رسالة كولوسي – الإصحاح ١
عظمة يسوع المسيح
أولاً. التحية والشكر
أ ) الآيات (١-٢): بولس يُسلّم على المؤمنين في كولوسي
١بُولُسُ، رَسُولُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ بِمَشِيئَةِ اللهِ، وَتِيمُوثَاوُسُ الأَخُ، ٢إِلَى الْقِدِّيسِينَ فِي كُولُوسِّي، وَالإِخْوَةِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْمَسِيحِ: نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.
- بُولُسُ: وفقاً لعادات الكتابة آنذاك كان اسم الكاتب يكتب أولاً. وعليه، فإن الكاتب هو بُولُسُ؛ وقد كتب الرسالة بينما كان في السجن في روما (كولوسي ٣:٤، ١٠:٤ و١٨:٤) حوالي ٦٣م.
- كتب بولس الرسالة على الأغلب بسبب زيارة أَبَفْرَاسَ الذي كان من كولوسي (كولوسي ٧:١). ومن المحتمل أن بولس لم يقم أبداً بزيارة مدينة كولوسي (كولوسي ١:٢).
- رَسُولُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ بِمَشِيئَةِ اللهِ: لأنه رَسُول، كان بولس مؤهّلاً تماماً لكتابة رسالة توجيهات لأهل كولوسي رغم أنه لم يتقابل معهم شخصياً.
- “المعنى الحرفي لكلمة (apostolos) هو ’رسول‘ لكن المعنى الأعمق يشير إلى المتحدث الرسمي باسم الله والمُفوّض والمُخوّل للعمل بصفته الممثل عنه.” فون (Vaughan)
- وَتِيمُوثَاوُسُ الأَخُ: كان تيموثاوس رفيقاً مميزاً لبولس، لكنه لم يكن رسولاً. “مع أن تيموثاوس ذُكر في التحية هنا، إلا أنه لم يشترك في كتابة هذه الرسالة. كان يُعتبر أمين السر أو كاتب الرسول.” كلارك (Clarke)
- إِلَى الْقِدِّيسِينَ فِي كُولُوسِّي وَالإِخْوَةِ الْمُؤْمِنِينَ: عندما خاطب بولس القديسين، لم يميز مؤمن عن آخر في الكنيسة، فكل مؤمن حقيقي هو قديس. ولكنه يبدو أنه ميز بعض الأخوة من جملة: الإِخْوَةِ الْمُؤْمِنِينَ. وربما كان يشير لهؤلاء الذين لم يقبلوا التعليم الزائف الذي كان يشغل بولس كثيراً في هذه الرسالة.
- فِي كُولُوسِّي: ربما كانت مدينة كولوسي من أصغر وأقلّ المدن أهمية التي كتب إليها بولس. وقد نتفاجأ من إهتمام بولس بالمؤمنين فِي كُولُوسِّي في الوقت الذي كان مشغولاً به بهموم أخرى كثيرة. ويبدو أن حالة الكنيسة في كولوسي كانت مهمة كفاية لتسترعي انتباهه كرسول.
- كتب بولس الرسالة بسبب المشاكل التي كانت بين المؤمنين في كولوسي، لكننا لا نستطيع تحديد المشكلة العقائدية بالضبط، والتي وصفت أحياناً بالهرطقة الكولوسية. وربما كانت خليطاً من المسيحية مع بعض شرائع اليهودية المتزمتة مقترنة بالغنوسية القديمة.
- كانت الحالة الدينية في القرن الأول مشابهة لحالتنا اليوم الى حد كبير. فكانت فترة الخلط الديني، حيث كان الناس يستعيرون من كل ديانة فكرة. لكن الفرق الوحيد هو أن المرء في القرن الأول كان ينضم الى مجموعة قامت بالاستعارة، أما في ثقافتنا الحديثة، يستعير المرء ما يريده بنفسه.
- مهما كانت المشكلة بالتحديد، أسهب بولس في الحل، وهو: فهم يسوع بصورة أفضل. فمعرفة يسوع الحقيقي يساعدنا على البقاء بعيداً عن كل ما هو مزيّف، بغض النظر عن شكله.
- فِي كُولُوسِّي: إن مدينة كولوسي غير مذكورة في سفر أعمال الرسل. فجميع معلوماتنا الكتابية حول الكنيسة هناك تأتي من هذه الرسالة ومن بعض التلميحات في رسالة فليمون.
- نعرف من هذه المصادر أن أَبَفْرَاس كان مسؤولاً عن الكرازة لأهل كولوسي (كولوسي ٦:١-٧)، وأنه كان أصلاً من كولوسي (كولوسي ١٢:٤). كما قام بتوصيل الرسالة الى القرى المجاورة في وادي ليكوس مثل هِيَرَابُولِيسَ ولاَوُدِكِيَّة (كولوسي ١٣:٤).
- اِحتمال أن يكون أبفراس قد سمع البشارة عندما كان بولس في أفسس. فبينما كان بولس يعلم في مدرسة تِيرَانُّس، سَمِعَ كَلِمَةَ الرَّبِّ يَسُوعَ جَمِيعُ السَّاكِنِينَ فِي أَسِيَّا (أعمال الرسل ١٠:١٩). فلن يكون غريباً إن كان من بين الحاضرين أناس من كولوسي.
- من الناحية التاريخية، كانت كولوسي مدينة مزدهرة ومشهورة (مع مدن أخرى في المنطقة) بسبب صباغة القماش. ومع ذلك، بدأ مجد المدينة في الانحدار زمن بولس.
- يُضيف آدم كلارك (Adam Clarke) تعليقاً شيّقاً: “وفقاً لشهادة يوسيبيوس، هلُكت هذه المدينة بفعل هزة أرضية بعد فترة قصيرة من كتابة هذه الرسالة.” وذكر تاسيتوس هذه الهزة التي وقعت عام ٦٠م.
- نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ: كانت تحية بولس معروفة ولكنها صادرة من القلب. “النعمة هي ارادة الله الصالحة الغير مشروطة تجاه الرجل والمرأة وتم التعبير عنها بشكل قاطع في عمل المسيح على الصليب.” بروس (Bruce)
- تُظهر هذه الرسالة – المليئة بالمحبة والإهتمام، كُتبت الى كنيسة لم يقم بولس بزراعتها أو حتى زيارتها – قوة المحبة المسيحية. قلم يحتاج بولس الى رؤية أو مقابلة هؤلاء المؤمنين لكي يحبّهم ويوليهم اهتمامه.
ب) الآية (٣): بولس يصلي كل حين لأهل كولوسي.
٣نشْكُرُ اللهَ وَأَبَا رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ كُلَّ حِينٍ، مُصَلِّينَ لأَجْلِكُمْ.
- كُلَّ حِينٍ، مُصَلِّينَ لأَجْلِكُمْ: مع أنه لم يقابل معظمهم، إلا أنهم كانوا في قائمة صلوات بولس. لم يكن يصلّي لهم أحياناً، بل كُلَّ حِينٍ.
- نشْكُرُ اللهَ: عندما صلّى بولس لأهل كولوسي، كانت صلواته ملآنة بالإمتنان. ربما الذين يصلون باستمرار يجدون أسباباً كثيرة للشكر.
ج) الآيات (٤-٨): لماذا كان بولس شاكراً.
٤إِذْ سَمِعْنَا إِيمَانَكُمْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ، وَمَحَبَّتَكُمْ لِجَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، ٥مِنْ أَجْلِ الرَّجَاءِ الْمَوْضُوعِ لَكُمْ فِي السَّمَاوَاتِ، الَّذِي سَمِعْتُمْ بِهِ قَبْلاً فِي كَلِمَةِ حَقِّ الإِنْجِيلِ. ٦الَّذِي قَدْ حَضَرَ إِلَيْكُمْ كَمَا فِي كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضًا، وَهُوَ مُثْمِرٌ كَمَا فِيكُمْ أَيْضًا مُنْذُ يَوْمَ سَمِعْتُمْ وَعَرَفْتُمْ نِعْمَةَ اللهِ بِالْحَقِيقَةِ. ٧كَمَا تَعَلَّمْتُمْ أَيْضًا مِنْ أَبَفْرَاسَ الْعَبْدِ الْحَبِيبِ مَعَنَا، الَّذِي هُوَ خَادِمٌ أَمِينٌ لِلْمَسِيحِ لأَجْلِكُمُ، ٨الَّذِي أَخْبَرَنَا أَيْضًا بِمَحَبَّتِكُمْ فِي الرُّوحِ.
- إِذْ سَمِعْنَا: كان بولس شاكراً لأجل: إِيمَانَكُمْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ، وَمَحَبَّتَكُمْ لِجَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ. فالإيمان الحقيقي بيسوع سيشمل دائماً محبة حقيقية لشعب الله.
- مِنْ أَجْلِ الرَّجَاءِ: كان بولس شاكراً مِنْ أَجْلِ الرَّجَاءِ المحفوظ لهم في السموات. شكر بولس عندما فكر في مصير مؤمني كولوسي.
- لاحظوا المثلث المعروف هنا: الايمان والرجاء والمحبة. فلم تكن تلك أفكار لاهوتية بالنسبة لبولس بل احتلت تفكيره كمؤمن.
- الَّذِي سَمِعْتُمْ بِهِ قَبْلاً فِي كَلِمَةِ حَقِّ الإِنْجِيلِ: كان بولس شاكراً لأن مصيرهم الأبدي كان نتيجة حَقِّ الإِنْجِيلِ الذي نقله لهم أبفراس (كَمَا تَعَلَّمْتُمْ أَيْضًا مِنْ أَبَفْرَاسَ).
- يُوصف ابفراس هنا بالخادم أَلأمِين لِلْمَسِيحِ لأَجْلِكُمُ (بالإنجليزية ’راعي أمين‘). لا يعني هذا أن أبفراس كان متفوقاً على المؤمنين في كولوسي. فكلمة ’راعي‘ لا تعني التفوق، بل تعني ’الذي يخدم.‘
- وَهُوَ مُثْمِرٌ: كان بولس شاكراً لأن الكلمة كانت مُثْمِر فِي كُلِّ الْعَالَمِ، حتى عندما كان بولس محبوساً في السجن في روما.
- “بالغ بولس في استخدام العبارة ’فِي كُلِّ الْعَالَمِ‘ إلا انها كانت مبالغة مشروعة تماماً، لأن الإنجيل كان ينتشر فعلاً في كل الإمبراطورية الرومانية.” روبرتسون (Robertson)
- “يُشبه الإنجيل هنا بالمسافر الذي يسعى لزيارة كل الأماكن المأهولة بالسكان على الأرض… وكان سريعاً جداً لدرجة أنه وصل الى كافة البلدان الواقعة تحت الحكم الروماني تقريباً، وسوف يستمر بالتنقل الى ان يصل برسالته لكل الناس والقبائل والأمم وكل لسان.” كلارك (Clarke)
ثانياً. كيف صلّى بولس الى مؤمني كولوسي
أ ) الآيات (٩-١١): تشفّع بولس الى الله من أجل أهل كولوسي
٩مِنْ أَجْلِ ذلِكَ نَحْنُ أَيْضًا، مُنْذُ يَوْمَ سَمِعْنَا، لَمْ نَزَلْ مُصَلِّينَ وَطَالِبِينَ لأَجْلِكُمْ أَنْ تَمْتَلِئُوا مِنْ مَعْرِفَةِ مَشِيئَتِهِ، فِي كُلِّ حِكْمَةٍ وَفَهْمٍ رُوحِيٍّ ١٠لِتَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلرَّبِّ، فِي كُلِّ رِضىً، مُثْمِرِينَ فِي كُلِّ عَمَل صَالِحٍ، وَنَامِينَ فِي مَعْرِفَةِ اللهِ، ١١مُتَقَوِّينَ بِكُلِّ قُوَّةٍ بِحَسَبِ قُدْرَةِ مَجْدِهِ، لِكُلِّ صَبْرٍ وَطُولِ أَنَاةٍ بِفَرَحٍ.
