رُتْبَتِهِ: من غير المناسب أن نحصل نحن على القيامة قبل أن يحصل عليها يسوع، لذلك حصل يسوع على القيامة كباكورة، ثُمَّ الَّذِينَ لِلْمَسِيحِ فِي مَجِيئِهِ.
- كلمة مَجِيء يسوع هنا هي الكلمة اليونانية القديمة (parousia)، التي تعني ببساطة حضور الشخص (كما في
فيلبي ١٢:٢، لَيْسَ كَمَا فِي حُضُورِي فَقَطْ). ولكن عندما تُستخدم للإشارة إلى مجيء يسوع، فإنها تُشير إلى مجيئه الثاني (كما في متى ٢٧:٢٤). - إذا كان يسوع هو بَاكُورَةَ قيامتنا، فهل هذا يعني أنه أول من قام من بين الأموات؟ ماذا عن ابن الأرملة في أيام إيليا (
ملوك الأول ١٧:١٧-٢٤) ولعازر (يوحنا ٣٨:١١-٤٤) وآخرين؟ صحيح أنه تم إعادتهم للحياة، لكنها لم تكُن قيامة، لأنهم قاموا في نفس الجسد الذي ماتوا فيه، ورغم أنه تم إحياء تلك الأجساد، ولكنهم ماتوا مرة أخرى. فليست القيامة أن يحيا الإنسان في الجسد مرة أخرى فحسب، بل هي أن يحيا الإنسان في نفس الجسد ولكن بخصائص تتناسب مع الأبدية. لم يكن يسوع أول من عاد من الموت، ولكنه كان أول من قام من الموت.
- كلمة مَجِيء يسوع هنا هي الكلمة اليونانية القديمة (parousia)، التي تعني ببساطة حضور الشخص (كما في
د ) الآيات (٢٤-٢٨): قيامة يسوع تحسم كل شيء
٢٤وَبَعْدَ ذلِكَ النِّهَايَةُ، مَتَى سَلَّمَ الْمُلْكَ للهِ الآبِ، مَتَى أَبْطَلَ كُلَّ رِيَاسَةٍ وَكُلَّ سُلْطَانٍ وَكُلَّ قُوَّةٍ. ٢٥لأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَمْلِكَ حَتَّى يَضَعَ جَمِيعَ الأَعْدَاءِ تَحْتَ قَدَمَيْهِ. ٢٦آخِرُ عَدُوٍّ يُبْطَلُ هُوَ الْمَوْتُ. ٢٧لأَنَّهُ أَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ. وَلكِنْ حِينَمَا يَقُولُ : «إِنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ أُخْضِعَ» فَوَاضِحٌ أَنَّهُ غَيْرُ الَّذِي أَخْضَعَ لَهُ الْكُلَّ. ٢٨وَمَتَى أُخْضِعَ لَهُ الْكُلُّ، فَحِينَئِذٍ الابْنُ نَفْسُهُ أَيْضًا سَيَخْضَعُ لِلَّذِي أَخْضَعَ لَهُ الْكُلَّ، كَيْ يَكُونَ اللهُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ.
- وَبَعْدَ ذلِكَ النِّهَايَةُ، مَتَى سَلَّمَ الْمُلْكَ للهِ الآبِ. يكشف بولس، في
أفسس ١٠:١، عن غرض الله الأزلي: “لِتَدْبِيرِ مِلْءِ الأَزْمِنَةِ، لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ، مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، فِي ذَاكَ.” كتب بولس عن “إجتماع” كل شيء في يسوع هنا في رسالة كورنثوس الأولى، متطلعًا إلى الوقت الذي يقدمها جميعًا إلى الله الآب، الذي وضع هذه الخطة الأزلية، مُعطيا له المجد. - مَتَى أَبْطَلَ كُلَّ رِيَاسَةٍ وَكُلَّ سُلْطَانٍ وَكُلَّ قُوَّةٍ: لقد منح الله قسط من الرياسة والسلطان والقوة لكل من الإنسان والشيطان وحتى الموت، لكن هذا وضع مؤقت إلى أن يأخذ يسوع الْعَزِيزُ الْوَحِيدُ: مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ (
تيموثاوس الأولى ١٥:٦) مكانته الشرعية. وبعد القيامة، سوف يحسم الله أخيرًا كل التاريخ بحسب مشيئته.- “عندما أقام الله المسيح من بين الأموات، أطلق سلسلة من الأحداث التي يجب أن تبلغ أوجها إلى أن تصل للإبادة النهائية، وهكذا يصبح الله مرة ثانيةً، كما كان منذ الأزل، الكل في الكل.” فيي (Fee)
- يَجِبُ أَنْ يَمْلِكَ حَتَّى يَضَعَ جَمِيعَ الأَعْدَاءِ تَحْتَ قَدَمَيْهِ: يشير بولس هنا إلى مُلك يسوع الألفي المذكور في سفر الرؤيا ١:٢٠-٦. وبعد ذلك الوقت، سيكون هناك تمرد نهائي، بدفعة من الشيطان (رؤيا يوحنا ٧:٢٠-١٠)، لكن يسوع سوف يسحقه أخيرًا ويَضَعَ جَمِيعَ الأَعْدَاءِ تَحْتَ قَدَمَيْهِ.
- “تعبير ’تَحْتَ قَدَمَيْهِ‘ هو أسلوب مُستخدم في العهد القديم للدلالة على “الإنتصار الكامل.” مير (Mare).
- آخِرُ عَدُوٍّ يُبْطَلُ هُوَ الْمَوْتُ: سيكون الموت حاضرًا في المُلك الألفي ليسوع (
رؤيا ٩:٢٠ و إشعياء ٢٠:٦٥)، لكنه سوف سيكون آخِرُ عَدُوٍّ يُبْطَلُ.- يُذكرنا بولس أن الموت هو حقًا عَدُوّ. فعندما أتى يسوع إلى قبر لعازر، انزعج بالروح واضطرب، وبكى يسوع (يوحنا ٣٣:١١، ٣٥). لماذا؟ لم يضطرب يسوع بسبب موت لعازر، لأنه كان يعلم أنه سوف يقيمه في الحال، ولكنه اضطرب بسبب الموت الذي هو عدوًا له. يُنصح البعض أن يعانقوا الموت كصديق، لكن هذا ليس تفكيرًا كتابيًا. فالموت هو عدو مهزوم بسبب عمل يسوع على الصليب وسيُبطل يومًا، وبالتالي لا يجب أن نخشاه. إلا أنه لا يزال عدوًا.
