سِفر القُضاة – الإصحاح ٢٠
حَرب بَنِي إِسْرَائِيل مع بَنِي بَنْيَامِين وأهل جِبْعَةَ
أولًا. الأُمَّة تجتمع لمحاكمة جِبْعَةَ
أ ) الآيات (١-٢): الأُمَّة تجتمع بناء على طلب اللاَّوِيّ.
١فَخَرَجَ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَاجْتَمَعَتِ الْجَمَاعَةُ كَرَجُل وَاحِدٍ، مِنْ دَانَ إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ مَعَ أَرْضِ جِلْعَادَ، إِلَى الرَّبِّ فِي الْمِصْفَاةِ. ٢وَوَقَفَ وُجُوهُ جَمِيعِ الشَّعْبِ، جَمِيعُ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ فِي مَجْمَعِ شَعْبِ اللهِ، أَرْبَعُ مِئَةِ أَلْفِ رَاجِل مُخْتَرِطِي السَّيْفِ.
١. فَخَرَجَ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيل: كان توحّد رؤية إسرائيل من أجل هذا الغرض يُعَد أمرًا إيجابيًا. لقد بين هذا استعدادها لمواجهة الخطية التي في وسطها.
• “اشتعل الحماس الأخلاقي. وتبين أنه تحت كل هذا الانحطاط، كانت هناك قناعة دينية حقيقية وقد تحركت في مواجهة شرور رِجَال جِبْعَة.” مورجان (Morgan)
• أحدثت جَرِيمة جِبْعَة صدى عميقًا في ضمير إسرائيل. ولكن في عالم اليوم، قد تتحول مثل هذه الحادثة إلى مادة خصبة لعناوين الصحف المحلّية، والقنوات الإخبارية، والبرامج الحوارية النهارية، أكثر من كونها دعوة وطنية إلى البر والتوبة.
٢. وَوَقَفَ وُجُوهُ جَمِيعِ الشَّعْبِ، جَمِيعُ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ فِي مَجْمَعِ شَعْبِ اللهِ: قدم سفر التثنية ١٢:١٣-١٨ إرشادات لشعب إسرائيل حول كيفية التعامل مع الرَّجَاسَاتِ في وسطهم. عليهم أولًا التحقق من صحة الاتهامات، وإذا ثبتت صحتها، كان لزامًا عليهم القضاء تمامًا على المسؤولين عن هذا العمل المخزي.
ب) الآيات (٣-٧): اللاَّوِيّ يستعرض تفاصيل الاعتداء على جاريته ومقتلها.
٣فَسَمِعَ بَنُو بَنْيَامِينَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ صَعِدُوا إِلَى الْمِصْفَاةِ. وَقَالَ بَنُو إِسْرَائِيلَ: «تَكَلَّمُوا، كَيْفَ كَانَتْ هذِهِ الْقَبَاحَةُ؟» ٤فَأَجَابَ الرَّجُلُ اللاَّوِيُّ بَعْلُ الْمَرْأَةِ الْمَقْتُولَةِ وَقَالَ: «دَخَلْتُ أَنَا وَسُرِّيَّتِي إِلَى جِبْعَةَ الَّتِي لِبَنْيَامِينَ لِنَبِيتَ. ٥فَقَامَ عَلَيَّ أَصْحَابُ جِبْعَةَ وَأَحَاطُوا عَلَيَّ بِالْبَيْتِ لَيْلاً وَهَمُّوا بِقَتْلِي، وَأَذَلُّوا سُرِّيَّتِي حَتَّى مَاتَتْ. ٦فَأَمْسَكْتُ سُرِّيَّتِي وَقَطَّعْتُهَا وَأَرْسَلْتُهَا إِلَى جَمِيعِ حُقُولِ مُلْكِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّهُمْ فَعَلُوا رَذَالَةً وَقَبَاحَةً فِي إِسْرَائِيلَ. ٧هُوَذَا كُلُّكُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ. هَاتُوا حُكْمَكُمْ وَرَأْيَكُمْ ههُنَا».
١. تَكَلَّمُوا، كَيْفَ كَانَتْ هذِهِ الْقَبَاحَة: أراد بنو إسرائيل أن يعرفوا التفاصيل، حتى يتمكّنوا من اتخاذ إجراء بشأن هذا الفعل الشنيع.
