تفسير رسالة بطرس الثانية – الإصحَاح ١
ضمان الحياة المسيحية
أولاً. التشجيع لمعرفة الله وماذا فعل لأجلنا
أ ) الآية (١): تقديم رسالة بطرس إلى المؤمنين.
١سِمْعَانُ بُطْرُسُ عَبْدُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَرَسُولُهُ، إِلَى الَّذِينَ نَالُوا مَعَنَا إِيمَانًا ثَمِينًا مُسَاوِيًا لَنَا، بِبِرِّ إِلهِنَا وَالْمُخَلِّصِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.
- سِمْعَانُ بُطْرُسُ: دعا الرسول هنا اسمه سِمْعَانُ بُطْرُسُ ربما لأنه كتب هذه الرسالة في مرحلة لاحقة من العمر، ولم يرد أن ينسى من أين أتى وأنه في بعض الأحيان يشبه سِمْعَان القديم (قبل الإيمان) أكثر من بُطْرُس الجديد (بعد الإيمان).
- نتذكر أن سِمْعَان كان اسمه الذي دُعي به وقت ولادته، لكن بُطْرُس هو الاسم الخاص الذي أُعطي له من الرب يسوع، أن يدعوه ’كصخرة‘ بتفكيره وسلوكه.
- قال بعضهم أن بطرس لم يكتب هذه الرسالة لأن الموضوع وطريقة الكتابة تختلف بشكل أو بآخر عن رسالة بطرس الأولى. ولكن الهدف من الرسالتين هو المختلف كلياً. فبطرس الأولى كُتبت لتشجيع المؤمنين الذين يعيشون تحت تهديد اضطهاد عنيف. وبطرس الثانية كُتبت لتحذير نفس المؤمنين من خطر التعاليم الخاطئة المُضلة، والتي لها تأثير مؤذٍ.
- “كان بطرس مقتنعاً تماماً بأن أفضل علاج ضد الهرطقة هو النضوج في معرفة الحق. لهذا شجع قُرّاءه على أن يكون لديهم الفهم الصحيح للنبوات، وأن يعيشوا حياة التقوى بينما ينتظرون مجيء المسيح وأن ينمو في النعمة وفي معرفة الرب.” كيربي (Kirby)
- عَبْدُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَرَسُولُهُ: إن تسلسل هذه الألقاب مهم. فبطرس يعتبر نفسه أولاً عبداً ومن ثم رسولاً. وبالنسبة له أن يكون معروفاً بأنه عَبْد كان الأهم من أن يُعرف بأنه رسول.
- إِلَى الَّذِينَ نَالُوا مَعَنَا إِيمَانًا ثَمِينًا: كتب بطرس إلى الذين نالوا نفس الخلاص الذي اختبره هو، الذي سمَّاه ’إِيمَانًا ثَمِينًا.‘ وقد نَالُوا هذا الإيمان بِبِرِّ إِلهِمم، وليس بالجهد البشري.
- “ويقول لنا أيضاً: أن الإيمان هو إيمان ثمين، لأنه يتعامل مع أشياء ثمينة ومع وعود ثمينة ودم ثمين وفداء ثمين ومع أغلى شخص هو الرب المخلص يسوع المسيح.‘” سبيرجن (Spurgeon)
- إِيمَانًا ثَمِينًا: هذا الإيمان الثمين ربما يتكلم عن حقيقة أن الأمم واليهود يتمتعوا بهذا الإيمان على حد سواء، وبالتالي يتمتعون بنفس فوائد الإيمان بيسوع. “الله أعطاكم أيها المؤمنين الأمم نفس الإيمان والخلاص الذي أُعطي لنا نحن المؤمنين من اليهود.” كلارك (Clarke)
- إِلهِنَا وَالْمُخَلِّصِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ: القواعد في اللغة اليونانية القديمة تُبين أن بطرس قال أن يَسُوعَ الْمَسِيحِ هو إِلهِنَا وَالْمُخَلِّصِ. فبطرس كان واضحاً في عبارته أن يسوع كان وما زال إِلهِنَا وَالْمُخَلِّصِ.
- “القواعد النحوية لا تترك أدنى شك في أن بطرس في هذه الكلمات يدعو يسوع المسيح الله ومخلص، بالصفتين معاً.” بلم (Blum)
ب) الآيات (٢-٤): توسعت التحية لفهم قيمة معرفة الله.
٢لِتَكْثُرْ لَكُمُ النِّعْمَةُ وَالسَّلاَمُ بِمَعْرِفَةِ اللهِ وَيَسُوعَ رَبِّنَا. ٣كَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ الإِلهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى، بِمَعْرِفَةِ الَّذِي دَعَانَا بِالْمَجْدِ وَالْفَضِيلَةِ، ٤اللَّذَيْنِ بِهِمَا قَدْ وَهَبَ لَنَا الْمَوَاعِيدَ الْعُظْمَى وَالثَّمِينَةَ، لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ، هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ.
