سِفر القُضاة – الإصحاح ١٤
أول زواج فاشل لشَمْشُون
أولًا. شَمْشُون يَطلب زوجة فِلِسْطِيَّة
أ ) الآيات (١-٣): شَمْشُون يطلب بإصرار الزواج من زوجة فِلِسْطِيَّة.
١وَنَزَلَ شَمْشُونُ إِلَى تِمْنَةَ، وَرَأَى امْرَأَةً فِي تِمْنَةَ مِنْ بَنَاتِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. ٢فَصَعِدَ وَأَخْبَرَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَقَالَ: «قَدْ رَأَيْتُ امْرَأَةً فِي تِمْنَةَ مِنْ بَنَاتِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، فَالآنَ خُذَاهَا لِيَ امْرَأَةً». ٣فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ وَأُمُّهُ: «أَلَيْسَ فِي بَنَاتِ إِخْوَتِكَ وَفِي كُلِّ شَعْبِي امْرَأَةٌ حَتَّى أَنَّكَ ذَاهِبٌ لِتَأْخُذَ امْرَأَةً مِنَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ الْغُلْفِ؟» فَقَالَ شَمْشُونُ لأَبِيهِ: «إِيَّاهَا خُذْ لِي لأَنَّهَا حَسُنَتْ فِي عَيْنَيَّ».
١. وَرَأَى امْرَأَةً فِي تِمْنَةَ مِنْ بَنَاتِ الْفِلِسْطِينِيِّين: يبدو أن هذا كان “حب من أول نظرة” بالنسبة لشَمْشُون. رأى هذه المرأة وأراد على الفور الزواج منها.
• لأَنَّهَا حَسُنَتْ فِي عَيْنَيَّ. كان اهتمام شَمْشُون الوحيد هو كيف تبدو الأشياء بالنسبة له، وليس كيف تبدو بالنسبة لله.
• إن الحب من أول نظرة هو تجربة قوية جدًا، ولكنها محفوفة بالمخاطر. فمن الممكن تمامًا أن نقع في حب شخص غير مناسب تمامًا – وهو ما حدث في حالة شَمْشُون هنا. ورغم أن شعور الحب من أول نظرة قد يكون مبهجًا، إلا إنه لا يظل في صورته الأولية إلى الأبد. وغالبًا ما ننجذب إلى إحساس الوقوع في الحب أكثر من انجذابنا إلى الشخص نفسه – أي الشخص الذي لا نعرفه على حقيقته من النظرة الأولى.
٢. فَقَالَ شَمْشُونُ لأَبِيهِ: «إِيَّاهَا خُذْ لِي لأَنَّهَا حَسُنَتْ فِي عَيْنَيَّ»: بطلبه الزواج منفِلِسْطِيَّة، كشف شَمْشُون عن استخفافه الأثيم بوالديه وبمشيئة الله (تثنية ٧: ٣-٤). وحتى اليوم، لا يزال العديد من الأشخاص، مدفوعين بمشاعر الحب، يطالبون الله بشريك لا يتوافق مع مشيئته.
• “حاول والداه إقناعه بالعدول عن الأمر، لكنه سمح لنفسه بالانجراف وراء مشاعره وصمم على تحقيق رغباته الخاصة.” مورجان (Morgan)
• إن الوصية التي أُعطيت لبني إسرائيل بعدم الاختلاط والزواج من الأمم الوثنية المحيطة بهم تنطبق على المؤمنين اليوم. فلا يجب على المؤمن أن يتزوج من شخص غير مؤمن، حيث لا ينبغي دخوله في علاقة اتحاد بغير المؤمن (٢ كورنثوس ٦: ١٤).
• لا يتعلق الأمر بأن الخُطاة غير محبوبين ـ قد يكونون أحيانًا محبوبين أكثر من المؤمنين أنفسهم. ولا يتعلق بكونهم غير جيدين بما فيه الكفاية، أو أنهم ليسوا جديرين بمحبتنا، أو غير قادرين على أن يكونوا شركاء جيدين. إن الأمر المهم هنا هو أن يسوع المسيح هو أهم محور في حياة المؤمن. وعندما يجتمع مؤمن وغير المؤمن معًا، فغالبًا ما تنشأ بينهما خلافات جوهرية حول أهم جوانب الحياة.