٢. وَهَمُّوا بِقَتْلِي، وَأَذَلُّوا سُرِّيَّتِي: صاغ اللاَّوِيّ الرواية لتخدم مصلحته الشخصية. ما قاله كان صحيحًا، إلا أنه لم يذكر كيف تخلّى عن سريته بكل قسوة ولامبالاة ليسلمها للحشود المجتمعة.
ج) الآيات (٨-١١): التحضيرات لخوض حرب.
٨فَقَامَ جَمِيعُ الشَّعْبِ كَرَجُل وَاحِدٍ وَقَالُوا: «لاَ يَذْهَبُ أَحَدٌ مِنَّا إِلَى خَيْمَتِهِ وَلاَ يَمِيلُ أَحَدٌ إِلَى بَيْتِهِ. ٩وَالآنَ هذَا هُوَ الأَمْرُ الَّذِي نَعْمَلُهُ بِجِبْعَةَ. عَلَيْهَا بِالْقُرْعَةِ. ١٠فَنَأْخُذُ عَشَرَةَ رِجَال مِنَ الْمِئَةِ مِنْ جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ، وَمِئَةً مِنَ الأَلْفِ، وَأَلْفًا مِنَ الرِّبْوَةِ، لأَجْلِ أَخْذِ زَادٍ لِلشَّعْبِ لِيَفْعَلُوا عِنْدَ دُخُولِهِمْ جِبْعَةَ بِبَنْيَامِينَ حَسَبَ كُلِّ الْقَبَاحَةِ الَّتِي فَعَلَتْ بِإِسْرَائِيلَ». ١١فَاجْتَمَعَ جَمِيعُ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ عَلَى الْمَدِينَةِ مُتَّحِدِينَ كَرَجُل وَاحِدٍ.
١. فَقَامَ جَمِيعُ الشَّعْبِ كَرَجُل وَاحِد: كان هذا التجاوب أمرًا مُشجّعًا في فترة مظلمة للغاية. اجتمع الشعب في وحدة وقرروا تحقيق العدالة في جِبْعَة.
٢. لِيَفْعَلُوا عِنْدَ دُخُولِهِمْ جِبْعَةَ بِبَنْيَامِينَ حَسَبَ كُلِّ الْقَبَاحَةِ الَّتِي فَعَلَتْ بِإِسْرَائِيل: كان هذا رد فعل شديد التطرف، إلا أنه كان تنفيذًا مشروعًا ومناسبًا بحسب أمر الله لإسرائيل في تثنية ١٢:١٣-١٨.
د ) الآيات (١٢-١٧): طلب مساعدة بني بنيامين ورفضهم.
١٢وَأَرْسَلَ أَسْبَاطُ إِسْرَائِيلَ رِجَالاً إِلَى جَمِيعِ أَسْبَاطِ بَنْيَامِينَ قَائِلِينَ: «مَا هذَا الشَّرُّ الَّذِي صَارَ فِيكُمْ؟ ١٣فَالآنَ سَلِّمُوا الْقَوْمَ بَنِي بَلِيَّعَالَ الَّذِينَ فِي جِبْعَةَ لِكَيْ نَقْتُلَهُمْ وَنَنْزِعَ الشَّرَّ مِنْ إِسْرَائِيلَ». فَلَمْ يُرِدْ بَنُو بَنْيَامِينَ أَنْ يَسْمَعُوا لِصَوْتِ إِخْوَتِهِمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. ١٤فَاجْتَمَعَ بَنُو بَنْيَامِينَ مِنَ الْمُدُنِ إِلَى جِبْعَةَ لِكَيْ يَخْرُجُوا لِمُحَارَبَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. ١٥وَعُدَّ بَنُو بَنْيَامِينَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الْمُدُنِ سِتَّةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ رَجُل مُخْتَرِطِي السَّيْفِ، مَا عَدَا سُكَّانَ جِبْعَةَ الَّذِينَ عُدُّوا سَبْعَ مِئَةِ رَجُل مُنْتَخَبِينَ. ١٦مِنْ جَمِيعِ هذَا الشَّعْبِ سَبْعُ مِئَةِ رَجُل مُنْتَخَبُونَ عُسْرٌ. كُلُّ هؤُلاَءِ يَرْمُونَ الْحَجَرَ بِالْمِقْلاَعِ عَلَى الشَّعْرَةِ وَلاَ يُخْطِئُونَ. ١٧وَعُدَّ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ، مَا عَدَا بَنْيَامِينَ، أَرْبَعَ مِئَةِ أَلْفِ رَجُل مُخْتَرِطِي السَّيْفِ. كُلُّ هؤُلاَءِ رِجَالُ حَرْبٍ.
