سفر أيوب – الإصحاح ١
أيوب يتحمل الخسارة
أولًا. مسرحان لدراما عظيمة: الأرض والسماء.
أ ) الآيات (١-٥): المسرح الأرضي.
١كَانَ رَجُلٌ فِي أَرْضِ عَوْصَ اسْمُهُ أَيُّوبُ. وَكَانَ هذَا الرَّجُلُ كَامِلًا وَمُسْتَقِيمًا، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ. ٢وَوُلِدَ لَهُ سَبْعَةُ بَنِينَ وَثَلاَثُ بَنَاتٍ. ٣وَكَانَتْ مَوَاشِيهِ سَبْعَةَ آلاَفٍ مِنَ الْغَنَمِ، وَثَلاَثَةَ آلاَفِ جَمَل، وَخَمْسَ مِئَةِ فَدَّانِ بَقَرٍ، وَخَمْسَ مِئَةِ أَتَانٍ، وَخَدَمُهُ كَثِيرِينَ جِدًّا. فَكَانَ هذَا الرَّجُلُ أَعْظَمَ كُلِّ بَنِي الْمَشْرِقِ. ٤وَكَانَ بَنُوهُ يَذْهَبُونَ وَيَعْمَلُونَ وَلِيمَةً فِي بَيْتِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي يَوْمِهِ، وَيُرْسِلُونَ وَيَسْتَدْعُونَ أَخَوَاتِهِمِ الثَّلاَثَ لِيَأْكُلْنَ وَيَشْرَبْنَ مَعَهُمْ. ٥وَكَانَ لَمَّا دَارَتْ أَيَّامُ الْوَلِيمَةِ، أَنَّ أَيُّوبَ أَرْسَلَ فَقَدَّسَهُمْ، وَبَكَّرَ فِي الْغَدِ وَأَصْعَدَ مُحْرَقَاتٍ عَلَى عَدَدِهِمْ كُلِّهِمْ، لأَنَّ أَيُّوبَ قَالَ: «رُبَّمَا أَخْطَأَ بَنِيَّ وَجَدَّفُوا عَلَى اللهِ فِي قُلُوبِهِمْ». هكَذَا كَانَ أَيُّوبُ يَفْعَلُ كُلَّ الأَيَّامِ.
١. كَانَ رَجُلٌ فِي أَرْضِ عَوْصَ اسْمُهُ أَيُّوبُ: يبدأ سفر أيوب بتقديم شخصيته الرئيسية والرجل الذي ربما كتب هذا السفر من خلال تسجيل تجاربه الخاصة.
• يُفهم سفر أيوب على أنه حقًا تحفة من الشعر العبري والأدب الغربي. وكأول كتاب شعري في الكتاب المقدس الإنجليزي، يُقدم فيه أيوب للقارئ فكرة الشعر العبري، والتي تنطوي على تكرار ومزج الأفكار أكثر من أصوات العلّة.
• إن المؤلف وتاريخ ومكان أحداث سفر أيوب كلها غير مؤكدة. ربما كان أيوب نفسه قد سجل تجاربه في هذا السفر، أو ربما كان هناك مؤلف آخر مجهول. وإذا حكمنا على السفر من خلال أسلوب اللغة العبرية التي يستخدمها، فإن بعض العلماء يرون أن أيوب هو أقدم سفر في العهد القديم. “فهو قديم وهذا لا جدال فيه. ولربما ينتمي إلى الفترة التي يغطيها سفر التكوين؛ وربما يمتد إلى زمن إبراهيم. فهو يُقدم درسًا من أقدم الدروس التي يمكن أن نتعلمها، ويعيدنا إلى الدرس الأول الذي يعلمه الكتاب المقدس نفسه.” بولينجر (Bullinger)
• إن النص في سفر أيوب قديم جدًا لدرجة أننا في بعض الأحيان لا نعرف المعنى الدقيق لبعض الكلمات. ومع ذلك، فإن المعنى العام واضح. “إن الاشمئزاز الذي عبّر عنه أيوب حينما قال: ” أَوْ يُوجَدُ طَعْمٌ فِي مَرَقِ الْبَقْلَةِ (ryr hlmwt)؟ (أيوب ٦:٦)، يمكن فهمه نوعًا ما، رغم أننا ما زلنا لا نعرف ما هي هذه المادة.” أندرسن (Andersen)
• “فكرة أننا من خلال هذا النص ربما نتعامل مع أقدم الروايات المكتوبة عن علاقة الإنسان بالله، الإله الحقيقي، هي فكرة مدهشة حقًا.” ماسون (Mason)
• سفر أيوب لا يتعلق في المقام الأول بألم ومعاناة رجل معين. لم تكن مشكلة أيوب مشكلة مالية أو اجتماعية أو طبية، بل كانت مشكلته الرئيسية لاهوتية. كان على أيوب أن يتعامل مع حقيقة أن الله لا يتصرف بالطريقة التي اعتقد دائمًا أن الله سيتصرف بها ويجب أن يتصرف بها في حياته. وفي خضم هذه الدراما، لا يُعد سفر أيوب سجلًا للحلول والتفسيرات لهذه المشكلة. إنه بالأحرى إعلان عن تجربة أيوب وبعض الإجابات التي حصل عليها أثناء التجربة.
• “سفر أيوب إذًا هو تاريخ حقيقي وواقعي، وليس خيالًا أو مَثَلٌ أَخْلاقِيّ، كما يعتقد بعضهم. فهناك شهادة مزدوجة عن هذا، واحدة نبوية، حزقيال ١٤:١٤، والأخرى رسولية، يعقوب ٥:١١، ومثل هذا الحبل المَجْدُول لا ينقطع بسهولة.” تراب (Trapp)
٢. وَكَانَ هذَا الرَّجُلُ كَامِلاً وَمُسْتَقِيمًا، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ: تُظهر النظرة الأولى للسفر أن أيوب كان رجلًا كَامِلاً وَمُسْتَقِيمًا. فيقدم الكاتب وصفًا مثيرًا للإعجاب لرجل ليس كاملًا بلا خطية، ولكنه بالتأكيد كامل في تفانيه لله واحترامه وطاعته.
