إنجيل لوقا – الإصحاح ٣
خدمة يوحنا المعمدان
أولاً. خدمة يوحنا المعمدان
أ ) الآيات (١-٢أ): وصف للزعماء السياسيين والدينيين المتواجدين في ذلك العصر.
١وَفِي ٱلسَّنَةِ ٱلْخَامِسَةِ عَشْرَةَ مِنْ سَلْطَنَةِ طِيبَارِيُوسَ قَيْصَرَ، إِذْ كَانَ بِيلَاطُسُ ٱلْبُنْطِيُّ وَالِيًا عَلَى ٱلْيَهُودِيَّةِ، وَهِيرُودُسُ رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى ٱلْجَلِيلِ، وَفِيلُبُّسُ أَخُوهُ رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى إِيطُورِيَّةَ وَكُورَةِ تَرَاخُونِيتِسَ، وَلِيسَانِيُوسُ رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى ٱلْأَبِلِيَّةِ، ٢فِي أَيَّامِ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ حَنَّانَ وَقَيَافَا…
- وَفِي ٱلسَّنَةِ ٱلْخَامِسَةِ عَشْرَةَ مِنْ سَلْطَنَةِ طِيبَارِيُوسَ قَيْصَرَ: التسلسل الزمني الكتابي يمكن أن يكون مسألة معقدة. نستطيع أن نعرف من السجلات التاريخية أي فترة زمنية كان هذا، ولكن من الصعب أن نعرف يقيناً أي عام بالتحديد. ولكن أفضل تخمين هو ما بين ٢٧-٢٩ بعد الميلاد.
- طِيبَارِيُوسَ قَيْصَرَ.. بِيلَاطُسُ ٱلْبُنْطِيُّ .. َهِيرُودُسُ .. فِيلُبُّسُ .. ِليسَانِيُوسُ: يسرد لوقا القادة السياسيين في المنطقة التي عاش بها يسوع وخدم. وكأي مؤرخ جيد، قدم لوقا إطاراً تاريخياً حقيقياً. فهذه ليست قصة خرافية تبدأ بـ “كان يا ما كان.”
- لم يقدم لوقا مجرد التسلسل الزمني لتلك الفترة، بل أخبرنا شيئاً عن الحالة التي كانت سائدة.
- طِيبَارِيُوسَ: أشتهر هذا الامبراطور بقسوته وشدته.
- بِيلَاطُسُ ٱلْبُنْطِيُّ: أشتهر بالمجازر الوحشية للشعب اليهودي في منطقة اليهودية، وبعدم الاكتراث بهم.
- عُرف الحُكام من عائلة هيرودس الكبير (هِيرُودُسُ، وفِيلُبُّسُ، وِليسَانِيُوسُ) بالفساد وبالقسوة.
- يذكرنا لوقا، ويذكر قرأه الأصليين، بالفساد وبالتدهور الأخلاقي للإمبراطورية الرومانية، وخاصة في المحافظات البعيدة مثل اليهودية.
- الواقع التاريخي لهؤلاء الحكام لا خلاف عليه. فقد اكتشف علماء الآثار أدلة محددة عن من كان يعيش في تلك الفترة ومن كان يحكم.
- قسم هيرودس الكبير مملكته عندما مات بين ثلاثة من أبنائه: هِيرُودُسُ، وفِيلُبُّسُ، وِليسَانِيُوسُ. ويُعلّق باركلي (Barclay): “كلمة (رَئِيسَ رُبْعٍ) تعني حاكم على جزء من أربعة أجزاء، ولكن المعنى توسع فيما بعد ليصبح “الحاكم لأي منطقة.”
- لم يقدم لوقا مجرد التسلسل الزمني لتلك الفترة، بل أخبرنا شيئاً عن الحالة التي كانت سائدة.
- حَنَّانَ … وَقَيَافَا: كما وأدرج لوقا أيضاً الزعماء الدينيين في الفترة التي خدم فيها يسوع. ورغم أن قَيَافَا كان رئيساً للكهنة، إلا أن حماه حَنَّانَ (بطريرك الأسرة) كان له التأثير الأكبر على الكهنة.
