سِفر القُضاة – الإصحاح ١٦
مذلّة شَمْشُون وَمَوْتِه
أولًا. شَمْشُون وَدَلِيلَة
أ ) الآيات (١-٣): شَمْشُون والزَانِيَة في غَزَّة.
١ثُمَّ ذَهَبَ شَمْشُونُ إِلَى غَزَّةَ، وَرَأَى هُنَاكَ امْرَأَةً زَانِيَةً فَدَخَلَ إِلَيْهَا. ٢فَقِيلَ لِلْغَزِّيِّينَ: «قَدْ أَتَى شَمْشُونُ إِلَى هُنَا». فَأَحَاطُوا بِهِ وَكَمَنُوا لَهُ اللَّيْلَ كُلَّهُ عِنْدَ بَابِ الْمَدِينَةِ. فَهَدَأُوا اللَّيْلَ كُلَّهُ قَائِلِينَ: «عِنْدَ ضَوْءِ الصَّبَاحِ نَقْتُلُهُ». ٣فَاضْطَجَعَ شَمْشُونُ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ قَامَ فِي نِصْفِ اللَّيْلِ وَأَخَذَ مِصْرَاعَيْ بَابِ الْمَدِينَةِ وَالْقَائِمَتَيْنِ وَقَلَعَهُمَا مَعَ الْعَارِضَةِ، وَوَضَعَهَا عَلَى كَتِفَيْهِ وَصَعِدَ بِهَا إِلَى رَأْسِ الْجَبَلِ الَّذِي مُقَابِلَ حَبْرُونَ.
١. وَرَأَى هُنَاكَ امْرَأَةً زَانِيَةً فَدَخَلَ إِلَيْهَا: من الواضح أن شَمْشُون أخطأ هنا. وهذا مثال صريح يبين كيف يمكن حتى لرجل استخدمه الله أن يخطئ أيضًا، بل وأن يخطئ بشكل صارخ.
• أراد شَمْشُون أن يستخدمه الله، ولكنه استسلم لخِداع الخطية. فقد حافظ بجد على الممارسات الخاصة بالنذير، بينما كان في الوقت نفسه يرتكب خطية صارخة مع زَانِيَةً.
• لقد فعل شَمْشُون ما يفعله كثيرون منا عندما تخدعهم الخطية: لقد قسّم حياته إلى أقسام، معتقدًا أن بعض المجالات مهمة بالنسبة لله بينما لا أهمية للمجالات الأخرى. إن إدراك وفهم أن يسوع له السيادة على حياتنا بأكملها هو تغيير جذري في طريقة التفكير.
٢. وَوَضَعَهَا عَلَى كَتِفَيْهِ وَصَعِدَ بِهَا إِلَى رَأْسِ الْجَبَل: ورغم خطية شَمْشُون، منحه الله قوة عجيبة ليهرب من الفِلِسْطِيِّين. وقد فعل الله ذلك لأن غرضه كان أكبر من شَمْشُون ذاته، ولأنه استخدم شَمْشُون رغم خطيته وليس بسببها.
ب) الآيات (٤-٥): دَلِيلَة توافق على خيانة شَمْشُون.
٤وَكَانَ بَعْدَ ذلِكَ أَنَّهُ أَحَبَّ امْرَأَةً فِي وَادِي سُورَقَ اسْمُهَا دَلِيلَةُ. ٥فَصَعِدَ إِلَيْهَا أَقْطَابُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَقَالُوا لَهَا: «تَمَلَّقِيهِ وَانْظُرِي بِمَاذَا قُوَّتُهُ الْعَظِيمَةُ، وَبِمَاذَا نَتَمَكَّنُ مِنْهُ لِكَيْ نُوثِقَهُ لإِذْلاَلِهِ، فَنُعْطِيَكِ كُلُّ وَاحِدٍ أَلْفًا وَمِئَةَ شَاقِلِ فِضَّةٍ».
١. أَحَبَّ امْرَأَة… اسْمُهَا دَلِيلَة: وقع شَمْشُون في الحب مرة ثانية، وهذه المرة مع امرأة لم تكن مناسبة له على الإطلاق. وهذا مثال آخر على الألم والدمار الذي حلّ بحياة شَمْشُون لأنه فشل في حماية قلبه.
