سفر أيوب – الإصحاح ٣٤
أَلِيهُو يُدين أيوب
أولًا. أَلِيهُو أيوب لفقدانه الإيمان وإنكاره عدالة الله
أ ) الآيات (١-٩): مرة أخرى يُلخص حجة أيوب بشكل غير دقيق.
١فَأَجَابَ أَلِيهُو وَقَالَ: ٢«اسْمَعُوا أَقْوَالِي أَيُّهَا الْحُكَمَاءُ، وَاصْغَوْا لِي أَيُّهَا الْعَارِفُونَ. ٣لأَنَّ الأُذُنَ تَمْتَحِنُ الأَقْوَالَ، كَمَا أَنَّ الْحَنَكَ يَذُوقُ طَعَامًا. ٤لِنَمْتَحِنْ لأَنْفُسِنَا الْحَقَّ، وَنَعْرِفْ بَيْنَ أَنْفُسِنَا مَا هُوَ طَيِّبٌ. ٥«لأَنَّ أَيُّوبَ قَالَ: تَبَرَّرْتُ، وَاللهُ نَزَعَ حَقِّي. ٦عِنْدَ مُحَاكَمَتِي أُكَذَّبُ. جُرْحِي عَدِيمُ الشِّفَاءِ مِنْ دُونِ ذَنْبٍ. ٧فَأَيُّ إِنْسَانٍ كَأَيُّوبَ يَشْرَبُ الْهُزْءَ كَالْمَاءِ، ٨وَيَسِيرُ مُتَّحِدًا مَعَ فَاعِلِي الإِثْمِ، وَذَاهِبًا مَعَ أَهْلِ الشَّرِّ؟ ٩لأَنَّهُ قَالَ: لاَ يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ بِكَوْنِهِ مَرْضِيًّا عِنْدَ اللهِ.
١. اسْمَعُوا أَقْوَالِي أَيُّهَا الْحُكَمَاءُ: هنا، قدم أَلِيهُو مرة أخرى مقدمة مُستَفِيضة لوجهة نظره. اقتبس في خطابه كلمات أيوب التي شعر أنها كانت تتهم الله وتبرر أيوب نفسه.
• “بالطبع، لم يكن أي من هذه الاقتباسات مباشرًا. لكنها تلخص الاستنتاجات التي يبدو أن حجج أيوب تبررها.” مورغان (Morgan)
٢. جُرْحِي عَدِيمُ الشِّفَاءِ مِنْ دُونِ ذَنْبٍ: كان هذا توصيف خاطئ آخر لما قاله أيوب. من المؤكد أن أيوب اشتكى من آلامه التي تبدو وكأنها عَدِيمة الشِّفَاء؛ ولكنه لم يدَّعِ أبدًا أنه بلا خطية. لم يقل إلا إنه لم تكن هناك خطية معينة جعلته هدفًا لهذه الكارثة.
• حاول أَلِيهُو أن يقتبس عبارات محددة من أيوب لتوبيخه، لكنه اقتبس بشكل انتقائي وغير عادل. “اختار أَلِيهُو فقط كلمات أيوب التي تثبت وجهة نظره.” سميك (Smick)
• “صحيح أن أيوب في ذروة ألمه استخدم الكثير من الكلمات الطائشة، كما رأينا في الإصحاح العاشر، ومع ذلك كان من المستبعد على أيوب أن يقول إنه كان بلا خطية أو أن الله كان ظالمًا، ولكنها النقاط التي سيلقي أَلِيهُو بكل ثقله عليها.” تراب (Trapp)
• عِنْدَ مُحَاكَمَتِي أُكَذَّبُ: “هل يجب أن أتَّهِم نفسي زورًا بمثل هذه الخطايا التي لست مدركًا لها؟ هل يجب أن أخون قضيتي، وأنكر نزاهتي، وأقول إنني أستحق أسوأ مما فعلت؟” بوله (Poole)
٣. فَأَيُّ إِنْسَانٍ كَأَيُّوبَ… وَيَسِيرُ مُتَّحِدًا مَعَ فَاعِلِي الإِثْمِ: يبدو من غير المعقول أن أَلِيهُو اعتقد أن أيوب كان مُتَّحِدًا مَعَ فَاعِلِي الإِثْمِ. ربما كان يقصد أن ما اعتبره تفكير أيوب الأخلاقي المشوش قاده إلى أن يرتبط بالفاسدين أخلاقيًا.
