رسالة كولوسي – الإصحاح ٤
حياة الصلاة والشهادة الشخصية
والتحيات الختامية
أولاً. الصلاة الشخصية والشهادة العلنية
أ ) الآيات (٢-٤): الصلاة الشخصية
٢وَاظِبُوا عَلَى الصَّلاَةِ سَاهِرِينَ فِيهَا بِالشُّكْرِ، ٣مُصَلِّينَ فِي ذلِكَ لأَجْلِنَا نَحْنُ أَيْضًا، لِيَفْتَحَ الرَّبُّ لَنَا بَابًا لِلْكَلاَمِ، لِنَتَكَلَّمَ بِسِرِّ الْمَسِيحِ، الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أَنَا مُوثَقٌ أَيْضًا، ٤كَيْ أُظْهِرَهُ كَمَا يَجِبُ أَنْ أَتَكَلَّمَ.
- وَاظِبُوا عَلَى الصَّلاَةِ: دعم بولس كنيسة كولوسي بالصلاة من أجلهم (كولوسي ٣:١-٨). فسوف تستمر حياتهم وخدمتهم في الازدهار عن طريق المواظبة على الصلاة من جانبهم.
- “بنيت الكلمة اليونانية القديمة المُترجمة ’وَاظِبُوا‘ على جذر الكلمة التي تعني “التحلي بالقوة” وتشير دائماً إلى الإلتزام الجاد نحو شخص ما أو شيء ما. وتدل في هذا المقطع على المثابرة والحماسة.” فون (Vaughan)
- هذا النوع من الصلاة الجادّة مهم جداً، لكنه لا يأتي بسهولة. فالمواظبة على الصلاة تشير إلى الاجتهاد المستمر في الصلاة. “لا نستطيع أن نقتحم أبواب السماء بسلاح واحد بل بعدة أسلحة. أيها المؤمنون، لا تدخروا أي سلاح، وتأكدوا من عدم وجود سلاح صدئ وقديم في ترسانة الأسلحة. ومن ثم حاصروا عرش الله بمئة يد وأنظروا تحقيق الوعد بمئة عين. فأمامكم عمل عظيم وهو تحريك الذراع التي ستحرك العالم بأسره؛ فاستغلوا إذاً كل طريقة ممكنة لتحريك تلك الذراع. واستغلوا كل وعد وكل نقاش أو جدل واجتهدوا بالصلاة بكل قوتكم.” سبيرجن (Spurgeon)
- سَاهِرِينَ فِيهَا بِالشُّكْرِ: علينا المواظبة على الصلاة سَاهِرِينَ (أو بِيَقَظَةٍ)، وبنفس الوقت بِالشُّكْرِ لأجل الأشياء العظيمة التي فعلها الله.
- كتب باركلي (Barcley) في تعليقه على كلمة ’سَاهِرِينَ‘ ما يلي: “تعني الكلمة اليونانية حرفياً: يقظين أو عاجزين عن النوم. وربما كان بولس يطلب منهم ألا يناموا وهم يصلون.” فأحياناً، وبسبب تعب الجسد والذهن، نصارع ضد النوم عندما نصلي. وفي أحيان أخرى نصلي وكأننا نيام، وتبدو صلواتنا بلا حياة وكأننا نيام.
- “علينا أن نخلط مع الصلاة تسبيح وشكر لله. سمعت أنه في بريطانيا وبعدما استقر البروتستنت المتزمتون هناك لفترة طويلة، كانوا يخصصون أياماً كثيرة للصوم والصلاة ومع الوقت قضوا معظم أيامهم في الصوم والصلاة، إلى أن اقترح أحد أعضاء مجلس الشيوح المحترمين أنه يجب أن يكون هناك يوم واحد فقط لذلك ويوم آخر للتسبيح والشكر.” سبيرجن (Spurgeon)
- “ربط الصلاة بالشكر هنا قد يقترح ما يلي: علينا أولاً أن نطلب بلجاجة ثم ننتظر الاستجابة ثم نشكر على الاستجابة.” رايت (Wright)
- مُصَلِّينَ فِي ذلِكَ لأَجْلِنَا نَحْنُ أَيْضًا: وكأن بولس يقول: “بما أننا نتكلم في موضوع الصلاة، أرجو ان تُصلوا لأجلنا!” لكنه لم يطلب الصلاة من أجل احتياجاته الخاصة (والتي كانت كثيرة)، لكنه طلب أن يصلوا لكي يَفْتَحَ الرَّبُّ لَنَا بَابًا لِلْكَلاَمِ.
