تفسير سفر اللاويين 19
شرائع كثيرة متنوعة
أولًا. شرائع حول مسائل تمّ تناولها بالفعل
أ ) الآيات (1-2): دعوة عامة إلى القداسة.
1وَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: 2″كَلِّمْ كُلَّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: تَكُونُونَ قِدِّيسِينَ لِأَنِّي قُدُّوسٌ ٱلرَّبُّ إِلَهُكُمْ.”
1. تَكُونُونَ قِدِّيسِينَ: الفكرة وراء كلمة القداسة هي ’الانفصال.‘ وفي تطبيقها على الله (القدوس)، فإنها تصف انفصالية الله، ويعني هذا أن الله مختلف عن الإنسان وعن كل الآخرين. وهو مختلف في كينونته، ومختلف في عظمة صفاته وجلالته. ولديه بِر مختلف عن أي بر شخص آخر، وعدالة مختلفة عن عدالة أي شخص آخر، ومحبة ورحمة ونعمة مختلفة عن أي شخص آخر.
· ويتمثل جزء آخر من هذه الفكرة في أن الله ليس إنسانًا خارقًا. فكينونته وطبيعته الأدبية إلهيّتان لا بشريتان.
2. تَكُونُونَ قِدِّيسِينَ لِأَنِّي قُدُّوسٌ: الله منفصل عن الإنسان وعن كل خليقة. غير أن البشر مخلوقون على صورة الله، ولهذا يمكنهم أن يتبعوا خُطاه ويكونوا قديسين. وفي هذا السياق، كان ينبغي لإسرائيل أن تكون مختلفة، منفصلة عن الأمم والشعوب الأخرى حولها.
· أن تكون قديسًا يعني أن تكون أكثر شبهًا بالله، منفصلين له للالتصاق به وبحقّه. وبشكل طبيعي نفصل أنفسنا عن الأشياء التي لا تشبهه والتي هي ضد حقه.
· “يُقصد لشعب مخلوق ومحكوم من الله أن يمثله ويمثل الحق المتعلق به للآخرين.” مورجان (Morgan)
· فهِم بول ماثيو هذا الأمر كإعلان لله – لِأَنِّي قُدُّوسٌ ٱلرَّبُّ إِلَهُكُمْ – “في كل من جوهره وشرائعه التي هي مقدسة وعادلة وصالحة، وفي كل أفعاله.” كانت آلهة الوثنيين نجسة في كل من شرائعها ونظامها القانوني، حيث كانت تسمح بأفعال وأعمال بغيضة وتشترطها. وأعطت في ممارساتها بعض أمثلة شريرة للعابدين.
ب) الآيات (3): شريعة احترام الأبوين.
3تَهَابُونَ كُلُّ إِنْسَانٍ أُمَّهُ وَأَبَاهُ، وَتَحْفَظُونَ سُبُوتِي. أَنَا ٱلرَّبُّ إِلَهُكُمْ.
1. تَهَابُونَ كُلُّ إِنْسَانٍ أُمَّهُ وَأَبَاهُ: يكرر هذا السطر بشكل أساسي فكرة الوصية الخامسة الموجودة في خروج 20: 12. فإكرام الأبوين لَبِنَة أساسية في استقرار المجتمع كله وصحّته. فإذا كانت الأجيال الأكثر شبابًا في حالة مستمرة من الصراع مع الأجيال الأكبر، ستُدمَّر أسس المجتمع.
· “احترام الأبوين موضوع يحظى باحترام كبير في سفر الأمثال (1: 8؛ 6: 20؛ 10: 1؛ 17: 25؛ 23: 22؛ 29: 3.” روكر (Rooker)
· “تُذكر الأم أولًا. ويرجع هذا جزئيًّا إلى أن ممارسة هذا الواجب يبدأ هناك، حيث تصبح الأمهات، من خلال حديثهن الدائم مع أطفالهن معروفات أكثر لديهم من آبائهم. ويرجع هذا جزئيًّا أيضًا إلى أن دور الأم كثيرًا ما يُغفَل.” بوله (Poole)
2. وَتَحْفَظُونَ سُبُوتِي: يكرر هذا السطر بشكل أساسي الوصية الرابعة الموجودة في خروج 20: 8-11. وهنا يرتبط توقير الأبوين بتوقير الرب. فالخضوع للسلطة الأبوية خطوة في اتجاه الخضوع للسلطة الإلهية.
· “توقير الأبوين فِعل تقوى تجاه الله، حيث إن الأبوين بديلان عن الآب السماوي في ما يتعلق بالأطفال.” هاريسون (Harrison)
· تطلب الوصية في خروج 20: 8-11 على نحو خاص أن نتذكر السبت. والأمر الموجه هنا، ’تَحْفَظُونَ سُبُوتِي،‘ أن نتعامل معه كما أمر الرب – كيوم راحة.
· ونحن نفهم هذا، كأي شيء في الكتاب المقدس من منظور الكتاب المقدس كله، لا من خلال هذا النص الواحد. وبهذا الفهم نرى أن هنالك معنى حقيقيًّا بموجبه حقّق يسوع قصد السبت وخطّته لنا وفينا (عبرانيين 4: 9-11) – فهو راحتنا. وعندما نتذكر عمله المكتمل، فإننا نحفظ سبوت الرب، ونتذكر الراحة.
· ولهذا فإن الكتاب المقدس بأكمله يوضح أنه، بموجب العهد الجديد، ليس أحدٌ ملزمًا بمراعاة يوم سبت (كولوسي 2: 16-17؛ غلاطية 4: 9-11). وتخبرنا غلاطية 4: 10 أن المؤمنين بالمسيح غير ملزمين بمراعاة أيام وشهور وأوقات وسنوات. فالراحة التي ندخلها كمؤمنين شيء نختبره كل يوم، لا مجرد يوم واحد في الأسبوع، حيث نرتاح في معرفتنا بأننا غير ملزمين للعمل من أجل خلاصنا، لأن خلاصنا قد تحقَّق في يسوع (عبرانيين 4: 9-10).
