سفر أيوب – الإصحاح ٣٦
أَلِيهُو يُعلِّم أيوب عن الله
أولًا. أَلِيهُو يُعلِّم أيوب عن عدل الله وبره
أ ) الآيات (١-٤): أَلِيهُو: “إنَّهُ لا زال بَعْدُ لأَجْلِ اللهِ كَلاَمٌ.”
١وَعَادَ أَلِيهُو فَقَالَ: ٢«اصْبِرْ عَلَيَّ قَلِيلاً، فَأُبْدِيَ لَكَ أَنَّهُ بَعْدُ لأَجْلِ اللهِ كَلاَمٌ. ٣أَحْمِلُ مَعْرِفَتِي مِنْ بَعِيدٍ، وَأَنْسُبُ بِرًّا لِصَانِعِي. ٤حَقًّا لاَ يَكْذِبُ كَلاَمِي. صَحِيحُ الْمَعْرِفَةِ عِنْدَكَ.
١. اصْبِرْ عَلَيَّ قَلِيلاً، فَأُبْدِيَ لَكَ أَنَّهُ بَعْدُ لأَجْلِ اللهِ كَلاَمٌ: يبدو أن أَلِيهُو الشاب رأى أن مستمعيه أصبحوا غير مرتاحين لإدانته وطول نَفَسِه في الكلام. يتوسل إليهم أن يستمروا في الاستماع ويصر على أنه يتكلم لأَجْلِ اللهِ كَلاَمٌ (نيابة عن الله).
• تحدث أَلِيهُو الشاب بصراحة لم يستخدمها أصدقاء أيوب الآخرون (أيوب ٣٣: ١، ٣٣: ٣١، ٣٤: ٥، ٣٤: ٧، وما إلى ذلك). وتكلم بسلطان يختلف تمامًا عن أصدقاء أيوب الآخرون. فقد استخدم أصدقاء أيوب الآخرون الحكمة التقليدية القديمة والمعرفة العامة. بينما ادعى أليهو أنه يتكلم لأَجْلِ اللهِ كَلاَمٌ (نيابة عن الله).
• “يبدو أن أَلِيهُو يشهد عن نفسه بأنه عبقري، ويبدو أن هذا الشاب المتهور غير مدرك لوقاحة شهادته المذهلة.” أندرسن (Andersen)
• “أنا معجب بمحاولة أَلِيهُو في الإيجاز. وأسميها محاولة، لأنني لست متأكدا تمامًا من نجاحه، لأنه ملأ فصلين آخرين. فقال: ’اصْبِرْ عَلَيَّ قَلِيلاً‘؛ وبالتالي وعد بجعل خطبته قصيرة قدر استطاعته. إن بعض الرعاة الذين يحبون العظات المطولة، مع أقسامها العديدة، ونهاياتها، واستنتاجاتها، وملاحظاتها الختامية، تلف وتدور، وتتسبب في معاناة الرعية السامعة، وهي لا تتطلب القليل من الصبر بل الكثير منه. من الجيد أن نستخدم أقل عدد ممكن من الكلمات عندما يكون لدينا شيء جيد نقوله، لأنه إذا لم يكن الإيجاز هو ثوب النعمة، فهو روح الذكاء، لذلك يجب توظيف كل ذكائنا ليكون تعليم الإنجيل مقبولًا أكثر. ومن المرجح بالتأكيد أن العظات القصيرة والمركزة تصل إلى القلب أكثر من الطويلة والكئيبة.” سبيرجن (Spurgeon)
• حصل أَلِيهُو على جلسة استماع أفضل من ذلك الرجل الذي لم يُذكر اسمه، والذي تحدَّث إلى أرسطو في حكاية ذكرها جون تراب (John Trapp): “عندما ألقى شخص تافه جدًا خطابًا فارغًا في حضور أرسطو، ثم صرخ بعدها طلبًا الرحمة لإزعاجه لفترة طويلة. رد أرسطو وقال: أنت لم تزعجني على الإطلاق، لأنني لم أسمع أي كلمة قلتها كل هذا الوقت.”
٢. أَحْمِلُ مَعْرِفَتِي مِنْ بَعِيدٍ… صَحِيحُ الْمَعْرِفَةِ عِنْدَكَ: على الرغم من أنه من الواضح أن أَلِيهُو كان واثقًا جدًا من مَعْرِفَتِه وكَلِماتِه، ولكن ربما تشير جملة: عِنْدَهُ صَحِيحُ الْمَعْرِفَةِ (أي المعرفة الكاملة) إلى الله هنا.
