سِفر القُضاة – الإصحاح ١
النصرة والهزيمة في أرض الموعد
أولًا. انتصارات مستمرة لإسرائيل
أ ) الآية (١أ): بعد موت يشوع.
١وَكَانَ بَعْدَ مَوْتِ يَشُوعَ…
١. وَكَانَ بَعْدَ مَوْتِ يَشُوعَ: في فترة القضاة هذه، خسرت إسرائيل القائد الثاني المهم في سلسلة قيادتها الصالحة. كان موسى هو القائد العظيم الذي استخدمه الله لإخراجهم من أرض مصر. وكان يشوع، مساعد موسى، هو القائد العظيم الذي استخدمه الله لقيادتهم إلى أرض الموعد. ولكن يشوع لم يعين رئيسًا بعده ليقود الأمة. ونتيجة لذلك، وجد الإسرائيليون أنفسهم في موقف صعب حيث كان عليهم أن يثقوا بالله أكثر من أي وقت مضى.
• يعين الله قادة رائعين ليقوموا بعمله على الأرض، ويُشكل غياب هؤلاء القادة عن المشهد صعوبة لدى شعب الله. في مثل هذه الأوقات، قد نُجرب بأن نعيش في الماضي ونتمنى لو كان ذلك القائد لا يزال موجودًا.
٢. بَعْدَ مَوْتِ يَشُوعَ: خلال فترة القضاة، التي استمرت حوالي ٣٤٠ عامًا، لم يكن للقيادة في إسرائيل دورًا ثابتًا، كما لم يكن للأمة ملك أو رئيس أو رئيس للوزراء على المستوى الأرضي – ولكن فقط الله في السماء. ومع ذلك، في الأوقات الحاسمة، وفي الوقت المناسب، كان الله يقيم قادة للشعب. وعادةً ما كان هؤلاء القادة يظهرون، ويقومون بأدوارهم (رجال أو نساء)، ثم يختفون بعدها. وقد استلزم هذا الوضع من شعب إسرائيل أن يظلوا واثقين في الله ثقة حقيقية وثابتة.
• أولئك المُحررين الوطنيين لم يأتوا بالانتخاب، ولم يتولوا الحُكم بالخلافة. لكن الله قد أعطاهم موهبة خاصة للقيادة في أوقات قيادتهم، وقد أقرّ شعب إسرائيل بالقدرات التي وهبها لهم الله واحترموها.
• عندما يستخدم هذا السِفر مصطلح “القاضي،” فهو لا يشير إلى الشخص الذي يفصل في الأمور القانونية في المحكمة. فالكلمة العبرية “شفاط (shaphat)” تحمل فكرة القائد البطل. “تأتي الكلمة العبرية شوفطيم (Shophetim) مشتقة من جذر كلمة تعني “يُقوّم أو يُصحح” وبالتالي أن ’يحكم. وهذا التعبير يصف بدقة الدور الذي لعبه هؤلاء الأفراد.” مورجان (Morgan)
• واجه شعب إسرائيل عقبات كبيرة. لقد كانوا مُحاطين بأمم غارقة في الفجور وعبادة الأوثان، مما جعلهم عرضة للوقوع في خطايا مماثلة بشكل دائم. فقد عاش الكنعانيين من حولهم حياة محورها ثلاثة أشياء: المال، والجنس وتحديد علاقتهم مع الله بشروطهم الخاصة وليس بشروط الله.
٣. بَعْدَ مَوْتِ يَشُوعَ: يُصور سِفر القضاة وقتًا كان مربكًا وصعبًا ومظلمًا في تاريخ إسرائيل. ونتيجة لذلك، يميل الكثيرون إلى التغاضي عن هذا السِفر ويعتبرون هذه الفترة “عصرًا مظلمًا” في تاريخ الأمة. ومع ذلك، فإن إهمال سِفر القضاة يعني تفويت وتجاوز سرد رائع لمحبة الله ونعمته، وكيف يصحح شعبه بمحبة.
• ما يكشفه سفر القضاة عن الإنسان والطبيعة البشرية هو مُحبط، ولكن ما يُظهره عن الله رائع للغاية. “على الجانب الإنساني، سفر القضاة هو قصة عصيان وهو يسرد كارثة؛ أما على الجانب الإلهي، فهو قصة تحكي عن توجيه الله المستمر وتحريره.” مورجان (Morgan)
• “ومع ذلك، هناك منظور واحد يمكن من خلاله النظر إلى السِفر بأكمله، مما يجعله سفرًا ثمينًا جدًا؛ فهو بمثابة تاريخ رائع لطول أناة الله تجاه شعب إسرائيل، حيث نرى أمثلة مُذهلة متناوبة لعدله ورحمته. الشعب قد أخطأ ونال العقاب؛ ثم تابوا فوجدوا رحمة. يتكرر هذا النمط في كل السِفر. إن التاريخ قد سُجل لنا هذا كتحذير لنا. فلا ينبغي لأحد أن يستغلّ رحمة الله، لأن الله عادل؛ كما لا ينبغي لأحد أن يسقط يائسًا، لأن الله رحيم.” كلارك (Clarke)
ب) الآيات (١ب-٢): بعد موت يشوع، الشعب يطلب الرب.
١… أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلُوا الرَّبَّ قَائِلِينَ: «مَنْ مِنَّا يَصْعَدُ إِلَى الْكَنْعَانِيِّينَ أَوَّلاً لِمُحَارَبَتِهِمْ؟» ٢فَقَالَ الرَّبُّ: «يَهُوذَا يَصْعَدُ. هُوَذَا قَدْ دَفَعْتُ الأَرْضَ لِيَدِهِ».
١. بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلُوا الرَّبَّ: هنا نرى بني إسرائيل يفعلون الصواب – لقد فعلوا ما كان يريد يشوع منهم أن يفعلوا. وعلى الرغم من موت يشوع، إلا أنهم لم يُتركوا بلا قائد، بل كانوا مدعوين ببساطة إلى تجديد ثقتهم بالرب.
٢. فَقَالَ الرَّبُّ: عندما كانت أمة إسرائيل تطلب الرب، كان يرشدهم على الفور. ويظهر هذا النمط المتكرر باستمرار في سفر القضاة. وفي كل مرة كان الشعب يطلب الله لم يفشل أبدًا في إنقاذهم ومعونتهم.
• عبّر يسوع عن هذا المعنى في لوقا ٩:١١ “وَأَنَا أَقُولُ لَكُمُ: اسْأَلُوا تُعْطَوْا، اُطْلُبُوا تَجِدُوا، اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ.” عندما يسأل المؤمنون الله بإخلاص ويطلبونه، يمكنهم أن يتوقعوا منه استجابة. وعلى الرغم من أن استجابته قد تأتي بطرق غير متوقعة، إلا أنه يجب على المؤمنين أن يتوقعوا بأنها حتمًا ستأتي.
٣. يَهُوذَا يَصْعَدُ: لقد أمر الله أن يقود سبط يهوذا، الذي سيأتي منه المسيح، الطريق في هذه المعركة. وكان سبط يهوذا أيضًا أكبر وأقوى سبط، مما يجعل خطة الله ذات معنى استراتيجيًا من منظور عسكري أيضًا.
• كانت قد كسرت إسرائيل القوة العسكرية للكنعانيين، تحت قيادة يشوع. ومع ذلك، كان الأمر متروكًا لكل سبط على حدة للدخول وامتلاك الأرض التي أعطاها الله لهم.
ج) الآيات (٣-٧): يهوذا (مع سبط شمعون) يهزم بَازَق ومَلِكهم.
٣فَقَالَ يَهُوذَا لِشِمْعُونَ أَخِيهِ: «اِصْعَدْ مَعِي فِي قُرْعَتِي لِكَيْ نُحَارِبَ الْكَنْعَانِيِّينَ، فَأَصْعَدَ أَنَا أَيْضًا مَعَكَ فِي قُرْعَتِكَ». فَذَهَبَ شِمْعُونُ مَعَهُ. ٤فَصَعِدَ يَهُوذَا، وَدَفَعَ الرَّبُّ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ بِيَدِهِمْ، فَضَرَبُوا مِنْهُمْ فِي بَازَقَ عَشَرَةَ آلاَفِ رَجُل. ٥وَوَجَدُوا أَدُونِيَ بَازَقَ فِي بَازَقَ، فَحَارَبُوهُ وَضَرَبُوا الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ. ٦فَهَرَبَ أَدُونِي بَازَقَ، فَتَبِعُوهُ وَأَمْسَكُوهُ وَقَطَعُوا أَبَاهِمَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ. ٧فَقَالَ أَدُونِي بَازَقَ: «سَبْعُونَ مَلِكًا مَقْطُوعَةٌ أَبَاهِمُ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلِهِمْ كَانُوا يَلْتَقِطُونَ تَحْتَ مَائِدَتِي. كَمَا فَعَلْتُ كَذلِكَ جَازَانِيَ اللهُ». وَأَتَوْا بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ فَمَاتَ هُنَاكَ.
١. فَقَالَ يَهُوذَا لِشِمْعُونَ أَخِيهِ: «اِصْعَدْ مَعِي»: أظهر رؤساء سبط يهوذا حكمة عبر شراكتهم مع سبط آخر في هذه المعركة، مما جعل المهمة أسهل بكثير. عملت الأسباط هنا بنفس الطريقة التي يريد الله للكنيسة أن تعمل بها – كجسد واحد، يدعم كل عضو فيه الأعضاء الأخرى.
• “كان سبطا يهوذا وشمعون إخوة بالدم (تكوين ٢٩: ٣٣-٣٥) ويتم تصويرهما باستمرار على أنهما يتمتعا بعلاقة وثيقة للغاية.” كوندال (Cundall)
٢. وَدَفَعَ الرَّبُّ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ بِيَدِهِمْ: إن طلب الرب، وطاعته، والعمل معًا كجماعة يؤدي باستمرار إلى نتائج مفيدة. كان نجاحهما واضحًا للجميع: فقد دَفَعَ الرَّبّ كل أعدائهم بِيَدِهِم.
٣. فَضَرَبُوا مِنْهُمْ فِي بَازَقَ عَشَرَةَ آلاَفِ رَجُل: اسم المكان الذي ضربوا فيه أعدائهم بَازَق، واسم الرئيس هناك أَدُونِيَ بَازَق، الذي يعني “رب البرق.” ورغم اسم العدو المخيف، إلا أن يهوذا وشمعون تمكّنوا من هزيمته.
• وَوَجَدُوا أَدُونِيَ بَازَقَ: تُشير كلمة “وَجَدُوا” في هذه الآية إلى أنه كانت هناك مواجهة عنيفة. فجيوش يهوذا وشمعون لم يجدوا أَدُونِيَ بَازَق بالصدفة.
• قد يبدو عقاب أَدُونِيَ بَازَق قاسيًا، لكنه كان عادلًا بكل ما في الكلمة من معنى. فقد فعل الشيء نفسه مع سَبعِينَ مَلِكًا؛ والآن ها هو يخسر أَبَاهِمَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ.