• يبدو أن علاقة أيوب بالله كانت مستقلة تمامًا عن أية شخصية أخرى في العهد القديم. ويبدو واضحًا أنه عاش قبل زمن موسى وشعب إسرائيل؛ ربما حتى قبل زمن إبراهيم. ويعتقد بعضهم أن يُوبَاب المذكور في تكوين ٢٩:١٠ هو أيوب نفسه، مما سيضعه في الفترة بين نوح وإبراهيم.
• إن كان هذا هو عصر أيوب، فيمكننا القول إن علاقة أيوب العميقة والحقيقية بالله قد انتقلت إليه بلا شك من أسلافه الذين يعود تاريخهم إلى زمن نوح وأولاده. وفي هذا الصدد، كان يشبه إلى حد ما ملكي صادق (كما في تكوين ١٨:١٤-٢٤) الذي ظهر ببساطة على الساحة كشخص متعبد وتابع للإله الحقيقي.
• ويضع آخرون، ولعدة أسباب، تأريخ أيوب في وقت لاحق، ربما في الأجيال التي تلت يعقوب وعيسو.
كان عوص ابن أخي إبراهيم (تكوين ٢٢:٢١). وقد سميت أرض عوص باسمه.
كان أَلِيفَاز (أيوب ١١:٢) ابن عِيسُو (تكوين ١٠:٣٤-١١). وكان لابن عِيسُو هذا ابن اسمه تَيْمَان (تكوين ١٠:٣٦-١١)، وكان نسل تَيْمَان معروفًا بحكمتهم (إرميا ٧:٤٩).
يدعى بِلْدَد الشُّوحِيّ (أيوب ١١:٢)، وكان شُوح ابن إبراهيم من قطورة (تكوين ٢:٢٥).
• هذا البيان القوي عن تقوى وصلاح أيوب مهم لفهم بقية القصة. إن الاعتراف ببر أيوب هذا “سيخلصنا من خطأ التفكير في أي وقت من تلك التجارب على أنها تفسر على أيوب نفسه، وأنه عانى بسبب تصرفاته. لم تكن آلامه عقاب على خطاياه، ولم تكن حتى تأديبًا من أجل التصحيح.” مورغان (Morgan)
• “كان أيوب ’بلا لوم.‘ ولكن هذا لا يعني أن أيوب كان بلا خطية، ولكنه كان بلا لوم. وهناك فرق كبير. فالخطية عمودية، أما ’بلا لوم‘ فهي أفقية… كانت حياته ككتاب مفتوح، ولهذا لم يستطع أحد أن يتهمه بالفشل الأخلاقي. تمتع بسمعة لا تشوبها شائبة.” لوسون (Lawson)
• “لا ينبغي أن نتراجع عن إصرارنا بأن أيوب كان كاملًا ومستقيمًا في ضوء عقيدة الحالة العامة للفساد البشري. فأيوب لا يعتبر كاملًا بلا خطية. فجميع المتحدثين في السفر، بما في ذلك أيوب نفسه، كانوا مقتنعون تمامًا بأن كل البشر خطاة. وأول عمل مسجل لأيوب هو تقديم ذبائح عن الخطية. فهذه إذًا ليست النقطة الرئيسية هنا. إذ يمكن للبشر الخطاة أن يكونوا صالحين حقًا.” أندرسن (Andersen)
٣. وَوُلِدَ لَهُ سَبْعَةُ بَنِينَ وَثَلاَثُ بَنَاتٍ: في وسط ثقافة يمكن أن تقاس فيها المكانة والثروة بحجم عائلة المرء، كان أيوب رجلًا ذا ثراء ومكانة رائعة.
٤. وَكَانَتْ مَوَاشِيهِ سَبْعَةَ آلاَفٍ مِنَ الْغَنَمِ: وفقًا لكل المقاييس، كان أيوب رجلًا بارزًا وثريًا. فتقواه وثروته ومكانته جعلته فعلًا أَعْظَمَ من كُلِّ بَنِي الْمَشْرِقِ.
• “سنسلط الضوء في وقت لاحق على ما فعله أيوب بأمواله وبوقته وطاقته: أنقذ المحتاجين، اهتم شخصيًا بالمعاقين والمحتضرين، أحضر الأيتام إلى منزله، ودافع عن المساكين من سلطة الظالمين (انظر ١٢:٢٩-١٧؛ ١٦:٣١-٢١).” ماسون (Mason)
٥. وَكَانَ بَنُوهُ يَذْهَبُونَ وَيَعْمَلُونَ وَلِيمَةً فِي بَيْتِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي يَوْمِهِ: يبدو من الوصف أن عائلة أيوب كانت عائلة سعيدة ومتماسكة وحظيت ببركات عديدة، ولا يعني هذا أنهم كانوا يتصرفون بطريقة غير لائقة أثناء تلك الاحتفالات. كانوا ببساطة يحتفلون في المناسبات الخاصة (كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي يَوْمِهِ)، ربما يشير هذا إلى أعياد ميلادهم.
• “لا نرى أي رفض لهذا النوع من الحياة. ولا يجب أن نفترض أنهم قضوا معظم وقتهم في لَهْو صاخِب وأنهم لم يقوموا بأي عمل مفيد. لا يوجد أي تلميح للسكر أو العمل المشين أو الكسل.” أندرسن (Andersen)
• “لو أدان أيوب هذا النوع من الحياة، لما قدم ذبيحة لله تحسبًا من الخطية، ولأخبرهم في الحال أنها حياة لا ترضي الله، وأنه لا يؤيدها مطلقًا.” سبيرجن (Spurgeon). رأى سبيرجن في أيوب ٤:١-٥ تصريحًا للمؤمنين لإقامة الولائم والاحتفالات. وبناءً عليه، قدم عظة عيد الميلاد مستعينًا بهذا النص بالذات واستخدمه كدليل على أن الله يسمح بمثل هذه الاحتفالات ويتمتع بها مع شعبه.