- طَالِبِينَ لأَجْلِكُمْ أَنْ تَمْتَلِئُوا مِنْ مَعْرِفَةِ مَشِيئَتِهِ: أولاً، صلّى بولس لكي يَكْشِفَ لَهم اللهُ كُلَّ شَيءٍ عَنْ إرَادَتِهِ، وَأنْ يُعطِيَهم كُلَّ حِكمَةٍ وَفَهمٍ رُوحِيٍّ. فمسؤوليتنا الأولى هي أن نعرف الله ونعرف مشيئته لنا.
- “ستلاحظ أثناء قراءتك لهذه الرسالة أن بولس كان يتطرق باستمرار الى المعرفة والحكمة. لدرجة أنه حكم على الكنيسة أنها ضعيفة وصب كل صلواته نحو هذه الغاية. فهو لم يُرد لهم أن يبقوا جهلاء. إذ كان يعرف أن الجهل الروحي هو مصدر كل خلل وتقلقل وألم؛ لذا أرادهم أن يحصلوا على التعليم الصحيح في كل ما يخص الله.” سبيرجن (Spurgeon)
- لِتَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلرَّبِّ، فِي كُلِّ رِضىً: ثانياً، صلّى بولس كي يعيشوا بحسب المعرفة التي قبلوها، وأن يسلكوا كما يليق بالرب.
- هذا نمط معروف، أُعيد تكراره مرة تلو الأخرى في العهد الجديد. فسلوكنا مبنيٌّ على معرفتنا بالله وفهمنا لإرادته.
- مُثْمِرِينَ فِي كُلِّ عَمَل صَالِحٍ، وَنَامِينَ فِي مَعْرِفَةِ اللهِ. بهذه الطريقة سوف نرضي الله (فِي كُلِّ رِضىً) ونسلك كما يليق.
- هذا صدى لتعليم يسوع في يوحنا ٧:١٥-٨ ’إِنْ ثَبَتُّمْ فِيَّ وَثَبَتَ كَلاَمِي فِيكُمْ تَطْلُبُونَ مَا تُرِيدُونَ فَيَكُونُ لَكُمْ. بِهذَا يَتَمَجَّدُ أَبِي: أَنْ تَأْتُوا بِثَمَرٍ كَثِيرٍ فَتَكُونُونَ تَلاَمِيذِي.‘
- “’مثمرين في كل عمل صالح.‘ يوجد هنا مساحة ومدى يكفيان ’لكل عمل صالح.‘ هل تستطيع الكرازة بالإنجيل؟ إكرز! هل يحتاج طفل صغير الى تعزية؟ عزيه! هل تستطيع أن تقف وتُدافع عن الحق أمام الآلاف؟ إفعل ذلك! هل تحتاج قديسة فقيرة الى طعام من مائدتك؟ أرسله لها! اِسمح لأعمال الطاعة والشهادة والغيرة والتقوى والإحسان أن تظهر في حياتك. ولا تختار عمل الأمور الكبيرة فقط، لكن اعطي المجد للرب حتى في الأمور الصغيرة ’مُثمرين في كل عمل صالح.‘” سبيرجن (Spurgeon)
- متَقَوِّينَ بِكُلِّ قُوَّةٍ: عندما نسْلُكُ كَمَا يَحِقُّ لِلرَّبِّ، تبقى قوته معنا لتساعدنا على مواجهة كل تحديات الحياة وأن نحتمل وننتصر على المشاكل التي تواجهنا من الظروف (صَبْرٍ) أو من الناس (طُولِ أَنَاةٍ) بفرح.
ب) الآيات (١٢-١٤): شكر بولس الخاص للآب السماوي.
١٢شَاكِرِينَ الآبَ الَّذِي أَهَّلَنَا لِشَرِكَةِ مِيرَاثِ الْقِدِّيسِينَ فِي النُّورِ، ١٣الَّذِي أَنْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ الظُّلْمَةِ، وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ، ١٤الَّذِي لَنَا فِيهِ الْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ الْخَطَايَا.
- شَاكِرِينَ الآبَ الَّذِي أَهَّلَنَا: كان الآب مدبر خطة الفداء للبشر. هو الأقنوم الذي بدأ خطة الأزمنة.
- أَهَّلَنَا لِشَرِكَةِ مِيرَاثِ الْقِدِّيسِينَ: الآب هو من أهلنا لهذا، لا أعمال قد عملناها. ونلناها كميراث لا كأجرة مقابل أعمالنا.
- الَّذِي أَنْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ الظُّلْمَةِ: لقد أَنْقَذَنَا من سلطان الشيطان. والفكرة وراء الكلمة هي الخلاص بواسطة قوة سيادية.
- استخدمت عبارة ’سلطان الظلمة‘ في لوقا ٥٣:٢٢ عندما تكلم يسوع عن الظلمة التي كانت تحيط به ليلة القبض عليه ووقت آلامه على الصليب. “تشير هذه الكلمات الى قوى الشر التي تحركت ضده في معركة حاسمة في المملكة الروحية.” بروس (Bruce)
- يمكننا أن نرى تأثيرات سلطان الظلمة حولنا، لكن من تحرروا … مِنْ سُلْطَانِ الظُّلْمَة يكون تأثير الظلمة على حياتهم أقل.
- سلطان الظلمة يضعنا في فترت ركود كي نصبح خاملين
- سلطان الظلمة ماهر في التمويه
- سلطان الظلمة يُحزن ويُحبط الانسان
- سلطان الظلمة قد يُبهرنا
- سلطان الظلمة يقوي البعض
- “أيها الأحباء، لا يزال الشيطان يُغوينا، لكننا لسنا تحت سيطرته؛ علينا أن نقاومه، لكننا لسنا عبيده. هو ليس مليكنا؛ لا توجد لديه حقوق علينا؛ نحن لا نطيعه؛ لن نسمع لإغراءاته.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ: بحسب باركلي (Barcley)، كان لكلمة ’نَقَلَنَا‘ معنى خاص في العالم القديم. فعندما كانت مملكة تغزو أخرى، كانوا ينقلون عادة سكان المملكة المهزومة إلى المملكة المنتصرة. وفي هذا الإطار يقول بولس أننا قد نُقِلنا الى ملكوت الله. فكل ما نملك وكل ما نحن عليه ينتمي الآن إلى الله.