• العقوبة جعلت أَدُونِيَ بَازَق عديم الفائدة كمحارب؛ وبالتالي، لم يعد بإمكانه أن يشكل تهديدًا عسكريًا لإسرائيل. “جرت العادة أن يقوم بعض الرومان، الذين لا يحبون الخدمة العسكرية، بقطع إبهامهم حتى لا يتم استدعاؤهم للجيش. وفي بعض الأحيان يقوم الآباء بقطع إبهام أطفالهم لمنع استدعائهم إلى الخدمة العسكرية.” كلارك (Clarke)
• تصرفا يهوذا وشمعون بسلوك مضاد للأنانية عندما خاضا معركة في منطقة ليست ملكًا لهما مباشرة. لقد كانت مدينة بَازَق تقع أقصى الشمال من تُخم سبط يهوذا.
د ) الآيات (٨-٢٠): انتصارات يهوذا في الجزء الجنوبي من الأرض الممنوحة لإسرائيل.
٨وَحَارَبَ بَنُو يَهُوذَا أُورُشَلِيمَ وَأَخَذُوهَا وَضَرَبُوهَا بِحَدِّ السَّيْفِ، وَأَشْعَلُوا الْمَدِينَةَ بِالنَّارِ. ٩وَبَعْدَ ذلِكَ نَزَلَ بَنُو يَهُوذَا لِمُحَارَبَةِ الْكَنْعَانِيِّينَ سُكَّانِ الْجَبَلِ وَالْجَنُوبِ وَالسَّهْلِ. ١٠وَسَارَ يَهُوذَا عَلَى الْكَنْعَانِيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي حَبْرُونَ، وَكَانَ اسْمُ حَبْرُونَ قَبْلاً قَرْيَةَ أَرْبَعَ. وَضَرَبُوا شِيشَايَ وَأَخِيمَانَ وَتَلْمَايَ. ١١وَسَارَ مِنْ هُنَاكَ عَلَى سُكَّانِ دَبِيرَ، وَاسْمُ دَبِيرَ قَبْلاً قَرْيَةُ سَفَرٍ. ١٢فَقَالَ كَالَبُ: «الَّذِي يَضْرِبُ قَرْيَةَ سَفَرٍ وَيَأْخُذُهَا، أُعْطِيهِ عَكْسَةَ ابْنَتِي امْرَأَةً». ١٣فَأَخَذَهَا عُثْنِيئِيلُ بْنُ قَنَازَ، أَخُو كَالَبَ الأَصْغَرُ مِنْهُ. فَأَعْطَاهُ عَكْسَةَ ابْنَتَهُ امْرَأَةً. ١٤وَكَانَ عِنْدَ دُخُولِهَا أَنَّهَا غَرَّتْهُ بِطَلَبِ حَقْل مِنْ أَبِيهَا. فَنَزَلَتْ عَنِ الْحِمَارِ، فَقَالَ لَهَا كَالَبُ: «مَا لَكِ؟» ١٥فَقَالَتْ لَهُ: «أَعْطِنِي بَرَكَةً. لأَنَّكَ أَعْطَيْتَنِي أَرْضَ الْجَنُوبِ، فَأَعْطِنِي يَنَابِيعَ مَاءٍ». فَأَعْطَاهَا كَالَبُ الْيَنَابِيعَ الْعُلْيَا وَالْيَنَابِيعَ السُّفْلَى. ١٦وَبَنُو الْقَيْنِيِّ حَمِي مُوسَى صَعِدُوا مِنْ مَدِينَةِ النَّخْلِ مَعَ بَنِي يَهُوذَا إِلَى بَرِّيَّةِ يَهُوذَا الَّتِي فِي جَنُوبِيِّ عَرَادَ، وَذَهَبُوا وَسَكَنُوا مَعَ الشَّعْبِ. ١٧وَذَهَبَ يَهُوذَا مَعَ شِمْعُونَ أَخِيهِ وَضَرَبُوا الْكَنْعَانِيِّينَ سُكَّانَ صَفَاةَ وَحَرَّمُوهَا، وَدَعَوْا اسْمَ الْمَدِينَةِ «حُرْمَةَ». ١٨وَأَخَذَ يَهُوذَا غَزَّةَ وَتُخُومَهَا، وَأَشْقَلُونَ وَتُخُومَهَا، وَعَقْرُونَ وَتُخُومَهَا. ١٩وَكَانَ الرَّبُّ مَعَ يَهُوذَا فَمَلَكَ الْجَبَلَ، وَلكِنْ لَمْ يُطْرَدْ سُكَّانُ الْوَادِي لأَنَّ لَهُمْ مَرْكَبَاتِ حَدِيدٍ. ٢٠وَأَعْطَوْا لِكَالَبَ حَبْرُونَ كَمَا تَكَلَّمَ مُوسَى. فَطَرَدَ مِنْ هُنَاكَ بَنِي عَنَاقَ الثَّلاَثَةَ
١. وَحَارَبَ بَنُو يَهُوذَا أُورُشَلِيمَ وَأَخَذُوهَا: قد سُجل هنا أن مدينة أورشليم وقعت في يد يهوذا. وحسب تقسيم الأرض على الأسباط تقع أورشليم على الحدود بين أراضي يهوذا وبنيامين (يشوع ٢:١٥، ٢٨:١٨). ورغم أن أورشليم كانت مُحتَلة في البداية (لقد تم أخذ أدوني بازق إلى هناك حيث مات)، إلا أنها سقطت في نهاية المطاف في أيدي الْيَبُوسِيِّين (قضاة ٢١:١). وبعد حوالي ٤٠٠ سنة، تحت قيادة الملك داود، احتلت إسرائيل المدينة مرة أخرى (٢ صموئيل ٥: ٦-١٠).