- ظهرت هزيمة الموت في قيامة يسوع عندما الْقُبُورُ تَفَتَّحَتْ وَقَامَ كَثِيرٌ مِنْ أَجْسَادِ الْقِدِّيسِينَ الرَّاقِدِينَ وَخَرَجُوا مِنَ الْقُبُورِ بَعْدَ قِيَامَتِهِ وَدَخَلُوا الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ وَظَهَرُوا لِكَثِيرِينَ. ( متى ٥٢:٢٧-٥٣). “عندما قام القديسين عند قيامة الفادي، وخرجوا من قبورهم إلى المدينة المقدسة ثم تم إعلان الرب المصلوب منتصرًا على الموت والقبر… كانت هذه مجرد مناوشات وإنذارات أولية للنصر الكبير الذي أطاح بالموت.” سبيرجن (Spurgeon)
- إذا كان الموت قد أُبطِل، لماذا يموت المؤمنون؟ “منذ موت يسوع لم يعد الموت عقوبة جزائية لأولاد الله: لقد أبطله الله، ولن يتمكن أبدًا من استعادة قوته. لماذا إذًا يموت القديسون؟ لأن أجسادهم يجب أن تتغير قبل أن يتمكنوا من دخول السماء. لا يموت القديسون الآن، لكنهم يغادرون.” سبيرجن (Spurgeon)
- “مع أن الموت عدو، إلا أنه ليس ألد أعدائنا. فقد يكون الموت أفضل من خصوم آخرين. ويمكن أن يكون الموت ألف مرة أفضل من أن نفعل الخطية. فتجربة الموت لا يُقارن بتجربة الشيطان لنا. والآلام الجسدية التي ترتبط بتحلُلنا تُعد أشياء تافهة مقارنةً بالحزن البشع الذي تتسبب فيه الخطية وعبء الشعور بالذنب الذي تولِّده في النفس.” سبيرجن (Spurgeon)
- “لاحظ أن الموت هو آخر عدو سيُبطل لكل مؤمن. يا أخي، لا تعارض ترتيب الموضوع، واترك الأخير ليكون آخرًا. لقد عرفت أخًا يريد أن يهزم الموت قبل وقت طويل من وفاته. ولكن يا أخي، أنت لن تحتاج إلى النعمة المصاحبة للموت حتى لحظات الموت. فما فائدة نعمة الموت بينما أنت على قيد الحياة؟ لن تحتاج إلى المركب إلا عندما تصل إلى النهر. اطلب نعمة الحياة ومجِّد الله في ذلك، وسوف تحصل على نعمة الموت عندما يأتي وقت الموت.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَلكِنْ حِينَمَا يَقُولُ: «إِنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ أُخْضِعَ» فَوَاضِحٌ أَنَّهُ غَيْرُ الَّذِي أَخْضَعَ لَهُ الْكُلَّ: يُذكِّرنا بولس بأن الابن لن يتفوق يومًا على الآب، والعلاقة بين الآب والابن ستكون أبدية: الابن نَفْسُهُ أَيْضًا سَيَخْضَعُ له.
- أولئك الذين ينكرون ألوهية يسوع يقولون إن هذه الآية تثبت وجهة نظرهم.إنهم يتخذون من خضوع الله الابن “دليلًا” على أنه ليس مساويًا لله للآب. لكن خضوع يسوع للآب لا ينبع من أي دونية، بل من الترتيب الإداري للألوهية. الابن دائمًا في خضوع للآب، مع أن كلاهما على “قدم المساواة” من حيث الجوهر.
- “قد يكون ابن الملك مساوياً لوالده في كل صفات طبيعته، رغم أنه رسميًا خاضعًا له. لذلك قد يكون ابن الله الأبدي مساويًا للآب، على الرغم من أنه رسميًا خاضعًا له.” هودج (Hodge)
- “إن خضوع الابن لأبيه المذكور في هذا الموضع لا يُثبت أبدًا عدم المساواة له في الجوهر أو السلطان؛ إنما يدل فقط على ما قيل من قبل، أن المسيح سوف يقوم بتسليم عمله كوسيط لأبيه.” بووله (Poole)
- ببساطة، الله الآب سيظل دائما الله الآب، والله الابن سيظل دائمًا الله الابن، وإلى الأبد سوف يظلان في ارتباط مع بعضها البعض كما الأب والابن.
- كَيْ يَكُونَ اللهُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ: يشير بولس هنا إلى رغبة الله الابن في تمجيد الله الآب طوال الأبدية. والأهم من ذلك، أن كل أقنوم في الثالوث يرغب في تمجيد الأقنوم الآخر. الابن يمجد الآب (يوحنا ٤:١٧)، والآب يمجد الابن (يوحنا ٥:١٧)، والروح القدس يمجد الابن (يوحنا ١٤:١٦). وهذا الجانب من طبيعة الله هو ما يريدنا الله أن نتمثل به؛ أن نهتم بمجد الآخرين، وليس مجدنا. (
فيلبي ٣:٢-٤).
هـ) الآيات (٢٩-٣٢): المزيد من الأسباب التي تجعلنا نؤمن بالقيامة.
٢٩وَإِلاَّ فَمَاذَا يَصْنَعُ الَّذِينَ يَعْتَمِدُونَ مِنْ أَجْلِ الأَمْوَاتِ؟ إِنْ كَانَ الأَمْوَاتُ لاَ يَقُومُونَ الْبَتَّةَ، فَلِمَاذَا يَعْتَمِدُونَ مِنْ أَجْلِ الأَمْوَاتِ؟ ٣٠وَلِمَاذَا نُخَاطِرُ نَحْنُ كُلَّ سَاعَةٍ؟ ٣١إِنِّي بِافْتِخَارِكُمُ الَّذِي لِي فِي يَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا، أَمُوتُ كُلَّ يَوْمٍ. ٣٢إِنْ كُنْتُ كَإِنْسَانٍ قَدْ حَارَبْتُ وُحُوشًا فِيأَفَسُسَ، فَمَا الْمَنْفَعَةُ لِي؟ إِنْ كَانَ الأَمْوَاتُ لاَ يَقُومُونَ، «فَلْنَأْكُلْ وَنَشْرَبْ لأَنَّنَا غَدًا نَمُوتُ!».
- وَإِلاَّ فَمَاذَا يَصْنَعُ الَّذِينَ يَعْتَمِدُونَ مِنْ أَجْلِ الأَمْوَاتِ؟ إِنْ كَانَ الأَمْوَاتُ لاَ يَقُومُونَ الْبَتَّةَ، فَلِمَاذَا يَعْتَمِدُونَ مِنْ أَجْلِ الأَمْوَاتِ؟ إنها فقرة غامضة، وهناك أكثر من ثلاثين محاولة مختلفة لتفسيرها.