- صورة الباب المفتوح تعني فرص للكرازة كما نراها في مقاطع مثل أعمال الرسل ٢٧:١٤، كورنثوس الأولى ٩:١٦، وكورنثوس الثانية ١٢:٢.
- كَمَا يَجِبُ أَنْ أَتَكَلَّمَ: مع أن بولس كان مربوطاً في سلاسل لأجل أمانته للإنجيل، علم أنه يَجِبُ أَنْ يتَكَلَّمَ بطريقة كَيْ يُظْهِرَهُ (أي يعلن هَذَا السِّرِّ بِوضوحٍ كَمَا يَنْبَغِي). فقد أراد بولس أن يصلوا لأجله كي يستمر في توضيح الأنجيل حتى إن عنى ذلك المزيد من السلاسل.
- يُعلق روبرتسون (Robertson) على كلمات بولس ’كَمَا يَجِبُ أَنْ أَتَكَلَّمَ‘ كالتالي: “رغم روعة كلام بولس ووعظه لمستمعيه ولنا، إلا أنه لم يكن راضياً أبداً به. وأي واعظ سيكتفي؟”
ب) الآيات (٥-٦): الشهادة العلنية
٥اُسْلُكُوا بِحِكْمَةٍ مِنْ جِهَةِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ، مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ ٦لِيَكُنْ كَلاَمُكُمْ كُلَّ حِينٍ بِنِعْمَةٍ، مُصْلَحًا بِمِلْحٍ، لِتَعْلَمُوا كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تُجَاوِبُوا كُلَّ وَاحِدٍ.
- اُسْلُكُوا بِحِكْمَةٍ مِنْ جِهَةِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ: لا يمكن أن تعيش إيمانك في غرفة الصلاة فقط، بل ينبغي أن تطبق إيمانك بطريقة عملية وبحكمة مِنْ جِهَةِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ. فطريقة كلامنا لها علاقة كبيرة بهذا، لذا يجب على كَلاَمُنا أن يكون كُلَّ حِينٍ بِنِعْمَةٍ.
- “كثيرون كانوا يتكلمون عن سلوك وإيمان بعض المؤمنين المشوه، لهذا كان مهماً ألا يتساهل المؤمنين مع هذه الإفتراءات، وأن يسلكوا بطريقة تعكس هذه التهم.” بروس (Bruce)
- “كان ’الملح‘ في الكتابات الكلاسيكية يعبر عن الفطنة التي تعطي للمحادثة نكهة.” بييك (Peake) “النعمة والملح (أي الفطنة والفهم) يشكلان التوليفة الأمثل.” روبرتسون (Robertson)
- لِتَعْلَمُوا كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تُجَاوِبُوا كُلَّ وَاحِدٍ: صدق بولس أن المؤمنين سيجاوبون الآخرين استناداً على الحق الكتابي، وسيعملون على كيفية إيصال هذه الأجوبة للَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ.
- يُفسر باركلي (Barcley) كولوسي ٦:٤ بهذه الطريقة: كونوا لبقين في حديثكم وليكن كلامكم مملحاً بالفطنة، لتعرفوا الإجابة الصحيحة في كل حالة. ويشرح: “يا لها من نصيحة مُلفتة. صحيح أن المسيحية في أذهان الكثيرين مرتبطة بالبلاهة بحيث يُعتبر الضحك هرطقة… على المؤمن أن يقدم رسالته بجاذبية وفطنة كما فعل يسوع.”
