سفر عوبديا
دينونة الرب على أخي إسرائيل
أولًا. دينونة أَدُوم
هناك تشابه كبير بين عوبديا ١: ١-٩ وإرميا ٤٩: ٧-٢٢، لذا من المرجح أن نبوة عوبديا كانت أمام إرميا أثناء كتابته وخدمته.
أ ) الآيات (١-٤): عوبديا يعلن الدينونة على أدُوم وكبريائها.
١رُؤْيَا عُوبَدْيَا: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ عَنْ أَدُومَ: سَمِعْنَا خَبَرًا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ وَأُرْسِلَ رَسُولٌ بَيْنَ الأُمَمِ: «قُومُوا، وَلْنَقُمْ عَلَيْهَا لِلْحَرْبِ». ٢«إِنِّي قَدْ جَعَلْتُكَ صَغِيرًا بَيْنَ الأُمَمِ. أَنْتَ مُحْتَقَرٌ جِدًّا. ٣تَكَبُّرُ قَلْبِكَ قَدْ خَدَعَكَ أَيُّهَا السَّاكِنُ فِي مَحَاجِئِ الصَّخْرِ، رِفْعَةَ مَقْعَدِهِ، الْقَائِلُ فِي قَلْبِهِ: مَنْ يُحْدِرُنِي إِلَى الأَرْضِ؟ ٤إِنْ كُنْتَ تَرْتَفِعُ كَالنَّسْرِ، وَإِنْ كَانَ عُشُّكَ مَوْضُوعًا بَيْنَ النُّجُومِ، فَمِنْ هُنَاكَ أُحْدِرُكَ، يَقُولُ الرَّبُّ.
١. رُؤْيَا عُوبَدْيَا: اسم عُوبَدْيَا في العبرية يعني ’عابد الرب‘ أو ’عبد الرب.‘ وقد ذُكر في العهد القديم ثلاثة عشر شخصًا بهذا الاسم، وربما يكون أحدهم هو الذي كتب هذا السفر.
• عوبديا الذي كان مسئولًا على بيت آخاب ملك إسرائيل وخبّأ أنبياء الربّ في مغارةٍ (١ ملوك ١٨: ٣).
• عوبديا الذي أرسله يَهُوشَافَاط مَلك يهوذا ليُعلّم الشريعة في مدن يهوذا (٢ أخبار ١٧: ٧).
• عوبديا الذي كان أحد الوكلاء الذين ساعدوا في ترميم الهيكل في أيام يوشيا ملك يهوذا (٢ أخبار ٣٤: ١٢).
• عوبديا الذي كان كاهنًا في أيام نحميا (نحميا ١٠: ٥).
٢. هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ عَنْ أَدُومَ: تتميّز نبوّة عوبديا بأنّها لا تتناول يهوذا أو إسرائيل على الإطلاق. لقد كان تركيز عوبديا على خطية أَدُومَ والدينونة التي ستحل عليهم. فمن هم الأَدُومِيِّون؟
• الأدوميّون هم نسل عيسو، الذي وُلِدَ لإسحاق ورفقة، وهو أخو يعقوب (تكوين ٢٥: ١٩-٣٤). وقد لُقِّبَ عيسو بـ ’أدوم‘ (أي، أحمر)، وربّما كان ذلك بسبب شعره الأحمر.
• سكن عيسو في أرض جبل سعير، وامتزج بشعب يُعرف بالْحُورِيِّين (انظر تكوين ٣٦: ٨-٤٣، حيث يُشار إلى رؤساء أدوم بلقب أُمَرَاء في الترجمة العربية وترجمة الملك جيمس).
• عندما خرج بنو إسرائيل من مصر وطلبوا أن يمرّوا في أرض أدوم في طريقهم إلى أرض الموعد، رفض الأدوميّون طلبهم (عدد ٢٠: ١٤-٢١).