- المعنى البسيط للغة الأصلية هو أن بعض الناس يتم تعميدهم نيابة عن الذين ماتوا. ويرى بولس أنه “إن لم تكن هناك قيامة، فلماذا يفعلون ذلك؟ ما فائدة ذلك إن لم تكن هناك حياة بعد الموت؟”
- من الملاحظ أن بولس لم يقل “نحن نعمد للموتى” بل سأل فَمَاذَا يَصْنَعُ الَّذِينَ يَعْتَمِدُونَ مِنْ أَجْلِ الأَمْوَاتِ؟ ولِمَاذَا يَعْتَمِدُونَ مِنْ أَجْلِ الأَمْوَاتِ؟ وبالتالي، يشير بولس هنا إلى عادة وثنية متمثلة في المعمودية نيابةً عن للموتى. “يذكر بولس ببساطة هنا العادة الخرافية دون الموافقة عليها ويستخدمها لتدعيم حُجته بأن هناك قيامة من الأموات.” مير (Mare)
- بالتأكيد بولس لا يوافق على هذه الممارسة؛ هو فقط يقول إنه إذا لم تكن هناك قيامة، فلماذا كانت تلك العادات موجودة؟ إن ممارسة المورمون للمعمودية من أجل الموتى، مبني على تفسير خاطئ وغير كتابي لهذه الفقرة.
- فكرة بولس واضحة: “حتى الوثنيون كانوا يؤمنون بالقيامة لأنهم يعمدون من أجل الموتى، فإن كانوا يؤمنون بالقيامة، فكيف لا يومن البعض منكم يا أهل كورنثوس بها؟”
- وَلِمَاذَا نُخَاطِرُ نَحْنُ كُلَّ سَاعَةٍ؟ لو لم تكن هناك قيامة، فلماذا كان بولس يعرض حياته للخطر من أجل الإنجيل؟ إن الطريقة التي عاش بها بولس كل حياته من أجل الإنجيل دليلاً على حقيقة القيامة.
- يهتم معظمنا للغاية بأن يعيش حياة مريحة هنا على الأرض، فتكون حياة بلا أي دليل على القيامة. لقد عاش بولس حياة مسيحية ملتزمة، يستطيع الناس أن ينظروا إليه ويقولون: “يستحيل أن يعيش هكذا ما لم تكن هناك مكافأة تنتظره في السماء.”
- إِنِّي بِافْتِخَارِكُمُ الَّذِي لِي فِي يَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا، أَمُوتُ كُلَّ يَوْمٍ: سوف يفتخر بولس قليلًا هنا، وهذا الافتخار هو فيكم (أي في مؤمني كورنثوس) وفي يَسُوعَ الْمَسِيحِ. بم سيفتخر بولس؟ بأنه يمُوتُ كُلَّ يَوْمٍ.
- يرى فينسنت (Vincent) أن تعبير ’أمُوتُ كُلَّ يَوْمٍ‘ يعني: “أعيش في خطر دائم كل يوم في حياتي.” فقد عاش بولس حياته في خطر دائم من أجل يسوع المسيح، لذا استطاع أن يقول ’أمُوتُ كُلَّ يَوْمٍ.‘ لقد كان هناك من يريدون قتله، كما نرى في أعمال الرسل ١٢:٢٣-١٣، حيث تعهد أكثر من أربعين رجلاً بألا يأكلوا أو يشربوا حتى يقتلوا بولس. ومع وجود أعداء من هذا القبيل، لا عجب أن بولس استطاع أن يقول ’أمُوتُ كُلَّ يَوْمٍ.‘ وهذا هو افتخاره!
- من المهم أن نفهم أنه عندما يقول بولس ’أمُوتُ كُلَّ يَوْمٍ‘ فإنه لا يتحدث عن هويته الروحية المرتبطة بموت يسوع، ولا يتحدث عن الموت الروحي للجسد. إنه يكتب عن الخطر الوشيك الدائم على حياته الجسدية. فمن المهم والمفيد للمؤمنين أن يحسبوا أنفسهم يوميًا أمواتًا عن الخطية بيسوع المسيح (كما في رومية ١١:٦، كَذلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا احْسِبُوا أَنْفُسَكُمْ أَمْوَاتًا عَنِ الْخَطِيَّةِ، وَلكِنْ أَحْيَاءً للهِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا)، ولكن استخدام تعبير أمُوتُ كُلَّ يَوْم لدعم ذلك الحق خطأ، لأن بولس يشير في هذا السياق إلى الخطر الجسدي الذي يتعرض له.
- كيف نموت يوميًا؟ يقدم سبيرجن (Spurgeon) سبع خطوات للموت اليومي في عظة بعنوان “الموت اليومي.”
- أولًا، فكر بعناية كل يوم في يقينية الموت.
- ثانيًا، بالإيمان، أدخِل روحك في عملية الموت بأكملها.
- ثالثًا، لا تُحكِم قبضتك على هذا العالم.
- رابعًا، اختبر رجاؤك واختبارك كل يوم بجدية.
- بعد ذلك، تعال كل يوم إلى صليب يسوع كخاطئ آثم فقير، تمامًا كما فعلت يوم آمنت.
- سادسًا، عش بالطريقة التي لا تجعلك تشعر بالخجل إن مت في أي لحظة.
- أخيرًا، رتب كل أمورك حتى تكون مستعدًا للموت.
- قَدْ حَارَبْتُ وُحُوشًا فِي أَفَسُس: لا يُسجل سفر أعمال الرسل مناسبة واجه فيها بولس حيوانات برية في حلبة. وقد تكون حادثة لم يتم تسجيلها أو هو ببساطة تعبير مجازي يشير به إلى أعدائه البشريين. (مثل الذي واجهه في مدينة أفسس، أعمال الرسل ٢١:١٩-٤١).
- واجه بولس كل هذا من أجل قيامة الأموات، قيامة يسوع وقيامة المؤمن. وعلى الرغم من أنالقبض عليه وسجنه ورحلته إلى روما كانوا لم يحدثوا بعد وقت كتابته لرسالة كورنثوس الأولى، لكن كل ما عاناه كان من أجل قيامة الأموات (أعمال الرسل ٦:٢٣، ١٥:٢٤، ٢١:٢٤).