• “بلغة أقوى مِن الأصدقاء الأكبر سنًا منه، هاجم المتحدث الشاب أيوب، ليس بسبب بعض الخطايا الخفية في حياته الماضية – لم يقل شيئًا بهذا الشأن، على عكس الأصدقاء – ولكن بسبب تجديفه عَلى اللهِ بسرور، كَما يَشْرَبُ الْهُزْءَ كَالْمَاءِ، وكمن يشرب الماء تحت الشمس الشرقية الحارقة، وبعمله هذا رمى نفسه مَعَ فَاعِلِي الإِثْمِ.” برادلي (Bradley)
٤. لأَنَّهُ قَالَ: لاَ يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ بِكَوْنِهِ مَرْضِيًّا عِنْدَ اللهِ: بالتأكيد لم يقل أيوب شيئًا كهذا. يمكننا أن نفهم كيف فكر أَلِيهُو في هذا عن أيوب، لأن أيوب ادعى أنه مَرْضِيٌّ عِنْدَ اللهِ ويبدو الآن أنه يدعي أن هذا لم يَنْتَفِعُ به. لكن أَلِيهُو يأخذ مسارات فكرية عامة عن أيوب، ويوسعها أبعد مما فعل أيوب.
• “لقد صرخ أيوب ’إن الَّذِينَ يُغِيظُونَ اللهَ مُطْمَئِنُّونَ‘ (أيوب ١٢: ٦) بينما ’الصِّدِّيقُ الْكَامِلُ‘ صار ’سُخْرَةً‘ (أيوب ١٢: ٤، انظر أيضًا ١٠ :٣، ٢١: ٧-٨، ٢٤: ١-١٢). بالنسبة إلى أَلِيهُو، فلا يمكن أن يعني هذا سوى اتهام الله بالخطأ وأنه من غير المعقول أن الله يخطئ.” سميك (Smick)
• “أكثر ما أزعج أَلِيهُو بشأن أيوب هو أن هذا الرجل تكلم بأسلوب غير مهذب وغير محترم بإلقاء اللوم على الله في مشاكله، ولا زال يعتبر نفسه بارًا وأمينًا.” ماسون (Mason)
ب) الآيات (١٠-١٥): بر الله ونظامه الأخلاقي.
١٠«لأَجْلِ ذلِكَ اسْمَعُوا لِي يَا ذَوِي الأَلْبَابِ. حَاشَا للهِ مِنَ الشَّرِّ، وَلِلْقَدِيرِ مِنَ الظُّلْمِ. ١١لأَنَّهُ يُجَازِي الإِنْسَانَ عَلَى فِعْلِهِ، وَيُنِيلُ الرَّجُلَ كَطَرِيقِهِ. ١٢فَحَقًّا إِنَّ اللهَ لاَ يَفْعَلُ سُوءًا، وَالْقَدِيرَ لاَ يُعَوِّجُ الْقَضَاءَ. ١٣مَنْ وَكَّلَهُ بِالأَرْضِ، وَمَنْ صَنَعَ الْمَسْكُونَةَ كُلَّهَا؟ ١٤إِنْ جَعَلَ عَلَيْهِ قَلْبَهُ، إِنْ جَمَعَ إِلَى نَفْسِهِ رُوحَهُ وَنَسَمَتَهُ، ١٥يُسَلِّمُ الرُّوحَ كُلُّ بَشَرٍ جَمِيعًا، وَيَعُودُ الإِنْسَانُ إِلَى التُّرَابِ.