· ومع ذلك، لا نجرؤ على تجاهل أهمية يوم راحة. فقد كوّننا الله بحيث نحتاج إلى يوم راحة. وستة أيام من العمل ويوم واحد من الراحة أمر جيد لنا روحيًّا وذهنيًّا وجسديًّا. وهذا مثل سيارة تحتاج إلى صيانة منتظمة. فنحن نحتاج إلى راحة منتظمة، وإلاّ فسنهترئ! ويشبه بعض الأشخاص السيارات التي تقطع أميالًا كثيرة جدًّا من دون صيانة جيدة، وهذا واضح عليهم.
ج) الآية (4): النهي عن الزنا.
4لَا تَلْتَفِتُوا إِلَى ٱلْأَوْثَانِ، وَآلِهَةً مَسْبُوكَةً لَا تَصْنَعُوا لِأَنْفُسِكُمْ. أَنَا ٱلرَّبُّ إِلَهُكُمْ.
1. لَا تَلْتَفِتُوا إِلَى ٱلْأَوْثَانِ: يكرر هذا السطر بشكل أساسي فكرة الوصية الثانية الموجودة في خروج 20: 4-6. وتعني كلمة الأوثان حرفيًّا ’اللاشيء.‘
· “هذه الكلمة مستمدة من جذر يعني عديم القيمة، أو تافه، أو غير كافٍ، أو اللاشيء. وهي كثيرًا ما تُستخدم في العهد القديم للإشارة إلى آلهة مجموعات أخرى من الناس. ولم يعُدّها الإسرائيليون ذات قيمة.” بيتر كونتيس (Peter-Contesse)
2. وَآلِهَةً مَسْبُوكَةً لَا تَصْنَعُوا لِأَنْفُسِكُمْ: عانت إسرائيل مشكلات كبيرة من عبادة الأوثان حتى السبي البابلي (حوالي 800 سنة من زمن اللاويين). ولم يكن الانجذاب هو إلى الآلهة المسبوكة أنفسها بقدر ما كان إلى ما كانت تمثله: النجاح المالي، والمتعة، وعبادة الذات.
· بعد السبي البابلي، شُفيت إسرائيل من هذه العبادة الفظيعة للأوثان المسبوكة، وبدأت نوعًا آخر من عبادة الأوثان – عبادة الأمّة لنفسها، وللهيكل وطقوسه، وعبادة التقاليد.
د ) الآيات (5-8): شرائع حول القرابين.
5وَمَتَى ذَبَحْتُمْ ذَبِيحَةَ سَلَامَةٍ لِلرَّبِّ فَلِلرِّضَا عَنْكُمْ تَذْبَحُونَهَا. 6يَوْمَ تَذْبَحُونَهَا تُؤْكَلُ، وَفِي ٱلْغَدِ. وَٱلْفَاضِلُ إِلَى ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ يُحْرَقُ بِٱلنَّارِ. 7وَإِذَا أُكِلَتْ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ فَذَلِكَ نَجَاسَةٌ لَا يُرْضَى بِهِ. 8وَمَنْ أَكَلَ مِنْهَا يَحْمِلُ ذَنْبَهُ لِأَنَّهُ قَدْ دَنَّسَ قُدْسَ ٱلرَّبِّ. فَتُقْطَعُ تِلْكَ ٱلنَّفْسُ مِنْ شَعْبِهَا.
1. وَمَتَى ذَبَحْتُمْ ذَبِيحَةَ سَلَامَةٍ لِلرَّبِّ: كانت ذبيحة السلامة (للاستمتاع بالسلام مع الله وبشركته) تقدَّم دائمًا بمحض إرادة المرء. فلم يكن الله يريد شركة قسرية مع شعبه.
2. يَوْمَ تَذْبَحُونَهَا تُؤْكَلُ: لم يُرِد الله شركة قديمة بالية مع شعبه. فلم يكن مسموحًا بأكل لحم الذبيحة بعد يومين من تقديمها.
· لِأَنَّهُ قَدْ دَنَّسَ قُدْسَ ٱلرَّبِّ: “يعني تدنيس شيء أن نتعامل معه كما لو أنه غير مقدس. ويمكن أن يترجم هذا التعبير هكذا: ’أظهر حقده على ما يخص الله،‘ أو ’دنّس شيئًا يَعُده الله مقدسًا.‘” بيتر كونتيس (Peter-Contesse)
ثانيًا. شرائع أخرى
أ ) الآيات (9-10): تدبير احتياجات الفقراء بترك الحقول غير محصودة بشكل تام.
9وَعِنْدَمَا تَحْصُدُونَ حَصِيدَ أَرْضِكُمْ لَا تُكَمِّلْ زَوَايَا حَقْلِكَ فِي ٱلْحَصَادِ. وَلُقَاطَ حَصِيدِكَ لَا تَلْتَقِطْ. 10وَكَرْمَكَ لَا تُعَلِّلْهُ، وَنِثَارَ كَرْمِكَ لَا تَلْتَقِطْ. لِلْمِسْكِينِ وَٱلْغَرِيبِ تَتْرُكُهُ. أَنَا ٱلرَّبُّ إِلَهُكُمْ.
1. لَا تُكَمِّلْ زَوَايَا حَقْلِكَ فِي ٱلْحَصَادِ: كان هذا أحد برامج المساعدة في إسرائيل. لم يكن مفترضًا في المزارعين أن يحصدوا حقولهم بشكل كامل، لكي يتمكن الفقراء من أن يأتوا ويلتقطوا البقايا لأنفسهم. فكانت تُترك الحبوب عند الزوايا، كما كان يُترك بعض العنب على الكرمة. ويبيّن هذا اهتمام الله بالفقراء، حيث أراد أن يتيح لهم المجال لسد احتياجهم.