١. فَلَمْ يُرِدْ بَنُو بَنْيَامِينَ أَنْ يَسْمَعُوا لِصَوْتِ إِخْوَتِهِمْ: اتخذت بقية أسباط إسرائيل القرار الصائب عندما طالبوا سِبط بنيامين أولًا بتسليم الرجال المذنبين للعدالة. لقد سعوا إلى حل الأزمة بشكل عادل وتجنب حرب شاملة. ومع ذلك، كان خطأ بنيامين الجسيم هو أنهم وضعوا ولائهم لسبطهم فوق طاعة شريعة الله.
• قد يقع المؤمنون المعاصرون في خطأ مماثل اليوم عندما يعطون الأولوية للمصالح الوطنية على حساب ملكوت الله. يجب على المؤمنين أن يتذكروا أنهم أولًا مواطنون في ملكوت الله بالأساس (فيلبي ٢٠:٣).
٢. سَبْعُ مِئَةِ رَجُل مُنْتَخَبُونَ عُسْرٌ. كُلُّ هؤُلاَءِ يَرْمُونَ الْحَجَرَ بِالْمِقْلاَعِ عَلَى الشَّعْرَةِ وَلاَ يُخْطِئُون: لم يرفض سِبط بنيامين تأييد القضية العادلة للأسباط الأخرى فحسب، بل ذهب إلى أبعد من ذلك بتشكيل جيش لمواجهتهم. وكان من بين قواتهم سَبْعُ مِئَةِ رَجُل مُنْتَخَبُون.
• وَلاَ يُخْطِئُون: إن الكلمة العبرية المترجمة “يُخْطِئُون” هي حرفيًا كلمة خطية. وهذا يوضح المبدأ بأن كلمة “خطية” تعني حرفيًا “عدم إصابة الهدف” – سواء بمقدار بوصة أو ياردة.
٣. مَا عَدَا بَنْيَامِينَ، أَرْبَعَ مِئَةِ أَلْفِ رَجُل: استعدت أسباط إسرائيل لحرب أهلية محتملة ضد سبط بنيامين. لقد كان إدراك إسرائيل صحيحًا بأن الخير الأعظم ليس هو الوحدة. فالوحدة بدون العدل والحق لا تستحق السعي ورائها.
ثانيًا. الحرب ضد بنيامين وجِبْعَة
أ ) الآيات (١٨-٢١): اليوم الأول من المعركة – هزيمة إسرائيل أمام بنيامين.
١٨فَقَامُوا وَصَعِدُوا إِلَى بَيْتِ إِيلَ وَسَأَلُوا اللهَ وَقَالَ بَنُو إِسْرَائِيلَ: «مَنْ يَصْعَدُ مِنَّا أَوَّلاً لِمُحَارَبَةِ بَنِي بَنْيَامِينَ؟» فَقَالَ الرَّبُّ: «يَهُوذَا أَوَّلاً». ١٩فَقَامَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي الصَّبَاحِ وَنَزَلُوا عَلَى جِبْعَةَ. ٢٠وَخَرَجَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ لِمُحَارَبَةِ بَنْيَامِينَ، وَصَفَّ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ أَنْفُسَهُمْ لِلْحَرْبِ عِنْدَ جِبْعَةَ. ٢١فَخَرَجَ بَنُو بَنْيَامِينَ مِنْ جِبْعَةَ وَأَهْلَكُوا مِنْ إِسْرَائِيلَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ أَلْفَ رَجُل إِلَى الأَرْضِ.
١. وَصَعِدُوا إِلَى بَيْتِ إِيلَ وَسَأَلُوا اللهَ: في المعركة الأولى، سأل بنو إسرائيل الله، إلا إنهم هُزموا. ويمكننا أن نستنتج أنه رغم سؤالهم لله، إلا أنهم ظلوا يثقون في قوة جيشهم وعدالة قضيتهم وليس في الرب نفسه.
