سفر أيوب – الإصحاح ١٨
بِلْدَدُ يتحدث للمرة الثانية
أولًا. اعتراض بِلْدَد
أ ) الآيات (١-٣): يوبخ بِلْدَد أيوب على كلماته وعلى رأي أصدقائه المتدني.
١فَأَجَابَ بِلْدَدُ الشُّوحِيُّ وَقَالَ: ٢«إِلَى مَتَى تَضَعُونَ أَشْرَاكًا لِلْكَلاَمِ؟ تَعَقَّلُوا وَبَعْدُ نَتَكَلَّمُ. ٣لِمَاذَا حُسِبْنَا كَالْبَهِيمَةِ، وَتَنَجَّسْنَا فِي عُيُونِكُمْ؟
١. إِلَى مَتَى تَضَعُونَ أَشْرَاكًا لِلْكَلاَمِ: ردد بِلْدَد كلمات أيوب في أيوب ١٦: ٣. يبدو أنهم سئموا جميعًا من سماع بعضهم البعض يتحدثون، لكن الأمر لا زال لم يحسم بعد.
• “يخاطب بِلْدَد مرة أخرى أيوب بصيغة الجمع (أيوب ٨: ٢) ربما يتحدث إليه على أنه يمثل فئة: كما فعل أيوب من قبل في رده على صُوفَر (أيوب ١٢: ٢).” بولينجر (Bullinger)
٢. تَعَقَّلُوا وَبَعْدُ نَتَكَلَّمُ. لِمَاذَا حُسِبْنَا كَالْبَهِيمَةِ، وَتَنَجَّسْنَا فِي عُيُونِكُمْ: استمر بِلْدَد يتبادل الإهانات مع أيوب. اتهموا بعضهم البعض بأنهم ثقيلون الفهم وغير عاقلين كَبَهائِمَ.
• “لقد أخطأ بِلْدَد هنا ضد قانون المحبة، كما فعل أيضًا أكثر من ذلك بكثير في الاستجواب العنيف التالي، متهمًا أيوب بجرأته الوقحة ضد الله.” تراب (Trapp)
٢. الآية (٤): يقول بِلْدَد لأيوب أن ينظر إلى نفسه وإلى قوانين الحياة غير القابلة للتغيير.
٤يَا أَيُّهَا الْمُفْتَرِسُ نَفْسَهُ فِي غَيْظِهِ، هَلْ لأَجْلِكَ تُخْلَى الأَرْضُ، أَوْ يُزَحْزَحُ الصَّخْرُ مِنْ مَكَانِهِ؟
١. يَا أَيُّهَا الْمُفْتَرِسُ نَفْسَهُ فِي غَيْظِهِ: قال بِلْدَد لأيوب: “فقط انظر إلى نفسك. أنت تمزق نفسك إربًا في غضبك. فحالتك هي كل الدليل الذي يحتاجه أي شخص ليرى أنك في خطية وتحتاج إلى توبة.”
• “في ١٦: ٩ حدد أيوب الله كمُعذِب له، وقد مزقه إربًا. يجيب بِلْدَد أن أيوب هو الذي يمزق نفسه إربًا بسبب غضبه الذي لا داعي له.” أندرسن (Andersen)
٢. هَلْ لأَجْلِكَ تُخْلَى الأَرْضُ: شعر بِلْدَد أن أيوب أراد قلب قوانين الحياة غير القابلة للتغيير. بشكل أساسي قوانين السبب والنتيجة التي تخبرنا أن أيوب قد تسبب في أزمته الخاصة بخطيته ورفضه التوبة.
• “علاوة على ذلك، كان غاضبًا لأنه اعتبر أن موقف أيوب يهدد النظام الأخلاقي بالعنف، وذَكَّر أيوب بأن الأشياء المستقرة لا يمكن تغييرها من أجله.” مورغان (Morgan)
• حاول آدم كلارك (Adam Clarke) فهم فكر بِلْدَد: “وأقل ما يقال، إن الآلام هي النصيب المشترك للبشر. فهل يجب أن يصنع الله في عنايته الإلهية معجزة، من أجل إعفائك من عمل المسببات الطبيعية؟ هل ترغب في أخذ كل اهتمام ورعاية العناية الإلهية لنفسك وحدك؟ يا لها من كبرياء ووقاحة!”
