سفر أيوب – الإصحاح ٤٢
توبة أيوب والتعويضات
أولًا. توبة أيوب
أ ) الآيات (١-٣): أيوب يعترف بعجرفته وعدم معرفته.
١فَأَجَابَ أَيُّوبُ الرَّبَّ فَقَالَ: ٢«قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ، وَلاَ يَعْسُرُ عَلَيْكَ أَمْرٌ. ٣فَمَنْ ذَا الَّذِي يُخْفِي الْقَضَاءَ بِلاَ مَعْرِفَةٍ؟ وَلكِنِّي قَدْ نَطَقْتُ بِمَا لَمْ أَفْهَمْ. بِعَجَائِبَ فَوْقِي لَمْ أَعْرِفْهَا.
١. قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ: من الواضح أن هذا التصريح الرائع لأيوب كان مرتبطًا بتعبيره عن الإعجاب بقوة الله وقدرته على الخليقة. لكنه كان مرتبطًا أيضًا بالتعزية التي جلبها الشعور بحضور الله إلى أيوب. فالله بالفعل يَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ، بما في ذلك جلب التعزية والطمأنينة لأيوب، حتى عندما كان أيوب لا يزال لا يفهم أصل أو معنى أزمته.
٢. وَلاَ يَعْسُرُ عَلَيْكَ أَمْرٌ: فالله الذي يستطيع أن يسود على بَهِيمُوثُ ولَوِيَاثَانَ (أيوب ٤٠ و٤١) يمكنه أيضًا أن يتمّم مقاصده الخاصة لأيوب، بما في ذلك المعنى الغامض وراء التقلبات والمنعطفات.
٣. وَلكِنِّي قَدْ نَطَقْتُ بِمَا لَمْ أَفْهَمْ. بِعَجَائِبَ فَوْقِي لَمْ أَعْرِفْهَا: قال أيوب الكثير من الأشياء المحزنة وغير الحكيمة، سواء في صرخة الألم في أيوب ٣ أو في النقاش المرير والخلافي مع أصدقائه. كان في بعض الأحيان يشك في صلاح الله وحكمه العادل في العالم؛ وأحيانًا كان يشك في وجود أي خير في هذه الحياة أو بعدها. الآن التفَّ أيوب دورة كاملة، وعاد إلى حالة من الرضا بعدم معرفة إجابات الأسئلة التي أثارتها أزمته واثارها رفاقه.
• “شعر أيوب أن ما قاله عن الرب كان في عين الصواب؛ إذ قال الرب نفسه لأصدقاء أيوب الثلاثة: ’إنكم لم تقولوا بي الصواب كما فعل عبدي أيوب،‘ ولكن عندما هيمن عليه الحضور الإلهي، شعر أيوب أنه حتى عندما تكلم بالصواب، فقد تكلم بما يفوق معرفته، ونطق بكلام لم يستطع هو نفسه أن يفهم أعماق معناه.” سبورجون (Spurgeon)
• يتم التعبير عن تفكير أيوب هنا بشكل جيد من خلال أحد أقصر المزامير، مزمور ١٣١: يَا رَبُّ، لَمْ يَرْتَفِعْ قَلْبِي، وَلَمْ تَسْتَعْلِ عَيْنَايَ، وَلَمْ أَسْلُكْ فِي الْعَظَائِمِ، وَلاَ فِي عَجَائِبَ فَوْقِي. بَلْ هَدَّأْتُ وَسَكَّتُّ نَفْسِي كَفَطِيمٍ نَحْوَ أُمِّهِ. نَفْسِي نَحْوِي كَفَطِيمٍ. لِيَرْجُ إِسْرَائِيلُ الرَّبَّ مِنَ الآنَ وَإِلَى الدَّهْرِ.
ب) الآيات (٤-٦): أيوب يتوب أمام الله.
١. اِسْمَعِ الآنَ وَأَنَا أَتَكَلَّمُ: في الماضي، بدا أن أيوب يريد أن يتحدى الله (أيوب ٣١: ٣٥-٤٠) بطريقة مباشرة هجومية. والآن، بعد أن اختبر حضور الله الرائع، طلب باحترام أن يُسمح له بالكلام.
