إنجيل لوقا – الإصحاح ٢
ميلاد المسيح وفترة الصّبا
أولاً. العالم الذي ولد فيه يسوع
أ ) الآية (١): مرسوم من روما يصل إلى كل من يعيش في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
١وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ صَدَرَ أَمْرٌ مِنْ أُوغُسْطُسَ قَيْصَرَ بِأَنْ يُكْتَتَبَ كُلُّ الْمَسْكُونَةِ.
- وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ: يخبرنا لوقا بكل وضوح أنه سجل أحداثه من تاريخ واقع وأحداث حقيقية. ما كتبه لم يكن قصصاً خيالية أو مُلفقة عن زوس أو أبولو على جبل أوليمبوس. بل قصة حقيقة حدثت بالفعل.
- صَدَرَ أَمْرٌ مِنْ أُوغُسْطُسَ قَيْصَرَ: بدأت قصة ميلاد يسوع المسيح في عهد أبرز الشخصيات التي مرت عبر التاريخ القديم.
- سُميّ أوغسطس عند ولادته “أوكتافيان” على اسم والده، وكانت جدته أخت يوليوس قيصر. وكونه شاب موهوب، لفت انتباه عمه يوليس قيصر، الذي تبناه وعامله كٱبْن، وفي العام ٤٥ ق.م. جعله الوريث الرسمي له. في غضون عام اغتيل القيصر، وقام أوكتافيان مع اثنين آخرين (ماركوس أنطونيوس وماركوس ليبيدوس) بتقسيم روما إلى ثلاث مناطق. على مدى عقود، كانت منطقة البحر الأبيض المتوسط مليئة بالحروب والعنف، والآن، في ظل الحُكام الثلاثة، أصبح الوضع أسوأ بكثير. استمر القتل الوحشي والدموي لعدة سنوات على السلطة والمال في روما والمحافظات.
- كتب دوارانت (Durant): “كانت شبه الجزيرة المفعمة بالحيوية مرهقة من الحروب الأهلية التي دامت عشرون عاماً. أهملت مزارعها، ونُهبت بلداتها، وسرقت ثرواتها أو دمرت. أنهارت المؤسسات وعمت الفوضى شوارعها بسبب اللصوص. وانتشر قطاع الطرق وخطفوا المسافرين وباعوهم في سوق العبيد. تضاءلت التجارة، وتوقفت الاستثمارات، وارتفعت أسعار الفائدة، وانخفضت قيمة العقارات. أما الأخلاق، فحدث ولا حرج: كانت روما مليئة بالرجال الذين فقدوا ثرواتهم وبالتالي أدى هذا لتدهور أخلاقي كبير. فالجنود الذين ذاقوا المغامرة وتعلموا القتال، والمواطنين الذين كانوا ينفقون مدخراتهم لدفع الضرائب ولسد التضخم بسبب الحروب، كانوا ينتظرون بفارغ الصبر أن تُعيد الحياة الثراء لهم لهذا عاشوا بمعنويات متدنية وبدون أي رجاء. أما النساء فكانوا يقاتلون من أجل حريتهم، وكان معظمهم مطلق مرة أو أكثر، غير الإجهاض المتكرر وحياة الزنى.”
- كُلُّ الْمَسْكُونَةِ. لعقود من الزمن، كان العالم الذي عاش فيه أوغسطس وولد فيه يسوع، أي منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، مدمرة بالحروب والوحشية والفجور.
- كتب دوارانت (Durant): “كانت شبه الجزيرة المفعمة بالحيوية مرهقة من الحروب الأهلية التي دامت عشرون عاماً. أهملت مزارعها، ونُهبت بلداتها، وسرقت ثرواتها أو دمرت. أنهارت المؤسسات وعمت الفوضى شوارعها بسبب اللصوص. وانتشر قطاع الطرق وخطفوا المسافرين وباعوهم في سوق العبيد. تضاءلت التجارة، وتوقفت الاستثمارات، وارتفعت أسعار الفائدة، وانخفضت قيمة العقارات. أما الأخلاق، فحدث ولا حرج: كانت روما مليئة بالرجال الذين فقدوا ثرواتهم وبالتالي أدى هذا لتدهور أخلاقي كبير. فالجنود الذين ذاقوا المغامرة وتعلموا القتال، والمواطنين الذين كانوا ينفقون مدخراتهم لدفع الضرائب ولسد التضخم بسبب الحروب، كانوا ينتظرون بفارغ الصبر أن تُعيد الحياة الثراء لهم لهذا عاشوا بمعنويات متدنية وبدون أي رجاء. أما النساء فكانوا يقاتلون من أجل حريتهم، وكان معظمهم مطلق مرة أو أكثر، غير الإجهاض المتكرر وحياة الزنى.”
- صَدَرَ أَمْرٌ مِنْ أُوغُسْطُسَ قَيْصَرَ: يبدو أن سلطة هذا الرجل غيرت الفوضى التي كانت سائدة في ذلك الوقت بطريقة دراماتيكية. حقق ثلاثة أمور غيرت الأوضاع بأعجوبة. أولاً، حقق السلام لأنه هزم كل منافسيه. ثانياً، جاء بمهارة سياسية وإدارية وذكاء ملحوظ. ثالثاً، أحضر مبالغ طائلة من مصر ودفع للجنود وساعد الاقتصاد الروماني.
- كتب لاتوريت (Latourette): “ولد يسوع في عهد أوغسطس. فبعد فترة طويلة من الحروب التي حصدت سواحل البحر الأبيض المتوسط، تم تحقيق الوحدة السياسية في عهده، وأصبحت الإمبراطورية الرومانية ذو حدود مشتركة مع حوض البحر الأبيض المتوسط، ولكن سرعان ما انتشرت لأبعد من ذلك. كان أوغسطس الامبراطور الأول، وبنى امبراطوريته على الأسس التي وضعها عمه يوليوس قيصر، فحقق السلام وأعاد لروما سلطتها على العالم الذي كانت تحكمه لعدة أجيال. صمد السلام الداخلي والنظام الذي حققه أوغسطس لمدة قرنين من الزمان، ولكن لم يخلوا الأمر من المشاكل التي كانت تحدث بين الحين والآخر. لم يسبق من قبل أن تكون شواطئ البحر الأبيض المتوسط تحت حكم واحد ولم يتمتعوا من قبل بمثل هذه الرفاهية. ساهم هذا السلام في انتشار الأفكار والأديان في المنطقة بأكملها.”
- رغم عظمة أوغسطس قيصر، ولكنه لم يكن سوى إنسان. وحله للمشاكل كلف الكثير. فقد طالب بالسيادة المطلقة على كل الإمبراطورية الرومانية. اعتزت روما، لمئات السنين، بكونها دولة جمهورية – أي أمة تحكمها القوانين وليس شخص، فلا يوجد شخص فوق القانون. لهذا تعايش مجلس الشيوخ والجيش ومختلف القيادات السياسية على هذا الأساس رغم وجود الصعوبات أحياناً. أما الآن، فسيغير أوغسطس كل ذلك. ففي العام ٢٧ ق.م. رتب مع مجلس الشيوخ الروماني أن يمنحوه لقب أوغسطس، والتي تعني “المعظم” و”المقدس.” وهكذا أصبحت روما دولة غير جمهورية تحكمها القوانين، بل أمبراطورية يحكمها الإمبراطور. وهكذا كان أوغسطس قيصر هو أول إمبراطور في روما.