• وبالتالي، يجب على المؤمن أن يتجنب مواعدة شخص غير مؤمن، لأن ذلك يحمل في طياته خطرًا كبيرًا يتمثل في الوقوع في حب شخص ينبغي ألا يكون معه في المقام الأول.
• وعلاوة على ذلك، يُنصح المؤمن بتقييم مدى التزام الشخص الآخر بمسيرته الروحية. فقد تظاهر كثيرون بالإيمان لمجرد اِسْتَدْرَاج المؤمن إلى الزواج.
• إن تزوج شخص ما من غير مؤمن خلافًا لخطة الله، أو إذا آمن أحد الشركاء بعد الزواج، فهناك تعليمات محددة لحالتهم. لقد ذكر الرسول بولس بوضوح أن مثل هؤلاء الأفراد يجب أن يبذلوا قصارى جهدهم للبقاء في الزواج والسعي ليكونوا شركاء أفضل (١ كورنثوس ٧: ١٠-١٦).
• لقد استخدم الله شَمْشُون بقوة، ولكن ذلك كان على الرغم من خطيته، وليس بسببها. ومن العدل أن نفترض أن الله ربما كان ليستخدم شَمْشُون بطريقة أعظم بكثير إذا كان قد صنع من نفسه إناءً طاهرًا وفقًا للمبدأ المذكور في رسالة تيموثاوس الثانية ٢: ٢٠-٢١.
ب) الآية (٤): إرادة الله تعمل في الخفاء وراء رغبة شَمْشُون في الزواج من امرأة فِلِسْطِيَّة.
٤وَلَمْ يَعْلَمْ أَبُوهُ وَأُمُّهُ أَنَّ ذلِكَ مِنَ الرَّبِّ، لأَنَّهُ كَانَ يَطْلُبُ عِلَّةً عَلَى الْفِلِسْطِينِيِّينَ. وَفِي ذلِكَ الْوَقْتِ كَانَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ مُتَسَلِّطِينَ عَلَى إِسْرَائِيلَ.
١. وَلَمْ يَعْلَمْ أَبُوهُ وَأُمُّهُ أَنَّ ذلِكَ مِنَ الرَّبّ: وكما يكشف لنا بقية الإصحاح، فقد نتج عن هذا الزواج غير التقي بعض النتائج الإيجابية. فقد قُتل العديد من الفِلِسْطِيِّين، وأُحبطت جهودهم للسيطرة على بني إسرائيل.
• ولكن لا شيء من هذا يُبرّر تصرفات شَمْشُون. فرغم أن الله يستطيع أن يستخدم شر الإنسان لتحقيق مقاصده، إلا أن هذا لا يجعل الشر نفسه مبررًا على الإطلاق.
٢. لأَنَّهُ كَانَ يَطْلُبُ عِلَّةً عَلَى الْفِلِسْطِينِيِّين: ولكي يتمم الله غرضه، لم يرُغم شَمْشُون على الزواج من المرأة الفِلِسْطِيَّة. بل سمح له أن يتصرف وفقًا لشهواته ورغباته، حتى وإن كان الفعل نفسه خاطئًا. لقد سمح الله بذلك لأسباب تتعلق بحياة شمشون وأخرى ذات نطاق أوسع.
• قد يبرر شخص ما اليوم رغبته في الزواج من شخص غير مؤمن على أمل أن ينتج عنه بعض الخير – مثل أن يؤمن شريكه غير المؤمن بالمسيح يومًا ما. وبينما هذه النتيجة ممكنة، فمن المهم أن نتذكر أنه على الرغم من أن الله استخدم زواج شَمْشُون من امرأة فِلِسْطِيَّة لتحقيق مقاصده، إلا أن ذلك كلّف شَمْشُون الكثير.