١. لأَنَّهُ يُجَازِي الإِنْسَانَ عَلَى فِعْلِهِ: اتبع أَلِيهُو المعادلة البسيطة القائلة: ’أنت تحصد ما تزرع‘ التي روج لها أَلِيفَاز سابقًا في أول خطاب له (أيوب ٤: ٧-١١).
• يؤمن الكثير من الناس اليوم بفكرة أَلِيهُو (وأَلِيفَاز) ويؤمنون بها كقانون روحي مطلق وليس كمبدأ عام. وبعضهم يستخدم غلاطية ٦: ٧ ’لاَ تَضِلُّوا! اَللهُ لاَ يُشْمَخُ عَلَيْهِ. فَإِنَّ الَّذِي يَزْرَعُهُ الإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضًا.‘ ولكن، من المهم أن نفهم سياق تصريح بولس هنا، أراد أن يشجع ويحض المؤمنين على التبرع المادي لدعم خدامهم. صحيح أن مبدأ غلاطية ٦: ٧ له تطبيق يتجاوز دعم المعلمين والخدام، ولكن له أيضًا تطبيق عام في الحياة؛ إذ أن ما نجنيه هو في كثير من الأحيان ما نزرعه ( المخرجات بحسب المدخلات). ومع ذلك، لم يروج بولس لبعض قوانين الكرما الروحية (spiritual karma) التي تضمن أننا سنحصل على الخير عندما نفعل أشياء جيدة أو نتلقى دائمًا الشر عندما نفعل أشياء سيئة (السبب والنتيجة). إذا كان هناك مثل هذا القانون الروحي المطلق، فمن المؤكد أنه سيلعننا جميعًا. ولكن بولس ربط ببساطة مبدأ البذر والحصاد بالطريقة التي ندير بها مواردنا أمام الرب. استخدم نفس الصورة في ١ كورنثوس ٩: ١١ و٢ كورنثوس ٩: ٦-١٠.
٢. فَحَقًّا إِنَّ اللهَ لاَ يَفْعَلُ سُوءًا، وَالْقَدِيرَ لاَ يُعَوِّجُ الْقَضَاءَ: كان أَلِيهُو على صواب، وكانت هذه فكرة اتفق عليها أيوب وأصدقاؤه الثلاثة. ولكن، المشكلة كانت في أن أَلِيهُو وأصدقاء أيوب الثلاثة على ما يبدو يفترضون أيضًا أن الله لن يفعل شيئًا على نحو غامض أبدًا وكانوا واثقين جدًا في قدرتهم على فهم الله وطرقه.
• “أَلِيهُو عالق الآن في نفس منطق الأصدقاء. ومن خلال التأكيد على أنه لا يمكن التشكيك في طرق الله، يضطر الآن إلى التنديد بآراء أيوب بوصفها شريرة.” أندرسن (Andersen)
٣. إِنْ جَمَعَ إِلَى نَفْسِهِ رُوحَهُ وَنَسَمَتَهُ، يُسَلِّمُ الرُّوحَ كُلُّ بَشَرٍ جَمِيعًا، وَيَعُودُ الإِنْسَانُ إِلَى التُّرَابِ: هنا، أراد أَلِيهُو التأكيد على فكرة استقلال الله وسموه. أراد أن يتذكر أيوب أن الله عظيم جدًا وأن أيوب كان مُخطئًا في التّشكيك فيه.
ج) الآيات (١٦-٢٠): الله يحفظ نظامه الأخلاقي.
١٦فَإِنْ كَانَ لَكَ فَهْمٌ فَاسْمَعْ هذَا، وَاصْغَ إِلَى صَوْتِ كَلِمَاتِي. ١٧أَلَعَلَّ مَنْ يُبْغِضُ الْحَقَّ يَتَسَلَّطُ، أَمِ الْبَارَّ الْكَبِيرَ تَسْتَذْنِبُ؟ ١٨أَيُقَالُ لِلْمَلِكِ: يَا لَئِيمُ، وَلِلْنُدَبَاءِ: يَا أَشْرَارُ؟ ١٩الَّذِي لاَ يُحَابِي بِوُجُوهِ الرُّؤَسَاءِ، وَلاَ يَعْتَبِرُ مُوسَعًا دُونَ فَقِيرٍ. لأَنَّهُمْ جَمِيعَهُمْ عَمَلُ يَدَيْهِ. ٢٠بَغْتَةً يَمُوتُونَ وَفِي نِصْفِ اللَّيْلِ. يَرْتَجُّ الشَّعْبُ وَيَزُولُونَ، وَيُنْزَعُ الأَعِزَّاءُ لاَ بِيَدٍ.
