نشيد الأنشاد – الإصحاح ١
“بالْحَقِّ يُحِبّونَكَ”
أولًا. مقدمة للفتاة أو العروس (الصبيّة)، والمحبوب، وبنات أورشليم
أ ) الآية (١) العنوان: نشيد (كل) الأنشاد
١نَشِيدُ ٱلْأَنْشَادِ ٱلَّذِي لِسُلَيْمَانَ
١. نَشِيدُ ٱلْأَنْشَادِ: هذا النشيد العظيم (أو هذه المجموعة من الأناشيد الشعرية) فريد في الكتاب المقدس. ولو لم يكن نشيد سليمان هذا في كتابنا المقدس، ووجدناه في وثيقة تعود إلى زمن سليمان، فإن من غير المرجح أن نشمله في مجموعة أسفار العهد القديم.
• “لو وُجِدت مخطوطة هذا السفر القصير وحده، منفصلًا من السياق والتقليد الكتابيين، فمن المؤكد أنه سيُنظر إليه ككتاب علماني. إذ ليس لهذا السفر مضمون ديني واضح.” كينلو (Kinlaw)
• يبدو أن مترجمي الكتاب المقدس لا يستطيعون حتى على الموافقة على اسم لهذا السفر. فبعضهم يدعونه ’نشيد سليمان،‘ وبعضهم ’نشيد الأنشاد.‘ ويستخدم آخرون الكلمة اللاتينية (في ترجمة الفلجاتا)، مطلقين عليه ’ترانيم‘ (Canticles).
• بِغَضّ النظر عما يمكن أن يسمّي المرء هذا السفر، إلّا أنه امتُدح كثيرًا حتى من قبل الذين فسّروه بطرق ترميزية وتكهنية. “لا يفوق تاريخ العالم كله منذ بدايته حتى يومنا هذا بهاءً على ذلك اليوم الذي أُعطي فيه هذا السفر إلى إسرائيل.” الراباي أكيبا، (Rabbi Aqiba) من أوائل مفسّري اليهود لسفر نشيد الأنشاد – اقتبسه كينلو (Kinlaw)
• “ألقى تشارلز سبيرجن (Charles Spurgeon) ٥٩ عظة حول هذا السفر (في إنجلند الفكتورية)، وألقى برنارد أسقف كليرفو (١٠٩٠-١١٥٣) ٨٦ عظة حول الإصحاحين الأول والثاني فقط.
٢. نَشِيدُ ٱلْأَنْشَادِ: استُـخدِمت مناهج تفسيرية كثيرة مختلفة في فهم هذا النشيد العظيم.
• يتجنب بعضهم هذا السفر كليًّا. فعلى سبيل المثال، قال أوريجانوس (١٨٥-٢٥٤)، وهو معلّم مهم في الكنيسة الأولى، عن نشيد الأنشاد: “أنصح وأوصي كل من لم يتخلص بعد من مضايقات الجسد والدم، ولم يتوقف عن الشعور برغبات الجسد القوية، بأن يمتنع عن قراءة هذا النص وعن الأشياء التي ستقال عنه.” ويبدو أن أوريجانوس شعر بأنه مستعد لدراسة هذا السفر لأنه خصى نفسه في شبابه.
• يعتنق آخرون هذا السفر بتفانٍ كبير، لكنهم يرونه في المقام الأول رمزًا يصف علاقة الحب التي تربط الله بشعبه، لا بين زوج وزوجة. “وقد علّم معلمو اليهود الأوائل أن هذا السفر يصف محبة الله لإسرائيل. واتخذ الكُتّاب المسيحيون نفس المنهج، لكنهم استبدلوا إسرائيل بالكنيسة. إذ كتب أحد الكُتّاب في القرن الثالث عشر في مؤلَّف تفسيري له من عشرة مجلدات لنشيد الأنشاد يخبرنا فيه كيف يصف السفر محبة الله للمؤمنين بالمسيح.” إستيس Estes)). ويعبّر تراب (Trapp) عن هذا المنظور قائلًا: “ليس المتكلّمان الرئيسيان هنا سليمان وشولميت… بل المسيح وكنيسته.”
• يرى آخرون هذا السفر في المقام الأول على أنه دراما تتعامل مع ثلاث شخصيات – سليمان، وراعٍ بسيط، والفتاة. والفكرة هنا هي أنه بينما كان سليمان مسافرًا ذات يوم عبر مملكته، رأى الفتاة وفُتِن بجمالها. ورغم أنها كانت مخطوبة للراعي البسيط، إلاّ أن سليمان أعادها إلى قصره، وحاول أن يخطب وُدّها ويستميلها بكل الهدايا وكلمات الحب. ورغم تذبذُب عزمها، قامت، قبل أن تستسلم لاهتمام سليمان ومحبته، بالهروب من قصره والعودة إلى راعيها البسيط، إلى حبها الحقيقي.
• إن أفضل طريقة لرؤية هذا السفر هي أنه وصف حرفي قوي لحب رومانسي وحسّي بين رجل وامرأة، مع مراعاة تودُّدهما (أثناء فترة الخطبة) وزواجهما. وهو لا يعطينا قصة متسلسلة زمنيًّا بشكل سلس بدءًا بالتعرف أحدهما بالآخر، وانتهاءً بحياتهما الزوجية معًا. فبدلًا من ذلك، فإنه مجموعة من ’لقطات‘ من توددهما وحياتهما الزوجية، مع كون الصور غير مرتبة بالضرورة.
• لكن، لأن الله تَعَمَّد استخدام علاقة الزواج كمثل توضيحي لعلاقته بشعبه، نجد أن نَشِيدُ ٱلْأَنْشَادِ يوضح المحبة والقوة والجمال في العلاقة الموجودة بين الله والمؤمن. ومن الواضح أن هذا معنى ثانوي بعد المعنى الحرفي البسيط، غير أنه مشروع ومهم.
• “هنالك من يتعامل مع هذا السفر على أنه أغنية حب بشرية. وهنالك من يعُد أن قيمته الوحيدة تكمن في قيمة الإيحاء الصوفي. وأنا أرى شخصيًّا أن كلتا القيمتين موجودة.” مورجان (Morgan)
٣. نَشِيدُ ٱلْأَنْشَادِ: لأن نشيد الأنشاد (أعظم كل الأنشاد) يركز على الحب الرومانسي والزوجي، فإن هذا يبيّن مدى احترام الله لمؤسسة الزواج. قد نتوقع أن يكون سفر نَشِيدُ ٱلْأَنْشَادِ أنشودة تمتدح الله فقط، بدلًا من أن يكون أنشودة تحتفل بالحب والحسّيّة والإثارة ضِمن الزواج.