• على الرغم من أن الله قادر على جلب الخير حتى من اختياراتنا الخاطئة، إلا أنه يستطيع دائمًا أن يحقق خيرًا أعظم من خلال طاعتنا – وسنختبر نحن ألمًا أقل بكثير في المقابل.
ج) الآيات (٥-٩): شَمْشُون يقتل أسدًا ويأكل عسلًا بريًا.
٥فَنَزَلَ شَمْشُونُ وَأَبُوهُ وَأُمُّهُ إِلَى تِمْنَةَ، وَأَتَوْا إِلَى كُرُومِ تِمْنَةَ. وَإِذَا بِشِبْلِ أَسَدٍ يُزَمْجِرُ لِلِقَائِهِ. ٦فَحَلَّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ، فَشَقَّهُ كَشَقِّ الْجَدْيِ، وَلَيْسَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ. وَلَمْ يُخْبِرْ أَبَاهُ وَأُمَّهُ بِمَا فَعَلَ. ٧فَنَزَلَ وَكَلَّمَ الْمَرْأَةَ فَحَسُنَتْ فِي عَيْنَيْ شَمْشُونَ. ٨وَلَمَّا رَجَعَ بَعْدَ أَيَّامٍ لِكَيْ يَأْخُذَهَا، مَالَ لِكَيْ يَرَى رِمَّةَ الأَسَدِ، وَإِذَا دَبْرٌ مِنَ النَّحْلِ فِي جَوْفِ الأَسَدِ مَعَ عَسَل. ٩فَاشْتَارَ مِنْهُ عَلَى كَفَّيْهِ، وَكَانَ يَمْشِي وَيَأْكُلُ، وَذَهَبَ إِلَى أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَأَعْطَاهُمَا فَأَكَلاَ، وَلَمْ يُخْبِرْهُمَا أَنَّهُ مِنْ جَوْفِ الأَسَدِ اشْتَارَ الْعَسَلَ.
١. وَأَتَوْا إِلَى كُرُومِ تِمْنَة: كان شَمْشُون نَذِيرًا للهِ مدى الحياة (قضاة ١٣: ٤-٥). كان يجب على النَّذِير أن يتجنب تمامًا أي منتجات للعنب (سفر العدد ٦: ٣-٤). ونرى هنا أن شَمْشُون قد اقترب كثيرًا من خطر المساومة.
٢. فَشَقَّهُ كَشَقِّ الْجَدْي: ورغم أن شَمْشُون كان يميل إلى المساومة – سواء في زواجه الوشيك أو في تواجده عند كُرُومِ تِمْنَةَ – إلا أنه كان لا يزال يتمتع بقوة عجيبة لأن رُوحُ الرَّبِّ حَلَّ عَلَيْهِ.
• “إن وجدنا ذلك الأسد الزائر الذي يجول ملتمسًا مَنْ يبتلعه بمفردنا بين كروم الفِلِسْطِيِّين، فأين رجاءنا؟ ليس في سرعتنا، لأنه أسرع منا؛ ولا في أسلحتنا، لأننا طبعًا غير مسلحين؛ ولا في قوة أيدينا التي هي ضعيفة ومتراخية. بل رجاءنا يكمن في روح الله، الذي به نستطيع أن نفعل كل شيء. وإذا كان الله يحارب عنا، فمن يستطيع أن يقاومنا؟ يوجد في داخلنا أسد أقوى وأعظم من الأسد الذي ضدنا.” سبيرجن (Spurgeon)
• يريد روح الله القدوس أن يحل علينا ويمنحنا القوة لعمل ما هو أعظم بكثير من شَقّ الأُسُود. فالروح القدس يحل علينا ليمنحنا القوة لنحيا من أجل الله بأمانة، ولنخبر الآخرين عن يسوع بفعالية.
٣. فَحَسُنَتْ فِي عَيْنَيْ شَمْشُون: هذا لا يعني أنها كانت امرأة جيدة أو مناسبة لكي ينجذب إليها شَمْشُون أو يتزوجها. فمن الممكن أن يُغرَم المرء في شخص لا يصلح بالأساس لإقامة علاقة جادة. ولهذا السبب ينصحنا سفر الأمثال ٢٣:٤ “فَوْقَ كُلِّ تَحَفُّظٍ احْفَظْ (حَرفِيًا، احْرُس أو احْمِ) قَلْبَكَ، لأَنَّ مِنْهُ مَخَارِجَ الْحَيَاةِ.” فالقلب غير المحمي غالبًا ما يكون عرضة للمتاعب.