• “من غير المحتمل بالتأكيد أن يدَّعي أَلِيهُو لنفسه نفس الكمال الذي ينسبه إلى الله.” سميك (Smick). ولاحظ بولينجر (Bullinger): “من الواضح من أيوب ٣٧: ١٦، أن الله هو المقصود، وليس المتكلم.”
• إذا كان يتحدث عن نفسه، فقد أوضح بوله (Poole) فكرته كالتالي: “وقد يكون المعنى هو هذا: أنت لا تتعامل مع شخص مبتدئ، ولكن مع شخص قد نظر بدقة، ومن خلال نعمة الله تَفهَّم تمامًا هذه الأمور. لذلك اسمع لي.”
• “نرى هنا معضلة الشخصية المؤثرة باختصار. ربما كان لدى أَلِيهُو موهبة نبوية لتلقي ُمَعْرِفَته مِنْ بَعِيدٍ.‘ ولكن حتى الوحي المباشر من الله لا يجعل الإنسان كاملًا في المعرفة.” ماسون (Mason)
ب) الآيات (٥-١٢): الله يكافئ المطيع ويهلك العاصي.
٥«هُوَذَا اللهُ عَزِيزٌ، وَلكِنَّهُ لاَ يَرْذُلُ أَحَدًا. عَزِيزُ قُدْرَةِ الْقَلْبِ. ٦لاَ يُحْيي الشِّرِّيرَ، بَلْ يُجْرِي قَضَاءَ الْبَائِسِينَ. ٧لاَ يُحَوِّلُ عَيْنَيْهِ عَنِ الْبَارِّ، بَلْ مَعَ الْمُلُوكِ يُجْلِسُهُمْ عَلَى الْكُرْسِيِّ أَبَدًا، فَيَرْتَفِعُونَ. ٨إِنْ أُوثِقُوا بِالْقُيُودِ، إِنْ أُخِذُوا فِي حِبَالَهِ الذُّلِّ، ٩فَيُظْهِرُ لَهُمْ أَفْعَالَهُمْ وَمَعَاصِيَهُمْ، لأَنَّهُمْ تَجَبَّرُوا، ١٠وَيَفْتَحُ آذَانَهُمْ لِلإِنْذَارِ، وَيَأْمُرُ بِأَنْ يَرْجِعُوا عَنِ الإِثْمِ. ١١إِنْ سَمِعُوا وَأَطَاعُوا قَضَوْا أَيَّامَهُمْ بِالْخَيْرِ وَسِنِيهِمْ بِالنِّعَمِ. ١٢وَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوا، فَبِحَرْبَةِ الْمَوْتِ يَزُولُونَ، وَيَمُوتُونَ بِعَدَمِ الْمَعْرِفَةِ.
١. هُوَذَا اللهُ عَزِيزٌ، وَلكِنَّهُ لاَ يَرْذُلُ أَحَدًا: هنا، روج أَلِيهُو مرة أخرى لقوة الله وعدالته الكاملة. ففي عدله الكامل، يعاقب الشِّرِّيرَ، ويعمل لخير الْبَائِسِينَ.
• هناك فكرة رائعة في عبارة هُوَذَا اللهُ عَزِيزٌ، وَلكِنَّهُ لاَ يَرْذُلُ أَحَدًا. ربما اعتقدنا أن الله العَزِيز(القدير) سيتجاهل الإنسان أو يرذله؛ لكنه لا يفعل ذلك. “رغم أن الله عظيم جدًا لكنه لا يحتقر أحدًا. فلو كان إلهًا محدودًا، ربما قد يتغاضى.” ماير (Meyer)
• “لو كان الله صغيرًا لرذل الصغير. لو كان ضعيفًا لازدرى بالضعيف؛ لو كان إلهًا كاذبًا سيكون متغطرسًا على من هم حوله؛ ولكن، لأنه ليس من هؤلاء، بل هو الله المبارك إلى الأبد، الإله الحكيم الوحيد، علينا أن نتعامل مع إله مرتفع، لكنه يحترم المتواضعين. ونتعامل مع الإله المتواضع الذي يراقب الأشياء التي تتم في السماء، إلا أنه لا يحتقر صرخة المتواضعين. فعزة قدرة الله هي السبب في أنه لا يرذل أحدًا.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. لاَ يُحَوِّلُ عَيْنَيْهِ عَنِ الْبَارِّ: وبما أن أيوب كثيرًا ما قال وشعر أن الله قد حوَّل عينيه عنه، فمن الواضح أن أَلِيهُو يَعتبر أيوب من بين الأشرار. ففي ذهن أَلِيهُو، الحرية التي منحها الله للأبرار (الذين لم يُوْثَقُوا بِالْقُيُودِ) لا تمت بصلة لأيوب، لأن أيوب ليس من الأبرار.
