رسالة بطرس الثانية – الإصحَاح ٢
ظهور وسقوط المعلمين الكذبة
أولاً. حقائق عن المعلمون الكذبة
أ ) الآية (١): وجود وعمل المعلمين الكذبة.
١وَلكِنْ، كَانَ أَيْضًا فِي الشَّعْبِ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ، كَمَا سَيَكُونُ فِيكُمْ أَيْضًا مُعَلِّمُونَ كَذَبَةٌ، الَّذِينَ يَدُسُّونَ بِدَعَ هَلاَكٍ. وَإِذْ هُمْ يُنْكِرُونَ الرَّبَّ الَّذِي اشْتَرَاهُمْ، يَجْلِبُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ هَلاَكًا سَرِيعًا.
- وَلكِنْ، كَانَ أَيْضًا فِي الشَّعْبِ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ: وكما كان هناك أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ (بطرس الثانية ٢١:١)، كان هناك أيضاً أَنْبِيَاءُ كَذَبَة ومُعَلِّمُونَ كَذَبَة كما هو الحال اليوم. وقد صرح بطرس بذلك كحقيقة وليست فرضية، وقال أنهم كانوا فِيكُمْ، ليس فقط خارج الكنيسة.
- “لم يكن هناك رجال الله بين اليهود الذين تنبؤوا من خلال الوحي الإلهي فحسب، ولكن كان هناك أيضاً أنبياء كذبة يتنبؤون من وحي خيالهم وضلوا كثيرين.” كلارك (Clarke)
- الَّذِينَ يَدُسُّونَ بِدَعَ هَلاَكٍ: المعلمون الكذبة يَدُسُّونَ بدعهم أي يدخلونها في الظلمة في الخفاء. وهذا لا يعني أن تعاليمهم سرية، لكن طبيعة خداعهم مخفي. فلا يوجد معلم كاذب يُعلن عن نفسه كمعلم زائف.
- بِدَعَ هَلاَكٍ: المعلمون الكذبة يأتون ببِدَعَ هَلاَكٍ تدمر من خلال قول الأكاذيب عن المسيح يسوع وعمله من أجلنا. وبهذه البدع الناس يتأذوا ويُدمروا. البدع والهرطقات مؤذية للغاية.
- وَإِذْ هُمْ يُنْكِرُونَ الرَّبَّ الَّذِي اشْتَرَاهُمْ: المعلمون الكذبة يُنْكِرُونَ الرَّبَّ الَّذِي اشْتَرَاهُمْ (اَفتَداهُم). وكأن بطرس يقول هنا أنهم يظهرون وكأنهم مخّلصون. وإلا فلن يقول أبداً أن الرب اشْتَرَاهُمْ. وفي نفس الوقت هم معلمون مزيفون كاذبون ومدمرون.
- حتى الشخص الذي يظهر وكأنه يسلك السلوك الحسن حسب قلب الله ويبدو أنه يتمتع بعلاقة شخصية مع الرب يسوع قد يجلب بدع هلاك. وفي أغلب الأحيان الأشخاص الجيدين الذين يُعلمون بدع وأكاذيب يتسببون بأسوأ الأضرار. فأكاذيبهم يتم تصديقها بسهولة كبيرة وذلك لأنهم يظهرون كأشخاص ذوي أخلاق ويتمتعون بصفات حميدة.
- يَجْلِبُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ هَلاَكًا سَرِيعًا: المعلمون الكذبة موعودون بهلاك سريع، مع أنه لا يتم الحكم عليهم بالسرعة الكافية في رأي الكثيرين.
ب) الآية (٢): شعبية المعلمين الكذبة.
٢وَسَيَتْبَعُ كَثِيرُونَ تَهْلُكَاتِهِمْ. الَّذِينَ بِسَبَبِهِمْ يُجَدَّفُ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ.
- وَسَيَتْبَعُ كَثِيرُونَ تَهْلُكَاتِهِمْ: هذا يذكرنا بأن المعلمون الكذبة قد يكونوا مشهورين ومحبوبين. فلمجرد أن شيئاً أو شخصاً نجح في جذب حشد من التابعين، فهذا لا يعني أن هذا العمل أو الشخص من الله. فنحن نعلم أن عمل الله سيأتي بثمر دائماً، لكن عمل إبليس قد يزداد أيضاً.