- لِتَكْثُرْ لَكُمُ النِّعْمَةُ وَالسَّلاَمُ: أشار بطرس إلى أن النِّعْمَةُ وَالسَّلاَم – أي أثمن الهبات – هم لنا بِمَعْرِفَةِ اللهِ وَيَسُوعَ رَبِّنَا. فكلما عرفنا الله أكثر كلما اكتسبنا هذه القواعد الأساسية للخلاص والسلوك في الحياة.
- قُدْرَتَهُ الإِلهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى: لن نحظى بالنِّعْمَةُ وَالسَّلاَم فحسب، لكن كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى هو أيضاً لنا بِمَعْرِفَةِ اللهِ وَيَسُوعَ رَبِّنَا. فمعرفة الله هي المفتاح لكل مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى.
- تأتينا هذه الأشياء من خلال قُدْرَتَهُ الإِلهِيَّةَ. “قُدْرَتَهُ الإِلهِيَّةَ! يا له من مصطلح رائع وغني بالكنوز! قدرته الإلهية التي كشفت أعماق الأرض والبحار! قدرته الإلهية التي أرشدت النجوم في السماء! قدرته الإلهية التي تحمل أركان الكون، والتي يوماً ما ستهز أساساته وستعود كل الأشياء لحالتها الأصلية وكأنها لم تكن.” سبيرجن (Spurgeon)
- نحن مستعدون أن نجرب كل شيء ما عدا مَعْرِفَةِ اللهِ. فنحن نضع ثقتنا في أنظمة وخطط الإنسان بدلاً من مَعْرِفَةِ اللهِ. وسنحاول أن نعرف أنفسنا بدلاً من مَعْرِفَةِ اللهِ. ولكننا نحتاج أن نصل إلى نفس قناعة الرسول بولس عندما قال: لأَعْرِفَهُ (فيلبي١٠:٣).
- وفقاً لبلم (Blum) كلمة مَعْرِفَة اليونانية القديمة لا تشير إلى معرفة عادية، إنما تعني المعرفة الدقيقة الكاملة الشاملة.
- بِمَعْرِفَةِ الَّذِي دَعَانَا: نعرفه من خلال كلمته ومن خلال الصلاة ومن خلال الشركة مع شعب الله. صحيح أننا بحاجة للشركة الفردية مع الله، لكن الله لا يتعامل معنا بشكل فردي فقط، لكنه يريد أن يتعامل معنا ونحن جزء من شعبه أيضاً.
- الَّذِي دَعَانَا: معرفة الله هذه تأتي إلى المدعوين فقط. إنها معرفة صحيح، لكنها ليست مجرد معرفة عقلية أو فكرية. فهي المعرفة التي تأتي نتيجة اختبار – أي اختبار معرفة الله نفسه.
- الَّذِي دَعَانَا بِالْمَجْدِ وَالْفَضِيلَةِ: إن الْمَجْدِ وَالْفَضِيلَةِ دفعتا يسوع ليدعونا ويقربنا إليه.
- اللَّذَيْنِ بِهِمَا قَدْ وَهَبَ لَنَا الْمَوَاعِيدَ الْعُظْمَى وَالثَّمِينَةَ: هذا يوضح لنا قيمة الْمَجْدِ وَالْفَضِيلَةِ اللذين لدى الله الذي دعانا. فمن خلال مجده وفضيلته أعطانا الله وعوداً عظمى وثمينة. وهذا يعني أن مواعيد الله لنا هي مبنية على أساس مجده وفضيلته، وبالتالي موثوق بها تماماً لأن الله لا يمكن أبداً أن يساوم على مجده وفضيلته.
- يُذكرنا مزمور ٢:١٣٨ أن الله قَدْ عَظَّم كَلِمَتَهُ حتى فوق اسمه، فلا يجب علينا أبداً أن نشك في أي وعد من الله. وبدلاً من الشك “لِيَكُنِ اللهُ صَادِقًا وَكُلُّ إِنْسَانٍ كَاذِبًا.” (رومية ٤:٣).