- الإشارة إلى هذين الكاهنين الفاسدين يذكرنا بأن القادة اليهود كانوا أكثر اهتماماً في سلطة السياسة عوضاً عن خدمة الله.
- في نوفمبر تشرين الثاني عام ١٩٩٠، اكتشف العلماء ما يعتقدون أنه قبر عائلة قَيَافَا. وجدوا على إحدى التوابيت، (صندوق يحتوي على عظام الموتى) من ذلك العصر، نقش يقول: يوسف، ابن قيافا، وبداخل الصندوق رفات لرجل يبلغ من العمر ٦٠ عاماً.
ب) الآيات (٢ب-٣): خدمة يوحنا المعمدان
٢…كَانَتْ كَلِمَةُ ٱللهِ عَلَى يُوحَنَّا بْنِ زَكَرِيَّا فِي ٱلْبَرِّيَّةِ، ٣فَجَاءَ إِلَى جَمِيعِ ٱلْكُورَةِ ٱلْمُحِيطَةِ بِٱلْأُرْدُنِّ يَكْرِزُ بِمَعْمُودِيَّةِ ٱلتَّوْبَةِ لِمَغْفِرَةِ ٱلْخَطَايَا،
- كَانَتْ كَلِمَةُ ٱللهِ عَلَى يُوحَنَّا بْنِ زَكَرِيَّا فِي ٱلْبَرِّيَّةِ: عاش يوحنا في البرية منذ شبابه (لوقا ٨٠:١). ولكن الآن كانت كَلِمَةُ ٱللهِ ترشده وبدأ يتمم دعوته وهي إعداد الطريق للمسيا.
- يؤرخ لوقا بدقة خدمة يوحنا المعمدان على أساس تاريخي. كتب باركلي (Barclay): “اعتبر لوقا ظهور يوحنا المعمدان محوراً أساسياً يدور حوله التاريخ.”
- يَكْرِزُ بِمَعْمُودِيَّةِ ٱلتَّوْبَةِ لِمَغْفِرَةِ ٱلْخَطَايَا: الفكرة من وراء المغفرة ليس مجرد الصفح عن الخطايا فحسب، بل الحرية والخلاص أيضاً. مثل ما جاء في لوقا ١٨:٤ ’لِأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِٱلْإِطْلَاقِ… وَأُرْسِلَ ٱلْمُنْسَحِقِينَ فِي ٱلْحُرِّيَّةِ.‘ يمكن للتوبة أن تمنح الحرية الحقيقية في المسيا للذين يؤمنون.
- كانت رسالة يوحنا المعمدان دعوة إلى التوبة. يعتقد بعض الناس أن التوبة هي مجرد مشاعر الندم عن الخطية. من الرائع بالطبع أن تشعر بالأسف على خطيتك، ولكن التوبة ليست مجرد “مشاعر،” بل “فعل.” يطلب يوحنا المعمدان من مستمعيه أن يغيروا عقولهم، لا أن يشعروا بالأسف على ما قاموا به فقط. تعني التوبة تغيير في الاتجاه، وليس الحزن في القلب.
- بِمَعْمُودِيَّةِ ٱلتَّوْبَةِ: لم يكن هناك شيء غريب في مراسم المعمودية (التغطيس) نفسها، ولكن ما كان غريباً هو أن اليهود تقدموا لنوال المعمودية. فبالنسبة للشخص اليهودي الذي يتقدم للممارسة المعمودية كأنه يقول: “أنا خاطئ تماماً كالأممي.” لهذا التجاوب مع المعمودية كان علامة عن توبة حقيقية وتواضع وتكريس للرب.
- علّقَ بايت (Pate): “معمودية الماء، سواء بالطريقة التي كان يفهمها المجتمع آنذاك أو كما كرز بها المبشرون اليهود الأمم، ترمز للتطهير الروحي من الخطية، والنتيجة هي الغفران.”
- هذا يختلف عن المعمودية التي لدينا في المسيح (رومية ٣:٦-٤) حيث التغطيس بالماء يوحدنا مع موت يسوع وقيامته. أما مَعْمُودِيَّةِ ٱلتَّوْبَةِ التي قدمها يوحنا المعمدان تظهر رغبة الشخص في إصلاح علاقته بالله ونوال التطهير.