٦. أَنَّ أَيُّوبَ أَرْسَلَ فَقَدَّسَهُمْ، وَبَكَّرَ فِي الْغَدِ وَأَصْعَدَ مُحْرَقَاتٍ عَلَى عَدَدِهِمْ كُلِّهِمْ: يبدو ثانية أن التركيز ينصب هنا على تقوى أيوب الذي كان يقوم بدور الكاهن ويقدم محرقات عن أولاده، أكثر من أن أولاده كانوا أشرارًا يحتاجون إلى تكفير مستمر.
• “يا له من مثال جميل يقدمه أيوب للآباء المؤمنين! فعندما ينطلق أولادنا للعيش في العالم ويتصرفون كأهل العالم، كل ما يمكننا فعله هو الصلاة من أجلهم، وأن نلقي درع الشفاعة من حولهم، بصرخات ودموع كثيرة. إنهم بعيدون عنك، ولكن بالإيمان يمكنك تحريك ذراع الله نيابة عنهم.” ماير (Meyer)
• لن يعرف المرء ذلك من الآيات القليلة الأولى، لكن سفر أيوب يدور حول حرب ملحمية. ومع ذلك، لم تتعرض أي مدينة للهجوم أو الحصار أو الغزو؛ ولم يتم كسب أو خسارة أية معارك؛ ولم يتم الإبحار في أي من المحيطات، ولم تؤسس دول، ولم تسجل مغامرات. ولكن يحدث الصراع على كومة رماد – يتمثل في مكب نفايات – خارج القرية. إنها حرب ملحمية، لكنها حرب داخلية؛ وصراع لفهم بعض من أعمق أسئلة الحياة.
ب) الآيات (٦-١٢): المسرح السماوي.
٦وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَنَّهُ جَاءَ بَنُو اللهِ لِيَمْثُلُوا أَمَامَ الرَّبِّ، وَجَاءَ الشَّيْطَانُ أَيْضًا فِي وَسْطِهِمْ. ٧فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «مِنَ أَيْنَ جِئْتَ؟». فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ وَقَالَ: «مِنْ الْجَوَلاَنِ فِي الأَرْضِ، وَمِنَ التَّمَشِّي فِيهَا». ٨فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟ لأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي الأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ». ٩فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ وَقَالَ: «هَلْ مَجَّانًا يَتَّقِي أَيُّوبُ اللهَ؟ ١٠أَلَيْسَ أَنَّكَ سَيَّجْتَ حَوْلَهُ وَحَوْلَ بَيْتِهِ وَحَوْلَ كُلِّ مَا لَهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ؟ بَارَكْتَ أَعْمَالَ يَدَيْهِ فَانْتَشَرَتْ مَوَاشِيهِ فِي الأَرْضِ. ١١وَلكِنِ ابْسِطْ يَدَكَ الآنَ وَمَسَّ كُلَّ مَا لَهُ، فَإِنَّهُ فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ». ١٢فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هُوَذَا كُلُّ مَا لَهُ فِي يَدِكَ، وَإِنَّمَا إِلَيهِ لاَ تَمُدَّ يَدَكَ». ثمَّ خَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ أَمَامِ وَجْهِ الرَّبِّ.
١. وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ: هذا يكشف المشهد في السماء. مشهد غير مرئي لأيوب والآخرين على الأرض، لكنه حقيقي تمامًا. لا يمكننا حقًا فهم قصة أيوب بشكل صحيح إلا من خلال فهم ما حدث في السماء، ومن النظر إليها من منظور أعمق من مجرد المنظور الأرضي.
• “بدون هذه المقدمة عن مشهد السماء، يمكن اعتبار أيوب في كل الحوارات، رجل ذا بر ذاتي مزعج حقًا، وسيُترك القارئ بدون منظور سماوي.” سميك (Smick)
٢. أَنَّهُ جَاءَ بَنُو اللهِ لِيَمْثُلُوا أَمَامَ الرَّبِّ: اُستخدمت عبارة بَنُو اللهِ في العهد القديم لوصف الملائكة (تكوين ١:٦-٤ وأيوب ٧:٣٨). ومن بين هذه الكائنات الملائكية، جَاءَ الشَّيْطَانُ أَيْضًا فِي وَسْطِهِمْ.
• تُظهر حقيقة أن الشيطان جَاءَ أَيْضًا فِي وَسْطِهِمْ، أن الشيطان نفسه كائن ملائكي، وهو بالتالي غير مساوٍ لله بأي حال من الأحوال. غالبًا ما نضخم مكانة الشيطان وأهميته – وهذا شيء يسره كثيرًا – معتقدين أنه نظير الله، كما لو كان الله نورًا والشيطان ظلامًا. كما لو كان الله حارًا والشيطان باردًا. يتمنى الشيطان أن يكون نظيرًا لله، لكن الله يريدنا أن نعرف أن الشيطان هو مجرد مخلوق وليس نظير الله بأي حال من الأحوال. فإذا كان للشيطان نظير، فلن يكون الله الآب أو الله الابن، بل سيكون كائنًا ملائكيًا مثل ميخائيل رئيس الملائكة.
• تُظهر حقيقة أن بنو الله جاؤوا لِيَمْثُلُوا أَمَامَ الرَّبِّ أن الكائنات الملائكية – حتى الساقطة منها في الواقع – يمكنها التواجد في محضر الله (١ ملوك ٢١:٢٢، زكريا ١:٣)، ولكن في يوم من الأيام سيطرح الشيطان وملائكته إلى الأرض (رؤيا ٩:١٢).
٣. «مِنَ أَيْنَ جِئْتَ؟»: سمح الله (ولا يزال يسمح) للشيطان وأعوانه بالدخول إلى محضره، ولكن فقط لأغراضه الخاصة. لهذا السبب طلب أن يعرف ماذا أراد الشيطان.
٤. «مِنْ الْجَوَلاَنِ فِي الأَرْضِ، وَمِنَ التَّمَشِّي فِيهَا»: رغم أن للشيطان إمكانية الوصول إلى السماء، إلا أنه يتمتع أيضًا بحرية الوصول إلى الأرض، ويتجول حول الأرض كأسد زائر (١ بطرس ٨:٥). ويمكن القول إن للشيطان اهتمامًا خاصًا بما يحدث على الأرض.