٢. بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ، وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي: هذا يذكرنا بأن أقوى جانب من لقاء أيوب مع الله لم يكن في المقام الأول ما قاله الله، ولكن حضور الله البسيط والمحب والقوي مع أيوب هو الذي غيره بعمق.
• رؤية الله – ليس بعينه الحرفية، ولكن بطريقة حقيقية حرفيًا – أعطت أيوب ما أراده: أن يعرف أن الله كان معه في أزمته. بعد اختبار أيوب حضور الله الرائع، صار قلبه خاشعًا.
• لا ينبغي أن نفترض أن ما عرفه أيوب عن الله كان خاطئًا بالضرورة؛ ولكن كل إعلان جديد وعميق من الله له سطوع يجعل الاختبارات السابقة عن لله تبدو شاحبة إلى حد ما. ما اختبره للتو كان حقيقيًا جدًا، مما جعل اختباراته السابقة تبدو غير واقعية.
٣. لِذلِكَ أَرْفُضُ: من المهم أن نفهم كل عبارة من عبارات أيوب هذه. يبدو أن هذا هو التبكيت الطبيعي على الخطية الذي يشعر به حتى القديس مثل أيوب في محضر الله؛ ولكن، هناك أدلة جيدة على أن أيوب، بهذا التصريح، كان يتراجع رسميًا عن تصريحاته السابقة التي أدلى بها عن جهل.
• “الفعل المترجم ’لِذلِكَ أَرْفُضُ‘ (أيوب ٤٢: ٦) يمكن أن يُترجَم ’أنا أرفض ما قلته.‘” سميك (Smick)
• “تعني الكلمة العبرية حرفيًا، حسب أصل الكلمة، ’أن أختفي.‘ ومن جهة الاستخدام: ’أن أتراجع، أتنصل.‘ في الواقع، تجاوز أيوب في هذه المرحلة ما قاله سابقًا عندما أعلن، ُأنا صغير،‘ وأعلن عمليًا أنه ألغى نفسه تمامًا. أختفي، أتراجع عن كل ما قيل؛ أنا أتبرأ من الموقف الذي اتخذته.” مورغان (Morgan)
• “أنا أرفض (تضيف الترجمات ’أنا‘ لأنها غير موجود في العبرية). لا يصل معناها إلى حد الكراهية الذاتية عند التوبة الحقيقية التي تتطلب الاعتراف بالخطايا المعروفة. وإذا أردنا أن نربطها بالآية ٣، فأيوب كان يُعبر عن أسفه لكلماته السخيفة، التي نطق بها على عجل وفي جهل.” أندرسن (Andersen)
٤. وَأَنْدَمُ فِي التُّرَابِ وَالرَّمَادِ: كان من الصواب أن يتوب أيوب. فهو لم يفعل شيئًا لإثارة الأزمة التي دخلت حياته. كانت أسباب تلك الأزمة متجذرة في الخلاف بين الله والشيطان كما هو مسجل في أيوب ١ و٢. ولكن، كان عليه أن يتوب عن كلماته الخاطئة وموقفه الخاطئ بعد الأزمة؛ سواء لاستسلامه المفرط لليأس في أيوب ٣، وكذلك بسبب خطابه غير الحكيم والمتطرف أثناء مجادلته مع رفاقه.
• من المهم أن نلاحظ أن أيوب لم يذعن لأصدقائه ولم يعترف بأنهم كانوا على حق طوال الوقت. فكلامهم ببساطة لم يكن صحيحًا. كانت الخطايا التي تاب عنها أيوب هنا خطايا عامة، مشتركة بين جميع البشر، والتي ظهرت قاتمة أكثر في محضر الله، لكنها لم تكن هي سبب الكارثة التي حدثت في حياته؛ بل كانت خطايا ارتُكبت بعد وقوع الكارثة.
• ما الذي كان على أيوب أن يتوب عنه؟ في عظته بعنوان: ’أيوب وسط التراب والرماد،‘ اقترح سبيرجن (Spurgeon) عدة أشياء:
تاب أيوب عن اللعنة الرهيبة التي أعلنها على يوم مولده.
