تفسير انجيل لوقا – الإصحاح ١
ميلاد يوحنا المعمدان
أولاً. مقدمة لإنجيل لوقا
تفسير انجيل لوقا، الآيات الأربعة الأولى من إنجيل لوقا الإصحاح الأول عبارة عن جملة واحدة متصلة في الأصل اليوناني، ومكتوبة بأسلوب اكاديمي كلاسيكي عالي الثقافة. أما بالنسبة لباقي الإنجيل، فلم يستخدم لوقا لغة العلماء والمثقفين ولكنه استخدم لغة الرجل العادي، لغة القرية والشارع. وكأنه يخبرنا: “لهذا الإنجيل كل المؤهلات الأكاديمية والعلمية المناسبة. ولكنه مكتوب (موجه) لرجل الشارع.” كتب لوقا هذا الإنجيل كي يفهم الناس يسوع المسيح، وليس ليعجبوا بعقله ومهاراته الأدبية.
أ ) الآيات (١-٢): الروايات السابقة عن حياة يسوع المسيح.
١إِذْ كَانَ كَثِيرُونَ قَدْ أَخَذُوا بِتَأْلِيفِ قِصَّةٍ فِي ٱلْأُمُورِ ٱلْمُتَيَقَّنَةِ عِنْدَنَا، ٢كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا ٱلَّذِينَ كَانُوا مُنْذُ ٱلْبَدْءِ مُعَايِنِينَ وَخُدَّامًا لِلْكَلِمَةِ.
- كَثِيرُونَ قَدْ أَخَذُوا بِتَأْلِيفِ قِصَّةٍ: كتب لوقا إنجيله عالماً أن الكثيرين قد سبق ودونوا قصصاً تحكي عن حياة وتاريخ يسوع المسيح. قد تكون هذه إشارة إلى الأناجيل حسب مرقس ومتى (معظم الناس يعتقدون أن إنجيل يوحنا كُتب بعد إنجيل لوقا)، وقد تشير أيضاً إلى السِيّر الأُخْرى عن يسوع المسيح والتي لم تكن مستوحاة مباشرة من الروح القدس.
- يدّعي بعض الباحثين أن الكتابات حول يسوع المسيح لم تظهر إلا بعد جيلين أو ثلاثة من موته على الصليب. ولكن حسب خبير البردى الألماني كارستن ثيد (Carsten Thiede ديسمبر ١٩٩٤) فإننا نملك نسخاً من إنجيل متى على مقربة من الوقت الذي عاش فيه يسوع المسيح. وتستند اكتشافات ثيد على تحليل دقيق لخط اليد للمخطوطات التي اكتشفت مؤخرًا.
- فِي ٱلْأُمُورِ ٱلْمُتَيَقَّنَةِ عِنْدَنَا: تحتوي الروايات السابقة على أمور كان الناس يعرفونها جيداً ويؤمنون بها زمن لوقا. فعندما كتب لوقا إنجيله، كان الجميع يعرف الكثير عن حياة يسوع المسيح، ليس من كلام التلاميذ عنه فحسب، بل من السير الذاتية التي سبق وكُتبت.
- عندما استخدم لوقا كلمة (عندنا)، فهو يضع نفسه مع المجتمع المسيحي الذي آمن وقَبِلَ تلك الروايات عن حياة يسوع المسيح. كان لوقا رفيق بولس الرسول في رحلاته التبشيرية (أعمال الرسل ١٠:١٦-١١، تيموثاوس الثانية ١١:٤،٢٤:١)، كما وأطلق بولس عليه اسم “ٱلطَّبِيبُ ٱلْحَبِيبُ” (كولوسي ١٤:٤). ولكونه طبيباً فقد كان رجلَّ علم وبحث، وهذا ينعكس بوضوح على طريقة كتابته عن تاريخ حياة يسوع المسيح.
- كل المؤشرات تشير أن لوقا كان أممياً. وتُظهر لنا الآيات في كولوسي ١٠:٤-١١ و١٤:٤ أنه لم يكن يهودياً، لأنه لم يكن مدرجاً مع الذين من الختان. وهذا ما يجعله فريداً لأنه كان الأممي الوحيد بين كُتاب العهد الجديد.
- منح الله هذا الكاتب الأممي شرفاً عظيماً، لأنه كتب أعمال الرسل أيضاً (والذي يشكل الجزء الثاني من إنجيل لوقا)، كما وكتب أكبر جزء من العهد الجديد من أي كاتب آخر (على افتراض أن بولس لم يكتب الرسالة إلى العبرانيين).
- كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا ٱلَّذِينَ كَانُوا مُنْذُ ٱلْبَدْءِ مُعَايِنِينَ وَخُدَّامًا لِلْكَلِمَةِ: يخبرنا لوقا أن القصص السابقة عن حياة يسوع المسيح كانت مبنية على أقوال شهود العيان.
- ٱلَّذِينَ كَانُوا مُنْذُ ٱلْبَدْءِ: يُشير هنا، بلا شك، إلى الرسل (التلاميذ) الذين كانوا مع يسوع المسيح منذ البداية. ولكن ربما يشير أيضاً إلى أشخاص مثل مريم، وعلى الأرجح قابلها لوقا أثناء بحثه عن معلومات من حياة يسوع المسيح.
- كتب لوقا لعالم القرن الأول الذي كان يعيش حسب شعار: “إذا كان ما تفعله يشعرك بالارتياح، فافعله.” كان العالم آنذاك، كما اليوم، يتوق لما تقدمه المسيحية: الإيمان المبني على الحقائق.
ب) الآيات (٣-٤): يسرد لوقا الأسباب وراء كتابة إنجيله.
٣رَأَيْتُ أَنَا أَيْضًا إِذْ قَدْ تَتَبَّعْتُ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ ٱلْأَوَّلِ بِتَدْقِيقٍ، أَنْ أَكْتُبَ عَلَى ٱلتَّوَالِي إِلَيْكَ أَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ ثَاوُفِيلُسُ، ٤لِتَعْرِفَ صِحَّةَ ٱلْكَلَامِ ٱلَّذِي عُلِّمْتَ بِهِ.
- رَأَيْتُ أَنَا أَيْضًا: لم يكن لوقا شاهد عيان للأحداث في بداية خدمة يسوع المسيح. مع ذلك نجده يضع نفسه على نفس الخط مع شهود العيان الذين عاشوا مع يسوع المسيح وكتبوا عنه (مثل متى ومرقس)، لأن كتاباته استندت على بحث دؤوب ودقيق للأحداث.
- أَنْ أَكْتُبَ عَلَى ٱلتَّوَالِي: بعد قراءته لإنجيلي متى ومرقس، أراد لوقا أن يكتب رواية ثالثة تكون أكثر شمولية وبتسلسل زمني دقيق. لذلك، نجد أن إنجيل لوقا هو الإنجيل الأكثر شمولية ويحتوي على تفاصيل أكثر. فهو يوثق قصة يسوع المسيح بداية من البشارة بمجيء يوحنا المعمدان وحتى صعود يسوع المسيح إلى السماء.
- إنجيل لوقا هو الإنجيل الأكثر شمولية. غالباً ما نراه يضع الأمم في مكانة إيجابية.
- إنجيل لوقا هو الأكثر اهتماماً في أدوار النساء والأطفال والمنبوذين اجتماعياً.
- إنجيل لوقا هو الأكثر اهتماماً في الصلاة. لديه سبعة إشارات مختلفة ليسوع المسيح وهو يصلي، لا نجدها إلا في هذا الإنجيل.
- إنجيل لوقا هو الأكثر تركيزاً على الروح القدس وعلى الفرح.
- إنجيل لوقا هو الأكثر تركيزاً على الكرازة بالخبر السار (الإنجيل). أُستُخدِمَّ هذا المصطلح عشر مرات في هذا الإنجيل (ومرة واحدة فقط في الأناجيل الأخرى)، أما في أعمال الرسل فخمسة عشر مرة.
- أَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ (صاحب السعادة) ثَاوُفِيلُسُ: صحيح أن لوقا وَجَهَ إنجيله إلى رجل يدعى ثاوفيلس، ولكنه كتب إنجيله واضعاً في ذهنه جمهور أوسع.
- نلاحظ من اللقب (صاحب السعادة)، أن ثيوفيلوس ربما كان مسؤولاً في الحكومة الرومانية. ومن المرجح أن إنجيل لوقا وسفر أعمال الرسل شكلوا دفاعاً مختصراً لمحاكمة الرسول بولس أمام قيصر، حيث أن أعمال الرسل ينتهي بإنتظار بولس لتلك المحاكمة.
- أيا كان ثاوفيلس، يبدو أنه قد تعلم وعرف عن الإيمان المسيحي (ٱلَّذِي عُلِّمْتَ بِهِ).