• قام الأدوميّون بمقاومة شاول، وتم هزيمتهم تحت قيادة داود وسليمان (١ صموئيل ١٤: ٤٧، ٢ صموئيل ٨: ١٤، ١ ملوك ٩: ٢٦).
• في عهد يهوشافاط ملك يهوذا، تحالف الأدوميّون مع الموآبيّين والعمونيّين لشنّ هجوم على يهوذا، ولكن الرب حارب عن يهوذا وهزمهم (انظر ٢ أخبار الأيام ٢٠: ١-٢٧، حيث يصف المعركة الشهيرة التي تم قيادتها بالتسبيح).
• تمرّد الأدوميّون على يَهُورَام ملك يهوذا ونجحوا (٢ ملوك ٨: ١٦-٢٢).
• قام أَمَصْيَا ملك يهوذا بإخضاعهم من جديد (٢ ملوك ١٤: ٩-١١).
• عاد الأدوميّون فهاجموا يهوذا ثانية في أيام الملك آحَاز (٢ أخبار الأيام ٢٨: ١٧).
• اشترك الأدوميّون مع اليهود في التمرد على روما ما بين سنة ٦٦ و٧٠م، لكنّهم سُحقوا معًا، ومنذ ذلك الحين لم يعد يُسمع عنهم كشعب. وهكذا تحققت نبوءات عوبديا المذكورة في الآيات ١: ١٠، ١٨ وأثبتت صحتها.
٣. عَنْ أَدُومَ: استنادًا إلى ما ورد في هذا السفر بشأن أدوم وأورشليم، يمكننا تحديد زمن خدمة عوبديا. فالعلامتان الزمنيتان في السِفر هما الإشارة إلى هجومٍ على أورشليم (عوبديا ١: ١٠-١٤)، وتلميح النصّ إلى أن أدوم لم يكن خاضعًا ليهوذا آنذاك.
• يصف سفر أخبار الأيام الثاني ٢١: ١٦-١٧ هجومًا على أورشليم أثناء حكم يهورام (٨٤٨-٨٤١ ق.م.) من قبل الفلسطينيين والعرب.
• يصف سفر الملوك الثاني ٢٤-٢٥ هجوم البابليين على أورشليم في عام ٥٨٦ ق.م.
من المرجّح أن النبوّة تشير إلى الهجوم الأسبق الذي وقع في زمن يهورام (٨٤٨-٨٤١ ق.م.)، لأن ما جاء في الآيات ١٠-١٤ لا يدلّ على دمارٍ شامل لأورشليم، كما حدث في السبي البابلي. وإن صحّ ذلك، فهذا يجعله معاصرًا للنبي أليشع، ويجعله من أقدم الأنبياء، بل وربما أقدم من يوئيل بسنوات قليلة. وقد يكون هو نفسه عوبديا المذكور في ٢ أخبار الأيام ١٧: ٧.
٤. سَمِعْنَا خَبَرًا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ… قُومُوا، وَلْنَقُمْ عَلَيْهَا لِلْحَرْبِ: نقل عوبديا خَبَرًا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ مُعلِنًا أن الله سيجلب أممًا لمحاربة أدوم. وكنتيجةً لهذه المعركة القادمة، سيجَعَل الله أدوم صَغِيرًا بَيْنَ الأُمَمِ ومُحْتَقَرٌ جِدًّا.
٥. تَكَبُّرُ قَلْبِكَ قَدْ خَدَعَكَ: هذا يُفسّر سبب دينونة الله لأدوم. لقد امتلأوا بالتَكَبُّر، وقد خَدَعَهم ذلك.
• تَكَبُّرُ: إن الكبرياء أمر خادع، فيجعلنا نؤمن بأوهام ليست حقيقية عن أنفسنا والآخرين. ولم يكن أَدُومَ آخر من خَدَعَهُ قلبه المتكبر.
