سفر أيوب – الإصحاح ١٣
أيوب يتحدى منتقديه
أولًا. تحدي أيوب لمنتقديه
أ ) الآيات (١-١٢): توبيخ أيوب القوي لأصدقائه.
١«هذَا كُلُّهُ رَأَتْهُ عَيْنِي. سَمِعَتْهُ أُذُنِي وَفَطِنَتْ بِهِ. ٢مَا تَعْرِفُونَهُ عَرَفْتُهُ أَنَا أَيْضًا. لَسْتُ دُونَكُمْ. ٣وَلكِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُكَلِّمَ الْقَدِيرَ، وَأَنْ أُحَاكَمَ إِلَى اللهِ. ٤أَمَّا أَنْتُمْ فَمُلَفِّقُو كَذِبٍ. أَطِبَّاءُ بَطَّالُونَ كُلُّكُمْ. ٥لَيْتَكُمْ تَصْمُتُونَ صَمْتًا. يَكُونُ ذلِكَ لَكُمْ حِكْمَةً. ٦اِسْمَعُوا الآنَ حُجَّتِي، وَاصْغُوا إِلَى دَعَاوِي شَفَتَيَّ. ٧أَتَقُولُونَ لأَجْلِ اللهِ ظُلْمًا، وَتَتَكَلَّمُونَ بِغِشٍّ لأَجْلِهِ؟ ٨أَتُحَابُونَ وَجْهَهُ، أَمْ عَنِ اللهِ تُخَاصِمُونَ؟ ٩أَخَيْرٌ لَكُمْ أَنْ يَفْحَصَكُمْ، أَمْ تُخَاتِلُونَهُ كَمَا يُخَاتَلُ الإِنْسَانُ؟ ١٠تَوْبِيخًا يُوَبِّخُكُمْ إِنْ حَابَيْتُمُ الْوُجُوهَ خِفْيَةً. ١١فَهَلاَّ يُرْهِبُكُمْ جَلاَلُهُ، وَيَسْقُطُ عَلَيْكُمْ رُعْبُهُ؟ ١٢خُطَبُكُمْ أَمْثَالُ رَمَادٍ، وَحُصُونُكُمْ حُصُونٌ مِنْ طِينٍ.
١. هذَا كُلُّهُ رَأَتْهُ عَيْنِي… مَا تَعْرِفُونَهُ عَرَفْتُهُ أَنَا أَيْضًا: اشتكى أيوب هنا من ادعاء المعرفة الفائقة من جانب أصدقائه. فبالنسبة لهم – ربما بالنسبة لصُوفَر بالذات – بدا الموقف بسيطًا للغاية. لذلك، لا بد أن يكون أيوب جاهلًا حتى لا يفهم ما يقولونه رغم سهولته.
٢. وَلكِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُكَلِّمَ الْقَدِيرَ، وَأَنْ أُحَاكَمَ إِلَى اللهِ: طور أيوب هنا فكرة من شأنها أن تنتهي بمطلب افتراضي وهو أن يفهم الله معاناته. تُشكل استجابة الله لطلب أيوب (واستجابة أيوب لاستجابة الله) الإصحاحات القليلة الأخيرة من السفر.
• نشعر بإحباط أيوب الشديد الذي دفعه ليقول: أريد أن أُحَاجِجَهُ بشأن قضيتي (وَأَنْ أُحَاكَمَ إِلَى اللهِ). كان الأمر سيئًا بما فيه الكفاية عندما لم يستطع فهم وضعه، لكنه كان أسوأ بإصرار أصدقاؤه المستمر على إجابتهم الخاطئة لأزمة أيوب. وبقدر ما كانوا يصرون، كان أيوب يندفع للمطالبة بإجابة (ويتبرأ بها) من الله.
٣. أَمَّا أَنْتُمْ فَمُلَفِّقُو كَذِبٍ. أَطِبَّاءُ بَطَّالُونَ كُلُّكُمْ: نفس الإحباط المدمر الذي دفع أيوب أن يتمني لو كان ميتًا، يقوده الآن إلى رد مرير على اتهامات أصدقائه.