٥. هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟: كان الله هو الذي طرح موضوع أيوب للمناقشة، وتكلم عنه متباهيًا بتقواه وشخصيته. لقد كان الله معجبًا بأيوب لدرجة أنه أكد وصفه المسجل لأول مرة في أيوب ١:١.
• بالطبع سيجعل الشيطان قلبه على أبناء الله؛ ولكن ماذا يرى الشيطان عندما يفكر في القديسين؟
يراهم ويندهش من الفرق بينه وبين أولاد الله. إنه يرانا ويعرف أنه رغم سقوطه، فإن هذه المخلوقات الترابية قائمة.
يراهم ويندهش من سعادتهم. إنه يعرف جيدًا بؤس روحه، لكنه يقر ويكره السلام الموجود في نفس المؤمن.
يراهم ويبحث عن بعض الأخطاء حتى يجد بعض الراحة لروحه السوداء ونفاقه.
يراهم – خاصة أصحاب القلوب الكبيرة بين القديسين – ويرى أولئك الذين يعرقلون ويعيقون عمله السيئ.
يراهم ويبحث عن فرصة لإلحاق الأذى بهم.
٦. لأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي الأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ: كان هذا إعلان الله الصريح عن صفات أيوب. ولكن بعد الإصحاحين الأولين من سفر أيوب، كل ما نعرفه تقريبًا عن هذا الرجل ملونًا بمنظور المتكلم. فعندما يتكلم أيوب عن نفسه وعن وضعه لاحقًا، علينا أن نأخذ في الاعتبار أن أيوب هو المتكلم؛ وعندما يتكلم أصدقاؤه عنه، فإنهم يتكلمون وفقًا لمعرفتهم وجهلهم وتحيزهم. نرى في الإصحاحين الأولين فقط وجهة نظر موضوعية حقًا عن أيوب. فقد كان حقًا رَجُلًا كَامِلًا وَمُسْتَقِيمًا بغض النظر عما سيقوله أصدقاؤه لاحقًا.
• نحن نعلم (والله يعلم) أن أيوب لم يكن كَامِلًا وبلا خطية، لكن الله دعاه هكذا. “هذا يعني أنه بغض النظر عن مدى فظاعة ما فعل، فقد تم إسقاط كل التهم عنه. كان بريئًا تمامًا لأن الشخص الذي أساء إليه قد سامحه بالكامل.” ماسون (Mason)
• نحن نعلم أن أيوب لم يكن كَامِلًا وبلا خطية، ومع ذلك بدا أن الله يراه بهذه الطريقة بلا خجل. وهكذا يقف كل مؤمن مُعاصر في نفس المكان، مبررًا تمامًا في يسوع المسيح.
• “إن كنا نميل للتشكيك في سلامة إيمان أيوب (كما كان يفعل أصدقاؤه بلا هوادة)، فلن يكون أيوب حقًا هو الذي نتساءل عنه، بل الرب.” ماسون (Mason)
٧. هَلْ مَجَّانًا يَتَّقِي أَيُّوبُ اللهَ؟: هنا تمم الشيطان الدور الموصوف في رؤيا ١٢:١٠ – المشتكي على الإخوة. لقد اشتكى الشيطان على أيوب أمام الله، وأصر على أن تقوى أيوب كانت زائفة، وأن أيوب خدم الله لمصلحته فقط.
• إن رد الشيطان على الله يكشف أولًا عن سخريته. إنه يشكك في كل خير وصلاح باعتباره خَدّاع وفارغ. “فالسخرية هي جوهر الشيطان. لا يؤمن الشيطان بصلاح أي شيء – لا أيوب في تقواه ولا الله في كرمه.” أندرسن (Andersen)
• “إن كنت كريمًا، فسيكون تقيًا. قَوْلٌ مَأثُور للسياسي العظيم، السير روبرت والبول: كل رجل له ثمنه… لا شك أن السير روبرت التقى بالعديد من هؤلاء والشيطان أكثر من ذلك بكثير. ولكن لا يزال لله جموع لن تبيع نفوسها ولا ضمائرها ولا بلادها بأي ثمن؛ هؤلاء، وحتى لو سمح الله بأن يقتلوا، سيثقون به وسيتكلمون بالصدق مهما جربهم الشيطان وأعوانه. هكذا فعل أيوب؛ وهكذا فعل الآلاف؛ وهكذا سيفعل جميع الذين يسكن المسيح في قلوبهم بالإيمان.” كلارك (Clarke)
• كان الاتهام الموجه ضد أيوب اتهامًا ضد الله أيضًا، لأنه يعني أن الله قد رشى أيوب لإجباره على الطاعة. يبدو وكأنه يقول: “أستطيع أنا أيضًا أن أكون تقيًا مثل أيوب لو كنت ناجحًا مثله.” برادلي (Bradley)
• قدم اتهام الشيطان شهادة على حقيقة أن الله قد حمى أيوب (أَلَيْسَ أَنَّكَ سَيَّجْتَ حَوْلَهُ) وباركه أيضًا (لقد بَارَكْتَ). أشار المسيح إلى أن الشيطان أراد أن يفعل ضد بطرس أسوأ بكثير مما سمح له الله أن يفعل (لوقا ٣١:٢٢-٣٢) بسبب سياج مماثل من الحماية.
• وَلكِنِ ابْسِطْ يَدَكَ الآنَ: “كان الشيطان فظًا بكلامه. واستخدم أفعال أمر أثناء حديثه مع الله: “ابسط يدك الآن ودمر كل ممتلكاته.” أندرسن (Andersen)
• كان الشيطان واثقًا من اتهامه لأيوب، وأصر على أن أيوب سيجدف على الله (فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ) إذا رفع هذه الحماية والبركة عنه. صدق الشيطان أن الشدائد يمكن أن تزعزع إيمان أيوب؛ وأن أيوب لن يكون قادرًا على الوقوف ضد حيل الشيطان وخداعه، كالوصية التي أعطاها للمؤمن في أفسس ١٣:٦.