تاب أيوب عن رغبته في الموت.
تاب أيوب عن شكاواه ضد الله وتحدياته له.
تاب أيوب عن يأسه.
تاب أيوب عن كون تصريحاته ’تُظْلِمُ الْقَضَاءَ بِكَلاَمٍ بِلاَ مَعْرِفَةٍ‘ (أيوب ٣٨: ٢)؛ حيث تحدث بما يفوق معرفته وقدرته على المعرفة.
• يمكن للمرء أن يقول إن كلمات أيوب هذه – كلمات التوبة والخضوع أمام الله عن الخطايا التي أُثيرت بشدة، الخطايا التي تأتي من الأتقياء وليس من الأشرار، التي لا تحتوي على تجديف على الله على الإطلاق – قد أنهت الصراع بين الله والشيطان وأظهرت أن النصر كان لله ولأيوب.
• كانت ثقة الله في إيمان أيوب مبررة تمامًا. “إن أيوب قد تبرر في الإيمان بصلاح الله الذي ثبت خلال الحرمان الرهيب، وفي الواقع، نما هذا الإيمان في إطار غير مدعوم بعقيدة إسرائيل التاريخية أو أفعال الله العظيمة، وغير مدعوم بالحياة في مجتمع العهد، وغير مدعوم بمؤسسات العبادة، وغير مدعوم بالمعرفة المعلنة من الأنبياء، وغير مدعوم بالتقليد، وتُناقضه الاختبارات. فبعد يسوع، فإن أيوب بالتأكيد يجب أن يكون أعظم مؤمن في الكتاب المقدس كله.” أندرسن (Andersen)
• ببساطة، “بدون غضب تجاهه، سمح الله لأيوب أن يتألم من أجل إذلال المُتَّهِم وتقديم الدعم لعدد لا يُحصى من المتألمين الذين سيتبعون خطى أيوب.” سميك (Smick) وقد تحقق ذلك الآن.
ثانيًا. استعادة أيوب
أ ) الآيات (٧-٩): وُبِّخ أصدقاء أيوب؛ أما أيوب فتبرر
٧وَكَانَ بَعْدَمَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ مَعَ أَيُّوبَ بِهذَا الْكَلاَمِ، أَنَّ الرَّبَّ قَالَ لأَلِيفَازَ التَّيْمَانِيِّ: «قَدِ احْتَمَى غَضَبِي عَلَيْكَ وَعَلَى كِلاَ صَاحِبَيْكَ، لأَنَّكُمْ لَمْ تَقُولُوا فِيَّ الصَّوَابَ كَعَبْدِي أَيُّوبَ. ٨وَالآنَ فَخُذُوا لأَنْفُسِكُمْ سَبْعَةَ ثِيرَانٍ وَسَبْعَةَ كِبَاشٍ وَاذْهَبُوا إِلَى عَبْدِي أَيُّوبَ، وَأَصْعِدُوا مُحْرَقَةً لأَجْلِ أَنْفُسِكُمْ، وَعَبْدِي أَيُّوبُ يُصَلِّي مِنْ أَجْلِكُمْ، لأَنِّي أَرْفَعُ وَجْهَهُ لِئَلاَّ أَصْنَعَ مَعَكُمْ حَسَبَ حَمَاقَتِكُمْ، لأَنَّكُمْ لَمْ تَقُولُوا فِيَّ الصَّوَابَ كَعَبْدِي أَيُّوبَ». ٩فَذَهَبَ أَلِيفَازُ التَّيْمَانِيُّ وَبِلْدَدُ الشُّوحِيُّ وَصُوفَرُ النَّعْمَاتِيُّ، وَفَعَلُوا كَمَا قَالَ الرَّبُّ لَهُمْ. وَرَفَعَ الرَّبُّ وَجْهَ أَيُّوبَ.
١. قَدِ احْتَمَى غَضَبِي عَلَيْكَ وَعَلَى كِلاَ صَاحِبَيْكَ: وبخ الله رفاق أيوب الثلاثة، وخاطب أَلِيفَاز كرأس لهم (الذي كان أول المتكلمين الثلاثة).