• يمكننا أن نتعاطف مع وضع أيوب واضطرابه، ونحن طول الوقت مدعوون إلى مستوى أفضل من أيوب: لا تُجَازُوا أَحَدًا عَنْ شَرّ بِشَرّ (رومية ١٢: ١٧، أنظر أيضًا بطرس الأولى ٢: ٢١-٢٣).
٤. أَتَقُولُونَ لأَجْلِ اللهِ ظُلْمًا… أَمْ عَنِ اللهِ تُخَاصِمُونَ: كان أصدقاء أيوب واثقين جدًا من قدرتهم على التحدث باسم الله، ولكن بما أن ما قالوه لم يكن صحيحًا، فقد أساءوا تمثيله. لقد تصرفوا كمحامين نيابة عن الله، ولكن بما أنهم لم يمثلوه حقًا، يمكن لأيوب أن يسأل عن حق: “أَخَيْرٌ لَكُمْ أَنْ يَفْحَصَكُمْ؟”
• “حذرهم أيوب من الكذب حتى عندما يتلفظوا بكلمات جميلة دفاعًا عن الله. إن كانوا سيدافعون عن قضية الله، فمن الأفضل أن يفعلوا ذلك بأمانة. وسيدينهم الله على خداعهم حتى لو استخدموها نيابة عنه (أيوب ١٣: ٨-٩).” سميك (Smick)
٥. تَوْبِيخًا يُوَبِّخُكُمْ إِنْ حَابَيْتُمُ الْوُجُوهَ خِفْيَةً: المُحاباة التي أظهرها أصدقاء أيوب كانت تجاه أنفسهم. عرف أيوب أنهم لن يرغبوا أبدًا في أن يُعاملوا بالطريقة التي يعاملون بها أيوب.
٦. خُطَبُكُمْ أَمْثَالُ رَمَادٍ: ادّعى أصدقاء أيوب أنهم يعرفون الحكمة ويتكلمون بحكمة. رفض أيوب توجيهاتهم المفترضة باعتبارها مجرد خِطابات. لم يكن لحكمتهم أي مضمون، ولا فائدة، وتركت أيوب يشعر بأنه يحترق كَالرَّمَادِ.
• “الفكرة هي أن الناس قد يجادلون دفاعًا عن الله على أسس خاطئة ومعرفة محدودة. هذا هو بالضبط ما كان يفعله هؤلاء الرجال. وكانت النتيجة أنهم ظلموا أيوب. لم يعرفوا ذلك، ولم يقصدوا أن يفعل ذلك، ولكن هذا ما حدث.” مورغان (Morgan)
ب) الآيات (١٣-١٩): ثقة أيوب بالله ونزاهته.
١٣«اُسْكُتُوا عَنِّي فَأَتَكَلَّمَ أَنَا، وَلْيُصِبْنِي مَهْمَا أَصَابَ. ١٤لِمَاذَا آخُذُ لَحْمِي بِأَسْنَانِي، وَأَضَعُ نَفْسِي فِي كَفِّي؟ ١٥هُوَذَا يَقْتُلُنِي. لاَ أَنْتَظِرُ شَيْئًا. فَقَطْ أُزَكِّي طَرِيقِي قُدَّامَهُ. ١٦فَهذَا يَعُودُ إِلَى خَلاَصِي، أَنَّ الْفَاجِرَ لاَ يَأْتِي قُدَّامَهُ. ١٧سَمْعًا اسْمَعُوا أَقْوَالِي وَتَصْرِيحِي بِمَسَامِعِكُمْ. ١٨هأَنَذَا قَدْ أَحْسَنْتُ الدَّعْوَى. أَعْلَمُ أَنِّي أَتَبَرَّرُ. ١٩مَنْ هُوَ الَّذِي يُخَاصِمُنِي حَتَّى أَصْمُتَ الآنَ وَأُسْلِمَ الرُّوحَ؟
١. اُسْكُتُوا عَنِّي فَأَتَكَلَّمَ أَنَا: ربما في هذه المرحلة حاول أصدقاء أيوب مقاطعته، أو احتجوا على كلامه. فطالب أيوب بحقه في إنهاء كلامه.
