إنجيل لوقا – الإصحاح ٥
دعوة التلاميذ
أولاً. دعوته للصيادين الأربعة
أ ) الآيات (١-٣): يسوع يُعَلِّمُ ٱلْجُمُوعَ مِنَ ٱلسَّفِينَةِ
١وَإِذْ كَانَ ٱلْجَمْعُ يَزْدَحِمُ عَلَيْهِ لِيَسْمَعَ كَلِمَةَ ٱللهِ، كَانَ وَاقِفًا عِنْدَ بُحَيْرَةِ جَنِّيسَارَتَ. ٢فَرَأَى سَفِينَتَيْنِ وَاقِفَتَيْنِ عِنْدَ ٱلْبُحَيْرَةِ، وَٱلصَّيَّادُونَ قَدْ خَرَجُوا مِنْهُمَا وَغَسَلُوا ٱلشِّبَاكَ. ٣فَدَخَلَ إِحْدَى ٱلسَّفِينَتَيْنِ ٱلَّتِي كَانَتْ لِسِمْعَانَ، وَسَأَلَهُ أَنْ يُبْعِدَ قَلِيلًا عَنِ ٱلْبَرِّ. ثُمَّ جَلَسَ وَصَارَ يُعَلِّمُ ٱلْجُمُوعَ مِنَ ٱلسَّفِينَةِ.
- وَإِذْ كَانَ ٱلْجَمْعُ يَزْدَحِمُ عَلَيْهِ لِيَسْمَعَ كَلِمَةَ ٱللهِ: تُظهر الحشود الكبيرة ازدياد شعبية يسوع كمعلم. فعندما ازدحم الجَمعُ عليه دَخَلَ إِحْدَى ٱلسَّفِينَتَيْنِ … وَصَارَ يُعَلِّمُ ٱلْجُمُوعَ مِنَ ٱلسَّفِينَةِ.
- علّقَ موريسون (Morrison): “لاحظ عدد المنابر الغريبة التي علم منها يسوع.”
- بُحَيْرَةِ جَنِّيسَارَتَ: وهو اسم آخر لبحر الجليل الشهير. ويدعى أحياناً ببحيرة طبرية.
- إِحْدَى ٱلسَّفِينَتَيْنِ ٱلَّتِي كَانَتْ لِسِمْعَانَ: ربما شعر سمعان بالامتياز عندما طلب يسوع أن يُعلم من قاربه. ومن المحتمل أنه استمع لتعليم يسوع بمزيدٍ من الاهتمام.
ب) الآيات (٤-٥): المكافأة التي حصل عليها سمعان عندما أطاع يسوع
٤وَلَمَّا فَرَغَ مِنَ ٱلْكَلَامِ قَالَ لِسِمْعَانَ: «ٱبْعُدْ إِلَى ٱلْعُمْقِ وَأَلْقُوا شِبَاكَكُمْ لِلصَّيْدِ». ٥فَأَجَابَ سِمْعَانُ وَقَالَ لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، قَدْ تَعِبْنَا ٱللَّيْلَ كُلَّهُ وَلَمْ نَأْخُذْ شَيْئًا. وَلَكِنْ عَلَى كَلِمَتِكَ أُلْقِي ٱلشَّبَكَةَ».
- قَالَ لِسِمْعَانَ: «ٱبْعُدْ إِلَى ٱلْعُمْقِ وَأَلْقُوا شِبَاكَكُمْ لِلصَّيْدِ»: ولما فرغ يسوع من الكلام، أراد أن يكافئ سمعان الذي استخدم قاربه أثناء تعليمه. فلا يمكن لسمعان أن يقدم شيئاً ليسوع المسيح دون أن يرد له يسوع أضعاف.
- كان يسوع حاضراً معهم في القارب عندما طلب ذلك. فوجوده منحهم الثقة. ويُعلّق سبيرجن (Spurgeon): “يا لها من بركة أن ترى يسوع في القارب معك عندما ترمي الشبكة. وإن تمكنت من رؤية ابتسامة الرضى على وجهه، عندها ستعمل من كل قلبك.”
- يَا مُعَلِّمُ، قَدْ تَعِبْنَا ٱللَّيْلَ كُلَّهُ: الكلمة اليونانية القديمة التي استخدمها لوقا “مُعلم”(epistata) فريدة من نوعها بالنسبة لإنجيله. فالكلمة تحمل معنى “القائد” أو “الزعيم” أو حتى “الرئيس.” إعطاء بطرس هذا اللقب ليسوع دليلٌ على إستعداده لأخذ الأوامر من يسوع.
- قَدْ تَعِبْنَا ٱللَّيْلَ كُلَّهُ وَلَمْ نَأْخُذْ شَيْئًا. وَلَكِنْ عَلَى كَلِمَتِكَ أُلْقِي ٱلشَّبَكَةَ: كان بإمكان بطرس أن يأتي بعدد من الأعذار الممكنة.
- “عملت طوال الليل وأنا متعب.”
- “أعرف عن الصيد أكثر من أي نجار من الناصرة.”
- “أَفضل وقت للصيد هو الليل وليس النهار.”
- “لا بد وان كل هذه الحشود والتعليم بصوت عالٍ أبعد الأسماك.”
- “قد سبق وغسلنا شباكنا.”
- “من الواضح أنه يملك معلومات دينية كثيرة ولكنه لا يعرف شيئاً عن الصيد حتماً.”
- عَلَى كَلِمَتِكَ أُلْقِي ٱلشَّبَكَةَ: يا له من تصريح رائع يُظهر إيمان وثقة بطرس في كلمة يسوع. لقد عاش شعب الله على مر العصور واثقين بكلمة يسوع.
- عَلَى كَلِمَتِهِ كان هناك نُور
- عَلَى كَلِمَتِهِ خُلقت الشمس والقمر والنجوم والكواكب
- عَلَى كَلِمَتِهِ صار هناك حياة على الأرض
- عَلَى كَلِمَتِهِ تقُوم الخليقة وتستمر
- عَلَى كَلِمَتِهِ تقوم ممالك وممالك تسقط، والتاريخ يكشف خطته العظيمة
ج ) الآيات (٦-٧): معجزة صيد السمك
٦وَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ أَمْسَكُوا سَمَكًا كَثِيرًا جِدًّا، فَصَارَتْ شَبَكَتُهُمْ تَتَخَرَّقُ. ٧فَأَشَارُوا إِلَى شُرَكَائِهِمُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلسَّفِينَةِ ٱلْأُخْرَى أَنْ يَأْتُوا وَيُسَاعِدُوهُمْ. فَأَتَوْا وَمَلَأُوا ٱلسَّفِينَتَيْنِ حَتَّى أَخَذَتَا فِي ٱلْغَرَقِ.
- أَمْسَكُوا سَمَكًا كَثِيرًا جِدًّا: لم يقدم بطرس أي أعذار، وإيمانه بيسوع كوفئ بشكل جيد. فقد عَلِمَّ أنه كان يعرف عن الصيد أكثر بكثير من هذا النجار، وعَلِمَّ جيداً أيضاً أنه حاول الليل كله دون جدوى. ولكن ما جعل بطرس يطيع أمر يسوع كان إيمانه به، وربما لأن الظروف بدت موالية.