٢. فَخَرَجَ بَنُو بَنْيَامِينَ مِنْ جِبْعَةَ وَأَهْلَكُوا مِنْ إِسْرَائِيلَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ أَلْفَ رَجُل إِلَى الأَرْضِ: كانت هذه خسارة فادحة ومذهلة في المعركة الأولى من هذه الحرب الأهلية. فبعد هذا اليوم الأول من القتال، بدا أن سبط بنيامين بمفرده تمكّن من مقاومة باقي الأسباط بنجاح.
• ربما كان هناك شيء خطأ في طريقة إسرائيل لطلب الرب قبل المعركة، أو ربما كانت هذه الهزيمة ببساطة جزءًا من خطة الله لتأديب وتقويم شعبه العاصي.
• تناول أبراهام لنكولن، في خطاب تنصيبه الثاني، هذا الموضوع في سياق الحرب الأهلية الأمريكية: “أملنا الشديد وصلاتنا الحارة هي أن ينتهي سريعًا هذا البلاء العظيم بالحرب. ومع ذلك، إذا أراد الله أن تستمر حتى تُهدر كل الثروة المتراكمة على مدى مئتين وخمسين عامًا من كدح العبيد دون مقابل، وحتى يتم دفع كل قطرة دم سُفكت بالسياط بقطرة أخرى تُسفك بالسيف، فلا بد أن يُقال مرة أخرى، كما قيل قبل ثلاثة آلاف عام، بأن “أَحْكَامُ الرَّبِّ حَقٌّ عَادِلَةٌ كُلُّهَا.” (١٨٦٥)
• من الممكن أن ديناميكية مماثلة كانت تعمل في إسرائيل خلال هذا الوقت – حيث استخدم الله الخسارة المأساوية لـ ٢٢٠٠٠ جندي لتصحيح أمة عاصية.
ب) الآيات (٢٢-٢٣): إسرائيل تطلب الرب بعد الهزيمة الأولى.
٢٢وَتَشَدَّدَ الشَّعْبُ، رِجَالُ إِسْرَائِيلَ، وَعَادُوا فَاصْطَفُّوا لِلْحَرْبِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي اصْطَفُّوا فِيهِ فِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ. ٢٣ثُمَّ صَعِدَ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَبَكَوْا أَمَامَ الرَّبِّ إِلَى الْمَسَاءِ، وَسَأَلُوا الرَّبَّ قَائِلِينَ: «هَلْ أَعُودُ أَتَقَدَّمُ لِمُحَارَبَةِ بَنِي بَنْيَامِينَ أَخِي؟» فَقَالَ الرَّبُّ: «اصْعَدُوا إِلَيْهِ».
١. وَتَشَدَّدَ الشَّعْبُ، رِجَالُ إِسْرَائِيلَ، وَعَادُوا فَاصْطَفُّوا لِلْحَرْبِ: كان هذا رد فعل رائعًا في خضم موقف مظلم. هؤلاء الرجال لم يفقدوا الأمل؛ مثل داود في صموئيل الأول ٦:٣٠، بل تشددوا في الرب وتقدموا للأمام.
٢. ثُمَّ صَعِدَ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَبَكَوْا أَمَامَ الرَّبِّ إِلَى الْمَسَاءِ: ومما يُحسب لبني إسرائيل أنهم لم يتوقفوا عن طلب الرب بعد هزيمتهم الأولى في المعركة، بل تواضعوا أمام الله بشكل صحيح وطلبوا وجهه بشأن المعركة التالية.
ج) الآيات (٢٤-٢٥): في اليوم الثاني من المعركة هُزمت إسرائيل مرة أخرى أمام بنيامين.
٢٤فَتَقَدَّمَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى بَنِي بَنْيَامِينَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، ٢٥فَخَرَجَ بَنْيَامِينُ لِلِقَائِهِمْ مِنْ جِبْعَةَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، وَأَهْلَكَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَيْضًا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ رَجُل إِلَى الأَرْضِ. كُلُّ هؤُلاَءِ مُخْتَرِطُو السَّيْفِ.
١. فَتَقَدَّمَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى بَنِي بَنْيَامِينَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي: لم تكن هذه معركة سهلة أو سريعة. فبعد خسارتهم الفادحة في اليوم الأول، كان بَنُو إِسْرَائِيل عازمون على مواصلة القتال.