ج ) الآيات (٦-٤): كانت خدمة يوحنا المعمدان تحقيقاً للنبوات
٤كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ أقْوَالِ إِشَعْيَاءَ ٱلنَّبِيِّ ٱلْقَائِلِ: «صَوْتُ صَارِخٍ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ ٱلرَّبِّ، ٱصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً. ٥كُلُّ وَادٍ يَمْتَلِئُ، وَكُلُّ جَبَلٍ وَأَكَمَةٍ يَنْخَفِضُ، وَتَصِيرُ ٱلْمُعْوَجَّاتُ مُسْتَقِيمَةً، وَٱلشِّعَابُ طُرُقًا سَهْلَةً، ٦وَيُبْصِرُ كُلُّ بَشَرٍ خَلَاصَ ٱللهِ».
- كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ أقْوَالِ إِشَعْيَاءَ ٱلنَّبِيِّ: ربط لوقا نبوة قالها إشعياء النبي بيوحنا المعمدان (إشعياء ٣:٤٠-٥). أدرك يوحنا هذه النبوة منذ حداثته، كما أدرك والد يوحنا المعمدان نفس النبوة قبل ولادة ابنه (٧٧).
- أَعِدُّوا طَرِيقَ ٱلرَّبِّ: كانت رسالة يوحنا المعمدان العظيمة هي أن الأمور يمكن أن تُصحح. سيأتي المسيا ليفعل أموراً من الصعب على الإنسان أن يفعلها: ملء الوديان، وتسوية الجبال، وجعل الطرق المعوجة مستقيمة، والطرق الوعرة سهلة.
- اعتقد اليهود في ذلك الوقت أن مشكلتهم الأساسية تكمن في الرومان الذين كانوا يحكمونهم. ولكن جعلهم يوحنا يدركون أن المشكلة الحقيقية تكمن فيهم شخصياً وليس بالرومان. فعلى كل فرد أن يصحح علاقته بالله شخصياً.
- وَيُبْصِرُ كُلُّ بَشَرٍ خَلَاصَ ٱللهِ: على طريق الرب أن تكون مهيئة (مُعدة). فقد جاء ليخلص كل البشر.
- أشار بايت (Pate): ” كان موضوع وعظ يوحنا المعمدان ببساطة: عصر المسيا قد أقترب.”
ثانياً. رسالة يوحنا المعمدان
أ ) الآيات (٧-٩): رسالة يوحنا للجُمُوع
٧وَكَانَ يَقُولُ لِلْجُمُوعِ ٱلَّذِينَ خَرَجُوا لِيَعْتَمِدُوا مِنْهُ: «يَا أَوْلَادَ ٱلْأَفَاعِي، مَنْ أَرَاكُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ ٱلْغَضَبِ ٱلْآتِي؟ ٨فَٱصْنَعُوا أَثْمَارًا تَلِيقُ بِٱلتَّوْبَةِ. ولَا تَبْتَدِئُوا تَقُولُونَ فِي أَنْفُسِكُمْ: لَنَا إِبْرَاهِيمُ أَبًا. لِأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ ٱللهَ قَادِرٌ أَنْ يُقِيمَ مِنْ هَذِهِ ٱلْحِجَارَةِ أَوْلَادًا لِإِبْرَاهِيمَ. ٩وَٱلْآنَ قَدْ وُضِعَتِ ٱلْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ ٱلشَّجَرِ، فَكُلُّ شَجَرَةٍ لَا تَصْنَعُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي ٱلنَّارِ».
- يَا أَوْلَادَ ٱلْأَفَاعِي، مَنْ أَرَاكُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ ٱلْغَضَبِ ٱلْآتِي؟: مخاطبة شعب كنيستك على أنهم أولاد الأفاعي ليست بالطريقة التقليدية لبداية أي عظة. حتى سؤالهم عن سبب وجودهم في الكنيسة، ليس بالمقدمة الجيدة أيضاً. ولكن لم يكن يوحنا مهتماً بالوعظ اللين أو الذي يدغدغ الآذان.
