تفسير سفر اللاويين 1
المُحْرَقة
أولًا. مقدمة: فكرة الذبيحة في إسرائيل القديمة
أ ) الآية (1): الله يكلم موسى من خيمة الاجتماع.
1وَدَعَا ٱلرَّبُّ مُوسَى وَكَلَّمَهُ مِنْ خَيْمَةِ ٱلِٱجْتِمَاعِ قَائِلًا.
1. وَدَعَا ٱلرَّبُّ مُوسَى: تبدأ قصة سفر اللاويين من حيث توقّف سفر الخروج. فكان شعب إسرائيل، نسل العهد المقطوع لإبراهيم وإسحاق ويعقوب، ما زال عند سفح جبل سيناء. وقد بقوا في سيناء على مدى سفر اللاويين.
2. مِنْ خَيْمَةِ ٱلِٱجْتِمَاعِ: يشير هذا إلى أن خيمة الاجتماع قد أُكملت في هذا الوقت. وقد وصفت الإصحاحات العديدة الأخيرة من سفر الخروج عملية إنشاء خيمة الاجتماع (خروج 35-40). ومع اكتمال خيمة الاجتماع هذه، يمكن وضع نظام الذبائح موضع الممارسة.
· نجد في يوحنا 1: 14 صلة متعمدة بين خيمة الاجتماع هذه ويسوع المسيح المتجسد: ’وَٱلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا.‘ فكما كانت خيمة الاجتماع رمزًا لحضور الله بين شعبه، كذلك كان يسوع المسيح الله حاضرًا بين شعبه على الأرض.
ب) الآية (2): ماذا ينبغي أن تفعل عندما تجلب تقدمة للرب.
2كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: إِذَا قَرَّبَ إِنْسَانٌ مِنْكُمْ قُرْبَانًا لِلرَّبِّ مِنَ ٱلْبَهَائِمِ، فَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ تُقَرِّبُونَ قَرَابِينَكُمْ.
1. إِذَا قَرَّبَ إِنْسَانٌ مِنْكُمْ قُرْبَانًا لِلرَّبِّ: كان في العهد الذي قطعه الله مع إسرائيل عند جبل سيناء ثلاثة أجزاء رئيسية. إذ شمل العهد الشريعة التي كان على إسرائيل أن تطيعها، والذبائح التي ينبغي تقديمها بسبب كسر الشريعة، واختيار البركة أو اللعنة التي ستكون مصير الأمة عبر تاريخها.
· كان نظام الذبائح عنصرًا جوهريًّا من العهد الموسوي، لأن الارتقاء إلى مستوى متطلبات الشريعة كان أمرًا مستحيلًا. إذ لا يمكن لأحد أن يطيع الشريعة بشكل كامل، فكان لا بد من التعامل مع الخطية من خلال الذبائح. وكانت لكل ذبيحة مأمور بها دلالة، وقد أشارت كلها إلى ذبيحة يسوع المسيح الكاملة التي سيقدمها على الصليب (عبرانيين 7: 27؛ 9: 11-28).
· لم يكن هذا بداية الذبائح الإلهية. إذ عرف آدم عن الذبيحة (تكوين 3: 21)، كما عرفها قايين وهابيل (تكوين 4: 3-4)، ونوح (تكوين 8: 20–21). وقدّمت إسرائيل ذبيحة عند الفصح (خروج 12). وتذكر أيوب 1: 5 وخروج 10: 25 أيضًا محرقات قبل سفر اللاويين.
· لم تكن فكرة تقديم الذبائح للآلهة أمرًا مقصورًا على إسرائيل. إذ مارست أمم وثقافات أخرى تقديم الذبائح، وقد تضمنت في الغالب ذبائح بشرية. وشمولية الذبائح أمر واضح، حيث كان هذا المفهوم معروفًا لدى الإنسان قبل الطوفان، وتمّ نقله إلى ثقاقات مختلفة من قِبل الناجين من الطوفان في زمن نوح.
2. قَرَّبَ إِنْسَانٌ مِنْكُمْ قُرْبَانًا لِلرَّبِّ: ولأن الذبيحة كانت معروفة بالفعل لدى إسرائيل، لم تكن هذه التعليمات الموجهة إلى الكهنة جديدة عليهم على نحو خاص. إذ كانت في الغالب توضيحًا لأساس معروف بالفعل لديهم من خلال تقاليد آباء إسرائيل.