٢. هُوَذَا يَقْتُلُنِي. لاَ أَنْتَظِرُ شَيْئًا: هذا هو الموقف الذي سيخرج أيوب من أزماته الماضية والحالية. لم يفهم ما كان يحدث معه، وأحس أن الله ضده وليس معه (كما في أيوب ٩: ٢٨ و١٠: ١٦-١٧). وفي الوقت ذاته، كان لا يزال بإمكانه أن يهتف: حتى إن قتلني، ستظل ثقتي فيه (هُوَذَا يَقْتُلُنِي. لاَ أَنْتَظِرُ شَيْئًا).
• “ليس لي اتكال إلا على الله. وأنا أثق به وحده. حتى لو دمر حياتي بهذه البلية، أتمنى أنه عندما يجربني، سأخرج كالذهب.” كلارك (Clarke)
• في كتابه الشهير رسائل خرُبُر (The Screwtape Letters)، يشارك سي أس لويس (C.S. Lewis) مجموعة رسائل خيالية عن شيطان مخضرم يشارك مع شيطان مبتدئ تجربته الخاصة عن ديناميكية التجربة في حياة المؤمن: “إنه يريد للمؤمنين أن يتعلموا المشي، ولذلك ينبغي أن يسحب يده؛ ولو توافرت فعلًا مجرد الرغبة في المشي، لسرَّه ذلك حتى مع تعثُّرهم. حذار أن تنخدع يا عَلقَم! فإن قضيتنا لا تكون يومًا عرضة للخطر أكثر منها حين يعمد الآدميُّ، وهو ما زال قاصدًا إطاعة مشيئة عدوّنا رغم انقطاع رغبته في ذلك، إلى التطلّع حواليه في أرجاء عالمٍ يبدو أن كل أثر من آثار العدو قد تلاشى منه، ويتساءل عن سبب التخلّي عنه، ومع ذلك يُثابر على الطاعة.”
• “من الجدير بالملاحظة أن أيوب أجاب بهذه الكلمات على كل من اتهامات الشيطان واتهامات أصدقائه. رغم أنني لا أعرف أنه كان يعلم أن الشيطان قال: ’هَلْ مَجَّانًا يَتَّقِي أَيُّوبُ اللهَ؟ أَلَيْسَ أَنَّكَ سَيَّجْتَ حَوْلَهُ وَحَوْلَ بَيْتِهِ وَحَوْلَ كُلِّ مَا لَهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ؟‘ ومع ذلك، أجاب أيوب على هذا الاقتراح الأساسي بأفضل طريقة ممكنة، لأنه قال في الواقع: ’على الرغم من أن الله سيهدم سياجي ويتركني عاريًا كالقفر نفسه، إلا أنني سأتشبث به بإيمان راسخ.‘” سبيرجن (Spurgeon)
• “هناك ثلاثة أشياء في النص: افتراض فظيع (هُوَذَا يَقْتُلُنِي)، قرار نبيل (لاَ أَنْتَظِرُ شَيْئًا – ومع ذلك سأثق به)، وثالثًا، مواءمة سرية. سيتطلب الأمر الأخيرة القليل من البحث، لكنني آمل أن أوضح أن هناك مواءمة كبيرة في ثقتنا بالله بينما يقتلنا – فالأمران يسيران معًا بشكل جيد، برغم أن الأمر قد لا يبدو كذلك.” سبيرجن (Spurgeon)
• أورد تشارلز سبيرجن (Charles Spurgeon) عدة أسباب جعلته يعتقد أن الأوقات الصعبة كانت أوقاتًا جيدة.
في مثل هذه الأوقات نتأكد حقًا أننا أولاده وبناته لأنه يؤدب أولاده فقط.
في مثل هذه الأوقات يتشكل الإيمان الحقيقي.
في مثل هذه الأوقات يختبر الله إيماننا ويؤكده.
في مثل هذه الأوقات ننمو في الإيمان.
في مثل هذه الأوقات يُسمح للمؤمن البسيط أن يُثبت أنه ليس مؤمنًا أجِيرًا، بل ابنًا.