٨. «هُوَذَا كُلُّ مَا لَهُ فِي يَدِكَ، وَإِنَّمَا إِلَيهِ لاَ تَمُدَّ يَدَكَ»: وردًا على اتهام الشيطان، أعطاه الله إذنًا – وإن كان محدودًا – لمهاجمة أيوب. سيخفف الله السياج حول أيوب دون إزالته تمامًا.
• كان للشيطان القوة والرغبة في ضرب أيوب منذ وقت طويل، لكنّه لم يكن يملك الإذن من الله. وعندما سمح الله بذلك، كان الشيطان سعيدًا بمهاجمة أيوب حتى الحدود المسموح بها.
• على الرغم من أن الشيطان كان قادرًا الآن على مهاجمة أيوب بطريقة أقوى بكثير من قبل، إلا أن قوته كانت محدودة. سمح الله للشيطان أن يفعل ما يشاء بأيوب لتحقيق قصده في النهاية.
• “لكن يجب أن نعرف أن غاية الله في هذه المنحة لم تكن إرضاء الشيطان، بل لتمجيد نفسه، بجعل الشيطان أداة لقبحه وعاره.” تراب (Trapp)
٩. ثمَّ خَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ أَمَامِ وَجْهِ الرَّبِّ: عندما خرج الشيطان، واصل سلسلة من الأحداث في العالم الروحي (كما في أفسس ١٢:٦) التي كانت حقيقية، ولكنها لم تبدو جلية لأيوب على الفور لأنها معركة روحية في طبيعتها.
• يساعدنا إعلان المشهد السماوي من وراء المشهد الأرضي على فهم تعليق يعقوب اللاحق على أيوب: هَا نَحْنُ نُطَوِّبُ الصَّابِرِينَ. قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ وَرَأَيْتُمْ عَاقِبَةَ الرَّبِّ. لأَنَّ الرَّبَّ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَرَؤُوفٌ (يعقوب ١١:٥). الموضوعان العظيمان في سفر أيوب، كما شرحهما يعقوب، هما مثابرة أيوب والغاية التي قصدها الرب، ومن المهم أن نتعلم كلا الموضوعين. إن الغاية التي قصدها الرب (يعقوب ١١:٥) ترتبط بقصد الله الأبدي كما هو معلن في أفسس ١٠:٣-١١ “لِكَيْ يُعَرَّفَ الآنَ عِنْدَ الرُّؤَسَاءِ وَالسَّلاَطِينِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ، بِوَاسِطَةِ الْكَنِيسَةِ، بِحِكْمَةِ اللهِ الْمُتَنَوِّعَةِ. استخدم الله أيوب لتعليم الملائكة عن حكمته المذهلة.
• فيعلمنا سفر أيوب أن هناك جانبًا آخر من معاناة الإنسان لا علاقة له بعقوبة الخطية، ولا بالتأديب الذي في البر، ولا بالفداء في حد ذاته، ولا بالمطرودين من أجل البر. كانت معاناة أيوب على هذا الجانب: يمكننا القول إن سبب آلام أيوب كان كأداة لتعليم الملائكة. إذ أعلن أيوب حكمة الله المتعددة للرؤساء والسلاطين في الأماكن السماوية (أفسس ١٠:٣-١١).
• يمكننا القول إن كل الأسباب الأخرى للمعاناة يمكن أن يستخدمها الله أيضًا لإعلان حكمته للكائنات الملائكية. ويمكن للإنسان الذي يتألم بسبب خطية ارتكبها، وطريقته في التعامل مع ذلك الألم، أن يكون درسًا مهمًا عن حكمة الله. ولكن كانت قضية أيوب فريدة من نوعها؛ يبدو أن معاناته تتعلق بشكل أساسي أو هي متعلقة فقط بغرض تعليم الملائكة.
• وخلال تلك العملية استخدم الله الشيطان نفسه، حتى عندما خَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ أَمَامِ وَجْهِ الرَّبِّ بكل مخططه الشرير. “قد ينوي الشيطان شيئًا، لكن الله يستخدمه لشيء آخر. في كل هذه الأشياء، الشيطان مجرد خادم، يستخدمه الله ليعطي أولاده بركة مطلقة وراحة ومعونة ومنفعة روحية… سُمح له أن يكون المؤلف لتجارب أيوب وخسائره: لكن كل عمله ضاع؛ لأنه انتهى بتلقي أيوب بركة مزدوجة وقتية وأرضية، ونال ’بر الله‘ إلى أبد الآبدين.” بولينجر (Bullinger)
• “لقد رأى آخرون أنه من غير الأخلاقي بحسب المعايير البشرية، أن تكون هناك لعبة بين الله والشيطان باستخدام نفس أيوب كحجر شطرنج. مثل هذه النظرة تتجاهل الاحتمال الذي ذكرناه بالفعل، وهو أن الله لا يسمح لأيوب أن يُعذب بلا معنى. على العكس من ذلك، فهو يكرم أيوب بوضع ثقته الكاملة في صدق إيمانه، الذي شكك فيه الشيطان.” سميك (Smick)
• بقدر ما كان أيوب صالحًا في بداية السفر، سيكون رجلًا أفضل في نهايته. كان أفضل في الشخصية، وأكثر تواضعًا، وأكثر بركة من ذي قبل. “يا لغباء الشيطان! إنه يصنع قاعدة ليضع الله عليها عبده أيوب، كي ينظر الناس إليه بدهشة عبر العصور… آه! كم من القديسين تعزوا في محنتهم من تاريخ الصبر هذا! كم هم الذين تم إنقاذهم من فك الأسد، ومن مخلب الدب من خلال التجارب الصعبة على يد حاكم عَوْصَ. أيها العفريت الأكبر، كيف وقعت في شبكتك! لقد رميت حجرًا سقط على رأسك. صنعت حفرة لأيوب، وسقطت فيها بنفسك. وخُدعت بمكرك.” سبيرجن (Spurgeon)
ثانيًا. خسارة أيوب الكارثية ورد فعله عليها.
أ ) الآيات (١٣-١٩): خسائر أيوب المأساوية والمفاجئة.