٢. فَنُعْطِيَكِ كُلُّ وَاحِدٍ أَلْفًا وَمِئَةَ شَاقِلِ فِضَّة: كانت دَلِيلَة أيضًا غارقة في الحب؛ لكنها كانت غارقة في حُب المال وليس حب شَمْشُون. كانت الـ ١١٠٠ شاقلًا تساوي أكثر من ١٤٠ رطلًا (٦٣ كيلوجرام) من الفضة.
ج) الآيات (٦-٩): شَمْشُون يكذب على دَلِيلَة بشأن مصدر قوته.
٦فَقَالَتْ دَلِيلَةُ لِشَمْشُونَ: «أَخْبِرْنِي بِمَاذَا قُوَّتُكَ الْعَظِيمَةُ؟ وَبِمَاذَا تُوثَقُ لإِذْلاَلِكَ؟» ٧فَقَالَ لَهَا شَمْشُونُ: «إِذَا أَوْثَقُونِي بِسَبْعَةِ أَوْتَارٍ طَرِيَّةٍ لَمْ تَجِفَّ، أَضْعُفُ وَأَصِيرُ كَوَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ». ٨فَأَصْعَدَ لَهَا أَقْطَابُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ سَبْعَةَ أَوْتَارٍ طَرِيَّةٍ لَمْ تَجِفَّ، فَأَوْثَقَتْهُ بِهَا، ٩وَالْكَمِينُ لاَبِثٌ عِنْدَهَا فِي الْحُجْرَةِ. فَقَالَتْ لَهُ: «الْفِلِسْطِينِيُّونَ عَلَيْكَ يَا شَمْشُونُ». فَقَطَعَ الأَوْتَارَ كَمَا يُقْطَعُ فَتِيلُ الْمَشَاقَةِ إِذَا شَمَّ النَّارَ، وَلَمْ تُعْلَمْ قُوَّتُهُ.
١. أَخْبِرْنِي بِمَاذَا قُوَّتُكَ الْعَظِيمَة: يبدو أن مصدر قوة شَمْشُون لم يكن جليًا، مما يشير إلى أنه على الأرجح لم يكن ضخم البنية مثل لاعبي كمال الأجسام في العصر الحديث. ربما بدا صغيرًا ونحيفًا، مما يستبعد احتمالية أن يملك قوة خارقة كهذه.
٢. وَبِمَاذَا تُوثَقُ لإِذْلاَلِك: عَرِفت دَلِيلَة أن شَمْشُون كان يتمتع بقوة عظيمة، ولكنها عَلِمت أيضًا أنه يمكن أن يُكَبَل (يُقَيَّد) لكن بشيء آخر، وقد كان هذا بالحق صحيحًا بالنسبة لشمشون. قد يقول البعض أن الإجابة الصادقة على سؤالها ستكون: “يمكن أن أكون مُكبلًا باهتمام وحُبّ امرأة شريرة، ولكنها جذابة.”
٣. فَأَوْثَقَتْهُ: كان بوسع شَمْشُون أن يتبين بسهولة نوايا دَلِيلَة من خلال محاولتها السريعة لربطه بما ادعى زورًا أنه سيقيّده. وكان قراره بعدم الكشف عن الحقيقة دليلًا على إدراكه لدوافعها الخطيرة.
د ) الآيات (١٠-١٢): شَمْشُون يكذب على دَلِيلَة بشأن مصدر قوته للمرة الثانية.
١٠فَقَالَتْ دَلِيلَةُ لِشَمْشُونَ: «هَا قَدْ خَتَلْتَنِي وَكَلَّمْتَنِي بِالْكَذِبِ، فَأَخْبِرْنِيَ الآنَ بِمَاذَا تُوثَقُ؟». ١١فَقَالَ لَهَا: «إِذَا أَوْثَقُونِي بِحِبَال جَدِيدَةٍ لَمْ تُسْتَعْمَلْ، أَضْعُفُ وَأَصِيرُ كَوَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ». ١٢فَأَخَذَتْ دَلِيلَةُ حِبَالاً جَدِيدَةً وَأَوْثَقَتْهُ بِهَا، وَقَالَتْ لَهُ: «الْفِلِسْطِينِيُّونَ عَلَيْكَ يَا شَمْشُونُ، وَالْكَمِينُ لاَبِثٌ فِي الْحُجْرَةِ». فَقَطَعَهَا عَنْ ذِرَاعَيْهِ كَخَيْطٍ.