• إن وقعنا في حب شخص غير مناسب، فإن المسار الوحيد للتصرف هو تركه، لأن هذا ما يُسر الله. لقد علّمنا يسوع أن اتباعه يتطلب منا التخلي عن الأشياء العزيزة علينا (مرقس ١٠: ٢٩-٣٠).
٤. فَاشْتَارَ مِنْهُ عَلَى كَفَّيْهِ، وَكَانَ يَمْشِي: عندما غَرَفَ شَمْشُون العسل من جثة الأسد، خالف صراحة شَرِيعَة النَّذِير التي تمنع أن يمس النذير جسد ميت أو جثة (سفر العدد ٦:٦-٧).
• من الجدير بالذكر أن شَمْشُون فعل هذا بعد أن امتلأ بالروح القدس. وهذا يوضح أن انسكاب الروح القدس لا يجعل الشخص أكثر تقوى تلقائيًا. إن انسكاب الروح القدس يمنح الشخص الموارد ليكون أكثر تقوى، لكنه لا يفعل الأمر نيابة عنه، فالأمر متروك للشخص. قد يمتلك الشخص الكثير من المواهب الروحية ومع ذلك يظل غير ناضج روحيًا.
٥. وَلَمْ يُخْبِرْهُمَا أَنَّهُ مِنْ جَوْفِ الأَسَدِ اشْتَارَ الْعَسَل: أخفى شَمْشُون مصدر العسل عن والديه لأنه كان يعلم أنه كان انتهاكًا واضحًا لشَرِيعَة النَّذِير.
• كان شَمْشُون مُكرسًا (على الأقل ظاهريًا)، لكنه افتقر إلى الشركة الحقيقية مع الله. كان هذا جيدًا فقط للحفاظ على صورته. ولكن تكريسه الظاهري سينكشف للعيان في النهاية.
• في قتل الأسد ومشاركة العسل، رأى سبيرجن (Spurgeon) صورة روحية لعمل المسيح النيابي على الصليب من أجلنا: “لدينا هنا رمز رائع لربنا ومعلمنا. يسوع المسيح، قاهر الموت والجحيم، هزم الأسد الذي زأر ضدنا وضده… أرى ربنا المنتصر، مُحَمَّلًا بالعسل، ويقدمه لكل إخوته، ويدعوهم للمشاركة في فرحه.” سبيرجن (Spurgeon)
• وكما شارك شَمْشُون حلاوة انتصاره على الأسد مع الآخرين، استخدم سبيرجن (Spurgeon) هذا كتشبيه لكيفية مشاركة رسالة الإنجيل مع الآخرين.
أحضر شَمْشُون العسل أوّلًا إلى أقرب الناس إليه.
حَمَل شَمْشُون العسل بيديه، أي بأبسط طريقة متاحة له.
أعطاهم شَمْشُون بعضًا من العسل ليتذوقوه.
أحضر شَمْشُون العسل بكل تواضع، لم يتفاخر بقتل الأسد.
ثانيًا. الوليمة واللغز
أ ) الآيات (١٠-١١): شَمْشُون يقيم حفل لتوديع العزوبية لأصدقائه الفِلِسْطِيِّين.
١٠وَنَزَلَ أَبُوهُ إِلَى الْمَرْأَةِ، فَعَمِلَ هُنَاكَ شَمْشُونُ وَلِيمَةً، لأَنَّهُ هكَذَا كَانَ يَفْعَلُ الْفِتْيَانُ. ١١فَلَمَّا رَأُوهُ أَحْضَرُوا ثَلاَثِينَ مِنَ الأَصْحَابِ، فَكَانُوا مَعَهُ.