- لهذه الأسباب نجد أن مواعيد الله عُظْمَى (أي ضخمة وكبيرة) وثَّمِينَةَ (أي قيّمة وغالية). “هناك أشياء كثيرة ضخمة ولكنها ليست ثمينة، كالصخرة مثلاً، مع أن حجمها كبير لكنها ذات قيمة ضئيلة. وهناك أشياء كثيرة ثمينة ولكنها ليست ضخمة، كحجر الألماس والجواهر مثلاً فهي ليست بالحجم الكبير، لكنها ثمينة جداً. ولكن لدينا هنا مواعيد الله التي هي عُظمى وأبدية وثمينة جداً.” سبيرجن (Spurgeon)
- “كانت هذه المواعيد هامة جداً لراحة الأمم وأن يعرفوا أن الخلاص لم يكن حصرياً لليهود.” كلارك (Clarke)
- لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ: هذا يفسر ويُبين قيمة هذه الْمَوَاعِيدَ الْعُظْمَى وَالثَّمِينَةَ. فمن خلال هذه الوعود نحن شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ. وفكرة بطرس هنا تشبه فكرة بولس عن مقامنا المجيد كأبناء وبنات لله بالتبني (غلاطية ٥:٤-٧).
- يظهر هذا كرم ومحبة الله بشكل ملحوظ. فقد كان من الممكن لله أن ينقذنا من الجحيم دون أن يدعونا لنكون شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ. ولكن دعوته هذه تبين مدى عمق محبة الله لنا، وأنه يريد أن يشاركنا حياته، بل أنه يريد حتى أن يشارك شعبه الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ.
- هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ: الله متعالٍ وفوق الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ، وهذا يجب أن يكون حال الذين يشاركونه الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ. فهذا الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ يُبين نفسه من خلال الشَّهْوَةِ والرغبات الشريرة في هذا العالم.
ج ) الآيات (٥-٧): كيف نعيش كشركاء في الطبيعة.
٥وَلِهذَا عَيْنِهِ وَأَنْتُمْ بَاذِلُونَ كُلَّ اجْتِهَادٍ قَدِّمُوا فِي إِيمَانِكُمْ فَضِيلَةً، وَفِي الْفَضِيلَةِ مَعْرِفَةً، ٦وَفِي الْمَعْرِفَةِ تَعَفُّفًا، وَفِي التَّعَفُّفِ صَبْرًا، وَفِي الصَّبْرِ تَقْوَى، ٧وَفِي التَّقْوَى مَوَدَّةً أَخَوِيَّةً، وَفِي الْمَوَدَّةِ الأَخَوِيَّةِ مَحَبَّةً.
- بَاذِلُونَ كُلَّ اجْتِهَادٍ: نحن شركاء الطبيعة الإلهية، ولكننا لن ننمو روحياً أبداً لمجرد أننا أصبحنا أبناء وبنات روحيين. ولهذا يطلب منا أن نبذل كُلَّ اجْتِهَادٍ في مسيرنا مع الرب.
- قَدِّمُوا فِي إِيمَانِكُمْ فَضِيلَةً: نبدأ حياتنا مع الله بالإيمان، لكن الإيمان يتطور ليصبح فَضِيلَةً ومَعْرِفَةً وتَعَفُّف وصَبْر وَتَقْوَى ومَوَدَّةً أَخَوِيَّةً ومَحَبَّةً – والمحبة هي حجر الأساس لكل ما يعمل الله فينا.
- قَدِّمُوا فِي إِيمَانِكُمْ: تعني هذه الجملة في اليونانية القديمة حرفياً: “يداً بيد، ويعتقد البعض أنها إشارة إلى الفرقة اليونانية التي كانت ترقص يداً بيد.” كلارك (Clarke)
- يوضح نطاق القائمة أن الله يريدنا أن نحيا حياة مسيحية متكاملة، كاملة من جميع النواحي، فلا يمكننا أن نكتفي بحياة مسيحية غير كاملة.
- في كلمة تَعَفُّفًا (ضبط النفس) يقول الباحث اليوناني كينث وست: “استخدم اليونانيين كلمة التعفف أو ضبط النفس لوصف شخص لم يكن مُسيَّر أو عبد للرغبة الجنسية.
- بَاذِلُونَ كُلَّ اجْتِهَادٍ: هذه الصفات الجميلة لا تأتينا من الرب ببساطة، بل يجب أن نستقبلها باذلين الجهد لكسبها. إذاً نحن مدعوون لأن نبذل كل جهد لنحصل على هذه الأشياء، والعمل في شراكة مع الله لنكتسبها في حياتنا.
د ) الآيات (٨-٩): كيف نستخدم هذه الصفات لقياس حياتنا المسيحية.
٨لأَنَّ هذِهِ إِذَا كَانَتْ فِيكُمْ وَكَثُرَتْ، تُصَيِّرُكُمْ لاَ مُتَكَاسِلِينَ وَلاَ غَيْرَ مُثْمِرِينَ لِمَعْرِفَةِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. ٩لأَنَّ الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ هذِهِ، هُوَ أَعْمَى قَصِيرُ الْبَصَرِ، قَدْ نَسِيَ تَطْهِيرَ خَطَايَاهُ السَّالِفَةِ.