- بكلمات أبسط، كان يوحنا شخصاً غريباً. فلا يوجد شخص طبيعي يعظ بهذه الطريقة، ويعيش في البرية، ويرتدي ملابس مضحكة، ويتغذى على الجراد والعسل. نستطيع القول بأن الله لم يستخدم شخصاً عادياً وطبيعياً ليُعد الطريق أمام يسوع. فعادة ما يستخدم الله الأشخاص المختلفين.
- ولَا تَبْتَدِئُوا تَقُولُونَ فِي أَنْفُسِكُمْ: لَنَا إِبْرَاهِيمُ أَبًا: يحذر يوحنا من الثقة في مزايا إبراهيم باعتبارها كافية للخلاص. كان يُدرس على نطاق واسع أن كل اليهود مشمولين في الخلاص على استحقاقاً بإيمان إبراهيم، وأنه من المستحيل أن يذهب أي من نسل إبراهيم وإسحق ويعقوب إلى الجحيم.
- فَٱصْنَعُوا أَثْمَارًا تَلِيقُ بِٱلتَّوْبَةِ: لم يكن يوحنا غير منطقي في المطالبة بثمر جيد. فالتوبة الحقيقية ستأتي بثمر دائماً، والثمر الأساسي في الحياة المسيحية هو المحبة (غلاطية ٢٢:٥ وكورنثوس الأولى ١:١٣-٣).
ب) الآيات (١٠-١٤): رسالة يوحنا لأشخاص محددين
١٠وَسَأَلَهُ ٱلْجُمُوعُ قَائِلِينَ: «فَمَاذَا نَفْعَلُ؟». ١١فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيُعْطِ مَنْ لَيْسَ لَهُ، وَمَنْ لَهُ طَعَامٌ فَلْيَفْعَلْ هَكَذَا». ١٢وَجَاءَ عَشَّارُونَ أَيْضًا لِيَعْتَمِدُوا فَقَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، مَاذَا نَفْعَلُ؟». ١٣فَقَالَ لَهُمْ: «لَا تَسْتَوْفُوا أَكْثَرَ مِمَّا فُرِضَ لَكُمْ». ١٤وَسَأَلَهُ جُنُودٌ أَيْضًا قَائِلِينَ: «وَمَاذَا نَفْعَلُ نَحْنُ؟». فَقَالَ لَهُمْ: «لَا تَظْلِمُوا أَحَدًا، وَلَا تَشُوا بِأَحَدٍ، وَٱكْتَفُوا بِعَلَائِفِكُمْ».
- فَمَاذَا نَفْعَلُ؟: كانت تعليمات يوحنا عادية جداً. طلب من الناس أن يكونوا أسخياء وعادلين مع بعضهم البعض، وألا يكونوا قساة، وأن يكونوا مكتفين وسعداء بما عندهم. هذه أمور نعلمها لأولادنا الصغار.
- النزاهة في الأشياء العادية هي علامة عن التوبة الحقيقية. نعتقد أحياناً أن الله يطلب منا أن نفعل أشياء عظيمة أو مستحيلة لنثبت توبتنا. ولكنه في كثير من الأحيان يبحث عن النزاهة في الأمور العادية.
- قَدْ أَخْبَرَكَ أَيُّهَا ٱلْإِنْسَانُ مَا هُوَ صَالِحٌ، وَمَاذَا يَطْلُبُهُ مِنْكَ ٱلرَّبُّ، إِلَّا أَنْ تَصْنَعَ ٱلْحَقَّ وَتُحِبَّ ٱلرَّحْمَةَ، وَتَسْلُكَ مُتَوَاضِعًا مَعَ إِلَهِكَ. (ميخا ٨:٦).
- لَا تَسْتَوْفُوا أَكْثَرَ مِمَّا فُرِضَ لَكُمْ… لَا تَظْلِمُوا أَحَدًا، وَلَا تَشُوا بِأَحَدٍ، وَٱكْتَفُوا بِعَلَائِفِكُمْ: لم يرى يوحنا أن جمع الضرائب أو التجنيد أموراً سيئة بحد ذاتها. ولم يطلب منهم أن يتركوا وظائفهم، ولكن أن يتصرفوا بصدق وبأمانة.