• “إن مدينة أورشليم هي واحدة من أقدم المُدن في العالم، حيث ظلت مأهولة بالسُكَّان بشكل شبه مستمر لمدة ٥٠٠٠ عام.” كوندال (Cundall)
٢. وَسَارَ يَهُوذَا عَلَى الْكَنْعَانِيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي حَبْرُونَ: احتل يهوذا حَبْرُونَ أيضًا، وأُعِطيت المدينة لكالب الأمين وعائلته (اُنظر يشوع ١٣:١٥-١٩).
• كانت حَبْرُون مدينة إبراهيم القديمة والمكان الذي منع الجواسيس العشرة غير الأمناء من دخول أرض الموعد في زمن موسى بسبب وجود الْعَنَاقِيِّين الذين سكنوا هناك (سفر العدد ٢٢:١٣-٢٣).
• يشير كوندال (Cundall) إلى أن الآية ٩ في هذا الإصحاح تصف الأقسام الجغرافية الثلاثة الرئيسية لإسرائيل:
الْجَبَل، أو بتعبير أدق بلدة التل، “يصف المناطق الجبلية الواقعة بين أورشليم وحبرون.”
الْجَنُوب، المعروفة أيضًا باسم النقب، وهي “المنطقة شبه القاحلة الواقعة بين حبرون وقادش برنيع.”
السَّهْل، تسمى أحيانًا شلفيلة (Shelphelah) من الكلمة العبرية المستخدمة هنا. وهي “منطقة سفوح التلال الممتدة شمالًا وجنوبًا بين السهل الساحلي وسلسلة الجبال الوسطى.”
٣. أَعْطِنِي بَرَكَةً: ألقى تشارلز سبيرجن عظة جميلة من قضاة ١٢:١-١٥ بعنوان: طلِب عَكْسَة، نموذج للصلاة. وفيها، أوضح سبيرجن كيف أن طلب مُقدم من الابنة (عَكْسَة) إلى الأب (كَالَب) هو بمثابة نموذج للصلاة.
• كانت صلاة عَكْسَة نموذجًا رائعًا لأنها فكّرت مليًا بطلبها قبل الاقتراب من والدها. وبالمثل، عليك أن تُحدِّد حاجتك قبل أن ترفع صلاتك. قدمت عَكْسَة طلبًا محددًا تم التفكير فيه مسبقًا. “فكِّر في طلبتك قبل الصلاة، ثم صلِّ مثل رجال الأعمال. لم تقل هذه المرأة: “أبي، اسمعني جيدًا …،” ثم ألقت خطبة قصيرة حول لا شيء؛ لكنها عرفت تمامًا طلبتها، والسبب وراء طلبتها هذه.” سبيرجن (Spurgeon)
• كانت صلاة عَكْسَة نموذجًا رائعًا لأنها طلبت المساعدة في طلبتها، حيث توجهت لزوجها ليطلب حقل من أبيها (غَرَّتْهُ بِطَلَبِ حَقْل مِنْ أَبِيهَا). “قال لي أحد الأصدقاء منذ فترة: ’يا عزيزي، عندما لا أجد ما أصليه لنفسي، وأشعر بالعجز الشديد، فإنني أتوجه للصلاة من أجلك قائلًا: ’يا رب، بارك راعي كنيستي على الأقل! وعندما أصلي من أجلك، أشعر بإمكانية الصلاة من أجل نفسي.‘ يعجبني هذه النوع من الصلوات الغريبة. فكلما وجدت نفسك عالقًا في الوحل، صلِ من أجلي. سوف تستفيد من ذلك، وسأحصل أنا على البركة.” سبيرجن (Spurgeon)
• كانت صلاة عَكْسَة نموذجًا رائعًا لأنها ذهبت باتضاعٍ، ولكن باهتمام وشغف.
• كانت صلاة عَكْسَة نموذجًا رائعًا لأنها طلبت ما أرادت. يُسر الله أن يسمع طلبات شعبه.
• كانت صلاة عَكْسَة نموذجًا رائعًا للصلاة بسبب بساطتها. إذ صَلت ببساطة قائلة: أَعْطِنِي بَرَكَةً.
• كانت صلاة عَكْسَة نموذجًا رائعًا لأنها أضافت على طلبتها شكر وامتنان (لأَنَّكَ أَعْطَيْتَنِي أَرْضَ الْجَنُوب).
• كانت صلاة عَكْسَة نموذجًا رائعًا لأنها استخدمت بركات الماضي كحجة لطلب المزيد.
• كانت صلاة عَكْسَة نموذجًا رائعًا لأنها أدركت أن بركات الماضي لا تنفع بدون يَنَابِيعَ مَاءٍ جارية. “كيف سيحظى السامعين بالبركة إن غابت قوة الروح القدس عن الكلمة؟ فَأَعْطِنِي يَنَابِيعَ مَاءٍ.” سبيرجن (Spurgeon)
• كانت صلاة عَكْسَة نموذجًا رائعًا لأن وَالِدها حقق طلبها.
• كانت صلاة عَكْسَة نموذجًا رائعًا لأن صلاتها قد اُستجيبت، بل وأعطاها بوفرة كبيرة.
• كانت صلاة عَكْسَة نموذجًا رائعًا لأن وَالِدها لم ينتقد طلبها ولو قليلًا.