ثانياً. البشارة بميلاد يوحنا المعمدان
أ ) الآيات (٥-٧): الفترة الزمنية السائدة والناس الذين كانوا يعيشون في بداية تاريخ حياة يسوع المسيح.
٥كَانَ فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ مَلِكِ ٱلْيَهُودِيَّةِ كَاهِنٌ ٱسْمُهُ زَكَرِيَّا مِنْ فِرْقَةِ أَبِيَّا، وَٱمْرَأَتُهُ مِنْ بَنَاتِ هارُونَ وَٱسْمُهَا أَلِيصَابَاتُ. ٦وَكَانَا كِلَاهُمَا بَارَّيْنِ أَمَامَ ٱللهِ، سَالِكَيْنِ فِي جَمِيعِ وَصَايَا ٱلرَّبِّ وَأَحْكَامِهِ بِلَا لَوْمٍ. ٧وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا وَلَدٌ، إِذْ كَانَتْ أَلِيصَابَاتُ عَاقِرًا. وَكَانَا كِلَاهُمَا مُتَقَدِّمَيْنِ فِي أَيَّامِهِمَا.
- فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ مَلِكِ ٱلْيَهُودِيَّةِ: وقعت هذه الأحداث في فترة زمنية محددة.
- عُرف هذا الرجل باسم هيرودس الكبير، وكان هذا زمن نهاية حكمه الطويل والسيء. عِرقياً، لم يكن هيرودس من نسل إسرائيل، بل من نسل عيسو أخو يعقوب – أي كان من الْأَدُومِيِّينَ. وكان معروفاً ببناء المباني العظيمة، ولكنه اشتهر أيضاً بجنونه للعظمة وبقسوته، مما جعله يقتل الكثيرين بما فيهم أفراد من أسرته.
- كَانَ هناك كَاهِن ٱسْمُهُ زَكَرِيَّا .. وَٱمْرَأَتُهُ أَلِيصَابَاتُ: وقعت هذه الأحداث لأشخاص محددين. كانوا بَارَّيْنِ أَمَامَ ٱللهِ، ولكن كان في حياتهما وصمة عار وهي أن أليصابات كانت عاقر. (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا وَلَدٌ، إِذْ كَانَتْ أَلِيصَابَاتُ عَاقِرًا).
- مِنْ فِرْقَةِ أَبِيَّا: نقرأ عن الفرق الكهنوتية (بما في ذلك فرقة أبيا) في أخبار الأيام الأول ٢٣-٢٤.
ب) الآيات (٨-١٠): خدمة زكريا في الهيكل
٨فَبَيْنَمَا هُوَ يَكْهَنُ فِي نَوْبَةِ فِرْقَتِهِ أَمَامَ ٱللهِ، ٩حَسَبَ عَادَةِ ٱلْكَهَنُوتِ، أَصَابَتْهُ ٱلْقُرْعَةُ أَنْ يَدْخُلَ إِلَى هَيْكَلِ ٱلرَّبِّ وَيُبَخِّرَ. ١٠وَكَانَ كُلُّ جُمْهُورِ ٱلشَّعْبِ يُصَلُّونَ خَارِجًا وَقْتَ ٱلْبَخُورِ.
- حَسَبَ عَادَةِ ٱلْكَهَنُوتِ، أَصَابَتْهُ ٱلْقُرْعَةُ أَنْ يَدْخُلَ إِلَى هَيْكَلِ ٱلرَّبِّ وَيُبَخِّرَ: لا يحق سوى للكهنة من سلالة معينة أن يخدموا في الهيكل. على مر السنين تضاعف عدد الكهنة، (يقال أنه زمن يسوع المسيح كان هناك ما لا يقل عن عشرين ألف كاهناً)، لذلك كانوا يستخدمون القُرعة ليحددوا أي كاهن سيخدم. بعض الكهنة لم تقع عليهم القرعة سوى مرة واحدة طيلة حياتهم.
- لرجل بار مثل زكريا، ربما كان هذا الحدث الأكبر والأهم في حياته، فاختياره لتقديم البخور يعتبر امتيازاً كبيراً، وفرصة العمر. بالتأكيد كان يتساءل دوماً ما سيكون عليه الأمر عندما يدخل القدس (المنطقة قبل قدس الأقداس)، وإن كان الله سيكلمه بأمر خاص أثناء وجوده هناك.
- كما أنه من السهل أن نتصور أن زكريا سأل الكهنة الذين دخلوا في السابق كيف كان الأمر، وإن مروا بأي تجربة روحية فريدة عندما كانوا يخدمون أمام الله. كان الحدث مليئاً بالتوقعات الهائلة.
- يُبَخِّرَ: وفقاً لشريعة موسى، كانت البخور تُقَدم للرب على مذبح الذهب كل صباح وكل مساء (خروج ٧:٣٠-٨). وبحلول ذلك الوقت، كان هناك طقوس معروفة وواضحة لهذه الممارسة.
- كانت تلقى أكثر من قرعة في الصباح لتحديد عمل كل كاهن وقت تقديم الذبيحة. كانت القرعة الأولى لتحديد من سيطهر المذبح ويعد نيرانه، أما القرعة الثانية فكانت لتحديد مَن مِن شأنه أن يقتل الذبيحة الصباحية ويرش المذبح، والشمعدان الذهبي، ومذبح البخور. والقرعة الثالثة تُحدد الكاهن الذي سيدخل ويقدم البخور. وكان من المعروف أن القرعة الثالثة هي الأعظم والأكثر امتيازاً. أولئك الذين تقع عليهم القرعة الأولى والثانية يكررون الخدمة في التقدمة المسائية، ولكن الأمر يختلف في القرعة الثالثة. فتقديم البخور يحدث مرة واحدة في العمر.
- كان المئات من المصلين يحتشدون في الهيكل قبل الفجر. وكانت الخدمة الصباحية تبدأ عندما يمشي الكاهن الذي سيقدم البخور نحو الهيكل، عن طريق الدار الخارجية، وهو يضرب أداة تشبه الصنج. عند سماع صوت رنين الصنج، كان اللاويين يجتمعون ويستعدون لقيادة الشعب في أغاني وترانيم تعبدية للرب.
- وكان يتم اختيار أثنين من الكهنة بالقرعة أيضاً، وكان هؤلاء يمشون مع الكاهن الذي تم اختياره لتقديم البخور في ذلك الصباح. وهكذا يدخل الثلاثة المنطقة المقدسة (ٱلْقُدْسِ) معاً. كاهن يضع الفحم على مذبح الذهب، والآخر يرتب البخور كي تكون جاهزة للتقديم. ثم يخرج الكاهنين، ويترك الكاهن الذي سيحرق البخور لوحده في ٱلْقُدْسِ.
- كان أمام المذبح الذهبي للبخور (ارتفاعه ٣ أقدام وعرضه ٤٦ سم مربع) طاولة صغيرة عليها فحم مشتعل جاهز لحرق البخور. وخلف المذبح الذهبي كان هناك ستارة كبيرة سميكة (الحجاب)، وخلفها كان يقع قدس الأقداس (أي ٱلْحِجَابُ الذي يفصل ما بَيْنَ ٱلْقُدْسِ وَقُدْسِ ٱلْأَقْدَاسِ)، حيث كان يدخله رئيس الكهنة فقط يوم الكفارة. وكانت هناك طاولة على يمينه وهو يقف أمام المذبح عليها خبز التقدمة، وعلى يساره المنارة الذهبية التي كانت المصدر الوحيد للنور في قدس الأقداس.
- وَكَانَ كُلُّ جُمْهُورِ ٱلشَّعْبِ يُصَلُّونَ خَارِجًا وَقْتَ ٱلْبَخُورِ. عندما يرى الشعب الكاهنين يخرجون من الهيكل، يعرفون أن وقت تقديم البخور قد حان، فيسجدون ويرفعون أيديهم نحو الله في صلاة صامتة. وكانوا يعرفون أيضاً أنه في تلك اللحظة حرق الكاهن البخور في المكان المقدس وصلى في محضر الله ذاته للأمة بأسرها.
- يتبع ذلك عدة دقائق من الصمت في كل أروقة الهيكل – ويبقى زكريا في حالة من الصلاة في المكان المقدس، وهي أهم وأعظم لحظة في حياته.
- العلاقة بين حرق البخور والصلاة قد تبدو غريبة للبعض، ولكن الكتاب المقدس يستخدم صورة حرق البخور للتعبير عن رفع الصلاة (مزمور ٢:١٤١، رؤيا يوحنا ٨:٥).