١. فَعَمِلَ هُنَاكَ شَمْشُونُ وَلِيمَة: كانت هذه الوليمة في الأساس وليمة شُرب. ورغم أن شَمْشُون ربما لم يخرق نذره صراحة بشرب الخمر، لا شك أنه وضع نفسه في موقف يجعل من السهل عليه أن يخرق نذره.
٢. أَحْضَرُوا ثَلاَثِينَ مِنَ الأَصْحَابِ، فَكَانُوا مَعَهُ: لم يكن صعبًا – ولا يزال – أن تجعل الكثير من الناس يشاركون في وليمة شُرب.
ب) الآيات (١٢-١٤): شَمْشُون يطرح لغزًا يتعلق بالأسد والعسل.
١٢فَقَالَ لَهُمْ شَمْشُونُ: «لأُحَاجِيَنَّكُمْ أُحْجِيَّةً، فَإِذَا حَلَلْتُمُوهُا لِي فِي سَبْعَةِ أَيَّامِ الْوَلِيمَةِ وَأَصَبْتُمُوهَا، أُعْطِيكُمْ ثَلاَثِينَ قَمِيصًا وَثَلاَثِينَ حُلَّةَ ثِيَابٍ. ١٣وَإِنْ لَمْ تَقْدِرُوا أَنْ تَحُلُّوهَا لِي، تُعْطُونِي أَنْتُمْ ثَلاَثِينَ قَمِيصًا وَثَلاَثِينَ حُلَّةَ ثِيَابٍ». فَقَالُوا لَهُ: «حَاجِ أُحْجِيَّتَكَ فَنَسْمَعَهَا». ١٤فَقَالَ لَهُمْ: «مِنَ الآكِلِ خَرَجَ أُكْلٌ، وَمِنَ الْجَافِي خَرَجَتْ حَلاَوَةٌ». فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَحُلُّوا الأُحْجِيَّةَ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ.
١. حُلَّةَ ثِيَاب: يصف هذا حرفيًا بدلة فاخرة أنيقة تُرتدى عادةً في المناسبات المهمة؛ وبالتالي، تم المراهنة على ٣٠ بدلة فاخرة. وكما هو الحال مع معظم المراهنات، فإن هذا “الرهان الودي” قد يتحول إلى شيء غير ودي تمامًا.
٢. مِنَ الآكِلِ خَرَجَ أُكْلٌ: يعكس هذا اللغز عبقرية فذة، إذ أظهر أنه على الرغم من أن شَمْشُون ربما كان ضعيفًا من الناحية الأخلاقية، إلا أنه كان قويًا من الناحية الفكرية.
ج) الآيات (١٥-١٨): زوجة شَمْشُون الفِلِسْطِيَّة تستخرج منه جواب اللغز وتكشفه للفِلِسْطِيِّين.
١٥وَكَانَ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ أَنَّهُمْ قَالُوا لامْرَأَةِ شَمْشُونَ: «تَمَلَّقِي رَجُلَكِ لِكَيْ يُظْهِرَ لَنَا الأُحْجِيَّةَ، لِئَلاَّ نُحْرِقَكِ وَبَيْتَ أَبِيكِ بِنَارٍ. أَلِتَسْلِبُونَا دَعَوْتُمُونَا أَمْ لاَ؟» ١٦فَبَكَتِ امْرَأَةُ شَمْشُونَ لَدَيْهِ وَقَالَتْ: «إِنَّمَا كَرِهْتَنِي وَلاَ تُحِبُّنِي. قَدْ حَاجَيْتَ بَنِي شَعْبِي أُحْجِيَّةً وَإِيَّايَ لَمْ تُخْبِرْ». فَقَالَ لَهَا: «هُوَذَا أَبِي وَأُمِّي لَمْ أُخْبِرْهُمَا، فَهَلْ إِيَّاكِ أُخْبِرُ؟». ١٧فَبَكَتْ لَدَيْهِ السَّبْعَةَ الأَيَّامِ الَّتِي فِيهَا كَانَتْ لَهُمُ الْوَلِيمَةُ. وَكَانَ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ أَنَّهُ أَخْبَرَهَا لأَنَّهَا ضَايَقَتْهُ، فَأَظْهَرَتِ الأُحْجِيَّةَ لِبَنِي شَعْبِهَا. ١٨فَقَالَ لَهُ رِجَالُ الْمَدِينَةِ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ: «أَيُّ شَيْءٍ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَمَا أَجْفَى مِنَ الأَسَدِ؟» فَقَالَ لَهُمْ: «لَوْ لَمْ تَحْرُثُوا عَلَى عِجْلَتِي، لَمَا وَجَدْتُمْ أُحْجِيَّتِي».