- ابْنِ مَحَبَّتِهِ هي طريقة العبرية لقول ’ابن الله العزيز.‘
- الَّذِي لَنَا فِيهِ الْفِدَاءُ، بِدَمِهِ: يحمل الْفِدَاءُ فكرة العتق بواسطة فدية قانونية. فثمن حريتنا تم تسديده بواسطة دم يسوع.
- الصلاة بدم المسيح – بالمعنى الصحيح، وليس كنوع من الخرافة أو السحر – له وزنه في الحرب الروحية، وهو الإيصال الذي يبرهن على أن الثمن قد دفع بالكامل عنا وصرنا مفديين.
- أحد الأسئلة اللاهوتية الشائكة هو: لمن دُفع الثمن؟ يقول البعض أن ثمن الفداء دفع لله، لكننا كنا أسرى في مملكة الشيطان. ويقول البعض الآخر أن ثمن الفداء دفع للشيطان، لكن بماذا يُدين الله للشيطان؟ ربما وسع السؤال الإستعارة أكثر من اللازم.
- غُفْرَانُ الْخَطَايَا: الكلمة التي ترجمت ’غُفْرَان‘ هي الكلمة اليونانية القديمة aphesis وتعني حرفياً ’إرسال الشيء بعيداً.‘ فخطيتنا وذنبنا تم ابعادهما عنا بسبب ما فعله يسوع على الصليب.
- “يعني هذا بالتالي إن خطايانا نزعت منا ولم يعد هناك أي حواجز تفصلنا عن الله.” فون (Vaughan)
ج ) الآيات (١٥-٢٠): بولس يتأمل في شخص وعمل يسوع
١٥الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ، بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ. ١٦فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشًا أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ. ١٧الَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ الْكُلُّ ١٨وَهُوَ رَأْسُ الْجَسَدِ: الْكَنِيسَةِ. الَّذِي هُوَ الْبَدَاءَةُ، بِكْرٌ مِنَ الأَمْوَاتِ، لِكَيْ يَكُونَ هُوَ مُتَقَدِّمًا فِي كُلِّ شَيْءٍ. ١٩لأَنَّهُ فِيهِ سُرَّ أَنْ يَحِلَّ كُلُّ الْمِلْءِ، ٢٠وَأَنْ يُصَالِحَ بِهِ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ، عَامِلاً الصُّلْحَ بِدَمِ صَلِيبِهِ، بِوَاسِطَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ: مَا عَلَى الأَرْضِ، أَمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ.
- هُوَ: بدأ بولس بشكر الآب لأجل خطته للفداء (كولوسي ١٢:١). ولم يستطع أن يفعل هذا دون التفكير بالابن الذي هو الفادي العظيم.
- يعتقد معظم المفسرين أن كولوسي ١٥:١-٢٠ أتت من قصيدة أو ترنيمة كانت موجودة فترة الكنيسة الأولى والتي تصف ما كان يؤمن به المؤمنين آنذاك عن يسوع. وهذا ممكن تماماً، لكن لا يمكن إثباته.
- هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ: الكلمة المُترجمة صُورَةُ ( الكلمة اليونانية القديمة eikon) تحمل فكرتين.
- الشبه، كالصورة على قطعة العملة أو إنعكاس المرآة.
- التجلي، الله مُعلنٌ تماماً في يسوع.
- كان بولس سيستخدم الكلمة اليونانية القديمة homoioma إن أراد أن يقول أن يسوع مجرد شبيه للآب، أي أنه يحمل نفس المظهر. لكن الكلمة القوية المُستخدمة هنا تُثبت أن بولس عرف تماماً أن يسوع هو الله كما أن الله الآب هو الله. أي أن “يسوع يحمل نفس سمة الله الآب.” روبرتسون (Robertson)
- “الله غير منظور، لا تعني أننا لا نستطيع أن نراه بأعيننا، لكنها تعني أننا لا يمكننا أن نعرف كل شيء عنه. ولكن من خلال يسوع الممجد صار الله الغير معروف معروفاً.” بييك (Peake)
- بحسب باركلي (Barcley)، ساوى الفيلسوف اليهودي القديم فيلو (Philo) بين ’صورة الله‘ (eikon) وبين ’لوغوس‘ (Logos). وقد استخدم بولس هذه الكلمة المهمة وذات المعنى لغرض عظيم.
- بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ: كلمة بِكْرُ (الكلمة اليونانية القديمة prototokos) يمكن أن تستخدم لوصف الأقدمية من حيث الزمن أو التفوق من حيث المكانة. وربما استخدمها بولس هنا والمعنين في ذهنه، فيسوع موجود قبل كل الخليقة وهو في مكانة أسمى بكثير من كل الخليقة.
- تُستخدم كلمة بِكْرُ أيضاً لتشير إلى يسوع في كولوسي ١٨:١، رومية ٢٩:٨، عبرانيين ٦:١ ورؤيا يوحنا ٥:١.
- لا يمكن أن يشير لقب بِكْرُ الى أن يسوع أقل شأناً من الله. فقد أطلق معلمو اليهود القدامى على يهوة نفسه لقب “بكر العالم” (المعلم بيتشاي، ورد في لايتفوت). وقد استخدم معلمو اليهود القدامى كلمة بِكْرُ باعتباره لقب مسياني: “قال الرب، كما جعلت يعقوب بكراً (خروج ٢٢:٤) هكذا سأجعل المسيا بكراً (مزمور ٢٧:٨٩).” (ناثان في شيموث رابا، ورد في لايتفوت).