• “مرة أخرى أقول، إن كان هناك من اختبر هذا الافتراض القاتم في النص وفهم معناه جيدًا، فحتمًا سيكون ربنا يسوع. إن رئيس عهدنا العظيم يعرف تمامًا ما يعانيه أعضاؤه. لقد قتله (ذبحه) الله، والمجد لاسمه المبارك، لقد وثق بالله بينما كان يُذبح.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. فَقَطْ أُزَكِّي طَرِيقِي قُدَّامَهُ… أَعْلَمُ أَنِّي أَتَبَرَّرُ: قبل أزمته، اعتقد أيوب أنه كان مستقيمًا وبارًا، كما كان بالفعل (أيوب ١: ١ و١: ٨). لقد تمسك بثبات بهذا الاعتقاد طوال محنته، وعبر كل احتجاجات أصدقائه وجدالهم. حتى قُدَّام الله، كان يُزَكِّي طَرُقِهِ، ليس في غطرسة وتكبر، ولكن في اتصال ثابت مع الواقع.
• في هذا، كان أيوب مثالًا رائعًا لرجل لم يفقد ما يعرف أنه صحيح في وسط العاصفة. هذا في الواقع أمر صعب للغاية. لأن مثل هذه العواصف مفيدة بلا شك في أن تنفض عنا المعتقدات الخاطئة. بعض الذين شعروا أن لديهم تصميم أيوب على التمسك بالحق، كانوا في الواقع خطاة عنيدين. ولكن، لم يشكك أيوب في مفهوم الحق أو قدرته على معرفته. كان يعلم أن الله نفسه يوافق على أن كارثته لم تحل عليه بسبب خطية خاصة أو خطيرة. كان يعلم أن الله نفسه يوافق على أنه كان رجلًا مستقيمًا وبلا لوم (أيوب ١: ١ و ١: ٨).
٤. حَتَّى أَصْمُتَ الآنَ وَأُسْلِمَ الرُّوحَ: من ناحية، يبدو أن أيوب شعر أن هذا الارتباط الثابت بالحقيقة والواقع كان كل ما لديه. لقد فقد كل شيء، بما في ذلك إحساسه الروحي. كل ما كان لديه هو الحقيقة، وشعر أنه إن تخلى عن ذلك لمجرد إيقاف الجدال أو إرضاء أصدقائه، فسوف يهلك (وَأُسْلِمَ الرُّوحَ).
ثانيًا. التماس أيوب إلى الله
أ ) الآيات (٢٠-٢٧): يطلب أيوب من الله أن يخبره إن كانت الخطية هي بالفعل سبب معاناته.
٢٠إِنَّمَا أَمْرَيْنِ لاَ تَفْعَلْ بِي، فَحِينَئِذٍ لاَ أَخْتَفِي مِنْ حَضْرَتِكَ. ٢١أَبْعِدْ يَدَيْكَ عَنِّي، وَلاَ تَدَعْ هَيْبَتَكَ تُرْعِبُنِي. ٢٢ثُمَّ ادْعُ فَأَنَا أُجِيبُ، أَوْ أَتَكَلَّمُ فَتُجَاوِبُنِي. ٢٣كَمْ لِي مِنَ الآثَامِ وَالْخَطَايَا؟ أَعْلِمْنِي ذَنْبِي وَخَطِيَّتِي. ٢٤لِمَاذَا تَحْجُبُ وَجْهَكَ، وَتَحْسِبُنِي عَدُوًّا لَكَ؟ ٢٥أَتُرْعِبُ وَرَقَةً مُنْدَفَعَةً، وَتُطَارِدُ قَشًّا يَابِسًا؟ ٢٦لأَنَّكَ كَتَبْتَ عَلَيَّ أُمُورًا مُرَّةً، وَوَرَّثْتَنِي آثَامَ صِبَايَ، ٢٧فَجَعَلْتَ رِجْلَيَّ فِي الْمِقْطَرَةِ، وَلاَحَظْتَ جَمِيعَ مَسَالِكِي، وَعَلَى أُصُولِ رِجْلَيَّ نَبَشْتَ.