- كتب دوارانت (Durant) عن كلمة أوغسطس: ” كانت تستخدم فقط للدلالة على الأشياء والأماكن المقدسة وبعض الآلهة. ولكن حينما لقب أوكتافيان بأوغسطس، ألبسه هذا هالة من القداسة وقدم له حصانة دينية ومن الآلهة.”
- كان لقبه الأول الإمبراتور (باللاتينية: Imperator)، وكان الإمبراتور لقباً تشريفياً يحوزه بالدرجة الأولى القادة العسكريُّون. ولكن غيره مع الوقت ليصبح الإمبراطور (emperor) وهو لقب ملكي يكتسب من خلاله السلطة والشرعية بشكل كامل.
- هذا يقول شيئاً هاماً حول العالم الذي ولد فيه يسوع. لقد كان عالماً متعطشاً لمخلص. على الرغم من أنه كان عالماً يعيش عهد مخلص سياسي – أوغسطس قيصر – ولكن ذلك لم يكن كافياً.
- كتب لاتوريت (Latourette): “في القرن قبل المسيح كانت هناك دلالات واضحة للتفكك بسبب الحروب، وزوال نظام الحكم القديم، وانتشار الفساد الأخلاقي مما جعل الكثيرين يتنبأون بالإنهيار الوشيك. جاء أغسطس قيصر وخلص حوض البحر الأبيض المتوسط من هذه الكارثة. ولكن أوغسطس لم يشفي المرض الذي كانت تعاني منه الثقافة اليونانية الرومانية حينها، ولكنه أوقف مسار المرض مؤقتاً.”
- وأضاف لاتوريت: “لم يحل أوغسطس وخلفائه المشاكل الأساسية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، بل أخفوها في بعض الأحيان. فكانوا يستبدلون الفشل الحكومي بالمزيد من السيطرة والقوانين، فلم تكن الحكومة هي الحل.”
ب) الآية (٢): والي المنطقة الرومانية قرب الجليل.
٢وَهَذَا ٱلِٱكْتِتَابُ ٱلْأَوَّلُ جَرَى إِذْ كَانَ كِيرِينِيُوسُ وَالِيَ سُورِيَّةَ.
- ٱلِٱكْتِتَابُ: لم يكن التسجيل والإكتتاب الموصوف هنا لمجرد حفظ السجلات أو لإحصاءات عادية، بل لجمع الضرائب بطريقة فعالة من كل سكان الإمبراطورية الرومانية.
- وفقاً لليون موريس (Leon Morris)، تستطيع أن تقرأ من كتابات جستين مارتر (Justin Martyr)، الذي عاش في منتصف القرن الثاني (أي أكثر من مائة عام بعد زمن المسيح)، أنه كان بإمكانك في عصره أن تجد نفس سجلات الإكتتاب المذكور في إنجيل لوقا.
- ٱلِٱكْتِتَابُ ٱلْأَوَّلُ: تشير الفكرة في اللغة الأصلية إلى أن هذا كان أول تعداد (تسجيل). وكان استخدام التعداد لفرض الضرائب أمراً شائعاً في روما القديمة، لهذا دعى لوقا هذا “الاكتتاب الأول” ليميزه عن التعداد الشهير الذي حدث عام ٦ م، والذي ذكره لاحقاً في أعمال الرسل ٣٧:٥.
- إِذْ كَانَ كِيرِينِيُوسُ وَالِيَ سُورِيَّةَ: هذه مرساة تاريخية أخرى، وتضع إنجيل لوقا في زمن حكم أشخاص معروفين وممكن إثبات ذلك تاريخياً.
ج ) الآية (٣): استجابة العالم لأمر أوغسطس قيصر.
٣فَذَهَبَ ٱلْجَمِيعُ لِيُكْتَتَبُوا، كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَدِينَتِهِ.
- فَذَهَبَ ٱلْجَمِيعُ لِيُكْتَتَبُوا: يا لها من فكرة مثيرة للإعجاب. رجل واحد، في قصره العاج في روما، أعطى أمر – واستجاب العالم كله. في تلك المرحلة يبدو أنه لم يكن هناك رجل قط لديه سلطة على هذا العدد الهائل من الناس مثل أوغسطس قيصر.
- بشكل عام، كان أوغسطس قيصر حاكماً جيداً. فقد وسع أراضي الإمبراطورية الرومانية، وفعل الكثير لشعبه. ولكن حزنه الكبير جاء من داخل بيته. فلم يكن لديه ابن، وابنته الوحيدة كانت متهورة. مات كل أبناء أخيه وأحفاده، حتى ابن زوجته المفضل، مات في عمر مُبكر. ولكن كأي شخص بهذا الطموح والسلطان، كان معتداً جداً في نفسه. فمن السهل أن نتخيل أنه شعر بالعظمة وأنه لا يُقهر عندما أصدر الأمر بإكتتاب كل المسكونة. وربما أعجب في نفسه كثيراً، فهو يصدر أمراً وعلى كل العالم الروماني أن يُطيعه.
- لكن أوغسطس لم يكن قوياً حقاً على الإطلاق. في يوحنا ١٠:١٩-١١، واجه يسوع روماني آخر اعتقد انه كان قوياً. فَقَالَ لَهُ بِيلَاطُسُ: «أَمَا تُكَلِّمُنِي؟ أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ لِي سُلْطَانًا أَنْ أَصْلِبَكَ وَسُلْطَانًا أَنْ أُطْلِقَكَ؟». أَجَابَ يَسُوعُ: «لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَانٌ ٱلْبَتَّةَ، لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيتَ مِنْ فَوْقُ». نفس المبدأ يمكن تطبيقه على أوغسطس قيصر، مهما كان سلطانه، فهو سلطان معطى له من الله.
- بينما كان يجلس في قصره وأصدر المرسوم، اعتقد أنه المسيطر على الأمور وأنه يملك كل السلطان. لكنه في الواقع مجرد أداة في يد الله. فقد وعد الله بأن المسيا سيولد في بيت لحم (ميخا ٢:٥)، وحتماً سيتحقق الوعد. فكيف يمكن للمرء أن يدفع بزوجين شابين أن يسافران من الناصرة الى بيت لحم؟ أمر بسيط. استغل السياسة واستغل “مخلص العالم” لتحقيق الأمر.
- ونرى أيضاً أن أوغسطس، رغم كل إنجازاته، لا يمكن أن يكون الحل. فقد سمح الله لأوغسطس قيصر أن يرتفع ويكون ذو سلطان عظيم لم يملكه غيره لأسباب عدة؛ لنقل أنه كان في بعض النواحي يوحنا المعمدان الروماني ليمهد الطريق أمام يسوع. ففي نهاية الأمر، ما يهم هو يسوع المسيح. من الأكثر شهرة في العالم اليوم – يسوع أم أوغسطس قيصر؟ ومن له إرث دائم؟
- كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَدِينَتِهِ: ليس هناك أي سجل في التاريخ أن أوغسطس أمر بهذا التعداد وأمر أن يحدث بتلك الطريقة، ولكن ما حدث يتفق مع ما نعرفه عنه من التاريخ. كان معروفاً عن أوغسطس أنه حساس جداً لمشاعر شعبه فيما يتعلق بقوميتهم، فأمرهم بالعودة إلى مدنهم الأصلية للتعداد.