- ماذا صلى زكريا؟ لا بد أنه فكر في الأمر بعناية. ربما كانت لديه لائحة مليئة بالطلبات، ولكنه حفظها على الأرجح. كما وعرف مدة الصلاة، لأنه كان قد حضر تقديم الذبيحة الصباحية كعابد عدة مرات من قبل، وعرف الوقت الذي سيقضيه الكاهن في المعبد. لا بد أنه صلى من أجل احتياجات شعبه، والتي تمثلت بإحتلال الرومان القساة. ولا بد أنه صلى كي يرسل الله المسيا المنتظر. وربما فكر أنه من الخطأ أن يصلي من أجل احتياجاته الشخصية في هذه اللحظة المقدسة.
ج) الآيات (١١-١٧): بشارة الملاك لزكريا
١١ فَظَهَرَ لَهُ مَلَاكُ ٱلرَّبِّ وَاقِفًا عَنْ يَمِينِ مَذْبَحِ ٱلْبَخُورِ. ١٢فَلَمَّا رَآهُ زَكَرِيَّا ٱضْطَرَبَ وَوَقَعَ عَلَيْهِ خَوْفٌ. ١٣فَقَالَ لَهُ ٱلْمَلَاكُ: «لَا تَخَفْ يَا زَكَرِيَّا، لِأَنَّ طِلْبَتَكَ قَدْ سُمِعَتْ، وَٱمْرَأَتُكَ أَلِيصَابَاتُ سَتَلِدُ لَكَ ٱبْنًا وَتُسَمِّيهِ يُوحَنَّا. ١٤وَيَكُونُ لَكَ فَرَحٌ وَٱبْتِهَاجٌ، وَكَثِيرُونَ سَيَفْرَحُونَ بِوِلَادَتِهِ، ١٥لِأَنَّهُ يَكُونُ عَظِيمًا أَمَامَ ٱلرَّبِّ، وَخَمْرًا وَمُسْكِرًا لَا يَشْرَبُ، وَمِنْ بَطْنِ أُمِّهِ يَمْتَلِئُ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ. ١٦وَيَرُدُّ كَثِيرِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى ٱلرَّبِّ إِلَهِهِمْ. ١٧وَيَتَقَدَّمُ أَمَامَهُ بِرُوحِ إِيلِيَّا وَقُوَّتِهِ، لِيَرُدَّ قُلُوبَ ٱلْآبَاءِ إِلَى ٱلْأَبْنَاءِ، وَٱلْعُصَاةَ إِلَى فِكْرِ ٱلْأَبْرَارِ، لِكَيْ يُهَيِّئَ لِلرَّبِّ شَعْبًا مُسْتَعِدًّا».
- فَظَهَرَ لَهُ مَلَاكُ ٱلرَّبِّ: لم يكن الملاك الذي ظهر لزكريا شخصية رومانسية، أو طفل لديه أجنحة. بل كان هذا الملاك مخلوقاً رائعاً مثل معظم الملائكة في الكتاب المقدس، وأول شيء قاله الملاك لهذا الكائن البشري: “لَا تَخَفْ.”
- فَلَمَّا رَآهُ زَكَرِيَّا ٱضْطَرَبَ وَوَقَعَ عَلَيْهِ خَوْفٌ. لم يكن الملاك الذي ظهر لزكريا شخصية رومانسية، أو طفل لديه أجنحة. بل كان هذا الملاك مخلوقاً رائعاً مثل معظم الملائكة في الكتاب المقدس، وأول شيء قاله الملاك لهذا الكائن البشري: “لَا تَخَفْ.”
- ربما فكر زكريا وقال: “هل يحدث هذا مع الكل؟ لم يخبرني أحد أن شيئاً كهذا قد حدث معهم من قبل.”
- لِأَنَّ طِلْبَتَكَ قَدْ سُمِعَتْ، وَٱمْرَأَتُكَ أَلِيصَابَاتُ سَتَلِدُ لَكَ ٱبْنًا: لم يصلي زكريا على الأغلب طالباً أن يعطيه الرب ابناً عندما كان واقفاً أمام المذبح الذهبي. لسببين: أولاً، لأن صلاة كهذه، وفي تلك المناسبة، تعبر عن احتياج أناني. وثانياً، بما أنهما كانا متقدمين في السن (لوقا ٧:١)، فربما توقفا عن الصلاة لهذا الأمر منذ فترة طويلة.
- نصلي أحياناً من أجل أمر ما ولمدة طويلة جداً. نصلي من أجل خلاص الشريك أو أحد الأبناء. نصلي من أجل الدعوة أو الخدمة. نصلي من اجل اختيار الشريك المناسب للزواج. ولكن بعد سنوات من الصلاة العميقة، نفشل ونستسلم. ربما صلى كلاً من زكريا وأليصابات لسنوات عدة كي يعطيهما الله ابناً، ولكنهما توقفا عن الصلاة من مدة طويلة، كما وفقدوا ثقتهم بالرب نوعاً ما.
- عندما نكون في تلك المرحلة من حياتنا، نبدأ أحياناً وبالتدريج بالشك في حب الله لنا ورعايته. ولكن الله يحبنا دوماً ورعايته لن تتوقف أبداً.
- ربما كانت ردة فعل زكريا لوعد الملاك: “أنا لا أعرف ما الذي تتحدث عنه. أنا لا أصلي لابن. فكما ترى نحن متقدمين في العمر. توقفت عن الصلاة من أجل ٱبْن منذ فترة طويلة. أنا أصلي من أجل خلاص شعبي إسرائيل، وأدعو كي يرسل الرب المسيا الموعود.” لم يعلم زكريا أن الله قادر على تحقيق كل الصلوات في وقت واحد، وأن يستخدم ابنه المعجزة ليكون جزءاً للتحضير لمجيء المسيا المنتظر.
- لم تكن لدى زكريا أدنى فكرة أن الله سيجيب الطلبتين العزيزتين على قلبه في آن واحد. ربما تخلى تماماً عن فكرة كونه أب، فقد كان هذا أملاً تحطم على مر السنين. ولكن الرب لم يتخلى عنه رغم أن زكريا وأليصابات فعلا.
- وَتُسَمِّيهِ يُوحَنَّا. أعطي للصبي اسماً قبل أن يتكون حتى. فقد كان هذا الأمر من الرب أن يدعى المولود “يوحنا.”
- لِأَنَّهُ يَكُونُ عَظِيمًا أَمَامَ ٱلرَّبِّ، وَخَمْرًا وَمُسْكِرًا لَا يَشْرَبُ. لعلها إشارة إلى النَذْيرَ الذي يتحدث عنه سفر العدد الإصحاح ٦. كان يوحنا مكرساً ومخصصاً للرب كل أيام حياته، ليس كحال شمشون الذي لم يكرس نفسه لله بالكامل.
- على الرغم من أن يوحنا سيكون عَظِيمًا أَمَامَ ٱلرَّبِّ، ولكن بنعمة الله: “ٱلْأَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ سيكون أَعْظَمُ مِنْهُ” (متى ١١:١١).
- وَمِنْ بَطْنِ أُمِّهِ يَمْتَلِئُ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ. سيكون ليوحنا ملء فريد من الروح القدس حتى وهو في بطن امه.
- قال كالفين عن يوحنا الذي كان مملوئاً من الروح القدس في بطن أمه: “دعونا نتعلم من هذا المثال أنه من أول مرحلة الطفولة إلى آخر العمر، عمل الروح القدس في قلب الإنسان مجاني.”
- وَيَرُدُّ كَثِيرِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى ٱلرَّبِّ إِلَهِهِمْ. أعظم عمل سيقوم به يوحنا هو تمهيد الطريق قبل مجيء المسيا من خلال تحويل القلوب نحو الرب. استخدم في خدمته نفس نمط خدمة إيليا العظيم – بِرُوحِ إِيلِيَّا وَقُوَّتِهِ. قال يسوع المسيح في وقت لاحق أن هذا تحقق من خلال يوحنا (متى ١٤:١١، ١٢:١٧).
- لِيَرُدَّ قُلُوبَ ٱلْآبَاءِ إِلَى ٱلْأَبْنَاءِ: هذا اقتباس من سفر ملاخي ٥:٤-٦، وهي الكلمات الأخيرة في العهد القديم، وكأن الوحي المقدس يستأنف الآن حيث كان قد توقف.
- إيليا كان الشخص الذي استخدمه الله لدعوة إسرائيل لطلب التوبة (ملوك الأيام الأول ٢٠:١٨-٤٠).
د ) الآيات (١٨-٢٠): شك زكريا وصمته.