• “المثال الذي اختاره أَلِيهُو يذكرنا بقصة يوسف، على الرغم من أنه استخدم الملوك بصيغة الجمع (أيوب ٣٦: ٧)، الأمر الذي أثار قلق بعض المفسرين. فمن المؤكد أن يوسف هو حالة تقليدية أخرى لشخص عومل ظلمًا، ولأكثر من مرة.” أندرسن (Andersen)
• في ذهن أَلِيهُو، تميّز الرجل البار بأشياء كثيرة، أشياء كانت غائبة بشكل واضح في حياة أيوب.
عيون الله على الأبرار (لاَ يُحَوِّلُ عَيْنَيْهِ عَنِ الْبَارِّ).
الأبرار يرتفعون (بَلْ مَعَ الْمُلُوكِ يُجْلِسُهُمْ).
إذا كان الأبرار موثقين، فإن الله يُبكِّتهم، ويُحررهم، ويُعادون إلى الخير والتمتع (إِنْ أُوثِقُوا بِالْقُيُودِ… فَيُظْهِرُ لَهُمْ أَفْعَالَهُمْ وَمَعَاصِيَهُمْ… إِنْ سَمِعُوا وَأَطَاعُوا قَضَوْا أَيَّامَهُمْ بِالْخَيْرِ).
٣. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوا، فَبِحَرْبَةِ الْمَوْتِ يَزُولُونَ: كان هذا تحذيرًا آخر من تحذيرات أَلِيهُو القوية لأيوب. فقد حذر أيوب أن يتوب وألا يكون مثل العصاة الذين يَزُولُونَ وَيَمُوتُونَ بِعَدَمِ الْمَعْرِفَةِ.
ج) الآيات (١٣-١٥): المصير المحزن للفاجر (المنافق).
١٣أَمَّا فُجَّارُ الْقَلْبِ فَيَذْخَرُونَ غَضَبًا. لاَ يَسْتَغِيثُونَ إِذَا هُوَ قَيَّدَهُمْ. ١٤تَمُوتُ نَفْسُهُمْ فِي الصِّبَا وَحَيَاتُهُمْ بَيْنَ الْمَأْبُونِينَ. ١٥يُنَجِّي الْبَائِسَ فِي ذِلِّهِ، وَيَفْتَحُ آذَانَهُمْ فِي الضِّيقِ.
١. أَمَّا فُجَّارُ الْقَلْبِ فَيَذْخَرُونَ غَضَبًا: اعتقد أَلِيهُو أن أيوب كان منافقًا لاستمراره في إنكار ذنبه. وشعر أن أيوب كان يذخر لنفسه غضب الله أكثر وأكثر.
٢. وَحَيَاتُهُمْ بَيْنَ الْمَأْبُونِينَ: رسم أَلِيهُو مستقبلًا قاتمًا لأيوب غير التائب.
• الْمَأْبُونُونَ: “معنى بقديشيم (Baqdeeshiym) الذين قضوا صبا حياتهم بين أصحاب العهارة والدعارة، البغاة، واللواطيين. بهذا المعنى تستخدم الكلمة هنا، رغم أنها تعني أيضًا الأشخاص المكرسين؛ لكننا نعلم أنه في عبادة الأصنام تم تكريس شخصيات من هذا النوع للبعل وعشتاروث وفينوس وبريبوس، إلخ.” كلارك (Clarke)
ثانيًا. أَلِيهُو يُعلِّم أيوب عن عظمة الله
أ ) الآيات (١٦-٢١): أَلِيهُو لأيوب: “ماذا كان الله سيفعل من أجلك.”