- كان الرومان يمنحون حقوق (أو وظيفة) جمع الضرائب لمن يدفع أعلى سعر ليحصل على تلك الوظيفة. كان جباة الضرائب مكروهين لأنهم كانوا يحاولون جمع أكبر قدر ممكن من الضرائب ليتسنى لهم تحقيق بعض الربح لأنفسهم.
ج ) الآيات (١٥-١٨): يشير يوحنا إلى شخص أعظم ومعمودية أعظم
١٥وَإِذْ كَانَ ٱلشَّعْبُ يَنْتَظِرُ، وَٱلْجَمِيعُ يُفَكِّرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ عَنْ يُوحَنَّا لَعَلَّهُ ٱلْمَسِيحُ، ١٦أَجَابَ يُوحَنَّا ٱلْجَمِيعَ قَائِلًا: «أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ، وَلَكِنْ يَأْتِي مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنِّي، ٱلَّذِي لَسْتُ أَهْلًا أَنْ أَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِهِ. هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ وَنَارٍ. ١٧ٱلَّذِي رَفْشُهُ فِي يَدِهِ، وَسَيُنَقِّي بَيْدَرَهُ، وَيَجْمَعُ ٱلْقَمْحَ إِلَى مَخْزَنِهِ، وَأَمَّا ٱلتِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لَا تُطْفَأُ». ١٨وَبِأَشْيَاءَ أُخَرَ كَثِيرَةٍ كَانَ يَعِظُ ٱلشَّعْبَ وَيُبَشِّرُهُمْ.
- وَٱلْجَمِيعُ يُفَكِّرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ عَنْ يُوحَنَّا لَعَلَّهُ ٱلْمَسِيحُ: كان تأثير يوحنا على الناس كبيراً جداً لدرجة جعلتهم يتساءلون إن كان هو المسيح المنتظر. بدلاً من أن يزيد من شعبيته، حول نظر الناس إلى يسوع. أشار يوحنا إلى من هو أعظم وأقوى منه.
- ٱلَّذِي لَسْتُ أَهْلًا أَنْ أَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِهِ: علم الكهنة في أيام يسوع أن المعلم قد يتطلب أي شيء من أتباعه إلا أن يخلعوا نعليه. واعتبروا هذا الطلب مهين جداً. ومع ذلك يقول يوحنا بأنه لم يكن حتى مستحقاً أن يفعل هذا ليسوع.
- كان لدى يوحنا أسباباً كثيرة تجعله يتفاخر، ولكنه كان متواضعاً جداً. فولادته كانت معجزية، ومصيره كان نبؤة، وهو مدعوٍ لتحقيق وعود نبوية عظيمة، واعظ قوية، ورجل لديه أتباع كثيرين.
- علّقَ سبيرجن (Spurgeon): “ما هو برأيك السبب الذي جعل يوحنا يبقى متواضعاً هكذا ولم يتجاوز مكانته؟ أليس لأنه عرف سيده جيداً واحترمه؟ آه أيها الإخوة، بسبب تقديرنا القليل للمسيح، تراه أحياناً يضعنا في أقل المناصب لأنه لا يثق بما سنفعله إن تعالينا.”
- كان يوحنا صارماً ومتواضعاً في نفس الوقت. وهذا مزيج نادر جداً.
- هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ: قال يوحنا أن المسيح كان قادماً بمعمودية مختلفة. وعد انسكاب الروح القدس كان جزءاً من العهد الجديد. فقد وعدنا في العهد الجديد بفيض الروح القدس في حياتنا. وكثيراً ما يشعر الأشخاص بهذا حينما توضع الأيدي عليهم وقت الصلاة (أعمال الرسل ٦:٦، ١٧:٨، ١٧:٩، ٣:١٣-٤، ٦:١٩).
- ٱلَّذِي رَفْشُهُ فِي يَدِهِ، وَسَيُنَقِّي بَيْدَرَهُ: سيجلب المسيح أيضاً معمودية النار، النار التي من شأنها تنقية وتدمير ما هو غير صالح، مثل النار التي تحرق القشر الذي لا قيمة له. قوة الله دائماً تُغير وتنقي.