- نوه كل من باركلي وآخرين المرسوم الذي أصدرته الحكومة الرومانية لتعداد الشعب في مصر في نفس الفترة، وأن على كل شخص أن يذهب إلى مدينته للتسجيل.
- وبهذه الطريقة، خفف أوغسطس الأمر بالنسبة للكثيرين. كان عليهم أن يسافروا وأن يدفعوا الضرائب، ولكن في نفس الوقت كانت فرصة جميلة لتجمع أفراد الأسرة معاً، ورؤية أقارب ربما لم يسبق لهم رؤيتهم منذ فترة طويلة.
ثانياً. ميلاد يسوع المسيح
أ ) الآيات (٤-٧): وصول يوسف وريم إلى بيت لحم، وولادة يسوع.
٤فَصَعِدَ يُوسُفُ أَيْضًا مِنَ ٱلْجَلِيلِ مِنْ مَدِينَةِ ٱلنَّاصِرَةِ إِلَى ٱلْيَهُودِيَّةِ، إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ ٱلَّتِي تُدْعَى بَيْتَ لَحْمٍ، لِكَوْنِهِ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ وَعَشِيرَتِهِ، ٥لِيُكْتَتَبَ مَعَ مَرْيَمَ ٱمْرَأَتِهِ ٱلْمَخْطُوبَةِ وَهِيَ حُبْلَى. ٦وَبَيْنَمَا هُمَا هُنَاكَ تَمَّتْ أَيَّامُهَا لِتَلِدَ. ٧فَوَلَدَتِ ٱبْنَهَا ٱلْبِكْرَ وَقَمَّطَتْهُ وَأَضْجَعَتْهُ فِي ٱلْمِذْوَدِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَوْضِعٌ فِي ٱلْمَنْزِلِ.
- فَصَعِدَ يُوسُفُ أَيْضًا مِنَ ٱلْجَلِيلِ: كانت المسافة من الناصرة إلى بيت لحم حوالي ١٢٩ كيلومتر. لم تكن هذه مسافة قصيرة في تلك الأيام. كانت رحلة متعبة وتكلف الوقت والمال.
- مَعَ مَرْيَمَ ٱمْرَأَتِهِ ٱلْمَخْطُوبَةِ وَهِيَ حُبْلَى: غالباً ما نعتقد أن مريم كانت في أواخر حملها عندما قامت بتلك الرحلة، ولكن هذا قد لا يكون يبدو صحيحاً على الإطلاق. ربما حرص يوسف على اخراجها من الناصرة بأسرع وقت تجنباً للفضيحة. يخبرنا لوقا أنه بينما كانوا في بيت لحم: تَمَّتْ أَيَّامُهَا لِتَلِدَ.
- وفقاً للقانون الروماني، لم يكن على مريم أن تذهب مع يوسف للإكتتاب، ولكن كان من المنطقي حينها أن تذهب مع يوسف، خاصة لأنها كانت في المراحل الأخيرة من الحمل المثير للجدل – وبكل تأكيد سيتسبب في الكثير من القيل والقال في الناصرة.
- علّقَ ليفيلد (Liefeld): “من الممكن انه استخدم أمر الإمبراطور كوسيلة لإبعاد مريم عن القيل والقال والضغط النفسي في قريتها. فقد سبق وقبلها كزوجته (متى ٢٤:١)، وبقيت خطيبته (لوقا ٥:٢)، وتعهد أن يتزوجها، حتى بعد الولادة.”
- فَوَلَدَتِ ٱبْنَهَا ٱلْبِكْرَ: من المدهش في قصة لوقا سردها البسيط للحدث بالمقارنة مع عظمة الحدث نفسه. في عصرنا الحديث، غالباً ما تُضخم الأحداث الصغيرة إلى حجم أكبر بكثير مما هي عليه في الواقع. مع هذا، وبوحي من الروح القدس، قدم لوقا هذا الحدث العظيم بطريقة بسيطة ومفهومة.
- فَوَلَدَتِ:هذه العبارة مليئة بالروعة. لا نقرأ عن أي شخص ساعد مريم في الولادة، ربما كان هناك شخص ما، لا نعلم. ولكن بطريقة أو بأخرى، تم فصل هذه الشابة تماماً عن عائلتها وعن دعم أصدقائها الذين كانوا يعيشون في الناصرة.
- علّقَ بروس (Bruce): “تُسرد القصة وكأن مريم فعلت كل هذه الأشياء بمفردها، لهذا استنتج آباء الكنيسة أنها كانت ولادة غير مؤلمة.” كما ويُعلّق موريس (Morris): “وفكرة أن مريم قمطته بنفسها يشير إلى الوحدة.”
- متى حصل هذا؟ التاريخ ٢٥ ديسمبر لم يكن وارد ولكنه ليس مستحيلاً. حُدد هذا التاريخ بسبب الشعبية التي نالها أول مرة من قبل الكنيسة في القرن الرابع.
- أين يحدث هذا؟ ١٥٠م، قال جستن مارتير أن المكان الذي ولد فيه يسوع كان عبارة عن كهف في بيت لحم. في وقت لاحق (٣٣٠) في عهد قسطنطين العظيم بنيت كنيسة فوق الكهف والذي يعتقد كثيرون أنه على الأرجح المكان الذي ولد فيه يسوع.
- ٱبْنَهَا ٱلْبِكْرَ: هذا يدعو لاستنتاج منطقي بأنه كان لمريم أبناء آخرين أيضاً، على الرغم من العقيدة الكاثوليكية الرومانية التي تقول أن مريم كانت وبقيت بتولة (عذراء).
- وَقَمَّطَتْهُ: ويعني هذا أنها استخدمت قطعة من القماش لتلفه بها. والأروع من هذا أنها أَضْجَعَتْهُ فِي ٱلْمِذْوَدِ – وهو حوض يوضع فيه طعام للحيوانات.
- يشير تراب (Trapp) إلى أن كلمة “قمطته” في اللغة اليونانية القديمة تعني ملابس ممزقة كالشرائط ملفوفة حول يسوع.
- إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَوْضِعٌ فِي ٱلْمَنْزِلِ (نُزل): حدث ذلك في مكان عام، بوجود مسافرين وغيرهم من المقيمين. قال موريسون (Morrison): “الرجال يشتغلون، والأطفال يلعبون، والنساء يثرثرون بجانب البئر – وفجأة… ملكوت الله حل بينهم.”
- كتب باركلي (Barclay): “لَمْ يَكُنْ لَهُ مَوْضِعٌ، هذه الجملة لها معنى رمزي وتشير لما كان سيحدث ليسوع. فالمكان الوحيد الذي سيجد فيه مكان كان على الصليب.”
ب) الآية (٨): رُعَاةٌ يَحْرُسُونَ رَعِيَّتِهِمْ.
٨ وَكَانَ فِي تِلْكَ ٱلْكُورَةِ رُعَاةٌ مُتَبَدِّينَ يَحْرُسُونَ حِرَاسَاتِ ٱللَّيْلِ عَلَى رَعِيَّتِهِمْ.