- “على المؤمن أن يصقل موهبة الكلام لتكن بلباقة وبحكمة ليتمكن من الكلام مع الآخرين بطريقة تسد احتياجاتهم.” بييك (Peake)
- تُظهر كولوسي ٢:٤-٦ أن الله مُهتمٌ بكل من صلاتنا الشخصية وبتفاعلنا مع العالم. ويهمه صلاتك في المخدع وشهادتك أمام الناس، ويريدنا أن نوليهما اهتماماً خاصاً أيضاً.
- هذه فكرة مهمة أيضاً لربطها مع المقاطع السابقة من كولوسي. فقد صرف بولس الكثير من الوقت في هذه الرسالة يفسر الحق ويدحض التعليم السيء. ومع ذلك، كل هذه المعرفة لن يكن لها تأثير حتى يتم تطبيقها في مخدعنا وفي الشارع. ويمكننا القول هنا أن بولس أنهى فعلاً رسالته.
ثانياً. ملاحظات خاصة في ختام الرسالة
أ ) الآيات (٧-٩): تِيخِيكُسُ وأُنِسِيمُسَ، رسوليّ الرسالة
٧جَمِيعُ أَحْوَالِي سَيُعَرِّفُكُمْ بِهَا تِيخِيكُسُ الأَخُ الْحَبِيبُ، وَالْخَادِمُ الأَمِينُ، وَالْعَبْدُ مَعَنَا فِي الرَّبِّ، ٨الَّذِي أَرْسَلْتُهُ إِلَيْكُمْ لِهذَا عَيْنِهِ، لِيَعْرِفَ أَحْوَالَكُمْ وَيُعَزِّيَ قُلُوبَكُمْ، ٩مَعَ أُنِسِيمُسَ الأَخِ الأَمِينِ الْحَبِيبِ الَّذِي هُوَ مِنْكُمْ. هُمَا سَيُعَرِّفَانِكُمْ بِكُلِّ مَا ههُنَا.
- تِيخِيكُسُ الأَخُ الْحَبِيبُ: يبدو بشكل واضح، أن مؤمنو كولوسي لم يعرفوا من يكون تيخيكس. كان سيحمل هذه الرسالة اليهم ويخبرهم بما يجري هناك.
- يبدو أن أَبَفْرَاس، الذي جاء بأخبار كنيسة كولوسي إلى بولس في روما (كولوسي٧:١)، لن يعود إلى كولوسي قريباً؛ لهذا أرسل بولس تِيخِيكُسُ بدلاً منه.
- ذُكر تِيخِيكُسُ في أعمال الرسل ٤:٢٠ كأحد الرجال الذين رافقوا بولس من مقاطعة روما في آسيا الى أورشليم الذين جاؤوا بتقديمات هؤلاء المؤمنين الى المحتاجين المؤمنين في أورشليم واليهودية.
- “المرجع لتيخيكس يشبه تماماً ما كتب عنه في أفسس ٢١:٦-٢٢. ويبدو أنه كان من حمل الرسالة إلى أهل أفسس كما إلى أهل كولوسي.” بروس (Bruce)
- مَعَ أُنِسِيمُسَ الأَخِ الأَمِينِ الْحَبِيبِ: كان أُنِسِيمُسَ عبداً لأحد المؤمنين في كولوسي، لكنه هرب وقام بالتواصل مع بولس في روما. وهناك، آمن أُنِسِيمُسَ وصارمساعداً مُكرّساً لبولس. نقرأ باقي قصته في رسالة بولس إلى فليمون.
- كان بإمكان بولس أن يكتب عن أُنِسِيمُسَ ويقول: “العبد الهارب الذي أرسله ثانية الى سيده.” ولكنه بدلاً من ذلك دعاه الأَخِ الأَمِينِ الْحَبِيبِ، وعرّف مؤمني كولوسي أن أُنِسِيمُسَ أصبح واحداً منهم.