- سيفصل المسيح الحق عن الباطل، والقمح عن الزوان، ٱلَّذِي رَفْشُهُ فِي يَدِهِ. فُصلّ يهوذا عن بطرس. وجدف لص وآخر آمن.
د ) الآيات (١٩-٢٠): نتائج رسالة يوحنا
١٩أَمَّا هِيرُودُسُ رَئِيسُ ٱلرُّبْعِ فَإِذْ تَوَبَّخَ مِنْهُ لِسَبَبِ هِيرُودِيَّا ٱمْرَأَةِ فِيلُبُّسَ أَخِيهِ، وَلِسَبَبِ جَمِيعِ ٱلشُّرُورِ ٱلَّتِي كَانَ هِيرُودُسُ يَفْعَلُهَا، ٢٠زَادَ هَذَا أَيْضًا عَلَى ٱلْجَمِيعِ أَنَّهُ حَبَسَ يُوحَنَّا فِي ٱلسِّجْنِ.
- أَمَّا هِيرُودُسُ رَئِيسُ ٱلرُّبْعِ فَإِذْ تَوَبَّخَ مِنْهُ لِسَبَبِ هِيرُودِيَّا: كانت العلاقة بين هيرودس وهيروديا معقدة ومشينة. تزوجها رغم أنه عمها من أخيه غير الشقيق. وهو بذلك تزوج من ابنة أخيه وزوجة أخيه في نفس الوقت.
- كتب بايت (Pate): “في ضوء الآيات الموجودة في سفر اللاويين ١٦:١٨، ٢١:٢٠ والتي تحذر من وجود علاقات جنسية بين رجل وزوجة أخيه، نجد أن تصرفات هيرودس مشينة ويجب إدانتها.”
- حَبَسَ يُوحَنَّا فِي ٱلسِّجْنِ: لأن يوحنا أخذ موقف جريء ضد الخطية، عاقبه هيرودس الغارق بالفجور.
- قال باركلي (Barclay): “روى يوسيفوس، المؤرخ اليهودي، أن سبب الاعتقال هو خوف هيرودس من تأثير يوحنا القوي على الشعب معتقداً أنه سيقودهم في ثورة ضده؛ ويبدو أنهم كانوا على استعداد لطاعته تماماً.”
ثالثاً. يوحنا المعمدان يُعمد يسوع
أ ) الآية (٢١أ): ٱعْتَمَدَ يَسُوع مع الشعب
٢١وَلَمَّا ٱعْتَمَدَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ ٱعْتَمَدَ يَسُوعُ أَيْضًا.
- وَلَمَّا ٱعْتَمَدَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ: كان هناك تجاوب رائع مع خدمة يوحنا المعمدان، فقد جاء الكثيرون لطلب التوبة وللمعمودية. وفي أحد الأيام، جاء يسوع من بين الجُموع ليعتمد أيضاً.
- ٱعْتَمَدَ يَسُوعُ أَيْضًا: لم يعتمد يسوع لأنه كان خاطىء ويحتاج إلى التوبة وللتطهير من خطاياه. لكنه فعل ذلك ليتحد مع الإنسان الخاطئ. وكان هذا هو نفس القلب الذي جعله يُصلب مع الآثمة نيابة عن خطايا كل البشر.
ب) الآيات (٢١ب-٢٢): الشهادة السماوية بأن يسوع هو ابن الله
وَإِذْ كَانَ يُصَلِّي ٱنْفَتَحَتِ ٱلسَّمَاءُ، ٢٢وَنَزَلَ عَلَيْهِ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ بِهَيْئَةٍ جِسْمِيَّةٍ مِثْلِ حَمَامَةٍ. وَكَانَ صَوْتٌ مِنَ ٱلسَّمَاءِ قَائِلًا: «أَنْتَ ٱبْنِي ٱلْحَبِيبُ، بِكَ سُرِرْتُ».
