سِفر القُضاة – الإصحاح ٦
دَعوَة جِدْعُون
أولًا. ارتداد، عبودية، تَضرّع
أ ) الآية (١): ارتداد إسرائيل يؤدي بهم إلى العبودية.
١وَعَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، فَدَفَعَهُمُ الرَّبُّ لِيَدِ مِدْيَانَ سَبْعَ سِنِينَ.
١. وَعَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الشَّرّ: بعد هزيمة سِيسَرَا، انتهت أخيرًا فترة الراحة التي دامت أَرْبَعِينَ سَنَة (قضاة ٥: ٣١). وخلال هذه الفترة من الرخاء والتراخي، عَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبّ.
٢. فَدَفَعَهُمُ الرَّبُّ لِيَدِ مِدْيَان: وضع الله شعب إسرائيل تحت عبودية المِدْيَانيين، وكان ذلك تعبيرًا عن نعمته ورحمته حيث إن الضيقة كانت ستدفعهم إلى الرجوع إليه. وكان الأمر سيكون أسوأ لو تركهم الله لمصيرهم دون تدخل.
ب) الآيات (٢-٦): تفاصيل عبودية إسرائيل لمِدْيَان.
٢فَاعْتَزَّتْ يَدُ مِدْيَانَ عَلَى إِسْرَائِيلَ. بِسَبَبِ الْمِدْيَانِيِّينَ عَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لأَنْفُسِهِمِ الْكُهُوفَ الَّتِي فِي الْجِبَالِ وَالْمَغَايِرَ وَالْحُصُونَ. ٣وَإِذَا زَرَعَ إِسْرَائِيلُ، كَانَ يَصْعَدُ الْمِدْيَانِيُّونَ وَالْعَمَالِقَةُ وَبَنُو الْمَشْرِقِ، يَصْعَدُونَ عَلَيْهِمْ، ٤وَيَنْزِلُونَ عَلَيْهِمْ وَيُتْلِفُونَ غَلَّةَ الأَرْضِ إِلَى مَجِيئِكَ إِلَى غَزَّةَ، وَلاَ يَتْرُكُونَ لإِسْرَائِيلَ قُوتَ الْحَيَاةِ، وَلاَ غَنَمًا وَلاَ بَقَرًا وَلاَ حَمِيرًا. ٥لأَنَّهُمْ كَانُوا يَصْعَدُونَ بِمَوَاشِيهِمْ وَخِيَامِهِمْ وَيَجِيئُونَ كَالْجَرَادِ فِي الْكَثْرَةِ وَلَيْسَ لَهُمْ وَلِجِمَالِهِمْ عَدَدٌ، وَدَخَلُوا الأَرْضَ لِكَيْ يُخْرِبُوهَا. ٦فَذَلَّ إِسْرَائِيلُ جِدًّا مِنْ قِبَلِ الْمِدْيَانِيِّينَ. وَصَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ.
١. عَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لأَنْفُسِهِمِ الْكُهُوفَ الَّتِي فِي الْجِبَالِ وَالْمَغَايِرَ وَالْحُصُون: إن اضطهاد مِدْيَان، الذي نتج عن خطية إسرائيل، أدى إلى إذلالهم. كان عليهم أن يتذلّلوا قبل أن يرجعوا إلى الله، فاضطروا للعيش كساكني الكهوف بدلًا من أن يعيشوا كأناس متحضرين.
٢. وَإِذَا زَرَعَ إِسْرَائِيلُ، كَانَ يَصْعَدُ الْمِدْيَانِيُّون: لم يحتل المديانيون الأرض، بل جاءوا فقط في وقت الحصاد ليسرقوا ما زرعه بنو إسرائيل (وَلاَ يَتْرُكُونَ لإِسْرَائِيلَ قُوتَ الْحَيَاةِ).