- لأَنَّ هذِهِ إِذَا كَانَتْ فِيكُمْ وَكَثُرَتْ: إذا كانت فينا هذه الأشياء وَكَثُرَتْ، سيصبح واضح للجميع أننا لاَ مُتَكَاسِلِينَ وَلاَ غَيْرَ مُثْمِرِينَ في مَعْرِفَةِ يسوع.
- إن الكلمتين مُتَكَاسِلِينَ وغَيْرَ مُثْمِرِينَ تميز حياة العديد من المؤمنين الذين يفتقرون إلى هذه الصفات لأنهم لا يعرفون الله، بمعنى أنهم لا يتمتعون بعلاقة شخصية عميقة معه.
- كَثُرَتْ: قد يشعر البعض بالإرتياح لأن هذه الصفات موجودة فيهم من حين لآخر، لكن بطرس يقول أنه يجب أن تكثر فينا دائماً.
- لأَنَّ الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ هذِهِ، هُوَ أَعْمَى قَصِيرُ الْبَصَرِ: إن كنا نفتقر لهذه الأشياء فإن ذلك يدل على أن لدينا مشكلة في النظر وأننا نعاني من قَصِيرُ الْبَصَرِ غير قادرين على رؤية الله بل أنفسنا. وهذا يجعلنا عُمي تقريباً، ويُبين أننا قد نسينا أننا قد تطهرنا من خطايانا السالفة.
- “شخص كهذا ينظر للأشياء من الناحية الزمنية الوقتية ويفشل بأن يراها من الناحية الأزلية الأبدية… ينظر ويرى نفسه ورفاقه دون أن ينظر ويرى الله. وقصر البصر هذا مدمر لحياتنا الروحية، وبالتالي يجعل تقدمنا في حياتنا المسيحية مستحيلاً.” مورغان (Morgan)
- السبب لهذه الحالة قد ذُكر أيضاً: فشخص كهذا قَدْ نَسِيَ تَطْهِيرَ خَطَايَاهُ السَّالِفَةِ. “هذا يعني أنه فشل في التجاوب مع الحياة الفياضة التي حصل عليها عندما قبل المسيح وتطهر من طبيعته القديمة في بداية إيمانه.” مورغان (Morgan)
- ربما قد نَسِيَ هذا الإنسان كم كان سيئاً، وكم هو بحاجة لهذا التطهير. وربما نَسِيَ الثمن الباهظ لتطهيره من الخطية البشعة. وربما نَسِيَ كم هو كان التطهير عظيم وكامل، وكيف جعل خاطئاً مذنباً نقياً كنقاء الثلج (إشعياء١٨:١).
هـ) الآيات (١٠-١١): جعل دعوتنا واختيارنا ثَابِتَيْنِ.
١٠لِذلِكَ بِالأَكْثَرِ اجْتَهِدُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَجْعَلُوا دَعْوَتَكُمْ وَاخْتِيَارَكُمْ ثَابِتَيْنِ. لأَنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذلِكَ، لَنْ تَزِلُّوا أَبَدًا. ١١لأَنَّهُ هكَذَا يُقَدَّمُ لَكُمْ بِسِعَةٍ دُخُولٌ إِلَى مَلَكُوتِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الأَبَدِيِّ.
- لِذلِكَ بِالأَكْثَرِ اجْتَهِدُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَجْعَلُوا دَعْوَتَكُمْ وَاخْتِيَارَكُمْ ثَابِتَيْنِ: هذا يُبين كيف يمكننا أن نتأكد أن الله هو الذي دعانا وهو من اختارنا. فهو يعمل فينا كل هذه الأشياء التي تكلم عنها في بطرس الثانية ١: ٥-٧ (إيمان وفَضِيلَةً ومَعْرِفَةً وتَعَفُّف وصَبْر وَتَقْوَى ومَوَدَّةً أَخَوِيَّةً ومَحَبَّةً). وعندما نرى هذه الصفات في حياتنا، نعرف أن حياتنا أصبحت أشبه بطبيعة حياة المسيح يسوع، وأننا تغيرنا لنصبح مشابهين صورة ابنه (رومية ٢٩:٨).
- من الممكن لشخص غير مُخلَّص أن يقوم بالعديد من الواجبات الدينية والأخلاقية، لكن ’هذه الأشياء‘ التي كتب عنها بطرس تظهر حالة القلب ويجب أن تكون واضحة في حياة كل مؤمن. وبكل بساطة نقول، إن كنا قد دُعينا وقد اختارنا، إذاً نحن مولودون الولادة الجديدة، وإن كنا مولودين ثانية فيجب على كل هذه الصفات أن تظهر في سلوكنا.