- وَكَانَ فِي تِلْكَ ٱلْكُورَةِ رُعَاةٌ: كان معروفاً عن الرعاة في بيت لحم رعايتهم لقطيع الهيكل. ربما كانوا يحرسون ويهتمون بالحملان التي ستستخدم في التضحية في العيد.
- يَحْرُسُونَ حِرَاسَاتِ ٱللَّيْلِ عَلَى رَعِيَّتِهِمْ: قال الكثيرون أن أواخر ديسمبر/ كانون الاول مستحيلاً، لأن الرعاة لن يكون في الخارج ليلاً في ذلك الوقت من السنة. ومع ذلك، الشتاء الدافئ لم يكن غريباً على منطقة اليهودية.
ج) الآيات (٩-١٤): إعلان الملائكة.
٩وَإِذَا مَلَاكُ ٱلرَّبِّ وَقَفَ بِهِمْ، وَمَجْدُ ٱلرَّبِّ أَضَاءَ حَوْلَهُمْ، فَخَافُوا خَوْفًا عَظِيمًا. ١٠فَقَالَ لَهُمُ ٱلْمَلَاكُ: «لَا تَخَافُوا! فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ ٱلشَّعْبِ: ١١أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱلرَّبُّ. ١٢وَهَذِهِ لَكُمُ ٱلْعَلَامَةُ: تَجِدُونَ طِفْلًا مُقَمَّطًا مُضْجَعًا فِي مِذْوَدٍ». ١٣وَظَهَرَ بَغْتَةً مَعَ ٱلْمَلَاكِ جُمْهُورٌ مِنَ ٱلْجُنْدِ ٱلسَّمَاوِيِّ مُسَبِّحِينَ ٱللهَ وَقَائِلِينَ: ١٤«ٱلْمَجْدُ لِلهِ فِي ٱلْأَعَالِي، وَعَلَى ٱلْأَرْضِ ٱلسَّلَامُ، وَبِالنَّاسِ ٱلْمَسَرَّةُ».
- وَإِذَا مَلَاكُ ٱلرَّبِّ وَقَفَ بِهِمْ: نور الملاك الساطع ومجد الرب قطع هذا الصمت الرهيب. جلب هذا الملاك الأول أخبار جيدة (وتعني حرفياً أنهم بشروا بالخبر السار) لهؤلاء الرعاة، الذين اعتبروا منبوذين اجتماعياً.
- قال موريس (Morris): “كان الرعاة ينتمون إلى طبقة سمعتها سيئة. وكان يصعب الاعتماد عليهم، ولم يسمح لهم بالإدلاء بشهاداتهم في المحاكم.”
- قال تراب (Trapp): “كان أول كارز بالإنجيل ملاكاً. أما الآن، فقد أخذ الله هذا الشرف العظيم من الملائكة، وأعطاه للخدام، الذي يطلق عليهم الكتاب المقدس اسم “الملائكة.” (رؤيا ١:٢)
- أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱلرَّبُّ: الذي كان (ولا يزال) ما يحتاجه البشر بالضبط. نحن لسنا بحاجة لمستشار آخر، أو مُصلح، أو لجنة، ولكننا نحتاج إلى مخلص.
- وَظَهَرَ بَغْتَةً مَعَ ٱلْمَلَاكِ جُمْهُورٌ مِنَ ٱلْجُنْدِ ٱلسَّمَاوِيِّ مُسَبِّحِينَ ٱللهَ: بعد بعد إعلان الملاك، ظهر مجموعة كاملة من الملائكة. كانوا من الجند السماوي (فرقة من الجنود) معلنين السلام. كان العالم محتاج حينها لهذا السلام تماماً كما هو حالنا اليوم.
- حتى الوثنيين في القرن الأول شعروا بحاجتهم للسلام وللمخلص. أعرب أبكتيتوس، وهو كاتب وثني من القرن الأول، وقال: “على الرغم من أن الإمبراطور قد يعطي السلام من الحرب في البر والبحر، ولكنه غير قادر على إعطاء السلام من المشاعر المجروحة ومن الحزن ومن الحسد. ولا يمكنه إعطاء السلام للقلب، وهو السلام الذي يتوق إليه المرء أكثر من السلام الخارجي.
- التناقض بين مجد الملائكة والمسيح المتواضع لا بد وأنه كان واضحاً للغاية. يحب الله أن يضع مجده في أوانٍ خزفية حتى يُظهر مجده (كورنثوس الثانية ٧:٤).
- قال تراب (Trapp): “أعطوا الله كل المجد، كي نتمتع نحن بالسلام.”
د ) الآيات (١٥-١٦): جاء الرعاة ورأوا الطفل يسوع.
١٥وَلَمَّا مَضَتْ عَنْهُمُ ٱلْمَلَائِكَةُ إِلَى ٱلسَّمَاءِ، قَالَ ٱلرِّجَالُ ٱلرُّعَاةُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «لِنَذْهَبِ ٱلْآنَ إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ وَنَنْظُرْ هَذَا ٱلْأَمْرَ ٱلْوَاقِعَ ٱلَّذِي أَعْلَمَنَا بِهِ ٱلرَّبُّ». ١٦فَجَاءُوا مُسْرِعِينَ، وَوَجَدُوا مَرْيَمَ وَيُوسُفَ وَٱلطِّفْلَ مُضْجَعًا فِي ٱلْمِذْوَدِ.
- لِنَذْهَبِ ٱلْآنَ: هذا يدل على استعجالٍ حقيقي. لم يترددوا على الإطلاق.
- وَنَنْظُرْ هَذَا ٱلْأَمْرَ ٱلْوَاقِعَ: طلب الملاك منهم أن يذهبوا ويبحثوا عن: طِفْلًا مُقَمَّطًا مُضْجَعًا فِي مِذْوَدٍ (لوقا ١٢:٢). لم تكن تلك علامة غير عادية أن يروا طفلاً مقمطاً بأقمشة، ولكن ما كان غريباً هو أن يروا الطفل مضجعاً في مذود – في الحوض الذي يأكل منه الحيوانات. إذا لم يقل لهم الملاك أن يبحثوا عن هذه العلامة بالتحديد، لما كانوا قد صدقوا.
- وَوَجَدُوا مَرْيَمَ وَيُوسُفَ وَٱلطِّفْلَ مُضْجَعًا فِي ٱلْمِذْوَدِ: وكان ذلك مشهداً غريباً حتماً. ولكنهم وجدوا العلامة تماماً كما قال لهم الملاك. لم يسمعوا أو يروا الملائكة مرة أخرى، ولكنهم تقابلوا وجهاً لوجه مع يسوع. قد تختفي الملائكة، أما يسوع فسيبقى.
- كتب كالفن (Calvin): “كان هذا مشهداً غريباً، ويمكن القول أنه كان كافياً في حد ذاته لإنتاج النفور من المسيح. فكيف يمكن أن يكون هذا ملك العالم، فوضعه في هذا المذود يُظهر أنه غير مستحق أن يكون في نفس المرتبة مع أدنى الناس؟”
- علّقَ باركلي (Barclay): “أول من رأى حمل الله الذي يرفع خطية العالم، كان الرعاة الذين اعتنوا بحملان الهيكل، يا لها من فكرة رائعة.”