١. فَبَكَتِ امْرَأَةُ شَمْشُونَ لَدَيْهِ وَقَالَتْ: «إِنَّمَا كَرِهْتَنِي وَلاَ تُحِبُّنِي»: عرفت زوجة شَمْشُون الفِلِسْطِيَّة كيف تتلاعب بالموقف، مستخدمة إلحاحها المستمر لتنزع من زوجها ما أرادت.
• قد تستخدم الزوجات نفس الطريقة للضغط على أزواجهن حتى يحصلن على ما يردن. وفي حين أن هذا الأسلوب قد يؤدي إلى نتائج قصيرة المدى، إلا أنه يمكن أن يسمم العلاقة في نهاية المطاف وينتهي الأمر بتكلفة أكثر من أي مكسب.
٢. أَخْبَرَهَا لأَنَّهَا ضَايَقَتْه: تمكّنت امرأة بسهولة من التلاعب بأقوى رجل في العالم. وكان ضعف شَمْشُون سببًا في سقوطه فيما بعد.
• إن استعداد زوجة شَمْشُون الفِلِسْطِيَّة للوقوف إلى جانب شعبها ضد شَمْشُون يكشف عن ضعف أساسي في زواجهما. فهي لم تتبن مفهوم الزواج الأساسي المتمثل في ترك الأهل والالتصاق بالشريك وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا (تكوين ٢: ٢٤؛ متى ١٩: ٥). ويُظهِر هذا أيضًا لماذا كان من الخطأ أن يتزوج شَمْشُون من امرأة غريبة. فلا يمكننا أن نتوقع من شخص لا يحب إله إسرائيل أن يبني زواجًا على مبادئه.
• ولكن السبب الذي دفع زوجة شَمْشُون إلى التعاون ضده كان معقدًا أيضًا. فقد تصرفت بدافع الخوف بسبب التهديد الذي وجهوه إليها: لِئَلاَّ نُحْرِقَكِ وَبَيْتَ أَبِيكِ بِنَارٍ. ولو كانت قد أبلغت شَمْشُون بهذه التهديدات، لكان بوسعه أن يتعامل مع الموقف بفعالية. يبدو أنها لم تشعر بالأمان مع شَمْشُون، على الرغم من أنه كان أفضل حماية لها.
٣. لَوْ لَمْ تَحْرُثُوا عَلَى عِجْلَتِي، لَمَا وَجَدْتُمْ أُحْجِيَّتِي: إن استخدام شَمْشُون لهذا المثل يعكس غضبه ومرارته لأنه تعرض للخِداع. وبينما “فازت” زوجته عن طريق الخِداع والتلاعب، إلا أنها في النهاية خسرت قلب زوجها.
• عندما يستسلم الرجل حفاظًا على السلام لتلاعبات زوجته، فإن هذا غالبًا ما يولد الغضب والاستياء لديه، كما يولد في الزوجة الشعور بالذنب بسبب أفعالها. وفي حين أن التلاعب قد يكون مغريًا لأنه يبدو فعالًا، فإنه يؤدي في النهاية إلى ضرر حقيقي ودائم في العلاقة.
د ) الآيات (١٩-٢٠): غضب شَمْشُون وانتقامه.