• إنّ خطية إسرائيل جعلت عملهم الشاق بلا ثمر. لقد كانت محاصيلهم وماشيتهم تتعرض للنهب بعد جهد مُضني من العمل. الخطية تفعل ذلك، فهي تحرمنا من المكافآت التي نعمل باجتهاد لكي ننالها. ويخسر العديد من الناجحين كل شيء لأنهم يرفضون التخلّي عن خطيتهم. قد يضيع كل شيء مقابل شيء يبدو لاحقًا أنه بلا قيمة.
• إِلَى غَزَّة: “يشير هذا إلى كامل عَرض الأرض الممتدة من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط. وهكذا دُمرت المنطقة بأكملها، وتُرِك سكانها محرومين من ضروريات الحياة الأساسية.” كلارك (Clarke)
٣. وَلَيْسَ لَهُمْ وَلِجِمَالِهِمْ عَدَدٌ: كان المديانيون شعبًا يسكن الصحراء، وقد سيطروا على إسرائيل بسبب استخدامهم الفعّال لِجِمَالِهِمْ. “من الواضح أن استخدام هذا الوحش المُحدب والمُهيب قد أثار الرعب في قلوب بني إسرائيل.” كوندال (Cundall)
٤. وَصَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبّ: بعد موسم طويل من المذلّة، والعمل غير المثمر، والفقر، وسيطرة القوة المُستبدة، صَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبّ أخيرًا. وكانت الصلاة هي الملاذ الأخير لهم بدلًا من أن تكون مرجعهم الأول.
ج) الآيات (٧-١٠): أرسل الله نبيًا تجاوبًا مع صراخ الشعب.
٧وَكَانَ لَمَّا صَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ بِسَبَبِ الْمِدْيَانِيِّينَ ٨أَنَّ الرَّبَّ أَرْسَلَ رَجُلاً نَبِيًّا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ لَهُمْ: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: إِنِّي قَدْ أَصْعَدْتُكُمْ مِنْ مِصْرَ وَأَخْرَجْتُكُمْ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ، ٩وَأَنْقَذْتُكُمْ مِنْ يَدِ الْمِصْرِيِّينَ وَمِنْ يَدِ جَمِيعِ مُضَايِقِيكُمْ، وَطَرَدْتُهُمْ مِنْ أَمَامِكُمْ وَأَعْطَيْتُكُمْ أَرْضَهُمْ. ١٠وَقُلْتُ لَكُمْ: أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ. لاَ تَخَافُوا آلِهَةَ الأَمُورِيِّينَ الَّذِينَ أَنْتُمْ سَاكِنُونَ أَرْضَهُمْ. وَلَمْ تَسْمَعُوا لِصَوْتِي».
١. الرَّبَّ أَرْسَلَ رَجُلاً نَبِيًّا: سيَظهَر القاضي المُخلّص لاحقًا. ولكن قبل أن يتمكن شعب إسرائيل من قبول عمل القاضي والتجاوب معه، كان لا بد أولًا من إعدادهم من قبل هذا النبي الذي لم يُذكر اسمه.
٢. إِنِّي قَدْ أَصْعَدْتُكُمْ مِنْ مِصْر: تكلّم الله من خلال النبي، مذكّرًا إسرائيل بكل ما فعله لهم في الماضي. وحتى تواجه إسرائيل أزمتها الحالية، كان يجب تذكيرهم بما فعله الله لهم سابقًا.
• لقد ذكّرهم هذا بمحبة الله الدائمة. إن الله الذي أحبهم بالقدر الكافي فأنقذهم من مصر، لا يزال يحبهم بما يكفي لإنقاذهم من المديانيين.
• لقد ذكّرهم النبي بقوة الله الدائمة. إن الله الذي كان قويًا بالقدر الكافي فأنقذهم من مصر، لا يزال قويًا بما يكفي لإنقاذهم من المديانيين.
٣. وَلَمْ تَسْمَعُوا لِصَوْتِي: أرسل الله هذا الرسول ليخبرهم أين تكمن المشكلة الحقيقية. لم يكن الأمر أن المديانيين كانوا أقوياء إلى هذا الحد، بل أن إسرائيل كانت عاصية للغاية.