١٦«وَأَيْضًا يَقُودُكَ مِنْ وَجْهِ الضِّيقِ إِلَى رَحْبٍ لاَ حَصْرَ فِيهِ، وَيَمْلأُ مَؤُونَةَ مَائِدَتِكَ دُهْنًا. ١٧حُجَّةَ الشِّرِّيرِ أَكْمَلْتَ، فَالْحُجَّةُ وَالْقَضَاءُ يُمْسِكَانِكَ. ١٨عِنْدَ غَضَبِهِ لَعَلَّهُ يَقُودُكَ بِصَفْقَةٍ. فَكَثْرَةُ الْفِدْيَةِ لاَ تَفُكُّكَ. ١٩هَلْ يَعْتَبِرُ غِنَاكَ؟ لاَ التِّبْرَ وَلاَ جَمِيعَ قُوَى الثَّرْوَةِ! ٢٠لاَ تَشْتَاقُ إِلَى اللَّيْلِ الَّذِي يَرْفَعُ شُعُوبًا مِنْ مَوَاضِعِهِمْ. ٢١اِحْذَرْ. لاَ تَلْتَفِتْ إِلَى الإِثْمِ لأَنَّكَ اخْتَرْتَ هذَا عَلَى الذِّلِّ.
١. وَأَيْضًا يَقُودُكَ مِنْ وَجْهِ الضِّيقِ: تحدث أَلِيهُو هنا مع أيوب حول ما كان سيفعل الله لأجله، إذا كان قد تاب فقط كما كان ينبغي أن يفعل (على الأقل من وجهة نظر أَلِيهُو).
• لو تاب أيوب:
لأخرجه الله من وَجْهِ الضِّيقِ.
لأحضره الله إلى رَحْبٍ لاَ حَصْرَ فِيهِ.
لمْلأَ الله مَائِدَةَ مَؤُونَةِ أيوب دُهْنًا.
٢. حُجَّةَ الشِّرِّيرِ أَكْمَلْتَ: بالنسبة لأَلِيهُو، كان من السهل تشخيص مشاكل أيوب. لم يحظى أيوب بالبركات التي يعطيها الله للمطيعين والتائبين، إذًا أيوب لم يكن مطيعًا وتائبًا. بل بالعكس، امتلأ بالدينونة المستحقة للأشرار (حُجَّةَ الشِّرِّيرِ أَكْمَلْتَ).
• في قوله “الْحُجَّةُ وَالْقَضَاءُ يُمْسِكَانِكَ،” لم يستطع أَلِيهُو أن يكون أكثر وضوحًا. كان هناك سبب واحد لأزمة أيوب وخسارته. وهو أن حُجَّةُ الله وقَضَاءه كانا ضده. من المفيد أن نذكر أنفسنا بأن الإصحاحات ١ و٢ توضح أن أَلِيهُو كان مخطئًا تمامًا في هذا التحليل.
٣. هَلْ يَعْتَبِرُ غِنَاكَ؟ لاَ التِّبْرَ وَلاَ جَمِيعَ قُوَى الثَّرْوَةِ! (هل سيمنع غِنَاك أو التبر أو جميع قوى الثروة، الضيق عنك؟): افترض أَلِيهُو ما يفترضه الكثير من الناس – أن الأغنياء يثقون في ثرواتهم. وهذا غالبًا أو ربما دائمًا ما يكون صحيحًا، لكنه لم يكن صحيحًا في حالة أيوب ومن الخطأ أن يفترضه أَلِيهُو.
٤. لأَنَّكَ اخْتَرْتَ هذَا عَلَى الذِّلِّ (فَيَبدُو أنَّكَ اخْتَرْتَ ذَلِكَ بِسَبَبِ ألَمِكَ): “يا أيوب، كل هذه المعاناة والعذاب هي بإرادتك. سيختلف حالك تمامًا بمجرد أنك تتوب وتعود إلى الله.” كان هذا النوع من المشورة هو الذي دفع أيوب إلى الجنون، لأنه طالبه بالتخلي عن نزاهته وإظهار التوبة لمجرد إرضاء أصدقائه.
• كان لأيوب أخطاء خاصة خلال هذا الحوار المطول مع أصدقائه، وهي خطايا سيتوب عنها لاحقًا (أيوب ٤٢: ١-٦). لكنه، أظهر قوة مذهلة للتمسك بنزاهته في مواجهة هذا السيل المتواصل من اتهامات أصدقائه.