· كان لدى الله توقيت حكيم في جلب شريعة الذبائح في ذلك الوقت. فقبل بناء خيمة الاجتماع، لم يكن هنالك أي مكان واحد لتقديم الذبائح، ولم يكن ممكنًا ترسيخ الإجراءات المتعلقة بالذبائح وتنظيمها. والآن، ومع اكتمال بناء خيمة الاجتماع، صار بمقدور إسرائيل أن تجلب ذبائحها إلى مكان واحد وتتبع نفس الإجراءات لكل ذبيحة.
· تتناول الإصحاحات السبعة الأولى من سفر اللاويين التقدمات (القرابين) الشخصية الطوعية. وتمثل الإصحاحات 1-5 في الغالب تعليمات للأشخاص الذين يجلبون التقدمات، بينما يمثل الإصحاحان 6-7 في الغالب تعليمات للكهنة حول التقدمات.
· شرح ماثيو بوله (Matthew Poole) سبب وجود أنواع مختلفة كثيرة للذبائح: “لكي تمثل كمالات المسيح المتعددة – لتكون ذبيحة صحيحة – وتمثل الفوائد (المزايا) المتنوعة لموته، والواجبات المتعددة التي يدين بها البشر تجاه خالقهم وفاديهم. فلا يمكن أن يعبَّر عن هذا كله جيدًا بنوع واحد من الذبائح.”
· يبيّن إعطاء الله هذا القدر الكبير من التعليمات والإرشادات حول تقديم الذبائح على نحو خاص أن هذه ليست مسألة يمكن تركها لإبداع الفرد الإسرائيلي. فلم يكونوا أحرارًا في تقديم الذبائح كيفما يحلو لهم، حتى لو فعلوا هذا بإخلاص وحُسن نية. فقد طالب الله شعبه بالتواضع والطاعة في نظام الذبائح. إذ كان ينبغي تنفيذها بطريقة متمحورة حول الله، لا على الإنسان.
3. فَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ تُقَرِّبُونَ قَرَابِينَكُمْ: عنى هذا أنه ليس بوسع العابد الإسرائيلي أن يقدم حيوانًا ’برّيًّا‘ أو غير مدجّن. فلا يستطيع أن يقدّم إلا من الحيوانات المدجنة (ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ) . وكان كل حيوان جزءًا من الموجودات المملوكة من الإسرائيلي يُستخدم من أجل النسيج، والحليب بكل أنواعه، واللحوم. فإعطاء البقر والغنم لله كتقدمة يعني أن الذبيحة كانت مكلفة.
· “في سفري العدد وحزقيال، إضافة إلى اللاويين، تُستخدم كلمة عامة جدًا (قربان) للإشارة إلى أي شيء يقدم كذبيحة. وفي نحميا 10: 35 و13: 31، تُستخدم للإشارة إلى تقدمات غير ذبيحية لله.” بيتر كونتيس (Peter-Contesse)
ثانيًا. إجراءات تقديم المحرقات
أ ) الآية (3): تقديم الحيوان كمحرقة
3إِنْ كَانَ قُرْبَانُهُ مُحْرَقَةً مِنَ ٱلْبَقَرِ، فَذَكَرًا صَحِيحًا يُقَرِّبُهُ. إِلَى بَابِ خَيْمَةِ ٱلِٱجْتِمَاعِ يُقَدِّمُهُ لِلرِّضَا عَنْهُ أَمَامَ ٱلرَّبِّ.
1. إِنْ كَانَ قُرْبَانُهُ مُحْرَقَةً: كانت المحرقة، كما يدل اسمها، تُحرق بشكل كامل أمام الرب. فكانت ذبيحة كلية. وهدفت بشكل عام إلى تصويب علاقة مقدِّمها بالرب من خلال التكفير عن الخطية (لاسترضاء الله)، أو إظهار التفاني الخاص (التكريس).
· “يعني اسمها حرفيًّا ’ما يصعد،‘ ولا شك أنها تشير إلى صعود المادة المتحولة من الذبيحة في النار والدخان، كما لله. والفكرة المركزية لهذه الذبيحة، كما تُفهم من اسمها وكما تَثَبَّتت من أسلوبها، هي تسليم كينونة المرء الكلية في استسلام ذاتي، وحَمْلها بنار التكريس الشديد لله.” ماكلارين (Maclaren)
2. فَذَكَرًا يُقَرِّبُهُ: كان لا بد أن يكون الحيوان المقدّم ذكرًا، لأنه كان يُعتقد أن الحيوانات الذكور أقوى وتُعَد أكثر قيمة.