· كان هذا بالضبط ما كانت تفعله راعوث عندما لاحظها بوعز (راعوث 2: 2-3).
· لم يكن هذا الشكل الوحيد للرعاية المقدمة للفقراء في إسرائيل. إذ تأمر تثنية 14: 28-29 و26: 12-15 بجمع عشور خاصة كل ثلاثة سنوات لإغاثة الفقراء.
2. لِلْمِسْكِينِ وَٱلْغَرِيبِ تَتْرُكُهُ: كانت هذه طريقة رائعة لإعانة المساكين والغرباء. فقد أمرت بأن يكون لدى المزارعين قلب كريم، وأن يكون الفقراء نشطين ويعملوا من أجل الحصول على طعامهم. فقد أفسح هذا الأمر المجال للفقراء لأن يدبروا احتياجهم بالعمل بكرامة.
· “تَجنَّب الفقراء، من خلال التقاط الحبوب وبقايا الحق عند الزوايا، إحراج طلب الصدقة” روكر (Rooker)
· “هذه هي القداسة حسب المعيار الإلهي، والتي تحمل دائمًا عنصر الرأفة.” مورجان (Morgan)
ب) الآيات (11-13): المعاملات الشريفة.
11لا تَسْرِقُوا، وَلَا تَكْذِبُوا، وَلَا تَغْدُرُوا أَحَدُكُمْ بِصَاحِبِهِ. 12وَلَا تَحْلِفُوا بِٱسْمِي لِلْكَذِبِ، فَتُدَنِّسَ ٱسْمَ إِلَهِكَ. أَنَا ٱلرَّبُّ. 13لا تَغْصِبْ قَرِيبَكَ وَلَا تَسْلُبْ، وَلَا تَبِتْ أُجْرَةُ أَجِيرٍ عِنْدَكَ إِلَى ٱلْغَدِ.
1. لا تَسْرِقُوا: يكرر هذا بشكل أساسي الوصية الثامنة (خروج 20: 15). وهذه الوصية أساس مهم آخر للمجتمع البشري، حيث ترسخ حق المُلكية الفردية. ومن الواضح أن الله قد عهد ببعض الممتلكات إلى أفراد معينين. ولا يُسمح لآخرين أو حكومات بأن تأخذ هذه الملكية من دون إجراءات قانونية سليمة.
· تقدم أفسس 4: 28 حلًّا للسرقة: “لَا يَسْرِقِ ٱلسَّارِقُ فِي مَا بَعْدُ، بَلْ بِٱلْحَرِيِّ يَتْعَبُ عَامِلًا ٱلصَّالِحَ بِيَدَيْهِ، لِيَكُونَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ لَهُ ٱحْتِيَاجٌ.”
2. وَلَا تَكْذِبُوا (لا تتعاملوا بزيف): في سياق النهي عن السرقة، يرجّح أن هذا يشير إلى التعامل الزائف أو الكاذب بقصد السرقة من شخص، أو أخذ مال عن طريق الخداع.
3. وَلَا تَحْلِفُوا بِٱسْمِي لِلْكَذِبِ: هذا جانب مما حرّمته الوصية الثالثة (خروج 20: 7) من استخدام اسم الله باطلًا. ومرة أخرى، فإن هذا، في سياق التعامل بالخداع، يحمل اللجوء إلى القسَم لخداع الآخرين من أجل الحصول منهم على مال من دون وجه حق.
4. وَلَا تَغْدُرُوا أَحَدُكُمْ (بالخداع) بِصَاحِبِهِ: إنّ أخذ المال من آخرين بشكل من أشكال الخداع هو بمثابة سلبهم. فالغش شكل من أشكال السلب أو السرقة، والله ينهى عن ذلك.
5. وَلَا تَبِتْ أُجْرَةُ أَجِيرٍ عِنْدَكَ: يأمرنا الله بالدفع العاجل أو الفوري للذين نوظفهم. فعندما نوظف أحدًا ولا ندفع له، فإن هذه ليست خطية موجهة إليه فحسب، بل إلى الله أيضًا.
· “السبب الواضح لهذا هو أن هذه الأجرة دعمٌ لحياة الإنسان وعائلته، وهو محتاج إلى إنفاقها حالما يكتسبه.” كلارك (Clarke)
ج) الآية (14): أمر أساسي بالرأفة بالإنسان.
14لَا تَشْتِمِ ٱلْأَصَمَّ، وَقُدَّامَ ٱلْأَعْمَى لَا تَجْعَلْ مَعْثَرَةً، بَلِ ٱخْشَ إِلَهَكَ. أَنَا ٱلرَّبُّ.
1. لَا تَشْتِمِ ٱلْأَصَمَّ: أمر الله إسرائيل بأن لا يسيء أحد معاملة ذوي الإعاقات الجسدية. وشتم (لعْن) الأصم أمر قاسٍ، لأنه لا يستطيع أن يسمع شتيمته، مع أن آخرين يستطيعون ذلك. ووضْع معثرة أمام أعمى عمل دنيء للغاية.
· “لا بد أن الشخص القادر على فعل هذا يملك قلبًا مغلَّفً بالقسوة.” كلارك (Clarke)
· “حتى ولو كان الشخص عاجزًا عن سماع شتيمته، كان يُعتقد أن للعنة قدرة في حد ذاتها على التسبب في الإيذاء. ولن يستطيع الأصم أن يفعل شيئًا لمواجهة ذلك.” بيتر كونتيس (Peter-Contesse)
· سعت هذه الشريعة إلى بناء اللطف الأساسي بين شعب إسرائيل. ويتمثل المقياس الدقيق الكاشف لإنسانيتنا في كيفية معاملتنا للضعفاء والمنكوبين.