- عندما يدير يسوع أعمالنا، فإنه يُحدث فرقاً واضحاً. يمكننا أن نعمل وبجد لفترة طويلة دون أي جدوى. ولكن عندما يوجه يسوع عملنا، نرى نتائج مختلفة؛ ودائماً ما نفقد شيئاً عظيماً عندما نختلق الأعذار بدلاً من السماح ليسوع بتوجيه أعمالنا.
- قال تراب (Trapp): “وها هي الأسماك البسيطة تكرز بوضوح أن المسيح هو ابن الله.”
- فَأَشَارُوا إِلَى شُرَكَائِهِمُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلسَّفِينَةِ ٱلْأُخْرَى أَنْ يَأْتُوا وَيُسَاعِدُوهُمْ: كان على بطرس أن يعمل مع الآخرين لإنجاز هذه المهمة. وهذا يذكرنا بما فعله الله مع رجل يدعى جيمس ماكغريدي الذي كان يسكن على حدود ولاية كنتاكي في الولايات المتحدة عام ١٧٩٠. كان يرعى ثلاثة كنائس صغيرة يجتمعون في أكواخ صغيرة مهلهلة. كان شتاء ١٧٩٩ عاماً مليئاً بالبكاء والحداد مع شعب الله، فقد كانوا يعيشون في مكان شبيه بسدوم وعمورة حيث يقطن الخارجين عن القانون القساة وفي الأغلب ملحدين. أقام ماكغريدي اجتماعات للصلاة، ولكنه طلب من شعب الكنيسة أن يصلوا من أجله ومن أجل خدمته في الوعظ لمدة نصف ساعة قبل النوم ليلة السبت ونصف ساعة في صباح يوم الأحد. في العام ١٨٠٠ انسكب الروح القدس بطريقة غير عادية، وبدأ الكثيرون يؤمنون بالمسيح مما جعل ماكغريدي يصرخ قائلاً: “إن كان هناك واعظ، مهما كانت طائفته، ويحب الرب يسوع، أرجوك تعال وساعدني.”
- علّقَ كلارك (Clarke): “يفضل البعض أن تهلك النفوس على الاعتراف بحاجتهم لشركاء في العمل المقدس. من الكبرياء أن نعتقد أنه لا يمكن عمل شيء بطريقة جيدة إن لم نقوم به بأنفسنا. بالإضافة إلى خوفنا من أن يكون الآخرين أكثر نجاحاً منا.”
د ) الآيات (٨-١١): ردة فعل بطرس … ودعوة يسوع لتلاميذه الأربعة الأولين
٨فَلَمَّا رَأَى سِمْعَانُ بُطْرُسُ ذَلِكَ خَرَّ عِنْدَ رُكْبَتَيْ يَسُوعَ قَائِلًا: «ٱخْرُجْ مِنْ سَفِينَتِي يَا رَبُّ، لِأَنِّي رَجُلٌ خَاطِئٌ!». ٩إِذِ ٱعْتَرَتْهُ وَجمِيعَ ٱلَّذِينَ مَعَهُ دَهْشَةٌ عَلَى صَيْدِ ٱلسَّمَكِ ٱلَّذِي أَخَذُوهُ. ١٠وَكَذَلِكَ أَيْضًا يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا ٱبْنَا زَبَدِي ٱللَّذَانِ كَانَا شَرِيكَيْ سِمْعَانَ. فَقَالَ يَسُوعُ لِسِمْعَانَ: «لَا تَخَفْ! مِنَ ٱلْآنَ تَكُونُ تَصْطَادُ ٱلنَّاسَ!». ١١وَلَمَّا جَاءُوا بِٱلسَّفِينَتَيْنِ إِلَى ٱلْبَرِّ تَرَكُوا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعُوهُ.
- خَرَّ عِنْدَ رُكْبَتَيْ يَسُوعَ: كان يسوع قد شفى حماة بطرس في السابق (لوقا ٣٨:٤-٣٩). ومع ذلك كان هناك شيئاً خاصاً في معجزة صيد السمك هذه جعلت بطرس يَخَرَّ ويسجد عِنْدَ رُكْبَتَيْ يَسُوع.
- ٱخْرُجْ مِنْ سَفِينَتِي يَا رَبُّ، لِأَنِّي رَجُلٌ خَاطِئٌ: عندما رأى بطرس سلطان يسوع، والتي تمثلت في معرفة يسوع لأمر من المستحيل أن يعرفه كشخص عادي، أدرك إفلاسه الروحي.
- لأن بطرس كان صياداً ذو خبرة واسعة، ولأنه كان يعرف أن الظروف كانت غير مواتية، أدرك تماماً أن ما حدث كان معجزة عظيمة.
- تقابل بطرس مع يسوع لتوه، ومع هذا عرف الكثير عنه. وأيضاً فهم بعض الأمور عن نفسه.
- عرف بطرس أن يسوع رَبّ
- عرف بطرس انه رَجُلٌ
- عرف بطرس انه رَجُلٌ خَاطِئٌ
- سمح بطرس لكل هذا أن يجعله متواضعاً
- يمكننا القول بأن صلاة بطرس كانت جيدة، ولكن هناك صلاة أفضل يمكن أن نصليها: “اقترب مني يَا رَبُّ، لِأَنِّي رَجُلٌ خَاطِئٌ.”
- لَا تَخَفْ: وتعني حرفياً في قواعد اللغة اليونانية القديمة: توقف عن الخوف. وهي جملة تهدئ وتُسكّن أي خوف موجود. خاف بطرس من يسوع لأنه رأى عظمته، ولكن يسوع طلب منه ألا يخاف. فالله يريد أن يتواصل معنا على مبدأ المحبة، وليس على مبدأ الخوف.
- مِنَ ٱلْآنَ تَكُونُ تَصْطَادُ ٱلنَّاسَ: عندما قال يسوع لسمعان أنه سيصطاد الناس، فهو يعني أن سمعان سيفعل ما يفعله هو. لم يكن هناك صياد للناس أعظم من يسوع، ولكنه أراد أن يفعل الآخرين ما فعله هو. بدأ يسوع مع هؤلاء الثلاثة، ثم ٱلِٱثْنَا عَشَرَ ثم المئات ثم الآلاف وثم الملايين على مر العصور.
- يقول كلارك (Clarke): كلمة “تصطاد” تدل على الإمساك بشيء حي. وهذا معنى الكرازة الحقيقية. فالكرازة هي جذب الأحياء وليس الأموات.
- تَرَكُوا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعُوهُ: ويعني هذا أنهم تركوا السمك الوفير وراءهم، لأنه بدى غير مهم مقارنة مع يسوع. وتبين لهم أيضاً أن يسوع كان أكثر بكثير من مجرد نجار، مما جعلهم يتركوا كل شيء ويتبعوه.
- تَرَكُوا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعُوهُ: تبعوه كما يتبع الطالب مُعلمه اليهودي في تلك الأيام. من ناحية، قدم لهم يسوع نفس التعليم التقليدي الذي يتلقونه تحت أقدام المعلم اليهودي، ومن ناحية أخرى، ما قدمه كان مختلفاً تماماً عن التعاليم اليهودية العادية.
- بدأوا دون أي نوع من التدريب أو التعليم، ولكن يسوع علمهم. لم يتعلموا ويتدربوا في فصل دراسي عادي بل كان تدريباً مهنياً (عملياً).