• من الغريب أن الله لم يخاطب أَلِيهُو في هذا الإصحاح الأخير. يعتقد بعض الناس أن هذا يرجع إلى أن أَلِيهُو كان محقًا فيما قاله وكان بالفعل رسول الله إلى أيوب. ولكن إن أخذنا في الاعتبار ما قاله أَلِيهُو، فمن الأفضل أن نُفكر أن الله لم يستجب له تعبيرًا عن رفضه التام.
• “لذلك يُعاقب (كما يُعاقب السفراء عندما يرتكبون المخالفات) بالصمت، وهي الطريقة الملكية لتصحيح الخطأ.” تراب (Trapp)
٢. لأَنَّكُمْ لَمْ تَقُولُوا فِيَّ الصَّوَابَ كَعَبْدِي أَيُّوبَ: تحدث أصدقاء أيوب بالعديد من المبادئ العامة التي تتمتع بحكمة عظيمة في بيئتهم. كانت المشكلة أن مبادئ حكمتهم لم تنطبق على حالة أيوب. لقد قدموا الله على أنه ديان وغاضب على أيوب، بينما لم يكن كذلك. وهذا أزعج الله.
• لقد أغضب هذا الله كثيرًا لدرجة أنه كرر خصيصًا المُهمَّة في (أيوب ٤٢: ٨). أمرهم أن يُصْعِدُوا مُحْرَقَةً للتكفير عن خطاياهم؛ وأمرهم أن يتواضعوا ويطلبوا من أيوب أن يُصَلِّي لأجلهم.
• يمكننا أن نتخيل أنهم فوجئوا تمامًا بهذا. اعتقدوا بلا شك أن الله كان متفقًا معهم طوال الوقت. ” ومع ذلك بدا أنهم كانوا كلهم يتكلمون نيابة عن الله؛ ويدافعون عن قضيته ضد أيوب طوال الوقت. لكنهم كانوا مخطئين في بعض الأشياء كثيرًا، وكانوا معتدين بأنفسهم، ومتحيزين جدًا في خطاباتهم.” تراب (Trapp)
• كان توبيخ الله لأَلِيفَاز وبِلْدَد وصُوفَر في نفس الوقت تبرئة صريحة لأيوب. صحيح أن أيوب قال في إحباطه وعناده وبؤسه أشياء كان عليه أن يتوب عنها. ومع ذلك، لا يزال بإمكان الله أن يقول: كَعَبْدِي أَيُّوبَ، وطرح أيوب كمثال لمن تكلم بما هو صَّوَابَ.
٣. فَذَهَبَ أَلِيفَازُ… وَبِلْدَدُ… وَصُوفَرُ… وَفَعَلُوا كَمَا قَالَ الرَّبُّ لَهُمْ. وَرَفَعَ الرَّبُّ وَجْهَ أَيُّوبَ: تم قبول أصدقاء أيوب من أجل أيوب، لأن الرَّبّ رَفَعَ وَجْهَ أَيُّوبَ. جعل الله أيوب وسيطًا لأصدقائه. لا بد أن هذه كانت تجربة تواضع وتعليم للأصدقاء، وتجربة سعيدة وشافية لأيوب.
• “هؤلاء الرجال لم يقولوا: لا، لن نذهب إلى أيوب. لم يحاولوا تبرير أنفسهم، لقد فعلوا بالضبط ما أمرهم به الله، وبذلك فعلوا شيئا عظيمًا ونبيلًا، وانتهزوا الفرصة الوحيدة للتعرف على الله.” شامبرز (Chambers)
• “لقد حاولوا استعادة أيوب بالفلسفة. وقد فشلوا. والآن هو عليه أن يستعيدهم بالصلاة. علاوة على ذلك، تم كسر قيود سبيه الذاتي بأن يرفع الصلاة نيابة عن الآخرين.” مورغان (Morgan)
• “لقد سُمح لأيوب بالانتقام النبيل، وأنا متأكد أن هذا هو الشيء الوحيد الذي كان يرغب فيه عندما أصبح هو وسيلة لإستعادتهم إلى الله. قال إن الله لن يسمعهم، لأنهم تحدثوا بشكل خاطئ عن خادمه أيوب، والآن تم تعيين أيوب ليكون وسيطًا أو شفيعًا نيابة عنهم: هكذا تحول الازدراء الذي انسكب على الشيخ أيوب إلى كرامة.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (١٠-١١): يُبارك أيوب ويتقبله أصدقاؤه مرة أخرى.