- “ومع ذلك ربما يسأل أحدهم: لماذا الدعوة قد سبقت الاختيار هنا مع أن الدعوة زمنية والاختيار أبدي؟ أُجيب: لأن الدعوة قدمت لنا أولاً. فأول شيء نستطيع أن نعرفه هو دعوتنا: فلن نعلم أنه قد اختارنا إلى أن نشعر بأننا قد دُعينا. فعلينا أولاً أن نثبت في الدعوة، ومن ثم يكون اختيارنا مؤكداً.” سبرجن (Spurgeon)
- لأَنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذلِكَ، لَنْ تَزِلُّوا أَبَدًا: في السعي وراء هذه الأشياء لن نزل ولن نتعثر. والنمو الروحي المستمر والتقدم في الحياة المسيحية هو الوقاية الأكيدة من أن نزل ونتعثر.
- لأَنَّهُ هكَذَا يُقَدَّمُ لَكُمْ بِسِعَةٍ دُخُولٌ إِلَى مَلَكُوتِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الأَبَدِيِّ: يُذكر بطرس هنا قُرَّاءه بالمكافأة الكبيرة من ثبات الدعوة والاختيار. فهم سيدخلون السماء بالمجد وليس كما بنار (كورنثوس الأولى ١٥:٣).
- “هناك طريقتان لدخول المرفأ. فقد تدخل السفينة متعثرة بالأمواج. والطريقة لتبقى عائمة على السطح هي العمل المستمر في المضخات؛ أو أن تدخل بكل سهولة وراحة مدفوعة بالأشرعة. والحالة الثانية هي ما يرغب الرسول أن يتمتع به هو وإخوته القراء. فهو يرغب أن يعلمهم معنى الدخول بسعةٍ إلى الملكوت.” ماير (Meyer)
- وأضاف ف. ب. ماير (F.B. Meyer): “إن فكرة الدخول المجيد تشبه فكرة الدخول الملكي. فعندما يدخل القائد الروماني مدينته بعد نصره، كانوا يحتفلون بلقائه المغنيين والموسيقيين وينضمون إلى موكبه إلى داخل المدينة.
- “هل سيكون دخولك للسماء بهذه الطريقة؟ هل ستدخل كما بنار أم أنك ستنال مكافأة؟ هل ستكون ستدخل كغريب وغير معروف لأحد أم سيُرحب بك مئات الأشخاص الذين كنت سبب بركة لهم على الأرض؟” ماير (Meyer)
ثانياً. الحاجة إلى التذكِرة
أ ) الآية (١٢): بطرس يشرح لماذا يكتب عن أشياء قد سمعوها من قبل – أساسيات الحياة المسيحية.
١٢لِذلِكَ لاَ أُهْمِلُ أَنْ أُذَكِّرَكُمْ دَائِمًا بِهذِهِ الأُمُورِ، وَإِنْ كُنْتُمْ عَالِمِينَ وَمُثَبَّتِينَ فِي الْحَقِّ الْحَاضِرِ.
- لِذلِكَ: كتب بطرس للتو عن وعد الدخول إلى ملكوت الله الأبدي (بطرس الثانية ١١:١). ولأن الدخول إلى الملكوت في غاية الأهمية، كان من المفيد ومن الضروري بالنسبة لبطرس أَنْ يذكرهم دَائِمًا بأساسيات الحياة المسيحية.
- لاَ أُهْمِلُ أَنْ أُذَكِّرَكُمْ دَائِمًا بِهذِهِ الأُمُورِ، وَإِنْ كُنْتُمْ عَالِمِينَ: على الرغم من أن قُرّاءه كانوا يعرفون الحق، ولأن الأمر يتعلق بمصيرهم الأبدي، كان يستحق أن يذكرهم بهذه الأمور مراراً وتكراراً.
- يتدرب الفريق الرياضي الذي يلعب على البطولة على أساسيات اللعبة مرات عدة. ومع أنهم على علم بتقنيات اللعبة، لكنهم يكررونها لأنهم يريدون النصر.
- لهذا السبب لا ينبغي على المؤمنين أن يتعبوا من سماع أساسيات الحياة المسيحية. وعلينا أن نفرح في كل مرة نتعلم فيها عن يسوع المسيح وعن إنجيله وعن خطته لحياتنا.
- مُثَبَّتِينَ فِي الْحَقِّ الْحَاضِرِ: كلمة مُثَبَّتِينَ هي نفس الكلمة المترجمة ’ثَبِّتْ‘ في إنجيل لوقا ٣٢:٢٢ عندما قال يسوع لبطرس: “وَأَنْتَ مَتَى رَجَعْتَ ثَبِّتْ إِخْوَتَكَ.” وهذا ما فعله بطرس هنا، فقد تمم وصية الرب يسوع له. ولهذا سيثبتنا ويقوينا بتذكيرنا بأساسيات الحياة المسيحية.