- ويُعلّق بايت (Pate): “تَبِعُوهُ”هو مصطلح فني يستخدمه لوقا ليشير إلى التلمذة (٢٣:٩، ٤٩، ٥٧، ٥٩، ٦١ وخاصة الآيات ٢٢:١٨، ٢٨). وهذا يشبه في طبيعته ما كان يُستخدم في أعمال الرسل، حيث كانوا يستخدمون “الطريق” للإشارة إلى أتباع المسيح (أعمال الرسل ٢:٩، ٩:١٩، ٢٣، ٤:٢٢، ١٤:٢٤، ٢٢).
ثانياً. يسوع يشفي الأبرص
أ ) الآية (١٢): الأبرص يطلب مساعدة يسوع
١٢وَكَانَ فِي إِحْدَى ٱلْمُدُنِ، فَإِذَا رَجُلٌ مَمْلُوءٌ بَرَصًا. فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ خَرَّ عَلَى وَجْهِهِ وَطَلَبَ إِلَيْهِ قَائِلًا: «يَا سَيِّدُ، إِنْ أَرَدْتَ تَقْدِرْ أَنْ تُطَهِّرَنِي».
- فَإِذَا رَجُلٌ مَمْلُوءٌ بَرَصًا. فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ: كان البَرَص في العالم القديم مرضاً مرعباً ومدمراً – ولا يزال كذلك في بعض أجزاء من العالم. فعندما يصاب المرء بالبرص، يفقد الأمل في التحسن. لهذا جاء هذا الأبرص الى يسوع بحاجة كبيرة وبيأس شديد.
- كتب باركلي (Barclay): ” كان هناك نوعان من البرص في فلسطين. أحدهما يشبه مرض جلدي رديء، وهو أخفهما. أما النوع الثاني فيبدأ ببقعة صغيرة، ثم ينتشر إلى باقي الجسم حيث يتآكل اللحم حتى يسقط، ولا يبقى للمريض غير عظام اليد أو القدم. كان المريض في هذه الحالة حي ولكنه ميت فعلاً وحرفياً.”
- وفقاً للقانون والتقاليد اليهودية، كان يجب ترك مسافة مترين بين أي شخص وبين الأبرص. وإذا هبت الرياح من جهة الأبرص نحو شخص غير مصاب، كان عليه أن يبعد ٤٥ متراً. وكان الشيء الآخر الأكثر نجاسة من ملامسة الأبرص هو ملامسة جثة هامدة.
- لهذه الأسباب كان البَرَص يُعتبر صورة عن الخطية ونتائجها. إنه مرضٍ مُعدٍ، ويجعل ضحيته عاجزة وضعيفة وفاسدة، وبشكل أساسي كان المريض ميت وهو لا يزال على قيد الحياة. لذلك كان المصابين بالبرص محتقرون من المجتمع ومن المتدينين. وأكثر من كان يحتقرهم كانوا رجال الدين، إذ كانوا يعتقدون أنه عقاب من الله من نوع خاص ولا يستحق أي نوع من الشفقة أو الرحمة.
- ومع ذلك، جاء الأبرص إلى يسوع بنفسه على الرغم من الإحباطات الكثيرة.
- عرف كم كانت مشكلته رهيبة.
- عرف أن الجميع يعتقدون أن حالته ميؤوس منها.
- لم يكن لديه أحد ليأخذه أو حتى يوافق أن يأخذه إلى يسوع.
- لم يسمع من قبل عن أي أبرص شفاه يسوع ليعطيه أمل.
- لم يملك أي وعد بأن يسوع قد يشفيه.
- لم يملك دعوة من السيد المسيح أو التلاميذه.
- لا بد أنه شعر بالخجل وبالوحدة وسط الحشود.
- يَا سَيِّدُ، إِنْ أَرَدْتَ تَقْدِرْ: لم يملك الأبرص شك في قدرة يسوع على الشفاء، ولكن كان سؤاله الوحيد إن كان يسوع على استعداد لشفاءه “إِنْ أَرَدْتَ.” وكان هذا مهماً لأن هذا المرض كان ميؤوساً منه في العالم القديم وشفاءه كان مستحيلاً كإقامة الموتى. ومع هذا عرف الأبرص أن كل ما على يسوع فعله هو الرغبة في شفاءه “إِنْ أَرَدْتَ.”
- «يَا سَيِّدُ، إِنْ أَرَدْتَ تَقْدِرْ أَنْ تُطَهِّرَنِي»: أراد هذا الأبرص أكثر من مجرد الشفاء الجسدي. أراد التطهير ليس فقط من البرص، ولكن من كل آثاره المدمرة على حياته وروحه أيضاً.
- يقتبس باركلي (Barclay) عن الدكتور ماكدونالد (A. B. MacDonald) الذي كان مسؤولاً عن مستعمرة لمرضى البُرص في نيجيريا، ويقول: “البرص مرض نفسي كما هو جسدي، فحالته النفسية تختلف عن حالة أي مريض بمرض آخر، إذ يصاحبه الخجل والخوف والإحساس بالذنب باستمرار. واشمئزاز الناس منه وابتعادهم عنه خوفاً من العدوى كثيراً ما يدفعهم للتفكير بالإنتحار فعلاً.”
ب) الآية (١٣): يسوع يلمس ويشفي الأبرص
١٣فَمَدَّ يَدَهُ وَلَمَسَهُ قَائِلًا: «أُرِيدُ، فَٱطْهُرْ!». وَلِلْوَقْتِ ذَهَبَ عَنْهُ ٱلْبَرَصُ.
- فَمَدَّ يَدَهُ وَلَمَسَهُ: كان بإمكان يسوع عدم ملامسة الأبرص ليشفيه، كان بإمكانه أن يشفيه بكلمة أو حتى بفكرة. ومع ذلك شفى الأبرص بلمسة منه ليظهر حنانه وشفقته نحو هذا الرجل الذي اعتقد أنه نجس، وليظهر أن لمسة يسوع تُنقي ولا تنتقل إليها عدوة النجاسة.
- قال ماير (Meyer): “فمن ناحية، علم يسوع أن قيود الطقوس أُبطلت فيه، من جهة أخرى، كانت لديه الرغبة في تعليمهم أنه لا يمكن للخطية أن تدنس قُدسية الإله المخلص.”
- أُرِيدُ: أظهر يسوع من كلماته ولمسته أنه كان يريد أن يشفيه. لم يُظهر للأبرص قدرته على الشفاء فحسب، بل أظهر قلبه الحنون الذي يريد أن يشفيه. من الشائع أن يشك الناس في محبة الله أكثر من قوته.
- وَلِلْوَقْتِ ذَهَبَ عَنْهُ ٱلْبَرَصُ: تغيرت حياة الأبرص إلى الأبد. فلم يُشفى فحسب، ولكنه نال التطهير أيضاً.
ج ) الآية (١٤): أوصى يسوع الأبرص أن يخبر الكهنة فقط عن شفائه.
١٤فَأَوْصَاهُ أَنْ لَا يَقُولَ لِأَحَدٍ. بَلِ «ٱمْضِ وَأَرِ نَفْسَكَ لِلْكَاهِنِ، وَقَدِّمْ عَنْ تَطْهِيرِكَ كَمَا أَمَرَ مُوسَى شَهَادَةً لَهُمْ».