· صحّحت هذه الشريعة الفكر اللاهوتي السيّئ. إذ كان شائعًا في ذلك الوقت (وما زال شائعًا اليوم) أن يعتقد الناس أنه إذا كان شخص ما يعاني من إعاقة جسمية (مثل الصمم أو العمى)، فإنه ملعون بشكل خاص من الله. فقد كانوا يعتقدون أن لهذا صلة بخطية خاصة أو معينة ارتكبها هذا الشخص أو أسلافه. واعتقدوا أنه ما دام الله قد لعنهم هكذا، فإنه يمكنهم أن يلعنوهم أيضًا. وبهذه الوصية، صحح الله هذا التفكير السيّئ.
2. وَقُدَّامَ ٱلْأَعْمَى لَا تَجْعَلْ مَعْثَرَةً: يتطلب الأمر شخصًا قاسيًا متحجر القلب ليضع معثرة (حجر عثرة) أمام أعمى لكي يُعثره. وتبيّن ضرورة هذه الوصية نوع الأشخاص الذين صاروا عليه بعد 400 سنة من العبودية في مصر. إذ جعلتهم البيئة القاسية التي عاشوها ينظرون إلى القسوة على أنها أمر عادي. فكان لا بد من تصحيح ذلك.
· تأتي هذه الوصايا المتعلقة باللطف والكرم في وسط ما يُدعى دستور إسرائيل للقداسة. ويذكّرنا هذا بشيء غالبًا ما يُنسى، وهو أن الكرم واللطف تجاه المحتاجين جانب مهم من القداسة.
· “تحت هاتين الوصيتين، يُحظَر بشكل واضح وحاسم كل إساءة ضد أولئك العاجزين عن الدفاع عن أنفسهم أو تصحيح الأمور. وهنا يهتم الله بهم على نحو أكبر.” بوله (Poole)
د ) الآيات (15-16): شرائع حول العدالة والصدق.
15لَا تَرْتَكِبُوا جَوْرًا فِي ٱلْقَضَاءِ. لَا تَأْخُذُوا بِوَجْهِ مِسْكِينٍ وَلَا تَحْتَرِمْ وَجْهَ كَبِيرٍ. بِٱلْعَدْلِ تَحْكُمُ لِقَرِيبِكَ. 16لَا تَسْعَ فِي ٱلْوِشَايَةِ بَيْنَ شَعْبِكَ. لَا تَقِفْ عَلَى دَمِ قَرِيبِكَ. أَنَا ٱلرَّبُّ.
1. لَا تَرْتَكِبُوا جَوْرًا فِي ٱلْقَضَاءِ: هذا أمر موجه إلى القضاة والولاة. وتعطي خروج 21-23 مبادئ كثيرة لقضاة إسرائيل القديمة من أجل اتخاذ قراراتهم القانونية. ومع ذلك، ارتكز هذا كله على المسؤولية الأساسية لعدم ارتكاب ظلم أو جور في القضاء.
· كرر يسوع هذا المبدأ الأساسي: “لَا تَحْكُمُوا حَسَبَ ٱلظَّاهِرِ بَلِ ٱحْكُمُوا حُكْمًا عَادِلًا” (يوحنا 7: 24).
2. لَا تَأْخُذُوا بِوَجْهِ مِسْكِينٍ وَلَا تَحْتَرِمْ وَجْهَ كَبِيرٍ: إن إعطاء الأفضلية لشخص لمجرد أنه فقير أو لأنه قوي أو ذو منزلة عالية (كبير) ظُلم (جور) في القضاء، ولا ينبغي فِعل ذلك.
· يتحدث هذا الأمر ضد فلسفة شائعة في العالم الغربي الحديث. فإن جانبًا مما يُعرف أحيانًا بـ ’النظرية النقدية‘ يقسِّم الجميع إلى فئتين: الظالمين والضحايا. والفكرة حسب هذه النظرية أن كل الأقوياء ظالمون، وأن كل الفقراء ضحايا، وأنه ينبغي إعطاء الأفضلية للفقراء على أساس الفهم أنهم مظلومون دائمًا. وهذا مخالف لما يأمر به الله. فهذا جور في القضاء.
· من المؤكد أن إكرام الأقوياء أكثر شيوعًا من إكرام الفقراء ومحاباتهم، لكن كليهما خطية. فكلاهما جور في القضاء. إذ ينبغي الحكم على الأمور حسب الحق والأدلة على الحق، لا حسب النظريات الطبقية. فكما يقول الله: بِٱلْعَدْلِ تَحْكُمُ لِقَرِيبِكَ.
3. لَا تَسْعَ فِي ٱلْوِشَايَةِ بَيْنَ شَعْبِكَ: الواشي في الأساس نمّام، وهو ينقل الإشاعات الهدّامة. إنه شخص لا يستطيع أن يهتم بشؤونه الخاصة (1 تسالونيكي 4: 11). وهو يستمتع بالحديث عن حياة الآخرين ونشر القصص.
· وصف آدم كلارك (Adam Clarke) النمّام (الواشي) هكذا: “إنه الشخص الذي يتجول متاجرًا بالفضائح والافتراءات، مفشيًا أسرار كل شخص ويبيعها بالتجزئة أينما يذهب. ولا توجد أكثر شخصية أكثر حقارة منه. فمثل هذا الشخص آفة للمجتمع، وينبغي نفيه من مساكن الرجال.”
· النمّام، “الذي يجعل شغله الشاغل أن يصعد وينزل من واحد إلى آخر، ويبوح بأسرار شريرة وأخبار كاذبة حول آخرين. ورغم أنها في أحيان كثيرة لا تنبع إلا من الطيش والخفة والثرثرة، إلا أنها تميل إلى إلحاق الضرر الكبير بقريبنا.” بول (Poole)
4. لَا تَقِفْ عَلَى دَمِ قَرِيبِكَ: يريدنا الله أن نعزز ونحمي حياة الذين حولنا. وليس لدينا عذر لعدم المبالاة بالخسائر في الأرواح.