• تتعارض هذه الفكرة بشكل قاطع مع النظرة السلبية إلى الزواج التي ظهرت في زمن مبكر من تاريخ الكنيسة. ففي مجمع نيقية في عام ٣٢٥، تم تقديم اقتراح بمنع رجال الدين من أن يعيشوا حياة الزواج، لكن المجلس لم يوافق على هذا الاقتراح. وفي عام ٣٨٦، أمر البابا سيريسيوس بأن يعيش كل الكهنة كعزب. وفي وقت لاحق، امتد هذا الأمر ليشمل الشمامسة في الكنيسة. وفي تلك الفترة، كان كثيرون من الذين رُسموا كهنة متزوجين بالفعل. فلم يأمر البابا ليو الكبير (٤٤٠-٤٦١)، بدافع من الاهتمام بهؤلاء الزوجات، بأن يصرف الكهنة زوجاتهم، بل أن يعيشوا معهن كأخ وأخت – أي من دون علاقات جنسية. وقد أدى هذا الأمر إلى منع رسم أي رجل متزوج ككاهن ما لم ينذر هو وزوجته أن يعيشا أعزبين. ثم أدى هذا لاحقًا إلى رفض رسم أي شخص متزوج أو رجل سبق له أن تزوج.
• إن الفكرة القائلة أن الشخص الروحاني لا يستطيع ولا ينبغي له أن يتزوج ويتمتع بالحب الجنسي غير مؤسسة على العهد القديم. ولا توجد كلمة عبرية تدل على شخص أعزب. ففي تفكير العهد القديم، ما كان ينبغي أن يكون هنالك شخص أعزب. لقد تزوج آباء إسرائيل كلهم. وحسب ما نعلم، فإن كل الأنبياء باستثناء إرميا تزوجوا. فقد نهى الله أن يتخذ أي شخص آخر زوجة (إرميا ١٦: ٢). وبما أن منصب رئيس الكهنة كان وراثيًّا، كان على رئيس الكهنة أن يتزوج، ما يدل على أن الرجل المتزوج فقط هو الذي يمكن أن يختبر هذا القرب الأكثر حميمية مع الله، كما كان يفعل رئيس الكهنة بدخوله إلى قدس الأقداس في يوم الكفارة.
• وبنفس الطريقة، فإن الفكرة القائلة أن الشخص الروحاني لا يستطيع ولا ينبغي له أن يتزوج ويتمتع بالحب الجنسي غير مؤسسة على العهد الجديد. ففي العهد الجديد، أعاد يسوع توكيد قيمة الزواج في متى ١٩: ٣-٩ عندما جاء إليه القادة الدينيون بسؤال حول الطلاق. وتخبرنا عبرانيين ١٣: ٤ أن فراش الزوجية – الذي يُفهم على أنه مكان العلاقات الزوجية – غير نجس، وينبغي أن يُكَرَّم من الجميع. وأخبرنا بولس أنه كان مرغوبًا في الشيوخ والقادة في الكنيسة أن يتزوجوا (١ تيموثاوس ٣: ٤ وتيطس ١: ٦-٧). وبدأ يسوع خدمته بمباركة حفل عرس (يوحنا ٣: ٢٩-٣٠). وتصور الخطوة النهائية في علاقة الإنسان بالله وشركته معه على أنها وليمة عرس (رؤيا ١٩: ٦-١٠).
• يكمن الفرق بين العهدين القديم والجديد في أن الجديد يسمح بأن تكون حالة الزواج جيدة، بل مفضَّلة في حالات نادرة. ولدينا مثال يسوع نفسه (ولاحقًا بولس، كما في ١ كورنثوس ٧: ٧). وقال يسوع إن حالة الخصي لملكوت السموات يمكن أن تكون جيدة (متى ١٩: ١١-١٢). وأدرك بولس أن حالة العزوبة يمكن أن تكون ميزة في وقت الضيق (١ كورنثوس ٧: ٢٦)، لكنه لم يأمر بها. ومن ناحية افتراضية، يمنع العهد القديم العزوبة، في حين يسمح بها العهد الجديد للمدعوين والموهوبين، ويشجع عليها لمجد الله (١ كورنثوس ٧: ٣٢-٣٥)، في حين تُفترض حالة الزواج بالنسبة للغالبية العظمى من المؤمنين والقادة.
• “لا يرى الكتاب المقدس الزواج كحالة أدنى، أو تنازلًا إلى ضعف بشري. كما لا يرى أن الحب الجسدي العادي ضمن هذه العلاقة غير نقي بالضرورة. فقد أقام الله مؤسسة قبل سقوط الإنسان عندما أمر بأن يصبح الاثنان جسدًا واضحًا. ولذلك، فإن الحب الجسدي ضمن هذا الاتحاد الزوجي صالح، وهو إرادة الله، وينبغي أن يكون مصدر بهجة لكلا الشريكين (أمثال ٥: ١٥-١٩؛ ١ كورنثوس ٧: ٣).” كينلو (Kindlaw)
• وفضلًا عن ذلك، “فإن احتمال إنجاب الأطفال ليس ضروريًّا لتبرير الحب الجنسي في الزواج. ومن الجدير بالذكر أن نشيد الأنشاد لا يشير إلى الإنجاب بالضرورة.” كينلو (Kindlaw)
• ومع ذلك، على مدى قرون طويلة في المسيحية، كان الرأي السائد هو أن الشغف الجنسي والروحانية الصحيحة متناقضان ومعارضان أحدهما الآخر. وأدت هذه الفكرة القائلة بأن قمع النشاط الجنسي حقًّا يؤدي إلى تركيز أعظم على الفكرة القائلة بأنه ينبغي لنا أن نكرس أنفسنا ليسوع المسيح كبديل أفضل عن رغباتنا الجنسية. “كانت نتيجة هذا المنظور هي أن الكنيسة في العصور الوسيطة وقعت في علاقة غرامية (غير شرعية) بنشيد الأنشاد. فقد سُمح بالإثارة الجنسية على المستوى الإلهي، لكن أُعيقت على المستوى البشري. ولم يحظَ أي سفر من أسفار الكتاب المقدس بمثل هذا الاهتمام بين أوغسطينوس ولوثر. لقد كان نشيد الأنشاد يمثل للكنيسة على مدى ألف سنة ما كان تمثله رسالة بولس لأهل غلاطية للإصلاحيين.” كينلو (Kindlaw)