١٣وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَأَبْنَاؤُهُ وَبَنَاتُهُ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ خَمْرًا فِي بَيْتِ أَخِيهِمِ الأَكْبَرِ، ١٤أَنَّ رَسُولاً جَاءَ إِلَى أَيُّوبَ وَقَالَ: «الْبَقَرُ كَانَتْ تَحْرُثُ، وَالأُتُنُ تَرْعَى بِجَانِبِهَا، ١٥فَسَقَطَ عَلَيْهَا السَّبَئِيُّونَ وَأَخَذُوهَا، وَضَرَبُوا الْغِلْمَانَ بِحَدِّ السَّيْفِ، وَنَجَوْتُ أَنَا وَحْدِي لأُخْبِرَكَ». ١٦وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذْ جَاءَ آخَرُ وَقَالَ: «نَارُ اللهِ سَقَطَتْ مِنَ السَّمَاءِ فَأَحْرَقَتِ الْغَنَمَ وَالْغِلْمَانَ وَأَكَلَتْهُمْ، وَنَجَوْتُ أَنَا وَحْدِي لأُخْبِرَكَ». ١٧وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذْ جَاءَ آخَرُ وَقَالَ: «الْكَلْدَانِيُّونَ عَيَّنُوا ثَلاَثَ فِرَق، فَهَجَمُوا عَلَى الْجِمَالِ وَأَخَذُوهَا، وَضَرَبُوا الْغِلْمَانَ بِحَدِّ السَّيْفِ، وَنَجَوْتُ أَنَا وَحْدِي لأُخْبِرَكَ». ١٨وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذْ جَاءَ آخَرُ وَقَالَ: «بَنُوكَ وَبَنَاتُكَ كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ خَمْرًا فِي بَيْتِ أَخِيهِمِ الأَكْبَرِ، ١٩وَإِذَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ جَاءَتْ مِنْ عَبْرِ الْقَفْرِ وَصَدَمَتْ زَوَايَا الْبَيْتِ الأَرْبَعَ، فَسَقَطَ عَلَى الْغِلْمَانِ فَمَاتُوا، وَنَجَوْتُ أَنَا وَحْدِي لأُخْبِرَكَ».
١. وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ: عندما أُعطي إذنًا أكبر لإصابة أيوب، ضاعف الشيطان هجومه ضد رجل الله بجلب الكارثة عليه في غضون ساعات قليلة. وفي ذلك الوقت القصير فقد أيوب الْبَقَرُ والْغِلْمَانَ والْغَنَمَ والْجِمَالِ وأبنائه وبناته.
• هذا يبين لنا أن الشيطان أراد أن يحقق الفائدة القصوى من المزايا التي أعطيت له. فإن سمح له بمهاجمة أيوب، فلسوف يفعل ذلك بأكثر الطرق الممكنة والفاعلة، وصولًا إلى سقف ما يسمح به الله. لذلك، فإن أي موطئ قدم نعطيه للشيطان أمر خطير، ويجب أن نتوقع أنه سيحقق أقصى استفادة من تلك الميزة.
• فكرة أن الشيطان قتل أولاد أيوب بينما كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ تظهر لنا قسوته الكبيرة. “الشيطان هنا ينكشف تحت ضوء ساطع. إذ يظهر خبثه في اختيار التوقيت. فنجده يضرب في خضم الاحتفالات.” مورغان (Morgan)
• حلت الكارثة على أبناء وبنات أيوب بينما كانوا يحتفلون فِي بَيْتِ أَخِيهِمِ الأَكْبَرِ. نحن نعلم من أيوب ٤:١-٥ أن أيوب كان يقدم الذبائح نيابة عن أبنائه وبناته أثناء هذه الاحتفالات؛ ولكن صلواته هذه وتقدماته من أجل أولاده لم تمنع الكارثة. هذا جعل الأزمة أكثر غموضًا وإشكالية بالنسبة لأيوب.
٢. السَّبَئِيُّونَ … نَارُ اللهِ سَقَطَتْ مِنَ السَّمَاءِ … الْكَلْدَانِيُّونَ… وَإِذَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ: جاءت المآسي على أيوب من عدة أسباب مختلفة. لكننا نعلم أن السبب السابق كان تحريض الشيطان.
• نتعلم شيئًا هنا عن كيفية عمل الشيطان. لم يجبر السبئيين والكلدانيين الأتقياء على فعل أشياء ضد أيوب لا يرغبون القيام بها. لكنه حقق هدفه الشرير من خلال الأشرار منهم.
• نتعلم أيضًا أنه بطريقة ما، كان للشيطان بعض التأثير على الطقس (رِيحٌ شَدِيدَةٌ) وأن بإمكانه تقليد ظاهرة ترتبط عادة بالله (نَارُ اللهِ سَقَطَتْ مِنَ السَّمَاءِ). اعتقد خدام أيوب أن الله أرسل هذه النار، وهذا كان صحيحًا فقط بمعنى غير مباشر للغاية، بمعنى أن الله قد سمح بذلك بإزالة قيد سابق. هذا يدل على أنه يحاول أحيانًا على الأقل، أن يعمل بطريقة تلقي باللائمة على الله.
• “يمكننا فقط أن نستنتج أن الشيطان يستطيع أن يعمل بقوة عظيمة في الطقس. لكن ليس كل السلطة على جميع الأحوال الجوية. فقط بعض القوة على بعض حالات الطقس. إلى الحد الذي يسمح به الله. للشيطان قوة خارقة ليضع الطبيعة تحت تصرفه لتوجيه عناصرها لتحقيق أغراضه الشريرة.” لوسون (Lawson)
• نرى أيضًا أن هذا الهجوم ركز بشكل واضح على أيوب؛ ومع ذلك عانى آخرون لأن الشيطان هاجم أيوب بسماح من الله. فهلكت مواشي أيوب وخدامه وأولاده لأنه كان المستهدف. ولا يمكن تبرير ذلك إلا إذا فهمنا ما يلي:
لا يعني موت أولاد أيوب أن الله سمح لهم بالانتقال من حالة الخلود إلى حالة الموت. لقد ولد هؤلاء المساكين في حالة الموت وكانوا عرضة للموت. المفاجأة الوحيدة في موتهم هي أنهم ماتوا في وقت أقرب مما كان متوقعًا، وليس أنهم ماتوا على الإطلاق.