· تَقِفْ عَلَى دَمِ قَرِيبِكَ: “تقول بعض الترجمات ’حياة قريبك.‘ والمعنى الدقيق غير مؤكد… ويرى معظم المفسرين أن هذا يعني أنه كلما كان شخص معرّضًا لخطر فقدان حياته نتيجة لدعوى قانونية، لا ينبغي لشاهد أن يصمت.” بيتر كونتيس (Peter-Contesse)
ه) الآيات (17-18): الوصية بمحبة القريب.
17لَا تُبْغِضْ أَخَاكَ فِي قَلْبِكَ. إِنْذَارًا تُنْذِرُ صَاحِبَكَ، وَلَا تَحْمِلْ لِأَجْلِهِ خَطِيَّةً. 18لَا تَنْتَقِمْ وَلَا تَحْقِدْ عَلَى أَبْنَاءِ شَعْبِكَ، بَلْ تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. أَنَا ٱلرَّبُّ.
1. لَا تُبْغِضْ أَخَاكَ فِي قَلْبِكَ: يوصي الله بمحبة الأخ، لا في العمل فحسب، بل في القلب أيضًا. لكن إن لم تكن موجودة في القلب، ينبغي أن تكون في أعمال المرء، وسيأتي القلب لاحقًا. فلا ينبغي أن نتوقف عن معاملة الآخرين معاملة حسنة، أو أن نحمل البغض في قلبنا لهم. فالله يرغب في تغيير قلبنا لنحبهم.
2. إِنْذَارًا تُنْذِرُ (وبّخ) صَاحِبَكَ: تدفع المحبة المرء إلى توبيخ الشخص الآخر عند الضرورة. ولدينا جميعًا نقاط عمياء بينما نعتقد أن كل شيء على ما يرام، لكن من الواضح للآخرين أننا نحتاج إلى تصحيح.
3. لَا تَنْتَقِمْ: الانتقام هو لله (رومية 12: 19). وهنالك معنى بموجبه أنه يمكن أن نعوق عمل الله في الانتقام بسعينا إلى الانتقام.
· وبطبيعة الحال، ينطبق هذا المبدأ على العلاقات المتداخلة، وليس على الوظائف المشروعة للحكومة في حفظ القانون. فلا يمكن إطلاق سراح المجرمين على أساس أن الانتقام هو لله. لكن الله يمارس انتقامه من خلال الاستخدام الشرعي لسلطة الحكومة (رومية 13: 1-7). ومن المناسب أن نسامح المجرم بشكل شخصي وأن نشهد عليه في المحكمة في الوقت نفسه.
4. وَلَا تَحْقِدْ (لا تحمل ضغينة): هذا أمر صعب لكثيرين. فمن السهل أن نحمل ضغينة عندما تكون تلك الضغينة مستحَقّة. لكن ضررًا بالغًا يلحق بمن يحمل الضغينة.
5. تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ: يُدهش بعضهم لرؤية هذه الوصية الكريمة في ما يعتقدون أنه عهد قديم فظ. لكن من الواضح أنه حتى العهد القديم يتضمن الوصية بأن نحب الآخرين.
· “تَبرز أهمية هذه الآية أيضًا من حقيقة أن يسوع وبولس استشهدا بها كملخص لواجبات المرء تجاه أخيه الإنسان (متى 22: 39-40؛ رومية 13: 9).” روكر (Rooker)
· ولسوء الحظ أنه كانت لدى يهود قدماء كثيرين تعريف ضيّق لهوية أقربائهم. فعدّوا أصدقاءهم ومواطنيهم فقط أقرباءهم. وأوصانا يسوع بأن نحب أعداءنا (لوقا 6: 27)، وبيّن لنا أن قريبنا هو المحتاج، حتى ولو كان عدوًّا تقليديًا (لوقا 10: 25-37).
· الوصية بأن تحب قريبك كنفسك بسيطة لكن يساء فهمها بشكل شائع. فلا يعني هذا أن علينا أن نحب أنفسنا أولًا قبل أن نحب الآخرين. فهي تعني أنه ينبغي لنا أن نهتم بالآخرين وبمصلحتهم بنفس الطريقة التي نهتم بأنفسنا وبمصلحتنا.
· نحن نحب أنفسنا بالفعل: “فَإِنَّهُ لَمْ يُبْغِضْ أَحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ، بَلْ يَقُوتُهُ وَيُرَبِّيهِ” (أفسس 5: 29). ونبّه بولس إلى أنه في الأيام الأخيرة سيكونون الناس محبين لأنفسهم (2 تيموثاوس 3: 2)، لكن ليس بمعنى إيجابي. ويُظهِر بؤسنا عندما تسوء الأمور أننا نحب أنفسنا. ونحن نفرح لتعاسة الذين نبغضهم. والتحدي الذي نواجهه هو أن نُظهر للآخرين نفس المحبة التي نظهرها لأنفسنا.
و ) الآية (19): شرائع الطهارة في استجابة للممارسات الوثنية.
19فَرَائِضِي تَحْفَظُونَ. لَا تُنَزِّ بَهَائِمَكَ جِنْسَيْنِ، وَحَقْلَكَ لَا تَزْرَعْ صِنْفَيْنِ، وَلَا يَكُنْ عَلَيْكَ ثَوْبٌ مُصَنَّفٌ مِنْ صِنْفَيْنِ.
1. وَحَقْلَكَ لَا تَزْرَعْ صِنْفَيْنِ: عادة ما كان الوثنيون القدماء يَعْمَدون إلى خلط هذه الأشياء – أنواع مختلطة من الماشية والبذور والأقمشة – كمصدر للقوة السحرية. فأراد الله لإسرائيل أن تقطع كل علاقة بهذه العادات الوثنية.