٦. أَيُّهَا السَّاكِنُ فِي مَحَاجِئِ الصَّخْرِ: لم يكن للأدوميين ما يفتخرون به كثيرًا، إذ كانوا شعبًا صغيرًا، قليل الثروة، وضئيل الشأن. لكنهم افتخروا بما لهم، إذ سكنوا في حصونٍ طبيعيةٍ منيعة، وتفاخروا فِي مَحَاجِئِ الصَّخْرِ المحيطة بهم.
• إِنْ كُنْتَ تَرْتَفِعُ كَالنَّسْرِ: في كبريائهم، ظنّ الأدوميون أنفسهم في مقامٍ عالٍ كَالنَّسْرِ. فالكبرياء متأصّل في الطبيعة البشرية الساقطة لدرجة أننا، حتى إن لم يكن لدينا ما نفتخر به، سنجد شيئًا نُعلي ونُمجد به أنفسنا. وهذا يُذكّرنا بأننا لا نحتاج لأن نكون أغنياء أو أقوياء أو عظماء حتى نمتلئ بالكبرياء. فأحيانًا أولئك الذين يملكون أقل أسباب الكبرياء هم أكثرهم تكبرًا.
• تفاخر الأدوميون أيضًا بتحصيناتهم المنيعة. فمدينة البتراء القديمة – عاصمة أدوم سابقًا، والمعروفة باسم سَالِع – تمتعت بدفاعات مذهلة. فهي مدينة منحوتة في الصخر، لا يمكن الوصول إليها إلا عبر وادٍ ضيق طوله يقارب الميل. وفي نهاية هذا الوادي تقع مدينة مبهرة منحوتة في الحجر، ويبدو أنه من المستحيل أن يغزوها أي جيش.
• تفاخر الأدوميون أيضًا بحكمتهم. فقد كان رجال أدوم – وخاصة رجال مدينة تَيْمَان – مشهورين بالحكمة. وكان تعبير بَنُو الْمَشْرِق في العهد القديم كثيرًا ما يُطلق على رجال أدوم، وقد ذكرت آيات مثل ملوك الأول ٤: ٣٠ عِظم حِكْمَةَ بَنِي الْمَشْرِقِ. وكذلك يقول إرميا ٤٩: ٧ عن أدوم: أَلاَ حِكْمَةَ بَعْدُ فِي تِيْمَان؟ هَلْ بَادَتِ الْمَشُورَةُ مِنَ الْفُهَمَاءِ؟ هَلْ فَرَغَتْ حِكْمَتُهُمْ؟ كان هذا مصدر آخر لفخر الأدوميين.
• تفاخر الأدوميون بتحالفاتهم ووثقوا في حلفائهم – مُسَالِمُوكَ (عوبديا ١: ٧). كانوا يظنون أن تحالفاتهم تمنحهم القوة، وكانوا يفتخرون بتلك القوة.
٧. فَمِنْ هُنَاكَ أُحْدِرُكَ: إن الحقيقة الصادمة بشأن كبريائنا هي أن الله قادر أن يُحْدِرُنا (يُذلّنا) في أي وقت. فهو قادر أن يُبدد أوهام كبريائنا وينزلنا لأدنى مستوى.
ب) الآيات (٥-٩): دينونة الله ضد أدوم ستكون كاملة.
٥إِنْ أَتَاكَ سَارِقُونَ أَوْ لُصُوصُ لَيْل. كَيْفَ هَلِكْتَ! أَفَلاَ يَسْرِقُونَ حَاجَتَهُمْ؟ إِنْ أَتَاكَ قَاطِفُونَ أَفَلاَ يُبْقُونَ خُصَاصَةً؟ ٦كَيْفَ فُتِّشَ عِيسُو وَفُحِصَتْ مَخَابِئُهُ؟ ٧طَرَدَكَ إِلَى التُّخْمِ كُلُّ مُعَاهِدِيكَ. خَدَعَكَ وَغَلَبَ عَلَيْكَ مُسَالِمُوكَ. أَهْلُ خُبْزِكَ وَضَعُوا شَرَكًا تَحْتَكَ. لاَ فَهْمَ فِيهِ. ٨أَلاَ أُبِيدُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، يَقُولُ الرَّبُّ، الْحُكَمَاءَ مِنْ أَدُومَ، وَالْفَهْمَ مِنْ جَبَلِ عِيسُو؟ ٩فَيَرْتَاعُ أَبْطَالُكَ يَا تَيْمَانُ، لِكَىْ يَنْقَرِضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَبَلِ عِيسُو بِالْقَتْلِ.