ثانيًا. يصف بِلْدَد آلام الأشرار
أ ) الآيات (٥-٦): الحياة المظلمة للأشرار.
٥«نَعَمْ! نُورُ الأَشْرَارِ يَنْطَفِئُ، وَلاَ يُضِيءُ لَهِيبُ نَارِهِ. ٦النُّورُ يُظْلِمُ فِي خَيْمَتِهِ، وَسِرَاجُهُ فَوْقَهُ يَنْطَفِئُ.
١. نَعَمْ! نُورُ الأَشْرَارِ يَنْطَفِئُ: أراد بِلْدَد أن يُعلّم أيوب عن حياة الأشرار ومصيرهم، وبذلك كان يأمل أن يفهم أيوب فكرة أنه من بين الأشرار الذين وصفهم بِلْدَد.
• “على كل حال، كان اهتمام بِلْدَد هو أن يثَّبت في ذهن أيوب اليقين المطلق بأن كل رجل شرير يتقاضى أجره كاملًا في هذه الحياة مقابل أعماله الشريرة.” سميك (Smick)
٢. النُّورُ يُظْلِمُ فِي خَيْمَتِهِ: في نهاية خطاب أيوب السابق (أيوب ١٧: ١٠-١٦)، وصف ظلام حياته وآفاقه، وكل ذلك في سياق القبر الكئيب كبيت ترحيب. أراد بِلْدَد أن يرى أيوب أن هذه النظرة المظلمة للحياة تعني أنه كان من بين الأشرار.
ب) الآيات (٧-١٠): الطريق الخطِر للأشرار.
٧تَقْصُرُ خَطَوَاتُ قُوَّتِهِ، وَتَصْرَعُهُ مَشُورَتُهُ. ٨لأَنَّ رِجْلَيْهِ تَدْفَعَانِهِ فِي الْمِصْلاَةِ فَيَمْشِي إِلَى شَبَكَةٍ. ٩يُمْسِكُ الْفَخُّ بِعَقِبِهِ، وَتَتَمَكَّنُ مِنْهُ الشَّرَكُ. ١٠مَطْمُورَةٌ فِي الأَرْضِ حِبَالَتُهُ، وَمِصْيَدَتُهُ فِي السَّبِيلِ.
١. تَقْصُرُ خَطَوَاتُ قُوَّتِهِ: وصف بِلْدَد هنا الرجل الشرير بأنه شخص ضعيف في خطواته، غير قادر أو غير راغب في مواصلة رحلة الحياة. شعر أن هذا يصف أيوب بدقة ويجعله بين الأشرار.
٢. فَيَمْشِي إِلَى شَبَكَةٍ: الرجل الشرير ليس ضعيفًا في رحلته فحسب، بل يسير أيضًا على درب خطير. يسير مباشرة تجاه المشاكل، ورِجْلَيْهِ تَدْفَعَانِهِ فِي الْمِصْلاَةِ (المِصيَدَة). ومن وجهة نظر بِلْدَد، فإن أيوب كان يتجه مباشرة نحو المصيدة، وسوف تُطْبِق الشبكة عليه (تَتَمَكَّنُ مِنْهُ الشَّرَكُ).
• “تم استخدام ستة أسماء مختلفة لأجهزة الصيد في هذه الآيات. لا يزال التحديد الدقيق لجميع عناصر المعدات هذه غير ممكن، كما تُظهرها المقارنة السريعة للترجمات الحالية.” أندرسن (Andersen)
ج) الآيات (١١-١٦): الحياة البائسة للأشرار.
١١تُرْهِبُهُ أَهْوَالٌ مِنْ حَوْلِهِ، وَتَذْعَرُهُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ. ١٢تَكُونُ قُوَّتُهُ جَائِعَةً وَالْبَوَارُ مُهَيَّأٌ بِجَانِبِهِ. ١٣يَأْكُلُ أَعْضَاءَ جَسَدِهِ. يَأْكُلُ أَعْضَاءَهُ بِكْرُ الْمَوْتِ. ١٤يَنْقَطِعُ عَنْ خَيْمَتِهِ، عَنِ اعْتِمَادِهِ، وَيُسَاقُ إِلَى مَلِكِ الأَهْوَالِ. ١٥يَسْكُنُ فِي خَيْمَتِهِ مَنْ لَيْسَ لَهُ. يُذَرُّ عَلَى مَرْبِضِهِ كِبْرِيتٌ. ١٦مِنْ تَحْتُ تَيْبَسُ أُصُولُهُ، وَمِنْ فَوْقُ يُقْطَعُ فَرْعُهُ.