• “لا يدّعي السفر نفسه أنه قصة رمزية. فهنالك قصص رمزية حقيقية في الكتاب المقدس (مثلًا حزقيال ١٧: ٢٣؛ غلاطية ٤: ٢٢-٣١) ترمز إلى حقائق خارجة عن القصة نفسها. وبدلًا من ذلك، يقدّم سفر نشيد سليمان نفسه كرواية فعلية للحب بين رجل وامرأة.” أستيس (Estes). وعادة ما تقدم الكتابات الترميزية تلميحات إلى أنها كذلك. فالأماكن خرافية – مثل ’قلعة الشك‘، و’مستنقع القنوط،‘ و’بيوريتانيا‘ (التطهُّر) و’أوريجيساتيكا‘ (الخلاعة). فمن الواضح أن الأسماء رمزية، مثل ’السيد الحكيم الدنيوي،‘ و’اليأس العملاق،‘ و’السيد العقل،‘ و’السيد البراعة.‘ وتتحرك خط القصة على مراحل واضحة من الذروة وحلّ العقدة. وليس أي شيء من هذه الأشياء موجودة في نشيد الأنشاد.” كار (Carr)
• وعلاوة على ذلك، هنالك خطر كبير في توكيد نهج مجازي في التفسير، أكثر من مجرد تطبيق. “ومع ذلك، فإن الترميزية غالبًا ما تكون غير يقينية، وغير موثوقة، وغير آمنة بأي حال من الأحوال في دعم الإيمان. وفي كثير من الأحيان تعتمد على التخمين البشري والرأي الشخصي. وإذا اعتمد المرء عليها، فإنه يتكئ على عكاز قصب مصر [حزقيال ٢٩: ٦).” لوثر (Luther) اقتبسه كينلو (Kinlaw) “ومع ذلك، واجه حتى لوثر صعوبة في أخذ نشيد الأنشاد بشكل حرفي. ورأى في العروس إسرائيل سعيدة وآمنة ومسالمة تحت سليمان.” كينلو (Kinlaw)
• النهج الترميزي المحض لنشيد الأنشاد خطأ. ومع ذلك، لا يمكن الإنكار أنه – بما أنه يمثل ذروة الحب ومجده وشغفه – يوضّح بقوة المحبة التي تربط الله بشعبه، ويسوع بكنيسته. “ينبغي التعامل مع الأناشيد على أنها أناشيد بسيطة وسامية للعاطفة (للمحبة) البشرية. وعندما تُفهم هكذا، يمكن للمرء أن يرتقي إلى القيمة الأعلى لإبراز أفراح الشركة بين روح الإنسان وروح الله، وفي نهاية المطاف بين الكنيسة والمسيح.” مورجان (Morgan)
٤. لِسُلَيْمانَ: نعلم من هذا أن سليمان بن داود، وهو أحد أعظم ملوك إسرائيل القديمة، هو الذي ألّف هذا النشيد. وقد ألّف سليمان ١٠٠٥ أناشيد (١ ملوك ٤: ٣٢)، وهذا هو نَشِيدُ ٱلْأَنْشَادِ بينها، أي أعظمها.
• يفترض أن سليمان هو الكاتب، لأنه يُذكر ست مرات (نشيد ١: ٥، ٣: ٧، ٣: ٩، ٣: ١١، ٨: ١١، ٨: ١٢). وهنالك إشارات إلى ملك غير مسمّى (نشيد ١: ٤، ١: ١٢؛ ٧: ٥).
• يثير ذكر سليمان مشكلة أخرى في فهم نشيد الأنشاد. فمن هي الشخصيات التي تتحدث في هذه المجموعة من الأناشيد، وكيف تُخَصّص سطور معيّنة تتحدث فيها الشخصيات المعيّنة. ولا بد من الاعتراف أن تخصيص سطور معينة لشخصيات معيّنة أمر ذاتي إلى حد ما، وسيختلف هذا من مترجم إلى آخر.
• كما سبق أن ذكرنا، يرى بعضهم، أن هذا السفر دراما تثبت أن الحب الحقيقي بين الفتاة (العروس) والراعي الريفي البسيط ينتصر، رغم أن سليمان حاول أن يأخذ الفتاة إلى نفسه. ويعني هذا أن هنالك أربعة متكلمين في النشيد (بمن فيهم جوقة بنات أورشليم).
• يرى كاتب هذه المادة التفسيرية أنه لا توجد في الواقع إلا ثلاث شخصيات أو ثلاثة متكلمين رئيسيين هنا: الفتاة أو العروس (شولميت)، والشاب (سليمان، المحبوب)، والجوقة (بنات أورشليم). وإضافة إلى هذه الشخصيات الرئيسية أو المتكلمين الرئيسيين، هنالك بعض الشخصيات الثانوية، بمن فيها إخوة شولميت وبعض الأقارب في حفل العرس.
• غالبًا ما تدعى الفتاة شولميت. “وعادة ما تحدَّد كبنت ريفية من شونم، وهي قرية زراعية في الجليل السفلي. ويرى بعض المفسرين أنها واحدة من زوجات سليمان الكثيرات، وربما كانت الأميرة المصرية المذكورة في ١ ملوك ٣: ١؛ ٧: ٨.” كار (Carr)
• عادة ما يُدعى الشاب ’حبيبي‘ أو ’المحبوب،‘ وهو يحدَّد بشكل عام على أنه سليمان. ومن الغريب أن الله استخدمه لكتابة هذا السفر، لأنه في الصورة الكبيرة فشل فشلًا ذريعًا في اختبارات الحب والرومانسية. فإذا اعتقدنا أن سليمان مؤلف نشيد الأنشاد، فإننا نواجَه بأسئلة صعبة، وربما لا إجابة لها مثل: ما هي المناسبة التي دفعته إلى كتابة هذا السفر؟ ومن هي الفتاة التي أحبها هذا الرجل الذي انتهى به الأمر إلى اتخاذ ٧٠٠ زوجة و٣٠٠ محظية (١ ملوك ١١: ٣)؟ ولماذا لم يكن هذا الرجل الحكيم للغاية حكيمًا بما يكفي ليحصر محبته وعواطفه في هذه الفتاة فقط؟
• ربما لا يعكس نشيد الأنشاد خبرة سليمان الشخصية – ومن المؤكد أنه لا يعكسها بشكل دائم – لكنه يعكس تحليله الحكيم وتقديمه الماهر لمجد الحب الرومانسي والحسّي. فكانت خبرته نظرية أكثر مما كانت في خبرة دائمة. ولم يكن سليمان أول رجل أو آخر رجل عاش كأحمق في ما يتعلق بالرومانسية والجنس.
ب) الآيات (٢-٤أ): افتتاحية كلام الفتاة (العروس)
٢لِيُقَبِّلْنِي بِقُبْلاَتِ فَمِهِ، لأَنَّ حُبَّكَ أَطْيَبُ مِنَ الْخَمْرِ. ٣لِرَائِحَةِ أَدْهَانِكَ الطَّيِّبَةِ. اسْمُكَ دُهْنٌ مُهْرَاقٌ، لِذلِكَ أَحَبَّتْكَ الْعَذَارَى. ٤ اُجْذُبْنِي
١. لِيُقَبِّلْنِي بِقُبْلَاتِ فَمِهِ: يبدأ الحوار بين الفتاة والشاب بهذه الرغبة الشديدة من الفتاة. فهي تريد أن تتلقّى حب محبوبها وتختبره.