١٠وَرَدَّ الرَّبُّ سَبْيَ أَيُّوبَ لَمَّا صَلَّى لأَجْلِ أَصْحَابِهِ، وَزَادَ الرَّبُّ عَلَى كُلِّ مَا كَانَ لأَيُّوبَ ضِعْفًا. ١١فَجَاءَ إِلَيْهِ كُلُّ إِخْوَتِهِ وَكُلُّ أَخَوَاتِهِ وَكُلُّ مَعَارِفِهِ مِنْ قَبْلُ، وَأَكَلُوا مَعَهُ خُبْزًا فِي بَيْتِهِ، وَرَثَوْا لَهُ وَعَزَّوْهُ عَنْ كُلِّ الشَّرِّ الَّذِي جَلَبَهُ الرَّبُّ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ كُلٌّ مِنْهُمْ قَسِيطَةً وَاحِدَةً، وَكُلُّ وَاحِدٍ قُرْطًا مِنْ ذَهَبٍ.
١. وَرَدَّ الرَّبُّ سَبْيَ أَيُّوبَ لَمَّا صَلَّى لأَجْلِ أَصْحَابِهِ: كان الله صالحًا بما فيه الكفاية ليعيد ثروة أيوب إليه، على الرغم من أن أيوب لم يطلب ذلك أبدًا. كان عذاب أيوب دائمًا مُتجذرًا في الجوانب الروحية لأزمته، أكثر بكثير من الجوانب المادية. ولكن بمجرد أن حُلَّت الجوانب الروحية، أعاد الله له المادية.
• كما تشير الحاشية في ترجمة الملك جيمس الجديدة، يمكن للآية أن تترجم أيضًا كالتالي: وَرَدَّ الرَّبُّ سَبْيَ أَيُّوبَ. هذه عبارة إيحائية؛ فمن خلال فعل الصلاة من أجل أصدقائه واستعادة علاقته معهم، رَدَّ الرَّبُّ سَبْيَ أَيُّوبَ.
• لا تقول الآية أن الله ردَّ فقر أيوب أو صحته أو صداقاته، لكنها تقول حرفيًا: رَدَّ الرَّبُّ سَبْيَ أَيُّوب. قد يكون الرجل فقيرًا ومريضًا وبلا أصدقاء دون أن يكون أسيرًا (مسبيًا). ولكن حين أخذ أيوب إعلانًا من الله؛ وحين تواضع أمامه؛ وحين كفَّر عن أصدقائه وصلى لأجلهم، كان لا يزال في السبي.
• حدث هذا بعد استعادة أيوب علاقته مع أصدقائه (لَمَّا صَلَّى لأَجْلِ أَصْحَابِهِ). كان من الممكن أن تكون هذه الاستعادة ضعيفة لو ظلت علاقة أيوب مع أَلِيفَاز وبِلْدَد وصُوفَر مريرة وخلافية كما كانت أثناء مجادلاتهم.
٢. فَجَاءَ إِلَيْهِ كُلُّ إِخْوَتِهِ وَكُلُّ أَخَوَاتِهِ وَكُلُّ مَعَارِفِهِ مِنْ قَبْلُ، وَأَكَلُوا مَعَهُ خُبْزًا فِي بَيْتِهِ: كان أيوب منبوذًا في يوم من الأيام، حتى من عائلته (كما هو موضح في أيوب ١٩: ١٣-١٤). والآن تمت استعادة هذه العلاقات.