١. تُرْهِبُهُ أَهْوَالٌ مِنْ حَوْلِهِ: مرة أخرى، يأخذ بِلْدَد أقوال أيوب السابقة ويعيدها عليه. تحدث أيوب في خطابه السابق عن شعوره بالهجوم والاعتداء من الله من كل جانب (أيوب ١٦: ٩-١٤). واعتبر بِلْدَد هذا دليلًا على شر أيوب.
٢. يَأْكُلُ أَعْضَاءَ جَسَدِهِ: كان جزء من أزمة أيوب الطبية مرض في الجلد (أيوب ٣٠: ٣٠أ، ٧: ٥ب، ٢: ٧-٨). يقول بِلْدَد: “الأشرار لديهم مشاكل رهيبة في أجسادهم. وهذا يعني أنك من بين الأشرار يا أيوب.”
• يقدم أندرسن (Andersen) ترجمة حية لأيوب ١٨: ١٢-١٣: “يصبح جسده الممتلئ هزيلًا، وتلتصق أضلاعه وتبرز خارجًا، والمرض يفسد جلده، ويبتلع الموت أعضاءه.”
٣. يَنْقَطِعُ عَنْ خَيْمَتِهِ، عَنِ اعْتِمَادِهِ: قام بِلْدَد بحسبة بسيطة بأن الأشرار يعانون من مثل هذه الأزمات الكبيرة. وأيوب عانى من أزمة كبيرة. لذلك يجب أن يكون أيوب من بين الأشرار، وكلما أسرع أيوب في إدراك ذلك، كلما كان ذلك أفضل.
٤. وَيُسَاقُ إِلَى مَلِكِ الأَهْوَالِ: يبدو أن هذا وصف شعري رائع للموت نفسه، بالنظر إلى اللقب المروع الذي أعطاه للموت: ’مَلِكِ الأَهْوَالِ.‘
• “يتجسد الموت في أيوب ١٨: ١٣-١٤. ويُذكِّرنا ملك الأهوال هذا بالإله الكنعاني (Mot) موت (الموت) الذي يصل عنده المريء من الأرض إلى السماء – الإله الملتهم.” سميك (Smick)
• “العبارة الفريدة ’ملك الأهوال‘ هي إشارة أخرى إلى الموت، وتكرار نفس الكلمة العبرية ’أهوال‘ يُميز الآيات ١١-١٤ كوحدة واحدة.” أندرسن (Andersen)
• “هكذا تحدث القدماء عن الموت. وكانت تلاحقهم باستمرار رهبة المجهول. فكل بقعة غير مأهولة أو بعيدة هي مكان سكنى الأشياء الشريرة والمروعة. لكن القبر، والعالم وراءه، كانا فوق كل شيء مروع، والموت هو ملك الأهوال.” ماير (Meyer)
• والأمر المؤسف أن نظرتهم للموت لم تمُت تمامًا حتى في العصر المسيحي. يتذكر المؤلف قراءة النقش التالي على شاهد قبر أيرلندي على تل سلان، خارج دبلن: أيها الموت القاسي، قد تتباهى من بين جميع الطغاة، بأنك الأعظم، ويمكنك التحكم في جميع البشر، ليرحم الرب نفسي (١٧٨٢)
٥. يُذَرُّ عَلَى مَرْبِضِهِ كِبْرِيتٌ: “قد يشير هذا إما إلى تدمير سدوم وعمورة، كما تم التلميح إليه بالفعل، أو إلى عادة قديمة تتمثل في تبخير المنازل بالكبريت، من أجل تطهيرها من النجاسة.” كلارك (Clarke)
د ) الآيات (١٧-٢١): المصير المحزن للأشرار.