١٨فَقَالَ زَكَرِيَّا لِلْمَلَاكِ: «كَيْفَ أَعْلَمُ هَذَا، لِأَنِّي أَنَا شَيْخٌ وَٱمْرَأَتِي مُتَقَدِّمَةٌ فِي أَيَّامِهَا؟». ١٩فَأَجَابَ ٱلْمَلَاكُ وَقَالَ لَهُ: «أَنَا جِبْرَائِيلُ ٱلْوَاقِفُ قُدَّامَ ٱللهِ، وَأُرْسِلْتُ لِأُكَلِّمَكَ وَأُبَشِّرَكَ بِهَذَا. ٢٠وَهَا أَنْتَ تَكُونُ صَامِتًا وَلَا تَقْدِرُ أَنْ تَتَكَلَّمَ، إِلَى ٱلْيَوْمِ ٱلَّذِي يَكُونُ فِيهِ هَذَا، لِأَنَّكَ لَمْ تُصَدِّقْ كَلَامِي ٱلَّذِي سَيَتِمُّ فِي وَقْتِهِ».
- كَيْفَ أَعْلَمُ هَذَا، لِأَنِّي أَنَا شَيْخٌ وَٱمْرَأَتِي مُتَقَدِّمَةٌ فِي أَيَّامِهَا؟: كانت ردة فعل زكريا: “شكراً على الوعد أيها الملاك، ولكن ما تقوله غير معقول، أنظر لحالتنا: أنا شيخ وامرأتي متقدمة في أيامها. ولكن هل بإمكانك أن تعطينا علامة أو دليل لتثبت كلامك؟”
- أراد زكريا تصديق الوعد، ولكنه كان يحمي نفسه من خيبة الأمل. فكان هذا بالنسبة له حلم من الصعب تحقيقه، فلم يملك أية توقعات. وهذا ما نفعله بأنفسنا أحياناً، نسلبها من معجزات كثيرة لأننا نفكر بنفس الطريقة.
- نظر زكريا إلى الظروف أولاً، ووضع ما يمكن أن يفعله الله آخراً. وهذا يعتبر تفكيرٌ منطقي بالنسبة لنا. ولكن إن كان الله حي في حياتنا، فليس من المنطقي أن نضع الظروف قبله.
- أَنَا جِبْرَائِيلُ ٱلْوَاقِفُ قُدَّامَ ٱللهِ. ذّكرَ جبرائيل زكريا من يكون ومن أين أتى. هناك تفاوت كبير بين “أنا متقدم في الأيام” وبين “أنا جبرائيل” – أيهما أهم؟ إضافة إلى ذلك، بشر جبرائيل زكريا بالأخبار السارة: “وَأُرْسِلْتُ لِأُكَلِّمَكَ وَأُبَشِّرَكَ بِهَذَا.”
- كانت هذه بالفعل أخبار سارة بالنسبة لزكريا، فلن يصبح لديه ابن فحسب، بل هذا ٱلِٱبْن سيكون له دور هام في خطة الله للخلاص. يا لها من أخبار سارة حملها الملاك جبريل لزكريا.
- وهذا يعطينا فكرة أفضل عن معنى الكرازة بالإنجيل: تقديم الخبر السار لمن يحتاج إليه.
- كَلَامِي ٱلَّذِي سَيَتِمُّ فِي وَقْتِهِ. عدم وجود زكريا، يعني عدم وجود يوحنا المعمدان. وإن لم يكن يوحنا المعمدان موجوداً، فلن يكون هناك منادٍ ليعلن عن مجيء المسيح. وإن لم يكن هناك منادٍ للإعلان عن مجيء المسيح، فلن تتحقق نبوات العهد القديم بشأن مجيئه. إن لم تتحقق أي من نبوءات العهد القديم بشأن المجيء الأول للمسيح، إذاً فالمسيح لم يتمم المكتوب. وإن لم يتمم المسيح كل شيء، إذاً هو لم يتمم خطة الله لفدائنا ويجب أن نموت في خطايانا! إذاً، كانت البشارة بمولد يوحنا المعمدان خبراً ساراً حقاً.
- وَهَا أَنْتَ تَكُونُ صَامِتًا وَلَا تَقْدِرُ أَنْ تَتَكَلَّمَ. دفع زكريا ثمناً باهظاً لعدم إيمانه. عدم إيمانه لم يغير وعد الله، ولكن جعله لا يستمتع بوعد الله.
- عندما لا نؤمن بوعد الله على حياتنا، نحن لا ندمر الوعد بالضرورة ولكننا ندمر قدرتنا على التمتع بذلك الوعد. ما جعل هذا العقوبة شديدة على زكريا هو عدم قدرته على المشاركة بهذا الخبر السار مع الآخرين.
- الغريب أن العديد من المسيحيين لا يعتبرون هذا عقاباً – فهم لا يمانعون البقاء صامتين إزاء الاخبار السارة عن يسوع.
هـ) الآيات (٢١-٢٣): خروج زكريا ومقابلة الجموع.
٢١وَكَانَ ٱلشَّعْبُ مُنْتَظِرِينَ زَكَرِيَّا وَمُتَعّجِّبِينَ مِنْ إِبْطَائِهِ فِي ٱلْهَيْكَلِ. ٢٢فَلَمَّا خَرَجَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ، فَفَهِمُوا أَنَّهُ قَدْ رَأَى رُؤْيَا فِي ٱلْهَيْكَلِ. فَكَانَ يُومِئُ إِلَيْهِمْ وَبَقِيَ صَامِتًا.٢٣وَلَمَّا كَمِلَتْ أَيَّامُ خِدْمَتِهِ مَضَى إِلَى بَيْتِهِ.
- وَكَانَ ٱلشَّعْبُ مُنْتَظِرِينَ زَكَرِيَّا وَمُتَعّجِّبِينَ مِنْ إِبْطَائِهِ فِي ٱلْهَيْكَلِ. كانت العادة أن يخرج الكاهن من الهيكل حال الإنتهاء من الصلاة، لطمأنة الشعب بأنه ما زال حياً ولم يعاقبه الله. لهذا بدأ الشعب يشعر بالتوتر عندما تأخر في الخروج.
- بعد انتهاء الكاهن من تقديم الخدمة، يخرج من المكان المقدس عبر الأبواب الكبيرة للهيكل، ويلتقي الكاهنين خارج الأبواب مباشرة. ثم يرفع الكاهن الذي قدم البخور يديه ويبارك الشعب مستخدماً الكلمات المكتوبة في سفر العدد ٢٤:٦-٢٦. عرف مئات المصلين الذين تجمعوا ما يجب القيام به، وردوا عليه قائلين: “مبارك الرب الله إله إسرائيل من الأزل وإلى الأبد.”
- بعد كل هذا، يطلب الكهنة اللاويين من المغنيين والموسيقيين البدء بالترتيل، فتُضرب الأبواق الفضية، ويضرب الكاهن الصنج، وتبدأ جوقة من اللاويين بترتيل المزمور المعين لذلك اليوم. كانت جوقة الترنيم مؤلفة مما لا يقل عن اثني عشر صوتاً، وكانت خليط من الصغار والكبار وكان يصدر عنهم صوت رائع متجانس ومميز جداً.
- فَلَمَّا خَرَجَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ: كان من المفترض على زكريا عند خروجه من الهيكل أن يقف أمام الشعب وينطق بكلمات البركة (سفر العدد ٢٤:٦-٢٦)، وكان الكهنة يرددون تلك البركة وراءه. ولكن زكريا لم يستطيع أن يكلمهم!
- ربما استخدام يديه ليشرح ما حدث معه في الهيكل. ولكن من الصعب أن نعرف إذا ما صدقه الجميع.
و ) الآيات (٢٤-٢٥): حَمَلِ أليصابات والفرح الشديد
٢٤وَبَعْدَ تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ حَبِلَتْ أَلِيصَابَاتُ ٱمْرَأَتُهُ، وَأَخْفَتْ نَفْسَهَا خَمْسَةَ أَشْهُرٍ قَائِلَةً: ٢٥«هَكَذَا قَدْ فَعَلَ بِيَ ٱلرَّبُّ فِي ٱلْأَيَّامِ ٱلَّتِي فِيهَا نَظَرَ إِلَيَّ، لِيَنْزِعَ عَارِي بَيْنَ ٱلنَّاسِ».
- حَبِلَتْ أَلِيصَابَاتُ ٱمْرَأَتُهُ: كان لزكريا علاقات طبيعية مع زوجته، تعاون مع الله كي يتمم الوعد. لم يعتمد أن يأتي هذا الطفل بطريقة معجزية.
- وَأَخْفَتْ نَفْسَهَا خَمْسَةَ أَشْهُرٍ: لم تختفي أليصابات لتخفي حملها؛ أخفت نفسها أول خمسة أشهر، حين يكون الحمل غير واضح للعيان. أخفت نفسها لتصرف وقتاً مع الرب، ولتتأمل في مصير الطفل الذي بداخلها.