- إِنْ كَانَ الأَمْوَاتُ لاَ يَقُومُونَ، “فَلْنَأْكُلْ وَنَشْرَبْ لأَنَّنَا غَدًا نَمُوتُ”: ثالث دليل لدى بولس على القيامة في هذا الجزء يُعد مقنعًا. إذا لم يكن هناك قيامة، فلا يجب التفكير في أن هناك دينونة مستقبلية. وحينئذٍ تُعاش الحياة فقط “تحت الشمس” كما هو مذكور في سفر الجامعة.
- كان المصريون القدماء، في نهاية المآدب الكبيرة، غالبًا ما يطوفون حول المائدة بصورة خشبية لرجل في نعش، ويخبرون الناس أن يقضوا وقتًا ممتعًا الآن، لأنهم سوف يموتون في وقت أقرب مما يظنون. فإذا لم يكن هناك قيامة، ولا دينونة في المستقبل، فلنتمتع بأفضل الأوقات الآن بقدر المستطاع. لو كان هذا صحيحًا، فهذا يُعني أن بولس كان حقًا أحمق لأنه وضع نفسه في مثل هذا القلق والخطر من أجل الإنجيل.
و ) الآيات (٣٣-٣٤): معرفة حقيقة قيامتنا يجب أن تؤثر على الطريقة التي نعيش بها.
٣٣لاَ تَضِلُّوا: «فَإِنَّ الْمُعَاشَرَاتِ الرَّدِيَّةَ تُفْسِدُ الأَخْلاَقَ الْجَيِّدَةَ» ٣٤اُصْحُوا لِلْبِرِّ وَلاَ تُخْطِئُوا، لأَنَّ قَوْمًا لَيْسَتْ لَهُمْ مَعْرِفَةٌ بِاللهِ. أَقُولُ ذلِكَ لِتَخْجِيلِكُمْ!
- لاَ تَضِلُّوا: «فَإِنَّ الْمُعَاشَرَاتِ الرَّدِيَّةَ تُفْسِدُ الأَخْلاَقَ الْجَيِّدَةَ»: من أين حصل مؤمنو كورنثوس على أفكارهم الغريبة عن القيامة، الأفكار التي حاول بولس تصحيحها في هذا الأصحاح؟ لقد حصلوا عليها من خلال ارتباطهم إما باليهود الذين لم يؤمنوا بالقيامة (مثل الصدوقيين) أو بالأنماط الفلسفية اليونانية الوثنية، الذين لم يؤمنوا بالقيامة (أعمال الرسل ٣١:١٧-٣٢). كانت هذه الْمُعَاشَرَاتِ الرَّدِيَّةَ تؤثر على تفكيرهم حتى أنها أفسدت أفكارهم بشأن مسألة مهمة مثل القيامة.
- يتحدث هنا عن الاحتياج الاساسي المُشار إليه في رومية ٢:١٢ وَلاَ تُشَاكِلُوا هذَا الدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ. والإستمرار في الْمُعَاشَرَاتِ الرَّدِيَّةَ، شاكل مؤمنو كورنثوس هذا الدهر، وأصبحوا بحاجة إلى التغُّير عن شكلهم بتجديد أذهانهم. يجب على المؤمنين أن يسمحوا لكلمة الله أن تُشكل أفكارهم، وليس للْمُعَاشَرَاتِ الرَّدِيَّةَ بهذا العالم.
- يتناول بولس في هذه الرسالة الكثير من الموضوعات التي تختص بالمشكلات الأخلاقية لأهل كورنثوس: الحسد والانقسامات والافتخار والفجور والجشع والاستهتار والأنانية. كم من هذه المشكلات تسببت فيها الْمُعَاشَرَاتِ الرَّدِيَّةَ؟ لقد أشارت مشكلتهم مع القيامة أيضًا إلى مصدر العديد من مشكلاتهم الأخلاقية.
- إِنَّ الْمُعَاشَرَاتِ الرَّدِيَّةَ تُفْسِدُ الأَخْلاَقَ الْجَيِّدَةَ: ليس هذا اقتباسًا من العهد القديم أو حتى من كلمات يسوع. لقد اقتبس بولس هذا من مسرحية كوميدية قديمة علمانية تُدعى Thais، كتبها ميناندر Menander. وعلى الرغم من أنه كان وثنيًا، إلا أن ميناندر قال الحقيقة في هذا الأمر، ولم يكن لدى بولس (أو بأكثر دقة، الروح القدس) أي مشكلة في الاقتباس من وثني قال الحقيقة في أمر معين.
- اُصْحُوا لِلْبِرِّ وَلاَ تُخْطِئُوا، لأَنَّ قَوْمًا لَيْسَتْ لَهُمْ مَعْرِفَةٌ بِاللهِ: إن مقاومة المؤمن لعملية التغيير التي يقوم بها الله من خلال تجديد الذهن هو استخفاف بعلم الله. أن تبقى جاهلاً عن عمد يعد خطية.
ثالثًا. طبيعة الجسد المُقام
أ ) الآية (٣٥): ما هي طبيعة الجسد المُقام؟
٣٥لكِنْ يَقُولُ قَائِلٌ: “كَيْفَ يُقَامُ الأَمْوَاتُ؟ وَبِأَيِّ جِسْمٍ يَأْتُونَ؟”
- كَيْفَ يُقَامُ الأَمْوَاتُ؟ لا يجيب بولس هذا سؤال في الآيات التالية لأن الإجابة واضحة. فالله هو من يقيم الموتى. وكما قال بولس لأغريباس في أعمال الرسل ٨:٢٦ لِمَاذَا يُعَدُّ عِنْدَكُمْ أَمْرًا لاَ يُصَدَّقُ إِنْ أَقَامَ اللهُ أَمْوَاتًا؟
- وَبِأَيِّ جِسْمٍ يَأْتُونَ؟ قد يبدو هذا سؤالًا غبيًا (يدعو بولس سائله الخيالي “غبيًا” في كورنثوس الأولى ٣٦:١٥) لكنه سؤال سوف يجيب عليه.
ب) الآيات (٣٦-٣٨): تشبيه البذور.
٣٦يَاغَبِيُّ! الَّذِي تَزْرَعُهُ لاَ يُحْيَا إِنْ لَمْ يَمُتْ. ٣٧وَالَّذِي تَزْرَعُهُ، لَسْتَ تَزْرَعُ الْجِسْمَ الَّذِي سَوْفَ يَصِيرُ، بَلْ حَبَّةً مُجَرَّدَةً، رُبَّمَا مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ أَحَدِ الْبَوَاقِي. ٣٨وَلكِنَّ اللهَ يُعْطِيهَا جِسْمًا كَمَا أَرَادَ. وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْبُزُورِ جِسْمَهُ.