١. أَمِ الْبَارَّ الْكَبِيرَ تَسْتَذْنِبُ؟: أخذ أَلِيهُو صرخات أيوب المُعَذّبة إلى الله على أنها إدانة لله. وهذا كان افتراضًا غير عادل. فعذاب أيوب كان متجذرًا بعمق في الشعور بأنه أحب الله واحترم عدله.
٢. الَّذِي لاَ يُحَابِي بِوُجُوهِ الرُّؤَسَاءِ، وَلاَ يَعْتَبِرُ مُوسَعًا دُونَ فَقِيرٍ: أكد أَلِيهُو هنا مرة أخرى، بأسلوبه المُسهب، على عدالة الله الكاملة.
د ) الآيات (٢١-٣٠): كمال دينونة الله.
٢١لأَنَّ عَيْنَيْهِ عَلَى طُرُقِ الإِنْسَانِ، وَهُوَ يَرَى كُلَّ خَطَوَاتِهِ. ٢٢لاَ ظَلاَمَ وَلاَ ظِلَّ مَوْتٍ حَيْثُ تَخْتَفِي عُمَّالُ الإِثْمِ. ٢٣لأَنَّهُ لاَ يُلاَحِظُ الإِنْسَانَ زَمَانًا لِلدُّخُولِ فِي الْمُحَاكَمَةِ مَعَ اللهِ. ٢٤يُحَطِّمُ الأَعِزَّاءَ مِنْ دُونِ فَحْصٍ، وَيُقِيمُ آخَرِينَ مَكَانَهُمْ. ٢٥لكِنَّهُ يَعْرِفُ أَعْمَالَهُمْ، وَيُقَلِّبُهُمْ لَيْلاً فَيَنْسَحِقُونَ. ٢٦لِكَوْنِهِمْ أَشْرَارًا، يَصْفِقُهُمْ فِي مَرْأَى النَّاظِرِينَ. ٢٧لأَنَّهُمُ انْصَرَفُوا مِنْ وَرَائِهِ، وَكُلُّ طُرُقِهِ لَمْ يَتَأَمَّلُوهَا، ٢٨حَتَّى بَلَّغُوا إِلَيْهِ صُرَاخَ الْمِسْكِينِ، فَسَمِعَ زَعْقَةَ الْبَائِسِينَ. ٢٩إِذَا هُوَ سَكَّنَ، فَمَنْ يَشْغَبُ؟ وَإِذَا حَجَبَ وَجْهَهُ، فَمَنْ يَرَاهُ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى أُمَّةٍ أَوْ عَلَى إِنْسَانٍ؟ ٣٠حَتَّى لاَ يَمْلِكَ الْفَاجِرُ وَلاَ يَكُونَ شَرَكًا لِلشَّعْبِ.
١. لأَنَّ عَيْنَيْهِ عَلَى طُرُقِ الإِنْسَانِ، وَهُوَ يَرَى كُلَّ خَطَوَاتِهِ: تابع أَلِيهُو موضوع عدالة الله الكاملة. وهنا، أكد على فكرة أن لا شيء يفعله الإنسان مخفيًّا عن عَيْنَيْ الله.