ب) الآيات (٢٢-٢٥): يتذكر أَلِيهُو مرة أخرى عظمة الله.
٢٢«هُوَذَا اللهُ يَتَعَالَى بِقُدْرَتِهِ. مَنْ مِثْلُهُ مُعَلِّمًا؟ ٢٣مَنْ فَرَضَ عَلَيْهِ طَرِيقَهُ، أَوْ مَنْ يَقُولُ لَهُ: قَدْ فَعَلْتَ شَرًّا؟ ٢٤اُذْكُرْ أَنْ تُعَظِّمَ عَمَلَهُ الَّذِي يُغَنِّي بِهِ النَّاسُ. ٢٥كُلُّ إِنْسَانٍ يُبْصِرُ بِهِ. النَّاسُ يَنْظُرُونَهُ مِنْ بَعِيدٍ.
١. هُوَذَا اللهُ يَتَعَالَى بِقُدْرَتِهِ. مَنْ مِثْلُهُ مُعَلِّمًا؟: أراد أَلِيهُو هنا مرة أخرى أن يُرفِّع الله في عيني أيوب، معتقدًا أن مشكلة أيوب تكمن في أن لديه نظرة متدنية جدًا لله، ونظرة عالية جدًا لنفسه.
• يبدأ هذا قسمًا يظهر فيه تغيير ملحوظ على أَلِيهُو. وكما تشير الآيات التالية، ربما تحدث وعينيه على عاصفة تقترب بسرعة بكل أمطارها ورياحها وسحبها الرعدية الداكنة. إلهام مفاجئ ورائع ملأ أَلِيهُو، وتحدث بطريقة مختلفة تمامًا عن طريقته السابقة القاسية والتي توجه الإدانة لأيوب.
• “التغيير الذي يأتي على أَلِيهُو في هذه المرحلة، والذي يستمر ويزداد في القوة حتى نهاية خطابه، هو دراماتيكي لدرجة أن القارئ سوف ينبهر به. شيء غريب ورائع يبدأ هنا بالحدوث لهذا الشاب: يفتح فمه ويتكلم بمسحة الروح القدس!” ماسون (Mason)
• “لقد أُقْتُرِح أن هذا الجزء الأخير من خطاب أَلِيهُو يتكون حقًا من وصف كلامي لما كان يحدث من حوله حينها. فعندما يتكلم الله لاحقًا، فإنه يتكلم من خلال زوبعة، والفكرة هي أن أَلِيهُو هنا كان يصف هذه العاصفة العظيمة في نهجها وقوتها.” مورغان (Morgan)
• “قد أتجرّأ لأقول، كما يقول أحد المفسرين هنا، أنه لا توجد أي قصيدة، سواء لليونانيين أو اللاتينيين، يمكن مقارنتها بهذه البلاغة الرائعة لأَلِيهُو في وصف تلك الآثار الطبيعية التي تحدث في الهواء.” تراب (Trapp)
٢. اُذْكُرْ أَنْ تُعَظِّمَ عَمَلَهُ الَّذِي يُغَنِّي بِهِ النَّاسُ: لقد عظم أيوب نفسه عمل الله، وكان مدركًا جدًا لقوة الله وجلاله ومجده.
• سندرك في أيوب ٣٨، عندما اقتربت العاصفة من أيوب وأصدقائه، وبينما استمر أَلِيهُو في وصفها، أن الرب كان في هذه العاصفة، مستعدًا للتحدث معه.
• “من المفيد أيضًا أن نلاحظ الاختلاف بين أيوب وأَلِيهُو، كما يتضح من استجاباتهما المختلفة لظهور الرب. فعند اقتراب الله، يصمت رجل الإيمان الأكثر نضجًا؛ يسقط عليه صمت مقدس، إذ تصمت شفتاه مثل قلبه. لكن الشاب أَلِيهُو يستمر في الثرثرة. وحتى لو سلمنا بأن ثرثرته مُلهمة، فليس هناك من شك في أنه، مقارنة بصمت أيوب المتواضع، لا يزال يثرثر.” ماسون (Mason)
ج) الآيات (٢٦-٣٣): عظمة الله التي لا تُستقصى عُبِّر عنها في العاصفة.