- الوجه الأكثر إزعاجاً لعمل المعلمون الكذبة هو ليس أنهم فيكم ومعكم (بطرس الثانية ١:٢). فالمعلمون الكذبة موجودون دائماً وسيكونوا دائماً بين المؤمنين. ولكن الحقيقة الأكثر إزعاجاً أنه سَيَتْبَعُ كَثِيرُونَ (من المؤمنين) تَهْلُكَاتِهِمْ.
- الَّذِينَ بِسَبَبِهِمْ يُجَدَّفُ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ: عندما يدس المعلمين الكذبة تعاليمهم الكاذبة وحشود من الناس تتبعهم، يُجَدَّفُ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ. أي بسببهم سيُساء إلَى اسم ومجد الله القدوس.
ج ) الآية (٣): استراتيجية ومصير المعلمين الكذبة.
٣وَهُمْ فِي الطَّمَعِ يَتَّجِرُونَ بِكُمْ بِأَقْوَال مُصَنَّعَةٍ، الَّذِينَ دَيْنُونَتُهُمْ مُنْذُ الْقَدِيمِ لاَ تَتَوَانَى، وَهَلاَكُهُمْ لاَ يَنْعَسُ.
- فِي الطَّمَعِ: المعلمون الكذبة يستخدمون الطَّمَعِ أو المكسب المادي لهم ولأتباعهم. فيقدم كثير من المعلمين الكذبة سواء اليوم أو في أوقات سابقة بشارة الإنجيل لإرضاء واشباع أنفسهم. وكل هذا يُقدَّم بِأَقْوَال مُصَنَّعَةٍ (بأقوال خادعة وكاذبة) لأن التعليم الكاذب لا يُعلن عن حقيقته أبداً.
- الَّذِينَ دَيْنُونَتُهُمْ مُنْذُ الْقَدِيمِ لاَ تَتَوَانَى، وَهَلاَكُهُمْ لاَ يَنْعَسُ: أكد لنا بطرس بأن المعلمين الكذبة سيدانون. ورغم أنهم يظهرون وكأنهم ناجحون، لكن دينونتهم لاَ تَتَوَانَى. فغضب الله ينصب عليهم حتى لو أنه يسمح لهم بمتابعة خداعهم، وبالتالي يجمعون على أنفسهم دينونة أعظم وقلوبهم تصبح أقسى.
ثانياً. الله صاحب السلطان على كل من الأبرار والأشرار
أ ) الآيات (٤-٦): الله سيدين الأشرار.
٤لأَنَّهُ إِنْ كَانَ اللهُ لَمْ يُشْفِقْ عَلَى مَلاَئِكَةٍ قَدْ أَخْطَأُوا، بَلْ فِي سَلاَسِلِ الظَّلاَمِ طَرَحَهُمْ فِي جَهَنَّمَ، وَسَلَّمَهُمْ مَحْرُوسِينَ لِلْقَضَاءِ، ٥وَلَمْ يُشْفِقْ عَلَى الْعَالَمِ الْقَدِيمِ، بَلْ إِنَّمَا حَفِظَ نُوحًا ثَامِنًا كَارِزًا لِلْبِرِّ، إِذْ جَلَبَ طُوفَانًا عَلَى عَالَمِ الْفُجَّارِ. ٦وَإِذْ رَمَّدَ مَدِينَتَيْ سَدُومَ وَعَمُورَةَ، حَكَمَ عَلَيْهِمَا بِالانْقِلاَبِ، وَاضِعًا عِبْرَةً لِلْعَتِيدِينَ أَنْ يَفْجُرُوا.
- إِنْ كَانَ اللهُ لَمْ يُشْفِقْ عَلَى مَلاَئِكَةٍ قَدْ أَخْطَأُوا: لقد أدان الله الملائكة الأشرار وطرحهم فِي سَلاَسِلِ الظَّلاَم. ويبدو أن بعض الملائكة الساقطين مكبلين في سلاسل في الجحيم بينما بعضهم الآخر حر ويعملون في العالم كأرواح شريرة.
- يمكننا التفكير في خطية الملائكة بطريقتين رئيسيتين: في العصيان الأصلي لبعض الملائكة ضد الله، وفي خطية أولاد الله المذكورين في سفر التكوين ١:٦-٢.