• اعتقدت إسرائيل أن مشكلتها الرئيسية هي المديانيين، لكن مشكلتها الحقيقية كانت تكمن فيهم. فمن الطبيعي كبشر أن نلقي اللوم على الآخرين على المشاكل التي نخلقها بأنفسنا.
• تُظهر رسالة النبي أيضًا أنه عندما صَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبّ، لم يفهموا أن المشكلة كانت فيهم. وصراخهم طلبًا للمساعدة لم يكن يعني أنهم اعترفوا بخطيتهم أو تابوا عنها.
ثانيًا. دَعوَة المُخلِّص
أ ) الآيات (١١-١٣): ظهور ملاك الرب لجِدْعُون.
١١وَأَتَى مَلاَكُ الرَّبِّ وَجَلَسَ تَحْتَ الْبُطْمَةِ الَّتِي فِي عَفْرَةَ الَّتِي لِيُوآشَ الأَبِيعَزَرِيِّ. وَابْنُهُ جِدْعُونُ كَانَ يَخْبِطُ حِنْطَةً فِي الْمِعْصَرَةِ لِكَيْ يُهَرِّبَهَا مِنَ الْمِدْيَانِيِّينَ. ١٢فَظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ وَقَالَ لَهُ: «الرَّبُّ مَعَكَ يَا جَبَّارَ الْبَأْسِ». ١٣فَقَالَ لَهُ جِدْعُونُ: «أَسْأَلُكَ يَا سَيِّدِي، إِذَا كَانَ الرَّبُّ مَعَنَا فَلِمَاذَا أَصَابَتْنَا كُلُّ هذِهِ؟ وَأَيْنَ كُلُّ عَجَائِبِهِ الَّتِي أَخْبَرَنَا بِهَا آبَاؤُنَا قَائِلِينَ: أَلَمْ يُصْعِدْنَا الرَّبُّ مِنْ مِصْرَ؟ وَالآنَ قَدْ رَفَضَنَا الرَّبُّ وَجَعَلَنَا فِي كَفِّ مِدْيَانَ».
١. وَأَتَى مَلاَكُ الرَّبِّ وَجَلَسَ تَحْتَ الْبُطْمَة: عندما نقرأ أن مَلاَكُ الرَّبّ ظهر لجِدْعُون، فمن الواضح بالنسبة لنا أنه يقصد ’تَجلِّي إلهي‘ – أي ظهور يسوع المسيح في العهد القديم في هيئة إنسان، ولكن قبل تجسده في بيت لحم.
• إنّ وصف اللقاء مع مَلاَكُ الرَّبّ يُظهر أن هذا ليس مجرد ملاك يتحدث نيابة عن الله، بل أن الله نفسه، الذي ظهر في صورة إنسان قد تكلّم مع جِدْعُون:
فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الرَّبُّ وَقَالَ (قضاة ١٤:٦).
فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ (قضاة ١٦:٦).
• بما أن اَلله لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ (يوحنا ١: ١٨، يوحنا ٥: ٢٧)، والروح القدس كائن بلا جسد بطبيعته، فمن المعقول تفسير ذلك على أنه ظهور للأقنوم الثاني من الثالوث، أي الله الابن. ومع ذلك، فإن هذا ليس تجسدًا بالمعنى نفسه كما كان يسوع طفلاً في بيت لحم. ففي بيت لحم، كان يسوع إنسانًا حقيقيًا وكاملًا (وفي الوقت نفسه كان إلهًا حقيقيًا وكاملًا). أما هنا، فمن المرجح أن يسوع اتخذ فقط هيئة بشرية لغرض معين.
٢. جِدْعُونُ كَانَ يَخْبِطُ حِنْطَةً فِي الْمِعْصَرَة: كان هذا صعبًا ومُهينًا. كان القمح (أو الحنطة) يُخْبَط (أي يُدرس) في أماكن مفتوحة، عادة على قمة تلة لتُذرّي الرياح التبن بعيدًا. لم يكن القمح يُخْبَط عادة في مكانٍ غائر مثل الْمِعْصَرَة.