• “كم هو صحيح ومهم أن نستوعب هذا الموضوع جيدًا! مع ذلك، فشل أَلِيهُو تمامًا في تفسير مشكلة آلام أيوب. ومرة أخرى علينا أن نقول إن كل ما قاله كان صحيحًا، حتى بخصوص أيوب، لكنه لم يكن كل الحقيقة.” مورغان (Morgan)
٢. لِكَوْنِهِمْ أَشْرَارًا، يَصْفِقُهُمْ فِي مَرْأَى النَّاظِرِينَ. لأَنَّهُمُ انْصَرَفُوا مِنْ وَرَائِهِ، وَكُلُّ طُرُقِهِ لَمْ يَتَأَمَّلُوهَا: قصد أَلِيهُو هذا كتحذير لأيوب. كانت دينونة الله كاملة لدرجة أنه حكم على ملوك وأمراء هذا العالم (الأشرار) دون محاباة. لذلك، إذا لم يتب أيوب عن الخطية التي أدت إلى أزمته واستجابته الخاطئة لها، فيمكنه أن يكون على يقين من أن الله سيدينه كشخص لَمْ يَعُد يَتْبَع اللهَ (لأَنَّهُمُ انْصَرَفُوا مِنْ وَرَائِهِ).
• كان لدى آدم كلارك قصة مثيرة للاهتمام يرويها عن ملاحظة أليهو أن الله سينتقم إن بَلغ إِلَيْهِ صُرَاخُ الْمِسْكِينِ عندما يضطهده الأغنياء وأصحاب النفوذ: “في الوقت الذي كانت فيه الحرية مقيدة بعض الشيء، واعتقد بعض الناس أنهم يقدمون خدمة الله عن طريق اضطهاد أولئك الذين لا يقبلون عقيدتهم بالتحديد، ولا يعبدون الله بطريقتهم، كان هناك رجلًا عظيم في اسكتلندا يضطهد النزلاء بشدة لأنهم كانوا يعقدون اجتماعات دينية في بيوتهم الخاصة خارج المبنى، لم يكن يضايقهم أبدًا عندما كانوا يصرفون وقتهم وأموالهم في الحانة. وفي ذات صباح، ذهبت امرأة تقيّة بسيطة من هؤلاء الناس، إلى منزل هذا المضطهد العظيم، وأرادت التحدث معه. وهناك أراد الخادم أن يعرف رسالتها لينقلها لسيده، لأنه كان غير مسموح لها بالدخول دون دعوة. فأخبرته أنها لا تستطيع إيصال رسالتها لأي أحد سوى السيد؛ وقالت له إنها مسألة ذات أهمية كبيرة، وتخصه هو وحده مباشرة. فأوصل الخادم هذه الرسالة، وأخبر سيده أن المرأة يبدو أن لديها شيئًا لتقوله. فتنازل السيد عن كبريائه وسمح بدخولها. فسألها: “ماذا تريدين مني؟” بنبرة متغطرسة ومتعجرفة. فأجابت: “يا سيدي، نحن فقراء ومساكين، نسعى جاهدين لخدمة الله وفقًا لضميرنا، ولخلاص نفوسنا، ولكنك تضطهدنا. فجئت لأتوسل إليك أن تدعنا وشأننا. وإن لم تفعل، سنصلي كي تموت.” كان من الصعب على هذا الرجل تجاهل الرسالة، إذ لم يكن يعرف مدى تأثير صلوات مثل هؤلاء الناس على السماء. ولأنه لم يكن مستعدًا لامتحان مثل هذه الصلوات، أخذ بحكمة نصيحة المرأة العجوز، وتركهم وشأنهم. كان هو بأمان، وكانوا هم راضين. وأخذ الرب كل المجد. فعندما يحيل المساكين قضيتهم إلى الله، فهو منتقم رهيب. فدع الْفَخَّارِيِّ يكافح مع فَخَّار الأرض، وأما نحن فمع الرجل الذي يصارع خالقه.”
٣. حَتَّى لاَ يَمْلِكَ الْفَاجِرُ وَلاَ يَكُونَ شَرَكًا لِلشَّعْبِ: اعتقد أَلِيهُو أنه من المهم التأكيد على هذه النقاط، إذ بدونها، سينقلب النظام الأخلاقي للمجتمع. فإذا تزعزعت هذه الأشياء، فإن الْفَاجِر سوف يَمْلِك، ويَكُونَ شَرَكًا لِلشَّعْبِ.