١. فَأَخْبِرْنِيَ الآنَ بِمَاذَا تُوثَق: يبدو أن الرومانسية جعلت شَمْشُون يفقد صوابه. لم يكن هناك سبب وجيه أو منطقي للاستمرار في علاقته بدَلِيلَة أو أن يسمح لها بالتدخل في سر قوته. إن شَمْشُون هو مثال جيد يوضح كيف يمكن لعلاقة شريرة أن تشوه التفكير.
٢. فَأَخَذَتْ دَلِيلَةُ حِبَالاً جَدِيدَةً وَأَوْثَقَتْهُ بِهَا: لقد قَبِل شَمْشُون هذا القيد بسبب رفضه للهروب من هذا الموقف. ويجد كثيرون أنفسهم اليوم في مواقف مماثلة من الخطية والتنازل والعبودية، ويرفضون الهروب من الموقف.
هـ) الآيات (١٣-١٥): شَمْشُون يكذب على دَلِيلَة بشأن مصدر قوته للمرة الثالثة.
١٣فَقَالَتْ دَلِيلَةُ لِشَمْشُونَ: «حَتَّى الآنَ خَتَلْتَنِي وَكَلَّمْتَنِي بِالْكَذِبِ، فَأَخْبِرْنِي بِمَاذَا تُوثَقُ؟». فَقَالَ لَهَا: «إِذَا ضَفَرْتِ سَبْعَ خُصَلِ رَأْسِي مَعَ السَّدَى» ١٤فَمَكَّنَتْهَا بِالْوَتَدِ. وَقَالَتْ لَهُ: «الْفِلِسْطِينِيُّونَ عَلَيْكَ يَا شَمْشُونُ». فَانْتَبَهَ مِنْ نَوْمِهِ وَقَلَعَ وَتَدَ النَّسِيجِ وَالسَّدَى. ١٥فَقَالَتْ لَهُ: «كَيْفَ تَقُولُ أُحِبُّكِ، وَقَلْبُكَ لَيْسَ مَعِي؟ هُوَذَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ قَدْ خَتَلْتَنِي وَلَمْ تُخْبِرْنِي بِمَاذَا قُوَّتُكَ الْعَظِيمَةُ».
١. فَأَخْبِرْنِي بِمَاذَا تُوثَق: من الواضح أن دَلِيلَة لم يكن لديها أي اهتمام حقيقي بشَمْشُون، ومع ذلك فإن التزامه الثابت تجاهها هو مثال صارخ على قوة الحب الأعمى وغير المسؤول.
٢. كَيْفَ تَقُولُ أُحِبُّكِ، وَقَلْبُكَ لَيْسَ مَعِي: من المؤسف أن قلب شَمْشُون كان مَع دَلِيلَة. لقد كان اتهامها تلاعبًا يعكس نواياها الحقيقية، حيث لم يكن قلبها مَع شَمْشُون.
و ) الآيات (١٦-١٩): شَمْشُون يفشي سر قوته أخيرًا.
١٦وَلَمَّا كَانَتْ تُضَايِقُهُ بِكَلاَمِهَا كُلَّ يَوْمٍ وَأَلَحَّتْ عَلَيْهِ، ضَاقَتْ نَفْسُهُ إِلَى الْمَوْتِ، ١٧فَكَشَفَ لَهَا كُلَّ قَلْبِهِ، وَقَالَ لَهَا: «لَمْ يَعْلُ مُوسَى رَأْسِي لأَنِّي نَذِيرُ اللهِ مِنْ بَطْنِ أُمِّي، فَإِنْ حُلِقْتُ تُفَارِقُنِي قُوَّتِي وَأَضْعُفُ وَأَصِيرُ كَأَحَدِ النَّاسِ». ١٨وَلَمَّا رَأَتْ دَلِيلَةُ أَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَهَا بِكُلِّ مَا بِقَلْبِهِ، أَرْسَلَتْ فَدَعَتْ أَقْطَابَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَقَالَتِ: «اصْعَدُوا هذِهِ الْمَرَّةَ فَإِنَّهُ قَدْ كَشَفَ لِي كُلَّ قَلْبِهِ». فَصَعِدَ إِلَيْهَا أَقْطَابُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَأَصْعَدُوا الْفِضَّةَ بِيَدِهِمْ. ١٩وَأَنَامَتْهُ عَلَى رُكْبَتَيْهَا وَدَعَتْ رَجُلاً وَحَلَقَتْ سَبْعَ خُصَلِ رَأْسِهِ، وَابْتَدَأَتْ بِإِذْلاَلِهِ، وَفَارَقَتْهُ قُوَّتُهُ.