• “كان هذا مكانًا خاصًا منعزلًا تمامًا. لم يكن بإمكانه أن يصنع بيدرًا في العراء كما جرت العادة، أو أن يَدرُس الحنطة بِدَرَّاسَة أو بأقدام الثيران، خوفًا من المديانيين الذين كانوا يأتون ويستولون على الحبوب بمجرد أن تُدرس.” كلارك (Clarke)
• “هكذا دعا الله موسى وداود من رعي الأغنام، ودعا أليشع من وراء المِحراث، كما دعا الرسل من الصيد ومن غسل وإصلاح شباكهم. فالرب يَظهَر عادة للمنشغلين برؤى، كما يفعل الشيطان مع الكسالى من خلال العديد من الإغراءات.” تراب (Trapp)
٣. الرَّبُّ مَعَكَ يَا جَبَّارَ الْبَأْس: بدت هذه التحيّة غريبة بالنسبة لجِدْعُون. فلم يبدُ أن الرَّبّ مَعَهُ، ولم يبدُ أنه جَبَّارَ بَأْس. ربما اِلْتَفَت جِدْعُون حوله ليرى إن كان هناك شخص آخر يخاطبه الملاك.
• “في أي شيء كمُنت شجاعته هذه؟ إنه يبدو رجلًا بسيطًا يعيش حياة عادية للغاية. لقد وجده الملاك بينما كان يقوم بواجباته اليومية.” مورجان (Morgan)
٤. أَيْنَ كُلُّ عَجَائِبِهِ الَّتِي أَخْبَرَنَا بِهَا آبَاؤُنَا: سمع جِدْعُون عن أعمال الله العظيمة في الماضي، لكنه تساءل لماذا لم ير معجزات مماثلة في عصره. ظن جِدْعُون أن المشكلة كانت في الله (وَالآنَ قَدْ رَفَضَنَا الرَّبّ) – وليس فيه وفي أمة إسرائيل ككل. في الواقع، إسرائيل هي التي ابتعدت عن الله، ولكن الله لم يترك اسرائيل.
• ومع ذلك، يُحسب لجِدْعُون أنه كان منزعجًا من حالة إسرائيل. لم يكن غير مُباليًا ولا قَدَرِيًّا. “يتم تصويره كرجل، على الرغم من استمراره في عمله، إلا أنه كان متأثرًا جدًا بمرارة الوضع وكأنها نار مشتعلة بداخله.” مورجان (Morgan)
ب) الآيات (١٤-١٦): دعوة جِدْعُون لخدمة الله.
١٤فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الرَّبُّ وَقَالَ: «اذْهَبْ بِقُوَّتِكَ هذِهِ وَخَلِّصْ إِسْرَائِيلَ مِنْ كَفِّ مِدْيَانَ. أَمَا أَرْسَلْتُكَ؟» ١٥فَقَالَ لَهُ: «أَسْأَلُكَ يَا سَيِّدِي، بِمَاذَا أُخَلِّصُ إِسْرَائِيلَ؟ هَا عَشِيرَتِي هِيَ الذُّلَّى فِي مَنَسَّى، وَأَنَا الأَصْغَرُ فِي بَيْتِ أَبِي». ١٦فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «إِنِّي أَكُونُ مَعَكَ، وَسَتَضْرِبُ الْمِدْيَانِيِّينَ كَرَجُل وَاحِدٍ».
١. اذْهَبْ بِقُوَّتِكَ هذِه: لم يبدُ وكأن جِدْعُون كان يتمتع بأي قُوّة لتنفيذ مهمته. ومع ذلك، لم يكن ملاك الرب يسخر منه عندما قال: ’اذْهَبْ بِقُوَّتِكَ هذِه.‘ لقد كان جِدْعُون يتمتع بقُوّة حقيقية، ولكن ليس بالمعنى التقليدي الذي قد نفكّر فيه.
• كان لجِدْعُون قُوَّة المتواضع، فكان يُخبط الحنطة على أرضية المعصرة.
• كان لجِدْعُون قُوَّة المُهتم، لأنه كان يهتم بحالة الضعف التي كانت فيها إسرائيل.