• نلتقط في البداية بعضًا من قوة نشيد الأنشاد هذا. ويمكن للمرء أن يتعلم الكثير من مبادئ العلاقات من هذا السفر. لكن هذا السفر لا يقدَّم لنا بشكل أساسي كدليل للعلاقات. “لا يَذْكر المبادئ في حجج منطقية. وبدلًا من ذلك، فإنه يقوم بتجميع عدد من الأناشيد أو الأغاني أو القصائد. ويُشعرنا هذا وكأننا موجودون مع سليمان وشولميت، لا أننا نراهما فحسب. ومع قراءتنا، نشاركهما عواطفهما.” إستيس (Estes)
• هنالك مفسّرون كثيرون غير مرتاحين لمثل هذه العاطفة القوية المعبّر عنها في الكتاب المقدس. ولهذا يقللون من أهمية الرغبة القوية الموجودة في هذا السفر. فكما قال المفسّر البيوريتاني القديم، جون تراب (John Trapp): “لا بد للفتاة أن تحصل على المسيح، وإلاّ فستموت. لا بد لها أن تحصل على قبلات فم المسيح، أي تعهدات المحبة العذبة في كلمته، وإلّا فإنها لن تَقْنع، بل ستتذمر.”
• “لا يستطيع أحد أن يقبّل شخصين في الوقت نفسه. ولهذا فإن هذه مسألة ذات أهمية شخصية. وفضلًا عن هذا، فإن هذا النوع من التقبيل ليس على الخد، مثل قبلة يهوذا الإسخريوطي، ولا على القدمين، مثل قبلة مريم. لكنها قبلات فمه التي تعبّر عن محبة شخصية جدًّا، وعن حميمية جدًّا.” ني (Nee)
٢. لِيُقَبِّلْنِي بِقُبْلَاتِ فَمِهِ: تصدمنا على الفور حقيقتان متكاملتان حول هذين العاشقين. أولًا، ليست الفتاة ضعيفة أو سلبية. ثانيًا، الشاب قائد ومحترم بهذه الصفة.
• لا شك أن هذه امرأة قوية تقوم بمعظم الحديث على مدى نشيد الأنشاد. “نطقت الفتاة بحوالي ضعفي عدد الآيات التي نطق بها الشاب… لا يوجد هنا شيء عن ذَكَرٍ عدواني (مبادِر) وأنثى مترددة أو ضحية له. فهما الآن واحد في رغباتهما لأن رغباتهما معطاة من الله.” كار (Carr)
• غير أننا نرى أن الشاب يحتل مكانة القيادة، وهي لا تبادر إلى تقبيله، بل تطلب منه أن يقبّلها. وهي تطلب منه أن يجذبها.
٢. لِأَنَّ حُبَّكَ أَطْيَبُ مِنَ ٱلْخَمْرِ: ترى الفتاة أن محبة حبيبها أكثر إنعاشًا وإسكارًا من الخمر. وهي مفتونة بعمق وبشغف برَجُلها.
• “يتخلل موضوع المتعة الجنسية واكتمالها السفر كله. وموضوع التكريس مركزي لتلك العلاقة كلها. فليس هذا لقاءً عابرًا. هذا هو التفاني الكلي والالتزام الدائم.” كار (Carr)
• اتبع تشالرز سبيرجن (Charles Spurgeon)، الواعظ العظيم في إنجلند الفكتورية، تقاليد عصره. وفهم نشيد الأنشاد في المقام الأول على أنه وصف شعري لعلاقة المحبة بين يسوع المسيح وشعبه. وفي عظته التي حملت عنوان “أطيب من الخمر” استقى نقطتين رئيسيتين.
محبة المسيح أطيب من الخمر بسبب ما لا تتسم به:
إنها آمنة تمامًا، ويمكن أن تؤخذ من دون سؤال – ولا يمكنك أن تكتفي منها.
لا تكلف شيئًا.
لا يتغير مذاقها عندما يأخذ المرء المزيد منها.
إنها خالية تمامًا من الشوائب، ولن تتحول إلى حموضة أبدًا.
لا تنتج آثارًا سيئة.
ومحبة المسيح أطيب من الخمر بسبب طبيعتها:
لمحبة المسيح خواص شفائية.
محبة المسيح، شأنها شأن الخمر، مرتبطة بإعطاء القوة.
محبة المسيح، شأنها شأن الخمر، رمز للفرح.
محبة المسيح، شأنها شأن الخمر، تبهج النفس وتثيرها.
٣. ٱسْمُكَ دُهْنٌ مُهْرَاقٌ (منسكب): يعبّر هذا عن الاحترام والتقدير اللذين حملتهما الفتاة لمعدن حبيبها الأخلاقي وسمعته. فقد مَثَّل الاسم أكثر بكثير من مجرد لقب خاطبت به الفتاة حبيبها. إذ مَثَّل طبيعته الأدبية وسمعته. فكان اسمه مثل الدهن المنسكب الذي يفوح منه شذا أطيابه الطيّبة.
• “عندما قالت إن اسمه ’دهن مهراق،‘ عنت أن معدنه الأدبي كان عطرًا ومنعشًا مثل الكولونيا المنسكبة من زجاجة. وهذا هو أحد الأسباب التي جعلت الفتيات حول القصر يحبّونه – لا لمجرد أنه كان وسيمًا… بل لأن معدنه الأخلاقي كان جذابًا جدًّا.” جليكمان (Glickman)
• من الواضح أن هذين العاشقين منجذبان جسديًّا أحدهما إلى الآخر. غير أن علاقتهما أعمق من ذلك. “فمنذ البداية، ركزا أحدهما على المعدن الأخلاقي للآخر وعلى لطفه. فقد تعلّما أن يثمّنا أحدهما الآخر كشخصين.” إستيس (Estes)
• يبيّن لنا هذا أن المرأة الحكيمة تختار رجلًا يراه الآخرون ذا معدن أخلاقي صالح. ولا بد أن هنالك ما هو خطأ إذا اعتقدَتْ أنه رجل رائع بينما لا يستطيع أي شخص آخر أن يراه كذلك.
• تُظهر جدية تقديرها له، وهو أمر أعمق من مجرد انجذاب مادي أو جسدي، طبيعة محبتهما القوية. وعندما يقرأ المرء هذه المجموعة من القصائد، ربما يعتقد أن هذا السفر في الأساس يدور حول الوقوع في الحب. وبدلًا من ذلك، يُنظَر إليه بشكل أكثر دقة على أنه يدور حول بناء المحبة.