ب) الآيات (١٣-١٤): سبب إلحاح بطرس.
١٣وَلكِنِّي أَحْسِبُهُ حَقًّا مَا دُمْتُ فِي هذَا الْمَسْكَنِ أَنْ أُنْهِضَكُمْ بِالتَّذْكِرَةِ، ١٤عَالِمًا أَنَّ خَلْعَ مَسْكَنِي قَرِيبٌ، كَمَا أَعْلَنَ لِي رَبُّنَا يَسُوعُ الْمَسِيحُ أَيْضًا.
- لكِنِّي أَحْسِبُهُ حَقًّا: بسبب ما هو على المحك، عرف بطرس أنه من الصواب التذكير باستمرار، خاصة لأنه كان يعلم أن حياته على الأرض على وشك الانتهاء.
- عَالِمًا أَنَّ خَلْعَ مَسْكَنِي (خَيْمَةَ جَسَدِي) قَرِيبٌ: اعتبر بطرس أن جسده ليس إلا مجرد خيمة، والخيمة هي رمز للسكن المؤقت. فيجب الاهتمام بالخيمة، لكنك لن تستثمر موارد كثيرة لتصلح هذه الخيمة، بل تستثمر مواردك لمكان أكثر دوام من الخيمة. فإن كان مسكننا الدائم هو السماء، إذاً علينا أن نستثمر أكثر في السماء من خيمتنا أو جسدنا الأرضي.
- كيف عرف بطرس أنه بعد فترة قصيرة سيخلع مسكنه أو خيمته الأرضية؟ ربما كان ذلك بسبب أن بطرس وبكل بساطة كان قد كبر في السن. وربما كان ذلك بسبب لهيب الاضطهاد الذي كان يزداد حوله. فتاريخ الكنيسة يسجل أن بطرس مات شهيداً بالفعل، تماماً كما قال الرب يسوع المسيح (يوحنا ١٨:٢١-١٩).
- يظهر هذا أن بولس قد صدق فعلاً أن نبوة يسوع ستتحقق بالكامل. فقد أعلن يسوع لبطرس أنه سيموت شهيداً، وصدق ذلك، رغم أنه ربما تمنى أن يكون هذا الكلام مجرد تعبير رمزي.
ج ) الآية (١٥): بطرس يستعد للمستقبل.
١٥فَأَجْتَهِدُ أَيْضًا أَنْ تَكُونُوا بَعْدَ خُرُوجِي، تَتَذَكَّرُونَ كُلَّ حِينٍ بِهذِهِ الأُمُورِ.
- فَأَجْتَهِدُ أَيْضًا أَنْ تَكُونُوا بَعْدَ خُرُوجِي، تَتَذَكَّرُونَ: وضع بطرس هذا التذكير في رسالة كي يتذكر شعب الله كل هذه الأمور حتى بعد رحيله.
- بَعْدَ خُرُوجِي (أي بعد مماتي): علِم بطرس بأهمية نقل تعليم الرسل وأهمية حفظ التعليم ذو السلطان الإلهي من الرسل والأنبياء. وهذا التعليم المكتوب من الرسل وشركائهم في الخدمة هو أساس الكنيسة (أفسس ٢٠:٢) الذي حفظه الله لجميع الأجيال.
ثالثاً. يقين الشهادة الرسولية
أ ) الآيات (١٦-١٨): الدليل على مَجْدَ المَسِيح أثناء التجلي.
١٦لأَنَّنَا لَمْ نَتْبَعْ خُرَافَاتٍ مُصَنَّعَةً، إِذْ عَرَّفْنَاكُمْ بِقُوَّةِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَمَجِيئِهِ، بَلْ قَدْ كُنَّا مُعَايِنِينَ عَظَمَتَهُ. ١٧لأَنَّهُ أَخَذَ مِنَ اللهِ الآبِ كَرَامَةً وَمَجْدًا، إِذْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ صَوْتٌ كَهذَا مِنَ الْمَجْدِ الأَسْنَى: «هذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي أَنَا سُرِرْتُ بِهِ». ١٨وَنَحْنُ سَمِعْنَا هذَا الصَّوْتَ مُقْبِلاً مِنَ السَّمَاءِ، إِذْ كُنَّا مَعَهُ فِي الْجَبَلِ الْمُقَدَّسِ.
- لأَنَّنَا لَمْ نَتْبَعْ خُرَافَاتٍ مُصَنَّعَةً: أعلن بطرس رسمياً أن شهادة الرسل – التي بسببها تحملوا التعذيب وأسلموا حياتهم لأجلها – لم تكن مجرد شهادة مبنية على خرافات ذكية أو حتى نصف حقائق، بل شهادة أشخاص كانوا مُعَايِنِينَ عَظَمَتَهُ (أي كانوا شُهُودَ عَيَانٍ لِجَلَالِهِ).