هـ) الآيات (١٧-٢٠): نشر الرعاة خبر ميلاد يسوع.
١٧فَلَمَّا رَأَوْهُ أَخْبَرُوا بِٱلْكَلَامِ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ عَنْ هَذَا ٱلصَّبِيِّ. ١٨وَكُلُّ ٱلَّذِينَ سَمِعُوا تَعَجَّبُوا مِمَّا قِيلَ لَهُمْ مِنَ ٱلرُّعَاةِ. ١٩وَأَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هَذَا ٱلْكَلَامِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِهَا. ٢٠ثُمَّ رَجَعَ ٱلرُّعَاةُ وَهُمْ يُمَجِّدُونَ ٱللهَ وَيُسَبِّحُونَهُ عَلَى كُلِّ مَا سَمِعُوهُ وَرَأَوْهُ كَمَا قِيلَ لَهُمْ.
- فَلَمَّا رَأَوْهُ أَخْبَرُوا بِٱلْكَلَامِ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ عَنْ هَذَا ٱلصَّبِيِّ: إعلان الملائكة والطفل المضجع في المذود ألهم الرعاة أن يخبروا الجميع عن ما سمعوه وما اختبروه.
- وَكُلُّ ٱلَّذِينَ سَمِعُوا تَعَجَّبُوا مِمَّا قِيلَ لَهُمْ مِنَ ٱلرُّعَاةِ: الأخبار السارة التي شارك بها الرعاة أدهشت كل الذين سمعوا. حتى وإن لم يفهموا ما الذي يجري حقاً، ولكنهم أدركوا أن شيئاً هاماً قد حدث.
- قال تراب (Trapp): “ليظهر الله احترامه للكل، كشف هذا السر العظيم للرعاة البسطاء وللمجوس الحكماء. الرعاة فقراء، والمجوس أغنياء. الرعاة غير متعلمين، والمجوس متعلمين. الرعاة كانوا من اليهود، المجوس كانوا أمميين. الرعاة كانوا قريبين، والمجوس جاءوا من مكان بعيد جداً.”
- وَأَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هَذَا ٱلْكَلَامِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِهَا: كانت ردة فعل مريم مختلفة عن الرعاة أو أولئك الذين سمعوا الخبر. فقد حفظت بهدوء كل ما كان يجري حولها وتأملت به في قلبها، مصلية أن تفهم المعنى وراء كل هذا.
- كان لدى مريم سبباً وجيهاً للتأمل. ما الذي جلبها إلى بيت لحم؟ المرسوم الذي أصدره الأمبراطور الروماني العظيم، إضافة إلى النميمة في الناصرة. يستخدم الله أشخاصاً مختلفين، وأحداثاً مختلفة لتحقيق خطته.
- ثُمَّ رَجَعَ ٱلرُّعَاةُ وَهُمْ يُمَجِّدُونَ ٱللهَ وَيُسَبِّحُونَهُ عَلَى كُلِّ مَا سَمِعُوهُ وَرَأَوْهُ كَمَا قِيلَ لَهُمْ: سَبَّحَ الرعاة ومجدوا الله لأن ما وعد به قد حصل تماماً كما قيل لهم.
- كتب كالفن (Calvin): “حماسهم في تمجيد الله وتسبيحه هو تأنيب لنا أو بالأحرى يظهر عدم تقديرنا. فإن كان لمهد المسيح مثل هذا التأثير عليهم، فكم بالحري يجب أن يكون تأثير موت وقيامة المسيح على حياتنا؟”
ثالثاً. تقديم يسوع في الهيكل
أ ) الآيات (٢١-٢٤): ختان الطفل يسوع وتقديمه في الهيكل
٢١وَلَمَّا تَمَّتْ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ لِيَخْتِنُوا ٱلصَّبِيَّ سُمِّيَ يَسُوعَ، كَمَا تَسَمَّى مِنَ ٱلْمَلَاكِ قَبْلَ أَنْ حُبِلَ بِهِ فِي ٱلْبَطْنِ. ٢٢وَلَمَّا تَمَّتْ أَيَّامُ تَطْهِيرِهَا، حَسَبَ شَرِيعَةِ مُوسَى، صَعِدُوا بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِيُقَدِّمُوهُ لِلرَّبِّ، ٢٣كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي نَامُوسِ ٱلرَّبِّ: أَنَّ كُلَّ ذَكَرٍ فَاتِحَ رَحِمٍ يُدْعَى قُدُّوسًا لِلرَّبِّ. ٢٤وَلِكَيْ يُقَدِّمُوا ذَبِيحَةً كَمَا قِيلَ فِي نَامُوسِ ٱلرَّبِّ: زَوْجَ يَمَامٍ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ.
- وَلَمَّا تَمَّتْ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ: حدث هذا كي يتمم يسوع كل الناموس (كما أمر الرب في سفر اللاويين ٢:١٢-٣). وأيضاً ليظهر أن يوسف ومريم كانا أتقياء حقاً ومطيعين. ولأنهم أطاعا وصية الله المكتوبة في سفر اللاويين ١٢، لذلك أطاع يسوع أيضاً.
- لِيَخْتِنُوا ٱلصَّبِيَّ .. أَيَّامُ تَطْهِيرِهَا: كانت احتفالات الختان والتطهير لازمة للتذكير بأننا مولودين بالخطية (مزمور ٥:٥١). كان من الممكن أن يعفى يسوع من هذه الأمور لأنه لم يولد في الخطية. ومع ذلك نراه حتى كطفل رضيع، يتحد مع الخطاة، كما فعل لاحقاً في معموديته وعلى الصليب.
- القراءة الصحيحة ٢٢:٢ هي: “الآن وَلَمَّا انتهت أَيَّامُ تَطْهِيرِهَما.” جُعلَ يسوع مع الخطاة حتى وهو طفل رضيع.
- وعلّقَ كالفن (Calvin): “دعونا نتكلم أولاً عن التطهير. عندما تحدث لوقا عن التطهير، كان يشير إلى مريم والمسيح فقط، لا إلى يوسف.”
- ويُعلّق وايت (Whyte): “الذي لم يعرف خطية، ولن يعرف الخطية يوماً، صار خطية لأجلنا في الختان. كان عمره ثمانية أيام فقط حتى بدأ يحصى مع الأثمة. ابن مريم البكر كان حمل بلا عيب ولا دنس، ولكن قبل أن يصبح عمره أسبوع، بدأ يحمل خطايا الكثيرين… وكما بدأ في الهيكل ذلك اليوم، استمر كل يوم يعيش حياة الألم، والعار، وسفك الدم، لأجلنا نحن أولاده، إلى أن تمم العمل الفدائي الذي أوكله والده أن يتممه على الصليب. وبعد ذلك اليوم الذي جرح فيه من أجل معاصينا، حمل في جسده علامات فدائنا.”
- زَوْجَ يَمَامٍ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ: تقول الوصية في سفر اللاويين ١٢ أنه عند ولادة ٱلِٱبْن يجب تقديم حمل كجزء من احتفالات التطهير والتكريس. ومع ذلك سمح بتقديم زوج من الطيور إن كانت الأسرة فقيرة وغير قادرة على تقديم الحمل.