٤. مَدِينَةِ النَّخْل: كان هذا اسمًا آخر لمدينة أريحا. انتقل الْقِينِيِّين من مَدِينَةِ النَّخْل إلى عَرَاد، وهي مدينة تقع في بَرِّيَّةِ يَهُوذَا، غرب جبل مسعدة والبحر الميت. لم تكن صَفَاة بعيدة عن هناك، وأما غَزَّة وأَشْقَلُون فكانتا على الساحل، ثم صارتا معاقل للفلسطينيين.
• اعتقد كوندال (Cundall) أن مَدِينَةِ النَّخْل كانت مدينة أخرى في أَقصَى الجنوب: “تشير مدينة النخيل في نصوص أخرى إلى أريحا (قضاة ١٣:٣)، ولكن هذا مُستبعد هنا بسبب السياق. من المحتمل أنها كانت تقع في الطرف الجنوبي للبحر الميت.”
٥. لأَنَّ لَهُمْ مَرْكَبَاتِ حَدِيد: بالرغم من أن انتصار يهوذا كان مثيرًا للإعجاب، إلا أنه كان غير مكتمل. لم يتمكنوا من هزيمة الأمم التي تمتلك أحدث التقنيات العسكرية: مَرْكَبَاتِ حَدِيد. لقد كانت هذه المركبات خشبية مُسلّحة بالحديد، وهي أقوى وأكثر ثباتًا.
• “يا للعجب! هل كانت المَرْكَبَات الحَدِيدية أقوى من كُلّيّ القُدْرة؟” كلارك (Clarke)
• كان هذا دليلًا على غياب ثقة يهوذا في الله أكثر منه دليلًا على تفوق الكنعانيين العسكري. لم تُشكل المركبات سابقًا أي تهديد للشعب عندما وضعوا ثقتهم بالله (انظر خروج ٧:١٤-٢٩، يشوع ١١:١-٨، وملوك الأول ٢٠ :٢١). كان ينبغي أن يتحلّوا بنفس موقف كاتب المزمور: “هؤُلاَءِ بِالْمَرْكَبَاتِ وَهؤُلاَءِ بِالْخَيْلِ، أَمَّا نَحْنُ فَاسْمَ الرَّبِّ إِلهِنَا نَذْكُرُ.” (مزمور ٧:٢٠)
• “لو كانوا آمنوا بالله وخرجوا باسمه، لهربت الخيول، كما حدث معهم قبلًا عندما غرس الله الإيمان في شعبه. ومثال على ذلك، هو بَارَاق ودَبُورَة، اللذان هزما يَابِين بالإيمان رغم امتلاكه لتِسْعَ مِئَةِ مَرْكَبَةٍ مِنْ حَدِيد… لقد كان عدم إيمانهم الكامل في الرب يكمن في هذا الأمر – كما قد يكون الحال في إيمانكم، يا إخوتي – أنهم آمنوا بوعد من الله ولم يؤمنوا بآخر. هناك هذا النوع من الإيمان الذي يمكن أن يكون قويًا في مجال واحد، ولكنه ضعيف تمامًا عندما يتم اختباره بطرق أخرى.” سبيرجن (Spurgeon)
• “أراد شخص غير مؤمن موجود هنا، أن يؤمن بالمسيح، لكنه قال: ’لا أستطيع أن أتخلى عن كل خطاياي. هناك خطية واحدة يجب أن أحافظ عليها؛ يمكنني أن أتخلى عن كل الخطايا الأخرى، لكن هذه الخطية لا يمكن التغلب عليها، إذ بها مركبات من حديد. لا يمكنني التخلص منها.‘ لابد لهذه الخطية أن تموت، وإلا ستقودك إلى الهلاك. كن متأكدًا بأن الخطية التي تريد إنقاذها من الذبح ستذبحك في النهاية.” سبيرجن (Spurgeon)
٦. فَطَرَدَ مِنْ هُنَاكَ بَنِي عَنَاقَ الثَّلاَثَة: يُظهر انتصار كَالَب على بَنِي عَنَاق ما يمكن لإسرائيل الواثقة بالله أن تحققه. كان بَنُو عَنَاق جَبَابِرَة بَأْس (سفر العدد ٣٣:١٣، تثنية ٢:٩)، ولكن بمعونة الله تمكّن كَالَب من هزيمتهم (يشوع ١٣:١٥-١٤).
• “ومع ذلك، وكأن الله أراد توبيخهم، فشهدوا حادثة فريدة تؤكد قوته، وهي التي نقرأ عنها في الآية ٢٠. كان كَالَب، الرجل المُسِن الموقر والناجي الوحيد من أولئك الذين خرجوا من مصر، قد حصل على حَبْرُون ميراثًا له. صعد في شيخوخته، حينما كانت عظامه متعبة ومتهالكة، وقتل أبناء عناق الأقوياء الثلاثة، واستولى على مدينتهم. وبهذه الطريقة، تم تبرئة قوة الله من الإهانة التي جلبها يهوذا على قوة الرب.” سبيرجن (Spurgeon)
• “لن أركز على كَالَب هنا، لأنكم ستقولون لي: ’لقد كان مجرد رجل عجوز من جيل سابق، يقترب من نهاية حياته، وليس من المستغرب أنه حقق أشياء عظيمة.‘ لكن كان له ابن أخ، اسمه عُثْنِيئِيل، وهو شاب يافع. تقدم هذا البطل الشاب، وهاجم المدينة المُحصّنة، واستولى عليها، وسلّمها إلى عمه، ونال المكافأة الموعودة. في الواقع، لقد رأينا، وسنستمر في رؤية أبطال شباب، أنكروا أنفسهم وتواضعوا وتجاهلوا راحتهم، كانوا مستعدين لأن يكونوا أي شيء أو لا شيء من أجل المسيح. وكان الله معهم، وقوة العلي ظللتهم.” سبيرجن (Spurgeon)
ثانيًا. نصرة غير مكتملة وهزيمة
أ ) الآية (٢١): فشل سِبط بنيامين في امتلاك أورشليم.
