سفر أيوب – الإصحاح ٢٠
صُوفَر يتحدث للمرة الثانية
أولًا. صُوفَر يُجيب أيوب
أ ) الآيات (١-٣): يصف صُوفَر هيجانه.
١فَأَجَابَ صُوفَرُ النَّعْمَاتِيُّ وَقَالَ: ٢«مِنْ أَجْلِ ذلِكَ هَوَاجِسِي تُجِيبُنِي، وَلِهذَا هَيَجَانِي فِيَّ. ٣تَعْيِيرَ تَوْبِيخِي أَسْمَعُ. وَرُوحٌ مِنْ فَهْمِي يُجِيبُنِي.
١. هَوَاجِسِي تُجِيبُنِي: أصر صُوفَر على أن دفاع أيوب المذهل في الإصحاحات السابقة جعله مُتَهَجِّسًا وتسبب في هَيَجَانٍ داخله. فخطاب أيوب أزعجه.
• “يتحدث صُوفَر بكرامة، لكن الكرامة ليست مؤشرًا على الفطنة. لقد استمع صُوفَر إلى كلمات أيوب، ولكن ليس إلى روحها. إنه يشعر بالخجل من الموقف الذي اتخذه صديقه السابق.” شامبرز (Chambers)
٢. تَعْيِيرَ تَوْبِيخِي أَسْمَعُ. وَرُوحٌ مِنْ فَهْمِي يُجِيبُنِي: على الرغم من جرحه من رد أيوب القاسي، ادّعى صُوفَر أنه سيجيب أيوب بِتَفَهُّم.
• “لذلك يفترض صُوفَر أرضيته القديمة، ولن يتراجع عن أي شيء مما قاله. مثل العديد ممن هم في طبيعته في الوقت الحاضر، كان مصممًا على الاعتقاد بأن حُكمه كان معصومًا من الخطأ، وأنه لا يمكن أن يُخطئ.” كلارك (Clarke)
• يمكننا أن نتساءل بحق عن الفهم الروحي لإجابة صُوفَر، لكنه بالتأكيد تحدث بفهم للشعر والأدب. “إذ يجب قراءة القصيدة مع الانتباه الكامل لاستخدام اللغة التصويرية والتوازي والبنية الشعرية، وجميع العناصر الأساسية للشعر العبري. وعلى الرغم من خطأ تطبيق صُوفَر، يجب تقدير القصيدة نفسها كقطعة أدبية بارعة.” سميك (Smick)
ب) الآيات (٤-١١): الانتصار القصير للإنسان الشرير.
٤«أَمَا عَلِمْتَ هذَا مِنَ الْقَدِيمِ، مُنْذُ وُضِعَ الإِنْسَانُ عَلَى الأَرْضِ، ٥أَنَّ هُتَافَ الأَشْرَارِ مِنْ قَرِيبٍ، وَفَرَحَ الْفَاجِرِ إِلَى لَحْظَةٍ! ٦وَلَوْ بَلَغَ السَّمَاوَاتِ طُولُهُ، وَمَسَّ رَأْسُهُ السَّحَابَ، ٧كَجُلَّتِهِ إِلَى الأَبَدِ يَبِيدُ. الَّذِينَ رَأَوْهُ يَقُولُونَ: أَيْنَ هُوَ؟ ٨كَالْحُلْمِ يَطِيرُ فَلاَ يُوجَدُ، وَيُطْرَدُ كَطَيْفِ اللَّيْلِ. ٩عَيْنٌ أَبْصَرَتْهُ لاَ تَعُودُ تَرَاهُ، وَمَكَانُهُ لَنْ يَرَاهُ بَعْدُ. ١٠بَنُوهُ يَتَرَضَّوْنَ الْفُقَرَاءَ، وَيَدَاهُ تَرُدَّانِ ثَرْوَتَهُ. ١١عِظَامُهُ مَلآنَةٌ شَبِيبَةً، وَمَعَهُ فِي التُّرَابِ تَضْطَجِعُ.
١. أَمَا عَلِمْتَ هذَا مِنَ الْقَدِيمِ: صُوفَر هنا فعل ما فعله هو وأصدقاؤه في مناسبات سابقة. لقد قدم ادعاء بسلطة بقوله ببساطة: “كلنا نعرف أن هذه الأشياء صحيحة،” دون إثبات هذا الادعاء.