• كان لجِدْعُون قُوَّة المعرفة، لأنه عَلِم أن الله صنع أشياء عظيمة في الماضي.
• كان لجِدْعُون قُوَّة الجائع روحيًا لأنه أراد أن يرى أعمال الله العظيمة مرة ثانية.
• كان لجِدْعُون قُوَّة المتعلّم لأنه كان يسمع باهتمام لكلام ملاك الرب.
• كان لجِدْعُون قُوَّة الضعفاء، وقوة الله فِي الضَّعْفِ تُكْمَل (٢ كورنثوس ١٢: ٩).
٢. أَسْأَلُكَ يَا سَيِّدِي، بِمَاذَا أُخَلِّصُ إِسْرَائِيل: كان لجِدْعُون القُوَّة اللازمة للذهاب قُدُمًا، ولكنه لم يستطع أن يرى نفسه كشخص قادر على تحقيق أشياء عظيمة لله. لقد رأى أنه بلا قيمة في ذاته، وأنه ينتمي لأضعف سبط، وهو الأصغر في بيت أبيه.
• وفي نفس الوقت، كان جِدْعُون مُحقًا: فهو لا يستطيع تخَليص إِسْرَائِيل. ولكن الإله العظيم يستطيع أن يستخدم جِدْعُون الصغير والضعيف لإنقاذ إسرائيل.
٣. إِنِّي أَكُونُ مَعَكَ، وَسَتَضْرِبُ الْمِدْيَانِيِّينَ كَرَجُل وَاحِد: إن ضمان الله لجِدْعُون لم يكن لتعزيز ثقته بنفسه، بل ليؤكد له أنه معه حقًا. لم يكن جِدْعُون بحاجة إلى مزيد من الثقة بالنفس، بل كان بحاجة إلى مزيد من الثقة بالله.
• من المهم أن ندرك حقيقة أن الله قد أرسلنا، ولكن الأعظم بكثير أن ندرك أنه مَعَنا حقًا. وهذا كان الضمان الذي أعطاه الله لموسى (خروج ٣: ١٢) وأعطاه يسوع لجميع المؤمنين (متى ٢٨: ٢٠).
ج) الآيات (١٧-٢١): عَلاَمَة ملاك الرب.
١٧فَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَاصْنَعْ لِي عَلاَمَةً أَنَّكَ أَنْتَ تُكَلِّمُنِي. ١٨لاَ تَبْرَحْ مِنْ ههُنَا حَتَّى آتِيَ إِلَيْكَ وَأُخْرِجَ تَقْدِمَتِي وَأَضَعَهَا أَمَامَكَ». فَقَالَ: «إِنِّي أَبْقَى حَتَّى تَرْجعَ». ١٩فَدَخَلَ جِدْعُونُ وَعَمِلَ جَدْيَ مِعْزًى وَإِيفَةَ دَقِيق فَطِيرًا. أَمَّا اللَّحْمُ فَوَضَعَهُ فِي سَلّ، وَأَمَّا الْمَرَقُ فَوَضَعَهُ فِي قِدْرٍ، وَخَرَجَ بِهَا إِلَيْهِ إِلَى تَحْتِ الْبُطْمَةِ وَقَدَّمَهَا. ٢٠فَقَالَ لَهُ مَلاَكُ اللهِ: «خُذِ اللَّحْمَ وَالْفَطِيرَ وَضَعْهُمَا عَلَى تِلْكَ الصَّخْرَةِ وَاسْكُبِ الْمَرَقَ». فَفَعَلَ كَذلِكَ. ٢١فَمَدَّ مَلاَكُ الرَّبِّ طَرَفَ الْعُكَّازِ الَّذِي بِيَدِهِ وَمَسَّ اللَّحْمَ وَالْفَطِيرَ، فَصَعِدَتْ نَارٌ مِنَ الصَّخْرَةِ وَأَكَلَتِ اللَّحْمَ وَالْفَطِيرَ. وَذَهَبَ مَلاَكُ الرَّبِّ عَنْ عَيْنَيْهِ.