- من الواضح أنه في وقت ما كان لدى الملائكة فترة من الاختيار والاختبار على موجبها يتم تحديد مصيرهم في المستقبل. “لا نعلم كم كانت ما هي المدة التي سيستغرقها هذا الاختبار، وما كان هذا الاختبار الخاص لوفائهم وإخلاصهم، ولا نعلم بالضبط ما هي خطيتهم، ولا متى أو كيف سقطوا. فيقول يهوذا: “إن الملائكة لم يحفظوا رياستهم بل تركوا مسكنهم، مما يُشير إلى أنهم لم يرضوا بالحالة التي هم فيها وتطلعوا إلى مرتبة شرف أعلى مما هم عليها، أو ربما إلى الهيمنة السماوية.” كلارك (Clarke)
- قد تكون خطية الشيطان وملائكته (سفر رؤيا يوحنا ٤:١٢، ٧:١٢) قد استخدمت لخطة الله من جهة الجنس البشري.
- خُلق الإنسان على صورة الله (سفر التكوين ٢٦:١)، لكن الملائكة ليس كذلك. لهذا رفض الشيطان وملائكته خطة الله بأن يتمتع الإنسان بعلاقة حميمية معه أكثر منهم.
- رغم أن الله وضع الإنسان في مرتبة أقل قليلاً عن الملائكة (عبرانيين ٦:٢-٧أ، بطرس الثانية ١١:٢) إلا أنه خلق الملائكة لتخدم الإنسان (عبرانيين ١٤:١، ٧:٢-٨، مزمور ١١:٩١-١٢). لهذا رفض الشيطان وملائكته خطة الله التي تأمر بأن يخدموا مخلوق وُضِع أقل منهم.
- سيتم رفع قيمة وشرف الجبلة البشرية في مقام أعلى من الملائكة (كورنثوس الأولى ٣:٦، يوحنا الأولى ٢:٣). لهذا رفض الشيطان وملائكته خطة الله التي ستمجد وترفع الإنسان الذي وضع أقل منهم.
- “نبع عصيان الملائكة والشيطان من إعجابهم الشخصي بمواهبهم الخاصة وتأكد بالكبرياء والطموح واكتمل بالحسد وأُثير بقانون تمجيد طبيعة الإنسان فوق الملائكة في ومن خلال المسيح.” تراب (Trapp).
- في الوقت نفسه لا يمكننا القول بشكل قاطع أننا نعرف لماذا أخطأت الملائكة، لأن الكتاب المقدس لا يعطينا أكثر من تلميحات.
- بَلْ فِي سَلاَسِلِ الظَّلاَمِ طَرَحَهُمْ فِي جَهَنَّمَ: بسبب عدم احتفاظهم بمكانتهم الصحيحة في السماء، هم الآن مربوطين فِي سَلاَسِلِ الظَّلاَمِ. وسعيهم الشرير وراء حرية خارجة عن إرادة الله وضعتهم في العبودية.
- أولئك الذين يُصرون على الحرية ليعملون ما يشاؤون هم مثل الملائكة: “أحرار” لكنهم مُقيدون فِي سَلاَسِلِ الظَّلاَمِ (وصف شعري قوي للعبودية البائسة). ولكن الحرية الحقيقية تأتي من الطاعة.
- طَرَحَهُمْ فِي جَهَنَّمَ: الكلمة اليونانية القديمة المترجمة جَهَنَّمَ هي تارتاروس (Tartarus). وفي الأساطير الإغريقية، كانت تارتاروس تشير إلى أدنى مكان في جهنم حيث تعاقب الآلهة بسبب تمردهم. ولهذا استعار بطرس هذه الكلمة ليتكلم عن مكان عقاب الملائكة الذين أخطأوا.
- كان للملائكة مكانة وخدمة رفيعة أمام الله، مع ذلك وقعوا في الخطية. فعلينا نحن ننتبه لهذا. وأن نعرف أيضاً أننا قد نُخطئ أحياناً بشكل أسوأ بكثير من هؤلاء الملائكة. “أجيب عادة على هذا وأقول: لم يرفض الشيطان بعد النعمة المجانية والمحبة المضحية، ولم يتصارع بعد ويعاند الروح القدس في ضميره، ولم يرفض أبداً رحمة الله. فهذه الخطايا العظمى لم يرتكبها سوى الإنسان الذي سمع البشارة ورماها وراء ظهره.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَلَمْ يُشْفِقْ عَلَى الْعَالَمِ الْقَدِيمِ: أدان الله الْعَالَمِ الْقَدِيمِ، أي العالم قبل طوفان نوح لأنه رأى أَنَّ شَرَّ الإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي الأَرْضِ، وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ (سفر التكوين ٥:٦).