٤. لِذَلِكَ أَحَبَّتْكَ ٱلْعَذَارَى: فهمت الفتاة أن الفتيات الأخريات (ٱلْعَذَارَى) يستطعن أن يروا صفات المعدن الأخلاقي لحبيبها من دون أن ينجذبن إليه رومانسيًا بالضرورة. فجعله هذا تزداد حبًّا به.
٥. اُجْذُبْنِي: كانت هذه رغبة منطقية لامرأة مأسورة برغبة متسمة بالمحبة في حبيبها. فقد أرادت أن تكون معه، وأن تتوحد معه.
ج) الآية (٤ب): مداخلة من بنات أورشليم
٤وَرَاءَكَ فَنَجْرِيَ.
١. وَرَاءَكَ فَنَجْرِيَ (فنجري وراءك): يصعب إلى حد ما تحديد هوية المتكلم الجمع في الضمير المستتر (نحن) في ’نجري.‘ وكما سبق أن ذكرنا، فإن تخصيص أسطر معيّنة لشخصيات معيّنة من خلال هذه المجموعة من القصائد أمر ذاتي إلى حد ما، وقد يختلف هذا من ترجمة إلى أخرى. وتنسب ترجمة نسخة الملك جيمس الجديدة هذا السطر إلى “بنات أورشليم.”
٢. وَرَاءَكَ فَنَجْرِيَ (فنجري وراءك): الفكرة هي أن بنات أورشليم – وهي الجوقة المراقِبة المحتفلة بالمحبة بين الفتاة والشاب – يردن أن يرين ما سيحدث بينما يُبنى هذا الحب الرائع ويأخذ مجراه. إنه لأمر جيد، وهنّ يُردن أن يكنّ جزءًا من ذلك الأمر، لكن من مسافة تدل على الاحترام.
د ) الآية (٤ج): شولميت تدخل حجرة الملك.
٤أَدْخَلَنِي ٱلْمَلِكُ إِلَى حِجَالِهِ.
١. ٱلْمَلِكُ: هذا سطر آخر يبدو أنه يعزز فكرة أن هذا الشخص هو سليمان. وهو يدعو الفتاة إلى حجراته الخاصة في قصره.
٢. أَدْخَلَنِي … إِلَى حِجَالِهِ: ومع ذلك، ولأنه لا يبدو أن حبهما اكتمل بعد، ربما تكون هذه إشارة إلى حجرات الملك شعرية ورمزية، بمعنى أنه “رحَّب بي إلى عواطف قلبه وأسراره.”
هـ) الآية (٤ د): بنات أورشليم يعلّقن على العاشقين وحبهما.
٤نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ بِكَ. نَذْكُرُ حُبَّكَ أَكْثَرَ مِنَ ٱلْخَمْرِ.
١. نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ بِكَ: رأت بنات أورشليم بحق هذا الحب الجيّاش كشيء يُحتفى به. لقد كان رائعًا، لا مجرد شيء مُسلٍّ أو ممتع لهن بشكل عابر. وينبغي الاعتراف بأنه رائع.
٢. نَذْكُرُ حُبَّكَ أَكْثَرَ مِنَ ٱلْخَمْرِ: هذه عبارة أخرى تدل على جمال حبهما وجودته أو صلاحه.
و ) الآيات (٤هـ-٦): شولميت تتأمل عيوب مظهرها.
٤بِٱلْحَقِّ يُحِبُّونَكَ. ٥أَنَا سَوْدَاءُ وَجَمِيلَةٌ يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ، كَخِيَامِ قِيدَارَ، كَشُقَقِ سُلَيْمَانَ. ٦لَا تَنْظُرْنَ إِلَيَّ لِكَوْنِي سَوْدَاءَ، لِأَنَّ ٱلشَّمْسَ قَدْ لَوَّحَتْنِي. بَنُو أُمِّي غَضِبُوا عَلَيَّ. جَعَلُونِي نَاطُورَةَ ٱلْكُرُومِ. أَمَّا كَرْمِي فَلَمْ أَنْطُرْهُ.
١. بِٱلْحَقِّ يُحِبُّونَكَ. أَنَا سَوْدَاءُ: بعد أن سمعت الفتاة بنات أورشليم في السطور السابقة، رأت أن تقديرهن العالي لحبيبها كان في محله (بِٱلْحَقِّ يُحِبُّونَكَ). ومع ذلك، فهي تشعر بأن سُمرة مظهرها بعد أن سفعتها الشمس (أَنَا سَوْدَاءُ… كَخِيَامِ قِيدَارَ) جعلها أقل استحقاقًا لمديحهن، وربما لانتباه محبوبها.
• كانت الفتاة سعيدة لأن معدن حبيبها ألأخلاقي كان رائعًا، ويمكن أن يُرى كذلك. “لأن معدنه الأخلاقي كان جذابًا، أمْكن للفتاة التي ستكون ذات يوم عروسه أن تقول بثقة إن نساء البلاط يقدّرنه بحق. وبعد أن امتدحته النساء، كان لا بد لها أن توافق: ’بِٱلْحَقِّ يُحِبُّونَكَ.‘” جليكمان (Glickman)
• أظهر هذا الاحترام المستحَق (بالْحَقِّ) الذي كان يحمله الآخرون للشاب أن الفتاة اتخذت قرارًا حكيمًا. “لا ينبغي أن تكون مفتونة لدرجة أن تتخيل وغدًا أو محتالًا فارسها في درع لامعة. إذ ينبغي أن تقول: ’بالحق أحبك.‘ ولهذا ينبغي أن يكون من ذلك النوع الذي يستحق احترامه.” جليكمان (Glickman)
• ينبغي أن يكون لدى النساء المؤهلات للزواج نفس المنظور، مع الأخذ في الاعتبار أن الرسول بولس لخّص مسؤولية الزوجة نحو زوجها في أفسس ٥: ٣٣ بكلمة واحدة، وهي الاحترام. رغم أنه أمر شائع – على حد تعبير فيلم حديث – أن تختار المرأة رجلًا على ما هو تقريبًا، أو أن تختاره لتصنع منه الرجل الذي تريده. وهذا أمر غير حكيم. إذ ينبغي للمرأة غير المتزوجة أن تطرح على نفسها سؤالًا جادًّا: “هل يمكنني أن أحترم هذا الرجل كما هو عليه الآن؟ هل أحترمه بما يكفي لأن أخضع له بالطريقة التي يقول الكتاب المقدس أن على الزوجة أن تخضع لزوجها؟” لقد طرحت فتاة نشيد الأنشاد هذا السؤال على نفسها بالفعل، وأجابت عليه.