١. أَفَلاَ يَسْرِقُونَ حَاجَتَهُمْ؟: يقول عوبديا إن الدينونة القادمة على أدوم ستكون أسوأ بكثير من هجوم الذين يَسْرِقُونَ، إذ أن اللُصُوص عادةً ما يَسْرِقُونَ حَاجَتَهُمْ ثم يرحلون. أما الدينونة الآتية على أدوم فستكون أشمل وأكمل (لِكَىْ يَنْقَرِضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَبَلِ عِيسُو بِالْقَتْلِ).
• كان الأدوميون يفتخرون بتحصيناتهم الطبيعية العظيمة، لكن الله سيكسر كبرياءهم ويُذلّهم.
٢. خَدَعَكَ وَغَلَبَ عَلَيْكَ مُسَالِمُوكَ: عندما يُنزل الله دينونته على أدوم، سيشعرون بمرارة الخيانة. فالتحالفات التي وثقوا بها يومًا لن تجدي نفعًا، وسيتعرضون للغدر من أصدقائهم السابقين.
• تفاخر الأدوميون بتحالفاتهم السياسية، لكن الله سيكسر كبرياءهم ويُذلّهم.
٣. أَلاَ أُبِيدُ… الْحُكَمَاءَ مِنْ أَدُومَ، وَالْفَهْمَ مِنْ جَبَلِ عِيسُو؟: اشتهر الأدوميون بحكمتهم، لكن دينونة الله ستكون عظيمة لدرجة أن حتى الحكماء منهم سيُبادون.
• تفاخر الأدوميون بصيتهم في الحكمة، لكن الله سيكسر كبرياءهم ويُذلّهم.
ج) الآيات (١٠-١٤): سبب الدينونة القادمة على أدوم.
١٠«مِنْ أَجْلِ ظُلْمِكَ لأَخِيكَ يَعْقُوبَ، يَغْشَاكَ الْخِزْيُ وَتَنْقَرِضُ إِلَى الأَبَدِ. ١١يَوْمَ وَقَفْتَ مُقَابِلَهُ يَوْمَ سَبَتِ الأَعَاجِمُ قُدْرَتَهُ، وَدَخَلَتِ الْغُرَبَاءُ أَبْوَابَهُ، وَأَلْقَوْا قُرْعَةً عَلَى أُورُشَلِيمَ، كُنْتَ أَنْتَ أَيْضًا كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ. ١٢وَيَجِبُ أَنْ لاَ تَنْظُرَ إِلَى يَوْمِ أَخِيكَ يَوْمَ مُصِيبَتِهِ، وَلاَ تَشْمَتَ بِبَنِي يَهُوذَا يَوْمَ هَلاَكِهِمْ، وَلاَ تَفْغَرَ فَمَكَ يَوْمَ الضِّيقِ، ١٣وَلاَ تَدْخُلَ بَابَ شَعْبِي يَوْمَ بَلِيَّتِهِمْ، وَلاَ تَنْظُرَ أَنْتَ أَيْضًا إِلَى مُصِيبَتِهِ يَوْمَ بَلِيَّتِهِ، وَلاَ تَمُدَّ يَدًا إِلَى قُدْرَتِهِ يَوْمَ بَلِيَّتِهِ، ١٤وَلاَ تَقِفَ عَلَى الْمَفْرَقِ لِتَقْطَعَ مُنْفَلِتِيهِ، وَلاَ تُسَلِّمَ بَقَايَاهُ يَوْمَ الضِّيقِ.