- وَإِذْ رَمَّدَ مَدِينَتَيْ سَدُومَ وَعَمُورَةَ، حَكَمَ عَلَيْهِمَا بِالانْقِلاَبِ: أدان الله مدينتي سدوم وعمورة، جاعلاً إياهما عبرة لحكمه ودينونته، لأن صُرَاخَ سَدُومَ وَعَمُورَةَ قَدْ كَثُرَ، وَخَطِيَّتُهُمْ قَدْ عَظُمَتْ جِدًّا (سفر التكوين ٢٠:١٨).
- وَاضِعًا عِبْرَةً لِلْعَتِيدِينَ أَنْ يَفْجُرُوا: هذه الأمثلة الثلاثة للدينونة تبين لنا المبدأ المهم الذي يريد بطرس أن يسلط الضوء عليه.
- أدان الله الملائكة الذين أخطأوا، ليظهر أنه ليس هناك من هو أعلى من أن يُدان.
- أدان الله العالم القديم قبل الطوفان، ليظهر أن دينونته لا تختلف من إنسان لآخر مهما كانت مكانته.
- أدان الله سدوم وعمورة، ليظهر أن الله سيدين أيضاً الإنسان الناجح.
- لذلك لا يوجد أي سبب يدفع الأشرار للاعتقاد بأنهم سينجون من دينونة الله. فالدينونة قادمة لا محالة. وكما قال يسوع في إنجيل لوقا ١٠:١٠-١٢ “إِنَّهُ يَكُونُ لِسَدُومَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ حَالَةٌ أَكْثَرُ احْتِمَالاً مِمَّا لِتِلْكَ الْمَدِينَةِ.”
ب) الآيات (٧-٩): الأبرار سيخلصون.
٧وَأَنْقَذَ لُوطًا الْبَارَّ، مَغْلُوبًا مِنْ سِيرَةِ الأَرْدِيَاءِ فِي الدَّعَارَةِ. ٨إِذْ كَانَ الْبَارُّ، بِالنَّظَرِ وَالسَّمْعِ وَهُوَ سَاكِنٌ بَيْنَهُمْ، يُعَذِّبُ يَوْمًا فَيَوْمًا نَفْسَهُ الْبَارَّةَ بِالأَفْعَالِ الأَثِيمَةِ. ٩يَعْلَمُ الرَّبُّ أَنْ يُنْقِذَ الأَتْقِيَاءَ مِنَ التَّجْرِبَةِ، وَيَحْفَظَ الأَثَمَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ مُعَاقَبِينَ.
- وَأَنْقَذَ لُوطًا الْبَارَّ: أخبرنا بطرس مسبقاً كيف أنقذ الرب نوحاً (بطرس الثانية ٥:٢). والآن يُبين لنا أن الرب أَنْقَذَ لُوطًا الْبَارَّ.
- “إن حفظ وإنقاذ لوط أعطى الفرصة للرسول للإشارة إلى أن الله عرف كيف يُنقذ وبنفس الوقت يُدمر، وأن صلاحه قاده بقوة لإنقاذ لوط البار، بينما عدله عمل ليدمر المتمردين عليه.” كلارك (Clarke)
- وَأَنْقَذَ لُوطًا الْبَارَّ: كان لوط باراً في نظر الله. رغم أنه ربما كان من الصعب على الآخرين أن يروا بره. وكانت أفعال سدوم وعمورة الأثيمة تعذب نفسه البارة يَوْمًا فَيَوْمًا.
- كانت نَفْسَهُ الْبَارَّةَ تتألم، لكنه فشل في متابعة أعماله الصالحة ولم يفصل نفسه وعائلته عن شر وفساد سدوم وعمورة. ولكن الرب أَنْقَذَ لوط لأن نفسه كانت بارة. ومع ذلك، خسر لوط كل شيء بسبب ارتباطه الوثيق مع تلك المدن الشريرة.
- يَعْلَمُ الرَّبُّ أَنْ يُنْقِذَ الأَتْقِيَاءَ مِنَ التَّجْرِبَةِ: كما أنقذ الرب لوط كذلك يعرف كيف ينقذنا من التجارب التي نواجهها، ويعرف كيف وَيَحْفَظَ الأَثَمَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. فيمكننا أن نثق في خلاص الله للأبرار، لأنه أكيد وحتمي مثل دينونة الله للفجار.