٢١وَبَنُو بَنْيَامِينَ لَمْ يَطْرُدُوا الْيَبُوسِيِّينَ سُكَّانَ أُورُشَلِيمَ، فَسَكَنَ الْيَبُوسِيُّونَ مَعَ بَنِي بَنْيَامِينَ فِي أُورُشَلِيمَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ.
١. بَنُو بَنْيَامِينَ لَمْ يَطْرُدُوا الْيَبُوسِيِّين: كانت هذه واقعة قد انتصروا فيها بالفعل في المعركة (قضاة ١:٨)؛ وتبقّى على سِبط بَنْيَامِين ببساطة أن يأخذوا ما هو ملكهم. وإن كان الأمر سيتطلب جهدًا بالتأكيد، إلا أن المعركة قد حُسمت. وكانت أورشليم لهم.
٢. فَسَكَنَ الْيَبُوسِيُّونَ مَعَ بَنِي بَنْيَامِينَ فِي أُورُشَلِيمَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ: حتى في زمن كاتب سفر القضاة، فشل سِبط بنيامين في طرد الْيَبُوسِيِّين، وبالتالي عاشوا في خطر عسكري وروحي دائم.
ب) الآيات (٢٢-٢٦): بَيْتُ يُوسُف يستولون على بَيْت إِيل.
٢٢وَصَعِدَ بَيْتُ يُوسُفَ أَيْضًا إِلَى بَيْتِ إِيلَ وَالرَّبُّ مَعَهُمْ. ٢٣وَاسْتَكْشَفَ بَيْتُ يُوسُفَ عَنْ بَيْتِ إِيلَ، وَكَانَ اسْمُ الْمَدِينَةِ قَبْلاً لُوزَ. ٢٤فَرَأَى الْمُرَاقِبُونَ رَجُلاً خَارِجًا مِنَ الْمَدِينَةِ، فَقَالُوا لَهُ: «أَرِنَا مَدْخَلَ الْمَدِينَةِ فَنَعْمَلَ مَعَكَ مَعْرُوفًا». ٢٥فَأَرَاهُمْ مَدْخَلَ الْمَدِينَةِ، فَضَرَبُوا الْمَدِينَةَ بِحَدِّ السَّيْفِ، وَأَمَّا الرَّجُلُ وَكُلُّ عَشِيرَتِهِ فَأَطْلَقُوهُمْ. ٢٦فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ إِلَى أَرْضِ الْحِثِّيِّينَ وَبَنَى مَدِينَةً وَدَعَا اسْمَهَا «لُوزَ» وَهُوَ اسْمُهَا إِلَى هذَا الْيَوْمِ.
١. بَيْتُ يُوسُف: إن هذا دمج مثير للاهتمام (ونادر إلى حد ما) للسبطين اللذين جاءا من يوسف (أفرايم ومنسى) في مجموعة واحدة: بَيْتُ يُوسُف.
٢. وَالرَّبُّ مَعَهُم: قد ننسب الفضل في هذا النصر إلى استخدامهم الفعّال للتجسس العسكري؛ لكن السبب الحقيقي كان: أن الرَّبُّ مَعَهُم.
٣. وَأَمَّا الرَّجُلُ وَكُلُّ عَشِيرَتِهِ فَأَطْلَقُوهُم: يبدو أنهم استخدموا قصة رَاحَاب واحتلال أريحا كنموذج لهم (يشوع ٣، ٦)، وكان هذا بالفعل نموذجًا ناجحًا جدًا.
ج) الآيات (٢٧-٢٩): فشل مَنَسَّى وأَفْرَايِم في طَرد جميع الْكَنْعَانِيِّين.
٢٧وَلَمْ يَطْرُدْ مَنَسَّى أَهْلَ بَيْتِ شَانَ وَقُرَاهَا، وَلاَ أَهْلَ تَعْنَكَ وَقُرَاهَا، وَلاَ سُكَّانَ دُورَ وَقُرَاهَا، وَلاَ سُكَّانَ يِبْلَعَامَ وَقُرَاهَا، وَلاَ سُكَّانَ مَجِدُّو وَقُرَاهَا. فَعَزَمَ الْكَنْعَانِيُّونَ عَلَى السَّكَنِ فِي تِلْكَ الأَرْضِ. ٢٨وَكَانَ لَمَّا تَشَدَّدَ إِسْرَائِيلُ أَنَّهُ وَضَعَ الْكَنْعَانِيِّينَ تَحْتَ الْجِزْيَةِ وَلَمْ يَطْرُدْهُمْ طَرْدًا. ٢٩وَأَفْرَايِمُ لَمْ يَطْرُدِ الْكَنْعَانِيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي جَازَرَ، فَسَكَنَ الْكَنْعَانِيُّونَ فِي وَسَطِهِ فِي جَازَرَ.
١. فَعَزَمَ الْكَنْعَانِيُّونَ عَلَى السَّكَنِ فِي تِلْكَ الأَرْض: في البداية، كانت هناك مناطق في الأرض لم تتمكن هذه الأسباط من طرد الكنعانيين منها. ولكن لَمَّا تَشَدَّدَ إِسْرَائِيل، قرر عقد تسوية مع هؤلاء الكنعانيين، معتقدًا أنه يستطيع استخدامهم لصالحه من خلال فرض الْجِزْيَة عليهم (وَضَعَ الْكَنْعَانِيِّينَ تَحْتَ الْجِزْيَةِ).