- يَا غَبِيُّ: هذه الكلمة أقوى في الصياغة اليونانية القديمة، فهي تحمل معنى مغفَّل! “مثلما يجب أن يكون للعقدة الصلبة أيضًا وتد صلب، كذلك التوبيخ للقلب الميت.” تراب (Trapp)
- الَّذِي تَزْرَعُهُ: يقول بولس إن أجسامنا تشبه “البذور” التي “تنمو” لتصبح أجساد قيامة. فعندما تقوم بدفن جسم المؤمن، فأنت “تزرع” بذرة ستخرج من الأرض كجسد القيامة.
- “إن صوت التراب على غطاء النعش ليس لطيفًا أبدًا. “لا اعتقد أن المزارع يرثي حال البذرة عندما يضعها في الأرض ويقول: ’من الأرض وإلى الأرض تعودي، من التراب وإلى التراب تعودي، من الرماد وإلى الرماد تعودي.‘ فالمزارع يضع البذرة في الأرض الباردة لمصلحتها، لتأتِ بثمر.” سبيرجن (Spurgeon)
- “أيها الأصدقاء الأعزاء، إذا كان الموت يشبه البذرة التي تُزرع، فلنتخلص إذًا من كل حزن ويائس. قد تقولون لي ’لقد تحطمت عائلتنا.‘ أقول لكم ’نعم، لكنها تحطمت فقط لكي يُعاد تشكليها. لقد فقدتم صديق عزيز. نعم، ولكنكم ستجدونه مرة أخرى، وستجدون أكثر مما فقدتموه. فهم لم يُفقدوا، بل زُرِعوا.” سبيرجن (Spurgeon)
- لسْتَ تَزْرَعُ الْجِسْمَ الَّذِي سَوْفَ يَصِيرُ، بَلْ حَبَّةً مُجَرَّدَةً، رُبَّمَا مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ أَحَدِ الْبَوَاقِي: عندما تُزرع بذرة القمح، فهي لا تأتي ببذرة كبيرة الحجم، بل تنمو لتُصبِح سنبلة قمح. وهكذا أجسادنا المقامة، فرغم أنها تأتي من أجسادنا الحالية، لكنها لن تكون نفس الأجساد أو مجرد أجساد ’مُعدلة.‘
- يسخر بعضهم من فكرة القيامة قائلين: “تخيل جسد مؤمن يرقُد في قبر بلا نعش، ثم تتحلل ذرات جسده في العُشب، ثم يأتي ثور صغير ليأكل هذا العشب، ثم يُذبح الثور ويأكل لحمه إنسان آخر. وهكذا تدخل ذرات الميت إلى جسده. فأين تذهب تلك الذرات في القيامة؟” لكن الله لا يحتاج إلى كل ذرة في جسم الإنسان ليخلق جسد قيامة. فبما أن كل خلية من جسدي تحتوي على الحمض النووي، فإن من الممكن أن الله يستطيع أن يخلق من خلية واحدة جسد قيامة مجيدًا.
ج ) الآيات (٣٩-٤١): تشبيه الأجساد السماوية الحيَّة.
٣٩لَيْسَ كُلُّ جَسَدٍ جَسَدًا وَاحِدًا، بَلْ لِلنَّاسِ جَسَدٌ وَاحِدٌ، وَلِلْبَهَائِمِ جَسَدٌ آخَرُ، وَلِلسَّمَكِ آخَرُ، وَلِلطَّيْرِ آخَرُ. ٤٠وَأَجْسَامٌ سَمَاوِيَّةٌ، وَأَجْسَامٌ أَرْضِيَّةٌ. لكِنَّ مَجْدَ السَّمَاوِيَّاتِ شَيْءٌ، وَمَجْدَ الأَرْضِيَّاتِ آخَرُ. ٤١مَجْدُ الشَّمْسِ شَيْءٌ، وَمَجْدُ الْقَمَرِ آخَرُ، وَمَجْدُ النُّجُومِ آخَرُ. لأَنَّ نَجْمًا يَمْتَازُ عَنْ نَجْمٍ فِي الْمَجْدِ.
- لَيْسَ كُلُّ جَسَدٍ جَسَدًا وَاحِدًا: توجد أنواع مختلفة من “الأجساد” في خليقة الله، بما فيها أَجْسَامٌ سَمَاوِيَّةٌ. سوف يكون جسدنا السَمَاوِيٌّ المُقام مناسب للحياة في السماء وليس على هذه الأرض.
- لَيْسَ كُلُّ جَسَدٍ جَسَدًا وَاحِدًا: يُفسر هذا سبب عدم قيام الحيوانات في القيامة. “جسد الإنسان فقط هو الذي له روح عاقلة وخالدة، وليس أجساد المخلوقات الأخرى: وهنا يكمن الاختلاف.” تراب (Trapp)
- هناك أَجْسَامٌ أو هيئات مختلفة في الكون (الشَّمْسِ… الْقَمَرِ… النُّجُومِ)، وكلٍ منها خُلق بمجده، وكلٍ منها يناسب بيئته الخاصة واحتياجاته. وبينما تتكيف أجسامنا الحالية مع بيئة الزمن والأرض، سوف تتكيف أجساد قيامتنا مع بيئة الأبدية والسماء.
- مَجْدُ الشَّمْسِ شَيْءٌ، وَمَجْدُ الْقَمَرِ آخَرُ، وَمَجْدُ النُّجُومِ آخَرُ. لأَنَّ نَجْمًا يَمْتَازُ عَنْ نَجْمٍ فِي الْمَجْدِ: يعتقد البعض أن هذا يعني أنه ستكون هناك درجات مختلفة من المجد للمؤمنين في السماء. “إن كان هناك درجات من المجد، كما يبدو محتملاً، فسوف نعرف ذلك بالتأكيد عندما نصل إلى السماء.” تراب (Trapp)
د ) الآيات (٤٢-٤٤): مقارنة بين نوعين من الأجساد
٤٢هكَذَا أَيْضًا قِيَامَةُ الأَمْوَاتِ: يُزْرَعُ فِي فَسَادٍ وَيُقَامُ فِي عَدَمِ فَسَادٍ. ٤٣يُزْرَعُ فِي هَوَانٍ وَيُقَامُ فِي مَجْدٍ. يُزْرَعُ فِي ضَعْفٍ وَيُقَامُ فِي قُوَّةٍ. ٤٤يُزْرَعُ جِسْمًا حَيَوَانِيًّا وَيُقَامُ جِسْمًا رُوحَانِيًّا. يُوجَدُ جِسْمٌ حَيَوَانِيٌّ وَيُوجَدُ جِسْمٌ رُوحَانِيٌّ.