١. فَاصْنَعْ لِي عَلاَمَةً أَنَّكَ أَنْتَ تُكَلِّمُنِي: لم يكن من الخطأ أن يطلب جِدْعُون عَلاَمَةً للتأكيد. لقد كان من المعقول أن يطلب من الله تأكيدًا على بعض التوجيهات التي لم يتم تفصيلها في كلمته، خصوصًا في أمر مصيري مثل قيادة الشعب إلى معركة ضد العدو.
• نحن، مثلًا، لا نحتاج إلى علامة خاصة لتأكيد محبة الله لنا لأنه أظهرها لنا في الصليب، كما ورد في رومية ٥: ٨. وينطبق هذا المبدأ على العديد من الجوانب التي تناولتها كلمة الله على وجه التحديد. ومع ذلك، عند يتعلق الأمر بطلب الإرشاد بشأن أمور غير مذكورة صراحة في الكتاب المقدس، فمن المعقول أن نبحث عن التأكيد ونتوقعه بطرق مختلفة.
٢. فَصَعِدَتْ نَارٌ مِنَ الصَّخْرَةِ وَأَكَلَتِ اللَّحْمَ وَالْفَطِير: إن العلامة المُعجزية كان يجب ألا تكفي وحدها لإقناع جِدْعُون، لأن هناك حِيل خادعة. ولكن معجزة النار هذه، بجانب أمور أخرى في هذا الاختبار، كان ينبغي أن تقنع جِدْعُون أنها كانت حقًا من الرب.
• “كانت هذه علامة على أن المديانيين سوف يُهزَمُون دون أي مجهود من أحد.” تراب (Trapp)
د ) الآيات (٢٢-٢٤): رد فعل جِدْعُون على العلامة المُعجزية كان مليئًا بالخشوع والعبادة.
٢٢فَرَأَى جِدْعُونُ أَنَّهُ مَلاَكُ الرَّبِّ، فَقَالَ جِدْعُونُ: «آهِ يَا سَيِّدِي الرَّبَّ! لأَنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَلاَكَ الرَّبِّ وَجْهًا لِوَجْهٍ.» ٢٣فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «السَّلاَمُ لَكَ. لاَ تَخَفْ. لاَ تَمُوتُ». ٢٤فَبَنَى جِدْعُونُ هُنَاكَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ وَدَعَاهُ «يَهْوَهَ شَلُومَ». إِلَى هذَا الْيَوْمِ لَمْ يَزَلْ فِي عَفْرَةِ الأَبِيعَزَرِيِّينَ.
١. فَرَأَى جِدْعُونُ أَنَّهُ مَلاَكُ الرَّبّ: توضح هذه العبارة أن جِدْعُون كان يظن في البداية أن هذا الشخص كان مجرد إنسان. لقد ظهر مَلاَكُ الرَّبّ بهيئة إنسان عادي يتمتع بكل السمات البشرية.
٢. السَّلاَمُ لَكَ. لاَ تَخَفْ. لاَ تَمُوت: عندما أدرك جِدْعُون هوية مَلاَكُ الرَّبّ، ارتعب كثيرًا. فخاطب مَلاَكُ الرَّبّ جِدْعُون المُرتعش بهذه الكلمات المعزية.
• “لماذا كان جِدْعُون خائفًا؟ ليس لأنه كان جبانًا – فقليلون هم الذين كانوا أكثر شجاعة في الكتاب المقدس من ابْن يُوآش هذا – ولكن لأن حتى الشجعان يمكن أن يضطربوا مما هو خارق للطبيعة. لقد شهد شَيئًا جديدًا تمامًا بالنسبة له، ظهورًا سماويًا غامضًا يتجاوز الخبرة البشرية العادية؛ وبالتالي، رهبة حضور الله جعله خائفًا.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. فَبَنَى جِدْعُونُ هُنَاكَ مَذْبَحًا لِلرَّبّ: لقد بنى جِدْعُون هذا المذبح كتعبير عن عبادته وتكريسه للرب الذي التقى به للتو وجهًا لوجه. ولم يعد يخشى من حضور الله، كما يتضح من اللقب الذي أُطلقه على المذبح: يَهْوَهَ شَلُوم (الرَّبّ سَلَام).