- وَإِذْ كَانَ يُصَلِّي: نلاحظ تركيز لوقا المتكرر عن الصلاة. صحيح أن كُتّاب الأناجيل الآخرين وصفوا هذه المناسبة أيضاً، إلا أن لوقا تفرد بالإشارة إلى أن هذا الحدث حصل إِذْ كَانَ يُصَلِّي.
- ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ… وَكَانَ صَوْتٌ مِنَ ٱلسَّمَاءِ: ظهرت الأقانيم الثلاثة معاً في آن واحد. نزل الروح القدس بِهَيْئَةٍ جِسْمِيَّةٍ مِثْلِ حَمَامَةٍ. وسُمِعَ صوت الله الآب،وعُمد ٱلِٱبْن الحبيب.
- كان هناك دليلاً ملموساً وواضحاً على نزول الروح القدس على يسوع. حدث أمر مماثل مع الرسل عندما نزلت عليهم ألسنة من نار يوم الخمسين.
- كتب ماير (Meyer): “ما حدث مع الرب في ذلك اليوم كان شبيهاً لما حدث مع الكنيسة الأولى يوم الخمسين. مُسحت الكنيسة للقيام بمهمتها المقدسة بين الناس. والروح القدس نزل عليهم واستمر ينزل ويجدد مع مرور الأيام والسنين والقرون.”
- «أَنْتَ ٱبْنِي ٱلْحَبِيبُ، بِكَ سُرِرْتُ»: الصوت النازل من السماء ثَبَتَ الأمر دون شك. فلم يكن هذا مجرد خاطىء آخر يعتمد، بل كان بلا خطية، ابن الله الأبدي، وقد أرضى الله الآب لأنه إتحد مع الإنسان الخاطي.
- أَنْتَ ٱبْنِي ٱلْحَبِيبُ: هذه صدى لكلماتالمزمور ٧:٢، مزمور المسيا العظيم.
- بِكَ سُرِرْتُ: هذه صدى لكلمات إشعياء ٧:٤٢، الذي يتحدث عن المسيا العبد المتألم.
- بِكَ سُرِرْتُ: بدأ يسوع خدمته الأرضية بمباركة من الآب وبقوة من الروح القدس. نستطيع في يسوع أن نتمتع بنفس الإمتياز.
- يمكننا في يسوع أن نسمع صوت الآب يقول لنا: أنت ابني الحبيب، بك سررت.
- يستطيع الروح القدس في يسوع أن يحل علينا ليمنحنا القوة والبركة.
رابعاً. نسل يسوع المسيح
أ ) الآية (٢٣أ): عمر يسوع عندما بدأ خدمته
٢٣وَلَمَّا ٱبْتَدَأَ يَسُوعُ كَانَ لَهُ نَحْوُ ثَلَاثِينَ سَنَةً
- ثَلَاثِينَ سَنَةً: يبدو أنه كان سن النضج عند اليهود. حيث لا يجوز للكاهن أن يبدأ خدمته إلا وهو في الثلاثين من عمره (سفر العدد ٢:٤-٣).