- علق العالم اليوناني المرموق المطران لايتفوت على استخدام كلّا من eikon (صورة) وprototokos (بِكْرُ) كالتالي: “بما أن شخص المسيح كان الرد الإلهي على التساؤلات الفلسفية ليهود الإسكندرية وعلى الشعب الذي كان ينتظر برجاء المسيا، التقى هذين الفكرين في المصطلح prototokos الذي ينطبق على ربنا، الذي هو الكلمة الحقيقية (logos) والمسيا (المسيح) الحقيقي.” لايتفوت (Lightfoot)
- فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: لا يوجد شك أن يسوع هو مُبدع كل الخليقة لكنه غير مخلوق. وحينما ننظر إلى العالم الرائع والمجيد الذي خلقه يسوع، نعبده ونكرمه أكثر.
- لدى المذنبات أذيال بخارية تمتد الى طول عشرة آلاف ميل. وأن تمكنت من الإمساك بكل هذا البخار وأن تضعه في زجاجة، فإن كمية البخار لن تتجاوز عشر سنتمتر من الفضاء.
- طول القطر لحلقات المشتري هو خمسمائة ألف ميل، لكن عرضه حوالي ٣٠ سم فقط.
- إن كانت الشمس بحجم الكرة ووضعناها على أعلى مبنى في المدينة، ستكون أقرب مجموعة للنجوم إليها كبعد استراليا عن المبنى.
- تدور الأرض حول الشمس بسرعة تتراوح ثمان مرات سرعة طلقة المسدس.
- عدد الحشرات في الميل الواحد من الأرض الريفية هو أكثر من عدد سكان كل الأرض.
- يحتوي الكروموسوم الواحد للجنس البشري على ٢٠ مليون بايت من المعلومات. ما هو حجم المعلومات إذاً؟ إن دُوّنت تلك المعلومات في كتب عادية وبلغة عادية، سوف تستهلك ٤٠٠٠ مجلد.
- بحسب العالم اليوناني أ . ت. روبرتسون (Robertson)، عبارة فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ تحمل فكرة “الخليقة الثابتة” أو “الخليقة الباقية.” ويُضيف روبرتسون: “إذاً استمرارية الكون يعتمد على المسيح أكثر من الجاذبية الأرضية. فالمسيح هو مركز الكون.”
- سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشًا أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ: كما سيُوضّح في بقية الرسالة، يبدو وكأن الهرطقة الكولوسية بنيت على علم الملائكة، الذي يضع الملائكة كالوسيط بين الله والانسان. وقد شدد بولس على أنه أياً كانت رتبة الكائنات الروحية، فقد خلقها يسوع كلها وهم في النهاية يخضعون له.
- الَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ … الَّذِي هُوَ الْبَدَاءَةُ: بعد بولس بعدة قرون، ادّعى معلم خطير (لكنه مشهور) اسمه أريوس أن يسوع لم يكن بالحقيقة الله وأنه لم يكن موجوداً منذ البداية. وقد فهم بولس وأصرّ على أن يسوع كان موجوداً قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ وأنه هو نفسه الْبَدَاءَةُ.
- “بما أن كل الخليقة قد بدأت من فترة ما وكان لها بداية، وكانت هناك فترة غير محدودة لم تكن موجودة فيها إذاً الزمن الذي كان قبل الخليقة ليس جزء من الخليقة؛ والكائن الذي كان موجوداً قبل الخليقة وقبل كل شيء مهما كان نوعه، لا بد أن يكون الله الأزلي والأبدي: ولكن يقول بولس أن يسوع المسيح كان قبل كل شيء وبالتالي هو الله ذاته.” كلارك (Clarke)
- وَفِيهِ يَقُومُ الْكُلُّ: أي أن يسوع هو الذي يوحد الخليقة وهو الذي يحفظها.
- “بما أن الله هو الحافظ، فهو ضروري لاستمرار كل الأشياء، وهو الخالق الذي خلق كل الأشياء. ولكن سلطان الحفظ والاستمرارية منسوبين هنا للمسيح.” كلارك (Clarke)
- وَهُوَ رَأْسُ الْجَسَدِ: الْكَنِيسَةِ: تصف هذه الجملة علاقة المسيح بالكنيسة. وربما تشير كلمة رَأْسُ هنا الى دور المسيح الذي هو مصدر حياة الكنيسة، كما نشير إلى رَأْس النبع ومصدره.
- لِكَيْ يَكُونَ هُوَ مُتَقَدِّمًا فِي كُلِّ شَيْءٍ: هذا ملخص مناسب للآيات الموجودة في كولوسي ١٥:١-١٨.
- كتب آدم كلارك تعليقاً على كولوسي ١٦:١-١٧ كالتالي: “الطريقة التي فهم بها القديس بولس هذه المصطلحات التي استخدمها تؤكد حقيقة أن يسوع المسيح هو الله الحقيقي، الا إذا كانت هناك طريقة خفية لفهم الآيتين ١٦ و١٧ لم يكشف الله عن معناها في أي مكان آخر.”
- الْمِلْءِ: هي ترجمة للكلمة اليونانية القديمة pleroma، وهي طريقة أخرى للقول أن يسوع هو بالحقيقة الله.
- كانت كلمة الْمِلْءِ “معروفة كمصطلح تقني في اللاهوت للدلالة على كمال سلطان الله وصفاته.” (من لايتفوت ورد في روبرتسون).
- بحسب فينسنت، كان معلمو الغنوسية يستخدمون كلمة الْمِلْءِ بالمعنى العملي للتعبير عن كمال السلطان والصفات الألوهية: “ربما وضع معلمو كولوسي المسيح على نفس المستوى مع صور آلهتهم. ومن هنا نرى أهمية التأكيد على أن كمال اللاهوت يسكن فيه.” فينسنت (Vincent)
- “وزعت الغنوسية القوى الإلهية بين فترات زمنية متنوعة. ولكن جمعها بولس كلها في المسيح، فهذه عبارة واضحة وكاملة عن ألوهية المسيح.” روبرتسون (Robertson)
- لأَنَّهُ فِيهِ سُرَّ أَنْ يَحِلَّ كُلُّ الْمِلْءِ: استخدمت الكلمة اليونانية القديمة يَحِلَّ هنا بمعنى السكنى الأبدية. وهناك كلمة أخرى مختلفة تماماً تستخدم بمعنى السكنى المؤقتة. ويؤكد بولس هنا على فكرة أن يسوع لم يكن الله المؤقت بل الله الدائم.