3. صَحِيحًا (بلا عيب): كان ضروريًّا ألّا يكون للحيوان عيب واضح. فالله لا يقبل ذبيحة معيبة. فكان الكاهن في إسرائيل يفحص كل حيوان يتم إحضاره كذبيحة ليتأكد من أنه صحيح ولا يوجد فيه أي عيب أو مأخذ.
· يبيّن هذا المبدأ القائل أنه من أجل تكفير خطية شخص آخر، يتوجب أن تكون الذبيحة كاملة بلا عيب. وفي نفس الوقت، لم تكن تستطيع أن تكفر إخفاقاتها وإخفاقات آخر.
· يشير هذا بشكل رائع إلى الذبيحة الكفارية النهائية ليسوع المسيح. فقد لبّى يسوع هذا المعيار بشكل كامل، كونه بلا خطية. فكان ذبيحة طاهرة صحيحة (بلا عيب) (يوحنا 8: 29؛ 8: 46؛ 14: 30؛ 15: 10).
· “استخدمت الترجمة السبعونية في ترجمتها للكلمة العبرية Tamim المترجمة إلى ’صحيح‘ الكلمة اليونانية Amomos وقد استخدم بطرس هذه الكلمة اليونانية في إشارته إلى موت المسيح كحَمَل بلا عيب (1 بطرس 1: 19).” روكر (Rooker)
· يبيّن هذا المبدأ أن الله يريد الأفضل فينا، وأنه يستحق الأفضل. وربما كان يُسعِد مزارعًا في إسرائيل القديمة أن يقدم لله حيوانًا مريضًا لا فائدة منه، لأنه لن يكلّفه الكثير. وتوجد قصص وحكايات كثيرة مضحكة توضح هذا الميل لإعطاء الله أشياء أقل. ويشمل هذا قصة المزارع الذي ولدت بقرته عجلين ونذر أن يقدم أحديهما لله. فلم يقرر أي عجل منهما سيقرر تقديمه لله إلى أن مات أحدهما. فقال المزارع لزوجته: ’أرأيت؟ مات عجل الله اليوم!‘ وبالمقابلة، “فإنّ أفضل ما لدينا سيئ، لكن ما نقدّمه لله بالفعل يتوجب أن يكون أقضل ما لدينا.” مورجان (Morgan)
· “كانت التقدمة الأولى في الإصحاح الأول المُحرقة، وهي تشير إلى الحاجة إلى التكريس الشخصي لله. وأولئك الذين يُقْبَلون في مكان العبادة هم أشخاص فشلوا بشكل كلي في تسليم حياتهم للرب بشكل كامل. ولهذا يتوجب أن تُذبح وتُحرق التقدمة التي يجلبونها.” مورجان (Morgan)
· لم ترتقِ إسرائيل دائمًا إلى هذا المستوى. فبعد وقت طويل، وبّخ النبي ملاخي إسرائيل على تقديم ذبائح أقل من المستوى المطلوب لله: “وَإِنْ قَرَّبْتُمُ ٱلْأَعْمَى ذَبِيحَةً، أَفَلَيْسَ ذَلِكَ شَرًّا؟ وَإِنْ قَرَّبْتُمُ ٱلْأَعْرَجَ وَٱلسَّقِيمَ، أَفَلَيْسَ ذَلِكَ شَرًّا؟ قَرِّبْهُ لِوَالِيكَ، أَفَيَرْضَى عَلَيْكَ أَوْ يَرْفَعُ وَجْهَكَ؟ قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ.” (ملاخي 1: 8)
4. يُقَرِّبُهُ (طوعًا): لم يُرِد الله إجبار أحد على تقديم محرقات. فكان ينبغي تقديم كل حيوان طوعًا. ويبيّن هذا المبدأ أن الله يريد أن نعطيه قلوبنا بمحض إرادتنا.
5. إِلَى بَابِ خَيْمَةِ ٱلِٱجْتِمَاعِ: لم تكن الذبائح تقدم في منزل كل فرد في إسرائيل، أو في الأماكن التي صارت تُعرف باسم “المرتفعات”. إذ عيَّنَ الله مكانًا محددًا لتقديم الذبائح.
· يعتقد بعضهم أن المُحرقة كانت القربان الأكثر شيوعًا في إسرائيل، ولهذا ذُكرت أولًا.
ب) الآية (4): نقل الذنب.
4وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ ٱلْمُحْرَقَةِ، فَيُرْضَى عَلَيْهِ لِلتَّكْفِيرِ عَنْهُ.
1. وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ ٱلْمُحْرَقَةِ: كانت هذه صورة واضحة للتوحد أو التماهي مع الحيوان الذي سيكون الضحية الذبيحية. ومن خلال هذا الرمز، ينقل الشخص المذنب ذنبه إلى الضحية الذبيحية التي ستموت وتُلتَهم بشكل كامل من أجل خطية جالب التقدمة.
· لم يكن كافيًا للضحية أن تموت. إذ كان على متلقّي الكفارة أن يوحّد نفسه بشكل نشط مع الذبيحة. وبنفس الطريقة، لا يكفي أن نعرف أن المسيح مات من أجل خطايا العالم. فعلى الشخص الذي يريد أن يقبل كفّارته أن ’يمد يديه‘ ويوحّد نفسه مع يسوع.
· علّق ماكلارين (Maclaren) على وضع اليد على رأس الضحية: “ألم يقل مقدم الذبيحة بعمله هذا: ’هذا أنا؟‘ ستموت حياة الحيوان، مع أني الذي ينبغي أن أموت. وستصعد رائحة زكية إلى الله، كما ينبغي أن تصعد كينونتي كلها إليه.”
· “من خلال هذه الإيماءة، فإن الشخص الذي يقدم الذبيحة يحدد نفسه على أنه هو الذي يقدم الحيوان، وهو بمعنى ما يقدم نفسه لله من خلال الحيوان الذبيحي.” بيتر كونتيس (Peter-Contesse)
· “يوحي استخدام الفعل العبري المترجم إلى ’يضع Samak‘ أنّ فعل اليد يعني ممارسة بعض الضغط، وربما ينبغي ترجمة الكلمة إلى ’يستند إلى.‘” روكر (Rooker)
· “في لاويين 16: 21، في يوم الكفارة، يرتبط وضع اليدين باعتراف الخطايا. ويمكننا أن نفترض أن الاعتراف صاحبَ وضع اليد بينما كان العابد يحدد قصده من وراء جلب التقدمة.” روكر ((Rooker
· “’يده‘ أو كلتا يديه كما في لاويين 8: 14، 18 وفي 16: 21. وهذا استباط لغوي شائع من استخدام المفرد ليدل على الجمع.” بوله (Poole)
2. لِلتَّكْفِيرِ عَنْهُ: الفكرة وراء الكلمة العبرية للكفارة (Kophar) هي التغطية. فكانت الفكرة هي أنه تمت تغطية خطية الفرد وذنبه بدم الضحية الذبيحية.
· يدور سفر اللاويين بأكمله حول الكفارة. “تُستخدم كلمة الكفارة حوالي خمسين مرة في سفر اللاويين، بينما تُستخدم هذه الكلمة خمسين مرة أخرى في بقية العهد القديم.” هاريس (Harris)
· لكن يوجد فرق بين فكرة الكفارة في العهد القديم والجديد. ففي العهد القديم، ’تغطّى‘ الخطية إلى أن يكتمل فداء المسيح على الصليب. وفي العهد الجديد، تم التعامل بالفعل مع الخطية. فقد تحققت الكفارة الحقيقية (Atonement) والتوحد الحقيقي (at-one-ment) بذبيحة يسوع. ولهذا، فإن المؤمن في علاقة سليمة بالله على أساس ما فعله يسوع على الصليب، لا على أساس ما يفعله المؤمن. “هنالك ديانتان سائدتان حولنا في يومنا هذا، وهما تختلفان بشكل رئيسي من حيث صيغة الفعل. فالديانة العامة للبشر تقول ’افعل،‘ لكن ديانة المؤمن الحقيقي بالمسيح تقول ’قد أكمل.‘” سبيرجن (Spurgeon)
· وإنه لأمر ذو دلالة أن المُحرقة كانت تتعلق بالاستسلام الكلي لله أكثر منها بالخطية. غير أن هذا يبيّن أنه عندما نأتي إلى الله بأعظم استسلام ممكن، فإننا نظل متّسمين بالخطية، وأننا في حاجة عظيمة إلى الكفارة. ويفترض أن تدفعنا جهودنا إلى تكريس واستسلام أعظم لله – إن قمنا بهذا على نحو سليم – إلى اعتماد أعظم على ذبيحة الله الكفارية الكاملة في يسوع ومن خلاله.
· “ينبع حقنا في تقديم أي شيء لله، بأي شكل كان، من التقدمة الوحيدة (ذبيحة المسيح) التي يتوجب من خلالها أن نتقدس. وكل ذبيحة أو تقدمة هي رمز لتلك الذبيحة.” مورجان (Morgan)
ج) الآيات (5-9): إجراءات تقديم ثور كمحرقة.