ثالثاً. البشارة بميلاد يسوع المسيح
أ ) الآيات (٢٦-٢٧): أُرسل جبرائيل الملاك لمريم من مدينة الناصرة.
٢٦وَفِي ٱلشَّهْرِ ٱلسَّادِسِ أُرْسِلَ جِبْرَائِيلُ ٱلْمَلَاكُ مِنَ ٱللهِ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ ٱلْجَلِيلِ ٱسْمُهَا نَاصِرَةُ، ٢٧إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُلٍ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ ٱسْمُهُ يُوسُفُ. وَٱسْمُ ٱلْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ.
- وَفِي ٱلشَّهْرِ ٱلسَّادِسِ أُرْسِلَ جِبْرَائِيلُ ٱلْمَلَاكُ: لم ينتهي عمل جبرائيل ببشارته لزكريا في الهيكل، ففي الشهر السادس من حمل أليصابات، جاء الى قرية في الجليل.
- إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ ٱلْجَلِيلِ ٱسْمُهَا نَاصِرَةُ: كان هذا أول ذكر لمدينة الناصرة سواء في العهد القديم أو في العهد الجديد. ربما ما يميز الناصرة هو عدم تميزها. لم تُذكر في العهد القديم، أو في كتب الأبوكريفا، ولا حتى في كتابات يوسيفوس.
- تقع الناصرة في الجليل، وتبعد ٢٤ كيلو عن بحيرة طبريا و٩ كيلو من أقرب طريق رئيسي. لا يوجد في الناصرة أي إمدادات لمياه صالحة للشرب، وهناك بئر واحد ضعيف وسط القرية فقط.
- سترتبط هوية يسوع المسيح بهذا المكان إلى الأبد، حيث اطلق عليه اسم “يسوع الناصري” عدة مرات (مرقس ٢٤:١، يوحنا ٧:١٨، ١٩:١٩، لوقا ٢٢:٢). حتى أن أتباعه أطلق عليهم اسم “الناصريين” (أعمال الرسل ٥:٢٤).
- إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ: كانت مريم مخطوبة ليوسف. كان الزواج عند اليهود في تلك الأيام يحدث على ثلاثة مراحل:
- العقد – الطُلبة (اتفاق رسمي بين الآباء).
- الخطوبة (احتفال يقطع فيه الطرفين الوعود).
- الزواج (بعد مرور عام تقريباً، يأتي العريس ليأخذ عروسته في وقت غير متوقع).
- الإخلاص مهم للغاية عندما يخطب شخصين، ولفك الخطوبة يجب أن يكتب كتاب طلاق. فالخطوبة أمر جدي.
- وَٱسْمُ ٱلْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ. ذكر الكتاب المقدس بوضوح أن مريم كانت عذراء. وليس هناك أي غموض حول هذه الفكرة هنا – بمعنى أن مريم لم تمارس أي علاقة جنسية مع رجل.
- طريقة حَمل يوحنا المعمدان كانت معجزية. فلا عجب أن تكون الطريقة التي حُمل بها المسيا معجزية أيضاً.
ب) الآيات (٢٩-٢٨): جبرائيل يلقي التحية على مريم.
٢٨فَدَخَلَ إِلَيْهَا ٱلْمَلَاكُ وَقَالَ: «سَلَامٌ لَكِ أَيَّتُهَا ٱلْمُنْعَمُ عَلَيْهَا! اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي ٱلنِّسَاءِ». ٢٩فَلَمَّا رَأَتْهُ ٱضْطَرَبَتْ مِنْ كَلَامِهِ، وَفَكَّرَتْ: «مَا عَسَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ ٱلتَّحِيَّةُ!».
- فَدَخَلَ إِلَيْهَا ٱلْمَلَاكُ وَقَالَ: قال جبريل ثلاثة أمور خاصة جداً لمريم، وتنطبق عليها فقط، فقد كانت تحظى بامتياز فريد لم يتمتع به أي شخص آخر.
- كان ْمُنْعَمُ عَلَيْهَا.
- كان اَلرَّبُّ مَعَها.
- كانت مُبَارَكَةٌ.
- ومع ذلك تنطبق كلها على المؤمن بيسوع. فنحن مُنعم علينا كمريم (أفسس ٦:١)، والرب معنا (٢٠:٢٨)، ومباركين (أفسس ٣:١).
- صلاة الكنيسة الكاثوليكية التي تبدأ بـ : “السلام عليك يا مريم، يا ممتلئة نعمة” صحيحة. فقد كانت مريم ممتلئة نعمة فعلاً، كحال كال مؤمن بيسوع. ولكن نعمة مريم أعطيت لها شخصياً، ولم تكن نعمة لتمنحها للآخرين.
- فَلَمَّا رَأَتْهُ ٱضْطَرَبَتْ مِنْ كَلَامِهِ: اضطراب مريم يُظهر تواضعها. تفاجأت مريم عندما خاطبها الملاك بهذه الكلمات الرائعة.
ج ) الآيات (٣٠-٣٣): أعلن جبرائيل ميلاد المسيا الذي سيولد من العذراء مريم.
٣٠فَقَالَ لَهَا ٱلْمَلَاكُ: «لَا تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لِأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ ٱللهِ. ٣١وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ٱبْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. ٣٢هَذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَٱبْنَ ٱلْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ ٱلرَّبُّ ٱلْإِلَهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، ٣٣وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى ٱلْأَبَدِ، وَلَا يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ».
- لِأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ ٱللهِ … وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ٱبْنًا…: لم يكن التركيز على مريم، بل على ٱلِٱبْن الذي سيُدعى يسوع (حيث كان اسم شائع). كان هذا ٱلِٱبْنُ هو المسيا الذي تنبأ عنه العهد القديم.
- سيكون عظيماً: لا يوجد مثيل ليسوع المسيح على مر التاريخ.
- كان عظيماً في كمال طبيعته.
- كان عظيماً في مكانته السماوية.
- كان عظيماً في روعة إنجازاته.
- كان عظيماً في عدد الذين خلصهم.
- كان عظيماً في تقدير شعبه.
- وَٱبْنَ ٱلْعَلِيِّ يُدْعَى: صحيح أن يسوع كان ابن مريم، ولكنه لم يكن ابنها فقط، بل كان وسيعرف بأنه ابن الله.
- وَيُعْطِيهِ ٱلرَّبُّ ٱلْإِلَهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ: هو المسيا الذي تنبأ عنه داود (صموئيل الثاني ١٢:٧-١٦)، ولديه السلطة الشرعية للحكم على إسرائيل، وَلَا يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ.
- سيكون عظيماً: لا يوجد مثيل ليسوع المسيح على مر التاريخ.
- وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ٱبْنًا: عرفت مريم تماماً ما كان يتحدث عنه جبرائيل لأنها كانت تعرف كلمة الله جيداً. عندما أخبرها جبرئيل بهذ الكلام، عرفت أنه اقتبس من اشعياء ١٤:٧ “هَا ٱلْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ٱبْنًا.”
د ) الآيات (٣٤-٣٧): سؤال مريم وجواب جبرائيل.
٣٤ فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلَاكِ: «كَيْفَ يَكُونُ هَذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلًا؟». ٣٥فَأَجَابَ ٱلْمَلَاكُ وَقَالَ لَها: «اَلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ ٱلْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذَلِكَ أَيْضًا ٱلْقُدُّوسُ ٱلْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ٱبْنَ ٱللهِ. ٣٦وَهُوَذَا أَلِيصَابَاتُ نَسِيبَتُكِ هِيَ أَيْضًا حُبْلَى بِٱبْنٍ فِي شَيْخُوخَتِهَا، وَهَذَا هُوَ ٱلشَّهْرُ ٱلسَّادِسُ لِتِلْكَ ٱلْمَدْعُوَّةِ عَاقِرًا، ٣٧لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى ٱللهِ».
- كَيْفَ يَكُونُ هَذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلًا؟ كان سؤال مريم منطقي جداً. فقد سألت نفس السؤال الذي سأله زكريا (لوقا ١٨:١). كان سؤال زكريا مليء بالشكوك وعدم إيمان، أما سؤال مريم فكان مليء بالإيمان.
- وَقُوَّةُ ٱلْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ: أجاب جبرائيل بأن قوة العلي، المتمثلة في الروح القدس، ستظلل مريم.
- تعني كلمة تُظَلِّلُكِ: “تغطية شيء بسحابة،” كما كان مجد الرب في العهد القديم (خروج ١٠:١٦، ٩:١٩، ١٦:٢٤، ٥:٣٤، ٣٤:٤٠) أو سحابة التجلي في العهد الجديد (متى ٥:١٧، مرقس ٧:٩، لوقا ٣٤:٩).