١. مِنْ أَجْلِ ظُلْمِكَ لأَخِيكَ يَعْقُوبَ: ينحدر كل من إسرائيل وأَدُومَ من نفس الجد، إسحق. كان عِيسُو (أَدُوم)، أَخِ ليَعْقُوب (إِسْرَائِيل). وهذا جعل خطية أدوم ضد إسرائيل أسوأ.
• بعض الخطايا تزداد سوءًا بحسب الشخص الذي نُخطئ في حقه. فمن الخطأ أن نسيء معاملة أي شخص؛ لكن الأسوأ إذا تكون الإساءة موجهة لأخ أو أخت في المسيح. ومن الخطأ أن نتكلم بقسوة مع أي إنسان؛ لكنه أسوأ عندما نتكلم بقسوة مع شريك الحياة.
٢. يَوْمَ وَقَفْتَ مُقَابِلَهُ: ماذا فعل أدوم حين قام الأَعَاجِمُ بمهاجمة يهوذا ودخل الْغُرَبَاءُ أَبْوَابَهُ؟ لم يفعل شيئًا. أخذ موقف المتفرج، بل فرح بمصيبة يهوذا (وَلاَ تَشْمَتَ بِبَنِي يَهُوذَا).
• هناك أوقات يكون فيها عمل لا شيء هو خطية عظيمة. يتحدث سفر العدد ٣٢: ٢٣ عن الخطية الَّتِي تُصِيبُكُمْ، والخطية التي يتحدث عنها هي خطية عدم فعل أي شيء.
• في الواقع، لقد فعل أدوم ما هو أسوأ من عدم التدخل؛ لقد فْغَر فَمه، أي فرح بمصيبة غيره ومعاناته واستخدم ذلك كفرصة لتمجيد نفسه (وَلاَ تَفْغَرَ فَمَكَ يَوْمَ الضِّيقِ).
٣. وَلاَ تَمُدَّ يَدًا إِلَى قُدْرَتِهِ: بدأت خطية أدوم بعدم فعل أي شيء، ثم تطورت إلى التكبّر على يهوذا في مصيبته. وفي النهاية، استغلّوا محنة أخيهم يهوذا ومدّوا يَدهم إِلَى قُدْرَتِهِ (أي سلبوا ممتلكاته).
٤. وَلاَ تَقِفَ عَلَى الْمَفْرَقِ لِتَقْطَعَ مُنْفَلِتِيهِ: بلغت خطية أدوم ذروتها حين شاركوا في الهجوم على يهوذا وهو في أضعف حالاته. فعندما التقوا بأشخاص من يهوذا هاربين نحو الجنوب، إما قتلوهم (تَقْطَعَ)، أو سلّموهم للعدو كأسرى (تُسَلِّمَ بَقَايَاهُ).
• “الخطية تتقدّم تدريجيًا، فما من إنسان يبدأ بأسوأ حالاته في أول الأمر.” تراب (Trapp)
٥. يَوْمَ مُصِيبَتِهِ… يَوْمَ الضِّيقِ… يَوْمَ بَلِيَّتِهِمْ: خُلاصة القول، عامل أدوم شعب الله معاملة سيئة جدًا في يَوْمَ الضِّيقِ… وفي يَوْمَ بَلِيَّتِهِمْ. ولذلك كانت دينونة الله آتيةً عليهم.
• أولًا، لم يفعلوا شيئًا.
• ثم فرحوا في ضيقهم وبليتهم.
• ثم استغلّوا حالتهم الضعيفة.
• ثم شاركوا في ممارسة العنف ضد شعب الله.
هل نرتكب نفس الخطأ – أو ما هو أسوأ – عندما نرى الآخرين يمرّون في ضِيق أو بليَّة؟ إن كنّا نفعل ذلك، فإن الله يرى ذلك خطية، ولا بد أن يتعامل مع هذا الأمر في حياتنا.