- “يا لهما من كلمتان عظيمتان: كلمة ’الْمِلْءِ‘ وهي كلمة جوهرية وشاملة ومعبرة جداً، وكلمة ’كُلُّ‘ تلك الكلمة الصغيرة لكن العظيمة والتي تشمل كل شيء. فعندما تجمع الكلمتين في التعبير ’كُلُّ الْمِلْءِ‘ ستحصل على معنى غنيٌّ للغاية.” سبيرجن (Spurgeon)
- أَمَّا الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحَزَنِ (إشعياء ١٠:٥٣)؛ والآن يُسر الآب أن يحل فيه كل ملء الله.
- “وبالتالي فإن عبارة فِيهِ سُرَّ أَنْ يَحِلَّ كُلُّ الْمِلْءِ هي الذروة للعبارات السابقة: صورة الله، بكر كل الخليقة، الخالق، الموجود أزلياً، رأس الكنيسة، المنتصر على الموت، بداءة كل الأشياء. ونتوقف قليلاً على هذه القمة، وننظر كما فعل يوحنا، ابتداءاً من المسيح وملء لاهوته حتى نرى العرض الكامل لهذا الملء الإلهي بالفداء المُتمم في السمويات.” فنسينت (Vincent)
- لقد وُضع الملء في يسوع المسيح. ليس في كنيسة؛ ليس في كهنوت؛ ليس في بناية؛ ليس في طقس ديني؛ ليس في قديسين؛ ليس في برنامج أو طريقة، بل في يسوع المسيح نفسه. فهو ’نقطة البداية‘ – فالذين يريدون المزيد من الله في حياتهم يمكنهم أن يجدوه في شخص يسوع المسيح.
- وَأَنْ يُصَالِحَ بِهِ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ: عمل يسوع الكفاري كامل وواسع. ومع هذا يجب علينا ان لا نأخذ كولوسي ٢٠:١ كمصادقة على العالمية.
- بِدَمِ صَلِيبِهِ: نلاحظ مرة أخرى أين تم صنع السلام. فنحن لم نصنع سلامنا مع الله، لكن يسوع صنع السلام بنفسه من خلال عمله على الصليب.
- ومع هذا، علينا ألا نتعامل مع دم المسيح كخرافة. فهو ليس جرعة سحرية، وليس دم المسيح دم حقيقي نرشه على أنفسنا ليخلصنا أو لينقينا. وإن كان الأمر كذلك، لنال الجند الرومان الذين لطخهم دم المسيح أثناء الجلد الخلاص تلقائياً. وإن كان الحديث عن جزيئات الدم الفعلية للمسيح، لما كانت تلك القطرات ستكفي لخلاص كل البشر. ولكن دم المسيح يتكلم الينا عن موت المسيح الحقيقي بدلاً عنا أمام الله. فهذا الموت الحرفي بدلاً عنا وذلك العقاب الحرفي الذي احتمله عنا، هو ما يخلصنا.
د ) الآيات (٢١-٢٣): كيف لعظمة عمل المسيح أن يلمس حياة أهل كولوسي.
٢١وَأَنْتُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلاً أَجْنَبِيِّينَ وَأَعْدَاءً فِي الْفِكْرِ، فِي الأَعْمَالِ الشِّرِّيرَةِ، قَدْ صَالَحَكُمُ الآنَ ٢٢فِي جِسْمِ بَشَرِيَّتِهِ بِالْمَوْتِ، لِيُحْضِرَكُمْ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ وَلاَ شَكْوَى أَمَامَهُ، ٢٣إِنْ ثَبَتُّمْ عَلَى الإِيمَانِ، مُتَأَسِّسِينَ وَرَاسِخِينَ وَغَيْرَ مُنْتَقِلِينَ عَنْ رَجَاءِ الإِنْجِيلِ، الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ، الْمَكْرُوزِ بِهِ فِي كُلِّ الْخَلِيقَةِ الَّتِي تَحْتَ السَّمَاءِ، الَّذِي صِرْتُ أَنَا بُولُسَ خَادِمًا لَهُ.
- وَأَنْتُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلاً أَجْنَبِيِّينَ: الكلمة اليونانية القديمة المُترجمة أجنبيين (apellotriomenous) تعني حرفياً “تحول الى مالكٍ آخر.” فنقل الملكية هذا، من الله الى الشيطان والنفس، أثّر أذهاننا وتصرفاتنا.
- الانتماء الى سلالة آدم، جعلنا تلقائياً نولد كغرباء (أجنبيين) عن الله. وعندما نكبر، نختار أن نقبل ونتبنى حالة الإغتراب هذه بأفعالنا الشريرة.
- الَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلاً أَجْنَبِيِّينَ: هذا يعني أننا في المسيح لم نعد أجنبيين. والفرق بين المؤمن وغير المؤمن ليس مجرد الغفران؛ بل تغيير كامل بالحالة.
- قَدْ صَالَحَكُمُ الآنَ: جواب الله للإغتراب كان المصالحة، التي بدأت في عمله على الصليب (قَدْ صَالَحَكُمُ الآنَ فِي جِسْمِ بَشَرِيَّتِهِ بِالْمَوْتِ). وفي عمل المصالحة، لم يلاقينا الله في منتصف الطريق، بل قام بكل العمل ودعانا لقبوله.
- يمكن للإنسان أن يستخدم طريقتين مختلفتين لفهم حاجات الإنسان وخلاص الله.
- يمكنه أن يرى الله كقاضي، وأنه مذنب أمامه. ولهذا، يحتاج إلى الغفران والتبرير.
- يمكنه أن يرى الله كصديق له، وأنه أتلف علاقته معه. ولهذا، يحتاج الى المصالحة.
- كلا الأمرين صحيح؛ ويجب ألا يؤخذ الواحد على حساب الآخر.