• من المثير أن نلاحظ أنهم جاءوا وَرَثَوْا لَهُ وَعَزَّوْهُ عَنْ كُلِّ الشَّرِّ الَّذِي جَلَبَهُ الرَّبُّ عَلَيْهِ، وهذا كان بعد استعادة خسائره، وفك قيود سبيه. “يجدر بنا أن نقف عند حقيقة أنه حتى عندما وضعت الأمور في نصابها، لا يزال أيوب يشعر بألم الخسارة، ويحتاج إلى تعزية الناس.” أندرسن (Andersen)
• وقدموا له هدايا سخية (قَسِيطَةً وَاحِدَةً، وَكُلُّ وَاحِدٍ قُرْطًا مِنْ ذَهَبٍ)؛ ربما كانت لتكريم عظمته أكثر من مجرد تقديمها. “لتعويض خسائره السابقة، وجزئيًا، كشهادة على احترامهم وتبجيلهم له أيضًا.” بوله (Poole)
ج) الآيات (١٢-١٧): النهاية السعيدة لقصة أيوب.
١٢وَبَارَكَ الرَّبُّ آخِرَةَ أَيُّوبَ أَكْثَرَ مِنْ أُولاَهُ. وَكَانَ لَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا مِنَ الْغَنَمِ، وَسِتَّةُ آلاَفٍ مِنَ الإِبِلِ، وَأَلْفُ فَدَّانٍ مِنَ الْبَقَرِ، وَأَلْفُ أَتَانٍ. ١٣وَكَانَ لَهُ سَبْعَةُ بَنِينَ وَثَلاَثُ بَنَاتٍ. ١٤وَسَمَّى اسْمَ الأُولَى يَمِيمَةَ، وَاسْمَ الثَّانِيَةِ قَصِيعَةَ، وَاسْمَ الثَّالِثَةِ قَرْنَ هَفُّوكَ. ١٥وَلَمْ تُوجَدْ نِسَاءٌ جَمِيلاَتٌ كَبَنَاتِ أَيُّوبَ فِي كُلِّ الأَرْضِ، وَأَعْطَاهُنَّ أَبُوهُنَّ مِيرَاثًا بَيْنَ إِخْوَتِهِنَّ. ١٦وَعَاشَ أَيُّوبُ بَعْدَ هذَا مِئَةً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَرَأَى بَنِيهِ وَبَنِي بَنِيهِ إِلَى أَرْبَعَةِ أَجْيَال. ١٧ثُمَّ مَاتَ أَيُّوبُ شَيْخًا وَشَبْعَانَ الأَيَّامِ.
١. وَبَارَكَ الرَّبُّ آخِرَةَ أَيُّوبَ أَكْثَرَ مِنْ أُولاَهُ: في بداية قصة أيوب نجد رجلًا مباركًا وتقيًا؛ في نهاية سفر أيوب نجد رجلًا مباركًا أكثر وتقيًّا أكثر. وفي النهاية، فكل هجومات الشيطان جعلت من أيوب رجلًا مباركًا وتقيًّا أكثر.
• “ستنتهي أحزاننا عندما يحقق الله غرضه النهائي منها. وكان الغرض في حالة أيوب أن يُهزم الشيطان، ويُحبط بأسلحته، وأن ينفجر في آماله التي دبر فيها كل شيء بطريقته.” سبيرجن (Spurgeon)
• ضاعف أيوب ممتلكاته ببركة الله وضاعف أولاده أيضًا. “لقد تضاعف عدد أولاد أيوب؛ ولا تنسوا الأولاد الذين صعدوا إلى السماء قبلنا.” تراب (Trapp)
• يمكننا أيضا أن نرى، كما يقترح ماسون (Mason)، هذا الإصحاح كمثال على عمل النهضة.
شعب الله يُبكتون على خطاياهم (لِذلِكَ أَرْفُضُ – أكره نفسي).
شعب الله منكسر وتائب (وَأَنْدَمُ فِي التُّرَابِ وَالرَّمَادِ).
الله يتكلم إلى قساة القلوب وهم يستمعون (الرَّبَّ قَالَ لأَلِيفَازَ).
شعب الله يصلي من أجل الآخرين والله يستجيب (وَعَبْدِي أَيُّوبُ يُصَلِّي مِنْ أَجْلِكُمْ).
شعب الله يطيع الله (فَذَهَبَ أَلِيفَازُ… وَبِلْدَدُ… وَصُوفَرُ… وَفَعَلُوا كَمَا قَالَ الرَّبُّ لَهُمْ).