- يَعْلَمُ الرَّبُّ (كَيْفَ): يمكننا أن نثق ثقة كبيرة في هذا الأمر. فكثير من الأحيان لا نعرف كيف، لكن الرب يعرف تماماً كيف ينقذ أولاده. وهذا مبدأ جيد يمكننا تطبيقه على سلوكنا وعقيدتنا. “على سبيل المثال، في بعض الأحيان قد يكون أمامنا عقيدة محيِّرة، وربما نسعى إلى التوفيق بين اختيار الله وحرية الإنسان. ولكن من الأفضل ألا نغرق في هذه المتاهات العميقة، لئلا نتوه في هاوية. ثق أن الرَّبُّ يَعْلَم.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَيَحْفَظَ الأَثَمَةَ: يَحْفَظَ الله الأَثَمَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. ولكن المؤمنين ليس لهم هذا الحفظ للدينونة. فالله سينقذنا من الدينونة (يَوْمِ الدِّينِ) أي الغضب الذي سيصبه على الأرض (رؤيا يوحنا ١٠:٣).
- “وفقاً للترجمة المُنقَّحة – وأعتقد أنها ترجمة دقيقة – أن العقوبة قد بدأت بالفعل. فالرب يعرف الآن كيف يستمر في معاقبة الأشرار.” سبيرجن (Spurgeon)
- “بطرس بالذات يستطيع أن يقول بكل ثقة: ’يَعْلَمُ الرَّبُّ كَيْفَ يُنقذ أتباعه،‘ فقد أنقذه الرب فعلاً بطريقة معجزية (أعمال الرسل ١٢).” تراب (Trapp). ففي أعمال الرسل ١٢، أنقذ الرب بطرس بطريقة مدهشة من قلب السجن وبنفس الوقت وبطريقة مؤلمة أسلم هيرودس للدينونة. فالرب يعرف كيف يعمل الأمرين.
ثالثاً. وصف الفجَّار الذين في وسطهم
أ ) الآيات (١٠-١١): جسديون ومعجبون بأنفسهم.
١٠وَلاَ سِيَّمَا الَّذِينَ يَذْهَبُونَ وَرَاءَ الْجَسَدِ فِي شَهْوَةِ النَّجَاسَةِ، وَيَسْتَهِينُونَ بِالسِّيَادَةِ. جَسُورُونَ، مُعْجِبُونَ بِأَنْفُسِهِمْ، لاَ يَرْتَعِبُونَ أَنْ يَفْتَرُوا عَلَى ذَوِي الأَمْجَادِ، ١١حَيْثُ مَلاَئِكَةٌ وَهُمْ أَعْظَمُ قُوَّةً وَقُدْرَةً لاَ يُقَدِّمُونَ عَلَيْهِمْ لَدَى الرَّبِّ حُكْمَ افْتِرَاءٍ.
- وَلاَ سِيَّمَا الَّذِينَ يَذْهَبُونَ وَرَاءَ الْجَسَدِ: يُبقِي الله هؤلاء الأشرار حتى يوم الدينونة للعقاب. فهم يعيشون حسب الجسد وليس الروح ومعروفون بالنَّجَاسَةِ.
- جَسُورُونَ، مُعْجِبُونَ بِأَنْفُسِهِمْ: هؤلاء الأشرار مُعجبون بأنفسهم ويحتقرون سلطان الرب. ولا يخافون من إهانة القوى الروحية (الشيطان والأرواح الشريرة) الذين حتى الملائكة لا يفترون عليهم، وبدلاً من ذلك ينتهرونهم باسم الرب.
- هذا النوع من الغرور والوقاحة يظهر عادة تحت مسمى الحرب الروحية. وفي حين أننا ندرك سلطاننا بيسوع نرى أننا نمتلك هذا السلطان فقط من خلال يسوع، ونترك الحكم والدينونة له فقط.
- حَيْثُ مَلاَئِكَةٌ وَهُمْ أَعْظَمُ قُوَّةً وَقُدْرَةً لاَ يُقَدِّمُونَ عَلَيْهِمْ لَدَى الرَّبِّ حُكْمَ افْتِرَاءٍ: يبين بطرس هنا التناقض بين سلوك أولئك الذين يَذْهَبُونَ وَرَاءَ الْجَسَدِ والمَلاَئِكَة، أي الملائكة الصالحين. فهؤلاء لم يشوهوا أو يبالغوا في ما قالوا أو كيف قدموا خطايا الآخرين، أما الذين يسلكوا بالجسد يفعلون ذلك.
ب) الآيات (١٢-١٣أ) عذابهم الروحي مختوم.