- عبارة جسم بشريته غنية بالمعنى. فقد أراد بولس التركيز على أن هذا حدث لأن شيء ما حدث لإنسان حقيقي على صليب حقيقي.
- لِيُحْضِرَكُمْ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ وَلاَ شَكْوَى أَمَامَهُ: كان هذا نتيجة عمل الله في المصالحة. وعند جمعها معاً، تُرينا هذه الكلمات أننا أنقياء في المسيح ولا يمكن ان نُتّهم لعدم طهارتنا.
- فكرة تقديمنا قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ أمام الله ممكن أن تعيدنا إلى المصطلح المُستخدم عندما كان الكهنة يفحصون الذبائح المُحتملة. فنحن مُقدمين لله كذبيحة حيّة.
- الرغبة في الخلاص تعني الرغبة بأن نصبح قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ وَلاَ شَكْوَى؛ ليس مجرد فكرة الهروب من نيران الجحيم بشروطنا.
- إِنْ ثَبَتُّمْ عَلَى الإِيمَانِ: يجب على هؤلاء الذين تصالحوا أن يثبتوا. وتركيز بولس هنا هو على الثبات في الحق الكتابي (إِنْ ثَبَتُّمْ عَلَى الإِيمَانِ …… َغَيْرَ مُنْتَقِلِينَ عَنْ رَجَاءِ الإِنْجِيلِ، الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ). فمن المهم للغاية أن يسلك المؤمنين بالتقوى، مع أن هذا السلوك لن يخلصهم. والأهم من ذلك أن يستمر المؤمنين في الثبات في الحق الكتابي لأننا مخلصون بالنعمة بالايمان.
- “إن كان الكتاب المقدس يعملنا الثبات في الايمان كالقديسين، يعلمنا أيضاً أن القديسين هم الذين يثبتون حتى النهاية- في المسيح. فالأستمرارية هي إمتحان الواقع.” بروس (Bruce)
ثالثاً. ماذا فعل بولس لأهل كولوسي
أ ) الآية (٢٤): يتألم بولس لأجلهم.
٢٤الَّذِي الآنَ أَفْرَحُ فِي آلاَمِي لأَجْلِكُمْ، وَأُكَمِّلُ نَقَائِصَ شَدَائِدِ الْمَسِيحِ فِي جِسْمِي لأَجْلِ جَسَدِهِ، الَّذِي هُوَ الْكَنِيسَةُ.
- الَّذِي الآنَ أَفْرَحُ فِي آلاَمِي لأَجْلِكُمْ: كتب بولس هذه الرسالة من سجن روماني. وكان بإستطاعته أن يرى أن الآمه قدمت شيء جيد للآخرين، ولهذا أستطاع أن يقول بأن آلامه كانت لأَجْل أهل كولوسي ولباقي المؤمنين.
- وَأُكَمِّلُ نَقَائِصَ شَدَائِدِ الْمَسِيحِ فِي جِسْمِي لأَجْلِ جَسَدِهِ: هذه الكلمة شَدَائِدِ لم تُستخدم أبداً لآلام المسيح على الصليب. فأغلب المفسرون يرون هذه الكلمة كمرجع لشدائد المسيح التي تحملها أثناء خدمته. فهذه الشَدَائِدِ غير مُكتملة بعد، وفي هذا السياق لا يزال يسوع “يتألم” بينما يخدم من خلال شعبه.
- “لا يعطي بولس لآلامه الشخصية أية قيمة.” روبرتسون (Robertson)
- “المصطلح “شدائد المسيح” غير متعلقة أبداً بآلام التي تحملها يسوع على الصليب لأجل فدائنا، بل تشير بالأحرى إلى آلام الخدمة التي أحتملها بولس بسبب تمثيله ليسوع المسيح.” لاين (Lane)
- لأَجْلِ جَسَدِهِ، الَّذِي هُوَ الْكَنِيسَةُ: لم يتألم بولس لأجل نفسه بالطريقة التي يتألم بها المُتنسّك، بل تألم لأجل جسد المسيح.
- يركّز المتنسكون على قداستهم وعلى نموهم الروحي وعلى كمالهم. ولكن تبع بولس خطوات المسيح وكان الشخص الذي صب كل اهتمامه على الآخرين. وقد وجد بولس القداسة والنمو الروحي والنضج عندما سعى لتحقيق هذه الأشياء في حياة الآخرين.
ب) الآيات (٢٥-٢٦): بولس خادم للكنيسة، مُعلناً سر الله الذي كان مخفياً مرةً.
٢٥الَّتِي صِرْتُ أَنَا خَادِمًا لَهَا، حَسَبَ تَدْبِيرِ اللهِ الْمُعْطَى لِي لأَجْلِكُمْ، لِتَتْمِيمِ كَلِمَةِ اللهِ. ٢٦السِّرِّ الْمَكْتُومِ مُنْذُ الدُّهُورِ وَمُنْذُ الأَجْيَالِ، لكِنَّهُ الآنَ قَدْ أُظْهِرَ لِقِدِّيسِيهِ.
- الَّتِي صِرْتُ أَنَا خَادِمًا لَهَا: كان بولس خادماً لجسد المسيح أي الكنيسة. ولم يعين نفسه في هذا المركز، لكن حصل عليه حَسَبَ تَدْبِيرِ اللهِ الْمُعْطَى. فالله وضع بولس في هذا المركز، هو لم يضع نفسه.
- كلِمَةِ اللهِ. السِّرِّ الْمَكْتُومِ: في المنطق الكتابي، السر هو ليس أحجية، بل الحقيقة التي تُعرف فقط من خلال الإعلان وليس من خلال البديهة. والآن يمكن أن يُعرف هذا السر، لأنه قَدْ أُظْهِرَ لِقِدِّيسِيهِ.
- الْمَكْتُومِ مُنْذُ الدُّهُورِ وَمُنْذُ الأَجْيَالِ: يذكرنا هذا أنه توجد جوانب متعددة لخطة الله والتي لم يتم الإعلان عنها بوضوح في العهد القديم. والسر المحدد الذي يعنيه بولس هنا يتعامل مع جوانب متعددة لعمل المسيح في شعبه، خاصة فيما يتعلق بخطته نحو الكنيسة، لينتج جسداً واحداً من اليهود والأمم، مأخوذاً من ساق إسرائيل، ولكنه ليس إسرائيل.