5وَيَذْبَحُ ٱلْعِجْلَ أَمَامَ ٱلرَّبِّ، وَيُقَرِّبُ بَنوُ هَارُونَ ٱلْكَهَنَةُ ٱلدَّمَ، وَيَرُشُّونَ ٱلدَّمَ مُسْتَدِيرًا عَلَى ٱلْمَذْبَحِ ٱلَّذِي لَدَى بَابِ خَيْمَةِ ٱلِٱجْتِمَاعِ. 6وَيَسْلُخُ ٱلْمُحْرَقَةَ وَيُقَطِّعُهَا إِلَى قِطَعِهَا. 7وَيَجْعَلُ بَنُو هَارُونَ ٱلْكَاهِنِ نَارًا عَلَى ٱلْمَذْبَحِ، وَيُرَتِّبُونَ حَطَبًا عَلَى ٱلنَّارِ. 8وَيُرَتِّبُ بَنُو هَارُونَ ٱلْكَهَنَةُ ٱلْقِطَعَ مَعَ ٱلرَّأْسِ وَٱلشَّحْمِ فَوْقَ ٱلْحَطَبِ ٱلَّذِي عَلَى ٱلنَّارِ ٱلَّتِي عَلَى ٱلْمَذْبَحِ. 9وَأَمَّا أَحْشَاؤُهُ وَأَكَارِعُهُ فَيَغْسِلُهَا بِمَاءٍ، وَيُوقِدُ ٱلْكَاهِنُ ٱلْجَمِيعَ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ مُحْرَقَةً، وَقُودَ رَائِحَةِ سَرُورٍ لِلرَّبِّ.
1. وَيَذْبَحُ (يقتل) ٱلْعِجْلَ: يبدو كما لو أن الشخص الذي جلب القربان – الذي وضع يديه على رأس الثور – هو نفسه الشخص المتوقع منه أن يذبح الحيوان.
· في كل موضع يُذكر فيه وضع اليدين على الضحية الذبيحية (لاويين 1: 4-5؛ 3: 2؛ 3: 8؛ 4: 4؛ 4: 15؛ 4: 24)، يُذكر أيضًا ذبح (قتل) الذبيحة من قِبل الشخص الذي وضع يده على رأس العجل.
· وَيَذْبَحُ ٱلْعِجْلَ: كان لا بد للذبيحة أن تموت. كان الحيوان صحيحًا بلا عيب. لكن هذا في حد ذاته لم يكفّر عن الخطية. ولم يكن كافيًا أن يكرَّس لله. ربما كان مُجِدًّا في عمله أو لطيفًا أو حكيمًا، أو أية صفة أخرى يمكنك أن تضيفها، إلا أن هذا لم يكن يهم. إذ كان لا بد أن يموت تكفيرًا عن الخطية.
· وبطبيعة الحال، سيساعد الكاهن عند الضرورة، وسيقوم الكهنة بالعمل الشاق من سلخ الحيوان وتقطيعه. لكن الذي أحضر الذبيحة هو الذي سيوجّه الضربة القاتلة. فكان الفرد الإسرائيلي يقطع الوريد الوداجي للثور في حضور الكهنة في خيمة الاجتماع. فكانت هذه شهادة على الحاجة إلى الذبيحة والاعتراف بحقيقة احتياجه إلى التكفير عن خطيته.
2. وَيَذْبَحُ ٱلْعِجْلَ أَمَامَ ٱلرَّبِّ: هذه هي المرة الثانية التي يرد فيها تعبير ’أمام الرب‘ في سفر اللاويين. وهي ترد 60 مرة فيه – أكثر من أي سفر آخر في الكتاب المقدس. وما يحدث في سفر اللاويين إنما يحدث أَمَامَ ٱلرَّبِّ. فأية ذبيحة كانت تقدَّم، كان لا بد أن تقدَّم أَمَامَ ٱلرَّبِّ.
· بالنسبة للمؤمن بالمسيح، فإنه أمر ملائم أن يعيش حياته كلها في حضور واعٍ للرب (
كولوسي 3: 17). لكن هذا ينطبق على نحو خاص على ممارساتنا الروحية، وعبادتنا، وصلواتنا، وتلّقينا لكلمة الله. ومن شأن هذا أن يحوّل تلك الأفعال بشكل جذري عندما تُفعل بوعي أمام الرب. “لِأَنَّهُ مَنْ هُوَ هَذَا ٱلَّذِي أَرْهَنَ قَلْبَهُ لِيَدْنُوَ إِلَيَّ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ؟” (إرميا 30: 21)
3. وَيَرُشُّونَ ٱلدَّمَ مُسْتَدِيرًا عَلَى ٱلْمَذْبَحِ: كان دم الحيوان – الذي كان يمثل حياته (لاويين 17: 11) – يُرش على مذبح الذبيحة.