١٢أَمَّا هؤُلاَءِ فَكَحَيَوَانَاتٍ غَيْرِ نَاطِقَةٍ، طَبِيعِيَّةٍ، مَوْلُودَةٍ لِلصَّيْدِ وَالْهَلاَكِ، يَفْتَرُونَ عَلَى مَا يَجْهَلُونَ، فَسَيَهْلِكُونَ فِي فَسَادِهِمْ ١٣آخِذِينَ أُجْرَةَ الإِثْمِ. الَّذِينَ يَحْسِبُونَ تَنَعُّمَ يَوْمٍ لَذَّةً.
- أَمَّا هؤُلاَءِ فَكَحَيَوَانَاتٍ غَيْرِ نَاطِقَةٍ: بما أنهم يسلكون حسب الجسد وليس حسب الروح، فهم يُشبهون الحيوانات، ولا يصلحون سوى للهلاك. (مَوْلُودَةٍ لِلصَّيْدِ وَالْهَلاَكِ) وهم جهلة.
- آخِذِينَ أُجْرَةَ الإِثْمِ: سيأخذ الأشرار أُجْرَةَ الإِثْمِ وسيدفعون ثمن الحياة التي عاشوها حسب الجسد.
- “كان هؤلاء الأشرار، الذين كانوا يزعجون شعب بطرس، يقولون أنهم يُحبون المسيح ويخدمونه، بينما الأشياء التي فعلوها وعلموها بيَّنت إنكارهم الكامل للمسيح.” باركلي (Barclay)
ج ) الآيات (١٣ب-١٧): قائمة بخطايا المعلمون الكذبة.
أَدْنَاسٌ وَعُيُوبٌ، يَتَنَعَّمُونَ فِي غُرُورِهِمْ صَانِعِينَ وَلاَئِمَ مَعَكُمْ. ١٤لَهُمْ عُيُونٌ مَمْلُوَّةٌ فِسْقًا، لاَ تَكُفُّ عَنِ الْخَطِيَّةِ، خَادِعُونَ النُّفُوسَ غَيْرَ الثَّابِتَةِ. لَهُمْ قَلْبٌ مُتَدَرِّبٌ فِي الطَّمَعِ. أَوْلاَدُ اللَّعْنَةِ. ١٥قَدْ تَرَكُوا الطَّرِيقَ الْمُسْتَقِيمَ، فَضَلُّوا، تَابِعِينَ طَرِيقَ بَلْعَامَ بْنِ بَصُورَ الَّذِي أَحَبَّ أُجْرَةَ الإِثْمِ. ١٦وَلكِنَّهُ حَصَلَ عَلَى تَوْبِيخِ تَعَدِّيهِ، إِذْ مَنَعَ حَمَاقَةَ النَّبِيِّ حِمَارٌ أَعْجَمُ نَاطِقًا بِصَوْتِ إِنْسَانٍ. ١٧هؤُلاَءِ هُمْ آبَارٌ بِلاَ مَاءٍ، غُيُومٌ يَسُوقُهَا النَّوْءُ. الَّذِينَ قَدْ حُفِظَ لَهُمْ قَتَامُ الظَّلاَمِ إِلَى الأَبَدِ.
- يَتَنَعَّمُونَ فِي غُرُورِهِمْ: المعلمون الكذبة هم أشخاص خطيرون وحضورهم يفسد جسد المسيح، فهم لا يخدعون الآخلاين فحسب بل أنفسهم أيضاً.
- “كلمة ’يَتَنَعَّمُونَ‘ تعني العربدة، وتأتي الكلمة من الجذر الذي يدل على كسر شيء، لأنه لا يوجد شيء يكسر أو يستأسر عقول البشر مثل الإفراط في السكر والعربدة. فالرفاهية تسيطر وتستولي على أرواح البشر وتذوبها.” تراب (Trapp)
- لَهُمْ عُيُونٌ مَمْلُوَّةٌ فِسْقًا: قلوبهم مملوءة بالشهوة الجسدية وشَهوَةُ الزِّنَا فِي عُيُونِهِمِ، سواء روحياً وجنسياً. فهم يتغذون على الضعفاء روحياً كي يتبعوهم في ضلالهم (خَادِعُونَ النُّفُوسَ غَيْرَ الثَّابِتَةِ).
- كتب بطرس حرفياً أن عيونهم كانت مليئة بالزانية. “يشتهوا كل فتاة ينظرون إليها وكأنها زانية محتملة.” غرين (Green).