• “كان لدى صُوفَر تصوّر قوي بأن أيوب لم يكن سوى مراءٍ، وأنه كان شريرًا أمام الله في القلب، رغم ادعاءاته بالتقوى.” تراب (Trapp)
٢. أَنَّ هُتَافَ الأَشْرَارِ مِنْ قَرِيبٍ، وَفَرَحَ الْفَاجِرِ إِلَى لَحْظَةٍ: وكأنه يقول لأيوب: “يا أيوب، كلنا نعرف أنه مهما كان الخير أو الانتصار الذي يبدو أن الأشرار يتمتعون به، فهذه كلها تمر بسرعة. إنها مؤقتة (إِلَى لَحْظَةٍ)، وسوف يهلك الرجل الشرير كَجُلَّتِهِ إِلَى الأَبَدِ يَبِيدُ.”
• كَجُلَّتِهِ إِلَى الأَبَدِ يَبِيدُ: “يُلمح صُوفَر هنا إلى عدم إيمانه بعقيدة قيامة الجسد، التي أكدها أيوب رسميًا في الإصحاح السابق.” كلارك (Clarke)
ثانيًا. بؤس الإنسان الشرير
أ ) الآيات (١٢-١٩): الحياة المُحبطة للإنسان الشرير.
١٢إِنْ حَلاَ فِي فَمِهِ الشَّرُّ، وَأَخْفَاهُ تَحْتَ لِسَانِهِ، ١٣أَشْفَقَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتْرُكْهُ، بَلْ حَبَسَهُ وَسَطَ حَنَكِهِ، ١٤فَخُبْزُهُ فِي أَمْعَائِهِ يَتَحَوَّلُ، مَرَارَةُ أَصْلاَل فِي بَطْنِهِ. ١٥قَدْ بَلَعَ ثَرْوَةً فَيَتَقَيَّأُهَا. اللهُ يَطْرُدُهَا مِنْ بَطْنِهِ. ١٦سَمَّ الأَصْلاَلِ يَرْضَعُ. يَقْتُلُهُ لِسَانُ الأَفْعَى. ١٧لاَ يَرَى الْجَدَاوِلَ أَنْهَارَ سَوَاقِيَ عَسَل وَلَبَنٍ. ١٨يَرُدُّ تَعَبَهُ وَلاَ يَبْلَعُهُ. كَمَالٍ تَحْتَ رَجْعٍ. ولاَ يَفْرَحُ. ١٩لأَنَّهُ رَضَّضَ الْمَسَاكِينَ، وَتَرَكَهُمْ، وَاغْتَصَبَ بَيْتًا وَلَمْ يَبْنِهِ.
١. إِنْ حَلاَ فِي فَمِهِ الشَّرُّ… فَخُبْزُهُ فِي أَمْعَائِهِ يَتَحَوَّلُ، مَرَارَةُ: جادل صُوفَر أنه بالرغم من أن الإنسان الشرير قد يستمتع بالأشياء لفترة من الوقت، إلا أن الله بالتأكيد سيجلب دينونته ضده حتى يتمكن الجميع من الرؤية. فما حَلاَ اليوم للرجل الشرير سوف يصبح مَرَارَة قريبًا.
• “إن أعمال الإنسان الشريرة، وخاصة سرقته للفقراء، هي طعام لذيذ يُرضي ذوقه، ولكنه يتحول إلى مرارة في أحشائه.” سميك (Smick)
• هنا، أشار ضمنًا إلى تطبيق مؤلم وعدواني. كان يُصر على أن أيوب كان هو هذا الرجل الشرير، وأن بركته السابقة وازدهاره في الحياة كان فقط الحلو الذي تحول الآن مرًا.
• علق تراب (Trapp) على الآية ’قَدْ بَلَعَ ثَرْوَةً‘ فقال: “كما تفعل الوحوش البرية بفرائسها، والأسماك الأكبر حجمًا بالأصغر، بشراهة، وبسهولة، وفجأة، لا يمكن استردادها، كما تبتلع النار الوقود، وكما تلتهم العجاف السمان.”
• علق تراب (Trapp) على الآية ’اللهُ يَطْرُدُهَا مِنْ بَطْنِهِ‘ فقال: “هكذا يُخرجها الله من بطنه، حتى تذهب معه قطعة من قلبه. في التدمير الأخير لأورشليم، ابتلع بعض اليهود ذهبهم، حتى لا يأخذه الجنود الرومان. وقد تم اكتشاف ذلك، وبالتالي قُتل الآلاف منهم ومُزقوا من أجل الذهب في بطونهم وأمعائهم. وعلى هذا النحو سيتعامل الله مع الطامعين.”