- علّقَ باركلي (Barclay): “تقدمة زوج من الحمام بدلاً من الحمل كانت تسمى تقدمة الفقير … نرى بهذا أن يسوع ولد في بيت عادي بسيط.”
- كل هذا يشير إلى أن هذه الأحداث حدثت قبل مجيء المجوس من المشرق (متى ١:٢-١٢). لن يرجع مريم ويوسف إلى أورشليم بعد تحذير الملاك لهم (متى ١٣:٢)، ولن يقدموا زوج حمام إن كانوا اخذوا الهدايا من المجوس (متى ١١:٢).
ب) الآيات (٢٥-٣٢): الوعد يتحقق لسمعان
٢٥وَكَانَ رَجُلٌ فِي أُورُشَلِيمَ ٱسْمُهُ سِمْعَانُ، وَهَذَا ٱلرَّجُلُ كَانَ بَارًّا تَقِيًّا يَنْتَظِرُ تَعْزِيَةَ إِسْرَائِيلَ، وَٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ كَانَ عَلَيْهِ. ٢٦وَكَانَ قَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ أَنَّهُ لَا يَرَى ٱلْمَوْتَ قَبْلَ أَنْ يَرَى مَسِيحَ ٱلرَّبِّ. ٢٧فَأَتَى بِٱلرُّوحِ إِلَى ٱلْهَيْكَلِ. وَعِنْدَمَا دَخَلَ بِٱلصَّبِيِّ يَسُوعَ أَبَوَاهُ، لِيَصْنَعَا لَهُ حَسَبَ عَادَةِ ٱلنَّامُوسِ، ٢٨أَخَذَهُ عَلَى ذِرَاعَيْهِ وَبَارَكَ ٱللهَ وَقَالَ: ٢٩«ٱلْآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلَامٍ، ٣٠لِأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلَاصَكَ، ٣١ٱلَّذِي أَعْدَدْتَهُ قُدَّامَ وَجْهِ جَمِيعِ ٱلشُّعُوبِ. ٣٢نُورَ إِعْلَانٍ لِلْأُمَمِ، وَمَجْدًا لِشَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ».
- يَنْتَظِرُ تَعْزِيَةَ إِسْرَائِيلَ: ربما كان يعرف سمعان أن هناك شائعات بشأن مجيء المسيا. فخبر ولادة يوحنا المعمدان ومعناه كان معروفاً للجميع (لوقا ٦٥:١)، والرعاة الذين سمعوا إعلان الملائكة ربما شاركوا ما شاهدوه وسمعوه مع الناس في الهيكل.
- فَأَتَى بِٱلرُّوحِ إِلَى ٱلْهَيْكَلِ: ومع ذلك، لم تكن الشائعات هي التي أتت به إلى الهيكل ذلك اليوم، بل الروح. كان سمعان رجلاً يعرف كيف يستجيب لقيادة الروح القدس، ونرى هذا بوضوح في سماعه لوعد الله وذهابه الى الهيكل في الوقت المناسب.
- أَخَذَهُ عَلَى ذِرَاعَيْهِ: الكلمات التي نطق بها سمعان كانت مليئة بمحبته للمخلص، رغم انه كان بالكاد يعرف يسوع. علينا نحن الذين نعرف الكثير عنه أن نحبه أكثر من ذلك بكثير.
- حَسَبَ قَوْلِكَ: حصل سمعان الآن على السلام عندما رأى وعد الله يتحقق في حياته.
- ٱلْآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلَامٍ، لِأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلَاصَكَ: وكأن الله قد أمر سمعان أن يسهر وحيداً طوال الليل وينتظر حتى يرى الشمس تشرق. وكان ما يحدث الآن بالنسبة له، هو شروق الله، ولأن يسوع قد جاء، يستطيع سمعان الآن أن يعفى من السهر.
- نُورَ إِعْلَانٍ لِلْأُمَمِ: والشيء المدهش في نبوة سمعان أنها تظهر أن هذا النور هو للأمم أيضاً. فخلاص يسوع بدأ مع إسرائيل، ولكنه كان يمتد دائماً إلى ما هو أبعد من إسرائيل.
- كتب جون تراب (John Trapp) هذه الكلمات كتعبير عما كان في قلب سمعان: “لا اخشى الخطية، لا أخشى الموت؛ عشت طويلاً، لدي حياتي. اشتاقت كثيراً، لدي حبي. رأيت الكثير، لدي نوري. خدمت كثيراً، لدي إيماني؛ تألمت كثيراً، لدي فرحي. أيها الطفل الجميل، اسمح أن تكون هذه الترنيمة تعظيم لك، ووداعٍ لي. نام في ذراعي، ودعني أنام في سلامك.”
ج) الآيات (٣٣-٣٥): وعد وتحذير من سمعان
٣٣وَكَانَ يُوسُفُ وَأُمُّهُ يَتَعَجَّبَانِ مِمَّا قِيلَ فِيهِ. ٣٤وَبَارَكَهُمَا سِمْعَانُ، وَقَالَ لِمَرْيَمَ أُمِّهِ: «هَا إِنَّ هَذَا قَدْ وُضِعَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ، وَلِعَلَامَةٍ تُقَاوَمُ. ٣٥وَأَنْتِ أَيْضًا يَجُوزُ فِي نَفْسِكِ سَيْفٌ، لِتُعْلَنَ أَفْكَارٌ مِنْ قُلُوبٍ كَثِيرَةٍ».
- وَكَانَ يُوسُفُ وَأُمُّهُ يَتَعَجَّبَانِ: يمكننا أن نتخيل خليط الفرح والدهشة لرؤية تعاملات الله مع الأشخاص الذي فهموا من هو يسوع. بغض النظر عن مدى معرفتك بيسوع، ولكنك ستشعر بشيء مميز عندما ترى شخص آخر يؤمن به.
- لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ: سيظهر هذا في توبة بطرس، ويأس يهوذا. وفي اللص الذي جدف، واللص الذي آمن. يسوع كالمغناطيس الذي يجذب البعض وينفر البعض الآخر.
- وَلِعَلَامَةٍ تُقَاوَمُ: كلمة “علامة” تعني حرفيا “الهدف الذي يطلق الناس النار عليه.” سيكون يسوع هو العلامة الذي سيستهدفها الشر العظيم.
- وَأَنْتِ أَيْضًا يَجُوزُ فِي نَفْسِكِ سَيْفٌ: كان من المهم بالنسبة لمريم أن تعرف أن أمومة المسيا لن يكون دائماً مليئة بالحلاوة والنور. بل هو شرف عظيم وعبئاً كبيراً في نفس الوقت.
- ربما لم يتعذب أي إنسان من رفض يسوع ومعاناته بقدر ما تعذبت والدته. لم يكن هذا بسبب حب الأم الطبيعي فحسب، ولكن رفضه كان رفض لها أيضاً. وبطريقة رائعة، كأن تبرئته كانت تبرئتها هي أيضاً.