- كانت السحابة دليلاً على مجد وحضور الله. وهذا يعني أن القوة التي كانت مع موسى ومع آخرين في العهد القديم ستعمل الآن أمراً فريداً في حياة مريم.
- قال بايت (Pate): “تنبأ الملاك بالحمل العذراوي، وليس بالولادة العذراوية. مهما حاول الناس أن يقولوا ولكن تبقى الحقيقة أن ولادة يسوع كانت ولادة طبيعية للغاية، أما الحمل فكان معجزياً.”
- ٱلْقُدُّوسُ ٱلْمَوْلُودُ: تشير إلى الطريقة التي سيُحمل بها، سيكون قدوس وبلا أي عيب (مختلف عن كل البشر)، ويُدْعَى ٱبْنَ ٱللهِ.
- لن يكون لهذا الكلام نفس التأثير علينا اليوم لأن فكرة إبن الله غير مألوفة لدينا. ولكن مريم (وكل الشعب اليهودي حينها) عرفوا تماماً ما يعنيه ذلك: هذا الطفل سيكون معادلاً لله (يوحنا ١٨:٥).
- لم يصبح يسوع ابن الله، بل كان يُدعى ابن الله، وهذه الحقيقة تشير إلى طبيعته منذ الأزل.
- وَهُوَذَا أَلِيصَابَاتُ نَسِيبَتُكِ هِيَ أَيْضًا حُبْلَى بِٱبْنٍ فِي شَيْخُوخَتِهَا: مع هذا الوعد الرائع، أخبر جبرائيل مريم أن أليصابات حُبلى. إذا كان الله قادر على تحقيق هذا، فإنه حتماً سيفعل ما وعد به مريم.
- علّقَ كالفن (Calvin): “على الرغم من أن المؤمنين مكتفين بكلمة الله، ولكنهم لا يتجاهلون أعماله التي تقوي إيمانهم.”
- لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى ٱللهِ: هذه النقطة واضحة جداً. يمكننا ترجمة هذه الجملة حرفياً كالتالي: لن تخرج كلمة من الله إلا وسيكون لها مفعول. سيفعل الله دائماً ما وعد به بالحرف.
- علّقَ بايت (Pate): “عبارة ليسَ شيءٌ، وتعني حرفياً ’ليس هناك كلمة‘ مستحيلة لدى الله. وهذا يذكرنا بوعد الله لسارة، بأنه سيكون لها ابن (تكوين ١٤:١٨). وهذا دليل آخر يؤكد على قدرة الله على تنفيذ وعده لمريم.”
هـ) الآية (٣٨): جواب مريم المليء بالإيمان.
٣٨ فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ ٱلرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ». فَمَضَى مِنْ عِنْدِهَا ٱلْمَلَاكُ.
- هُوَذَا أَنَا أَمَةُ ٱلرَّبِّ: تجاوبت مريم على الفور مع كلام جبرائيل. فقد كانت أمةُ الرب، ولن ترضى أن تتفاوض مع سيدها، بل أن تخضع وتقبل ما يقوله.
- قال ماير (Meyer): “كان لا بد لهذا الأمر أن يؤثر عليها سلبياً، وحتماً كان سيربك الرجل الصالح الذي خُطبت له. ولكن سرعان ما أدركت أن الأمر خرج من عند الله، لذا وافقت بكل تواضع مرددة هذه الكلمات التي تعتبر نموذجاً للإيمان الثابت.”
- لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ: استجابت مريم بإيمان: “ليكن لي كقولك” وهو الرد المناسب لكل مؤمن عندما يعدنا الله بشيء.
- تطلب هذا ثقة كبيرة في الرب. وافقت مريم على حملٍ من شأنه أن يشوه سمعتها، وهي تعيش وسط ثقافة تعاقب الزاني بالرجم حتى الموت. وضعت مريم نفسها مع الخطاة كي تحقق مقاصد الله.
- من الناحية الروحية، هناك تشابه بين عمل الله في حياة مريم وعمله في حياة المؤمن.
- يعيش يسوع داخل المؤمن روحياً، كما فعل داخل مريم جسدياً.
- يعيش يسوع فينا روحياً من خلال كلمته، كما فعل مع مريم جسدياً.
- صار يسوع مرئياً للعالم من خلالنا، كما كان خلال مريم جسدياً.
- علّقَ سبيرجن (Spurgeon): “كان كلام ربنا يسوع مع تلاميذه صحيحاً عندما قال: “هذه هي أمي، وأختي، وأخي.” فنحن نتمتع بعلاقة قوية مع المسيح تماماً كما كان هو مع والدته العذراء، ونحن نوعاً ما نتمتع بنفس القرب منه كما كانت هي قريبة منه حينما حملته.”
- فَمَضَى مِنْ عِنْدِهَا ٱلْمَلَاكُ: نحن لا نعرف بالضبط اللحظة التي تكون فيها المسيح في رحم مريم. ربما حدث هذا أثناء كلام جبرائيل معها، أو بعد فترة وجيزة. هذا غير مهم، المهم هو أن سحابة من مجد الله طغت على مريم (لوقا ٣٥:١)، وبطريقة معجزية تصور يسوع في رحم مريم. لهذا نطلق على ولادة يسوع “الميلاد العذراوي.”
- عندما نقترب من الحدث الذي ندعوه الميلاد العذراوي، علينا أن نتفق مع تحليل بولس: عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ ٱلتَّقْوَى (تيموثاوس الأولى ١٦:٣). الكتاب المقدس واضح فيما يتعلق بالميلاد العذراوي. فلا يوجد شك بالميلاد العذراوي، بل هناك جدل حول سلطة الكتاب المقدس.
- الميلاد العذراوي فريد من نوعه. العديد من الأساطير تتحدث عن آلهة أقامت علاقات مع نساء وأنتجت ذُرية، ولكن الميلاد العذراوي فريد من نوعه في المسيحية.
رابعاً. ترنيمة مريم العذراء
أ ) الآيات (٣٩-٤١): زيارة مريم لأليصابات
٣٩ فَقَامَتْ مَرْيَمُ فِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ وَذَهَبَتْ بِسُرْعَةٍ إِلَى ٱلْجِبَالِ إِلَى مَدِينَةِ يَهُوذَا، ٤٠وَدَخَلَتْ بَيْتَ زَكَرِيَّا وَسَلَّمَتْ عَلَى أَلِيصَابَاتَ. ٤١فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلَامَ مَرْيَمَ ٱرْتَكَضَ ٱلْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا، وَٱمْتَلَأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ.
- فَقَامَتْ مَرْيَمُ فِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ وَذَهَبَتْ بِسُرْعَةٍ: سمعت مريم من الملاك جبرائيل أن أليصابات قريبتها حبلى (لوقا ٣٦:١). فقطعت مسافة كبيرة (حوالي ١٦٠ كيلو) من منطقة الجليل عبر الْجِبَالِ إِلَى مَدِينَةِ يَهُوذَا لتزور قريبتها.
- ربما عرفت مريم أن الكثيرين لن يفهموا تجربتها مع جبرائيل والحمل. ولكن إذا كان هناك شخص يمكنه أن يتفاعل معها، فحتماً سيكون أليصابات.
- ٱرْتَكَضَ ٱلْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا: عندما سمعت أليصابات صوت مريم، تحرك الجنين في بطنها – يوحنا المعمدان – لأنه امتلأ فرحاً. رغم أن يوحنا لم يولد بعد، ولكن كان يملك حساً روحياً قادراً على التجاوب مع روح الله.
- علّقَ تراب (Trapp): “ربما شعر يوحنا بالراحة في محضر المسيح جعلته يرقص فرحاً (على الرغم من وجوده في الرحم). ماذا سيكون عليه الحال يا تُرى عندما نكون في محضره في السماء؟”
ب) الآيات (٤٢-٤٥): أليصابات تبارك مريم
٤٢ وَصَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ: «مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي ٱلنِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! ٤٣فَمِنْ أَيْنَ لِي هَذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟ ٤٤فَهُوَذَا حِينَ صَارَ صَوْتُ سَلَامِكِ فِي أُذُنَيَّ ٱرْتَكَضَ ٱلْجَنِينُ بِٱبْتِهَاجٍ فِي بَطْنِي. ٤٥فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ».
- مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي ٱلنِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! لم يكن يوحنا المعمدان قد ولد بعد، وزكريا لا يزال أبكم، مع ذلك آمنت أليصابات بوعد الله لزوجها زكريا عندما كان في الهيكل. أخبره جبرائيل، عندما كان في الهيكل، أن ابنهما الموعود سيُهَيِّئَ لِلرَّبِّ شَعْبًا (١٧:١).