• “يكشف لنا السرد أن العمل، رغم أنه بدأ في البداية بعزيمة كبيرة، إلا أن هذه العزيمة ضعفت تدريجيًا. كان الرب مع سِبْط يَهُوذَا، فانتصروا. وكان أيضًا مع بَيْت يُوسُف، فاستولوا على بَيْتِ إِيل. وأما مَنَسَّى وأَفْرَايِم والأسباط الأخرى فخارت قواهم، مما سمح ببقاء الكنعانيين في الأرض.” مورجان (Morgan)
٢. وَلَمْ يَطْرُدْهُمْ طَرْدًا: وبالطريقة ذاتها، عندما يبدأ المؤمن مسيرته الروحية، في البداية قد لا يكون قويًا في الرَّبّ، للتعامل مع كل الأمور التي يرى أنها تحتاج إلى التغيير. ومع ذلك، بينما ينمو كتلميذ للمسيح، يجب ألا يتوانى في التعامل مع تلك الأمور. وبالتالي، لا ينبغي للمؤمن أبدًا أن يتصالح أو يتهاون مع الخطايا، بل يتوجب عليه أن يَطْرُدْهُمْ طَرْدًا.
• “كانت النقطة الحاسمة التي كان على إسرائيل أن تتذكرها هي أن الأرض لم تعد ملكًا للكنعانيين ولا يحق لهم البقاء فيها؛ لقد أصبحت ملكًا لإسرائيل. وعلاوة على ذلك، كان الله مستعدًا لطرد الكنعانيين، مما يضمن أن شعبه لن يحتاج إلى الدخول في حرب، بل سيكتفي بملاحقة العدو المنسحب.” ماير (Meyer)
• لم تكن جَازَر تابعة لإسرائيل إلى أن أعطاها فرعون لسليمان (ملوك الأول ١٦:٩).
د ) الآية (٣٠): سِبْط زَبُولُون يُساوم ويقبل بسكنى الكنعانيين في وسطه تحت الجزية.
٣٠زَبُولُونُ لَمْ يَطْرُدْ سُكَّانَ قِطْرُونَ، وَلاَ سُكَّانَ نَهْلُولَ، فَسَكَنَ الْكَنْعَانِيُّونَ فِي وَسَطِهِ وَكَانُوا تَحْتَ الْجِزْيَةِ.
١. زَبُولُونُ لَمْ يَطْرُدْ سُكَّان: كان لكل سِبْط مسئولياته الخاصة ومعاركه الخاصة للقتال. لقد فشل سِبْط زَبُولُون في الحصول على الأرض التي أعطاها الله لهم، في معركته الخاصة.
٢. فَسَكَنَ الْكَنْعَانِيُّونَ فِي وَسَطِهِ وَكَانُوا تَحْتَ الْجِزْيَة: كان بني زَبُولُون يعتقدون أنهم قد ينتفعون من وراء طاعتهم غير الكاملة، وخاصة من الناحية الاقتصادية. لقد فشلوا في تقدير ما قد يؤدي إليه في النهاية سُكنى الكنعانيين بينهم من أزمات اجتماعية وروحية.
• ولأن الأزمة لم تكن فورية، كان من السهل اعتبارها غير واقعية. ولكنها كانت حتمية. ولهذا السبب لم يكن من الممكن إنقاذهم من دورة الأزمات المتكررة التي تُميز سفر القضاة إلا بالطاعة الكاملة لله.
هـ) الآيات (٣١-٣٢): فشل سِبط أَشِير في امتلاك أرضهم بالكامل.
٣١وَلَمْ يَطْرُدْ أَشِيرُ سُكَّانَ عَكُّو، وَلاَ سُكَّانَ صَيْدُونَ وَأَحْلَبَ وَأَكْزِيبَ وَحَلْبَةَ وَأَفِيقَ وَرَحُوبَ. ٣٢فَسَكَنَ الأَشِيرِيُّونَ فِي وَسَطِ الْكَنْعَانِيِّينَ سُكَّانِ الأَرْضِ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَطْرُدُوهُمْ.
١. وَلَمْ يَطْرُدْ أَشِير: لقد فشل سِبط أَشِير أيضًا في امتلاك الأرض التي قَسَمَهَا الرب لهم. كان فشل أي سبط سببًا في فشل الأسباط الأخرى أيضًا.
٢. فَسَكَنَ الأَشِيرِيُّونَ فِي وَسَطِ الْكَنْعَانِيِّين: نقرأ عن بني زَبُولُون ’فَسَكَنَ الْكَنْعَانِيُّونَ فِي وَسَطِهِ‘ (قضاة ٣٠:١). أما بالنسبة لأَشِير فنرى أن الوضع كان أسوأ بكثير: فَسَكَنَ الأَشِيرِيُّونَ فِي وَسَطِ الْكَنْعَانِيِّين. وهذا يمثل مستوى أعظم من الانحدار الاجتماعي والروحي.
• “بينما تمكّنت معظم الأسباط من احتلال جزء من الأراضي المخصصة لها على الأقل، يبدو أن سِبط أَشِير فشل تمامًا في طرد الكنعانيين.” كوندال (Cundall)
و ) الآية (٣٣): سِبط نَفْتَالِي يُساوم ويقبل بسكنى الكنعانيين في وسطه تحت الجزية.
٣٣وَنَفْتَالِي لَمْ يَطْرُدْ سُكَّانَ بَيْتِ شَمْسٍ، وَلاَ سُكَّانَ بَيْتِ عَنَاةَ، بَلْ سَكَنَ فِي وَسَطِ الْكَنْعَانِيِّينَ سُكَّانِ الأَرْضِ. فَكَانَ سُكَّانُ بَيْتِ شَمْسٍ وَبَيْتِ عَنَاةَ تَحْتَ الْجِزْيَةِ لَهُمْ.