٢. وَأَهْلَكَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَيْضًا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ رَجُل إِلَى الأَرْضِ: كانت الخسائر في اليوم الثاني فادحة أيضًا. وهذا يوضح أنه على الرغم من أن أسباط إسرائيل طلبوا الرب وقاتلوا من أجل قضية عادلة، إلا أن الصراع كان صعبًا للغاية. لقد كان عليهم أن يدفعوا ثمنًا باهظًا لعمل الصواب.
د ) الآيات (٢٦-٢٨): إسرائيل تتوب أمام الله بعد الهزيمة الثانية.
٢٦فَصَعِدَ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكُلُّ الشَّعْبِ وَجَاءُوا إِلَى بَيْتِ إِيلَ وَبَكَوْا وَجَلَسُوا هُنَاكَ أَمَامَ الرَّبِّ، وَصَامُوا ذلِكَ الْيَوْمَ إِلَى الْمَسَاءِ، وَأَصْعَدُوا مُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ أَمَامَ الرَّبِّ. ٢٧وَسَأَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الرَّبَّ، وَهُنَاكَ تَابُوتُ عَهْدِ اللهِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ، ٢٨وَفِينَحَاسُ بْنُ أَلِعَازَارَ بْنِ هَارُونَ وَاقِفٌ أَمَامَهُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ، قَائِلِينَ: «أَأَعُودُ أَيْضًا لِلْخُرُوجِ لِمُحَارَبَةِ بَنِي بَنْيَامِينَ أَخِي أَمْ أَكُفُّ؟» فَقَالَ الرَّبُّ: «اصْعَدُوا، لأَنِّي غَدًا أَدْفَعُهُمْ لِيَدِكَ».
١. فَصَعِدَ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكُلُّ الشَّعْبِ وَجَاءُوا إِلَى بَيْتِ إِيلَ وَبَكَوْا وَجَلَسُوا هُنَاكَ أَمَامَ الرَّبِّ، وَصَامُوا ذلِكَ الْيَوْمَ إِلَى الْمَسَاءِ: سمح الله بيومين من الهزيمة لإذلال إسرائيل. لقد كانوا بحاجة إلى التواضع، وهذه الأيام من الهزيمة أجبرتهم على أن يتواضعوا.
• لقد استخدم الله هذه الأحداث لإذلال الأمة بأسرها. كان عليهم أن يدركوا أن فظاعة الجريمة في جِبْعَة لم تكن خطأ مجموعة مِن الرجال أو مدينة أو سبط واحد. كان لابد من إذلال الأمة بأكملها لأنها اعتقدت في البداية أن مشكلة الخطية تكمن فقط داخل بنيامين. كان على بني إسرائيل أن يعترفوا بأن الأمة كلها تعاني من مشكلة الخطية.
• بعد الهزيمة الأولى، حزن الشعب وبكى. ولكنهم لم يترجموا حزنهم إلى أفعال إلا بعد الهزيمة الثانية، وذلك بالصوم وتقديم الذبائح عن خطاياهم. إن مجرد الشعور بالحزن والبكاء لا يكفيان ما لم يصاحبهما التوبة الصادقة ومعالجة مشكلة الخطية من خلال الذبيحة ـ ذبيحة الصليب.
• كان الصوم جزءًا من إظهارهم للتواضع. في عام ١٨٢٧، كتب آدم كلارك (Adam Clarke) الكلمات التالية عن الصوم: “لا يُمَارس الصوم إلا قليلًا هذه الأيام؛ وهذا دليل قوي على أن إنكار الذات أصبح موضة قديمة.” اعتقد كلارك أن هذا كان صحيحًا في عصره؛ وربما كان ليعتقد أنه أكثر ملائمة لعصرنا اليوم.
• إن الإشارة إلى فِينَحَاس كرئيس كهنة يعني أن هذا كان في وقت مبكر في أيام القضاة (سفر العدد ٧:٢٥، ١١).
٢. اصْعَدُوا، لأَنِّي غَدًا أَدْفَعُهُمْ لِيَدِك: لم يرد الله أن تجعلهم أيام التذلل هذه يعتقدون أن انتصارهم مستحيل. لقد شجعهم على الصعود للحرب غَدًا والثقة في وعد الله.
هـ) الآيات (٢٩-٤٨): اليوم الثالث من المعركة – انتصار إسرائيل على بنيامين وجِبْعَة.