١. وَلَمَّا كَانَتْ تُضَايِقُهُ بِكَلاَمِهَا كُلَّ يَوْمٍ وَأَلَحَّتْ عَلَيْهِ، ضَاقَتْ نَفْسُهُ إِلَى الْمَوْتِ، فَكَشَفَ لَهَا كُلَّ قَلْبِهِ: استسلم شَمْشُون سابقًا لإلحاح زوجته الفِلِسْطِيَّة (قضاة ١٤: ١٥-١٨). والآن ها هو يستسلم لإلحاح دَلِيلَة. لا شك أنها أخطأت باستخدام مثل هذا التحايل الرهيب، لكن شَمْشُون أخطأ أيضًا بالاستسلام لهذا التحايل.
• كانت شكواها السابقة من أن حُبّ شَمْشُون لها كان فارغًا، ادعاء باطل. فدَلِيلَة لم تكن تحبه حقًا، وتوقعت أن يتخلى شَمْشُون عن نفسه وخدمته لله “لإثبات” محبته لها.
٢. فَكَشَفَ لَهَا كُلَّ قَلْبِهِ: لحظة اتخاذ شَمْشُون لهذا القرار، كانت لحظة مفجعة. كان عليه أن يعرف ما سيحدث له. كان عليه أن يختار بين أمانته لله وبين هذه العلاقة الشريرة.
• نرى هنا أقوى رجل في العالم ينهار تحت تأثير قوة علاقة شريرة. ربما افترض شَمْشُون أن قوته في ناحية معينة من حياته تعني أنه كان قويًا في كل النواحي. لكنه في هذا كان مخطئًا تمامًا.
٣. وَأَنَامَتْهُ عَلَى رُكْبَتَيْهَا: لا شك أن دَلِيلَة استخدمت كلمات معسولة لتخدّر شَمْشُون وتجعله ينام. إن ادعاء دَلِيلَة الزائف بالحب، من أجل المال، هو أمر مزعج للغاية.
• “طالما ظل شَمْشُون مُكرسًا، فهو قوي؛ ولكن بمجرد كسره لهذا التكريس، يصبح ضعيفًا كالماء. يمتلك الشيطان ألف شفرة حلاقة يمكنه بها حلاقة خُصَل شعر رجل مُكرّس دون أن يدرك ذلك. فبينما كان شَمْشُون ينام بعمق، يهدئه الحلاق الذكي لينام نومًا أعمق بينما يمرر شفرته على رأسه الأحمق حتى يجعله أصلعًا بالتمام. إن الشيطان أكثر دهاءً من أمهر الحلاقين، ويمكنه أن يحلق خُصَل المؤمن دون حتى أن يدرك ذلك.” سبيرجن (Spurgeon)
٤. وَابْتَدَأَتْ بِإِذْلاَلِه: كم كان هذا مناسبًا. يمكننا القول إن دَلِيلَة ابْتَدَأَتْ بِإِذْلاَلِه قبل ذلك بوقت طويل.
٥. وَفَارَقَتْهُ قُوَّتُه: لم يكن هناك أي شيء سحري في شَعْر شَمْشُون. في الواقع، يمكننا القول إنه بدأ يكسر نذره قبل هذه النقطة بوقت سابق. ومع ذلك، فقد جاءت اللحظة التي كان عليه في النهاية أن يواجه عواقب رفضه لرحمة الله.
• قوة شَمْشُون لم تأتِ من شعره، بل مما كان يمثله هذا الشعر كرمز لتكريسه لله، وكان ذلك رمزًا لرضا الله عنه. وطالما ظل شعره غير مقصوص، ظل مُخلصًا لله. وبمجرد قصّه، بَطُل تكريسه وقُوَّتُه فَارَقَتْه.” سبيرجن (Spurgeon)
• يرى البعض أن شَمْشُون كان يبدو أفضل بكثير بعد إزالة شعره الأشعَث. فقد أصبح أكثر أناقة، وأكثر قبولًا في المجتمع الراقي. وعلى نفس المِنوال، كثيرًا ما يُعتقد أن الكنائس تتحسن بالتخلص من سماتها المُميّزة، فتصبح أكثر جاذبية في نظر العالم.” سبيرجن (Spurgeon)
ثانيًا. اِعتقال شَمْشُون وموته
أ ) الآية (٢٠): الفِلِسْطِيُّون يقبضون على شَمْشُون.