- “السر هو كالتالي: صمم الله ليهب الأمم نفس الامتيازات التي وهبها لليهود، وجعل الذين لم يكونوا شعباً، شعباً له. وهذا ما يعنيه بولس بالسر، أنظر أفسس ٣:٣، الخ.” كلارك (Clarke)
ج) الآية (٢٧): جزء من السر: أن يسوع سيسكن في المؤمنين.
٢٧الَّذِينَ أَرَادَ اللهُ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ مَا هُوَ غِنَى مَجْدِ هذَا السِّرِّ فِي الأُمَمِ، الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ رَجَاءُ الْمَجْدِ.
- السِّرِّ فِي الأُمَمِ: الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ: عجيبة ومجد سكنى يسوع لم تكن مُعلنة بوضوح في العهد القديم، لا سيما أنه سيسكن الأمم. لذلك، هذا الجانب لعمل المسيح في شعبه كان سراً لم يُعلن حتى زمن يسوع والرسل.
- “هذه هي قمة العجائب بالنسبة لبولس أن يُدرج الله الأمم في نعمة الفداء.” روبرتسون (Robertson)
- هذا يعني أن الله أعلن لنا من خلال المسيح. ويستخدم اللاهوتيين الكلاسيكيين المصطلح اللاتيني deus absconditus للإشارة الى “الله المخفي،” أي الله الذي لا يمكن أن يُرى أو يُعرف بوضوح. والمصطلح اللاتيني deus revelatus يشير الى “الله المُعلن.” وفي يسوع الله المخفي أصبح الله المُعلن.
- الْمَسِيحُ فِيكُمْ رَجَاءُ الْمَجْدِ: هذا هو رَجَاءُ الْمَجْدِ بالنسبة للمؤمنين. وهو ليس نتيجة أعمالنا أو تكريسنا لله أو حتى نضجنا الروحي، بل بسبب حضور يسوع الدائم فينا: المسيح فيكم.
د ) الآيات (٢٨-٢٩): شعار بولس للخدمة الرسولية
٢٨الَّذِي نُنَادِي بِهِ مُنْذِرِينَ كُلَّ إِنْسَانٍ، وَمُعَلِّمِينَ كُلَّ إِنْسَانٍ، بِكُلِّ حِكْمَةٍ، لِكَيْ نُحْضِرَ كُلَّ إِنْسَانٍ كَامِلاً فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. ٢٩الأَمْرُ الَّذِي لأَجْلِهِ أَتْعَبُ أَيْضًا مُجَاهِدًا، بِحَسَبِ عَمَلِهِ الَّذِي يَعْمَلُ فِيَّ بِقُوَّةٍ.
- الَّذِي نُنَادِي بِهِ: كان هذا تركيز بولس في الوعظ. فلم يعظ عن نفسه أو عن آراءه، ولم يستخدم الكثير والكثير من القصص الترفيهية. كانت عظاته تتمحور حول شخص يسوع.
- مُنْذِرِينَ كُلَّ إِنْسَانٍ، وَمُعَلِّمِينَ كُلَّ إِنْسَانٍ، بِكُلِّ حِكْمَةٍ: أراد بولس أن يكرز بالبشارة للخليقة كلها. فلم يمنعها عن أي منطقة، فهي لكل انسان، وقدمها بِكُلِّ حِكْمَةٍ.
- يُترجم البعض كلمة مُنذرين على أنها “مشورة.” ولكن الفعل اليوناني القديم nouthetountes يعني “نقل الفهم” أو “الإعتماد على الفكر أو القلب.” فالتركيز هو التأثير على الفكر والإرادة والرغبات. وتصف الطرق الأساسية للتعليم.
- كان إرشاد وإرشاد الآخرين – أو مساعدتهم على الفهم – شغف بولس في الخدمة (أعمال الرسل ٣١:٢٠). وهو أيضاً وظيفة قادة الكنائس (تسالونيكي الأولى ١٢:٥) وجسد المسيح بشكل عام (كولوسي ١٦:٣)، بشرط أن يكونوا قادرين على تقديم نصح للآخرين (رومية ١٤:١٥).
- لِكَيْ نُحْضِرَ كُلَّ إِنْسَانٍ كَامِلاً فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ: كان الهدف من خدمة بولس هو أن يقدم كُلَّ إنْسَانٍ للهِ نَاضِجًا فِي المَسِيحِ، وليس الاعتماد عليه.
- “لذلك، هدف هذه الرسالة وكل خدمته الرسولية كانت تتمحور حول تشجيع وتعليم كل انسان ليدرك الكمال في المسيح، لأن ذلك يتسبب في كمال الكنيسة كلها.” مورغان (Morgan)
- “كان هذا العمل لكُلَّ إِنْسَانٍ. بالمقارنه، المعلمين الكذبة في كولوسي “آمنوا أن طريق الخلاص لا يمكن لأحد فهمه سوى مجموعة مختارة صغيرة التي اصطنعت نوعاً من الأرستقراطية الروحية.” فون (Vaughan)
- أَتْعَبُ أَيْضًا مُجَاهِدًا، بِحَسَبِ عَمَلِهِ الَّذِي يَعْمَلُ فِيَّ بِقُوَّةٍ: كان عمل بولس بواسطة قوة الله العظيمة. ولكن قوة الله في حياة بولس لا تعني أنه لم يفعل شيء. بل عمل بجهد بحسب عمل الله الَّذِي يَعْمَلُ فِيه بِقُوَّةٍ.
- “الكلمة “مجاهداً” [مكافحاً]، والتي قد تعني “المنافسة في المباريات” تحمل معنى المسابقة الرياضية: فبولس لا يقوم بخدمته بكسل متمنياً للنعمة وبشكل مبهم أن تملأ الفراغات التي لم يملأها هو بسبب كسله.” رايت (Wright)