· “جزئيًّا، لتعليم الإسرائيليين تجنُّب الاختلاط بالأمم الأخرى إما في الزواج أو الدين، وهي أمور يمكن أن تدل عليها هذه المحظورات.” (بول (Poole)
2. وَلَا يَكُنْ عَلَيْكَ ثَوْبٌ مُصَنَّفٌ مِنْ صِنْفَيْنِ: بما أن تلك العادات الوثنية لم تعد مشكلة في عصرنا، لا ينبغي أن نقلق من خلط الصوف أو الكتان أو الأقمشة الأخرى. وهذه الشريعة مثل جيد لشيء لم يعد ملزمًا للمؤمنين بالمسيح اليوم، لأن العُرف الوثني الذي كانت الشريعة تحذّر منه لم يعد يمارَس.
· ومع ذلك، توجد في عصرنا اختلاطات مهمة صارت غير واضحة، ويتوجب على المؤمنين أن يتجنبوا المشاركة فيها. ويتوجب عليهم أن يقاوموا الفروقات الضبابية بين الجنسين هذه الأيام.
ز ) الآيات (20-22): عقوبة الجماع غير المشروع مع جارية.
20وَإِذَا ٱضْطَجَعَ رَجُلٌ مَعَ ٱمْرَأَةٍ ٱضْطِجَاعَ زَرْعٍ وَهِيَ أَمَةٌ مَخْطُوبَةٌ لِرَجُلٍ، وَلَمْ تُفْدَ فِدَاءً وَلَا أُعْطِيَتْ حُرِّيَّتَهَا، فَلْيَكُنْ تَأْدِيبٌ. لَا يُقْتَلَا لِأَنَّهَا لَمْ تُعْتَقْ. 21وَيَأْتِي إِلَى ٱلرَّبِّ بِذَبِيحَةٍ لِإِثْمِهِ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ ٱلِٱجْتِمَاعِ: كَبْشًا، ذَبِيحَةَ إِثْمٍ. 22فَيُكَفِّرُ عَنْهُ ٱلْكَاهِنُ بِكَبْشِ ٱلْإِثْمِ أَمَامَ ٱلرَّبِّ مِنْ خَطِيَّتِهِ ٱلَّتِي أَخْطَأَ، فَيُصْفَحُ لَهُ عَنْ خَطِيَّتِهِ ٱلَّتِي أَخْطَأَ.
1. وَإِذَا ٱضْطَجَعَ رَجُلٌ مَعَ ٱمْرَأَةٍ ٱضْطِجَاعَ زَرْعٍ وَهِيَ أَمَةٌ (جارية، عبدة) مَخْطُوبَةٌ لِرَجُلٍ: تتعامل هذه الشريعة مع أَمَة بمعنى أنها كانت عبدة مؤهلة للزواج.
· هذا هو الوضع الموصوف: هذه الجارية مخطوبة تنتظر الزواج من رجل حر، ثم يقوم رجل آخر بممارسة الجنس معها. فكانت العقوبة في العادة هي الموت. لكن لأن المرأة كانت جارية، يفترض أنها لم تكن حرة في المقاومة. لكن بسبب الاغتصاب، لم تعد قابلة للزواج من خطيبها، لهذا يتوجب تعويضه (التأديب، أي الجلد). ثم تتم تسوية الذنب الأخلاقي بتقديم ذبيحة. ويفترض أن الرجل الذي مارس الجنس معها سيُضطر إلى الزواج منها.
2. فَيُصْفَحُ لَهُ عَنْ خَطِيَّتِهِ ٱلَّتِي أَخْطَأَ: مع التأديب الملائم والذبيحة الملائمة، يمكن أن تُغفر له خطيته.
· “من الجدير بالذكر أن الرجل هو الملوم، لا الجارية. فلكونها جارية، ربما لم تشعر بأن لديها ملاذًا في مقاومة رجل حر، وبالتالي أكثر قوة في المجالين الاجتماعي والاقتصادي.” روكر (Rooker)
ح) الآيات (23-25): الثمر في أرض كنعان.
23وَمَتَى دَخَلْتُمُ ٱلْأَرْضَ وَغَرَسْتُمْ كُلَّ شَجَرَةٍ لِلطَّعَامِ، تَحْسِبُونَ ثَمَرَهَا غُرْلَتَهَا. ثَلَاثَ سِنِينَ تَكُونُ لَكُمْ غَلْفَاءَ. لَا يُؤْكَلْ مِنْهَا. 24وَفِي ٱلسَّنَةِ ٱلرَّابِعَةِ يَكُونُ كُلُّ ثَمَرِهَا قُدْسًا لِتَمْجِيدِ ٱلرَّبِّ. 25وَفِي ٱلسَّنَةِ ٱلْخَامِسَةِ تَأْكُلُونَ ثَمَرَهَا، لِتَزِيدَ لَكُمْ غَلَّتَهَا. أَنَا ٱلرَّبُّ إِلَهُكُمْ.
1. وَمَتَى دَخَلْتُمُ ٱلْأَرْضَ: ذكّر الله بني إسرائيل بهدفهم النهائي، وهو الأرض الموعودة، أرض كنعان. وطلب منهم ألّا يأكلوا من ثمار الأشجار التي يزرعونها مدة ثلاث سنوات. وأما ثمر السنة الرابعة فهي للرب. ويمكنهم أن يأكلوا من ثمرها في السنة الخامسة.
2. لِتَزِيدَ لَكُمْ غَلَّتَهَا: عرف الله أن عدم حصاد الثمار في هذه الفترة سيكون مفيدًا لكل من الأشجار والبيئة المحيطة، ما يؤدي في النهاية إلى زيادة إنتاج الأشجار.