٢. لأَنَّهُ رَضَّضَ الْمَسَاكِينَ، وَتَرَكَهُمْ: هنا، وصف صُوفَر ما اعتقد أنه السلوك الخاطئ للإنسان الشرير، ولماذا يستحق أن يشعر بالإحباط في الحياة. ومن الواضح أنه أشار ضمنًا إلى أن هذا كان أيوب.
ب) الآيات (٢٠-٢٩): المصير المظلم للإنسان الشرير.
٢٠لأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ فِي بَطْنِهِ قَنَاعَةً، لاَ يَنْجُو بِمُشْتَهَاهُ. ٢١لَيْسَتْ مِنْ أَكْلِهِ بَقِيَّةٌ، لأَجْلِ ذلِكَ لاَ يَدُومُ خَيْرُهُ. ٢٢مَعَ مِلْءِ رَغْدِهِ يَتَضَايَقُ. تَأْتِي عَلَيْهِ يَدُ كُلِّ شَقِيٍّ. ٢٣يَكُونُ عِنْدَمَا يَمْلأُ بَطْنَهُ، أَنَّ اللهَ يُرْسِلُ عَلَيْهِ حُمُوَّ غَضَبِهِ، وَيُمْطِرُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ طَعَامِهِ. ٢٤يَفِرُّ مِنْ سِلاَحِ حَدِيدٍ. تَخْرِقُهُ قَوْسُ نُحَاسٍ. ٢٥جَذَبَهُ فَخَرَجَ مِنْ بَطْنِهِ، وَالْبَارِقُ مِنْ مَرَارَتِهِ مَرَقَ. عَلَيْهِ رُعُوبٌ. ٢٦كُلُّ ظُلْمَةٍ مُخْتَبَأَةٌ لِذَخَائِرِهِ. تَأْكُلُهُ نَارٌ لَمْ تُنْفَخْ. تَرْعَى الْبَقِيَّةَ فِي خَيْمَتِهِ. ٢٧السَّمَاوَاتُ تُعْلِنُ إِثْمَهُ، وَالأَرْضُ تَنْهَضُ عَلَيْهِ. ٢٨تَزُولُ غَلَّةُ بَيْتِهِ. تُهْرَاقُ فِي يَوْمِ غَضَبِهِ. ٢٩هذَا نَصِيبُ الإِنْسَانِ الشِّرِّيرِ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَمِيرَاثُ أَمْرِهِ مِنَ الْقَدِيرِ».
١. مَعَ مِلْءِ رَغْدِهِ يَتَضَايَقُ: اعتقد صُوفَر أن سبب وجود أيوب في مثل هذا العذاب والضيق هو بسبب مِلْءِ رَغْدِهِ (اكتفائه الذاتي)؛ وهذا ما يفسر بؤسه الكبير.
• لَيْسَتْ مِنْ أَكْلِهِ بَقِيَّةٌ… أَنَّ اللهَ يُرْسِلُ عَلَيْهِ حُمُوَّ غَضَبِهِ: “عندما يمتلئ بطن إنسان شرير ولم يبق له شيئًا يلتهمه، ينفث الله غضبه عليه.” سميك (Smick)
٢. يَفِرُّ مِنْ سِلاَحِ حَدِيدٍ. تَخْرِقُهُ قَوْسُ نُحَاسٍ: ادعى صُوفَر أن الأشرار لا يستطيعون الهروب من مصيرهم في الدينونة. فإن هربوا من سِلاَحِ الحَدِيد، فإن قَوْسُ النُحَاس يكون في انتظارهم.
• نَارٌ لَمْ تُنْفَخْ: “يُخمدها الإنسان، ولكن الله نفسه يُشعلها.” بوله (Poole)
٣. جَذَبَهُ فَخَرَجَ مِنْ بَطْنِهِ: هنا، رأى صُوفَر الإنسان الشرير مثقوبًا بسهام دينونة الله. أخذ شكوى أيوب وكأنها طُعنت بسهام الله (أيوب ٦: ٤ ، ٧: ٢٠) وأعاد توجيهها إلى أيوب، مدعيًا أن أيوب يستحق هذا كرجل شرير.