- هكَذَا أَيْضًا قِيَامَةُ الأَمْوَاتِ: من الصعب أن نفهم كيف سيكون شكل أجساد قيامتنا، لذا سيستخدم بولس المقارنة لمساعدتنا، معطيًا أربعة مقارنات بين جسدنا الحالي وجسد قيامتنا في المستقبل. وفي كل الأحوال، جسد القيامة هو الفائز!
- عدم الفساد ينتصر على الفساد.
- المجد ينتصر على الهوان.
- القوة تنتصر على الضعف.
- الروحاني ينتصر على الحيواني.
- يُقَامُ فِي عَدَمِ فَسَادٍ.. يُقَامُ فِي مَجْدٍ.. يُقَامُ فِي قُوَّةٍ: سيكون جسد قيامتنا مجيدًا!
- “لا يوجد شيء غير جميل وبغيض وكريه مثل الجسد الميت؛ لكنه لن يكون كذلك عندما يُقام ثانية، بل سيكون جميلًا. وسوف نقوم في عُمر مناسب وكامل (كما هو المعتقد بشكل عام) وبدون تلك العيوب والتشوهات التي كانت تجعل أجسامنا على الأرض تبدو غير مُحببة.”بووله (Poole)
- “شوهدت ثلاث لمحات من الجسد الممجد: في وجه موسى وفي تجلي المسيح وفي وجه استفانوس.” تراب (Trapp)
- “يوضع الأبرار في قبورهم في حالة تعب وارهاق؛ لكنهم لن يقوموا على هذا الحال. يذهبون هناك بجبين مجعد وخد مُجوَّف وجلد متغضن؛ ويقومون في جمال ومجد.” سبيرجن (Spurgeon)
هـ) الآيات (٤٥-٤٩): أجساد آدم الأول وآدم الآخير
٤٥هكَذَا مَكْتُوبٌ أَيْضًا: «صَارَ آدَمُ، الإِنْسَانُ الأَوَّلُ، نَفْسًا حَيَّةً، وَآدَمُ الأَخِيرُ رُوحًا مُحْيِيًا». ٤٦لكِنْ لَيْسَ الرُّوحَانِيُّ أَوَّلاً بَلِ الْحَيَوَانِيُّ، وَبَعْدَ ذلِكَ الرُّوحَانِيُّ. ٤٧الإِنْسَانُ الأَوَّلُ مِنَ الأَرْضِ تُرَابِيٌّ. الإِنْسَانُ الثَّانِي الرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ. ٤٨كَمَا هُوَ التُّرَابِيُّ هكَذَا التُّرَابِيُّونَ أَيْضًا، وَكَمَا هُوَ السَّمَاوِيُّ هكَذَا السَّمَاوِيُّونَ أَيْضًا. ٤٩وَكَمَا لَبِسْنَا صُورَةَ التُّرَابِيِّ، سَنَلْبَسُ أَيْضًا صُورَةَ السَّمَاوِيِّ.
- لقد أعطانا الإنسان الأول الكامل، آدَم، نوع واحد من الأجساد، وسيعطينا يسوع الكامل، آدَمُ الأَخِير، أجساد أخرى. فهو رُوحًا مُحْيِيًا.
- لقد حملنا جميعًا صورة آدَم الأول، وأولئك الذين يضعون ثقتهم في آدَمُ الأَخِير سوف يحملون أيضًا صورة قيامته. من آدَم الأول خُلقنا جميعًا من التراب، لكن من خلال آدَمُ الأَخِير نصير سماويين. فالوعد اكيد بالنسبة للمؤمنين: سَنَلْبَسُ أَيْضًا صُورَةَ السَّمَاوِيّ.
- يكرر بولس نفس الفكرة في فيلبي ٢١:٣ “الَّذِي سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ، بِحَسَبِ عَمَلِ اسْتِطَاعَتِهِ أَنْ يُخْضِعَ لِنَفْسِهِ كُلَّ شَيْء.”
- نظرًا لأننا سَنَلْبَسُ صُورَةَ السَّمَاوِيِّ، فإن أفضل مثال على ما سيكون عليه شكل جسد قيامتنا هو جسد قيامة يسوع. لقد كان جسد قيامة يسوع جسدًا ماديًا، يمكن أن يأكل ( لوقا ٣٩:٢٤-٤٣)، ومع ذلك لم يكن مقيدًا بقوانين الطبيعة ( لوقا ٣١:٢٤، ٣٦:٢٤-٣٧).
و ) الآيات (٥٠-٥٣): الحاجة إلى القيامة.
٥٠فَأَقُولُ هذَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ: إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لاَ يَقْدِرَانِ أَنْ يَرِثَا مَلَكُوتَ اللهِ، وَلاَ يَرِثُ الْفَسَادُ عَدَمَ الْفَسَادِ. ٥١هُوَذَا سِرٌّ أَقُولُهُ لَكُمْ: لاَ نَرْقُدُ كُلُّنَا، وَلكِنَّنَا كُلَّنَا نَتَغَيَّرُ، ٥٢فِي لَحْظَةٍ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، عِنْدَ الْبُوقِ الأَخِيرِ. فَإِنَّهُ سَيُبَوَّقُ، فَيُقَامُ الأَمْوَاتُ عَدِيمِي فَسَادٍ، وَنَحْنُ نَتَغَيَّرُ. ٥٣لأَنَّ هذَا الْفَاسِدَ لاَبُدَّ أَنْ يَلْبَسَ عَدَمَ فَسَادٍ، وَهذَا الْمَائِتَ يَلْبَسُ عَدَمَ مَوْتٍ.
- إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لاَ يَقْدِرَانِ أَنْ يَرِثَا مَلَكُوتَ اللهِ: لا يقول بولس أن “الأشياء المادية لا يمكن أن ترث ملكوت الله” لأن جسد قيامة يسوع كان جسدًا ماديًا. إِنَّ اللَحْم والَدَم، في هذا السياق، يعنيان “أجسادنا الحالية.” فلم يكن جسد قيامة يسوع جسد “روحاني” بل جسد مادي مكون من اللحم والعظام (لوقا ٣٩:٢٤) بدلاً من اللَحْم والَدَم. وقد يبدو هذا لنا بمثابة اختلاف بسيط، ولكن لابد أنه اختلاف هام بالنسبة لله.
- وَلاَ يَرِثُ الْفَسَادُ عَدَمَ الْفَسَادِ: كلمة الْفَسَادِ لا تعني الفساد المعنوي أو الأخلاقي، بل الفساد الجسدي والمادي. فهذه الأجسام التي تتعرض للمرض والإصابة ويومًا ما إلى الفساد لا تناسب السماء، والسبب: لاَ يَرِثُ الْفَسَادُ عَدَمَ الْفَسَادِ.