- خُرَافَاتٍ: معناها في اليونانية القديمة ’أساطير.‘ إذ يعتقد البعض أن الإنجيل والكلمة النبوية هي مجرد أساطير قديمة. ولكن بطرس أصر وبكل أحقية أن رسالته ليست خرافة، بل هي تاريخ مدعوم بشهود عيان.
- يمكننا إعادة بناء الأحداث التاريخية بشكل موثوق من شهادة شهود العيان الذين يجب التحقق من صدقهم. وقد تم التحقق من الرسل وكتَّاب العهد الجديد لعدة قرون وكانت شهادتهم دائماً صادقة وصحيحة.
- مُعَايِنِينَ عَظَمَتَهُ: متى رأى بطرس عظمة وجلالة يسوع؟ كانت هناك العديد من المناسبات، لكن مناسبة واحدة قد تكون عالقة في ذهنه: تجلي الرب يسوع كما هو مدوَّن في إنجيل متى ١:١٧-٨ ومرقس ١:٩-٩ ولوقا ٢٨:٩-٣٦. ونعرف ذلك لأن بطرس استشهد هنا بما قاله الله الآب ليسوع عند التجلي: «هذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي أَنَا سُرِرْتُ بِهِ».
- تغيرت هيئة يسوع تماماً أمام التلاميذ وقت التجلي، ولم يكن هذا التغيير مجرد تغيير في المظهر الخارجي. فقد كان التأثير مدهشاً للغاية على التلاميذ حيث تغيرت هيئته قدامهم وأضاء وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالنور بحيث كان من الصعب النظر إلى يسوع (متى ١٧:٢).
- قد يقول أحدهم أن هذا المجد المشرق لم يكن معجزة جديدة، لكنه توقف وجيز لمعجزة مستمرة. فالمعجزة الحقيقية هي أن يسوع استطاع في معظم الأحيان أن يحجب مجده.
- هذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي أَنَا سُرِرْتُ بِهِ: في التجلي تكلم الآب من السماء ليعلن عن موافقته وسروره في الله الابن. ونستطيع أن نشعر من كلمات بطرس هنا أن تلك الكلمات كانت لا تزال ترن في أذنه، لأنه في التجلي إقترفَ خطأً فادحاً بإعتقاده أن يسوع كان مساوياً لموسى وإيليا اللذين ظهرا معه.
- كانت هذه الكلمات من السماء في غاية الأهمية لأن يسوع كان قد أخبر تلاميذه أنه سيُصلب وأن أتباعه أيضاً سيحملون صليبهم ويتبعوه (مرقس ٣١:٨- ٣٨). وقد احتاج تلاميذه أن يسمعوا هذه الكلمات ليحافظوا على ثقتهم بيسوع، كما احتاجوا أن يسمعوا أن يسوع لا يزال موضوع سرور الآب على الرغم أنه قال لهم أنه سيُصلب.
- وضعت هذه الكلمات النازلة من السماء يسوع في مرتبة أعلى بكثير من الناموس والأنبياء. فيسوع لم يكن مجرد شخص قدم الناموس والشرائع بصورة أفضل ولم يكن مجرد نبي آخر. فيسوع هو الابن الحبيب.
- كان الصوت من السماء في الأساس توبيخاً لبطرس (مرقس ٧:٩). ومع ذلك ما كان توبيخاً يوماً تحول إلى ذاكرة حلوة.
- ظهر موسى وإيليا مع يسوع لأنهما يمثلان أولئك الذين أخذهم الله إلى السماء (سفر القضاة ٩ وملوك الثاني ١١:٢). وهم أيضاً يمثلون الناموس (موسى) والأنبياء (إيليا). وإيليا وموسى مرتبطين بالنبوات، ولهم ارتباط وثيق بالشاهدين المذكورين في سفر رؤيا يوحنا ٣:١١-١٣.
- وَنَحْنُ سَمِعْنَا هذَا الصَّوْتَ مُقْبِلاً مِنَ السَّمَاءِ: لقد كان شيئاً رائعاً بالنسبة لبطرس والتلاميذ أن يروا يسوع المتجلي، يسوع ممجداً، وكان رائعاً أن يسمعوا هذَا الصَّوْتَ مُقْبِلاً مِنَ السَّمَاءِ. ومع ذلك فإن هذا الاختبار نفسه لم يُغير حياتهم. فالأمر الوحيد الذي غير حياتهم كان الولادة الثانية بالروح القدس التي منحتهم الجرأة للمجاهرة بالإنجيل لأبعد الحدود. كان التجلي اختبار رائع بالفعل، لكنه كان مجرد اختبار عابر إلى أن ولدوا الولادة الجديدة.
