سفر أيوب – الإصحاح ١٠
ماذا كان سيقول أيوب لله
أولًا. ماذا كان سيقول أيوب لله إذا استطاع؟
أ ) الآيات (١-٧): كان أيوب سيسأل الله: ’لماذا تفعل هذا معي؟‘
١«قَدْ كَرِهَتْ نَفْسِي حَيَاتِي. أُسَيِّبُ شَكْوَايَ. أَتَكَلَّمُ فِي مَرَارَةِ نَفْسِي ٢قَائِلاً للهِ: لاَ تَسْتَذْنِبْنِي. فَهِّمْنِي لِمَاذَا تُخَاصِمُنِي! ٣أَحَسَنٌ عِنْدَكَ أَنْ تَظْلِمَ، أَنْ تُرْذِلَ عَمَلَ يَدَيْكَ، وَتُشْرِقَ عَلَى مَشُورَةِ الأَشْرَارِ؟ ٤أَلَكَ عَيْنَا بَشَرٍ، أَمْ كَنَظَرِ الإِنْسَانِ تَنْظُرُ؟ ٥أَأَيَّامُكَ كَأَيَّامِ الإِنْسَانِ، أَمْ سِنُوكَ كَأَيَّامِ الرَّجُلِ، ٦حَتَّى تَبْحَثَ عَنْ إِثْمِي وَتُفَتِّشَ عَلَى خَطِيَّتِي؟ ٧فِي عِلْمِكَ أَنِّي لَسْتُ مُذْنِبًا، وَلاَ مُنْقِذَ مِنْ يَدِكَ.
١. أُسَيِّبُ شَكْوَايَ: صدق أيوب على ما يبدو، أنه لم يبدأ بالشكوى بعد. وإن سنحت له الفرصة لمخاطبة الله، فحتمًا سيشتكي بمرارة (أَتَكَلَّمُ فِي مَرَارَةِ نَفْسِي).
• “مثل هذه القصيدة تسمى شكوى، نداء يئن لرحمة الله. العبارة الموازية مرارة نفسي تصف البؤس، ولكن ليس الحموضة.” أندرسون (Anderson)
٢. لاَ تَسْتَذْنِبْنِي. فَهِّمْنِي لِمَاذَا تُخَاصِمُنِي: كان أيوب يقول لله: “ضع أوراقك على الطاولة. اجعل قضيتك ضدي تُظهر لماذا أستحق هذه الكارثة في حياتي.”
• “معنى [لاَ تَسْتَذْنِبْنِي] حرفيًا: “أن تعامل الشخص على أنه شرير.” كانت هذه مشكلة أيوب مع الله. بدا له أن الله الجبار كان يتعامل معه بما يستحقه الرجل الشرير مع أنه كان يعلم أن أيوب لم يكن رجلًا شريرًا. سميك (Smick)
• “فمراد أيوب هو أن يعرف، ليس لإرضاء فضوله، ولكن ضميره، كما يلاحظ المرء جيدًا.” تراب (Trapp)
• “إنها حقيقة رائعة، على ما يبدو لم يلاحظها المفسرون، ولكنها تكشف تمامًا عن عقل أيوب، أنه لم يقدم في أي من التماساته طلبًا واضحًا لشفاء مرضه. كما لو أن كل شيء سيكون على ما يرام عندما يكون جيدًا مرة أخرى! وهذا لن يجيب على السؤال الأكثر إلحاحًا من كل الاهتمامات الأخرى: ’لماذا؟‘” أندرسون (Anderson)
• قد يسأل الْقِدِّيس المُجرب كما فعل أيوب، ’فَهِّمْنِي لِمَاذَا تُخَاصِمُنِي!‘ اقترح سبيرجن (Spurgeon) عدة إجابات:
لعل القدير يُخاصِمك ليريك قدرته على دعمك.
لعل القدير يُخاصِمك ليزيد النَعِمَ في حياتك.
لعل القدير يُخاصِمك لأن هناك خطية مستترة تُلحق بك ضررًا كبيرًا.
لعل القدير يُخاصِمك لأنه يريدك أن تدخل في شركة آلامه.