ب) الآيات (١٠-١١): تحيات من ثلاثة أصدقاء أمناء لبولس من اليهود
١٠يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ أَرِسْتَرْخُسُ الْمَأْسُورُ مَعِي، وَمَرْقُسُ ابْنُ أُخْتِ بَرْنَابَا، الَّذِي أَخَذْتُمْ لأَجْلِهِ وَصَايَا. إِنْ أَتَى إِلَيْكُمْ فَاقْبَلُوهُ. ١١وَيَسُوعُ الْمَدْعُوُّ يُسْطُسَ، الَّذِينَ هُمْ مِنَ الْخِتَانِ. هؤُلاَءِ هُمْ وَحْدَهُمُ الْعَامِلُونَ مَعِي لِمَلَكُوتِ اللهِ، الَّذِينَ صَارُوا لِي تَسْلِيَةً (فَكَانُوا مَصدَرَ عَزَاءٍ عَظِيمٍ لِي – الترجمة العربية المبسطة).
- أَرِسْتَرْخُسُ: كان مقدونياً من تسالونيكي (أعمال الرسل ٤:٢٠)، ورفيق بولس في السفر، وكان حاضراً عندما هجم أهل أفسس على بولس (أعمال الرسل ٢٩:١٩). وكان أيضاً مع بولس عندما أبحر الى روما عندما كان سجيناً (أعمال الرسل ٢:٢٧). وهنا يدعوه بولس الْمَأْسُورُ مَعِي، إذ يبدو أن أَرِسْتَرْخُسُ اعتاد التواجد مع بولس في الظروف الصعبة. واقترح البعض (أمثال ويليام رامزي William Ramsay) أنه جعل من نفسه عبداً لبولس ليتمكن من السفر معه في رحلته الى روما.
- وَمَرْقُسُ ابْنُ أُخْتِ بَرْنَابَا… إِنْ أَتَى إِلَيْكُمْ فَاقْبَلُوهُ: رغم أن بولس اختلف مع برنابا ومرقس قبلاً (أعمال الرسل ٥:١٣، ١٣:١٣ و ٣٦:١٥-٤٠)، من الواضح أن الخلاف انتهى وقت كتابة هذه الرسالة. فنعمة الله العاملة في بولس ذلك الوقت غيرته وجعلته رقيق القلب تجاه الآخرين الذين أساؤوا إليه.
- “من هذا المقطع فقط نعلم أن مرقس هو قريب برنابا. وهذه المعلومة البسيطة تُلقي الضوء على الاعتبار الخاص الذي كان برنابا يوليه لمرقس في سفر أعمال الرسل.” بروس (Bruce)
- عرّف بولس عن مرقس بأنه قريب برنابا، فيبدو أن المؤمنين في كولوسي كانوا يعرفون من هو برنابا. وربما عرفوا عنه من خلال صيته أو من خلال الرحلات التبشيرية التي لم تُسجّل في سفر أعمال الرسل. وهذا يُذكّرنا أن سفر أعمال الرسل هو سجل غير مُكتمل لتاريخ الكنيسة الأولى.
- وَيَسُوعُ الْمَدْعُوُّ يُسْطُسَ: لا نعلم شيء عن هذا الرجل سوى اسمه. وقد ذُكر اسمه ضمن الرجال الأربعة الذين كانوا مصدر عزاءٍ لبولس أثناء سجنه في روما قبل عرضه للمحاكمة أمام القيصر(فَكَانُوا مَصدَرَ عَزَاءٍ عَظِيمٍ لِي).
- الَّذِينَ هُمْ مِنَ الْخِتَانِ. هؤُلاَءِ هُمْ وَحْدَهُمُ الْعَامِلُونَ مَعِي: لم يكن في ذلك الوقت سوى ثلاثة أشخاص يخدمون بولس وكانوا من خلفية يهودية. وقد قام هؤلاء بعمل عظيم جداً، إذ كانوا مصدر عزاءٍ كبير لبولس.
- وضع بولس في الحبس الروماني بسبب هيجان اليهود في الهيكل عندما ذكر أن الله قدم نعمة الخلاص للأمم أيضاً (أعمال الرسل ٢٢: ٢١-٢٢)
- خرج آدم كلارك (Adam Clarke) باستنتاج منطقي من الكلمات: الَّذِينَ هُمْ مِنَ الْخِتَانِ. هؤُلاَءِ هُمْ وَحْدَهُمُ الْعَامِلُونَ مَعِي: “يبدو واضحاً أن بطرس لم يكن في روما في ذلك الوقت ولهذا لم يُذكر في هذه القائمة؛ ولا يمكننا أن نفترض أنه كان في قائمة أولئك الذين كرزوا بالمسيح بدوافع غير نقية وغير مقدسة؛ لا يوجد دليل في الواقع على أن بطرس رأى روما.”