- فَأَوْصَاهُ أَنْ لَا يَقُولَ لِأَحَدٍ: في كثير من الأحيان، كان يسوع يوصي الناس أن لا يقولوا لأحد عن شفاء أو عمل معجزي فعله معهم. وقد فعل ذلك لأنه أراد تهدئة حماس الحشود إلى أن يحين الوقت المناسب للتصريح الرسمي عن هويته لإسرائيل، والذي سيكون في الموعد المحدد كما تنبأ عنه دانيال ٩.
- وبالإضافة إلى ذلك، لم يكن الهدف من المعجزات أن ينال يسوع الشهرة أو أن يصبح من المشاهير (رغم أن المعجزات كانت تأكيداً لخدمته بلا شك). بل الهدف من المعجزات كان لتلبية احتياجات أفراد معينين وإظهار قوة المسيا ولكن في إطار محبة الناس البسطاء والإهتمام باحتياجاتهم.
- ٱمْضِ وَأَرِ نَفْسَكَ لِلْكَاهِنِ: أوصى يسوع الرجل أن يُقدم شَهَادَةً إلى الكهنة، ويا لها من شهادة رائعة بكل تأكيد. أمرت الشريعة الموسوية أن تقدم الذبائح عند شفاء الأبرص، فعندما أخبر الرجل الكهنة بما حدث، كان عليهم أداء المراسيم المذكورة في (سفر اللاويين ١٤) والتي كانت نادراً ما تمارس (بل في الواقع، لم تمارس يوماً).
- قال كلارك (Clarke): على الأبرص أن يقدم عُصْفُورَانِ حَيَّانِ طَاهِرَانِ، وَخَشَبُ أَرْزٍ وَقِرْمِزٌ وَزُوفَا (لاويين ٤:١٤). وعندما ينظف نفسه ويستحم بماء، عليه أن يقدم: خَرُوفَيْنِ صَحِيحَيْنِ وَنَعْجَةً وَاحِدَةً حَوْلِيَّةً صَحِيحَةً وَثَلَاثَةَ أَعْشَارِ دَقِيقٍ تَقْدِمَةً مَلْتُوتَةً بِزَيْتٍ وَلُجَّ زَيْتٍ (لاويين ١٠:١٤). ولكن إن كان فقيراً يقدم: خَرُوفًا وَاحِدًا، وَعُشْرًا وَاحِدًا مِنْ دَقِيقٍ مَلْتُوتٍ بِزَيْتٍ، وَلُجَّ زَيْتٍ، وَيَمَامَتَيْنِ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ (لاويين ٢١:١٤-٢٢).
- كان الهدف من الذهاب إلى الكاهن أيضاً مساعدة الأبرص في العودة إلى المجتمع من جديد والتأقلم معه. فرغبة يسوع هي شفاء كامل للرجل وأن يستفيد من ذلك بقدر الإمكان.
د ) الآيات (١٥-١٦): ازدياد شهرة يسوع كالشافي
١٥فَذَاعَ ٱلْخَبَرُ عَنْهُ أَكْثَرَ. فَٱجْتَمَعَ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ لِكَيْ يَسْمَعُوا وَيُشْفَوْا بِهِ مِنْ أَمْرَاضِهِمْ. ١٦وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَعْتَزِلُ فِي ٱلْبَرَارِي وَيُصَلِّي.
- فَذَاعَ ٱلْخَبَرُ عَنْهُ أَكْثَرَ: انتشر خبر شفاء الأبرض على نطاق واسع. لا يخبرنا لوقا على وجه التحديد أن كان الأبرص هو المسؤول عن ذلك، ولكن يخبرنا مرقس (٤٥،٤٤:١) أنه كان السبب فعلاً. ويبدو أنه أذاع الخبر للكثيرين على الرغم من أن يسوع أَوْصَاهُ أَنْ لَا يَقُولَ لِأَحَدٍ.
- يا لها من حقيقة غريبة، الشخص الذي أوصاه يسوع ألا يقول لأحد، ذهب وأخبر الجميع. ونحن الذين أوصانا أن نقول للجميع، في كثير من الأحيان، لا نقول لأحد.
- فَٱجْتَمَعَ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ لِكَيْ يَسْمَعُوا وَيُشْفَوْا بِهِ مِنْ أَمْرَاضِهِمْ: كانت جموع كثيرة تتبع يسوع الشافي، رغم أنه لم يروج الأمر أو حتى يشجعه. جاءت الحشود لكي يسمعوا، وقدم لهم الشفاء أيضاً.
- تنبأ إشعياء عن خدمة المسيا كالشافي: حِينَئِذٍ تَتَفَقَّحُ عُيُونُ ٱلْعُمْيِ، وَآذَانُ ٱلصُّمِّ تَتَفَتَّحُ. حِينَئِذٍ يَقْفِزُ ٱلْأَعْرَجُ كَٱلْإِيَّلِ وَيَتَرَنَّمُ لِسَانُ ٱلْأَخْرَسِ، لِأَنَّهُ قَدِ ٱنْفَجَرَتْ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ مِيَاهٌ، وَأَنْهَارٌ فِي ٱلْقَفْرِ. إشعياء ٣٥: ٥-٦).
- كان وجود الكثير من المرضى في إسرائيل دليلاً على عدم طاعتهم لوصايا الرب وتدني لحالتهم الروحية. وعد الله أن مثل هذه اللعنات لن تأتي عليهم لو أطاعوا وصاياه (سفر التثنية ٢٨).
- وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَعْتَزِلُ فِي ٱلْبَرَارِي وَيُصَلِّي: وسط موسم الشعبية والشهرة، لم يتخلى يسوع عن وقته الخاص ليعتزل في البرية ويصلي. متطلبات الحياة دفعت يسوع للصلاة، وليس بعيداً عنها.
- كتب باركلي (Barclay): “الحب في عيون الله عوضه عن الكراهية والبغض في عيون الناس.”
- ويُعلّق كلارك (Clarke): “اعتزال يسوع في البراري بعيداً عن الجموع لفترة من الزمن والصلاة، عليه أن يُعلم خدام الإنجيل بأهمية الحصول على إمدادات جديدة من نور وقوة الله من خلال الصلاة، وليكونوا أكثر نجاحاً في الخدمة، وأن عليهم البحث بإستمرار عن فرص لقضاء وقت مع الله ومع الكتب في مكتبتهم.”
ثالثاً. قوة يسوع على الغفران والشفاء
أ ) الآيات (١٧-١٩): مقاطعة يسوع وهو يُعلم
١٧وَفِي أَحَدِ ٱلْأَيَّامِ كَانَ يُعَلِّمُ، وَكَانَ فَرِّيسِيُّونَ وَمُعَلِّمُونَ لِلنَّامُوسِ جَالِسِينَ وَهُمْ قَدْ أَتَوْا مِنْ كُلِّ قَرْيَةٍ مِنَ ٱلْجَلِيلِ وَٱلْيَهُودِيَّةِ وَأُورُشَلِيمَ. وَكَانَتْ قُوَّةُ ٱلرَّبِّ لِشِفَائِهِمْ. ١٨وَإِذَا بِرِجَالٍ يَحْمِلُونَ عَلَى فِرَاشٍ إِنْسَانًا مَفْلُوجًا، وَكَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَدْخُلُوا بِهِ وَيَضَعُوهُ أَمَامَهُ. ١٩وَلَمَّا لَمْ يَجِدُوا مِنْ أَيْنَ يَدْخُلُونَ بِهِ لِسَبَبِ ٱلْجَمْعِ، صَعِدُوا عَلَى ٱلسَّطْحِ وَدَلَّوْهُ مَعَ ٱلْفِرَاشِ مِنْ بَيْنِ ٱلْأَجُرِّ إِلَى ٱلْوَسْطِ قُدَّامَ يَسُوعَ.