١٩وَحَلَّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ فَنَزَلَ إِلَى أَشْقَلُونَ وَقَتَلَ مِنْهُمْ ثَلاَثِينَ رَجُلاً، وَأَخَذَ سَلَبَهُمْ وَأَعْطَى الْحُلَلَ لِمُظْهِرِي الأُحْجِيَّةِ. وَحَمِيَ غَضَبُهُ وَصَعِدَ إِلَى بَيْتِ أَبِيهِ. ٢٠فَصَارَتِ امْرَأَةُ شَمْشُونَ لِصَاحِبِهِ الَّذِي كَانَ يُصَاحِبُ
١. وَحَلَّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبّ: لم يحل روح الرب على شَمْشُون لينتقم لمشاعر الزوج المجروحة. كانت خطة الله أكبر بكثير: كَانَ يَطْلُبُ عِلَّةً عَلَى الْفِلِسْطِينِيِّين (قضاة ٤:١٤). وبالتالي، استخدم هذه المناسبة ليسكب روحه على شَمْشُون لضرب الفِلِسْطِيِّين.
٢. وَقَتَلَ مِنْهُمْ ثَلاَثِينَ رَجُلًا، وَأَخَذَ سَلَبَهُمْ وَأَعْطَى الْحُلَلَ لِمُظْهِرِي الأُحْجِيَّةِ: سدد شَمْشُون الرهان، لكنه فعل ذلك على حساب الفِلِسْطِيِّين. فقتل ثلاثين من أعداء إسرائيل وأعطى ثيابهم للوفاء بالدين.
٣. فَصَارَتِ امْرَأَةُ شَمْشُونَ لِصَاحِبِهِ الَّذِي كَانَ يُصَاحِبُه: فاز شَمْشُون بالمعركة، ولكنه خسر الحرب. تركته زوجته وتزوجت من الشخص الَّذِي كَانَ يُصَاحِبُه (أي إشْبِينه). ومن المثير للاهتمام أن نفكر فيما قد يقوله شَمْشُون وزوجته إذا ذهبا إلى استشارة زوجية.
• ماذا يمكن أن يقول شَمْشُون لمشير الزواج: أنا أُحب زوجتي، ولكنني أشعر وكأننا نسير في اتجاهات مختلفة. كل ما أسمعه منها هو التذمر، وحتى عندما أستسلم في النهاية لمطالبها، أشعر بالغضب، ويبدو أن الموقف يزداد سوءًا. أحتاج إلى الشعور بدعمها وأنها في صفي حقًا. أعتقد أنها تريد التخلي عن الزواج إذا لم تكن قد فَعَلت ذلك بالفعل.
• ماذا يمكن أن تقول زوجة شَمْشُون لمشير الزواج: زوجي رجل طيب، لكنه لا يلبي احتياجاتي. وقعنا في الحب من أول نظرة، لكن الأمور تدهورت الآن. هناك أشياء أحتاجها منه لكنه لا يستطيع أو لا يريد توفيرها. وعندما لا يستجيب لاحتياجاتي، ينتهي بنا الأمر بمشاجرات كبيرة. لا أحد منا يشعر بالسعادة. بدأت أتساءل عما إذا كان لا يزال يحبني.
• لقد كان شَمْشُون مخطئًا لأنه لم يحفظ قلبه وسمح لنفسه بالوقوع في حب امرأة لم تكن مناسبة له. وكان مخطئًا لأنه لم يؤسس بيته على مبادئ الله. كان مخطئًا أيضًا لأنه لم يكن يرد على تلاعبات زوجته بالحب الخالي من الغضب.
• في الوقت نفسه، كانت زوجة شَمْشُون مخطئة لأنها انحازت إلى آخرين ضد زوجها. كانت مخطئة لأنها لم تكن صادقة معه بشأن القضية الحقيقية. وكانت مخطئة لأنها تلاعبت به بمضايقته حتى حصلت على ما تريد. والأهم من ذلك أنها تخلت عن الزواج – فشَمْشُون لم يتركها؛ بل هي التي تركته. وبغض النظر عن التحديات في العلاقة، فإن الوصية الأساسية لله هي عدم التخلي عن الزواج.
• يمكننا أن نقول بحق مع تشارلز سبيرجن: “شَمْشُون نفسه كان لغزًا. لم يكن صانع ألغاز فحسب، بل كان هو نفسه لغزًا يصعب تفسيره.” سبيرجن (Spurgeon)