• كانت رسالة أَلِيهُو إلى أيوب واضحة: الله دائمًا عادل. ومع ذلك، فإن الطريقة التي طور بها هذا الفكرة وطبقها على موقف أيوب كانت خاطئة، بل وخطيرة. “فإن كان عادلًا، بحكم التعريف، وإن كان صاحب السيادة وهو الذي يتحكم بكل شيء، فإن كل ما يحدث هو حق وعدل، وبالتالي تختفي فئة الشر.” أندرسن (Andersen)
ثانيًا. نصيحة أَلِيهُو القوية لأيوب
أ ) الآيات (٣١-٣٣): أَلِيهُو: ماذا كان على أيوب أن يقول.
٣١«وَلكِنْ هَلْ للهِ قَالَ: احْتَمَلْتُ. لاَ أَعُودُ أُفْسِدُ؟ ٣٢مَا لَمْ أُبْصِرْهُ فَأَرِنِيهِ أَنْتَ. إِنْ كُنْتُ قَدْ فَعَلْتُ إِثْمًا فَلاَ أَعُودُ أَفْعَلُهُ. ٣٣هَلْ كَرَأْيِكَ يُجَازِيهِ، قَائِلاً: لأَنَّكَ رَفَضْتَ؟ فَأَنْتَ تَخْتَارُ لاَ أَنَا، وَبِمَا تَعْرِفُهُ تَكَلَّمْ.
١. وَلكِنْ هَلْ للهِ قَالَ: تكلم أَلِيهُو هنا بكلمات التوبة المتواضعة التي اعتقد أن أيوب كان يجب أن يقولها. كان أَلِيهُو يتكلم عن أيوب هنا.
• كان يجب أن يحتمل التأديب كأي إنسان.
• كان يجب أن يَعِد أنه لاَ يَعُودُ يفْعَلُهُ، وبالتالي الاعتراف بذنبه السابق.
• كان يجب أن يخضع بتواضع، ويطلب من الله أن يُرِيهِ مَا لَمْ يُبْصِرْهُ.
لم ير أَلِيهُو شيئًا من هذا في أيوب فشعر بالإهانة وهذا أغضبه. لذلك ضغط على أيوب ليفعل ما اعتقد أنه صحيح.
٢. هَلْ كَرَأْيِكَ يُجَازِيهِ: انتقد أَلِيهُو ما اعتقد أنه عجرفة أيوب. “هل يجب أن يكون الله فقط كما تعتقد أنه يجب أن يكون، وأن يفعل ما تعتقد أنه يجب أن يفعله؟”
• “يمكن أن يكون المقصود من السؤال في الآية ٣٣ أن يُروِّع أيوب. هل يجب أن يُجازيه الله على المعاملة غير العادلة؟ من الواضح لا.” سميك (Smick)
• “مثل الآخرين، أَلِيهُو قد قَيَّد نفسه في النتيجة الحتمية: أيوب هو المسؤول. وذنبه يقاس بحجم معاناته.” أندرسن (Andersen)
٣. فَأَنْتَ تَخْتَارُ لاَ أَنَا، وَبِمَا تَعْرِفُهُ تَكَلَّمْ: حاول أَلِيهُو الشاب إقناع أيوب بالضغط وبالإنذارات النهائية التي لم يستخدمها أصدقاء أيوب الثلاثة. ضَغَط بنقاطه على أيوب بقوة كبيرة.
• من المؤلم أن نرى هذا الشاب أَلِيهُو المتهور يتحدث إلى أيوب التَّقي بهذه الطريقة. لكن، لنتذكر أنه ليس هناك شك في أن أَلِيهُو كان لديه أفضل النوايا. لقد اعتقد حقًا أنه كان يساعد أيوب.