- كَانَ يُعَلِّمُ، وَكَانَ فَرِّيسِيُّونَ وَمُعَلِّمُونَ لِلنَّامُوسِ جَالِسِينَ: استمر يسوع يُعلم في كفرناحوم (مرقس ١:٢) وكان من ضمن الحضور القادة الروحيين والدينيين (فَرِّيسِيُّونَ وَمُعَلِّمُونَ لِلنَّامُوسِ). أتى البعض منهم من مسافة تعتبر بعيدة (مِنَ ٱلْجَلِيلِ وَٱلْيَهُودِيَّةِ وَأُورُشَلِيمَ).
- كان الفريسيون مُخلصين وغيورين، ولكن بالنسبة للكثيرين منهم كانت النقطة المركزية للدين هو الطاعة الخارجية الدقيقة للناموس، وكانوا يعتقدون أن الله يحب فقط من يفعل ما يفعلونه.
- كلمة الفريسيين تعني المُنفصلين (المُفرزين). حيث فصلوا أنفسهم عن كل شيء اعتقدوا أنه غير مُقدس، واعتقدوا أيضاً أن الجميع منفصلين عن محبة الله، ما عداهم.
- كان هؤلاء جَالِسِينَ يستمعون بعيون وقلوب منتقدة، وعلى استعداد للإنقضاض على يسوع بأي لحظة. ولكنهم كانوا حاضرين على الأقل. علّقَ سبيرجن (Spurgeon): “نحن سعداء أن يكون هؤلاء جَالِسِينَ هناك بدلاً من أن لا يأتوا على الإطلاق. فربما سيتعامل الرب معهم. إذا ذهبت الى حيث الطلقات النارية تتطاير فقد يصيبك عيار يوم ما. فمن الأفضل أن تأتي وتستمع للإنجيل حتى وإن كنت غير متحفز أو مُقتنع من أن لا تأتي على الإطلاق.”
- وَكَانَتْ قُوَّةُ ٱلرَّبِّ لِشِفَائِهِمْ: نستطيع أن نرى بوضوح أنه كلما كان يسوع حاضراً، كَانَتْ قُوَّةُ ٱلرَّبِّ لِشِفَائِهِمْ حاضرة أيضاً. حتى في خدمة يسوع يبدو أنه كان هناك تمثيل واضح لعمل الله من خلال الشفاء.
- صَعِدُوا عَلَى ٱلسَّطْحِ وَدَلَّوْهُ مَعَ ٱلْفِرَاشِ مِنْ بَيْنِ ٱلْأَجُرِّ إِلَى ٱلْوَسْطِ قُدَّامَ يَسُوعَ: كان على أصدقاء المفلوج، بسبب الجمعِ، أن يدلوه من السقف – كان هذا بالتأكيد مقاطعة غير طبيعية لعظة ما.
- مِنْ بَيْنِ ٱلْأَجُرِّ: كان من الطبيعي استخدام سلم خارجي للصعود إلى السقف، وكان يتكون السقف عادة من القش والتراب أو من القرميد (الأجُرِ) الذي يوضع فوق مجموعة من الأعمدة الخشبية. لهذا كان من السهل على الأصدقاء أن يفككوا السقف، وينزلونه مَعَ ٱلْفِرَاشِ مِنْ بَيْنِ ٱلْأَجُرِّ إِلَى ٱلْوَسْطِ قُدَّامَ يَسُوعَ.
- يثبت هذا إيمان أصدقاء المفلوج وعزيمتهم. فقد اعتمدوا بالكامل على يسوع لكي ينال صديقهم الشفاء، لأن رفع سرير المريض وإخراجه عبر السقف حتماً سيكون أصعب بكثير من إنزاله من السقف.
- هذا ما قاله سبيرجن (Spurgeon) عن نوعية الرجال الذين أحضروا صديقهم إلى يسوع: “لا بد وأنهم كانوا أقوياء، لأن العبء كان ثقيلاً. لا بد وأنهم كانوا مُصممين وعازمين، لأن هذا الأمر سيختبر إيمانهم. لا بد وأنهم صلوا جيداً، وإلا لكان تعبهم باطلاً. لا بد وأنهم امتلكوا الإيمان، وإلا لكان كل هذا بلا جدوى.”
ب) الآيات (٢٠-٢٢): أعلن يسوع أن خطايا المفلوج قد غُفرت
٢٠فَلَمَّا رَأَى إِيمَانَهُمْ قَالَ لَهُ: «أَيُّهَا ٱلْإِنْسَانُ، مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ». ٢١فَٱبْتَدَأَ ٱلْكَتَبَةُ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ يُفَكِّرُونَ قَائِلِينَ: «مَنْ هَذَا ٱلَّذِي يَتَكَلَّمُ بِتَجَادِيفَ؟ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ خَطَايَا إِلَّا ٱللهُ وَحْدَهُ؟». ٢٢فَشَعَرَ يَسُوعُ بِأَفْكَارِهِمْ، وَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «مَاذَا تُفَكِّرُونَ فِي قُلُوبِكُمْ؟
- فَلَمَّا رَأَى إِيمَانَهُمْ: رأى يسوع كيف عانى الرجال الأربعة، مستخدمين الحبال الخشنة المربوطة بكل زاوية من السرير الذي عليه المفلوج، ورأى إيمانهم.
- كان إيمانهم واضح للعيان. جراءتهم وتصميمهم على إحضار صديقهم إلى يسوع يثبت إيمانهم الحقيقي. إن كان إيماننا غير منظور، إذاً هناك شيء ناقص.
- نرى في هذه القصة تركيزاً على إيمان أصدقاء المفلوج. علينا أن نتحلى بالإيمان ليس لسد احتياجاتنا فحسب، بل ليسدد يسوع احتياجات الآخرين الذين نحضرهم له.
- مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ: يمكننا أن نتصور كيف شعر الأصدقاء وهم على السطح. فقد تكبدوا العناء الكثير لينال صديقهم الشفاء، ولكن يبدو أن المعلم غير مهتم سوى بمشاكله الروحية.
- رأى يسوع احتياج الرجل الحقيقي وما هو احتياجه الأعظم. فما الفائدة من أن يملك ساقين مُعافين ويدخل بهما الجحيم؟
- لم يقصد يسوع بكلامه هذا أن الرجل المفلوج كان يعاني من خطية معينة، أو أن خطية ما هي السبب وراء مرضه. بل خاطب اكبر احتياج لديه: الطبيعة الخاطئة للإنسان التي هي أساس كل الألم والمعاناة.
- مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ خَطَايَا إِلَّا ٱللهُ وَحْدَهُ؟: كان سؤال القادة الروحيين منطقياً. وأعربوا عن اعتقادهم الصحيح أن الله هو وحده القادر على مغفرة الخطايا، وكانوا على حق أن يدققوا في تعليم هذا المُعلم الجديد. ولكنهم اخطأوا في عدم رؤيتهم لحقيقة يسوع ومن يكون: فهو في الواقع الله ٱلِٱبْن، الذي يملك السلطان على مغفرة الخطايا.