ب) الآيات (٢٣ب-٣٨): نسب المسيح حسب رواية إنجيل لوقا
وَهُوَ عَلَى مَا كَانَ يُظَنُّ ٱبْنَ يُوسُفَ، بْنِ هَالِي، ٢٤بْنِ مَتْثَاتَ، بْنِ لَاوِي، بْنِ مَلْكِي، بْنِ يَنَّا، بْنِ يُوسُفَ، ٢٥بْنِ مَتَّاثِيَا، بْنِ عَامُوصَ، بْنِ نَاحُومَ، بْنِ حَسْلِي، بْنِ نَجَّايِ، ٢٦بْنِ مَآثَ، بْنِ مَتَّاثِيَا، بْنِ شِمْعِي، بْنِ يُوسُفَ، بْنِ يَهُوذَا، ٢٧بْنِ يُوحَنَّا، بْنِ رِيسَا، بْنِ زَرُبَّابِلَ، بْنِ شَأَلْتِيئِيلَ، بْنِ نِيرِي، ٢٨بْنِ مَلْكِي، بْنِ أَدِّي، بْنِ قُصَمَ، بْنِ أَلْمُودَامَ، بْنِ عِيرِ، ٢٩بْنِ يُوسِي، بْنِ أَلِيعَازَرَ، بْنِ يُورِيمَ، بْنِ مَتْثَاتَ، بْنِ لَاوِي، ٣٠بْنِ شِمْعُونَ، بْنِ يَهُوذَا، بْنِ يُوسُفَ، بْنِ يُونَانَ، بْنِ أَلِيَاقِيمَ، ٣١بْنِ مَلَيَا، بْنِ مَيْنَانَ، بْنِ مَتَّاثَا، بْنِ نَاثَانَ، بْنِ دَاوُدَ، ٣٢بْنِ يَسَّى، بْنِ عُوبِيدَ، بْنِ بُوعَزَ، بْنِ سَلْمُونَ، بْنِ نَحْشُونَ، ٣٣بْنِ عَمِّينَادَابَ، بْنِ أَرَامَ، بْنِ حَصْرُونَ، بْنِ فَارِصَ، بْنِ يَهُوذَا، ٣٤بْنِ يَعْقُوبَ، بْنِ إِسْحَاقَ، بْنِ إِبْرَاهِيمَ، بْنِ تَارَحَ، بْنِ نَاحُورَ، ٣٥بْنِ سَرُوجَ، بْنِ رَعُو، بْنِ فَالَجَ، بْنِ عَابِرَ، بْنِ شَالَحَ، ٣٦بْنِ قِينَانَ، بْنِ أَرْفَكْشَادَ، بْنِ سَامِ، بْنِ نُوحِ، بْنِ لَامَكَ، ٣٧بْنِ مَتُوشَالَحَ، بْنِ أَخْنُوخَ، بْنِ يَارِدَ، بْنِ مَهْلَلْئِيلَ، بْنِ قِينَانَ، ٣٨بْنِ أَنُوشَ، بْنِ شِيتِ، بْنِ آدَمَ، ٱبْنِ ٱللهِ.
- وَهُوَ عَلَى مَا كَانَ يُظَنُّ ٱبْنَ يُوسُفَ: في العالم القديم كان نسب الإنسان يتتبع من ناحية الأب وليس من ناحية الأم. ولكن هذا التقليد كان يمثل مشكلة في حالة الميلاد العذراوي.
- يختلف لوقا في سلسلة الأنساب عن متى من بعد داود، ولكن كلاهما يصلان إلى يوسف في النهاية. ويبدو أن أفضل تفسير لهذا هو أن لوقا تتبع سلسلة نسب مريم (وهو النسب الفعلي ليسوع)، بينما تتبع متى سلسلة نسب يوسف (وهو النسب القانوني ليسوع عن طريق التبني). وهذه كانت نقطة لوقا الرئيسية من عبارة:“عَلَى مَا كَانَ يُظَنُّ ٱبْنَ يُوسُفَ.”
- بدأ لوقا بنسب يوسف ولم يذكر أي امرأة في النسب.
- بْنِ … بْنِ …: لم يكن من غير المألوف أن يتتبع لوقا نسب يسوع. فقد تتبع يوسيفوس نسبه الخاص من “السجلات العامة” (السيرة الذاتية، الفقرة ١). كما واستطاع المعلم اليهودي هليل الشهير أن يثبت نسبه للملك داود مستعيناً بالسجلات العامة أيضاً.
- بْنِ آدَمَ، ٱبْنِ ٱللهِ: تتبع لوقا الأنساب إلى أن وصل آدم، ليُظهر أن يسوع ينتمي للبشرية كلها، وليس للشعب اليهودي فقط.
- قد يبدو أن الأنساب غير مهمة، ولكنها تثبت أن يسوع كان ينتمي للجنس البشري. قام شخص بترجمة الكتاب المقدس لقبيلة تقطن بعيداً، ولكنه وضع الأنساب في النهاية، لأنه اعتقد أنها الجزء الأقل أهمية في الأناجيل. ولكن عندما أنتهى أخيراً، تفاجأ رجال القبيلة، وسألوه: “هل تقصد أن يسوع كان شخصاً حقيقياً وينتمي لنسب حقيقي؟ لم تكن لدينا أدنى فكرة.”