٢. أَنَا سَوْدَاءُ وَ(لكن) جَمِيلَةٌ: كان الشك الذاتي لدى الفتاة في ما يتعلق بمظهرها واضحًا تمامًا. فقد أحسّت، من بعض النواحي، بأنها غير جديرة (لَا تَنْظُرْنَ إِلَيَّ لِكَوْنِي سَوْدَاءَ). لكن كان بإمكانها في الوقت نفسه أن تقول إنها جَمِيلَة.
• لَا تَنْظُرْنَ إِلَيَّ: “هذه نظرة شائعة جدًّا في الحياة المسيحية المبكرة. إذ لا نريد أن تنكشف حياتنا الطبيعية على الإطلاق. وهكذا، قبل أن يتعامل الروح القدس بشكل كافٍ، يميل المؤمنون غير الناضجين إلى الاختباء من الآخرين. فهم لا يريدون أن يُعْرَفوا من هم حقًّا.” ني (Nee)
٣. لِأَنَّ ٱلشَّمْسَ قَدْ لَوَّحَتْنِي: لعله أفضل لنا أن نقول إنها رأت نفسها في الأساس جَمِيلَة، لكن تعرُّضها لأشعة الشمس بشكل مطوَّل شوّهها، حيث حوّل بشرتها الفاتحة إلى بشرة أكثر سُمْرة بشكل عميق.
• كَخِيَامِ قِيدَارَ: “كانت تقع قيدار جنوب شرقي دمشق، حيث كان البدو يتجولون. وكانت خيامهم مصنوعة من جلود الماعز السوداء.” كينلو (Kinlaw)
• في ذلك العصر (كما في معظم التاريخ)، كانت البشرة الفاتحة تُعَد أكثر جاذبية من البشرة السمراء، لأنه كانت تبيّن أن الوضع المالي أو الاجتماعي لصاحبها مرتفع بما يكفي لعدم اضطراره إلى أداء عمل في الهواء الطلق. فكان أصحاب البشرة الفاتحة يعيشون حياة ذات مستوى أعلى من المزارعين البسطاء.
• تدل الطريقة التي يتعامل بها المترجمون الترميزيون مع هذا السطر (لِأَنَّ ٱلشَّمْسَ قَدْ لَوَّحَتْنِي) على ضعف هذا النهج الترميزي في المقام الأول. إذ يناقش تراب (Trapp) كيف أن بعضهم يعتقد أن ٱلشَّمْس هنا تمثل شمس البر، يسوع المسيح، وكيف أن الكنيسة ترى نفسها على أنها لا شيء في ضوء سطوعه. لكنه يعتقد أن أفضل فهم هو أن نرى الشمس على أنها “حرارة الاضطهاد وجفاف الاضطهاد.”
٤. بَنُو أُمِّي غَضِبُوا عَلَيَّ. جَعَلُونِي نَاطُورَةَ ٱلْكُرُومِ: وما هو أسوأ من ذلك بالنسبة للفتاة هو أن مظهرها فُرض عليها من قبل إخوتها غير الأشقاء. وهي تشبه إلى حد ما شخصية سندريلا التي أجبرتها قريباتها القاسيات على العمل الشاق ظُلمًا.
• يبدو أن الفتاة ترتكب (أو توشك على أن ترتكب) خطأ الاعتقاد أن مشقاتها قد شوّهتها وجعلتها أقل تأهيلًا لأن تُحَب حقًّا. وبدلًا من ذلك، فإنها تمتلك جاذبية طبيعية وتواضعًا مؤكدًا لا يمكن أن يجلبه في الغالب إلا المعاناة. ولا شك أن الصدق (الأصالة) والتواضع كان تغييرين منعشين بالنسبة للملك.” جليكمان (Glickman)
٥. أَمَّا كَرْمِي فَلَمْ أَنْطُرْهُ: عملت بجد في هذا العمل الشاق الجائر، بينما أهملت مظهرها الخاص. وهي في هذا تمثل تمثيلًا جيدًا تفكير نساء كثيرات يرين أنفسهن غير جذابات بما يكفي ليكنّ محبوبات بقوة وبصدق. فلا ينبغي لها أن تصدّق الكذبة التي تقول إن مصاعبها جعلتها أقل جاذبية لرجل صالح.
• هنالك قصة قديمة حول لص اقتحم متجرًا متعدد الأقسام من دون أن يسرق شيئًا منه. لكنه قام بتغيير بطاقات الأسعار المثبّتة على البضائع. وفي اليوم التالي، كانت تقول بطاقة على ساعة سويسرية ثمينة أن سعرها هو دولار ونصف الدولار. وقالت بطاقة أخرى على حقيبة جلدية فاخرة إن سعرها هو دولار وخمسة وسبعون سنتًا. وقالت بطاقة أخرى على ثلاثة أقلام رصاص إن سعرها مئة وخمسة وسبعون دولارًا. وقالت بطاقة أخرى على كرة مطاطية بسيطة للأطفال إن سعرها هو مئة وخمسون دولارًا. فإذا اشترى أو باع الناس هذه الأشياء بهذه الأسعار، ستعتقد أنهم مجانين. ومع ذلك، فإن الناس طوال الوقت يبخسون قيمة الصفات والسمات الثمينة في الأشخاص الآخرين (ولا سيما في ما يتعلق الأمر بالحب والرومانسية)، وهم يعطون قيمة عالية لصفات وسمات تافهة في الواقع.
ثانيًا. كلمات تودد بين العاشقين
أ ) الآية (٧): شولميت تكلّم حبيبها.
٧أَخْبِرْنِي يَا مَنْ تُحِبُّهُ نَفْسِي، أَيْنَ تَرْعَى، أَيْنَ تُرْبِضُ عِنْدَ الظَّهِيرَةِ. لِمَاذَا أَنَا أَكُونُ كَمُقَنَّعَةٍ عِنْدَ قُطْعَانِ أَصْحَابِكَ؟
١. خْبِرْنِي يَا مَنْ تُحِبُّهُ نَفْسِي، أَيْنَ تَرْعَى (قطيعك): هنا يصوَّر الحبيب على أنه راعٍ. ويُفترض أن هذا تمثيل رمزي ربما يلامس الفكرة الشائعة في العالم القديم أن الملك كان مثل راعٍ لشعبه. غير أن الصورة واضحة: فقد أرادت الفتاة أن تعرف مكان حبيبها، لأنها كانت تريد أن تكون معه.
• تمثل صورة الراعي هذه أحد الأسباب التي تجعل بعضهم يعتقدون أن نشيد الأنشاد هو في الواقع دراما مع تمييز بين سليمان الملك والمحبوب الذي هو أيضًا راعٍ بسيط. وبشكل عام، يبدو أنه أفضل لنا أن نعد هذا وصفًا شعريًّا للملك سليمان الذي كان هو أيضًا الحبيب.