د ) الآيات (٣٦-٣٨): شهادة حنة عن الفادي
٣٦وَكَانَتْ نَبِيَّةٌ، حَنَّةُ بِنْتُ فَنُوئِيلَ مِنْ سِبْطِ أَشِيرَ، وَهِيَ مُتَقدِّمَةٌ فِي أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ، قَدْ عَاشَتْ مَعَ زَوْجٍ سَبْعَ سِنِينَ بَعْدَ بُكُورِيَّتِهَا. ٣٧وَهِيَ أَرْمَلَةٌ نَحْوَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً، لَا تُفَارِقُ ٱلْهَيْكَلَ، عَابِدَةً بِأَصْوَامٍ وَطَلِبَاتٍ لَيْلًا وَنَهَارًا. ٣٨فَهِيَ فِي تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ وَقَفَتْ تُسَبِّحُ ٱلرَّبَّ، وَتَكَلَّمَتْ عَنْهُ مَعَ جَمِيعِ ٱلْمُنْتَظِرِينَ فِدَاءً فِي أُورُشَلِيمَ.
- وَكَانَتْ نَبِيَّةٌ، حَنَّةُ بِنْتُ فَنُوئِيلَ: نحن لا نعرف بأي صفة كانت حنة نبية. ربما بسبب الكلام التي قالته عن يسوع.
- لَا تُفَارِقُ ٱلْهَيْكَلَ، عَابِدَةً بِأَصْوَامٍ وَطَلِبَاتٍ لَيْلًا وَنَهَارًا: هذه المرأة التقية خدمت الله بتفانٍ تام. علاقتها القوية مع الله انعكست في محبتها ليسوع ورغبتها في إخبار الآخرين عنه (وَتَكَلَّمَتْ عَنْهُ مَعَ جَمِيعِ ٱلْمُنْتَظِرِينَ فِدَاءً).
- كانت حنة امرأة رائعة. وكأرملة عرفت معنى الألم والخسارة جيداً، ولكنها لم تصبح مرة النفس. وكامرأة مسنة لم تفقد الأمل، ربما لأنها كانت امرأة عابدة ومصلية.
هـ) الآيات (٣٩-٤٠): العودة إلى الناصرة.
٣٩وَلَمَّا أَكْمَلُوا كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ نَامُوسِ ٱلرَّبِّ، رَجَعُوا إِلَى ٱلْجَلِيلِ إِلَى مَدِينَتِهِمُ ٱلنَّاصِرَةِ. ٤٠وَكَانَ ٱلصَّبِيُّ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى بِٱلرُّوحِ، مُمْتَلِئًا حِكْمَةً، وَكَانَتْ نِعْمَةُ ٱللهِ عَلَيْهِ.
- وَلَمَّا أَكْمَلُوا كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ نَامُوسِ ٱلرَّبِّ: يؤكد لوقا أن يسوع كان مطيعاً تماماً لله حتى عندما كان طفلاً.
- وَكَانَ ٱلصَّبِيُّ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى بِٱلرُّوحِ، مُمْتَلِئًا حِكْمَةً: نشأ يسوع المسيح وترعرع مثل باقي الأولاد، مع هذا، نموه الروحي هو أول ما نلاحظه. يمكننا القول بأن يسوع كان على دراية بهويته وبدعوته بما يتناسب مع عمره. في سن الخامسة لم يملك فهم شخص عمره ٣٠ عاماً، ولكن كان لديه أعظم قدرة على فهم صبي يبلغ من العمر خمس سنوات.
- نمو يسوع يلهم الآباء المؤمنين اليوم. فهم يصلون كي يصبحوا أولادهم أقوياء روحياً وممتلئين بالحكمة، ويوجهون أولادهم كي يصبحوا كيسوع.
- وَكَانَتْ نِعْمَةُ ٱللهِ عَلَيْهِ: كان صلاح الله ونعمته واضحاً في حياته، حتى عندما كان طفلاً. الأساطير عن المعجزات الغريبة المرتبطة بطفولة يسوع ليست أكثر من حكايات خرافية، ولكن كَانَتْ نِعْمَةُ ٱللهِ عَلَيْهِ.
- نحن لا نعرف إلا القليل عن حياة يسوع من الوقت الذي كان عمره شهر إلى أن صار عمره إِثنا عَشَرَ عاماً، باستثناء ما ذُكر في لوقا ٤٠:٢. ربما نشعر بفضول لنعرف تفاصيل عن طفولته، ولكن ليس هناك أي شيء نحتاج أن نعرفه أكثر مما أظهره الروح القدس في الكتاب المقدس.
- كتب تراب (Trapp): “لإرضاء هذا الفضول، كتب بعض الأشخاص ما يسمى بـ “أناجيل الطفولة.” وهي كتب تحتوي على معجزات مذهلة وسخيفة، مثل قدرة يسوع على الكلام وهو في المذود، أو شفاء رجل تحول إلى بغل بسبب لعنة ما، أو أحياء طيور صنعت من طين مصفقاً بيديه، أو شفاء الناس عن طريق رشهم بماء الإستحمام الخاص به، وهكذا دواليك. في النهاية، “عندما لا يملك الكتاب المقدس لساناً، يجب ألا نملك آذان.”
رابعاً. يسوع في بيت أبيه السماوي
أ ) الآيات (٤١-٤٥): ضياع يسوع في أورشليم وقت عيد الفصح.
٤١وَكَانَ أَبَوَاهُ يَذْهَبَانِ كُلَّ سَنَةٍ إِلَى أُورُشَلِيمَ فِي عِيدِ ٱلْفِصْحِ. ٤٢وَلَمَّا كَانَتْ لَهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً صَعِدُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ كَعَادَةِ ٱلْعِيدِ. ٤٣وَبَعْدَمَا أَكْمَلُوا ٱلْأَيَّامَ بَقِيَ عِنْدَ رُجُوعِهِمَا ٱلصَّبِيُّ يَسُوعُ فِي أُورُشَلِيمَ، وَيُوسُفُ وَأُمُّهُ لَمْ يَعْلَمَا. ٤٤وَإِذْ ظَنَّاهُ بَيْنَ ٱلرُّفْقَةِ، ذَهَبَا مَسِيرَةَ يَوْمٍ، وَكَانَا يَطْلُبَانِهِ بَيْنَ ٱلْأَقْرِبَاءِ وَٱلْمَعَارِفِ. ٤٥وَلَمَّا لَمْ يَجِدَاهُ رَجَعَا إِلَى أُورُشَلِيمَ يَطْلُبَانِهِ.
- وَكَانَ أَبَوَاهُ يَذْهَبَانِ كُلَّ سَنَةٍ إِلَى أُورُشَلِيمَ فِي عِيدِ ٱلْفِصْحِ: حضور الأعياد الكبرى كان وصية حسب سفر الخروج ١٧:٢٣ وسفر التثنية ١٦:١٦. وكان من المعتاد أن يذهب مؤمني الجليل إلى أورشليم وقت العيد في مجموعات كبيرة.
- لن يكون من الصعب أن تفقد صبي صغير وسط هذه المجموعة الكبيرة من المسافرين – لا ينبغي أن نتهم يوسف ومريم بالإهمال. ولكن لا بد أن مريم شعرت بالسوء لفقدانها المسيا.