ج ) الآيات (١٢-١٣): تحيات من أَبَفْرَاسُ
١٢يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ أَبَفْرَاسُ، الَّذِي هُوَ مِنْكُمْ، عَبْدٌ لِلْمَسِيحِ، مُجَاهِدٌ كُلَّ حِينٍ لأَجْلِكُمْ بِالصَّلَوَاتِ، لِكَيْ تَثْبُتُوا كَامِلِينَ وَمُمْتَلِئِينَ فِي كُلِّ مَشِيئَةِ اللهِ. ١٣فَإِنِّي أَشْهَدُ فِيهِ أَنَّ لَهُ غَيْرَةً كَثِيرَةً لأَجْلِكُمْ، وَلأَجْلِ الَّذِينَ فِي لاَوُدِكِيَّةَ، وَالَّذِينَ فِي هِيَرَابُولِيسَ
- مُجَاهِدٌ كُلَّ حِينٍ لأَجْلِكُمْ بِالصَّلَوَاتِ: الصلاة هي عمل صعب، وأَبَفْرَاس صلى بمواظبة وبجهد لأنه كان يعلم مدى خطورة التعاليم المزيفة في كولوسي. ولذلك صلّى أَبَفْرَاس للمؤمنين في كولوسي لِكَيْ يَثْبُتُوا كَامِلِينَ وَمُمْتَلِئِينَ فِي كُلِّ مَشِيئَةِ اللهِ. يا لها من صلاة رائعة يمكن للمرء أن يصلّيها لأي شخص.
- دعا بولس أَبَفْرَاس ’عَبْدٌ لِلْمَسِيحِ‘ وهي نفس العبارة التي اعتاد أن يستخدمها مشيراً إلى نفسه، فلم يسبق له وأن استخدمها لشخص آخر، ما عدا هنا وفي فيلبي ١:١ عندما تكلم عن نفسه وعن تيموثاوس كعبيد للمسيح.
- كان أَبَفْرَاس عَبْداً، وكانت الصلاة بالنسبة له شيء مهم جداً جعله يجتهد فيه. “معنى جملة ’مُجَاهِدٌ كُلَّ حِينٍ‘: التعب الشديد إلى حد الألم.” فون (Vaughan)
- لَهُ غَيْرَةً كَثِيرَةً لأَجْلِكُمْ: صلى أَبَفْرَاس بطريقة صحيحة لأنه اهتم بطريقة صحيحة. فإن لم يكن في قلبه غَيْرَةً كثيرة لأجلهم، لما صلى مجاهداً في كل حين.
د ) الآية (١٤): تحيات من لُوقَا ودِيمَاس
١٤يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ لُوقَا الطَّبِيبُ الْحَبِيبُ، وَدِيمَاسُ.
- لُوقَا الطَّبِيبُ الْحَبِيبُ: إنها المرة الوحيدة التي نعرف فيها أن لوقا، كاتب إنجيل لوقا وسفر أعمال الرسل، كان طبيباً. لهذا السبب نرى أن أعماله كتبت بطريقة علمية تحليلية (لوقا ١:١-٤) وبكثير من التفاصيل التي لن يهتم بذكرها سوى الطبيب (لوقا ٣٨:٤،
١٢:٥-١٥، و ٤٣:٨).- ربما ذهب لوقا إلى روما لتوصيل الكتب التي كان قد انهاها لتوه – إنجيل لوقا وسفر أعمال الرسل، وقام على الأرجح بتقديمها للمحكمة ليشرح للرومان لماذا وقف بولس أمام محكمة قيصر.