١. لاَ (يُبْعِد يديك عني)… أَبْعِدْ يَدَيْكَ عَنِّي: في وقت سابق، قال أيوب لله أنه يريد فقط أن يُترك وحده (أيوب ٧: ١٦). والآن يظهر أيوب أن الشعور السابق كان مجرد شعور، وأنه في الحقيقة، لم يكن يريد أن يُبْعِد الله يَدَيْهِ عنه.
• هذا يدل على أن أيوب، ولو بشكل قليل، فهم أن يد الله كانت تدعمه في وسط هذه التجربة الصعبة. نحن نتفهم صراعه مع مشاعر التخلي. ولكن أيوب يمكنه الاعتراف على مضض بأن يد الله كانت معه في نار الضيق.
• فَحِينَئِذٍ لاَ أَخْتَفِي مِنْ حَضْرَتِك: “لم يختبئ أيوب أبدًا من الله وليس لديه نية للقيام بذلك. على العكس تمامًا، اختفاء الله هو الذي يرعبه. تتشابه هذه مع كلمات قايين في تكوين ٤: ١٤ التي تصف كيف تم إبعاده عن الشركة مع الله. هذا ما يعتقد أيوب أنه حدث له (أيوب ١٣: ٢٤ – من الواضح أنه عمل الله)، ولا يستطيع أن يفهم الأمر أو أن يتحمله.” أندرسن (Andersen)
٢. وَلاَ تَدَعْ هَيْبَتَكَ تُرْعِبُنِي: نشعر هنا بالقيمة التي وضعها أيوب على علاقته الشخصية بالله، ونشعر بالقلق من أن هذه المجريات الحالية ستدمره. أراد أيوب أن يسترد علاقته بالله (ثُمَّ ادْعُ فَأَنَا أُجِيبُ).
• لم تكن مخافة الرب عند أيوب مخافة سليمة وصحية، لكنها كانت مدفوعة بالرُّعْب. وهذا النوع من الخوف يعكس قلقنا من أن يؤذينا الله. أما مخافة الرب السليمة والصحيحة فتعكس قلقنا من أننا نحن نؤذي الله.
٣. أَعْلِمْنِي ذَنْبِي وَخَطِيَّتِي: تمسك أيوب ببراءته بثبات، بمعنى أنه لم تكن هناك خطية خاصة أو خطيرة أدت إلى محنته الأخيرة، رغم مناشدات أصدقائه البليغة. وفي الوقت نفسه، سيسمح أيوب بإمكانية أن يكون مخطئًا. لذلك، صلى هذه الصلاة الرائعة، طالبًا من الله أن يريه آثامه وخطاياه.
• كلمات أيوب هنا تتوافق مع ما قاله المرنم في مزمور ١٣٩: ٢٣-٢٤ ’اخْتَبِرْنِي يَا اَللهُ وَاعْرِفْ قَلْبِي. امْتَحِنِّي وَاعْرِفْ أَفْكَارِي. وَانْظُرْ إِنْ كَانَ فِيَّ طَرِيقٌ بَاطِلٌ، وَاهْدِنِي طَرِيقًا أَبَدِيًّا.‘
٤. لِمَاذَا تَحْجُبُ وَجْهَكَ، وَتَحْسِبُنِي عَدُوًّا لَكَ: نشعر مرة أخرى بعذاب أيوب هنا. كان يتوق إلى رد علاقته وشركته بالرب، لكنه شعر كما لو أن الله كان يختبئ منه ويعتبره عَدُوًّا له.