• “عندما اختبر جِدْعُون السلام الكامل، ماذا بدأ يفعل من أجل الله؟ إذا كان الله يحبك، فسوف يستخدمك إما للمعاناة أو للخدمة؛ وإذا كان قد منحك السلام، فيجب عليك الآن الاستعداد للمعركة. هل ستتعجب من كلامي إن قلت أن ربنا جاء ليعطينا السلام ليرسلنا بعد ذلك إلى الحرب؟” سبيرجن (Spurgeon)
ثالثًا. بداية خدمة جِدْعُون
أ ) الآيات (٢٥-٢٧): إزالة مَذْبَح الْبَعْل من الوسط.
٢٥وَكَانَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَنَّ الرَّبَّ قَالَ لَهُ: «خُذْ ثَوْرَ الْبَقَرِ الَّذِي لأَبِيكَ، وَثَوْرًا ثَانِيًا ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ، وَاهْدِمْ مَذْبَحَ الْبَعْلِ الَّذِي لأَبِيكَ، وَاقْطَعِ السَّارِيَةَ الَّتِي عِنْدَهُ، ٢٦وَابْنِ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ إِلهِكَ عَلَى رَأْسِ هذَا الْحِصْنِ بِتَرْتِيبٍ، وَخُذِ الثَّوْرَ الثَّانِي وَأَصْعِدْ مُحْرَقَةً عَلَى حَطَبِ السَّارِيَةِ الَّتِي تَقْطَعُهَا. ٢٧فَأَخَذَ جِدْعُونُ عَشْرَةَ رِجَال مِنْ عَبِيدِهِ وَعَمِلَ كَمَا كَلَّمَهُ الرَّبُّ. وَإِذْ كَانَ يَخَافُ مِنْ بَيْتِ أَبِيهِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنْ يَعْمَلَ ذلِكَ نَهَارًا، فَعَمِلَهُ لَيْلاً.
١. وَكَانَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَنَّ الرَّبَّ قَالَ لَهُ: حدث هذا على الفور. فبمجرد أن تجاوب جِدْعُون مع الله، قدم الله له الإرشاد. ومن المحتمل أنه بمجرد أن بنى جِدْعُون المذبح، أمره الله بتقديم ذبيحة عليه.
٢. وَاهْدِمْ مَذْبَحَ الْبَعْلِ الَّذِي لأَبِيك: في المجتمع الذي كان يعيش فيه جِدْعُون، كان البعل يُعبَد جنبًا إلى جنب مع الرب. وقد دعا الله جِدْعُون إلى ترتيب بيته أوّلًا.
• يبدو أنه كان يجب تقديم ثورين: أحدهما ذَبِيحَة خَطِيَّة، والآخر ذبيحة تَقدِيس. “يبدو أن الثور الثاني قُدِّم لأنه كان ابْنَ سَبْعِ سِنِين (قضاة ٦: ٢٥)، حيث وُلد في الوقت الذي بدأ فيه اضطهاد المديانيين؛ وكان يجب أن يُذبح الآن للإشارة إلى أن عبوديتهم ستنتهي بانتهاء حياته.” كلارك (Clarke)
٣. فَعَمِلَهُ لَيْلًا: ربما فعل جِدْعُون ذلك ليلًا وبسرية تامة، لأنه كان يخشى أن يمنعه بَيْتِ أَبِيهِ وَأَهْلِ الْمَدِينَة من القيام بهذا الأمر الضروري واللازم.
ب) الآيات (٢٨-٣٢): إزالة المذبح تثير جدلًا.