- علّقَ كول (Cole): “ظهرت هذه المعضلة في حياة يسوع مراراً وتكراراً. فلو لم يكن ذو طبيعة إلهية، فحتماً هو مجدف، فليس هناك خيارٌ ثالث.”
- يذكرنا هذا بأن الله هو وحده القادر على حل مشكلة الخطية. فلا يمكننا أن نغفر لأنفسنا، لأننا لا نملك القوة ولا السلطان لفعل ذلك. يجب علينا أن نقتنع أن الله غفر خطايانا فعلاً وبالكامل في ضوء ما فعله يسوع على الصليب.
- كتب مورغان (Morgan): “راحتنا بأن خطايانا قد غُفرت، يتولد من يقين أنها عطية من نعمة الله.”
ج ) الآيات (٢٣-٢٦): أظهر يسوع قوة وسلطان الله وحده
٢٣أَيُّمَا أَيْسَرُ: أَنْ يُقَالَ: مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ، أَمْ أَنْ يُقَالَ: قُمْ وَٱمْشِ؟ ٢٤وَلَكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لِٱبْنِ ٱلْإِنْسَانِ سُلْطَانًا عَلَى ٱلْأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ ٱلْخَطَايَا»، قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: «لَكَ أَقُولُ: قُمْ وَٱحْمِلْ فِرَاشَكَ وَٱذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ!». ٢٥فَفِي ٱلْحَالِ قَامَ أَمَامَهُمْ، وَحَمَلَ مَا كَانَ مُضْطَجِعًا عَلَيْهِ، وَمَضَى إِلَى بَيْتِهِ وَهُوَ يُمَجِّدُ ٱللهَ. ٢٦فَأَخَذَتِ ٱلْجَمِيعَ حَيْرَةٌ وَمَجَّدُوا ٱللهَ، وَٱمْتَلَأُوا خَوْفًا قَائِلِينَ: «إِنَّنَا قَدْ رَأَيْنَا ٱلْيَوْمَ عَجَائِبَ!».
- أَيُّمَا أَيْسَرُ: أَنْ يُقَالَ…: سواء كان غفران الخطايا أو القدرة على الشفاء، فكلاهما أمرين مستحيلين بالنسبة للبشر، ولكن بالنسبة لله، كلاهما سهل. فإذا افترضنا منطقياً أن بإمكان يسوع أن يشفي مرض هذا الرجل، إذاً يمكننا القول أن لديه السلطان ليغفر خطاياه أيضاً.
- بطريقة ما، كان “من الصعب” شفاء الرجل من أن تُغفر خطاياه، لأن المغفرة أمر غير مرئي – فلا يمكن لأحد أن يتأكد في تلك اللحظة بأن خطايا هذا الرجل قد غفرها الله بالفعل. ولكن، يمكن التأكد على الفور ما إذا كان الرجل يستطيع السير أم لا. كان يسوع على استعداد لوضع نفسه على المحك ليظهر نتائج فورية.
- وَلَكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لِٱبْنِ ٱلْإِنْسَانِ: غالباً ما كان يسوع يشير إلى نفسه بلقب: ابن الإنسان. ولم يكن المقصود به “رجل كامل” أو “رجل مثالي” أو حتى “رجل عادي.” ولكن إشارة لما جاء في سفر دانيال ١٣:٧-١٤ ابن الإنسان هو ملك المجد الذي سيأتي ليدين العالم.
- استخدم يسوع هذا اللقب كثيراً لأنه كان معروفاً في زمنه أنه لقب مسياني وليس له علاقة بالسياسة والقومية. كان بإمكان يسوع أن يستخدم لقب “ملك” أو “المسيح” ولكن هذين اللقبين، بالنسبة لجمهوره ذلك الوقت، كانا يشيران إلى “الشخص الذي سيهزم الرومان.”
- كتب روبرتسون (Robertson) على ابن الإنسان: “كان هذا اللقب الذي يفضله المسيح، فهو بهذا اللقب يقول أنه المسيا ولكن بطريقة لا تعرضه لهجوم الآخرين بسهولة.”
- فَفِي ٱلْحَالِ قَامَ: تخيل التوتر في هذا المشهد. كان الكتبة متوترين لأن يسوع تحداهم وقال أنه سيثبت لهم أنه ابن الله. كان الرجل المفلوج متوتراً لأنه تساءل عما إذا كان يسوع سيشفيه حقاً. كان الحشد متوتراً لأنه شعر بتوتر الجميع. وكان صاحب المنزل متوتراً لأنه كان يتساءل كم سيكلف إصلاح سقف منزله. والأصدقاء الأربعة كانوا متوترين لأنهم صاروا متعبين الآن. كان الشخص الوحيد الغير متوتر هو يسوع، لأنه كان يملك السلام الكامل عندما قال: “قُمْ وَٱحْمِلْ فِرَاشَكَ وَٱذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ.” بهذه الكلمات، قَامَ … فِي ٱلْحَالِ. وهكذا أثبت يسوع قوته على الشفاء وسلطانه على مغفرة الخطايا في الحال.
- تخيل لو أن يسوع قد فشل. فحتماً ستتدمر خدمته، وسيبدأ الحشد في التسلل خارج المنزل بهدوء وببطء، وسيبتسم الكتبة ويقولون: “إنه لا يستطيع أن يشفي أو يغفر الخطايا.” أما الرجال الأربعة فكانوا سيكافحون لرفع الرجل المفلوج الذي كان بدوره سيشعر بالإكتئاب والحرج أكثر من أي وقت مضى. وصاحب المنزل سينظر إلى سطح منزله ويقول كل هذا ذهب سُدى.
- ولكن يسوع لم يفشل ولا يمكنه أن يفشل، لأن كل ما يلزمه لشفاء هذا الرجل كان كلمته. فهناك قوة شفاء رائعة في كلمة يسوع، وفي وعود يسوع، لكل الذين يأتون إليه بالإيمان. جاء هذا الرجل إلى يسوع بالإيمان، حتى وإن كان على حساب أصدقائه.
- فَأَخَذَتِ ٱلْجَمِيعَ حَيْرَةٌ وَمَجَّدُوا ٱللهَ، وَٱمْتَلَأُوا خَوْفًا: نجح يسوع، واندهش الجميع (فَأَخَذَتِ ٱلْجَمِيعَ حَيْرَةٌ) لرؤية قوة الله تعمل.
رابعاً. دعوة اللاوي (متى)
أ ) الآيات (٢٧-٢٨): عشار يُدعى لإتباع يسوع
٢٧وَبَعْدَ هَذَا خَرَجَ فَنَظَرَ عَشَّارًا ٱسْمُهُ لَاوِي جَالِسًا عِنْدَ مَكَانِ ٱلْجِبَايَةِ، فَقَالَ لَهُ: «ٱتْبَعْنِي». ٢٨فَتَرَكَ كُلَّ شَيْءٍ وَقَامَ وَتَبِعَهُ.
- وَبَعْدَ هَذَا: عند هذه النقطة من رواية لوقا نرى أن يسوع تعامل مع مفلوج وأبرص ورجل به روح شريرة. والآن كان مستعداً للتعامل مع جابي الضرائب (العشار).