- آمنت أليصابات بهذا، وآمنت أن الطفل في أحشاء مريم كان الرب الذي سيعد إبنها الطريق له (أُمُّ رَبِّي). كانت تحظى أليصابات بهذا الإيمان لأنها كانت مملوءة بالروح القدس.
- فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا: عرفت أليصابات أن إيمان مريم كان له دور في استقبالها للوعد. وعود الله لا تجعلنا سلبيين، بل ينبغي أن تدفعنا كي نتمسك بهم بالإيمان. أرادت أليصابات أن تشجع إيمان مريم، فأعلنت قائلة: فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ.”
ج ) الآيات (٤٦-٥٦): تسبيحة مريم.
٤٦ فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «تُعَظِّمُ نَفْسِي ٱلرَّبَّ، ٤٧وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِٱللهِ مُخَلِّصِي، ٤٨لِأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى ٱتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ ٱلْآنَ جَمِيعُ ٱلْأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي، ٤٩لِأَنَّ ٱلْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ، وَٱسْمُهُ قُدُّوسٌ، ٥٠وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ ٱلْأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ. ٥١صَنَعَ قُوَّةً بِذِرَاعِهِ. شَتَّتَ ٱلْمُسْتَكْبِرِينَ بِفِكْرِ قُلُوبِهِمْ. ٥٢أَنْزَلَ ٱلْأَعِزَّاءَ عَنِ ٱلْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ ٱلْمُتَّضِعِينَ. ٥٣أَشْبَعَ ٱلْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ ٱلْأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ. ٥٤عَضَدَ إِسْرَائِيلَ فَتَاهُ لِيَذْكُرَ رَحْمَةً، ٥٥كَمَا كَلَّمَ آبَاءَنَا. لِإِبْراهِيمَ وَنَسْلِهِ إِلَى ٱلْأَبَدِ». ٥٦فَمَكَثَتْ مَرْيَمُ عِنْدَهَا نَحْوَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا.
- تُعَظِّمُ نَفْسِي ٱلرَّبَّ: هذه التسبيحة تشبه تسبيحة حنة في (صموئيل الأول ١:٢-١٠) وفيها ما لا يقل عن ١٢ إشارة للعهد القديم. وهذا يعني أنها كانت تدرس كلمة الله وتعرفها جيداً. حفظت كلام الله في قلبها، وبشكل طبيعي ظهر هذا في تسبيحتها.
- حظيت مريم بإمتياز عظيم، وكان تجاوبها: تُعَظِّمُ نَفْسِي ٱلرَّبَّ، وهذا ما ينبغي أن يفعله كل من اختبر بركة الله. فتعظيم الله هي أفضل طريقة لعلاج الكبرياء والمدح الذاتي، لهذا يجب على كل مؤمن أن يعظم ويشكر الله دائماً.
- وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِٱللهِ مُخَلِّصِي: هذا يعني أن مريم تحتاج إلى مخلص، وقد عرفت ذلك جيداً.
- كتب ليفيلد (Liefeld): “أجابت مريم في تسبيحتها على العقيدة الكاثوليكية التي تقول أنها حُبلت بلا دنس، وأنها من لحظة الحمل، وبنعمة الله، ’بقيت خالية من كل رجس الخطيئة الأصلية.‘ فالخطاة هم فقط من يحتاجون إلى مُخلص.”
- كتب مورجان (Morgan): “كانت مريم جزءاً من الجنس البشري الخاطئ… ولكن الشرف الممنوح لها كان شرفاً عظيماً جداً، وعلى أفكارنا ولغتنا عنها أن تكون بكل كرامة واحترام تماماً ككلمات جبرائيل. كانت مريم أعظم أم وجدت على وجه الأرض، وعلينا أن نتحدث عنها ونفكر بها بكل وقار واحترام.”
- لِأَنَّ ٱلْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ: هذه التسبيحة تحتفل أساساً بصلاح وأمانة وقوة الله. تُظهر تسبيحة مريم عدم جدوى الثقة في النفس، أو الثقة بسلطة سياسية، أو حتى الثقة بالغِنى. وضعت مريم ثقتها بالله، وكوفئت.
- علّقَ تراب (Trapp): على الآية، القدير صنع بي عظائم: “لا يمكن للأشياء الصغيرة أن تسقط من يد كبيرة. فالعطاء يكون حسب حقيقة الشخص.”
- عظمت مريم ومجدت الرب، على الرغم من أن الطفل لم يولد بعد. علّقَ سبيرجن (Spurgeon): “يا أخوتي، البعض منكم لا يستطيع أن يرنم حتى عند ولادة البركة، ولكننا نرى هنا امرأة ترنم لبركة لم تولد بعد.”
- أشار باركلي (Barclay): “مُنحت مريم بركة كونها أماً لابن الله، ولكن هذه البركة كانت أيضاً كالسيف الذي اخترق قلبها. ولكن سيأتي اليوم الذي فيه سترى ابنها معلقاً على صليب من خشب.”
خامساً. ميلاد يوحنا المعمدان
أ ) الآيات (٥٧-٦٦): ميلاد وتسمية يوحنا المعمدان
٥٧ وَأَمَّا أَلِيصَابَاتُ فَتَمَّ زَمَانُهَا لِتَلِدَ، فَوَلَدَتِ ٱبْنًا. ٥٨وَسَمِعَ جِيرَانُهَا وَأَقْرِبَاؤُهَا أَنَّ ٱلرَّبَّ عَظَّمَ رَحْمَتَهُ لَهَا، فَفَرِحُوا مَعَهَا. ٥٩وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّامِنِ جَاءُوا لِيَخْتِنُوا ٱلصَّبِيَّ، وَسَمَّوْهُ بِٱسْمِ أَبِيهِ زَكَرِيَّا. ٦٠فَأَجَابَتْ أمُّهُ وَقَالَتْ: «لَا! بَلْ يُسَمَّى يُوحَنَّا». ٦١فَقَالُوا لَهَا: «لَيْسَ أَحَدٌ فِي عَشِيرَتِكِ تَسَمَّى بِهَذَا ٱلِٱسْمِ». ٦٢ثُمَّ أَوْمَأُوا إِلَى أَبِيهِ، مَاذَا يُرِيدُ أَنْ يُسَمَّى. ٦٣فَطَلَبَ لَوْحًا وَكَتَبَ قَائِلًا: «ٱسْمُهُ يُوحَنَّا». فَتَعَجَّبَ ٱلْجَمِيعُ. ٦٤وَفِي ٱلْحَالِ ٱنْفَتَحَ فَمُهُ وَلِسَانُهُ وَتَكَلَّمَ وَبَارَكَ ٱللهَ. ٦٥فَوَقَعَ خَوْفٌ عَلَى كُلِّ جِيرَانِهِمْ. وَتُحُدِّثَ بِهَذِهِ ٱلْأُمُورِ جَمِيعِهَا فِي كُلِّ جِبَالِ ٱلْيَهُودِيَّةِ، ٦٦فَأَوْدَعَهَا جَمِيعُ ٱلسَّامِعِينَ فِي قُلُوبِهِمْ قَائِلِينَ: «أَتَرَى مَاذَا يَكُونُ هَذَا ٱلصَّبِيُّ؟». وَكَانَتْ يَدُ ٱلرَّبِّ مَعَهُ.
- فَوَلَدَتِ ٱبْنًا: تحقق الوعد تماماً كما قال الرب. الله يفي بمواعيده دائماً.
- فَفَرِحُوا مَعَهَا: هذا تحقيق لوعد جبرائيل المذكور في (لوقا ١٤:١) (وَكَثِيرُونَ سَيَفْرَحُونَ بِوِلَادَتِهِ).
- ويُعلّق وليام باركلي عن العادات التي كانت سائدة في ذلك الوقت ويقول: “عند اقتراب موعد الولادة، يتجمع الأصدقاء والمغنون والعازفون حول البيت. وعند الإعلان عن ولادة ولد، يعزف الكل على آلاتهم ألحاناً جميلة وأهازيج مفرحة، ويندفعون ليهنئوا الوالدين. بعكس ما يحدث لو كان المولود بنتاً إذ ينصرف العازفون بإنكسار تظللهم سحابة من الحزن.”
- وَسَمَّوْهُ بِٱسْمِ أَبِيهِ زَكَرِيَّا:عرف كلٌ من زكريا وأليصابات أن اسم الطفل سيكون يوحنا بناءاً على أمر الملاك (لوقا ١٣:١).
- أَوْمَأُوا إِلَى أَبِيهِ: تعاملوا مع زكريا وكأنه أطرش، لا على أنه أخرس. لا بد أن هذا كان يزعج زكريا باستمرار.