٢٠وَقَالَتِ: «الْفِلِسْطِينِيُّونَ عَلَيْكَ يَا شَمْشُونُ». فَانْتَبَهَ مِنْ نَوْمِهِ وَقَالَ: «أَخْرُجُ حَسَبَ كُلِّ مَرَّةٍ وَأَنْتَفِضُ». وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ فَارَقَهُ.
١. أَخْرُجُ حَسَبَ كُلِّ مَرَّة: لم يدرك شَمْشُون أن شيئًا قد تغير. فقد عاش في حالة من التنازلات لفترة طويلة حتى أنه كان يعتقد أن هذا لن يؤثر عليه حقًا.
• “إن القصة تثير في النفس شعورًا عميقًا بالخوف المُقدس. إن فكرة الاستمرار في محاولة القيام بعمل الله بعد أن يسحب الرب حضوره هي فكرة مُخِيفة.” مورجان (Morgan)
• هذا مثال مأساوي للإمكانات الضائعة وتجاهل تحذيرات الله. اعتقد شَمْشُون أنه يستطيع الإفلات من الخطية وتجنب عواقبها. وأخطأ في تفسير تأخير الله الرحيم في الدينونة أو التصحيح على أنه إشارة إلى عدم الاهتمام بالأمر. ونتيجة لذلك، اعتبر رحمة الله أمرًا مسلمًا به واستمر في خطيته، مما أدى إلى تفاقم مشاكله.
٢. وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ فَارَقَهُ: لم تكن قوة شَمْشُون في شَعره، بل في علاقته بالله. لقد عمل شَمْشُون ضد علاقته مع الله إلى الحد الذي جعل الله يفَارَقَهُ في النهاية، بمعنى أنه لم يعد يباركه بتلك القوة الخارقة.
ب) الآيات (٢١-٢٢): شَمْشُون فِي سجن الفِلِسْطِيِّين.
٢١فَأَخَذَهُ الْفِلِسْطِينِيُّونَ وَقَلَعُوا عَيْنَيْهِ، وَنَزَلُوا بِهِ إِلَى غَزَّةَ وَأَوْثَقُوهُ بِسَلاَسِلِ نُحَاسٍ. وَكَانَ يَطْحَنُ فِي بَيْتِ السِّجْنِ. ٢٢وَابْتَدَأَ شَعْرُ رَأْسِهِ يَنْبُتُ بَعْدَ أَنْ حُلِقَ.
١. فَأَخَذَهُ الْفِلِسْطِينِيُّونَ وَقَلَعُوا عَيْنَيْهِ: كان مناسبًا أن يُصاب شَمْشُون بالعمى في سجنه. فقد انجذب إلى علاقات شريرة من خلال عينيه. وفشله في التحكم في هذا الانجذاب للنساء أدى به في النهاية إلى العبودية.
٢. وَأَوْثَقُوهُ بِسَلاَسِلِ نُحَاسٍ: رفض شَمْشُون أن يُخضع نفسه لله بالطاعة، وأصرّ على “الحرية” في فعل ما يريد. وهذا القرار لم يترك له أي حرية حقيقية على الإطلاق.
• “ربما لا يوجد شيء أكثر إيلامًا ومأساوية في الكتب المقدسة من صورة شَمْشُون وهو مَقْلوع العينين ويَطحن في سجن الفِلِسْطِيِّين. إنها صورة ومثل لا يحتاجان إلى تفسير إضافي لجعلهما مؤثرين.” مورجان (Morgan)
• الخطية لها أجرتها، وكانت هذه لحظة الحساب بالنسبة لشَمْشُون. لقد تركته خطاياه أعمى، مُقيدًا، ومستعبَدًا. في البداية، كان عماه وعبوديته صراعًا داخليًا، لكنهما أصبحا في النهاية ظاهرين.
٣. وَابْتَدَأَ شَعْرُ رَأْسِهِ يَنْبُت: لقد منح الله شَمْشُون الأمل وهو في السجن. وبينما بدأ شعره ينمو من جديد، يمكننا أن نتخيل أن قلبه أيضًا يُرَد إليه.