١. وَنَفْتَالِي لَمْ يَطْرُدْ سُكَّان: لم يتمكن سِبط نَفْتَالِي من أخذ خطوات مغايرة عن باقي الأسباط. فهزيمة الواحد كانت تؤثر على حالة الآخرين.
• الله لم يقصد أبدًا أن يستولي شعب إسرائيل على أرض كنعان بسهولة أو بسرعة. فوفقًا لسفر الخروج ٢٩:٢٣-٣٠ وتثنية ٢٢:٧-٢٤، كان الله يخطط لمنحهم الأرض بالتدريج (قَلِيلًا قَلِيلًا). ورغم أن خطته كانت تتطلب من شعب إسرائيل أن يثقوا به باستمرار وأن يخوضوا معارك متكررة، إلا أنهم فشلوا في ذلك ولَمْ يَطْرُدُوا السُكَّان. وكأن موقف إسرائيل كان: “إن لم يسر الأمر بسهولة، فلا نريده على الإطلاق.”
٢. بَلْ سَكَنَ فِي وَسَطِ الْكَنْعَانِيِّينَ… فَكَانَ سُكَّانُ بَيْتِ شَمْسٍ وَبَيْتِ عَنَاةَ تَحْتَ الْجِزْيَةِ لَهُم: دمج سِبط نَفْتَالِي وجهي الاستسلام للعدو. ففي بعض المناطق من أراضيهم، عاشوا تحت سيطرة الكنعانيين، وفي مناطق أخرى، وضعوا الكنعانيين تَحْتَ الْجِزْيَة. وكلا الفعلين كانا بعيدين كل البعد عن أمر الله ومشيئته لشعب إسرائيل.
ز ) الآيات (٣٤-٣٦): فشل سِبط دَان في امتلاك أرضهم بالكامل.
٣٤وَحَصَرَ الأَمُورِيُّونَ بَنِي دَانَ فِي الْجَبَلِ لأَنَّهُمْ لَمْ يَدَعُوهُمْ يَنْزِلُونَ إِلَى الْوَادِي. ٣٥فَعَزَمَ الأَمُورِيُّونَ عَلَى السَّكَنِ فِي جَبَلِ حَارَسَ فِي أَيَّلُونَ وَفِي شَعَلُبِّيمَ. وَقَوِيَتْ يَدُ بَيْتِ يُوسُفَ فَكَانُوا تَحْتَ الْجِزْيَةِ. ٣٦وَكَانَ تُخْمُ الأَمُورِيِّينَ مِنْ عَقَبَةِ عَقْرِبِّيمَ مِنْ سَالَعَ فَصَاعِدًا.
١. وَحَصَرَ الأَمُورِيُّونَ بَنِي دَانَ فِي الْجَبَل: نرى هنا الأعداء وهم يحاصرون شعب الله. وهذا لا ينبغي أن يحدث أبدًا عندما يسير شعب الله بقوته.
٢. وَقَوِيَتْ يَدُ بَيْتِ يُوسُفَ فَكَانُوا تَحْتَ الْجِزْيَةِ: ومجددًا، بدلًا من تنفيذ أمر الرب بشأن هؤلاء الأعداء (بطردهم تمامًا من الأرض)، قرروا القيام بما يعتقدون أنه الأفضل لهم: أن يفرضوا عليهم الْجِزْيَة.
• “لقد تصرفوا بدافع الطمع، الذي هو أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُور، متجاهلين أمر الله تمامًا.” تراب (Trapp)
٣. وَكَانَ تُخْمُ الأَمُورِيِّين: ونتيجة لهذا، حصل الأَمُورِيُّون على حدود مخصصة لهم ضمن ميراث شعب الله. وكانت هذه تسوية غير ضرورية ومحفوفة بالمخاطر للخصوم الاجتماعيين والروحيين لشعب الله.
• إن هناك شكلًا خطيرًا ومُضللًا للنزعة ’السِلميّة‘ (مبدأ السلام واللاعُنف) في الحياة المسيحية يتجاهل حقيقة المعركة الروحية الموصوفة في أفسس ١٠:٦-٢٠ والتي تنعكس في سفر القضاة. يعقد هذا النهج السلمي صفقة مع الشيطان، مفادها: “لن أؤذي مصالحك إن تركتني في الغالب وشأني.” إن مثل هذا الموقف من التسوية الروحية غير مقبول بالنسبة للمؤمن.
• قال ليون تروتسكي (Leon Trotsky)، الزعيم الشيوعي الشهير، شيئًا واحدًا صحيحًا على الأقل: “قد لا تَكُونَ مُهتَمًّا بالحَرب، لكنّ الحرب قد تكُون مُهتمَّة بِك.” إن التنازل في الحياة الروحية يعني خسارة تلك الحرب طواعية.
• في هذه المرحلة، حققت أسباط إسرائيل انتصارات جزئية فقط أو استسلمت للعدو واستضافته. وهذا يجعل المؤمن يُقدّر قيمة النصرة الكاملة والمجيدة التي حققها يسوع المسيح نيابة عن المؤمنين. وعلى عكس انتصارات إسرائيل غير الكاملة، كان النصر الذي حققه المسيح على الصليب ومن خلال القيامة كاملًا وبلا عيب. لم يكن هناك شيء ناقص في نصرة الرب يسوع التي حققها لحساب شعبه على الصليب وبالقيامة.