- رَجَعَا إِلَى أُورُشَلِيمَ يَطْلُبَانِهِ: كما هو متوقع من الآباء الأتقياء، بذلوا أقصى ما لديهم للعثور على ابنهم يسوع.
ب) الآيات (٤٦-٥٠): وجدوا يسوع يعلم ويتعلم في الهيكل.
٤٦وَبَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَجَدَاهُ فِي ٱلْهَيْكَلِ، جَالِسًا فِي وَسْطِ ٱلْمُعَلِّمِينَ، يَسْمَعُهُمْ وَيَسْأَلُهُمْ. ٤٧وَكُلُّ ٱلَّذِينَ سَمِعُوهُ بُهِتُوا مِنْ فَهْمِهِ وَأَجْوِبَتِهِ. ٤٨فَلَمَّا أَبْصَرَاهُ ٱنْدَهَشَا. وَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: «يَا بُنَيَّ، لِمَاذَا فَعَلْتَ بِنَا هَكَذَا؟ هُوَذَا أَبُوكَ وَأَنَا كُنَّا نَطْلُبُكَ مُعَذَّبَيْنِ!» ٤٩فَقَالَ لَهُمَا: «لِمَاذَا كُنْتُمَا تَطْلُبَانِنِي؟ أَلَمْ تَعْلَمَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَكُونَ فِي مَا لِأَبِي؟». ٥٠فَلَمْ يَفْهَمَا ٱلْكَلَامَ ٱلَّذِي قَالَهُ لَهُمَا.
- جَالِسًا فِي وَسْطِ ٱلْمُعَلِّمِينَ، يَسْمَعُهُمْ وَيَسْأَلُهُمْ: لمدة ثلاثة أيام، ناقش يسوع، البالغ من العمر اثنتي عشرة عاماً، كلمة الله وأبهر سامعيه من فهمه وأجوبته.
- علّقَ باركلي (Barclay): “تعود رؤساء اليهود أن يجتمعوا في الهيكل في العيد، ليشرحوا ويفسروا الشريعة للراغبين في شرحها والتعمق في تفاصيلها.”
- عندما ندرك ذكاء ومعرفة المعلمين اليهود، سندرك أن ما حدث كان مثيراً للإعجاب. ما حدث يشبه طفل في المرحلة الإبتدائية يناقش الفيزياء مع عالم فضاء. كان يسوع يتمتع بميزة فريدة من نوعها بالفعل وهي علاقة خاصة مع كاتب كلمة الله.
- يَنْبَغِي أَنْ أَكُونَ فِي مَا لِأَبِي: كان من الطبيعي في ذلك العصر أن يرث ٱلِٱبْن عمل أبيه، وهكذا سار يسوع على خطى يوسف وعمل نجاراً. ولكن تظهر كلماته هنا أنه بدأ يفهم علاقته الفريدة مع أبيه السماوي.
- من الصعب أن نعرف، بسبب القيود التي فرضها على نفسه كإنسان، متى أدرك يسوع حقيقته ومتى عرف سبب مجيئه إلى الأرض، ولكنه عرف حتماً في وقت مبكر من حياته. فالأمر لا يتعلق بمتى بدأ، ولكن متى أزهر بالكامل.
- يَنْبَغِي أَنْ أَكُونَ فِي مَا لِأَبِي: هذه الكلمات، والتي هي الأولى التي سُجلت ليسوع، كانت مهمة للغاية. المفاجأة التي تنطوي عليها كلمات يسوع هذه تشير إلى أنه كان يعلم أن مريم ويوسف كانا على دراية بعلاقته الخاصة بالله أبيه. وهذا يعني أيضاً أنهم تناقشوا معه حول هذا الأمر وربما وجهوه أثناء تربيتهم له.
- فَلَمْ يَفْهَمَا ٱلْكَلَامَ ٱلَّذِي قَالَهُ لَهُمَا: كلام يسوع أخبرهم شيئاً عن هويته كٱبْن الله الآب، على الرغم من أنهم لم يفهموا ذلك. في اليهودية في ذلك اليوم، يبدأ الصبي في تعلم تجارة والده عندما يصبح ١٢ سنة من العمر. حقق يسوع هذا عن طريق تعليمه للمعلمين في الهيكل.
ج ) الآيات (٥١-٥٢): نمو الصبي يسوع.
٥١ثُمَّ نَزَلَ مَعَهُمَا وَجَاءَ إِلَى ٱلنَّاصِرَةِ وَكَانَ خَاضِعًا لَهُمَا. وَكَانَتْ أُمُّهُ تَحْفَظُ جَمِيعَ هَذِهِ ٱلْأُمُورِ فِي قَلْبِهَا. ٥٢وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ يَتَقَدَّمُ فِي ٱلْحِكْمَةِ وَٱلْقَامَةِ وَٱلنِّعْمَةِ، عِنْدَ ٱللهِ وَٱلنَّاسِ.
- ثُمَّ نَزَلَ مَعَهُمَا وَجَاءَ إِلَى ٱلنَّاصِرَةِ: ترعرع يسوع في الناصرة وأصبح ناضجاً هناك. تحمل المسؤوليات المتوقعة منه كالابن البكر. ثم في وقت لاحق اختفى يوسف من المشهد وأصبح يسوع “رب الأسرة.” أشتغل في حرفته، ودعم عائلته، وأحب إلهه، وأثبت أمانته في الآلاف من الأشياء الصغيرة قبل أن يبدأ خدمته الحقيقية.
- كتب موريسون (Morrison): “المسيحي لا يفعل دائماً أشياء غير عادية. بل يفعل الأشياء العادية بطرق غير عادية.”
- وَكَانَ خَاضِعًا لَهُمَا: معرفته من يكون لم تجعله متكبراً أو متجبراً. كان خاضعاً لوالديه. انتقل يسوع من الرؤية إلى الخدمة، كما فعل لاحقاً على جبل التجلي.
- وَكَانَتْ أُمُّهُ تَحْفَظُ جَمِيعَ هَذِهِ ٱلْأُمُورِ فِي قَلْبِهَا: ربما سمع لوقا عن كل هذا (عن ولادة يوحنا وولادة يسوع) في المقابلات الشخصية مع مريم أثناء جمعه المعلومات ليكتب إنجيله.
- وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ يَتَقَدَّمُ فِي ٱلْحِكْمَةِ: يستمر لوقا في الحديث عن تقدم ونمو يسوع بعدما بدأ في لوقا ٤٠:٢.
- وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ يَتَقَدَّمُ فِي .. ٱلْقَامَةِ: لم يكبر حجمه الجسدي فحسب، بل أصبح إنسان عظيم من الداخل أيضاً.
- وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ يَتَقَدَّمُ فِي .. ٱلنِّعْمَةِ: كبر في علاقته الشخصية مع أبيه السماوي، وكبر أيضاً وبنى صداقات مع الآخرين.
- كتب وايت (Whyte): “كلمة (النعمة) هنا لا تعني النعمة التي يمنحها الله للخطاة، ولكن تعني أن الله كان مسروراً به.”
- وكتب جيلدنهيز (Geldenhuys): “لم يولد يسوع كسوبرمان. بل نضج وهو ينمو. مر بشكل طبيعي ولكن بكل كمال بمراحل النمو الجسدي والروحي. ولكنه كان كاملاً في كل مرحلة.”