• “أتساءل لماذا لم يتخذ الفِلِسْطِيُّون خطوات لمنع شعر شَمْشُون من النمو ثانية. إذا كان قص شعره السابق فعالًا إلى هذا الحد، فلماذا لم يرسلوا حلاقًا كل صباح للتأكد من عدم نمو شعرة واحدة على رأسه أو ذقنه؟ غالبًا ما يفتقر الأشرار إلى الحكمة في كل الأمور. إنهم يفشلون بشكل واضح في نقطة أو أخرى لدرجة أن الكتاب المقدس يصفهم بالحمقى.” سبيرجن (Spurgeon)
• “عندما بدأ شعر شَمْشُون ينمو ثانية، فعلام كان يُنبئ ذلك؟ أولًا، أنبأ لشَمْشُون بالأمل. أستطيع أن أتخيله وهو يمرر يده على رأسه ويشعر بشعره ينبت، ثم يلمس لحيته ويلاحظ خشونتها، ويقول: نعم، نعم، إن شعري ينمو. وربما فكر في نفسه: “ستتحسن الأمور قريبًا. لن أستعيد بصري، فعيناي لن ينموا ثانية. لقد خسرت الكثير بسبب خطيتي. لكن قوتي ستعود مع شعري. ولا يزال لدي الفرصة لتوجيه ضربة لأجل شعبي وإلهي.” سبيرجن (Spurgeon)
ج) الآيات (٢٣-٢٥): شَمْشُون يتعرض للسخرية من أعدائه.
٢٣وَأَمَّا أَقْطَابُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ فَاجْتَمَعُوا لِيَذْبَحُوا ذَبِيحَةً عَظِيمَةً لِدَاجُونَ إِلهِهِمْ وَيَفْرَحُوا، وَقَالُوا: «قَدْ دَفَعَ إِلهُنَا لِيَدِنَا شَمْشُونَ عَدُوَّنَا». ٢٤وَلَمَّا رَآهُ الشَّعْبُ مَجَّدُوا إِلهَهُمْ، لأَنَّهُمْ قَالُوا: «قَدْ دَفَعَ إِلهُنَا لِيَدِنَا عَدُوَّنَا الَّذِي خَرَّبَ أَرْضَنَا وَكَثَّرَ قَتْلاَنَا». ٢٥وَكَانَ لَمَّا طَابَتْ قُلُوبُهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: «ادْعُوا شَمْشُونَ لِيَلْعَبَ لَنَا». فَدَعَوْا شَمْشُونَ مِنْ بَيْتِ السِّجْنِ، فَلَعِبَ أَمَامَهُمْ. وَأَوْقَفُوهُ بَيْنَ الأَعْمِدَةِ.
١. قَدْ دَفَعَ إِلهُنَا لِيَدِنَا شَمْشُونَ عَدُوَّنَا: عندما كان شَمْشُون يسعى وراء علاقاته غير التقيّة، ربما أقنع نفسه بأنه وحده من سيعاني العواقب. ولكننا نرى هنا أن عصيانه أدى في النهاية إلى تمجيد آلهة مزيفة. وأصبح شَمْشُون شِعَارُ الْغَلَبَة لعابدي الآلهة الباطلة.
٢. وَلَمَّا رَآهُ الشَّعْبُ مَجَّدُوا إِلهَهُمْ: كانت الرسالة التي أعلنها أتباع الإله دَاجُون واضحة تمامًا: “إلهنا أقوى من إله إسرائيل لأننا تغلبنا على شَمْشُون.” كثيرًا ما يؤدي عصيان قادة الله إلى رفض الآخرين له.
د ) الآيات (٢٦-٣١): موت شَمْشُون المُر والحُلو.