- عَشَّارًا ٱسْمُهُ لَاوِي جَالِسًا عِنْدَ مَكَانِ ٱلْجِبَايَةِ: كان لاوي (المعروف باسم متى – متى ٩:٩) عشاراً. في تلك الأيام، كان العشارون محتقرون لأنهم خونة ومبتزين.
- كان الشعب اليهودي مُحقاً في اعتبارهم خونة لأنهم يعملون مع الحكومة الرومانية، وكان يسير وراءهم الجنود الرومان لجعل الناس يدفعون الضرائب. وكانت خيانتهم مع روما واضحة للعيان.
- كان يملك الشعب اليهودي الحق في اعتبارهم مبتزين لأنه كان بإمكانهم أن يحتفظوا بالنقود الإضافية التي يجمعونها. كان العشار يدخل في مناقصة ضد الآخرين للحصول على عقد لجمع الضرائب. وكان الرومان يمنحون العقد لمن يدفع أكثر. كان المرء يجمع الضرائب، ويقدم للرومان ما وعد به، ويحتفظ بالباقي. ولذلك، كان هناك حافز كبير للعشارين لأخذ ضرائب أعلى وللغش بأي طريقة ممكنة. كان هذا ربحاً صافياً بالنسبة لهم.
- علّقَ لاين (Lane): “عندما يصبح اليهودي عشاراً يعتبر منبوذاً من المجتمع، ويصبح غير مؤهل ليكون قاضياً أو يكون حتى شاهداً في جلسة المحكمة، كما ويطرد من المجمع، ويلحق به وبعائلته العار.”
- كتب باركلي (Barclay): “يخبرنا كاتب روماني بأنه رأى يوماً ضريحاً لعشار أمين، وقلما وجد الأمين فيهم، لذلك عندما رأى الناس هذه التحفة النادرة أقاموا على قبره شاهداً.”
- فَقَالَ لَهُ: «ٱتْبَعْنِي»: إدراك مقدار الكراهية التي يكنها الجميع للعشارين، يجعل محبة يسوع للاوي ودعوته له لافتة للنظر. كان حباً في مكانه الصحيح، لأن هذا اللاوي تجاوب مع الدعوة وترك عمله كجامع للضرائب وتبع يسوع.
- بطريقة ما، كانت تضحيته هذه أكبر من أي تضحية قام بها التلاميذ الآخرين. فكان بإمكان بطرس ويعقوب ويوحنا أن يعودوا بسهولة إلى مهنتهم كصيادين. ولكن سيكون من الصعب على اللاوي أن يعود لجمع الضرائب. علّقَ ويسيل (Wessel): “كان على مهنة جمع الضرائب طلب شديد لأنها الوسيلة المؤكدة للثراء السريع.”
- تشير الأدلة الأثرية أنه كان هناك ضريبة تؤخذ على السمك الذي يتم صيده من بحر الجليل. وقد قام يسوع بدعوة عشار كي يصبح تلميذاً له، وهو نفس العشار الذي كان يأخذ النقود من بطرس ويعقوب ويوحنا وغيرهم من الصيادين بين التلاميذ.
- فَتَرَكَ كُلَّ شَيْءٍ: قال موريس (Morris): “لا بد وأن هذا عنى تضحية كبيرة بالنسبة لمتى، لأن جباة الضرائب كانوا عادة من الأثرياء. وكان متى أغنى واحد في الُرسل.”
ب) الآيات (٢٩-٣٢): أُتهم يسوع برفقة الخطاة
٢٩وَصَنَعَ لَهُ لَاوِي ضِيَافَةً كَبِيرَةً فِي بَيْتِهِ. وَٱلَّذِينَ كَانُوا مُتَّكِئِينَ مَعَهُمْ كَانُوا جَمْعًا كَثِيرًا مِنْ عَشَّارِينَ وَآخَرِينَ. ٣٠فَتَذَمَّرَ كَتَبَتُهُمْ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ عَلَى تَلَامِيذِهِ قَائِلِينَ: «لِمَاذَا تَأْكُلُونَ وَتَشْرَبُونَ مَعَ عَشَّارِينَ وَخُطَاةٍ؟». ٣١فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «لَا يَحْتَاجُ ٱلْأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ، بَلِ ٱلْمَرْضَى. ٣٢لَمْ آتِ لِأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى ٱلتَّوْبَةِ».
- وَصَنَعَ لَهُ لَاوِي ضِيَافَةً كَبِيرَةً فِي بَيْتِهِ: تخلى متى اللاوي عن الكثير لاتباع يسوع، ولكنه لم يكن حزيناً. كان سعيداً لدرجة أنه أقام حفلة ليسوع.
- من أحد الأسباب التي جعلت متى يقيم حفلة هو ليُعرف أصدقائه على يسوع. فالرجل المُخَلَص لا يريد الذهاب الى السماء بمفرده.
- فَتَذَمَّرَ كَتَبَتُهُمْ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ عَلَى تَلَامِيذِهِ: كانت شكواهم أنه كان ودوداً مع الخطاة، ويأكل معهم على طاولة واحدة، ويحضر نفس الحفلة معهم.
- جاء الاتهام بطريقة غير مباشرة ضد يسوع، جاء من خلال تلاميذه. غالباً ما يهاجم الناس يسوع بنفس الطريقة اليوم، من خلال تلاميذه.
- ويُعلّق مورغان (Morgan): “أكثر ما حيّر المتدينين في زمن الرب هو أكله وشربه مع الخطاة والعشارين وكأنه صديقهم. وهنا كشف يسوع سبب قيامه بذلك. فقد كان بينهم كالطبيب العظيم.”
- لَا يَحْتَاجُ ٱلْأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ: كان جواب يسوع بسيط ولكنه عميق في ذات الوقت. يسوع هو طبيب الروح، وكان من المنطقي بالنسبة له أن يكون مع أولئك الذين يعانون من مرض الخطية.
- بالطبع كان منتقديه أيضاً مرضى بالخطية، ولكنهم رفضوا رؤية هذا عن أنفسهم. فبالنسبة لهم كان الآخرين مرضى أما هم فليسوا كذلك.
- هناك العديد من الأسباب المحتملة لرفض شخص مريض خدمات الطبيب.
- ربما لا يعرف أنه مريض.
- ربما كان يعرف أنه مريض، ولكنه يعتقد أنه سيتحسن بمفرده – فلا يحتاج الذهاب إلى الطبيب.
- ربما كان يعرف أنه مريض، ويعرف حاجته إلى الطبيب، ولكنه لا يعرف إن كان هناك طبيب يمكنه مساعدته.
- ربما كان يعرف أنه مريض، ويعرف حاجته إلى الطبيب، ويعرف أن هناك طبيب يمكنه مساعدته، ولكنه لا يعرف أن كان الطبيب قادر على مساعدته.
- ربما كان يعرف أنه مريض، ويعرف حاجته إلى الطبيب، ويعرف أن هناك طبيب وهو قادر على مساعدته، ولكن لا يعرف إن كان الطبيب يريد أن يساعده.
- ربما كان يعرف أنه مريض، ويعرف حاجته إلى الطبيب، ويعرف أن هناك طبيب ويمكنه مساعدته، ولكن لا يعرف ما سيطلبه الطبيب ولا يريد أن يفعل ما يطلبه منه.
- يسوع هو أعظم طبيب يشفينا من خطايانا: فهو معنا دائماً. ويملك التشخيص الصحيح والكامل. ويمنحنا الشفاء التام. حتى أنه يدفع الفاتورة!