· “الكلمة العبرية المستخدمة للإشارة إلى المذبح مأخوذة من الفعل ’يذبح‘ (كما هو الحال في الترجمة العربية). ومع ذلك، اتخذت الكلمة في نهاية الأمر معنى أكثر عمومية شمل أي مكان يتم فيه تقديم أي نوع من الذبائح إلى الله.” بيتر كونتيس (Peter-Contesse)
· “يُذكر الرأس بشكل منفصل لأنه كان يُفصل عن بقية جسم الثور في عملية السلخ.” هاريسون (Harrison)
· والشحم: “كان يُفصَل كل الشحم من اللحم، ويوضع معًا لزيادة اللهيب ولالتهام الأجزاء الأخرى من الذبيحة بشكل أسرع.” بول (Poole)
· وَيُرَتِّبُونَ حَطَبًا عَلَى ٱلنَّارِ: “يبدو أن هذا يشير إلى أن الكهنة لم يكونوا قانعين بمجرد تكديس الحطب أو قطع اللحم بكميات كبيرة على المذبح. إذ كان لا بد من ترتيبها بشكل ملائم. ورغم هذا فإننا لا نعرف على وجه الدقة كيف كان يتم هذا.” بيتر كونتيس (Peter-Contesse)
4. وَيُرَتِّبُ بَنُو هَارُونَ ٱلْكَهَنَةُ ٱلْقِطَعَ مَعَ ٱلرَّأْسِ وَٱلشَّحْمِ فَوْقَ ٱلْحَطَبِ ٱلَّذِي عَلَى ٱلنَّارِ ٱلَّتِي عَلَى ٱلْمَذْبَحِ: كانت بقية الحيوان تُحرق على المذبح بعد غسلها من الإفرازات والشوائب. فكانت التقدمة الكاملة التي كانت تُحرق كاملة على المذبح رائحة سرور أمام عرش الله.
· يعكس هذا القلب الكامن وراء المحرقة. فقد كانت تلك رغبة في إعطاء كل شيء لله، نظرة تقول: ’أنا أسلّم إليك الكل.‘ وعندما كان يُحرق شيء أمام الرب، لم يكن هنالك شيء يُمنع.
· “يا له من مشهد عندما كانت تقدَّم في بعض المناسبات العظيمة مئات الذبائح على التوالي! وسيبدو المكان فوضى، والعاملون جزارين أكثر منه بيت الله وعابدين.” ماكلارين (Maclaren)
5. رَائِحَةِ سَرُورٍ لِلرَّبِّ: يقال هذا عن كل جوانب المحرقة. إذ كان التكفير عن الخطية، وإعطاء الله الكل في طاعة لتعليمات الرب يرضي الله كرائحة سرور. ويخبرنا الكتاب المقدس على نحو التحديد أن يسوع المسيح أتمّ هذه الذبيحة بذبيحته الخاصة مُرْضيًا الله بشكل كامل بوضع حياته على الصليب. “وَٱسْلُكُوا فِي ٱلْمَحَبَّةِ كَمَا أَحَبَّنَا ٱلْمَسِيحُ أَيْضًا وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لِأَجْلِنَا، قُرْبَانًا وَذَبِيحَةً لِلهِ رَائِحَةً طَيِّبَةً” (أفسس 5: 2)
· ربما لا تكون رائحة الجثة المحترقة لحيوان ميت جيدة في حد ذاتها. وقد لاحظ ماثيو بوله (Matthew Poole) هذا عندما قال إنها ’تنتج رائحة كريهة.‘ وجون تراب (John Trapp) الذي قال: “لا يمكن أن يثمر حرق الحيوانات وشواؤها عن نكهة طيبة، لكن يضاف إليها خمر وزيت وبخور، حسب تعليمات الله. وعندئذٍ تكون هنالك رائحة مريحة.”
د ) الآيات (10-13): إجراءات لتقديم شاة أو ماعز كمحرقة.