- دِيمَاسُ: لم يذكر شيء إيجابي عن دِيمَاس هنا، وكل ما ذكر عنه هو سلامه لأهل كولوسي وبالتالي لا بد أنه كان معروفاً لديهم. وفي رسالة فليمون ٢٤:١، نرى اسمه من ضمن العاملين مع بولس. ولكن آخر ذكرٍ له كان في ٢ تيموثاوس ١٠:٤ عندما قال بولس: “أَنَّ دِيمَاسَ قَدْ تَرَكَنِي إِذْ أَحَبَّ الْعَالَمَ الْحَاضِرَ وَذَهَبَ إِلَى تَسَالُونِيكِي.”
- “لدينا هنا حالة لمؤمن تزعزع إيمانه وفقد حماسه.” باركلي (Barcley)
- هؤلاء الأشخاص الذين سلّموا على أهل كولوسي كانوا في تواصل دائم مع بولس بينما كان سجيناً في روما وقبل مثوله أمام قيصر. وهذا يبين أن بولس السجين – بخلاف المذكور لاحقاً في رسالة تيموثاوس الثانية – مع أنه كان مقيداً، إلا أنه استمتع بين الحين والآخر بالشركة مع العديد من الأصدقاء والمساعدين.
هـ) الآية (١٥): سلّموا على نِمْفَاس واللاودكيين.
١٥سَلِّمُوا عَلَى الإِخْوَةِ الَّذِينَ فِي لاَوُدِكِيَّةَ، وَعَلَى نِمْفَاسَ وَعَلَى الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي بَيْتِهِ.
- لاَوُدِكِيَّةَ: كانت هذه هي نفس المدينة التي ذُكرت في التوبيخ اللاذع في سفر رؤيا يوحنا ١٤:٣-٢٢، وكانت مجاورة لكل من مدينة كولوسي ومدينة هيرابوليس (كولوسي ١٣:٤)
- نِمْفَاس: جرت الكثير من النقاشات حول هذا الاسم، فهل كان يقصد بولس رجل أم إمرأة؟ تمتلك بعض المخطوطات الصيغة الذكورية والبعض الآخر الصيغة الأنثوية.
- “كتب الكثير حول إن كان المقصود هنا امرأة (نيمفا) أم رجل (نيمفاس). ولأن كلاهما موجود في المخطوطات، فالتأكيد على هذه النقطة يبدو مستحيلاً (لحسن الحظ إنها ليست بالنقطة المهمة).” رايت (Wright)
- الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي بَيْتِهِ: لم يكن هناك مبنى للكنيسة، فكانوا يجتمعون في البيوت. ولأن حجم البيوت كان صغيراً، كان هناك عدة “كنائس بيتية” في المدينة، وفي كل كنيسة كان هناك قس أو شيخ مسؤولاً عنها.
- “كانت هذه المجموعات البيتية الصغيرة جزء من جسد المسيح أي الكنيسة العامة.” بروس (Bruce)
- “علينا أن نتذكر أنه لم يكن هناك ما يُسمى مبنى خاص للكنيسة حتى القرن الثالث. وحتى ذلك الوقت، كان المؤمنين يجتمعون في البيوت التي كانت لقادة الكنائس.” باركلي (Barcley)
و ) الآية (١٦): توجيهات لنشر فحوى هذه الرسالة
١٦وَمَتَى قُرِئَتْ عِنْدَكُمْ هذِهِ الرِّسَالَةُ فَاجْعَلُوهَا تُقْرَأُ أَيْضًا فِي كَنِيسَةِ الّلاَوُدِكِيِّينَ، وَالَّتِي مِنْ لاَوُدِكِيَّةَ تَقْرَأُونَهَا أَنْتُمْ أَيْضًا.
- وَمَتَى قُرِئَتْ عِنْدَكُمْ هذِهِ الرِّسَالَةُ: عندما كتب بولس ورسلٌ آخرين رسائل إلى الكنائس، كانت ببساطة تُقرأ أمام شعب الكنيسة. فقد كانت تلك هي طريقة الرسول كي يعلم تلك الكنيسة حتى لو لم يكن موجوداً.
- فَاجْعَلُوهَا تُقْرَأُ أَيْضًا فِي كَنِيسَةِ الّلاَوُدِكِيِّينَ: جرت العادة أن تُوزّع الرسائل الرسولية بين الكنائس، خاصة تلك القريبة من بعضها.