لعل القدير يُخاصِمك ليجعلك متواضعًا.
• وربما يسأل الخاطِئ أيضًا نفس سؤال أيوب، ’فَهِّمْنِي لِمَاذَا تُخَاصِمُنِي!‘ اقترح سبيرجن (Spurgeon) عدة إجابات للخاطئ:
لعل القدير يُخاصِمك لأنك لم تستوعب بعد كم أنت ضال.
لعل القدير يُخاصِمك ليختبر حقيقة إيمانك.
لعل القدير يُخاصِمك لأنك تؤوي خطية ترفض تسليمها له.
لعل القدير يُخاصِمك لأنك لم تفهم تمامًا بعد خطة الخلاص.
• رغم أن الأمر لم يكن كذلك مع أيوب، صحيح أن الله غالبًا ما يجادل كل من القديسين والخطاة للتعامل مع خطاياهم. “غالبًا ما تكشف التجارب خطايا – خطايا لا يمكن أن نكتشفها أبدًا لولا وجودها فيهم. نحن نعلم أن المنازل في روسيا موبوءة إلى حد كبير بالجرذان والفئران. ربما نادرًا ما يلاحظها شخص غريب في البداية، لكن الوقت الذي تكتشفها فيه هو عندما يحترق المنزل. فتجدها تخرج في حشود. وهكذا يحرق الله أحيانًا وسائل الراحة لدينا لجعل خطايانا الخفية تخرج. ومن ثم يُمَكِّننا من ضربها على رأسها والتخلص منها.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. أَحَسَنٌ عِنْدَكَ أَنْ تَظْلِمَ، أَنْ تُرْذِلَ عَمَلَ يَدَيْكَ: أيوب يُنفِّس أكثر فأكثر لله. “هل هذا يجعلك سعيدًا؟ أنا عَمَلُ يَدَيْكَ، فانظر كيف تعاملني!”
٤. أَلَكَ عَيْنَا بَشَرٍ، أَمْ كَنَظَرِ الإِنْسَانِ تَنْظُرُ؟: عرف أيوب بوضوح أن الله لم يكن محدودًا في رؤيته مثل البشر. ولكن من خلال الحقائق التي رآها أيوب واختبرها، بدا أن الله رآه بنفس الرؤية الضحلة والسطحية التي رآها به أصدقاؤه.
٥. فِي عِلْمِكَ أَنِّي لَسْتُ مُذْنِبًا: ناشد أيوب معرفة الله بأيوب وبشخصيته. بالطبع، وافق الله على تقدير أيوب لذاته، حتى أنه قال أن أيوب كَانَ كَامِلاً وَمُسْتَقِيمًا، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرّ (أيوب ١: ١).
• “خاطئ أنا، لكنني لم أسمح، ولم أتخبط في أي خطيئة معروفة. لا يوجد طريق للشر فيَّ. ولا يسود قلبي الرياء.” تراب (Trapp)
• لكن ضيقة أيوب الحالية شوهت تصوره عن الله، لدرجة أنه لم يستطع رؤية ما يمكن رؤيته فقط بعين الإيمان التي تتجاوز رؤية الظروف الحالية.
ب) الآيات (٨-١٢): سيسأل أيوب: “أنت خلقتني، فلماذا تعذبني؟”
٨«يَدَاكَ كَوَّنَتَانِي وَصَنَعَتَانِي كُلِّي جَمِيعًا، أَفَتَبْتَلِعُنِي؟ ٩اُذْكُرْ أَنَّكَ جَبَلْتَنِي كَالطِّينِ، أَفَتُعِيدُنِي إِلَى التُّرَابِ؟ ١٠أَلَمْ تَصُبَّنِي كَاللَّبَنِ، وَخَثَّرْتَنِي كَالْجُبْنِ؟ ١١كَسَوْتَنِي جِلْدًا وَلَحْمًا، فَنَسَجْتَنِي بِعِظَامٍ وَعَصَبٍ. ١٢مَنَحْتَنِي حَيَاةً وَرَحْمَةً، وَحَفِظَتْ عِنَايَتُكَ رُوحِي.