٢٦فَقَالَ شَمْشُونُ لِلْغُلاَمِ الْمَاسِكِ بِيَدِهِ: «دَعْنِي أَلْمِسِ الأَعْمِدَةَ الَّتِي الْبَيْتُ قَائِمٌ عَلَيْهَا لأَسْتَنِدَ عَلَيْهَا». ٢٧وَكَانَ الْبَيْتُ مَمْلُوءًا رِجَالاً وَنِسَاءً، وَكَانَ هُنَاكَ جَمِيعُ أَقْطَابِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، وَعَلَى السَّطْحِ نَحْوُ ثَلاَثَةِ آلاَفِ رَجُل وَامْرَأَةٍ يَنْظُرُونَ لِعْبَ شَمْشُونَ. ٢٨فَدَعَا شَمْشُونُ الرَّبَّ وَقَالَ: «يَا سَيِّدِي الرَّبَّ، اذْكُرْنِي وَشَدِّدْنِي يَا اَللهُ هذِهِ الْمَرَّةَ فَقَطْ، فَأَنْتَقِمَ نَقْمَةً وَاحِدَةً عَنْ عَيْنَيَّ مِنَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ». ٢٩وَقَبَضَ شَمْشُونُ عَلَى الْعَمُودَيْنِ الْمُتَوَسِّطَيْنِ اللَّذَيْنِ كَانَ الْبَيْتُ قَائِمًا عَلَيْهِمَا، وَاسْتَنَدَ عَلَيْهِمَا الْوَاحِدِ بِيَمِينِهِ وَالآخَرِ بِيَسَارِهِ. ٣٠وَقَالَ شَمْشُونُ: «لِتَمُتْ نَفْسِي مَعَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ». وَانْحَنَى بِقُوَّةٍ فَسَقَطَ الْبَيْتُ عَلَى الأَقْطَابِ وَعَلَى كُلِّ الشَّعْبِ الَّذِي فِيهِ، فَكَانَ الْمَوْتَى الَّذِينَ أَمَاتَهُمْ فِي مَوْتِهِ، أَكْثَرَ مِنَ الَّذِينَ أَمَاتَهُمْ فِي حَيَاتِهِ. ٣١فَنَزَلَ إِخْوَتُهُ وَكُلُّ بَيْتِ أَبِيهِ وَحَمَلُوهُ وَصَعِدُوا بِهِ وَدَفَنُوهُ بَيْنَ صُرْعَةَ وَأَشْتَأُولَ، فِي قَبْرِ مَنُوحَ أَبِيهِ. وَهُوَ قَضَى لإِسْرَائِيلَ عِشْرِينَ سَنَةً.
١. فَقَالَ شَمْشُونُ لِلْغُلاَمِ الْمَاسِكِ بِيَدِهِ: ظل الفِلِسْطِيُّون يسخرون من شَمْشُون. وفي هذا الحدث العظيم، عيَّنوا غُلامًا لحراسته.
• هذا يعزز فكرة أن شَمْشُون لم يكن رجلًا مَشدُود العضلات ويتمتع بقوة طبيعية. كانت قوته خارقة للطبيعة حقًا، ولكنها لم تكن مستمدة من صفات جسدية طبيعية.
٢. فَأَنْتَقِمَ نَقْمَةً وَاحِدَةً عَنْ عَيْنَيَّ مِنَ الْفِلِسْطِينِيِّين: كانت اللحظات الأخيرة في حياة شَمْشُون مزيجًا من المُر والحُلو. فقد منحه الله طلبته الأخيرة، وحقق أعظم انتصار له على الفِلِسْطِيِّين ـ ولكن هذا كان على حساب حياته.
• نرى في شَمْشُون صورة للمؤمن في عدم طاعته. لقد استخدمه الله، ولكنه لم ينتفع هو من هذا. وانتهت حياته بمأساة شخصية، اتسمت بإمكانات عظيمة مُهدرة.
٣. لِتَمُتْ نَفْسِي مَعَ الْفِلِسْطِينِيِّين: كان هذا عملًا يشبه الانتحار، لكنه يختلف عن الانتحار بالمعنى التقليدي. لم يكن هدف شَمْشُون قتل نفسه حقًا، بل أن يقتل أكبر عدد يمكنه قتله من الفِلِسْطِيِّين. يشبه هذا المشهد الانتحاريين في عصرنا هذا.
• ذُكر شَمْشُون كبطل في قائمة أبطال الإيمان في عبرانيين ١١ (عبرانيين ١١: ٣٢). لكن قصته ليست هناك لتعظيمه أو تعظيم نهايته؛ فلم يكن شَمْشُون بطلًا جليلًا يُقتدى به، كما يُعظم البعض المفجرين الانتحاريين في العصر الحالي. بدلًا من ذلك، كان شَمْشُون بطلًا بائسًا، وكان من المفترض أن تنتهي حياته بطريقة مختلفة تمامًا.