لا يمكننا الحكم على أعمال الله وما يسمح به إلا من خلال مقاييس الأبدية، وليس مقاييس هذه الحياة. لا يسعنا أن كان ما فعله الله مع هؤلاء المساكين صوابًا أم خطأ إلا من خلال صورة الأبدية. وحتى ذلك الحين، علينا أن نثق بما عرفه إبراهيم عن الله: أَدَيَّانُ كُلِّ الأَرْضِ لاَ يَصْنَعُ عَدْلاً؟ (تكوين ٢٥:١٨).
ب) الآيات (٢٠-٢٢): ردة فعل أيوب على الخسارة.
٢٠فَقَامَ أَيُّوبُ وَمَزَّقَ جُبَّتَهُ، وَجَزَّ شَعْرَ رَأْسِهِ، وَخَرَّ عَلَى الأَرْضِ وَسَجَدَ، ٢١وَقَالَ: «عُرْيَانًا خَرَجْتُ مِنْ بَطْنِ أُمِّي، وَعُرْيَانًا أَعُودُ إِلَى هُنَاكَ. الرَّبُّ أَعْطَى وَالرَّبُّ أَخَذَ، فَلْيَكُنِ اسْمُ الرَّبِّ مُبَارَكًا». ٢٢فِي كُلِّ هذَا لَمْ يُخْطِئْ أَيُّوبُ وَلَمْ يَنْسِبْ للهِ جِهَالَةً.
١. فَقَامَ أَيُّوبُ وَمَزَّقَ جُبَّتَهُ، وَجَزَّ شَعْرَ رَأْسِهِ: كما هو متوقع تمامًا، حزن أيوب على خسائره الفادحة. لقد فقد للتو أبناءه وبناته وخدمه وقدرًا كبيرًا من ثروته المادية. لقد كان هذا وقت الحداد المناسب لأيوب.
• حزن أيوب، لكنه لم يحزن كما يحزن الوثنيون أو المشركون. لم يقطع أو يجرح أو يوشم نفسه من أجل الموتى كما كانت الممارسات الشائعة بين تلك الشعوب القديمة (لاويين ٢٨:١٩).
٢. وَخَرَّ عَلَى الأَرْضِ وَسَجَدَ: في وسط حداده، قرر أيوب أن يعبد الله رغم ظروفه ومشاعره. يمكننا القول إن هذا كان بالفعل عبادة خالصة وتمجيدًا كبيرًا لله.
• “بالتأكيد لم يصل الأمر إلى هذا الحد بين المؤمنين، إن لم يفعل الله ما نريد، فلن نسبحه. إن لم يرضينا يوميًا ويفسح المجال لإشباع نزواتنا، فلن نسبحه.” سبيرجن (Spurgeon)
• “يا لها من نتيجة مخيِّبة للأمل بالنسبة للشيطان، كان يأمل أن يسمع أيوب يجدف على الله، لكنه في المقابل سمعه يبارك اسم الله.” تراب (Trapp)
• في وقت لاحق من السفر، بينما كان أيوب يخوض معركته الروحية، يبدو أنه ابتعد كثيرًا عن كلمات العبادة هذه. ومع ذلك، من المهم أن نتذكر أن رد الفعل الأولي للإنسان غالبًا ما يكون معبرًا للغاية، ويكشف ما يهيمن حقًا على القلب. فقد كانت العبادة هي أول رد فعل لأيوب على أزمته.
٣. الرَّبُّ أَعْطَى وَالرَّبُّ أَخَذَ: حلل أيوب وضعه بطريقة إلهية وحكيمة. لقد فهم أيوب:
• أنه جاء إلى هذا العالم بلا شيء، لذلك فكل ما كان لديه هو نعمة من فضل الله. فإن كان لديه الآن أقل، فلا يزال هذا أكثر مما جاء به إلى هذا العالم وأكثر مما سيأخذه معه إلى العالم الآتي.
• لم يكن ازدهاره السابق بسبب الحظ أو مجرد إبداع بشري؛ كان ذلك بسبب بركة الله العظيمة والقوية على حياته. “يسعدني جدًا أن أفكر أن أيوب كان معترفًا بأن يد الله هي المعطاءة. قال: ’الرب أعطى.‘ ولم يقل: ’لقد كسبت كل شيء بنفسي.‘ لم يقل: ’لقد ذهبت كل مدخراتي التي كسبتها بشق الأنفس.‘” سبيرجن (Spurgeon)
• كان الله مسيطرًا على حياته، وبغض النظر عن المصدر المباشر للشدائد أو المأساة، كان عليها أن تمر عبر أيدي الله المحبة والحكيمة قبل أن تلمسه.
• يستحق الله أن يُبارك ويُسبح في كل ظروف الحياة.
“تحمل كلماته فلسفة عميقة. لقد أدرك أن الإنسان أكثر من مجرد الأشياء التي يجمعها حوله.” مورغان (Morgan)
“لا يرى أيوب إلا يد الله في هذه الأحداث. لم يخطر بباله أبدًا أن يلعن قطّاع الطرق، وأن يلعن الحراس، أو يلعن غلمانه الأغبياء. اختفت كل الأسباب الثانوية. فالرب هو الذي أعطى. والرب هو الذي أخذ. وفي الرب وحده يجب البحث عن تفسير لهذه الأحداث الغريبة.” أندرسن (Andersen)
الآثار المترتبة لجملة ’الرَّبُّ أَعْطَى‘…
– يجب ألا نفكر أبدًا في أن الأشياء الجيدة في هذا العالم تأتي إلينا من الأرض. بل هي من السماء.
– الأشياء الجيدة تأتي إلينا كهدايا وهبات. مع أننا غير مستحقين.
– الله يعطي عطاياه بكرم وسخاء.
– معرفة هذا يرفع قيمة كل ما نملك. فتصبح الأشياء أغلى لأنها عطايا من إله محب.
– هذا يمنعنا من خيانة الأمانة. فلا نريد شيئًا في أيدينا إلا ما يعطينا الله، ولا نريد أن نخلط ما يعطيه الله بما يعطيه الشيطان.