· “لا يُذكر سبب هذه الشريعة، لكن هذا يؤكد أن الأرض هي للرب، وأنه أعطاها لهم كعطية.” روكر (Rooker)
ط) الآيات (26-31): شرائع تضمن الانفصال عن الممارسات الوثنية.
26لَا تَأْكُلُوا بِٱلدَّمِ. لَا تَتَفَاءَلُوا وَلَا تَعِيفُوا. 27لَا تُقَصِّرُوا رُؤُوسَكُمْ مُسْتَدِيرًا، وَلَا تُفْسِدْ عَارِضَيْكَ. 28وَلَا تَجْرَحُوا أَجْسَادَكُمْ لِمَيْتٍ. وَكِتَابَةَ وَسْمٍ لَا تَجْعَلُوا فِيكُمْ. أَنَا ٱلرَّبُّ. 29لَا تُدَنِّسِ ٱبْنَتَكَ بِتَعْرِيضِهَا لِلزِّنَى لِئَلَّا تَزْنِيَ ٱلْأَرْضُ وَتَمْتَلِئَ ٱلْأَرْضُ رَذِيلَةً. 30سُبُوتِي تَحْفَظُونَ، وَمَقْدِسِي تَهَابُونَ. أَنَا ٱلرَّبُّ. 31لَا تَلْتَفِتُوا إِلَى ٱلْجَانِّ وَلَا تَطْلُبُوا ٱلتَّوَابِعَ، فَتَتَنَجَّسُوا بِهِمْ. أَنَا ٱلرَّبُّ إِلَهُكُمْ.
1. لَا تَأْكُلُوا بِٱلدَّمِ: كان أكل الدم ممارسة شائعة في طقوس وثنية كثيرة، شأنه شأن قراءة البخت (لَا تَتَفَاءَلُوا) والعِرافة (لَا تَعِيفُوا). ولهذا حُظِر كلاهما بأمر مباشر.
· يعلّق هاريسون (Harrison) على ’لَا تَتَفَاءَلُوا‘ (قراءة البخت) قائلًا: “إنها التنبُّؤ بالأوقات الملائمة لأشكال محددة من العمل.” فكانت تتنبأ بأيام السعد أو الأوقات المواتية، كما يفعل المنجمون.
· “غالبًا ما استخدم الوثنيون قراءة البخت (التفاؤل) والعرافة في محاولة لتقرير أية أحداث يمكن أن تحدث قريبًا. وقد انتشرا في الشرق الأدنى القديم، ولاسيما في بلاد ما بين النهرين ومصر.” روكر (Rooker)
2. لَا تُقَصِّرُوا رُؤُوسَكُمْ مُسْتَدِيرًا، وَلَا تُفْسِدْ عَارِضَيْكَ: كان القيام بهذا تقليدًا للعادات الوثنية في ذلك الوقت. واليوم، يمكن ملاحظة الرجال اليهود الأورثوذوكس من خلال لحاهم غير المشذبة والضفائر المجعّدة الطويلة على جانبي رؤوسهم.
· “هذا هو ما فعله الأمميون، إما في عبادتهم للأرواح الشريرة كعلامة على تكريس الشبّان لها من خلال قص شعرهم هكذا، حيث كات يُقص من الرأس، كما كتب هومر وبلوتارخ وغيرهما، وإما في الجنازات أو مناسبات الحداد المتطرف، كما يظهر في إشعياء 15: 2 وإرميا 48: 37.” بوله (Poole)
3. وَلَا تَجْرَحُوا أَجْسَادَكُمْ لِمَيْتٍ. وَكِتَابَةَ وَسْمٍ لَا تَجْعَلُوا فِيكُمْ: كانت هذه أيضًا ممارسات وثنية أراد الله لإسرائيل أن تنفصل عنها. فكان قص شعر الرأس (باستدارة) واللحية والوشم مرتبطة بالطقوس الوثنية في الحداد.
· وَلَا تَجْرَحُوا أَجْسَادَكُمْ لِمَيْتٍ: “الإشارة هنا هي إلى ممارسة إحداث جروح عميقة في الجلد أثناء الحداد على ميت قريب. فكان هذا يُفعل لتوفير الدم لروح الميت بدلًا من التعبير عن الحزن.” بيتر كونتيس (Peter-Contesse)
· “كان الوشم يشير إلى أن المرء عبد لإله معين.” روكر (Rooker)
· “كتب الكتّاب القدماء روايات كثيرة حول الوجه والذراعين وما إلى ذلك إكرامًا لأوثان مختلفة. ويشير كاتب الوحي هنا إلى هذا الأمر.” كلارك (Clarke)
· يتمثل جزء من هذه الرسالة لنا اليوم في أن ما تعتقده ثقافتنا وكيفية إدراكها للأمور أمر مهم. فإذا افترضنا أن ارتداء المجوهرات وتزيين الجسد يربطنا بالعالم الوثني، فلا ينبغي أن نفعل هذا. وهذا سطر صعب أن نتبنّاه في تفاصيله، لأن معايير الثقافة دائمة التغيّر. فمن بعض الأمثلة الحديثة لتغيير المعايير طول شعر الرجال وارتدؤهم للأقراط.
· في زمن بولس، وفي مدينة كورنثوس، كانت العاهرات فقط هن اللواتي يتجولن من دون غطاء للرأس. فكان من الصواب للمؤمنات بالمسيح في كورنثوس أن يرتدين غطاء للرأس، رغم أن الشريعة لم تشترط هذا حرفيًّا (1 كورنثوس 11: 5-6).
4. لَا تُدَنِّسِ ٱبْنَتَكَ بِتَعْرِيضِهَا لِلزِّنَى: يرجّح أن هذا يعني في هذا السياق أن يمررها في طقس دعارة لتعمل عاهرة في معبد وثني. وبطبيعة الحال، كان هذا محظورًا رغم أن الثقافة الوثنية كانت تعده تديّنًا.