• يمكننا القول أيضًا أن انتحار شَمْشُون وقتله للآخرين لم يكن مخططًا له بعناية، بل جاءته الفرصة في سياق مأساوي.
• من الواضح أن الانتحار خطية، إنه خطية قتل النفس. ومع ذلك، من المهم ألا نعتبره خطية لا تُغتفر. فغالبية الذين يقدمون على الانتحار قد وقعوا فريسة لأكاذيب وخِداع الشيطان، الذي لاَ يَأْتِي إِلاَّ لِيَسْرِقَ وَيَذْبَحَ وَيُهْلِكَ (يوحنا ١٠:١٠).
٢. وَانْحَنَى بِقُوَّةٍ فَسَقَطَ الْبَيْتُ عَلَى الأَقْطَابِ وَعَلَى كُلِّ الشَّعْبِ الَّذِي فِيهِ: لم يكن هذا ليحدث لولا تمكين الله الخارق لشَمْشُون، مما يؤكد أن الله لم يتخلَّ عن شمشون قط، حتى في عصيانه. كانت مراحم الله متاحة لشَمْشُون حتى وهو في سجن الفِلِسْطِيِّين، كل ما كان عليه أن يفعله هو أن يوجه قلبه نحو الله ليستقبل تلك المراحم.
• يمكننا القول إن شَمْشُون استعاد قوته من خلال التخلّي عن ذاته. لم يأتِ هذا النصر العظيم إلا بعد أن صار مكسور ومذلول وأعمى، بحيث لم يعد قادرًا على النظر إلى نفسه. لم نرَ شَمْشُون كرجل صلاة من قبل، لكننا نراه يصلي هنا. كان متواضعًا بما يكفي ليقبل مساعدة غُلام صغير.
• باختصار، توضح قصة شَمْشُون خطورة الاستخفاف بخطيتنا. ربما اعتقد أنه كان مسيطرًا تمامًا على شهواته الجسدية، إلا أن سعيه وراء الحب والإشباع الجنسي أدى في النهاية إلى دماره. ورغم أن شَمْشُون كان قائدًا مغوارًا أَخْضَع الفِلِسْطِيِّين، إلا أنه لم يسمح لله أبدًا أن يغلبه بشكل صحيح.
• كان لا بد من أن يُخدع شَمْشُون ليستمر في العودة إلى أماكن التجربة والخطر. ويبدو أنه في كل مرة يذهب فيها إلى أرض الفِلِسْطِيِّين، كان يقع في تنازلات أخلاقية. كان ينبغي عليه أن يتعلم من هذا. وبدلًا من أن يضع نفسه في أماكن التجربة، كان عليه أن يهرب من الشهوات الشبابية (تيموثاوس الثانية ٢: ٢٢)، تمامًا كما فعل يُوسف (تكوين ٣٩: ١٢). “وبدلًا من أن يقطع علاقته بدَلِيلَة، سمح لها بأن تكسره.” والف (Wolf)
• تُبين قصة شَمْشُون أيضًا المخاطر المترتبة على القيادة المنعزلة. فقد فعل كل شيء بمفرده. حكم لمدة عشرين عامًا دون أن يطلب أو يَقبَل الدعم من الآخرين.
• الأهم من ذلك كله، أن شَمْشُون يمثل صورة صارخة للإمكانات الضائعة. كان من الممكن أن يكون، وكان ينبغي أن يكون، واحدًا من أعظم رجال الله في العهد القديم، لكنه أهدر إمكاناته.
• “لم تُكتب سير العهد القديم أبدًا لنحاكيها فحسب، بل كُتبت لتعليمنا. وفي هذه القصة تحديدًا، نرى الكثير من الدروس المؤثرة. يقول الله: ’انظروا ما الذي يمكن للإيمان أن يفعله. هنا رجل مليء بالضعف، أحمق بائس؛ لكنه، يحيا بإيمان الأطفال. ’البار بالإيمان يحيا.‘ لديه الكثير من العيوب والإخفاقات المحزنة، لكن قلبه صادق نحو إلهه؛ إنه يثق بالرب ويكرس نفسه لخدمة سيده، ولذلك وجد الخلاص.‘ أرى أن قصة شَمْشُون هي معجزة عظيمة وضعت في الكتاب المقدس لتشجيع أعظم الخطاة.” سبيرجن (Spurgeon)