– من الحماقة أن نفتخر بامتلاك أكثر مما يمتلكه الآخر.
– من السهل أن نرد الجميل لله عندما نفهم حقًا أن كل ما لدينا يأتي منه.
– يجب أن نعبد دائمًا المعطي وليس العطية. المعطي أعظم من العطية التي يعطيها.
٤. فَلْيَكُنِ اسْمُ الرَّبِّ مُبَارَكًا: كان هذا تعبيرًا عن العبادة المذكورة في الآية السابقة. استطاع أيوب أن يبارك اسم الله حتى عندما كان يُجرب بشكل خاص وقاسٍ أن يلعن اسم الله.
• “هل تذكر قصة الرجل الذي كان سيعطي جنيهًا لمؤسسة خيرية. فقال له الشيطان: ’لا، لا يمكنك تحمّل ذلك.‘ فقال الرجل: ’حسنًا إذًا، سأعطي جنيهين. فلا أحد يُملي عليّ ماذا أفعل.‘ صاح الشيطان: ’يا لك من مُتَعَنِّت فعلًا.‘ أجاب الرجل: ’سأعطي أربع جنيهات.‘ قال الشيطان: ’آه! ماذا ستقول لزوجتك عندما تعود إلى المنزل وتخبرها أنك تبرعت بأربع جنيهات للمؤسسة؟‘ قال الرجل: ’حسنًا، سأتبرع بثماني جنيهات الآن. وإن لم تتركني وشأني، فسوف أجرب بالتبرع بست عشر جنيهًا.‘ فاضطر الشيطان إلى التوقف، لأنه كلما جربه أكثر، كلما ذهب في الاتجاه الآخر. اصلِ أن يكون هذا حالنا نحن أيضًا. إن دفعنا الشيطان إلى لعن الله، فلنباركه أكثر، وعندها سيفهم أنه من الأفضل التخلي عن التجربة لأنه كلما حاول دفعنا باتجاه ما، سنذهب في الاتجاه المعاكس.” سبيرجن (Spurgeon)
٥. فِي كُلِّ هذَا لَمْ يُخْطِئْ أَيُّوبُ وَلَمْ يَنْسِبْ للهِ جِهَالَةً: هذا يدل على أن أيوب لم يخطئ أو يلوم الله عندما قال: “الرَّبُّ أَخَذَ.” لقد كان محقًا في فهمه أن الله كان في النهاية وراء كل الأشياء، حتى لو لم تكن المسؤولية المباشرة عن حدث معين هي مسؤولية الله.
• نحن معجبون بمنظور أيوب للأشياء المادية. لقد فهم حقًا ما قاله يسوع: «انْظُرُوا وَتَحَفَّظُوا مِنَ الطَّمَعِ، فَإِنَّهُ مَتَى كَانَ لأَحَدٍ كَثِيرٌ فَلَيْسَتْ حَيَاتُهُ مِنْ أَمْوَالِهِ» (لوقا ١٥:١٢). هناك عدد قليل في العالم اليوم الذين يمكنهم تحمّل فقدان مثل هذه الثروة بمثل هذه التقوى والتحمل الصابر.
• نحن معجبون بالتزام أيوب الثابت تجاه الله، ومحبته الدائمة له. إن اتهام الشيطان – بأنه إذا أخذت البركات من أيوب، فسوف يلعن الله – ثبت أنه كاذب، وقد نقول إن الله كان فخورًا حقًا بخادمه أيوب.
• في هذه الجولة الأولى من الحرب الروحية، لم ينجح الشيطان في أن يزعزع إيمان أيوب. لقد حارب أيوب بنجاح ضد الهجوم الروحي وتمم الوصية التي ستأتي بعد مئات السنين من الرسول بولس: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ احْمِلُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تُقَاوِمُوا فِي الْيَوْمِ الشِّرِّيرِ، وَبَعْدَ أَنْ تُتَمِّمُوا كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَثْبُتُوا (أفسس ١٣:٦).
وقف أيوب ضد الخوف ولم يستسلم للذعر.
وقف أيوب ضد التظاهر وحزن كما يليق.
وقف أيوب ضد الكبرياء وتواضع أمام الله.
وقف أيوب ضد نفسه وقرر أن يعبد الله.
وقف أيوب ضد العقلية المحددة زمنيًا واختار التفكير في النواحي الأبدية.
وقف أيوب ضد الكفر ولم يستسلم للتشكيك الباطل بالله.
وقف أيوب ضد اليأس ورأى يد الله، حتى من خلال الكارثة.
وقف أيوب ضد الغضب ولم يلُم الله.
• لم يأت انتصار الإيمان الرائع هذا من تصرف أيوب وحده، ولكن فقط عندما كان رد فعل أيوب على هذه الكوارث مليئ ومرتبط بالله. لم يخبرنا أحد أن روح الله ملأ أيوب ليتفاعل بهذه الطريقة ويقول هذه الأشياء، لكننا نعرف أنها صحيحة. كان الشيطان يتصرف. وكذلك كان الله في السماء. “قال الله: إن كان الشيطان يفعل الكثير، فأنا أفعل أكثر. إذا أخذ الكثير، سأعطي أكثر؛ إذا أغرى أيوب بالتجديف، فسوف أملأه بالحب لي حتى يباركني. سوف أساعده وأقويه. نعم، سأؤيده بيمين بري.” سبيرجن (Spurgeon)
• على الرغم من أننا نستطيع أن نقول أن الله قد عزز أيوب، إلا أنه لم تكن هناك تعزية واضحة من الله. ولم تكن موجودة لفترة طويلة. “ستة وثلاثون إصحاحًا من البحث المؤلم عن النفس سوف تنقضي قبل أن يرفع الرب إصبعه ليبدأ في تعزية أيوب عن هذه الخسائر المدمرة.” ماسون (Mason)
• “في هذا أصيب الشيطان بخيبة أمل تامة. وجد رجلًا أحب إلهه أكثر من نصيبه الأرضي… لقد نجح الشيطان كثيرًا في هذا النوع من التجارب، لدرجة أنه لم يشك في امكانية نجاحه مرة أخرى.” كلارك (Clarke)