- “نرى هنا كيف حافظوا على رسائل بولس في فترة ما بعد الرسل وكيف اعتمدوها لتكون جزء من قانونية كُتب العهد الجديد: فكاتب هذه الرسائل المكتوبة لديه السلطة كرسول مُعين من الله.” رايت (Wright)
- يساعدنا هذا على فهم كيف ولماذا كانت تُنسخ الرسائل مباشرة، وكيف يمكن أن يظهر أخطاء بسيطة جداً في نسخ المخطوطات لاحقاً.
- وَالَّتِي مِنْ لاَوُدِكِيَّةَ تَقْرَأُونَهَا أَنْتُمْ أَيْضًا: يبدو واضحاً أننا لا نملك الرسالة التي كتبها بولس إلى أهل لاودكية. ولكن علينا ألا نفترض أن الكنز الذي بين أيدينا ناقص. فقد اختار الروح القدس أن يحفظ هذه الرسائل المُوحى بها للكنيسة العامة. فبولس لم يكتب بوحي الروح القدس كل ما خطّ قلمه الورقة.
- ربما تكون هذه الرسالة المفقودة إلى أهل لاودكية هي نفسها الموجهة إلى أهل أفسس. “من المؤكد أن رسالة أفسس لم تُكتب بالتحديد الى الكنيسة التي في أفسس بل كان الهدف من كتابتها أن تتنقل بين الكنائس التي في آسيا. وربما تكون هذه الرسالة قد وصلت لتوها إلى لاودكية وهي الآن في طريقها إلى كولوسي.” باركلي (Barcley)
- أشار جيروم في بداية القرن الخامس إلى رسالة كتبها بولس باللغة اللاتينية إلى اللاودكيين، ولكنه قال لاحقاً أنها مُزيّفة واتفق أغلب الذين في عصره على أنها ليست قانونية. فمحتوى الرسالة بشكل أساسي كان مزيجاً من العبارات المأخوذة من رسالة فيلبي ورسالة غلاطية. وقد أضاف آدم كلارك (Adam Clarke) رأي بسيط حول هذه الرسالة وقال: “أما بشأن كونها من كتابات بولس الرسول، لا نحتاج أن نقول الكثير؛ فعقم المعنى وضعف الأسلوب وعدم ترابط الأفكار وحاجتها لوضوح الهدف والقصد كلها أسباب كافية لرفضها.”
ز ) الآية (١٧): كلمة خاصة لأَرْخِبُّس
١٧وَقُولُوا لأَرْخِبُّسَ: “انْظُرْ إِلَى الْخِدْمَةِ الَّتِي قَبِلْتَهَا فِي الرَّبِّ لِكَيْ تُتَمِّمَهَا.”
- وَقُولُوا لأَرْخِبُّسَ: هذه الكلمة الخاصة لأَرْخِبُّسَ لها أهمية خاصة. فقد سبق لبولس وأن وجه رسالة أخرى قصيرة لأَرْخِبُّس في رسالة أخرى: وَأَرْخِبُّسَ الْمُتَجَنِّدِ مَعَنَا، وَإِلَى الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي بَيْتِكَ (فليمون ٢:١).
- الإشارة لأَرْخِبُّس في الرسالة إلى فليمون جعلت الكثيرين يعتقدون أنه ابن فليمون، خاصة أنه مذكور مع زوجة فليمون (أَبْفِيَّة) وأهل بيته (الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي بَيْتِكَ). والإشارة له تُظهر أيضاً أن بولس كان يحترم أرخبس كثيراً ويقدره كشريك للخدمة (الْمُتَجَنِّدِ مَعَنَا).
- قاد النص في كولوسي ١٧:٤ البعض إلى الاعتقاد بأن أرخبس كان جزءاً من عائلة فليمون وكان مرتبطاً بالكنيسة التي في لاودكية. وربما كان أرخبس هو راعي كنيسة لاودكية. ولكن لا توجد طريقة للتأكد من صحة هذا.