١. يَدَاكَ كَوَّنَتَانِي وَصَنَعَتَانِي كُلِّي جَمِيعًا: كان أيوب عالمًا ذكيًا وعرف أن الله هو خالق الخليقة والبشرية على وجه التحديد. كان لديه نفس فهم المرنم الذي قال: “أَحْمَدُكَ مِنْ أَجْلِ أَنِّي قَدِ امْتَزْتُ عَجَبًا. عَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ، وَنَفْسِي تَعْرِفُ ذلِكَ يَقِينًا” (مزمور ١٣٩: ١٤).
• تبين الجملتين: ’أَنَّكَ جَبَلْتَنِي كَالطِّينِ‘ و’أَفَتُعِيدُنِي إِلَى التُّرَابِ‘ أن أيوب فهم أن الإنسان خلق من تراب الأرض (تكوين ٢: ٧).
• في شِعر رائع، أوضح أيوب تشكيل جسده بثلاث صور:
الإنسان كَالطِّينِ، شُكِّل بيد خزاف (أيوب ١٠: ٩).
الإنسان كَالْجُبْنِ، سكبه صانع جبن (أيوب ١٠: ١٠).
الإنسان كالثوب الذي نسجه حائك (أيوب ١٠: ١١).
• ولعل الأكثر إثارة للاهتمام بين هؤلاء الثلاثة هو فكرة أن يكون الإنسان كَالْجُبْنِ. يرى بعض المفسرين أن هذا يشير إلى حالة الإنسان الوضيعة: “الإنسان شيء وضيع جدًا في بداية تكوينه وقد حُددت الوضاعة هنا بصناعة الجبن” تراب (Trapp). لكن، يرى مفسرون آخرون هنا إشارة إلى عملية الحَمْل: “هكذا يصف بشكل متواضع ودقيق عمل الله الرائع في خلق الإنسان من شيء صغير وسائل، وكأنه مادة حليبية، تخثرت وتكثفت بدرجات لتصنع ذلك الإطار الرائع لجسم الإنسان.” بوله (Poole) في الواقع، شرح آدم كلارك (Adam Clarke) معنى أيوب ١٠:١٠ في اللغة اللاتينية فقط لأنه شعر بالحرج الشديد من هذا الموضوع. وكتب بعد تفسيره للآية الكلمات التالية: “لا أعتذر عن ترك هذا دون ترجمة.”
٢. أَفَتَبْتَلِعُنِي؟: عرف أيوب أن الله خلقه. الآن شعر أن الله يريد أن يَبْتَلِعَهُ (يدمره). ما لم يعرفه أيوب هو أن الله قد منع منعًا باتًا هذه الكارثة أن تنتهي بالموت (أيوب ٢: ٦). ويمكننا أن نتعاطف مع ما شعر به أيوب، ونفهم أنه لم يستطع معرفة ذلك. لكننا نعرف أيضًا الحقيقة من المشهد السماوي الذي سبق المشهد الأرضي.
• “نرى قوة الله في الخليقة أولًا، والآن في الكوارث التي حلت على أيوب. فكرة أن يكون الله نفسه قد فعل كل شيء أمر لا جدال فيه. لا يشكك أيوب في حق الله بالقيام بذلك. لكن أسباب الله لأفعاله لا يستطيع أيوب اكتشافها. فلماذا يخلق إن كان سيهلك خليقته لاحقًا؟” أندرسون (Anderson)
٣. مَنَحْتَنِي حَيَاةً وَرَحْمَةً، وَحَفِظَتْ عِنَايَتُكَ رُوحِي: لم يستطع أيوب أن ينكر عمل الله السابق في حياته كخالق والحافظ. ولكن كل ذلك جعل الأمور أكثر إشكالية، وليس أقل. فتجربته تخبره: “لماذا نفس الإله الذي خلقني وحفظني يتخلى عني الآن بشكل واضح؟”
• يبدو أن الآيات ٨-١٢ تجادل ضد فكرة الإصلاح أو الكالفينية بأن الله خلق الإنسان – على الأقل بالنسبة للغالبية العظمى من أولئك الذين لم يُختاروا للخلاص – وحدد مصير هذه المخلوقات المعقدة والمصممة بشكل رائع لدينونة أبدية. يبدو أن هذه فكرة غريبة ومسيئة لأيوب، خاصة بالنظر إلى الرعاية التي أُغدقت على هذه المخلوقات بعد خلقها المجيد (مَنَحْتَنِي حَيَاةً وَرَحْمَةً، وَحَفِظَتْ عِنَايَتُكَ رُوحِي).