- لَهُمْ قَلْبٌ مُتَدَرِّبٌ فِي الطَّمَعِ: هم مجهزون، لكن ليس للخدمة، بل للمكسب الذاتي الأناني، وهم بالحقيقة أَوْلاَدُ اللَّعْنَةِ. فكلنا ندرب قلوبنا وأنفسنا لشيء ما، إما للطمع والشهوة أو للتقوى.
- “التشبيه المجازي مأخوذ من أَغونيستي في الألعاب الأغريقية، حيث كانوا يتدربون لهذه الاحتفالات على المصارعة والملاكمة والجري… الخ، ليصبحوا مؤهلين للمنافسة في الألعاب العامة. وهؤلاء الأشخاص وجهوا قلوبهم وأفكارهم ودربوا أنفسهم على ما هو شنيع وبشع، وتدربوا جيداً بحيث أصبحوا خبراء في جميع فنون الإغراء وكل نوع من أنواع الاحتيال.” كلارك (Clarke)
- تَابِعِينَ طَرِيقَ بَلْعَامَ: إنهم يشبهون بلعام، الذي كان مذنباً بأعظم خطية، إذ قاد آخرين في طريق الخطية بسبب أطماعه الشخصية، ونال التوبيخ من حِمَارٌ أَعْجَمُ لأنه لم يستمع لصوت الله.
- هؤُلاَءِ هُمْ آبَارٌ بِلاَ مَاءٍ: هؤلاء المعلمون الكذبة الفاسدون هم فارغون، وعديمي الفائدة مثل آبَارٌ بِلاَ مَاءٍ، ومثل السحب التي تجلب الظلمة فقط، ولا مطر فيها.
د ) الآيات (١٨-١٩): جاذبية المعلمين الكذبة.
١٨لأَنَّهُمْ إِذْ يَنْطِقُونَ بِعَظَائِمِ الْبُطْلِ، يَخْدَعُونَ بِشَهَوَاتِ الْجَسَدِ فِي الدَّعَارَةِ، مَنْ هَرَبَ قَلِيلاً مِنَ الَّذِينَ يَسِيرُونَ فِي الضَّلاَلِ، ١٩وَاعِدِينَ إِيَّاهُمْ بِالْحُرِّيَّةِ، وَهُمْ أَنْفُسُهُمْ عَبِيدُ الْفَسَادِ. لأَنَّ مَا انْغَلَبَ مِنْهُ أَحَدٌ، فَهُوَ لَهُ مُسْتَعْبَدٌ أَيْضًا! لأنهم إذ ينطقون بعظائم البُطل، يخدعون بشهوات الجسد في الدعارة، من هرب قليلاً من الذين يسيرون في الضلال، واعدين إياهم بالحرية، وهم أنفسهم عبيد الفساد. لأن ما انغلب منه أحد، فهو له مستعبد أيضاً!
- لأَنَّهُمْ إِذْ يَنْطِقُونَ بِعَظَائِمِ الْبُطْلِ: إن رسالة المعلمين الكذبة الفاسدين خالية من الحق الروحي، رغم أنها مليئة بالكلمات الضخمة والبليغة. ولكنهم يجذبون الآخرين إلى فخ شَهَوَاتِ الْجَسَدِ، تماماً مثل الجموع الذين طلبوا خبزاً من الرب يسوع، لكنهم لا يريدون ملكية يسوع نفسه (يوحنا ٢٥:٦-٢٧، ٤٧:٦-٦٦).
- واعدين إياهم بالحرية، وهم أنفسهم عبيد الفساد: يَعدون بالحرية، لكن الحرية لا يمكن أن توجد في الشهوة والجسد، لكن توجد في روح الله. والحرية لا توجد في ما يمكن أن يعطينا إياه يسوع، لكن في شخص يسوع. فعندما نسعى إلى الحرية بطريقة خاطئة، نصبح عبيداً للفساد (اضمحلال وموت).
- فهو له مستعبد أيضاً! (فَالإنْسَانُ مُسْتَعْبَدٌ لِمَا يَسُودُ عَلَيْهِ): عندما يغلبك الجسد والمعلمين الكذبة، تصبح للأسف عبداً لهما.
هـ) الآيات (٢٠-٢٢): خطر السقوط واتباع المعلمين الكذبة.