- هُوَذَا سِرٌّ أَقُولُهُ لَكُمْ: بالمعنى الكتابي، السِرٌّ هو ببساطة شيء يمكن فهمه بالإدراك الروحي، وليس بالإدراك البشري فقط. سيُخبر بولس أهل كورنثوس بشيء كان لا يمكنهم إدراكه بالعقل البشري أو عن طريق البحث، شيء لم يكن بإمكانهم فهمه ما لم يكشفه الله لهم.
- لاَ نَرْقُدُ كُلُّنَا، وَلكِنَّنَا كُلَّنَا نَتَغَيَّر: نظرًا لأن الرُقاد هو أسلوب لطيف لوصف موت المؤمن، يخبرنا بولس بأن ليس كل المؤمنين سيرقدون، ولكن سيكون هناك “جيل أخير” سيتم تحويله إلى أجساد قيامة عند مجيء يسوع ثانيةً قبل أن يواجه الموت.
- لاَ نَرْقُدُ كُلُّنَا، وَلكِنَّنَا كُلَّنَا نَتَغَيَّرُ: هل تعني هذه العبارة أن بولس قد تنبأ بمجيء يسوع في زمنه؟ يقول باركلي (Barclay): “نعم.” ويشير ببساطة إلى أن بولس كان مخطئًا تمامًا. ولكن هودج (Hodge) يرى أن بولس لا يشير بالضرورة بكلمة كلنا إلى مؤمنين جيله فقط؛ إنما هي كلمة تشمل كل المؤمنين عبر كل العصور. ثانيًا، كان من الصواب والملائم أن يعيش بولس كما لو كان مجيء يسوع وشيكًا، على الرغم من أنه لم يكن يعرف في الحقيقة متى سيعود يسوع. فوقت كتابة الوحي المقدس، كان بولس معصوماً، لكنه لم يكن كلي العلم.
- “الحقيقة الواضحة هي أن بولس لم يكن يعرف متى ستحدث هذه الأحداث، ولم يدَّعي المعرفة في أي موضع. لذا عندما يقول نحن فهو يعني “نحن المؤمنون.” موريس (Morris)
- فِي لَحْظَةٍ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، عِنْدَ الْبُوقِ الأَخِيرِ. فَإِنَّهُ سَيُبَوَّقُ، فَيُقَامُ الأَمْوَاتُ عَدِيمِي فَسَادٍ، وَنَحْنُ نَتَغَيَّرُ: في لحظة واحدة، سوف يجمع يسوع شعبه، الراقدين والأحياء، من أجل القيامة.
- عَبَّر بولس عن هذه الفكرة مرة أخرى في تسالونيكي الأولى ١٥:٤-١٨. وأُطلق على هذا التجمع الملحوظ والفوري للمؤمنين مع يسوع في السحاب لفظ “الاختطاف” على غرار كلمة “سنُخطف” في تسالونيكي الأولى ١٥:٤-١٨.
- سيأتي يوم في خطة الله الأبدية يعطي فيه الله الراقدين أجساد قيامتهم، ثم في لحظة يجمع كل شعبه لملاقاة يسوع في الهواء. وسيقوم جميع المفديين على الأرض في ذلك الوقت لملاقاة الرب في السحاب، وسوف يحصلون على أجساد قيامتهم.
- ماذا عن الراقدين في المسيح قبل ذلك اليوم؟ هل يرقدون في القبر في نوع من النوم الروحي أو هل يفقدون وعيهم؟ لا، لقد أوضح بولس أن التغرُّب عن الجسد يعني الاستيطان عند الرب (كورنثوس الثانية ٨:٥). إما أن الراقدين الحاليين في المسيح هم مع الرب في أجساد روحية، منتظرين جسد قيامتهم النهائي أو بسبب طبيعة الأبدية الخالدة، قد حصلوا بالفعل على أجساد قيامتهم لأنهم يعيشون في الأبدية “الآن.”
- عِنْدَ الْبُوقِ الأَخِيرِ: ما هو الْبُوقِ الأَخِيرِ؟ أولئك الذين يعتقدون أن يسوع سيجمع شعبه بعد أن يسكب غضبه على العالم الرافض ليسوع، يجادلون أحيانًا بأن البوق الأخير هو آخر بوق للدينونة المذكورة في سفر الرؤيا ١٥:١١-١٩. ولكن ليس هذا بالضرورة ما يعتقده الجميع.
- ربما لا يُشير الْبُوقِ الأَخِيرِ على الإطلاق إلى آخر بوق من الأبواق السبعة في سفر الرؤيا، ولكن يشير ببساطة إلى الْبُوقِ الأَخِيرِ الذي سيسمعه المؤمنون على هذه الأرض.
- ربما يرتبط هذا الْبُوقِ الأَخِيرِ ببوق الله المذكور في تسالونيكي الأولى ١٦:٤، لكن ليس مع أبواق الملائكة المذكورة في سفر الرؤيا ١١. ويمكن التمييز بين بوق ملاك وبوق الله. يشير تشاك سميث (Chuck Smith) إلى بناء نحوي سيختلف إذا كان هذا البوق هو بوق سفر الرؤيا ١١.
- يقول إيرونسايد (Ironside) أن البوق الأخير كان أسلوبًا مجازيًا مصدره الجيش الروماني، فكانوا يستخدمونه في المعسكرات لحل الخيام والإستعداد للرحيل. وكان البوق الأول يعني “حِلُّوا الخيام واستعدوا للمغادرة” والبوق الثاني كان يعني “الاصطفاف” والبوق الثالث والأخير كان يعني “التقدم للأمام.” كان هذا الْبُوقِ الأَخِيرِ يصف “أوامر السير” للمؤمنين عند اختطاف الكنيسة.
- هذَا الْفَاسِدَ لاَبُدَّ أَنْ يَلْبَسَ عَدَمَ فَسَادٍ: إن القيامة أمر لاَبُدَّ منه لمصير المؤمن. وفي ضوء كل هذا، كيف يمكن لمؤمني كورنثوس أن يتخلُّوا عن مثل هذه الحقيقة الهامة؟
ز ) الآيات (٥٤-٥٧): القيامة هي الهزيمة النهائية للموت.