ب) الآية (١٩): الدليل على إتمام النبوة.
١٩وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، الَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا، كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ، إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ، وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ.
- وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ: اختبار بطرس في التجلي كان مذهلاً. ولكن شهادة كلمة الله عن يسوع كانت أثبت وأدق من اختبار بطرس الشخصي. فتحقيق النبوات كانت بمثابة تأكيد على صحة الكتاب المقدس.
- “وفقاً للترجمة العامة يبدو أن النبوة هي دليل أكيد على الوحي الإلهي أكثر من المعجزات، وهكذا كانوا يفهمونها.” كلارك (Clarke).
- الَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا: عندما ننتبه إلى الشهادة النبوية عن يسوع نفعل حسناً. فهناك على الأقل ٣٣٢ نبوة عن المسيا في العهد القديم وقد حققها يسوع بالكامل. إن جمع كل الأدلة معاً، من منظور إحصائي بسيط، يجعلنا عاجزين عن الكلام.
- قام البروفيسور بيتر ستونر (Peter Stoner) بحساب احتمالية وجود إنسان تتحقق فيه ثمانية من هذه النبوات ووجد أنها تساوي نسبة ١/١٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠ (١٠ على قوة ١٧). ولو كان لدينا هذا العدد من الدولارات النقدية الفضية لاستطعنا تغطية ولاية تكساس بعمق ٢ قدم. ويضيف ستونر: إن اخذنا في الاعتبار الـ ٤٨ نبوة، فإن الاحتمالية سترتفع إلى ١ على ١٠ قوة ١٥٧.
- كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ: لا عجب أن يقول بطرس أن الكلمة النبوية هِيَ أَثْبَتُ، وأنها مثل سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ، وهو شيء يجب أن نتمسك به إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ ويأتي يسوع ثانية.
ج ) الآيات (٢٠-٢١): مبادئ للتأكيدات النبوية.
٢٠عَالِمِينَ هذَا أَوَّلاً: أَنَّ كُلَّ نُبُوَّةِ الْكِتَابِ لَيْسَتْ مِنْ تَفْسِيرٍ خَاصٍّ. ٢١لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ.
- أَنَّ كُلَّ نُبُوَّةِ الْكِتَابِ لَيْسَتْ مِنْ تَفْسِيرٍ خَاصٍّ: حتى في أيام بطرس أعداء الرب يسوع أخطأوا عمداً في تفسير نبوة العهد القديم، ليعطوا معاني شخصية وغريبة وخالية من الصحة، محاولة منهم لاستبعاد يسوع من أن يكون هو محقق هذه النبوات. ولكن بطرس قال أن نبوة الكتاب لَيْسَتْ مِنْ تَفْسِيرٍ خَاصٍّ، فمعناها واضح ويمكن تأكيده من الآخرين.
- يتكلم بطرس هنا عن نُبُوَّةِ الْكِتَابِ، ونفس المبدأ ينطبق على موهبة النبوة اليوم. فيجب أن يكون هناك برهان وتأكيد واضح لأي نبوة، وهذا التأكيد على صحة النبوة لا يأتي من خلال نبوة أخرى بل من الكتاب المقدس. وفي موهبة النبوة لا يتكلم الله لشخص واحد فقط، ودائماً يقدم براهين وتأكيدات.
- لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ: إنه من الخطأ والباطل أن نحوّل ونترجم النبوة للمعنى الذي نريده، لأن النبوة لا تأتي من الإنسان بل من الله. صحيح إنها تأتي لأُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ، لكنها تأتي فقط حين يكونون مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ.
- “لم يكن الأنبياء القدماء يعرفون حتى معنى ما كتبوه وبالتالي فمن المستحيل أنهم قاموا بأنفسهم باختراع موضوع النبوات. فكانوا تحت تأثير روح الله، وبعد سنين تم الكشف عن موضوع النبوة، وتحقيقها كان البرهان المطلق على أنها كانت من الله وليس من اختراع البشر.” كلارك (Clarke)
- مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ: وفقاً لغرين (Green) الكلمة اليونانية القديمة ’مَسُوقِينَ‘ تحمل معنى أنها أُديرت وتحركت مثل السفينة التي تتحرك بفعل التيار أو الريح (وهي نفس الكلمة التي استخدمت عند الحديث عن السفينة في أعمال الرسل ١٥:٢٧ و١٧). وكأن كُتَّاب الكلمة المقدسة “رفعوا شراع السفينة للإبحار” بالتعاون مع الله والروح القدس وسلموا أنفسهم بالكامل ليفعلوا ما يشاؤوا بهم.