• “لو توقف الله عن تعذيبه وتواصل معه فقط، فسيشعر أيوب أن كل شيء سينتهي بشكل جيد.” سميك (Smick)
٥. أَتُرْعِبُ وَرَقَةً مُنْدَفَعَةً: “استخدم أيوب صورة مألوفة، ورقة تتقاذفها الرياح. عندما تتدلى الأوراق ولكن برفق على الأشجار في فصل الخريف وتهب رياح قوية، تسقط الأوراق من حولنا بشكل زخات، عاجزة تمامًا على البقاء في مكانها، فنجدها ترفُّ في الهواء ذهابًا وإيابًا، مثل الطيور المجنحة التي لا تستطيع توجيه نفسها، ولكن توجهها كل نفخة ريح تهب عليها، لتغرق أخيرًا في الطين، لتُداس وتنسى. يُشبِّه أيوب نفسه بهذه الأوراق – يشعر بأنه شيء عاجز ويائس، لا قيمة له، ضعيف ومحتقر وهالك.” سبيرجن (Spurgeon)
• “يا لها من بركة عظيمة يا إخوتي، أن نعرف ضعفنا. إن إفراغ الخاطئ من حماقته، ومن غروره وكبريائه ليس بالأمر السهل. يمكن للمسيح أن يملأه بسهولة بالحكمة والفطنة، ولكن أخذه لتلك النقطة، أي جعله فارغًا – هذا سيتطلب عمل جادًا، وهنا تكمن الصعوبة.” سبيرجن (Spurgeon)
٦. لأَنَّكَ كَتَبْتَ عَلَيَّ أُمُورًا مُرَّةً، وَوَرَّثْتَنِي آثَامَ صِبَايَ: هذا مثال آخر على حقيقة أن أيوب لم يعتقد أنه بلا خطية. بالمقابل، أدرك آثَامَ صِبَاه وخشي الآن أن الله كان يتهمه بهذه الخطايا.
• لأَنَّكَ كَتَبْتَ عَلَيَّ أُمُورًا مُرَّةً: “الاقتراح الذي وضع هنا أن الله طبيب، يكتب وصفة طبية لعلاج مُر. أو هو قاض، يصف عقوبة مريرة؛ أو هو يُسجل جرائم أيوب المريرة… الكتابة هي المرسوم الذي يحدد أمور مريرة فعلها أيوب.”
٧. فَجَعَلْتَ رِجْلَيَّ فِي الْمِقْطَرَةِ: ولأنه شعر أن الله ضده، شعر أيوب بأن الله قد حاصره تمامًا وأحاطه بسياج. شعر كما لو أن قدميه محدودتان وأن طرقه كانت تراقب عن كثب.
٨. وَعَلَى أُصُولِ رِجْلَيَّ نَبَشْتَ: تعني الجملة حرفيًا – أنت تنقش بصمة على قدمي. يترجمها بولينجر (Bullinger) بهذا الشكل: ’جعلت بصمتك على قدمي،‘ ويعلق عليها قائلًا: “كمالكي الماشية والجمال… إلخ، يضعون بصماتهم على حوافرها، حتى يمكن معرفتها وتعقبها.”
ب) الآية (٢٨): أيوب يرثي ضعف الإنسان.
٢٨وَأَنَا كَمُتَسَوِّسٍ يَبْلَى، كَثَوْبٍ أَكَلَهُ الْعُثُّ.
١. وَأَنَا كَمُتَسَوِّسٍ يَبْلَى: من المؤكد أن تأمُل أيوب البليغ في عظمة الله (خاصة في أيوب ١٢، في وقت سابق من هذا الخطاب نفسه) رفع الله عاليًا فوق الكل. لكنه أيضًا جعل الإنسان، بالمقارنة، يبدو كشيءٍ عَفِنٍ، كَمُتَسَوِّسٍ.
• وافق أيوب بشكل أساسي على فهم صُوفَر لفساد الإنسان (أيوب ١١: ٥-٦). لكن خلافه كان مع تطبيق صُوفَر لتلك العقيدة على ظروف أيوب.
٢. كَثَوْبٍ أَكَلَهُ الْعُثُّ: كان بيان أيوب أكثر من مجرد وصف شِعري لفساد الإنسان بشكل عام. لقد كان تنهيدة محبطة لوصف حالته الخاصة. كان أيوب يتحلل كثوب أكله العفن والتسوس (كَمُتَسَوِّسٍ يَبْلَى، كَثَوْبٍ أَكَلَهُ الْعُثُّ). كان بإمكان صُوفَر أن يتحدث عن ذلك. فهذا ما كان يشعر به أيوب.