• نقرأ في ١٠: ١٢ أن أيوب شكر الله على ثلاثة أشياء رائعة:
الحياة (مَنَحْتَنِي حَيَاةً).
رحمة أو نِعْمَة إلهية (مَنَحْتَنِي… رَحْمَةً)
افتقاد إلهي (حَفِظَتْ عِنَايَتُكَ رُوحِي)
ثانيًا. سؤال أيوب المُعَذّب: “لماذا يا رب؟”
أ ) الآيات (١٣-١٧): يطلب أيوب من الله أن يكشف له عن الخطية في حياته التي تسبب في كل هذا.
١٣لكِنَّكَ كَتَمْتَ هذِهِ فِي قَلْبِكَ. عَلِمْتُ أَنَّ هذَا عِنْدَكَ: ١٤إِنْ أَخْطَأْتُ تُلاَحِظُنِي وَلاَ تُبْرِئُنِي مِنْ إِثْمِي. ١٥إِنْ أَذْنَبْتُ فَوَيْلٌ لِي، وَإِنْ تَبَرَّرْتُ لاَ أَرْفَعُ رَأْسِي. إِنِّي شَبْعَانُ هَوَانًا وَنَاظِرٌ مَذَلَّتِي. ١٦وَإِنِ ارْتَفَعَ تَصْطَادُنِي كَأَسَدٍ، ثُمَّ تَعُودُ وَتَتَجَبَّرُ عَلَيَّ. ١٧تُجَدِّدُ شُهُودَكَ تُجَاهِي، وَتَزِيدُ غَضَبَكَ عَلَيَّ. نُوبٌ وَجَيْشٌ ضِدِّي.
١. لكِنَّكَ كَتَمْتَ هذِهِ فِي قَلْبِكَ. عَلِمْتُ أَنَّ هذَا عِنْدَكَ: يبدأ أيوب في لمس جوهر المشكلة التي تحركت بداخله. كان يعلم أن الله يعرف كل الأسباب والإجابات لحالة أيوب، ومع ذلك لم يخبر أيوب.
• مرة أخرى، بسبب أيوب ١ و٢، نحن في موقف فضولي لمعرفة ما لم يعرفه أيوب. كانت أسباب ومقاصد مصيبة أيوب الحالية مخبأة في الله وخفيّة عن أيوب، لكن الله شارك قارئ سفر أيوب ما لم يعرفه أيوب نفسه.
• من السهل قراءة سفر أيوب على افتراض أن أيوب نفسه كان يعرف ما حدث في العوالم السماوية كما هو مسجل في الإصحاحين الأولين من السفر. يجب على قارئ سفر أيوب أن يقاوم هذا الافتراض وأن يتعاطف مع أيوب، لأنه كان من الصعب عليه فهم ما يدور في العالم الروحي كما هو الحال بالنسبة لنا.
٢. إِنْ أَذْنَبْتُ فَوَيْلٌ لِي: أصر أصدقاء أيوب على أن كوارث حياته حلت عليه بسبب إثم أو ذنب معين بداخله. احتج أيوب على أن الأمر لم يكن كذلك. وهنا يكرر الفكرة مرة أخرى.
• إِنِّي شَبْعَانُ هَوَانًا وَنَاظِرٌ مَذَلَّتِي: “أشعر بالخجل من فشل آمالي، واستمرار بؤسي وتفاقمه، بالرغم من كل صلواتي إلى الله لإزالة محنتي أو تخفيفها. وأنا مُرتبِك، ولا أعرف ماذا أقول أو ماذا أفعل. دع يأسي يحركك لتشفق عليّ وتساعدني.” بوله (Poole)
٣. وَإِنِ ارْتَفَعَ تَصْطَادُنِي كَأَسَدٍ، ثُمَّ تَعُودُ وَتَتَجَبَّرُ عَلَيَّ: شعر أيوب كما لو أن الله لم يكن عونًا له على الإطلاق في محنته الحالية. بدلًا من ذلك، شعر وكأنه فريسة لله، الذي جاء ضده كَأَسَدٍ يَصْطَادُه.