٥٤وَمَتَى لَبِسَ هذَا الْفَاسِدُ عَدَمَ فَسَادٍ، وَلَبِسَ هذَا الْمَائِتُ عَدَمَ مَوْتٍ، فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ الْكَلِمَةُ الْمَكْتُوبَةُ: «ابْتُلِعَ الْمَوْتُ إِلَى غَلَبَةٍ». ٥٥«أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟» ٥٦أَمَّا شَوْكَةُ الْمَوْتِ فَهِيَ الْخَطِيَّةُ، وَقُوَّةُ الْخَطِيَّةِ هِيَ النَّامُوسُ. ٥٧وَلكِنْ شُكْرًا للهِ الَّذِي يُعْطِينَا الْغَلَبَةَ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ.
- ابْتُلِعَ الْمَوْتُ إِلَى غَلَبَةٍ: ليس الجسد المُقام جثة عائدة إلى الحياة، بل هو نظام جديد للحياة لن يموت ثانيةً أبداً. لقد هُزم الموت بالقيامة.
- كان فرويد (Freud) مخطِئًا عندما قال: “وأخيرًا، هناك السر المؤلم للموت، الذي لم يجدوا له أي علاج بعد، وربما لن يجدوا أبدًا.” قارن ذلك بإعلان بولس المنتصر: “ابْتُلِعَ الْمَوْتُ إِلَى غَلَبَةٍ.”
- أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟ يستطيع بولس أن يستهزئ بالموت ويسخر منه بعد معرفته بأن الموت عدو مهزوم بسبب عمل يسوع، فليس للموت سلطان على الشخص الذي في يسوع المسيح.
- “هذه هي الملاحظة الأكثر حدة، والتحدي الأشجع والأكثر جرأة الذي أسمعه إنسان للموت. هُزم الموت هنا ودُعي بالجبان في وجهه، وتم تحديه لتقديم أسوأ ما لديه.” تراب (Trapp)
- “لن أخافك يا موت؟ ولماذا عليّ أن أخافك؟ أنت تبدو كتنين، لكن شوكتك قد ولَّت. كُسِّرت أسنانك أيها الأسد العجوز، فلماذا أخافك؟ أعلم أنك لم تعد قادرًا على تدميري، لكنك أُرسِلت كرسول لقيادتي إلى البوابة الذهبية، حيث سأدخل وأرى وجه مُخلصي إلى الأبد. كثيرًا ما قال القديسون المُحتضرون أن أَسِرَّتهمالأخيرة كانت أفضل ما ناموا عليه.” سبيرجن (Spurgeon)
- بالنسبة لأولئك الذين ليسوا في يسوع المسيح، لا يزال للموت شوكة. “تكمن شوكة الموت في أننا فعلنا خطايا وتم استدعاؤنا للمثول أمام الله الذي أسأنا إليه. وهذه هي شوكة الموت لغير المؤمنين، ليس أن يموتوا، بل أن يُدانوا بعد الموت، وأن يقفوا أمام قاضي الأحياء والأموات ويدانوا على الخطايا التي ارتكبوها ضده أثناء وجودهم في الجسد.” سبيرجن (Spurgeon)
- أَمَّا شَوْكَةُ الْمَوْتِ فَهِيَ الْخَطِيَّةُ، وَقُوَّةُ الْخَطِيَّةِ هِيَ النَّامُوسُ: تثبت القيامة أيضًا أننا لم نعد تحت الناموس ولم نعد خاضعين لعقوبة الناموس، أي المو، كما أننا قد تحررنا من الخطية التي هي السبب الأساسي للموت (رومية ٢٣:٦، تكوين ١٧:٢). فلا يمكن هزيمة النتيجة ما لم يتم هزيمة السبب.
- يربط بولس ببراعة بين أفكار الخطية والموت وهويتنا بموت يسوع وقيامته في رومية ١:٦-١٤.
- بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ: إن هزيمة الموت ممكنة فقط لأولئك الذين يعيشون بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. أما بالنسبة للآخرين، فهناك قيامة وحياة أبدية، لكنها للدينونة. إذا كنت غير مؤمن، فالموت ليس صديق لك، بل عدوك.
ح) الآية (٥٨): التطبيق النهائي: ماذا يعني أن مصير قيامتنا يجعلنا نتمسك بالرب الآن.
٥٨إِذًا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ، كُونُوا رَاسِخِينَ، غَيْرَ مُتَزَعْزِعِينَ، مُكْثِرِينَ فِي عَمَلِ الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، عَالِمِينَ أَنَّ تَعَبَكُمْ لَيْسَ بَاطِلًا فِي الرَّبِّ.
- إِذًا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ، كُونُوا رَاسِخِينَ، غَيْرَ مُتَزَعْزِعِينَ، مُكْثِرِينَ فِي عَمَلِ الرَّبِّ: لأننا نعلم أن الموت قد هُزِم ولدينا مصير أبدي مُقام بيسوع المسيح، يجب أن نقف ثابتين ولا نتزعزع، وأن نعمل بجد في كل شيء الآن من أجل الرب، لأن ما نفعله الآن له أهمية أبدية!
- عَالِمِينَ أَنَّ تَعَبَكُمْ لَيْسَ بَاطِلًا فِي الرَّبِّ: حتى لو كان عملك باطلًا في رأي الجميع، وكان الجميع يتجاهلونه ولا يُقدِّرون ما تفعله من أجل الرب، لكن تَعَبَك لَيْسَ بَاطِلًا فِي الرَّبِّ. لا يهم إذا حصلت على المديح أو التشجيع أم لا، لكن القيامة تعني أن تَعَبَك لَيْسَ بَاطِلًا فِي الرَّبِّ.
- “ليس عليك أن تعمل فقط، لكن أيضًا أن تكدح، أي أن تبذل كل ما بك من قوة، وتعمل كما للرب وتحت توجيهه وبسلطانه؛ لأنك بدونه لن تقدر أن تفعل شيئًا.” كلارك (Clarke)
- هذا من شأنه أن يجعلنا راسِخِينَ، غَيْرَ مُتَزَعْزِعِينَ، مُكْثِرِينَ فِي عَمَلِ الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ! فلسنا بحاجة إلى التردد أو إلى تغيير الاتجاه أو إلى السقوط أو إلى الإستسلام لأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَالِمٍ حَتَّى يَنْسَى عَمَلَكُمْ وَتَعَبَ الْمَحَبَّةِ الَّتِي أَظْهَرْتُمُوهَا نَحْوَ اسْمِهِ، إِذْ قَدْ خَدَمْتُمُ الْقِدِّيسِينَ وَتَخْدِمُونَهُمْ. (عبرانيين ١٠:٦). سيُظهر الرب تَذَكُّرِهِ لعملنا ولتعب محبتنا عند القيامة.