· “في بعض الأديان المجاورة، كان الناس يعتقدون أنهم كانوا متدينين أتقياء بجعل بناتهن يشتركن في عبادة الخصوبة. لكن هذه الدعارة الدينية لم تكن مقبولة لدى الإسرائيليين.” بيتر كونتيس (Peter-Contesse)
· “كانت هذه عادة متكررة جدًّا بأمثلة كثيرة قدّمها كُتّاب قدماء. فحسب جستن، فإن النساء القبرصيات كنّ يكسبن الحصة التي يحصل عليها أزواجهن معهن في الزواج عن طريق الدعارة العامة السابقة.” كلارك (Clarke)
5. لَا تَلْتَفِتُوا إِلَى ٱلْجَانِّ وَلَا تَطْلُبُوا ٱلتَّوَابِعَ: كانت هذه طرقًا سعى بها الوثنيون إلى الاتصال بالموتى وأرواح أخرى. فكان هذا مدخلًا إلى المعتقدات غير الطبيعية، أو الممارسات السحرية، أو الظواهر الخارقة. وقد حُظِرت هذه بشكل صارم. فالذين يمارسونها يتنجسون بها، أي أنهم يتّسخون بها.
· الكلمة المترجمة إلى ’التوابع‘ مستمدة من جذر يعني ’يعرف.‘ وربما يشير هذا إلى المعلومات الخارقة التي يدعي الشخص الذي يقوم باستحضار الأرواح الحصول عليها.” هاريسون (Harrison)
· “إن محاولة معرفة ما يراه الله غير مناسب للكشف عنه خطية ضد حكمته وعنايته وصلاحه. ففي رحمته الكثيرة، أخفى معرفة المستقبل عن الإنسان، وأعطاه بدلًا منها رجاء – توقعات للخير في المستقبل.” كلارك (Clarke)
· “في بعض بلدان الشرق الأدنى، يقوم هؤلاء الوسطاء الروحانيون (التوابع) بحفر حفرة صغيرة يضعون فيها تقدمات (قرابين) لجذب انتباه الشخص الذي يريد الوسيط الروحاني الاتصال به.” هاريسون (Harrison)
· “ليس كل المتعاملين الفعليين مع التوابع (الوسطاء الروحانيين)، ومستحضِري الأرواح، والخرافات السحرية فقط هم الممنوعين، لكن أيضًا كل الذين يدّعون معرفة المستقبل، والمتعاملين مع العرافة والتنجيم، وما إلى ذلك.” كلارك (Clarke)
ي) الآيات (32-37): شرائع أخرى متعلقة باللطف والعدالة.
32مِنْ أَمَامِ ٱلْأَشْيَبِ تَقُومُ وَتَحْتَرِمُ وَجْهَ ٱلشَّيْخِ، وَتَخْشَى إِلَهَكَ. أَنَا ٱلرَّبُّ. 33وَإِذَا نَزَلَ عِنْدَكَ غَرِيبٌ فِي أَرْضِكُمْ فَلَا تَظْلِمُوهُ. 34كَٱلْوَطَنِيِّ مِنْكُمْ يَكُونُ لَكُمُ ٱلْغَرِيبُ ٱلنَّازِلُ عِنْدَكُمْ، وَتُحِبُّهُ كَنَفْسِكَ، لِأَنَّكُمْ كُنْتُمْ غُرَبَاءَ فِي أَرْضِ مِصْرَ. أَنَا ٱلرَّبُّ إِلَهُكُمْ. 35لَا تَرْتَكِبُوا جَوْرًا فِي ٱلْقَضَاءِ، لَا فِي ٱلْقِيَاسِ، وَلَا فِي ٱلْوَزْنِ، وَلَا فِي ٱلْكَيْلِ. 36مِيزَانُ حَقٍّ، وَوَزْنَاتُ حَقٍّ، وَإِيفَةُ حَقٍّ، وَهِينُ حَقٍّ تَكُونُ لَكُمْ. أَنَا ٱلرَّبُّ إِلَهُكُمُ ٱلَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. 37فَتَحْفَظُونَ كُلَّ فَرَائِضِي، وَكُلَّ أَحْكَامِي، وَتَعْمَلُونَهَا. أَنَا ٱلرَّبُّ.
1. مِنْ أَمَامِ ٱلْأَشْيَبِ تَقُومُ وَتَحْتَرِمُ وَجْهَ ٱلشَّيْخِ … وَإِذَا نَزَلَ عِنْدَكَ غَرِيبٌ فِي أَرْضِكُمْ فَلَا تَظْلِمُوهُ: هذه كلها شروحات لمبدأ ’تحب قريبك كنفسك‘ (لاويين 19: 18). فلو كنا نحن هذا الشيخ، أو الغريب، أو المستهلك، فإننا نود معاملة منصفة لطيفة.
2. لَا تَرْتَكِبُوا جَوْرًا فِي ٱلْقَضَاءِ، لَا فِي ٱلْقِيَاسِ، وَلَا فِي ٱلْوَزْنِ، وَلَا فِي ٱلْكَيْلِ: يريدنا الله أن ننجز أعمالنا التجارية بأمانة وصدق. وربما تخبرنا الثقافة المحيطة أنه لا يهم كيف نجني أموالنا، لكن الله يأمرنا باستخدام قياسات وأوزان نزيهة في كل أعمالنا التجارية” وتتكرر هذه الفكرة في أمثال 11: 1؛ 16. 16: 11؛ 20: 23.
- أَنَا ٱلرَّبُّ: أعلن الله 15 مرة في هذا الإصحاح أنه الرب، وأنه هو صاحب الحق في أن يأمرنا بما نفعله. وهذا أمر متوقع من إسرائيل القديمة أن نحترمه. وهو يتوقع من أتباعه الحديثين أن يحترموه أيضًا.