ثانيًا. النجاة على جبل صهيون
أ ) الآيات (١٥-١٦): وعدٌ بدينونة أدوم.
١٥فَإِنَّهُ قَرِيبٌ يَوْمُ الرَّبِّ عَلَى كُلِّ الأُمَمِ. كَمَا فَعَلْتَ يُفْعَلُ بِكَ. عَمَلُكَ يَرْتَدُّ عَلَى رَأْسِكَ. ١٦لأَنَّهُ كَمَا شَرِبْتُمْ عَلَى جَبَلِ قُدْسِي، يَشْرَبُ جَمِيعُ الأُمَمِ دَائِمًا، يَشْرَبُونَ وَيَجْرَعُونَ وَيَكُونُونَ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا.
١. فَإِنَّهُ قَرِيبٌ يَوْمُ الرَّبِّ عَلَى كُلِّ الأُمَمِ: يريد الله من أدوم أن يعلم أنه كما جاءت البليّة والمصيبة على يهوذا، فإنها يمكن أن تأتي – بل وستأتي – على أدوم أيضًا. وذلك اليوم قَرِيبٌ.
٢. كَمَا فَعَلْتَ يُفْعَلُ بِكَ: إن الله سيجازي أدوم بالعدل، لا أكثر ولا أقل. فما فعلوه بيهوذا، سيُفعل بهم أيضًا. وينطبق هذا المبدأ علينا نحن أيضًا؛ فإن كنا نرجو رحمة من الله، فالأفضل لنا أن نُظهر الرحمة للآخرين.
• يمكن القول إن دينونة الله لأدوم كانت صدًى لوعده الأكيد لإبراهيم في تكوين ١٢: ٣ وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ، وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. لقد لعن أدوم إسرائيل، وبهذا حلّت عليه اللعنة. إن كنا نرغب أن يباركنا الله، فعلينا أن نبارك الشعب اليهودي.
ب) الآيات (١٧-٢٠): الله سيستخدم إسرائيل ليأتي بدينونته على أدوم.
١٧«وَأَمَّا جَبَلُ صِهْيَوْنَ فَتَكُونُ عَلَيْهِ نَجَاةٌ، وَيَكُونُ مُقَدَّسًا، وَيَرِثُ بَيْتُ يَعْقُوبَ مَوَارِيثَهُمْ. ١٨وَيَكُونُ بَيْتُ يَعْقُوبَ نَارًا، وَبَيْتُ يُوسُفَ لَهِيبًا، وَبَيْتُ عِيسُو قَشًّا، فَيُشْعِلُونَهُمْ وَيَأْكُلُونَهُمْ وَلاَ يَكُونُ بَاق مِنْ بَيْتِ عِيسُو، لأَنَّ الرَّبَّ تَكَلَّمَ». ١٩وَيَرِثُ أَهْلُ الْجَنُوبِ جَبَلَ عِيسُو، وَأَهْلُ السَّهْلِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، وَيَرِثُونَ بِلاَدَ أَفْرَايِمَ وَبِلاَدَ السَّامِرَةِ، وَيَرِثُ بِنْيَامِينُ جِلْعَادَ. ٢٠وَسَبْيُ هذَا الْجَيْشِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَرِثُونَ الَّذِينَ هُمْ مِنَ الْكَنْعَانِيِّينَ إِلَى صَرْفَةَ. وَسَبْيُ أُورُشَلِيمَ الَّذِينَ فِي صَفَارِدَ يَرِثُونَ مُدُنَ الْجَنُوبِ.
١. وَأَمَّا جَبَلُ صِهْيَوْنَ فَتَكُونُ عَلَيْهِ نَجَاةٌ: إن التجارب والأثقال التي يتحمّلها شعب الله هي وقتية فقط، لأنه سوف يَكُونُ عَلَيْهِ نَجَاةٌ. أما الهجوم الذي سيأتي على أدوم فسيكون مختلفًا تمامًا – إذ ستكون إسرائيل نَارًا، وهم سيكونون قَشًّا، وسيُلتهم أدوم تمامًا.