• يبدو أن أصدقاء أيوب لم يعتبروه رجلًا شريرًا عندما جاءوا إليه لأول مرة (أيوب ٢: ١١-١٣). ويمكن للمرء أن يقول إن أيوب أثار هذا الحكم فعليًا منهم، ولهذا حاولوا ببساطة مساعدة أيوب على رؤية أنه كان خاطئًا ويحتاج إلى التوبة، وعندما رفض أيوب تمامًا موافقتهم، أصبحوا يعتبرونه رجلًا عنيدًا وشريرًا.
• بمجرد أن اعتبروه على هذا النحو، سرعان ما تعنَّتوا في تقديراتهم لأيوب: “كل الصرخات والنداءات من جانب أيوب هي، في عيون أصدقائه، مجرد أدلة على أنه يرفض القراءة الصحيحة للقانون العالمي كما هو معلن في تجربة الحياة… فالصور التي وضعوها أمامه تصبح قاتمة أكثر وأكثر.” برادلي (Bradley)
٤. السَّمَاوَاتُ تُعْلِنُ إِثْمَهُ، وَالأَرْضُ تَنْهَضُ عَلَيْهِ. تَزُولُ غَلَّةُ بَيْتِهِ. تُهْرَاقُ فِي يَوْمِ غَضَبِهِ: يبدو أن صُوفَر يصف خسائر أيوب، وبالتالي ربط بوضوح أن أيوب كان الرجل العنيد الشرير الذي يستحق هذه الدينونة من الله.
• كلمة ’تُهْرَاقُ‘ كاشفة جدًا، وتُظهر أن صُوفَر ركز بالكامل على الجانب المادي لمتاعب أيوب، وتجاهل تمامًا الجانب الروحي. “إنه يرى زوال ’الممتلكات‘ (أيوب ٢٠: ٢٨) كدينونة. ولا يرى أن فقدان الشركة مع الله، في هذه الحياة أو بعدها، هو مصير أسوأ بكثير. ولكن هذه الخسارة بالتحديد هي التي تملأ عقل أيوب بالرعب، وهذه الحاجة هي التي تثير معظم أشواقه اليائسة.” أندرسن (Andersen)
٥. هذَا نَصِيبُ الإِنْسَانِ الشِّرِّيرِ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَمِيرَاثُ أَمْرِهِ مِنَ الْقَدِيرِ: كان هذا هو استنتاج صُوفَر الثابت (لم يتكلم مرة أخرى في سفر أيوب). لقد ربط بوضوح الغضب الذي يحصده الإنسان الشرير بوضع أيوب نفسه.
• “كانت هذه الكلمات الختامية ملخصًا لكل ما كان يقوله. الآلام التي وصفها كانت كالتي تحل على الأشرار وبسماح إلهي. كل هذا كان صحيحًا. ولكن أشياء أخرى أيضًا كانت صحيحة، وعلى ما يبدو لم يكن لديه معرفة بها… فضيق فلسفة صُوفَر جعله ظالمًا لأيوب.” مورغان (Morgan)
• وبشكل ملحوظ، كان صُوفَر في الغالب مُحقًا. صحيح أن هناك ترتيبًا أخلاقيًا للكون وأن الشر غير مربح بطبيعته، وهو ملعون ويُدان من الله. لاحظ مورغان (Morgan) بحق: “في مقطع مثير وعاطفي، وصف عدم استقرار المكاسب الشريرة. هناك انتصار، لكنه قصير. وهناك تصاعد، لكن سريعًا يتلاشى. هناك شعور بالشباب، لكنه يصبح غبارًا. هناك حلاوة، لكنها تصبح ندمًا. ابتلاع ينتهي بالقيء؛ وهناك امتلاك دون ابتهاج.” ومع ذلك، هذا المبدأ العام الصحيح لا ينطبق على وضع أيوب.
• ترك صُوفَر – كما هو الحال مع بقية أصدقاء أيوب – مجالًا صغيرًا للنعمة. “وتجدر الإشارة هنا أن ضيق معتقدات صُوفَر، هي دليل على أن خطابه لا يحتوي على أي تلميح إلى أن الأشرار قد يتوبوا ويستردوا نعمة الله. لم يملك صُوفَر شفقة ولم يملك إلهه أية رحمة.” أندرسن (Andersen)