• “كما يهاجم الصيادون ملك الوحوش في الغابة، يهاجمني أصدقائي. فَهُم يهاجمونني من كل جانب.” كلارك (Clarke)
٤. نُوبٌ وَجَيْشٌ ضِدِّي: تعني الجملة حرفيًا: ’تُجدِّد عدوانك عليّ.‘ يشبه هذا ويوضح البيان الوارد في الآية ١٦ب بأن الله مليء بالمفاجآت وأن موارده لا حدود لها.” أندرسون (Anderson)
• “أبدو كما لو هاجمتني قوات متعاقبة. لو فشلت واحدة، تنجح الأخرى في الهجوم، وأنا مرهق من هذه الحرب المستمرة.” كلارك (Clarke)
ب) الآيات (١٨-٢٢): يطلب أيوب من الله أن يتركه وشأنه وأن يكُفَّ عَنِّه.
١٨«فَلِمَاذَا أَخْرَجْتَنِي مِنَ الرَّحِمِ؟ كُنْتُ قَدْ أَسْلَمْتُ الرُّوحَ وَلَمْ تَرَنِي عَيْنٌ! ١٩فَكُنْتُ كَأَنِّي لَمْ أَكُنْ، فَأُقَادَ مِنَ الرَّحِمِ إِلَى الْقَبْرِ. ٢٠أَلَيْسَتْ أَيَّامِي قَلِيلَةً؟ اتْرُكْ! كُفَّ عَنِّي فَأَتَبَلَّجَ قَلِيلاً، ٢١قَبْلَ أَنْ أَذْهَبَ وَلاَ أَعُودَ. إِلَى أَرْضِ ظُلْمَةٍ وَظِلِّ الْمَوْتِ، ٢٢أَرْضِ ظَلاَمٍ مِثْلِ دُجَى ظِلِّ الْمَوْتِ وَبِلاَ تَرْتِيبٍ، وَإِشْرَاقُهَا كَالدُّجَى».
١. فَلِمَاذَا أَخْرَجْتَنِي مِنَ الرَّحِمِ؟: عاد أيوب هنا إلى فكرة ذكرت أول مرة في أيوب ٣. شعر أنه سيكون من الأفضل لو لم يولد أبدًا.
• من المهم أن نقول إن أيوب لم يكن انتحاريًا، لكن أمنيته بأنه لم يولد أبدًا هي شيء مماثل للرغبة في الانتحار. شعر أيوب بهذه الأفكار الانتحارية لأنه لم يستطع أن يرى أي معنى في معاناته. رأى أصدقاؤه المعنى (عانى أيوب لأنه أخطأ، وهذا هو التأديب المناسب له)، لكن أيوب عرف أنهم كانوا مخطئين. نحن نرى المعنى لأننا نعرف ما لم يعرفه أيوب من الإصحاحين الأولين من السفر. وعلى الرغم من أن أيوب لم يرى ما حدث في السماء، إلا أنه كان حقيقيًا.
• كان من الممكن أن يتغير وضع أيوب تمامًا لو استطاع أن يرى غير المرئي بالإيمان، أو على الأقل كان سيعزي نفسه في فهم أن هناك تحركات غير مرئية في الأماكن السماوية تُعطي لوضعه معنى.
٢. اتْرُكْ! كُفَّ عَنِّي: في هذه المرحلة من القصة، يفضل أيوب ببساطة أن يتركه الله وشأنه. لم يدرك أنه بسبب أن الله لم يتركه وحده، قد تحمل إلى هذا الحد ولم يدمره الشيطان أو اليأس تمامًا.