٢٦هُوَذَا اللهُ عَظِيمٌ وَلاَ نَعْرِفُهُ وَعَدَدُ سِنِيهِ لاَ يُفْحَصُ. ٢٧لأَنَّهُ يَجْذُبُ قِطَارَ الْمَاءِ. تَسُحُّ مَطَرًا مِنْ ضَبَابِهَا ٢٨الَّذِي تَهْطِلُهُ السُّحُبُ وَتَقْطُرُهُ عَلَى أُنَاسٍ كَثِيرِينَ. ٢٩فَهَلْ يُعَلِّلُ أَحَدٌ عَنْ شَقِّ الْغَيْمِ أَوْ قَصِيفِ مِظَلَّتِهِ؟ ٣٠هُوَذَا بَسَطَ نُورَهُ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ يَتَغَطَّى بِأُصُولِ الْيَمِّ. ٣١لأَنَّهُ بِهذِهِ يَدِينُ الشُّعُوبَ، وَيَرْزِقُ الْقُوتَ بِكَثْرَةٍ. ٣٢يُغَطِّي كَفَّيْهِ بِالنُّورِ، وَيَأْمُرُهُ عَلَى الْعَدُوِّ. ٣٣يُخْبِرُ بِهِ رَعْدُه، الْمَوَاشِيَ أَيْضًا بِصُعُودِهِ.
١. هُوَذَا اللهُ عَظِيمٌ وَلاَ نَعْرِفُهُ: روج أَلِيهُو مرة أخرى لمفهوم تعالي الله. لقد سمع وشعر كيف طلب أيوب إجابات من الله، ونصح أيوب كي يفهم أن الله هو أبعد منه وأبعد من أن يُفسر الأشياء لأيوب.
• كانت هذه حجة أَلِيهُو الأكثر صدقًا وقوة، ولكن الحجة نفسها مبنية على فرضية أن أيوب كان عليه أن يفعل ذلك في ضوء تعديه العظيم ضد الله. لقد كان هذا مبدأً قويًا وجيدًا، ولكن تم تطبيقه بشكل خاطئ على وضع أيوب.
٢. لأَنَّهُ يَجْذُبُ قِطَارَ الْمَاءِ. تَسُحُّ مَطَرًا مِنْ ضَبَابِهَا: في هذا القسم الجميل، حلل أَلِيهُو دورة الماء من التبخر والتقطير والمطر واستخدمها كمثال على تألق الله وجماله كمصمم.
• “تُظهر الغيوم والمطر سيطرة الله المذهلة على العالم من خلال عمليات بهذه الرقة والقوة بحيث لا يستطيع البشر فهمها أو تقليدها.” أندرسن (Andersen)
• إن حكمة أَلِيهُو في تحليل دورة الماء قادت الناس إلى استنتاج خاطئ بأن سفر أيوب لا بد أن يكون قد كُتب في وقت متأخر عما يُفترض في العادة. “فظاهرة التكثيف (أيوب ٣٦: ٢٧ب) وهطول الأمطار (أيوب ٣٦: ٢٨)، على الرغم من عدم فهمها تقنيًا، كانت بالتأكيد ملحوظة. لكن التبخر (أيوب ٣٦: ٢٧) ليس كذلك. لذلك اعتبر دوم (Duhm) هذا دليلًا على أن خطابات أَلِيهُو جاءت بعد بضعة قرون من الوحي الإلهي حيث أن معرفة الأرصاد الجوية قد أخذت من الإغريق.” سميك (Smick)
• يُخْبِرُ بِهِ رَعْدُه: “ومن الجدير بالذكر أن كل إنسان شرير يرتجف من ضجيج الرعد ووميض البرق ويَعتبِر هذا مذخور الغضب الإلهي، الذي يمكن أن نسميه بيننا مدفعية السماء. وكلما سُمع الضجيج، يُفهم أنه صوت الله.” كلارك (Clarke)
• الْمَوَاشِيَ أَيْضًا بِصُعُودِهِ: “لأن المواشي حكيمة جدًا في هذا الأمر، فهي لا تعي المطر عندما يكون جاهزًا للسقوط فحسب، ولكن تتنبأ به عن بعد من الأبخرة التي تُصعدها الشمس بكثرة، فحركاتها وأفعالها، تُعطي الناس إشعارًا بذلك في الوقت المناسب، وهذا ملحوظ ليس فقط عند الفلاحين، ولكن أيضًا عند الكُتاب المتعلمين.” بوله (Poole)