• تحققت كلمة الرب التي جاءت على لسان عوبديا، مؤكدة بذلك صحتها. شارك الأدوميون اليهود في الثورة ضد روما بين عامَي ٦٦ و٧٠ م.، لكنهم سُحقوا تمامًا، ولم يُسمع عنهم بعد ذلك. وقد تمّت نبوءات عوبديا ١: ١٠، ١٨ بدقة. واليوم، لن تقابل أدوميًا واحدًا.
٢. وَيَرِثُ أَهْلُ الْجَنُوبِ جَبَلَ عِيسُو: يتطلع عوبديا إلى يوم قادم يَرِثُ فيه إسرائيل الأرض التي كانت سابقًا ملكًا لعِيسُو. ورغم أن حدود إسرائيل الحالية لا تشمل أراضي أدوم القديمة، يمكننا أن نثق بأنها ستعود إليهم يومًا ما، سواء في هذا العصر أو في العصر الآتي.
• وَيَرِثُ بَيْتُ يَعْقُوبَ مَوَارِيثَهُمْ: لا يمكننا امتلاك أراضٍ أخرى ما لم نمتلك أولًا ما هو لنا. لقد منحنا الله ميراثًا غنيًا، مملوءًا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ (أفسس ١: ٣)، ولكن كم من هذا الميراث نَرثه ونمتلكه فعليًا؟ إن الله يريد لشعبه أن يَرِثوا مَوَارِيثَهُمْ.
ج) الآية (٢١): يصعد المخلّصون على جبل صهيون.
٢١وَيَصْعَدُ مُخَلِّصُونَ عَلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ لِيَدِينُوا جَبَلَ عِيسُو، وَيَكُونُ الْمُلْكُ لِلرَّبِّ.
١. وَيَصْعَدُ مُخَلِّصُونَ عَلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ: ليس المقصود هنا هو تعدد المُخَلِّصين بالمعنى النهائي أو المطلق، بل يُقصد بكلمة ’المُخَلِّصين‘ هنا ’مُنقِذون.‘ والفارق واضح: سيُدمَّر أدوم تدميرًا كاملًا، ولن يُساعدهم أي مُخَلِّصُونَ، ولكن سَيَصْعَد مُخَلِّصُونَ لمعونة جَبَلِ صِهْيَوْنَ.
٢. لِيَدِينُوا جَبَلَ عِيسُو: سوف يَدِينُون جَبَلَ عِيسُو بثلاث طرق على الأقل:
• إن وجود مُخَلِّصينَ على جبل صهيون هو في حدّ ذاته دينونة على أدوم لأن أدوم لن يكون له مُخَلِّصُون.
• سيبسط الحكام سلطانهم على أراضي أدوم.
• سيجلس القضاة فعليًا ليدينوا أدوم وخطاياهم.
٣. وَيَكُونُ الْمُلْكُ لِلرَّبِّ: تختتم نبوّة عوبديا القصيرة بنبرة انتصار عالية. لقد بدا وكأن الأدوميين تغلّبوا على شعب الله لفترة من الزمن، لكن في النهاية، يَكُونُ الْمُلْكُ لِلرَّبِّ. فهو يعرف كيف يعتني بشعبه، ويُقيم ملكوته بطريقة مجيدة.
• لعلّ هذه النبرة المشجّعة هي الغرض الرئيسي لنبوّة عوبديا. نحن لا نعلم إن كانت قد لاقت صدىً واسعًا في شوارع أدوم أو قصوره، لكنها بلا شك كانت مصدر تشجيع لشعب الله المتألّم. يوجّه عوبديا رسالة واضحة لكل شعب الله: “لا تقلقوا بشأن الذين يتجاهلون احتياجكم، أو يفرحون بمصائبكم، أو يستغلّون أزماتكم، أو يشتركون في مهاجمتكم. أنا سأتولّى أمرهم.”