ج ) الآيات (٣٣-٣٩): يُعلن يسوع أن الأمور معه تختلف
٣٣وَقَالُوا لَهُ: «لِمَاذَا يَصُومُ تَلَامِيذُ يُوحَنَّا كَثِيرًا وَيُقَدِّمُونَ طَلَبَاتٍ، وَكَذَلِكَ تَلَامِيذُ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ أَيْضًا، وَأَمَّا تَلَامِيذُكَ فَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ؟». ٣٤فَقَالَ لَهُمْ: «أَتَقْدِرُونَ أَنْ تَجْعَلُوا بَنِي ٱلْعُرْسِ يَصُومُونَ مَا دَامَ ٱلْعَرِيسُ مَعَهُمْ؟ ٣٥وَلَكِنْ سَتَأْتِي أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ ٱلْعَرِيسُ عَنْهُمْ، فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ فِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ». ٣٦وَقَالَ لَهُمْ أَيْضًا مَثَلًا: «لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ رُقْعَةً مِنْ ثَوْبٍ جَدِيدٍ عَلَى ثَوْبٍ عَتِيقٍ، وَإِلَّا فَٱلْجَدِيدُ يَشُقُّهُ، وَٱلْعَتِيقُ لَا تُوافِقُهُ ٱلرُّقْعَةُ ٱلَّتِي مِنَ ٱلْجَدِيدِ. ٣٧وَلَيْسَ أَحَدٌ يَجْعَلُ خَمْرًا جَدِيدَةً فِي زِقَاقٍ عَتِيقَةٍ لِئَلَّا تَشُقَّ ٱلْخَمْرُ ٱلْجَدِيدَةُ ٱلزِّقَاقَ، فَهِيَ تُهْرَقُ وَٱلزِّقَاقُ تَتْلَفُ. ٣٨بَلْ يَجْعَلُونَ خَمْرًا جَدِيدَةً فِي زِقَاقٍ جَدِيدَةٍ، فَتُحْفَظُ جَمِيعًا. ٣٩وَلَيْسَ أَحَدٌ إِذَا شَرِبَ ٱلْعَتِيقَ يُرِيدُ لِلْوَقْتِ ٱلْجَدِيدَ، لِأَنَّهُ يَقُولُ: ٱلْعَتِيقُ أَطْيَبُ».
- أَتَقْدِرُونَ أَنْ تَجْعَلُوا بَنِي ٱلْعُرْسِ يَصُومُونَ مَا دَامَ ٱلْعَرِيسُ مَعَهُمْ؟ أجاب يسوع عن سؤالهم بالإشارة إلى تقاليد الزواج في ذلك العصر. فوليمة العرس هي التعبير الحقيقي عن الفرح والسعادة في تلك الثقافة. ففي الوليمة، التي كانت تستمر لمدة أسبوع، كان الفرح والمرح أهم بكثير من التقيد بالطقوس الدينية، ولم يكن مرحباً بأي طقس سيسلب فرحة الوليمة أو الإحتفال. قال يسوع أن على تلاميذه أن يتمتعوا بمثل هذا الفرح.
- ظنوا أن يسوع كان سعيداً للغاية عندما قال هذا الكلام. فمتى آخر مرة أتهمك أحدهم بأنك مرح أو سعيد للغاية؟
- وفقاً لبايت (Pate)، كان هناك نص عبري معروف يُسمى “قائمة الصوم” ومن المتعارف عليه أن الصوم كان ممنوعاً في الأيام المخصصة للاحتفال بالبركات التي منحها الله لشعب إسرائيل. هذا ما طالب به السيد المسيح عندما قال هذه الكلمات.
- وَلَكِنْ سَتَأْتِي أَيَّامٌ: سيأتي اليوم الذي سيكون فيه الصوم مناسباً لتلاميذ يسوع. ولكن في الوقت الحالي، وبينما يسوع معهم، لم يحين الوقت.
- هناك ملاحظة كئيبة بعض الشيء في الكلمات التالية التي قالها يسوع: “وَلَكِنْ سَتَأْتِي أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ ٱلْعَرِيسُ عَنْهُمْ.” وكأنه يقول: “سيتخلصون مني قريباً لأني أهدد نظامهم.” وكانت هذه أول إشارة بسيطة منه عن رفضهم لمجيئه.
- بَلْ يَجْعَلُونَ خَمْرًا جَدِيدَةً فِي زِقَاقٍ جَدِيدَةٍ، فَتُحْفَظُ جَمِيعًا: كلام يسوع واضح هنا. فلا يمكنك أن تضع حياته الجديدة في أشكال (قوالب) قديمة. وهذا يُفسر عدم قيام يسوع بأي حركة إصلاح داخل الديانة اليهودية، أو داخل المدارس اليهودية وما إلى ذلك من أمور. قال يسوع: “أنا لم آتي لترقيع الثقب الموجود في التقاليد القديمة، بل جئت بمجموعة كاملة من الملابس الجديدة.”
- شَكَّلَ يسوع مؤسسة جديدة، أي الكنيسة، التي جمعت اليهود والأمم معاً في جسد جديد مختلف تماماً (أفسس ١٦:٢).
- يذّكرنا يسوع بأن ما هو قديم وراكد غالباً ما يكون غير قابل للتجديد أو الإصلاح. يبحث الله في كثير من الأحيان عن آنية جديدة لاحتواء عمله الجديد، إلى أن تصبح هذه الآنية في النهاية غير صالحة للاستعمال. وهذا يذكرنا بأن المؤسسة الدينية في أي عصر لم تُسِّر قلب يسوع بالضرورة. ففي بعض الأحيان، ربما تكون معارضة لعمله مباشرة، أو على الأقل مقاومة
- لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ رُقْعَةً مِنْ ثَوْبٍ جَدِيدٍ عَلَى ثَوْبٍ عَتِيقٍ: ويُعلّق جيلدينهيز (Geldenhuys): “ترقيع ثوب عتيق بقطعة من ثوب جديد يشوه ليس فقط الثوب الجديد بل الثوب العتيق أيضاً، بل سيزيد من بشاعته، لأن القطعة الجديدة التي أضيفت ستتقلص وستسحب الخيوط الرثة لتشوهها أكثر. وهذا ما سيحدث تماماً في حال أخذنا مبادئ تعاليم يسوع وطبقناها على الأنظمة القديمة.”
- وَلَيْسَ أَحَدٌ إِذَا شَرِبَ ٱلْعَتِيقَ يُرِيدُ لِلْوَقْتِ ٱلْجَدِيدَ، لِأَنَّهُ يَقُولُ: ٱلْعَتِيقُ أَطْيَبُ: راحة الناس مع القديم لا يعني أنه الأفضل. الناس في عصرنا الحديث ينجذبون إلى كل ما هو لامع وجديد بدلاً من القديم. مع ذلك، لا يجوز أن نقبل أو نرفض أي شيء لمجرد أنه قديم أو جديد.
- جاء يسوع ليقدم أمراً جديداً، لا ليُرقع القديم. هذا هو معنى الخلاص. بعمله هذا، لا ينوي يسوع تدمير القديم (الناموس)، ولكن ليكمله (ليتممه). تماماً كحبة البلوط عندما تنمو لتصبح شجرة البلوط. تختفي الحبة، ولكن هدفها يُكمل في عظمة الشجرة.