٢٩وَوَضَعَ إِسْرَائِيلُ كَمِينًا عَلَى جِبْعَةَ مُحِيطًا. ٣٠وَصَعِدَ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى بَنِي بَنْيَامِينَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَاصْطَفُّوا عِنْدَ جِبْعَةَ كَالْمَرَّةِ الأُولَى وَالثَّانِيَةِ. ٣١فَخَرَجَ بَنُو بَنْيَامِينَ لِلِقَاءِ الشَّعْبِ وَانْجَذَبُوا عَنِ الْمَدِينَةِ، وَأَخَذُوا يَضْرِبُونَ مِنَ الشَّعْبِ قَتْلَى كَالْمَرَّةِ الأُولَى وَالثَّانِيَةِ فِي السِّكَكِ الَّتِي إِحْدَاهَا تَصْعَدُ إِلَى بَيْتِ إِيلَ، وَالأُخْرَى إِلَى جِبْعَةَ فِي الْحَقْلِ، نَحْوَ ثَلاَثِينَ رَجُلاً مِنْ إِسْرَائِيلَ. ٣٢وَقَالَ بَنُو بَنْيَامِينَ: «إِنَّهُمْ مُنْهَزِمُونَ أَمَامَنَا كَمَا فِي الأَوَّلِ». وَأَمَّا بَنُو إِسْرَائِيلَ فَقَالُوا: «لِنَهْرُبْ وَنَجْذِبْهُمْ عَنِ الْمَدِينَةِ إِلَى السِّكَكِ». ٣٣وَقَامَ جَمِيعُ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ مِنْ أَمَاكِنِهِمْ وَاصْطَفُّوا فِي بَعْلِ تَامَارَ، وَثَارَ كَمِينُ إِسْرَائِيلَ مِنْ مَكَانِهِ مِنْ عَرَاءِ جِبْعَةَ. ٣٤وَجَاءَ مِنْ مُقَابِلِ جِبْعَةَ عَشَرَةُ آلاَفِ رَجُل مُنْتَخَبُونَ مِنْ كُلِّ إِسْرَائِيلَ، وَكَانَتِ الْحَرْبُ شَدِيدَةً، وَهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ الشَّرَّ قَدْ مَسَّهُمْ. ٣٥فَضَرَبَ الرَّبُّ بَنْيَامِينَ أَمَامَ إِسْرَائِيلَ، وَأَهْلَكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ بَنْيَامِينَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ رَجُل وَمِئَةَ رَجُل. كُلُّ هؤُلاَءِ مُخْتَرِطُو السَّيْفِ. ٣٦وَرَأَى بَنُو بَنْيَامِينَ أَنَّهُمْ قَدِ انْكَسَرُوا. وَأَعْطَى رِجَالُ إِسْرَائِيلَ مَكَانًا لِبَنْيَامِينَ لأَنَّهُمُ اتَّكَلُوا عَلَى الْكَمِينِ الَّذِي وَضَعُوهُ عَلَى جِبْعَةَ. ٣٧فَأَسْرَعَ الْكَمِينُ وَاقْتَحَمُوا جِبْعَةَ، وَزَحَفَ الْكَمِينُ وَضَرَبَ الْمَدِينَةَ كُلَّهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. ٣٨وَكَانَ الْمِيعَادُ بَيْنَ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ وَبَيْنَ الْكَمِينِ، إِصْعَادَهُمْ بِكَثْرَةٍ، عَلاَمَةَ الدُّخَانِ مِنَ الْمَدِينَةِ. ٣٩وَلَمَّا انْقَلَبَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ فِي الْحَرْبِ ابْتَدَأَ بَنْيَامِينُ يَضْرِبُونَ قَتْلَى مِنْ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ نَحْوَ ثَلاَثِينَ رَجُلاً، لأَنَّهُمْ قَالُوا: «إِنَّمَا هُمْ مُنْهَزِمُونَ مِنْ أَمَامِنَا كَالْحَرْبِ الأُولَى». ٤٠وَلَمَّا ابْتَدَأَتِ الْعَلاَمَةُ تَصْعَدُ مِنَ الْمَدِينَةِ، عَمُودَ دُخَانٍ، الْتَفَتَ بَنْيَامِينُ إِلَى وَرَائِهِ وَإِذَا بِالْمَدِينَةِ كُلِّهَا تَصْعَدُ نَحْوَ السَّمَاءِ. ٤١وَرَجَعَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ وَهَرَبَ رِجَالُ بَنْيَامِينَ بِرَعْدَةٍ، لأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ الشَّرَّ قَدْ مَسَّهُمْ. ٤٢وَرَجَعُوا أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي طَرِيقِ الْبَرِّيَّةِ، وَلكِنَّ الْقِتَالَ أَدْرَكَهُمْ، وَالَّذِينَ مِنَ الْمُدُنِ أَهْلَكُوهُمْ فِي وَسَطِهِمْ. ٤٣فَحَاوَطُوا بَنْيَامِينَ وَطَارَدُوهُمْ بِسُهُولَةٍ، وَأَدْرَكُوهُمْ مُقَابَلَ جِبْعَةَ لِجِهَةِ شُرُوقِ الشَّمْسِ. ٤٤فَسَقَطَ مِنْ بَنْيَامِينَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ رَجُل، جَمِيعُ هؤُلاَءِ ذَوُو بَأْسٍ. ٤٥فَدَارُوا وَهَرَبُوا إِلَى الْبَرِّيَّةِ إِلَى صَخْرَةِ رِمُّونَ. فَالْتَقَطُوا مِنْهُمْ فِي السِّكَكِ خَمْسَةَ آلاَفِ رَجُل، وَشَدُّوا وَرَاءَهُمْ إِلَى جِدْعُومَ، وَقَتَلُوا مِنْهُمْ أَلْفَيْ رَجُل. ٤٦وَكَانَ جَمِيعُ السَّاقِطِينَ مِنْ بَنْيَامِينَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ رَجُل مُخْتَرِطِي السَّيْفِ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ. جَمِيعُ هؤُلاَءِ ذَوُو بَأْسٍ. ٤٧وَدَارَ وَهَرَبَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ إِلَى صَخْرَةِ رِمُّونَ سِتُّ مِئَةِ رَجُل، وَأَقَامُوا فِي صَخْرَةِ رِمُّونَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. ٤٨وَرَجَعَ رِجَالُ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى بَنِي بَنْيَامِينَ وَضَرَبُوهُمْ بِحَدِّ السَّيْفِ مِنَ الْمَدِينَةِ بِأَسْرِهَا، حَتَّى الْبَهَائِمَ، حَتَّى كُلَّ مَا وُجِدَ. وَأَيْضًا جَمِيعُ الْمُدُنِ الَّتِي وُجِدَتْ أَحْرَقُوهَا بِالنَّارِ.
١. لِنَهْرُبْ وَنَجْذِبْهُمْ عَنِ الْمَدِينَةِ إِلَى السِّكَكِ: الخطة التي استخدمها أسباط إسرائيل ضد جِبْعَة تُشبه إلى حد كبير الخطة المستخدمة في عَاي (يشوع ٨). ويشير هذا التشابه إلى أنهم ربما حصلوا على هذه الخطة مِن كتابات يشوع وموسى، وأنهم عادوا إلى كلمة الله كجزء من توبتهم.
٢. فَضَرَبَ الرَّبُّ بَنْيَامِينَ أَمَامَ إِسْرَائِيلَ: “تسترجع هذه الكلمات بإيجاز طبيعة الدينونة الرهيبة التي حلّت ببنيامين، فقد كانت الضربة من الرب.” مورجان (Morgan)
٣. وَدَارَ وَهَرَبَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ إِلَى صَخْرَةِ رِمُّونَ سِتُّ مِئَةِ رَجُل: لقد أدى اليومان اللذان انهزم فيهما بني إسرائيل إلى تصلّب قلوبهم ضد بنيامين، مما أدى إلى مقتل الآلاف من رِجَال بنيامين، وبالتالي لم يبق من سِبط بنيامين سوى ستمائة رجل.
٤. وَرَجَعَ رِجَالُ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى بَنِي بَنْيَامِينَ وَضَرَبُوهُمْ بِحَدِّ السَّيْفِ مِنَ الْمَدِينَةِ بِأَسْرِهَا، حَتَّى الْبَهَائِمَ، حَتَّى كُلَّ مَا وُجِدَ: في حين أن سبط بنيامين كان مذنبًا بلا شك، إلا أن المذبحة الكبيرة الموصوفة هنا لم تكن ضرورية. فسرعان ما ستندم إسرائيل على هذا الحكم القاسي ضد سبط بنيامين.
• “إن الحماس غير الموّجه، حتى عند السعي وراء البر، غالبًا ما يتجاوز حدوده.” مورجان (Morgan)