- ٱسْمُهُ يُوحَنَّا: تجاوب زكريا بإيمان كامل الآن. فلم يقل: “اعتقد أن اسمه يجب أن يكون يوحنا.” فقد كان هذا بالنسبة له اعترافاً بحقيقة يعرفها، وليس اقتراحاً.
- رغم فشله السابق، لكن الله أعطى زكريا فرصة ثانية ليثبت إيمانه. وهو يعطينا نفس الفرصة اليوم.
- قال مورغان (Morgan): “كان هذا يعني التخلي عن عدم الإيمان، وتدريب للإرادة.”
- وفِي ٱلْحَالِ ٱنْفَتَحَ فَمُهُ وَلِسَانُهُ: تكلم زكريا ثانية تماماً كما قال جبرائيل: تَكَلَّمَ وَبَارَكَ ٱللهَ. من الملائم أن تكون أول كلمات نطق بها زكريا حمد وتسبيح للرب. لم يجعله العقاب، بسبب عدم إيمانه، مُرَّ النفس، بل على العكس، جعله يرغب بوضع ثقته بالله دوماً وفي أي فرصة.
ب) الآيات (٦٧-٨٠): نبوة زكريا
٦٧ وَٱمْتَلَأَ زَكَرِيَّا أَبُوهُ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ، وَتَنَبَّأَ قَائِلًا: ٦٨«مُبَارَكٌ ٱلرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ لِأَنَّهُ ٱفْتَقَدَ وَصَنَعَ فِدَاءً لِشَعْبِهِ، ٦٩وَأَقَامَ لَنَا قَرْنَ خَلَاصٍ فِي بَيْتِ دَاوُدَ فَتَاهُ. ٧٠كَمَا تَكَلَّمَ بِفَمِ أَنْبِيَائِهِ ٱلْقِدِّيسِينَ ٱلَّذِينَ هُمْ مُنْذُ ٱلدَّهْرِ، ٧١خَلَاصٍ مِنْ أَعْدَائِنَا وَمِنْ أَيْدِي جَمِيعِ مُبْغِضِينَا. ٧٢لِيَصْنَعَ رَحْمَةً مَعَ آبَائِنَا وَيَذْكُرَ عَهْدَهُ ٱلْمُقَدَّسَ، ٧٣ٱلْقَسَمَ ٱلَّذِي حَلَفَ لِإِبْرَاهِيمَ أَبِينَا: ٧٤أَنْ يُعْطِيَنَا إِنَّنَا بِلَا خَوْفٍ، مُنْقَذِينَ مِنْ أَيْدِي أَعْدَائِنَا، نَعْبُدُهُ ٧٥بِقَدَاسَةٍ وَبِرٍّ قُدَّامَهُ جَمِيعَ أَيَّامِ حَيَاتِنَا. ٧٦وَأَنْتَ أَيُّهَا ٱلصَّبِيُّ نَبِيَّ ٱلْعَلِيِّ تُدْعَى، لِأَنَّكَ تَتَقَدَّمُ أَمَامَ وَجْهِ ٱلرَّبِّ لِتُعِدَّ طُرُقَهُ. ٧٧لِتُعْطِيَ شَعْبَهُ مَعْرِفَةَ ٱلْخَلَاصِ بِمَغْفِرَةِ خَطَايَاهُمْ، ٧٨بِأَحْشَاءِ رَحْمَةِ إِلَهِنَا ٱلَّتِي بِهَا ٱفْتَقَدَنَا ٱلْمُشْرَقُ مِنَ ٱلْعَلَاءِ. ٧٩لِيُضِيءَ عَلَى ٱلْجَالِسِينَ فِي ٱلظُّلْمَةِ وَظِلَالِ ٱلْمَوْتِ، لِكَيْ يَهْدِيَ أَقْدَامَنَا فِي طَرِيقِ ٱلسَّلَامِ».٨٠أَمَّا ٱلصَّبِيُّ فَكَانَ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى بِٱلرُّوحِ، وَكَانَ فِي ٱلْبَرَارِي إِلَى يَوْمِ ظُهُورِهِ لِإِسْرَائِيلَ.
- وَٱمْتَلَأَ زَكَرِيَّا أَبُوهُ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ، وَتَنَبَّأَ: كان الله صامتاً لمدة ٤٠٠ عام. ولكننا نراه يتكلم الآن من خلال الملاك جبرائيل (لوقا ١٣:١، ٢٨:١)، ومن خلال اليصابات (لوقا ٤١:١-٤٢)، ومن خلال مريم (لوقا ٤٦:١-٥٥)، وأخيراً من خلال زكريا. وعندما تكلم الله ثانية، كان كلامه مرتبطاً بشخص يسوع المسيح وبعمله.
- كان بإمكان زكريا أن يقول حقاً: “مُبَارَكٌ ٱلرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ لِأَنَّهُ ٱفْتَقَدَ وَصَنَعَ فِدَاءً لِشَعْبِهِ.” وكأن الله كان حاضراً في إسرائيل (افتقد) بطريقة لم يختبرها أحد من مدة طويلة.
- أُطلق على تسبيحة زكريا، بناءاً على الكلمة الأولى، اسم “التطويبات” في الترجمة اللاتينية.
- وَأَقَامَ لَنَا قَرْنَ خَلَاصٍ فِي بَيْتِ دَاوُدَ فَتَاهُ: نعلم تماماً أن هذه نبوة موحى بها من الروح القدس لأن محورها كان شخص يسوع المسيح غير المولود بعد وليس على يوحنا المعمدان، ابن زكريا المولود حديثاً.
- يسوع المسيح هو قَرْنَ خَلَاصنا (لوقا ٦٩:١).
- يسوع المسيح سيمنحنا خَلَاصٍ مِنْ أَعْدَائِنَا وَمِنْ أَيْدِي جَمِيعِ مُبْغِضِينَا (لوقا ٧١:١).
- يسوع المسيح سِيَصْنَعَ رَحْمَةً مَعَ آبَائِنَا (لوقا ٧٢:١).
- يسوع المسيح سيذْكُرَ عَهْدَهُ ٱلْمُقَدَّسَ (لوقا ٧٢:١).
- يسوع المسيح سيُعْطِيَنَا أَنْ نَعْبُدُهُ (نخدمه) بِلَا خَوْفٍ (لوقا ٧٤:١).
- كتب مورجن (Morgan): “كانت ترنيمة عن الخلاص، وبها معانٍ عميقة حتى أن من غناها لم يفهمها آنذاك.”
- لم يُقدم زكريا التعظيم والتمجيد ليسوع المسيح الذي لم يكن قد عرفه بعد فقط، بل وعبر له عن محبته الشديدة أيضاً. في المقابل، نحن نعرف عن يسوع المسيح أكثر بكثير مما عرفه زكريا، مع ذلك هناك عدم مبالاة في قلوبنا نحوه، فما هو السبب يا تُرى؟
- وكتب تراب (Trapp): “تَكَلَّمَ بِفَمِ أَنْبِيَائِهِ ٱلْقِدِّيسِينَ، كثيرٌ من الأنبياء تغنوا بيسوع، وكانت ألحانهم من أعذب الألحان.”
- وَأَنْتَ أَيُّهَا ٱلصَّبِيُّ نَبِيَّ ٱلْعَلِيِّ تُدْعَى: بعد المقدمة عن يسوع المسيح، يقود الروح القدس زكريا ليتكلم عن ٱلِٱبْن المولود حديثاً ومكانته في خطة الله الكبرى.
- كان يوحنا نبياً، نَبِيَّ ٱلْعَلِيِّ (لوقا ٧٦:١).
- كان يوحنا يتمتع بدعوة خاصة، أن يَتَقَدَّمُ أَمَامَ وَجْهِ ٱلرَّبِّ لِيُعِدَّ طُرُقَهُ (لوقا ٧٦:١).
- كان على يوحنا أن يُعلم ويُعْطِيَ مَعْرِفَةَ ٱلْخَلَاصِ لشَعْبَه (لوقا ٧٧:١).
- كان على يوحنا أن يُعلن لشعبه أن هناك مَغْفِرَةِ لخَطَايَاهُمْ (لوقا ٧٧:١).
- كان على يوحنا أن يَهْدِيَ شعب الله فِي طَرِيقِ ٱلسَّلَامِ (لوقا ٧٩:١).
- أَمَّا ٱلصَّبِيُّ فَكَانَ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى بِٱلرُّوحِ: كان وعد الله سيتحقق في حياة يوحنا. عاش يوحنا فِي ٱلْبَرَارِي إِلَى يَوْمِ ظُهُورِهِ لِإِسْرَائِيلَ لأنه المكان الذي يدرب فيه الله انبيائه.