شعب الله متحدون ومبتهجون (فَجَاءَ إِلَيْهِ كُلُّ إِخْوَتِهِ وَكُلُّ أَخَوَاتِهِ… وَأَكَلُوا مَعَهُ خُبْزًا فِي بَيْتِهِ).
شعب الله مبارك (وَبَارَكَ الرَّبُّ).
٢. وَكَانَ لَهُ سَبْعَةُ بَنِينَ وَثَلاَثُ بَنَاتٍ: لا شيء يمكن أن يحل محل الأبناء الذين فقدهم أيوب بشكل مأساوي في أيوب ١؛ ولكن، كان هؤلاء الأبناء العشرة عزاءً حقيقيًا. كما أن هناك بعض الأدلة على أن أيوب استرد علاقته بزوجته كما في السابق.
• كانت بَنَات أيوب أيضًا مباركات بشكل فريد، وجَمِيلاَتٌ، وكان لهن مِيرَاثًا بَيْنَ إِخْوَتِهِنَّ. لقد كان هناك بلا شك بعض الصلة بين سلوك أيوب التقي كرجل عائلة (أيوب ٣١: ١-٤؛ ٣١: ٩-١٢) وهذه البركة على بَنَاته.
• أسماء بَنَات أيوب لها بعض الأهمية.
يَمِيمَةَ: ’حمامة‘ أو ’يوم مشرق‘
قَصِيعَةَ: ’القرفة‘ – رائحة عطرة
قَرْنَ هَفُّوكَ: ’جرة من كحل العين‘ أو ’قرن الجمال‘ – كانت الفكرة أنها كانت جميلة جدًا لدرجة أنها لم تكن بحاجة إلى مستحضرات تجميل.
٣. وَعَاشَ أَيُّوبُ بَعْدَ هذَا مِئَةً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَرَأَى بَنِيهِ وَبَنِي بَنِيهِ إِلَى أَرْبَعَةِ أَجْيَال… ثُمَّ مَاتَ أَيُّوبُ شَيْخًا وَشَبْعَانَ الأَيَّامِ: مات أيوب بعد أن عاش حياة طويلة ومباركة. لقد تمت مكافأته جيدًا كمجاهد انتصر في معركة عظيمة لمجد الله.
• وفقا لآدم كلارك (Adam Clarke)، فإن الفكرة وراء شَبْعَانَ الأَيَّامِ هي أن أيوب مات عندما كان ’راضيًا عن هذه الحياة.‘ “كان أيوب الآن مستعدًا للموت كإستعداده الدائم لتناول أي وجبة؛ كان شبعان الأيام، كما تقول الآية، أكل من الحياة لأنها كانت حياة جميلة، أشبعت جوعه بالكامل.” تراب (Trapp)
• “لقد تحققت في هذه التجربة أعظم وأهم الأغراض. أصبح أيوب رجلًا أفضل بكثير مما كان عليه من قبل؛ كانت تدبيرات العناية الإلهية موضحة ومبررة. أجهزة الشيطان مكشوفة؛ الصبر يتوج ويكافأ؛ وكنيسة الله قد أُثريت كثيرًا بأن ورثت هذا الكنز العظيم للحق الإلهي الموجود في سفر أيوب.” كلارك (Clarke)
• “في هذا السفر العظيم لا يوجد حل للمشاكل. بل هناك وحي عظيم. وهو أن الله قد يدعو الناس إلى شركة معه من خلال المعاناة؛ وأن قوة النفس البشرية هي دائمًا قوة معرفة الله.” مورغان (Morgan)
• “لسنا جميعا مثل أيوب، لكن لدينا جميعًا إله أيوب. على الرغم من أننا لم نصل إلى غنى أيوب، ولن نغرق على الأرجح في فقر أيوب، إلا أنه يوجد نفس الإله فوقنا إن كنا مرتفعين، ونفس الإله بذراعيه الأبديتين تحتنا إن وصلنا الحضيض؛ وما فعله الرب لأيوب سيفعله من أجلنا، قد لا يكون بالضبط بنفس الشكل، ولكن بنفس الروح وبنفس التصميم.” سبيرجن (Spurgeon)