• في سؤاله “أَلَيْسَتْ أَيَّامِي قَلِيلَةً؟” فكر أيوب في مدى السرعة التي بدت حياته تمر بها. “حياتي قصيرة، وفي حد ذاتها تسرع نحو نهايتها. وليست هناك حاجة لأن تدفعها إلى الأمام.” بوله (Poole)
• “عندما نقرأها نشعر أن الاقتراحات التي قدمها أيوب عن الله كانت خاطئة تمامًا: لكننا نتذكر أنها لم تكن شريرة، لأنها كانت صادقة.” مورغان (Morgan)
• “لن يقبل أيوب أي شيء يتعارض مع الحقائق التي يعرفها. إنه ليس حادًا، ولا ينعت الله بالقسوة، بل ذكر ببساطة الحقائق – ’يبدو كما لو أن الله يرفضني دون أي سبب، كل الحقائق تثبت ذلك وسوف أغض نظري عنها.‘” شامبرز (Chambers)
٣. إِلَى أَرْضِ ظُلْمَةٍ وَظِلِّ الْمَوْتِ: يعكس سفر أيوب جيدًا التخوف الصعب لحقيقة الحياة الآخرة في العهد القديم. حيث يتم الجمع بين تصريحات غامضة وشبه يائسة مثل هذه، مع إعلانات متفرقة عن النصرة والإيمان الواثق (كما في أيوب ١٩ :٢٥، أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي حَيٌّ… وَبَعْدَ أَنْ يُفْنَى جِلْدِي هذَا، وَبِدُونِ جَسَدِي أَرَى اللهَ).
• “إنه يكدس كومة من المصطلحات القاتمة، بما في ذلك أربع كلمات مختلفة للظلمة، للإشارة إلى مدى كآبة الهاوية (Sheol).” أندرسون (Anderson)
• “أخيرا يلجأ إلى استخدام ما لا يقل عن أربع كلمات عبرية مختلفة لكلمة ’الظلمة،‘ والتي تترجم بشكل مختلف إلى ’أسوداد منتصف الليل (الدجى)‘ و’ظل الموت‘ و’أرض الظلام وبلا ترتيب‘ و ’حيث يسود الارتباك،‘ و ’حيث يكون شروق النور نفسه كالدجى (جوف الليل)،‘ وما إلى ذلك. يجمع أيوب هذه الكلمات معًا، ويراكمها واحدة فوق الأخرى للحصول على تأثير تراكمي مهيب ومثير للإعجاب كما في أيٍ من أعمال شكسبير.” ماسون (Mason)
• “الظل هو الجزء المظلم من الشيء، بحيث يكون ظل الموت هو أحلك جانب من الموت، الموت في أبشع تمثيلاته وأفظعها. ظِل الموت هو جوهر الموت، أو الموت مضافًا إليه أعظم ما فيه.” تراب (Trapp)
• حاول آدم كلارك (Adam Clarke) أن يشرح المعنى العقيم والمحبط في أيوب وغيره من كتبة العهد القديم: “ولكن ما هذا؟ وأين؟ الأبدية! كيف يمكنني تكوين أي تصور عنها؟ لا يوجد نظام فيها، ولا حدود، ولا مادة، ولا تقدُّم، ولا تغيير، ولا ماض، ولا حاضر، ولا مستقبل! فهي شيء لا يوصف، لا يوجد ما يشابهها في بوصلة الخلق. هي لانهائية وغير مفهومة للكائنات المحدودة.”
• هذا الفهم الغائم للحياة الآخرة في العهد القديم لا يفاجئ قارئ العهد الجديد، الذي يعرف أن يسوع المسيح قد أَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ (٢ تيموثاوس ١: ١٠).
• “كان هذا يمثل أرقى أشكال التفكير في ذلك العصر حول المستقبل. كانت هناك ومضات بين الحين والآخر لشيء أكثر. لكنها كانت متقطعة وغير مؤكدة، وسرعان ما تأخذها ظلمة الشؤم والحزن… دعا الآباء الحياة الحالية نهارًا والمستقبل ليلًا. لكننا على النقيض نعلم أن الحاضر هو الليل، والمستقبل هو النهار.” ماير (Meyer)