10وَإِنْ كَانَ قُرْبَانُهُ مِنَ ٱلْغَنَمِ ٱلضَّأْنِ أَوِ ٱلْمَعْزِ مُحْرَقَةً، فَذَكَرًا صَحِيحًا يُقَرِّبُهُ. 11وَيَذْبَحُهُ عَلَى جَانِبِ ٱلْمَذْبَحِ إِلَى ٱلشِّمَالِ أَمَامَ ٱلرَّبِّ، وَيَرُشُّ بَنُو هَارُونَ ٱلْكَهَنَةُ دَمَهُ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ مُسْتَدِيرًا. 12وَيُقَطِّعُهُ إِلَى قِطَعِهِ، مَعَ رَأْسِهِ وَشَحْمِهِ. وَيُرَتِّبُهُنَّ ٱلْكَاهِنُ فَوْقَ ٱلْحَطَبِ ٱلَّذِي عَلَى ٱلنَّارِ ٱلَّتِي عَلَى ٱلْمَذْبَحِ. 13وَأَمَّا ٱلْأَحْشَاءُ وَٱلْأَكَارِعُ فَيَغْسِلُهَا بِمَاءٍ، وَيُقَرِّبُ ٱلْكَاهِنُ ٱلْجَمِيعَ، وَيُوقِدُ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ. إِنَّهُ مُحْرَقَةٌ، وَقُودُ رَائِحَةِ سَرُورٍ لِلرَّبِّ.
1. وَإِنْ كَانَ قُرْبَانُهُ مِنَ ٱلْغَنَمِ ٱلضَّأْنِ أَوِ ٱلْمَعْزِ مُحْرَقَةً: كانت هذه الإجراءات بشكل أساسي نفس الإجراءات الخاصة المتعلقة بتقديم ثور، باستثناء عدم سلخ الغنم (الخروف) والماعز (التيس). فكان يجب سلخ جلد الثور المقدم كمحرقة (لاويين 1: 6). لكن هذا لا ينطبق على الغنم والماعز.
· علّق بيتر كونتيس (Peter-Contesse) على عدم ذكر وضع اليدين على رأس الغنم. “لا يعني غياب الإشارة إلى هذا بالضرورة أنها حُذفت في ذبيحة الغنم والماعز. فمن الممكن أن الكاتب قرر ببساطة عدم تكرار التفاصيل الآلية للطقس.”
2. وَأَمَّا ٱلْأَحْشَاءُ وَٱلْأَكَارِعُ فَيَغْسِلُهَا بِمَاءٍ: بما أن الحيوان سيُحرق بأكمله، فإن شوائب الأكارع (السِيقَان) فقط هي التي ينبغي غسلها قبل حرق الذبيحة.
3. رَائِحَةِ سَرُورٍ لِلرَّبِّ: كانت الذبيحة التي تمت بالطريقة التي أمر بها الله مُرضية له. لقد بيّن هذا الوعي بالخطية، والحاجة إلى بديل، والحاجة إلى التكريس الكلي لله. وكان هذا يتطلع إلى ذبيحة يسوع المسيح الكاملة في المستقبل. وستكون هذه الذبيحة الأسمى مُرضية لله، ولهذا ستقدّم بشكل نهائي حاسم.
· “كانت المحرقة رمزًا ناقصًا (غير كامل) لتكريس المسيح لإرادة أبيه. فعندما رأى يسوع عجز الإنسان عن حفظ الشريعة المقدسة، تطوَّع لكي يعظّمها ويجعلها مشرّفة. وعندما نحَّى مجده جانبًا، نزل عن عرشه قائلًا: أَنْ أَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا إِلَهِي سُرِرْتُ. وعندما أطاع حتى الموت موت الصليب، كان هذا مُسِرًّا لله مثل رائحة حديقة من الزهور بالنسبة لنا.” ماير (Meyer)
· علّق سبيرجن (Spurgeon) على ذبيحة يسوع الكاملة: “لا بد أن تكون لموته ميزة غير محدودة، استحقاق لا يوصف وغير قابل للقياس. أعتقد أنه لو كان هنالك مليون كون يحتاج إلى فداء، فلن يتطلب افتداؤه أكثر من ’ذبيحة نفسه‘ الواحدة. وإذا كان الكون بأسره والذي يعج بعوالم بكثرة رمال شاطئ البحر، ستكون ذبيحته كافية كثمن كامل لها.”
ه) الآيات (14-17): الإجراءات المتعلقة بتقديم طير كمحرقة.