٢٠لأَنَّهُ إِذَا كَانُوا، بَعْدَمَا هَرَبُوا مِنْ نَجَاسَاتِ الْعَالَمِ، بِمَعْرِفَةِ الرَّبِّ وَالْمُخَلِّصِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، يَرْتَبِكُونَ أَيْضًا فِيهَا، فَيَنْغَلِبُونَ، فَقَدْ صَارَتْ لَهُمُ الأَوَاخِرُ أَشَرَّ مِنَ الأَوَائِلِ. ٢١لأَنَّهُ كَانَ خَيْرًا لَهُمْ لَوْ لَمْ يَعْرِفُوا طَرِيقَ الْبِرِّ، مِنْ أَنَّهُمْ بَعْدَمَا عَرَفُوا، يَرْتَدُّونَ عَنِ الْوَصِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ الْمُسَلَّمَةِ لَهُمْ. ٢٢قَدْ أَصَابَهُمْ مَا فِي الْمَثَلِ الصَّادِقِ: «كَلْبٌ قَدْ عَادَ إِلَى قَيْئِهِ»، وَ«خِنْزِيرَةٌ مُغْتَسِلَةٌ إِلَى مَرَاغَةِ الْحَمْأَةِ».
- فَقَدْ صَارَتْ لَهُمُ الأَوَاخِرُ أَشَرَّ مِنَ الأَوَائِلِ: من الأفضل للإنسان ألا يعرف شيء عن يسوع من أن يسمع الحق ويتمسك به لفترة ومن ثم يرفضه. فكلما كثرت المعرفة زادت المسؤولية.
- لَهُمُ الأَوَاخِرُ أَشَرَّ مِنَ الأَوَائِلِ لأنهم عادوا إلى نَجَاسَاتِ الْعَالَمِ. “هذه (النَجَاسَاتِ) تُسمى مياسماتا (أي الأشياء التي تسبب التهاب أو تلوث أو تشوه). وأضاف القديس أغسطينوس على هذه الصورة وقال: ’إن العالم كله يشبه رجل مريض يمتد من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، ولكي يُشفىى هذا الرجل المريض، على الطبيب القدير أن ينزل من السماء.” كلارك (Clarke)
- لأَنَّهُ كَانَ خَيْرًا لَهُمْ لَوْ لَمْ يَعْرِفُوا طَرِيقَ الْبِرِّ: لقد وصف بطرس صورة تُظهر وكأن الإنسان يمكن أن يفقد خلاصه.
- إنه يتحدث عن الذين هَرَبُوا مِنْ نَجَاسَاتِ الْعَالَمِ.
- إنه يتحدث عن الذين فعلوا ذلك بَعْدَمَا عَرَفُوا الرَّبِّ وَالْمُخَلِّصِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.
- إنه يتحدث عن الذين كانوا في وقت من الأوقات يعرفون طَرِيقَ الْبِرِّ.
- يتحاجج ويتناقش المؤمنون باستمرار حول مسألة ما إذا كان من الممكن أن يفقد المؤمن مكانته ويهلك. ولعل أفضل طريقة لفهم هذه المسألة هي القول: أنه من المؤكد أن أولئك الذين يظهرون وكأنهم مخلصون، أولئك الذين يتلاقون مع وصف بطرس هنا، يمكن أن ينتهي بهم الأمر في مكان كَانَ خَيْرًا لَهُمْ لَوْ لَمْ يَعْرِفُوا طَرِيقَ الْبِرِّ.
- فيما يتعلق بهؤلاء الذين لهم وجهة نظر إصلاحية سيقولون أن هؤلاء لم يكونوا مؤمنين أبداً، فيما أن الذين لهم وجهة نظر أرمينية سيقولون أنهم كانوا مؤمنين مخلصين حقيقيين وثم فقدوا خلاصهم. ويبدو أن الانقسام المرير على غرار هذا الجدل الذي يركز على أشياء لا يمكن معرفتها من المراقبة الخارجية يصنف مع الذين يدخلون في ِمُبَاحَثَاتٍ وَمُمَاحَكَاتِ الْكَلاَمِ كما في تيموثاوس الأولى ٤:٦.
- «كَلْبٌ قَدْ عَادَ إِلَى قَيْئِهِ»: طبيعة الإنسان تشبه الكلب الذي عاد إلى قيء الجسد والعالم. فهو يشبه الحيوانات غير الناطقة الموصوفة في بطرس الثانية ١٢:٢ لأنه يعيش حسب الجسد.
- “الكلب الذي تخلص من الفساد بداخله من خلال التقيؤ لا يمكنه أن يتركه بل يرجع إليه ليشمه مراراً وتكراراً.” غرين (Green)