٢. لِمَاذَا أَنَا أَكُونُ كَمُقَنَّعَةٍ: هنا تعلن الفتاة احتشامها وحياءها. ففي تلك الثقافة، كانت المرأة المقَنَّعة (محجّبة الوجه) ذات أخلاق متدنية. فلم تُرِد أن تظهر بمظهر فتاة منحلة تتبع القطعان بحثًا عن أي عاشق. ولهذا أرادت أن تعرف أين كان حبيبها. إذ لم تُرد أي رجل، بل أرادت رجلها الخاص، حبيبها.
• تخبرنا تكوين ٣٨: ١٣-١٥ أن ثامار، أرملة ابن يهوذا، أرادت أن توقع حماها في فخ بالتظاهر بأنها امرأة عاهرة. (وَتَغَطَّتْ بِبُرْقُعٍ وَتَلَفَّفَتْ)، وجلست في مكان مفتوح. فجعلها هذا متاحة كامرأة عاهرة.
• “كان تعبير ’امرأة مقَنّعة‘ في تلك الثقافة يشير إلى امرأة منحلة، وعلى الأرجح عاهرة. فإذا كانت ستقابل الملك، فقد أرادت أن يتم هذا في الوقت والمكان الملائمين عندما يكون حُرًّا، في منتصف النهار، على سبيل المثال. فلم تكن تريد أن تتجول للبحث عنه بحيث تبدو وكأنها عاهرة عدوانية ومتاحة لكل شخص.” جليكمان (Glickman)
• تُظهر الفتاة بكلامها هذا أنها متواضعة (حيث إنها لم تُرد القيام ببحث متسم بالتفاخر والتباهي عن حبيبها) ونزيهة في الوقت نفسه. إذ لم تشأ أن تظهر مثل النساء المنحلّات. فقد فهمت أنه عندما يتعلق الأمر بالانجذاب الجنسي والسمعة، فإن ما يعتقده الآخرون مهم.
ب) الآيات (٨-١٠): الحبيب يمتدح محبوبته.
٨إِنْ لَمْ تَعْرِفِي أَيَّتُهَا الْجَمِيلَةُ بَيْنَ النِّسَاءِ، فَاخْرُجِي عَلَى آثَارِ الْغَنَمِ، وَارْعَيْ جِدَاءَكِ عِنْدَ مَسَاكِنِ الرُّعَاةِ. ٩لَقَدْ شَبَّهْتُكِ يَا حَبِيبَتِي بِفَرَسٍ فِي مَرْكَبَاتِ فِرْعَوْنَ. ١٠مَا أَجْمَلَ خَدَّيْكِ بِسُمُوطٍ، وَعُنُقَكِ بِقَلاَئِدَ!
١. إنْ لَمْ تَعْرِفِي أَيَّتُهَا ٱلْجَمِيلَةُ بَيْنَ ٱلنِّسَاءِ، فَٱخْرُجِي عَلَى آثَارِ ٱلْغَنَمِ: يخبر الحبيب حبيبته بلغة شعرية أين يمكنها أن تجده. فما عليها إلا أن تتبع خُطى القطيع (آثار الغنم). وهو يرحب بحضورها ورفقتها، ويسعد بوجودها معه.
٢. لَقَدْ شَبَّهْتُكِ … بِفَرَسٍ فِي مَرْكَبَاتِ فِرْعَوْنَ: وضعت الدراسات التاريخية هذه العبارة في ضوء مثير للاهتمام. فعادة ما يمكنا أن نتخيل فرسًا جميلة تجر مركبات فرعون بشكل بديع. غير أن هنالك مصادر قديمة تشير إلى أنه، كقاعدة صارمة، كانت تُجر مركبات فرعون بفحول الخيل (أحصنة قوية غير مخصية)، لا بمهرات أو أفراس، أو أحصنة مخصية. ووفق هذا، فإن المعنى هو أن الفتاة ستكون مغرية ومثيرة كمهرة بين فحول الخيل.
• يصف أستيس (Estes) الرأي الأكثر تقليدية: “كانت مهرة سليمان مصدر اعتزازه وفرحه. إذ كانت أجمل فرس وأكثر رشاقة في المملكة. وقد اختيرت لتجر مركبة الملك. إذ كانت فرس واحدة كافية لسليمان. ومعنى المقارنة واضح. فلا بأس بالنساء الأخريات. لكن شولميت كانت الوحيدة التي كان يُعِزّها سليمان.” أستيس (Estes)
• ومع ذلك، يبدو أنه بحلول منتصف الألفية الثانية قبل المسيح – قبل وقت طويل من سليمان – ثَبَت أن حصانين فحلين فقط كانا يجران مركبة فرعون (حسب كار (Carr) وآخرين). وهنا يصف الرجل زوجته كمهرة بين مركبات فرعون، ما يعني على الأرجح أنها تتمتع بالجاذبية الجنسية التي تتمتع بها المهرة بين الفحول.
٣. مَا أَجْمَلَ خَدَّيْكِ بِسُمُوطٍ (بحِلِيّ)، وَعُنُقَكِ بِقَلَائِدَ: امتدح الحبيب جمال الفتاة بشكل عام (كما في نشيد ١: ١٥). وهنا، وعلى نحو أكثر تحديدًا، يمتدح الطريقة التي جمّلت بها نفسها، بحليٍّ على خدّيها وقلائد أو سلاسل على عنقها.
ج) الآية (١١): بنات أورشليم يقدّمن هدايا لشولميت.
١١نَصْنَعُ لَكِ سَلَاسِلَ مِنْ ذَهَبٍ مَعَ جُمَانٍ مِنْ فِضَّةٍ.
١. نَصْنَعُ لَكِ سَلَاسِلَ مِنْ ذَهَبٍ: أرادت بنات أورشليم أيضًا أن يباركن الفتاة. فعندما رأين مدى اهتمام الملك بها، أردن أن يكنّ كريمات ولطيفات معها.
• هذا هو أحد الأسباب المهمة التي تدفع الرجل إلى معاملة زوجته معاملة حسنة أمام الملأ. إذ ستفهم بشكل غريزي أن الآخرين سيعاملونها بشكل أفضل إذا رأوا أن رجلها يثمّنها ويعاملها معاملة حسنة.
٢. ذَهَبٍ مَعَ جُمَانٍ مِنْ فِضَّةٍ: يبيّن هذا مدى استجابتهن للمثال الذي قدمه حبيبها. فقد دفعتهن معاملته الحسنة للفتاة إلى أن يكنّ أكثر سخاء في تكريمها.