١٧ذِكْرُهُ يَبِيدُ مِنَ الأَرْضِ، وَلاَ اسْمَ لَهُ عَلَى وَجْهِ الْبَرِّ. ١٨يُدْفَعُ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلْمَةِ، وَمِنَ الْمَسْكُونَةِ يُطْرَدُ. ١٩لاَ نَسْلَ وَلاَ عَقِبَ لَهُ بَيْنَ شَعْبِهِ، وَلاَ شَارِدَ فِي مَحَالِّهِ. ٢٠يَتَعَجَّبُ مِنْ يَوْمِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَيَقْشَعِرُّ الأَقْدَمُونَ. ٢١إِنَّمَا تِلْكَ مَسَاكِنُ فَاعِلِي الشَّرِّ، وَهذَا مَقَامُ مَنْ لاَ يَعْرِفُ اللهَ».
١. ذِكْرُهُ يَبِيدُ مِنَ الأَرْضِ: في خطابه السابق، تعهد أيوب بأن تصرخ الأرض من أجله، وتشهد ببراءته أمام الله (أيوب ١٦: ١٨-١٩). وهنا، أخبر بِلْدَد أيوب أنه لا توجد إمكانية لذلك إذا مات في حالته الشريرة. وإن كان الأمر كذلك، فسيكون ببساطة من بين أولئك الذين ذِكْرُهُم… يَبِيدُ مِنَ الأَرْضِ.
٢. لاَ نَسْلَ وَلاَ عَقِبَ لَهُ بَيْنَ شَعْبِهِ: كانت هذه عبارة قاسية بشكل خاص لشخص فقد أبناءه العشرة (من بينهم سبعة أولاد) في حادث مأساوي (أيوب ١: ٢، ١: ١٨-١٩). شعر بِلْدَد أن مثل هذه القسوة كانت ضرورية لإيقاظ أيوب من خداع نفسه.
• “قدم بِلْدَد صورة رمزية قاسية جدًا في إشارة واضحة إلى فاجعة أيوب. فجملته: لاَ نَسْلَ وَلاَ عَقِبَ لَهُ بَيْنَ شَعْبِهِ، وَلاَ شَارِدَ فِي مَحَالِّهِ، كانت الأسوأ. لقد أدرج بِلْدَد أكثر الأشياء التي يخشاها الإسرائيلي في الحياة وفي الموت كرموز للرفض من قبل الله.” أندرسن (Andersen)
٣. وَهذَا مَقَامُ مَنْ لاَ يَعْرِفُ اللهَ: واصل بِلْدَد هجومه إلى أبعد من ذلك. لم يكن أيوب بين الأشرار فحسب، بل كان أيضًا شخصًا لاَ يَعْرِفُ اللهَ. كانت هذه عبارة قاسية وكاذبة ضد رجل كان كَامِلاً وَمُسْتَقِيمًا، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّر (أيوب ١: ١).
• “هذا تصوير قوي للغاية لطريق الشر. مرة أخرى علينا أن نقول – هذا كله كلام صحيح، وبالتالي يجب أن يؤخذ على محمل الجد. ولكنه لا يمثل كل الحقيقة، وبالتالي لا معنى له في حالة أيوب.” مورغان (Morgan)
• “يصف بِلْدَد أسوأ رجل يمكن أن يفكر فيه، ويقول أيوب، ’أنت تقول لأني رجل شرير تعرضت لكل هذه المآسي، لكنني أقول إني لست كذلك. لديك منطق عقيدتك، بينما أملك حقيقة تجربتي… الإله الذي سيشرح تجربتي لم أجده بعد، لكنني واثق من وجود مثل هذا الإله وفي الوقت نفسه أرفض قبول تزييفك له.‘” شامبرز (Chambers)
• “ليس شر أيوب، بل أمانته هو ما يكشفه الرب من خلال هذه المحنة. في الواقع، قد لا يكون هناك شيء يريده إلهنا أكثر من أن يصل بكل واحد منا إلى النقطة التي يستطيع فيها أن يفعل معنا بالضبط ما فعله مع أيوب: يسلمنا بثقة كاملة إلى براثن الشيطان، وهو يعلم أنه حتى ذلك الحين سيصمد إيماننا.” ماسون (Mason)