• “لقد كان يفعل هذا بفطرته الخاصة لخير أيوب، وليس بدافع أي رغبة في الانتقام. لذلك أعلن فاريلوس (Farellus) نقمته على دراسات كالفن الشاب، في حالة رفضه الانضمام إليه في عمل الرب في جنيف، حيث تم زرع كنيسة حديثًا؛ لقد صعقه هذا، حتى أنه لم يحرك ساكنًا إلى يوم مماته.” تراب (Trapp)
ب) الآيات (٣٤-٣٧): خطايا أيوب الكثيرة تستدعي دينونة الله.
٣٤ذَوُو الأَلْبَابِ يَقُولُونَ لِي، بَلِ الرَّجُلُ الْحَكِيمُ الَّذِي يَسْمَعُنِي يَقُولُ: ٣٥إِنَّ أَيُّوبَ يَتَكَلَّمُ بِلاَ مَعْرِفَةٍ، وَكَلاَمُهُ لَيْسَ بِتَعَقُّل. ٣٦فَلَيْتَ أَيُّوبَ كَانَ يُمْتَحَنُ إِلَى الْغَايَةِ مِنْ أَجْلِ أَجْوِبَتِهِ كَأَهْلِ الإِثْمِ. ٣٧لكِنَّهُ أَضَافَ إِلَى خَطِيَّتِهِ مَعْصِيَةً. يُصَفِّقُ بَيْنَنَا، وَيُكْثِرُ كَلاَمَهُ عَلَى اللهِ».
١. إِنَّ أَيُّوبَ يَتَكَلَّمُ بِلاَ مَعْرِفَةٍ، وَكَلاَمُهُ لَيْسَ بِتَعَقُّل: كان هذا، وفقا لأَلِيهُو، هو الرأي العام لذَوي الأَلْبَابِ والرَّجُل الْحَكِيمُ الذين نظروا إلى وضع أيوب. واتفقوا جميعًا على أنه ليس لديه تَعَقُّل أو مَعْرِفَة حقيقية عن وضعه.
٢. فَلَيْتَ أَيُّوبَ كَانَ يُمْتَحَنُ إِلَى الْغَايَةِ مِنْ أَجْلِ أَجْوِبَتِهِ كَأَهْلِ الإِثْمِ: اعتقد هذا الشاب أَلِيهُو أن أيوب لم يتعذب بما فيه الكفاية. كان يعتقد أنه إن كان فعلًا يُمْتَحَن إِلَى الْغَايَةِ، فلربما هذا سوف يجلب أيوب إلى التوبة.
• “هذه أمنية قاسية جدًا: لكن الإصحاح كله بنفس هذه الروح؛ إذ يخلو تقريبًا من اللطف والرحمة. فمن يستطيع أن يفترض أن مثل هذه الحجج يمكن أن تخرج من فم مخلص البشرية المحب؟” كلارك (Clarke)
• قال أَلِيهُو هذا لأنه كان يؤمن حقًا أن أيوب كان يتعمق أكثر فأكثر في الخطية. نحن نعلم من أيوب ١ و٢ أن أيوب كان في الواقع رجلًا مستقيمًا وكاملًا تحدث من خلال ألمه وضبابية أزمته وفي حضور أصدقائه الذين أساءوا فهمه. اعتقد أَلِيهُو أن مشاكل أيوب بدأت بخطيته وازدادت سوءًا عندما أضاف إلى خَطِيَّتِهِ مَعْصِيَةً، حين احتقر نصيحة أصدقائه الجيدة (يُصَفِّقُ بَيْنَنَا) وَيُكْثِرُ كَلاَمَهُ عَلَى اللهِ.
• “الآية ٣٧ صريحة جدًا في اتهامها. كان استخفاف أيوب السابق يُعْزى إلى الغباء وليس إلى الشر. يمكن علاج الأول عن طريق تعليم الحكمة. أما علاج الأخير فهو أكثر صعوبة، خاصة عندما يكون مُتَعَمدًا ومَتَكررًا.” أندرسن (Andersen)
• “يُنهي الإصحاح بتوبيخ أيوب مرة أخرى بشدة صارمة تتجاوز حتى شدة أصدقائه.” برادلي (Bradley)