• “ليس محتملًا على الإطلاق أنها كانت تمتلك فعلًا هذه الأشياء الثمينة. لكنها تشبيهات تعبّر عن مشاعرها العذبة تجاه حبيبها.” كار (Carr)
د ) الآيات (١٢-١٤): شولميت تصف مدى معزّة حبيها لها.
١٢مَا دَامَ الْمَلِكُ فِي مَجْلِسِهِ أَفَاحَ نَارِدِينِي رَائِحَتَهُ. ١٣صُرَّةُ الْمُرِّ حَبِيبِي لِي. بَيْنَ ثَدْيَيَّ يَبِيتُ. ١٤طَاقَةُ فَاغِيَةٍ حَبِيبِي لِي فِي كُرُومِ عَيْنِ جَدْيٍ.
١. مَا دَامَ ٱلْمَلِكُ فِي مَجْلِسِهِ (على مائدته) أَفَاحَ نَارِدِينِي رَائِحَتَهُ: كانت الفتاة واعية لقوتها الجذابة، وكيف أن جاذبيتها تجتذب حبيبها ٱلْمَلِك إلى نفسها. ومن الواضح أن هذه امرأة مدركة لجاذبيتها الجنسية، لكنها تستخدمها بطريقة تقية ومسؤولة، لا للمعابثة العابرة أو العلاقات الغرامية المشكوك فيها.
٢. صُرَّةُ ٱلْمُرِّ حَبِيبِي لِي: فهمت الفتاة قدرتها على جذب حبيبها. وفهمت أيضًا قدرته على اجتذابها. فهذه الديناميكية من الانجذاب الجنسي والرومانسي المتبادل رائعة في سياق الاهتمام بالمعدن الأخلاقي والتكريس المتبادل المناسب. وهي ديناميكية خطرة خارج هذا السياق.
٣. بَيْنَ ثَدْيَيَّ يَبِيتُ: الفكرة هي أن حضور حبيبها ورائحتها بقيا معها حتى عندما كانت وحدها. فتفكيرها بحبيبها مثل شذا يبقى معها ويغذيها ويقويها عندما لا يكون موجودًا معها.
• “شرحت شولميت أنه حتى أثناء نومها بمفردها في الليل، استمر حب سليمان في إثراء حياتها وتغذيتها.” إستيس (Estes)
• يدل هذا على الإحساس بالأمان الذي يعطيه حبه لها. وبما أنها آمنة في محبته لها، فلا داعي أن يكون موجودًا فورًا لتتباركَ وتستفيد من ذلك.
٤. بَيْنَ ثَدْيَيَّ: جعلت الإشارة إلى ثديي المرأة، وهي إشارة قامت بها الفتاة نفسها، بعض القراء والمفسّرين غير مرتاحين. إذ هنالك غريزة انعكاسية أن الله لا بد أنه كان يفكر في شيء آخر، شيء أكثر روحيةً.
• رأى الباحثون اليهود في ثديي العروس موسى وهارون؛ والمسيْحَيْن، المسيّا ابن داود، والمسيّا ابن أفرايم؛ وموسى وفينحاس؛ ويشوع وألعازر. وكان الباحثون المسيحيون بارعين بنفس المقدار. فقد رأوا في ثديي العروس الكنيسة التي تطعمنا؛ والعهدين القديم والجديد؛ ووصيتي محبة الله والقريب؛ والدم والماء؛ ورأى جريجوريوس النيصي فيهما الإنسان الباطن والخارج موحَّدين في كائن واحد حسّاس.” كينلو (Kinlaw)
٥. فِي كُرُومِ عَيْنِ جَدْيٍ: المكان المعروف باسم عَيْنِ جَدْي واحة مشهورة في برية يهوذا. وهي ممتلئة بالماء والحياة في مكان كان يمكن أن يكون قاحلًا لولاها. وستكون عناقيد الحنّاء فِي كُرُومِ عَيْنِ جَدْيٍ حية وجميلة وصحية بالروائح الطيبة.
• “كان الملك بالنسبة للعروس عين جدي، واحة حياة في صحراء الرتابة والضجر، مثل مسافر مرهق وجد انتعاشًا فيها.” جليكمان (Glickman)
هـ) الآية (١٥): الحبيب يمتدح جمال شولميت.
١٥هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ يَا حَبِيبَتِي، هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ. عَيْنَاكِ حَمَامَتَانِ.
١. هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ يَا حَبِيبَتِي: مع كثافة الكلمات وتكرارها، نرى أن الحبيب أغدق على الفتاة مديحًا على جمالها. فكان مهمًّا أن يحدّثها وأن تسمعه. إذ كانت جميلة في عينيه.
٢. عَيْنَاكِ حَمَامَتَانِ: لاحظ الحبيب على نحو خاص عينيها. إنه لأمر صحيح أن بعض النساء يمتلكن عيونًا جميلة منذ الولادة. لكن يوجد شيء رائع في جمال الروح الذي يمكن رؤيته من خلال العيون. فالمرأة الغارقة في حب الله تمتلك جمالًا مميزًا في عينيها.
• “يفترض أن الإشارة هنا هي إلى حمائم آرام (سورية) التي تمتلك عيونًا جميلة بشكل ملحوظ.” كلارك (Clarke)
و ) الآيات (١٦-١٧): شولميت تستجيب بكلمات اللطف.
١٦هَا أَنْتَ جَمِيلٌ يَا حَبِيبِي وَحُلْوٌ، وَسَرِيرُنَا أَخْضَرُ. ١٧جَوَائِزُ بَيْتِنَا أَرْزٌ، وَرَوَافِدُنَا سَرْوٌ.
١. هَا أَنْتَ جَمِيلٌ (وسيم) يَا حَبِيبِي وَحُلْوٌ: أحبت الفتاة واحترمت معدن حبيبها الأخلاقي (نشيد الأنشاد ١: ٣)، غير أنها انجذبت إلى مظهره أيضًا. ولا شك أن هذا يعود إلى أن الحبيب كان جميلًا، وأنه جمّل نفسه. وفضلًا عن ذلك، أحبت مظهره لأنها نظرت إليه من خلال عيني امرأة تحب، ما يجعله على نحو مؤكد أكثر وسامة.
• من الواضح أنها تستجيب هنا إلى تعبيراته السابقة عن الحب. “فهو يدعوها ’جميلة‘ (١: ١٥). وهي تستجيب باستخدام نفس الصفة بتعبير عبري يدل على الجمال الذكوري (أي ’وسيم‘) (١: ١٦).” كينلو (Kinlaw)
٢. جَوَائِزُ بَيْتِنَا أَرْزٌ، وَرَوَافِدُنَا سَرْوٌ: الصورة هنا كما لو أنهما يتمشيان في الريف ويستخدمان المشاهد حولهما كصور لحبهما وعلاقتهما.