- وَقُولُوا لأَرْخِبُّسَ، “انْظُرْ إِلَى الْخِدْمَةِ” (احرِصْ عَلَى أنْ تُتَمِّمَ المَهَمَّةَ الَّتِي استَأْمَنَكَ الرَّبُّ عَلَيْهَا – الترجمة العربية المبسطة): أراد بولس من أرخبس أن يتشجع ويتقوى، لكنه لم يوجه هذا النداء لأرخبس مباشرة بل عن طريق الكولوسيين (أو اللاودكيين).
- “على افتراض أنه سيكون حاضراً وقت قراءة الرسالة، إما في كنيسة كولوسي أو لاحقاً عندما يتم إرسالها إلى لاودكية. وربما الهدف من هذه الكلمات تذكيره بالمسؤولة الموضوعة أمامه.” بروس (Bruce)
- لذلك، كان مناسباً أكثر لأهل كولوسي (أو لأهل لاودكية) أن يقولوا هذا الكلام لأرخبس من أن يفعل بولس. فقد احتاج أن يسمع هذا من الذين حوله: “تمم خدمتك.” وعندما تكلم الكولوسيين، تأكد أرخبس أن خدمته مطلوبة. “كثيرون كسالى مثل أرخبس، لأن الكولوسيين كانوا صامتين.” دايك (Dyke)
- كان عليهم أن يقولوا “تمم خدمتك” إلى أرخبس مباشرة وليس من وراء ظهره. فالتهامس ورائه لن يكون جيداً. كان عليهم أن يواجهوه بها.
- انْظُرْ إِلَى الْخِدْمَةِ: هذا التشجيع موجه لأرخبس ولنا أيضاً ويتكلم عن المبادئ الأساسية لتحمل الخدمة.
- الله هو من يعطي الْخِدْمَة لشعبه.
- الْخِدْمَة الحقيقة نقبلها فِي الرَّبِّ.
- قد تُترك الْخِدْمَة دون أن تتمم.
- على الخادم أن يحرص على أن يتمم خدمته.
- علينا أن نشجع الآخرين على تتميم خدمتهم.
- من المرجح أن كلمات الرسول لا تحمل أي لوم وأن المقصود منها تحفيزه على المثابرة وتشجيعه في الخدمة خاصة وأنه كان محاطاً بالكثير من المعلمين الكذبة والتعاليم المضلة.” كلارك (Clarke)
- بناءً على الظن بأن أرخيبس كان راعياً، قال تراب (Trapp): “الكنيسة هي عالمك المناسب والمنبر هو مكانك الصحيح والقداسة يجب أن تكون مركز كل ما يحيط بك.”
ح ) الآية (١٨): الخلاصة
١٨اَلسَّلاَمُ بِيَدِي أَنَا بُولُسَ. اُذْكُرُوا وُثُقِي. اَلنِّعْمَةُ مَعَكُمْ. آمِينَ.
- اَلسَّلاَمُ بِيَدِي أَنَا بُولُسَ: كما كانت العادة في تلك الأيام، كان بولس يُملي رسائله وينهيها بتحيات بخط يده – بِيَدِي أَنَا بُولُسَ.
- اُذْكُرُوا وُثُقِي: يوجد الكثير من المشاعر والحزن والقوة في هذه العبارة البسيطة. فبولس لم يختبر الوحدة فحسب بل كان يعلم أيضاً أن مثوله أمام قيصر قد يؤدي في النهاية إلى إعدامه.
- “كان صوت رنين السلاسل عالياً عندما أخذ بولس القلم ليكتب التحيات الختامية. فلم يكن لينساه ابداً.” روبرتسون (Robertson)
- “إشارات بولس لألمه ليس بغرض طلب الشفقة؛ بل ليضمن حقه في الكلام أمام السلطة.” باركلي (Barcley)
- اَلنِّعْمَةُ مَعَكُمْ: خلاصة بولس هي النهاية الوحيدة المناسبة لرسول النعمة، الذي كان يواجه هرطقة تؤكد على وجود أسراراً مخفيةً وتُعلم أن البرّ يأتي بالأعمال. فلا يمكننا الثبات في حياتنا الروحية بمعزل عن النعمة.