14وَإِنْ كَانَ قُرْبَانُهُ لِلرَّبِّ مِنَ ٱلطَّيْرِ مُحْرَقَةً، يُقَرِّبُ قُرْبَانَهُ مِنَ ٱلْيَمَامِ أَوْ مِنْ أَفْرَاخِ ٱلْحَمَامِ. 15يُقَدِّمُهُ ٱلْكَاهِنُ إِلَى ٱلْمَذْبَحِ، وَيَحُزُّ رَأْسَهُ، وَيُوقِدُ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ، وَيُعْصَرُ دَمُهُ عَلَى حَائِطِ ٱلْمَذْبَحِ. 16وَيَنْزِعُ حَوْصَلَتَهُ بِفَرْثِهَا وَيَطْرَحُهَا إِلَى جَانِبِ ٱلْمَذْبَحِ شَرْقًا إِلَى مَكَانِ ٱلرَّمَادِ. 17وَيَشُقُّهُ بَيْنَ جَنَاحَيْهِ. لَا يَفْصِلُهُ. وَيُوقِدُهُ ٱلْكَاهِنُ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ فَوْقَ ٱلْحَطَبِ ٱلَّذِي عَلَى ٱلنَّارِ. إِنَّهُ مُحْرَقَةٌ، وَقُودُ رَائِحَةِ سَرُورٍ لِلرَّبِّ.
1. وَإِنْ كَانَ قُرْبَانُهُ لِلرَّبِّ مِنَ ٱلطَّيْرِ مُحْرَقَةً: اتبعت هذه الإجراءات نفس المبادئ، مع تكييفها لذبيحة الطيور بدلًا من الثيران والغنم والماعز. فكان الحيوان يُذبح ويقدَّم دمه. وكانت جثته تُعَد أولًا ثم تُحرق أمام الرب.
· يعلق جون تراب على حزّ رأس الطير: “أو يُقرص بإظفر الكاهن لكي يخرج الدم من دون أن يُفصل عن باقي جسده. فكانت هذه صورة مسبقة لموت المسيح من دون أن يُكسر عظم منه، أو لصورة عدم فصل اللاهوت عن الناسوت، وللمهارة التي ينبغي أن يتمتع بها الخادم مُفَصِّلًا كَلِمَةَ ٱلْحَقِّ بِٱلِٱسْتِقَامَةِ.”
· وَيُعْصَرُ دَمُهُ عَلَى حَائِطِ (جانب) ٱلْمَذْبَحِ: كان جسد الطير يُعصَر على جانب المذبح، حيث لن يكون هنالك دم كافٍ للقيام بالطقس الكامل الموصوف سابقًا.” بيتر كونتيس (Peter-Contesse)
· عَلَى حَائِطِ (جانب) ٱلْمَذْبَحِ: “لكي يخرج من خيمة الاجتماع. هنا ألقيت القذارة، لأنه كان أبعد مكان عن قدس الأقداس، والذي كان في الطرف الغربي، لكي يعلّمنا أن الأشخاص النجسين (والأشياء النجسة) لا ينبغي أن يتجاسروا على الاقتراب إلى الله، وأنه ينبغي نَفْيُهم من حضرته.” بوله (Poole)
2. يُقَرِّبُ قُرْبَانَهُ مِنَ ٱلْيَمَامِ أَوْ مِنْ أَفْرَاخِ ٱلْحَمَامِ: لن يقبل الله أي نوع من الطيور، لكنه سيقبل اليمام وأفراخ الحمام كذبائح. وتبيّن حقيقة قبول الله لثور أو ماعز أو خروف أو طير أنه كان أكثر اهتمامًا بالقلب الكامن وراء تلك الذبيحة المقدمة من الحيوان الفعلي نفسه. فإذا قُدِّمت الذبيحة بقلب سليم، كان الله يقبل طير الإنسان الفقير بنفس السرور الذي يقبل به ثور الإنسان الغني. إذ ستظل الذبيحة البسيطة التي يقدّمها الفقير رائحة سرور للرب.
· وفي الوقت نفسه، كان لا بد أن تتوافق مع قدرة العابد المادية. فكان خطأً أن يقدم غني طيرًا كمحرقة. فكان على قيمة الذبيحة أن تتوافق مع وضع الشخص الذي يجلبها. ولهذا، عندما قدّم الله ذبيحته من أجل الخطايا، فقد قدّم الأغنى والأكثر تكلفة – نفسه.
· عُيّنت هذه الطيور لإغاثة الفقراء الذين لم يكن بمقدورهم أن يجلبوا ما هو أفضل من هذا. وهذه الطيور مفضّلة على غيرها، جزئيًّا لأن الحصول عليها كان سهلًا، وجزئيًّا لأنها تمثيل ملائم لعفة المسيح، ووداعته، ولطفه، وهي أمور تتميز بها الطيور.” بوله (Poole)