٢٨فَبَكَّرَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي الْغَدِ وَإِذَا بِمَذْبَحِ الْبَعْلِ قَدْ هُدِمَ وَالسَّارِيَةُ الَّتِي عِنْدَهُ قَدْ قُطِعَتْ، وَالثَّوْرُ الثَّانِي قَدْ أُصْعِدَ عَلَى الْمَذْبَحِ الَّذِي بُنِيَ. ٢٩فَقَالُوا الْوَاحِدُ لِصَاحِبِهِ: «مَنْ عَمِلَ هذَا الأَمْرَ؟» فَسَأَلُوا وَبَحَثُوا فَقَالُوا: «إِنَّ جِدْعُونَ بْنَ يُوآشَ قَدْ فَعَلَ هذَا الأَمْرَ». ٣٠فَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لِيُوآشَ: «أَخْرِجِ ابْنَكَ لِكَيْ يَمُوتَ، لأَنَّهُ هَدَمَ مَذْبَحَ الْبَعْلِ وَقَطَعَ السَّارِيَةَ الَّتِي عِنْدَهُ». ٣١فَقَالَ يُوآشُ لِجَمِيعِ الْقَائِمِينَ عَلَيْهِ: «أَنْتُمْ تُقَاتِلُونَ لِلْبَعْلِ، أَمْ أَنْتُمْ تُخَلِّصُونَهُ؟ مَنْ يُقَاتِلْ لَهُ يُقْتَلْ فِي هذَا الصَّبَاحِ. إِنْ كَانَ إِلهًا فَلْيُقَاتِلْ لِنَفْسِهِ لأَنَّ مَذْبَحَهُ قَدْ هُدِمَ». ٣٢فَدَعَاهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ «يَرُبَّعْلَ» قَائِلاً: «لِيُقَاتِلْهُ الْبَعْلُ لأَنَّهُ قَدْ هَدَمَ مَذْبَحَهُ».
١. إِنَّ جِدْعُونَ بْنَ يُوآشَ قَدْ فَعَلَ هذَا الأَمْر: لم يواجهوا صعوبة في اكتشاف المسؤول عن تدمير المذبح. كُشف أمر جِدْعُون على الفور، فما فعله كان لا يمكن إخفاؤه.
٢. أَخْرِجِ ابْنَكَ لِكَيْ يَمُوتَ، لأَنَّهُ هَدَمَ مَذْبَحَ الْبَعْل: هذا يوضح مدى قوة عبادة البعل في إسرائيل في ذلك الوقت. “لقد أصبحت البدعة هي الديانة الرئيسية.” والف (Wolf)
• عَبَدَت إسرائيل القديمة البعل لأنه كان يُعتقد أنه إله الطقس، وقد اعتمدوا على الطقس لتحقيق الرخاء الزراعي. وفي الظروف الاقتصادية الصعبة بسبب القمع المدياني، لجأ الناس إلى البعل أكثر، دون أن يدركوا أنهم يجعلون الأمور أسوأ بعدم رجوعهم إلى الله.
• “أرادوا جميعًا استمرار الطقوس التي غالبًا ما كانت تزودهم بالملذات الحسّية. اجتذب البعل وعشتاروث عابدين أكثر من الإله الحقيقي، وذلك لأن طقوسهم كانت أكثر انسجامًا مع الطبيعة البشرية الساقطة.” كلارك (Clarke)
٣. إِنْ كَانَ إِلهًا فَلْيُقَاتِلْ لِنَفْسِهِ لأَنَّ مَذْبَحَهُ قَدْ هُدِم: قدّم وَالِد جِدْعُون حُجّة مَنطقية جدًا للحِفاظ على حياة ابنه. وبما أن البعل كان هو الطرف المَجني عليه، فقد كان بإمكانه الدفاع عن نفسه.
• هذا يذكرنا بحدث وقع خلال انتعاش كبير في البحار الجنوبية في القرن التاسع عشر. قام أحد زعماء القبائل، بعد أن اعتنق المسيحية، بجمع كل أصنام القبيلة. حذّر الأصنام من أنه ينوي تدميرها، ومن ثم أعطاها فرصة للفرار. وفي النهاية قام بتحطيم كل الأصنام التي ظلت واقفة كتماثيل لا حياة لها.
• هذه الحادثة أكسبت جِدْعُون لقب يَرُبَّعْل. الذي يعني، “رجل يجب على البعل أن يصارعه ويقاتله؛ إنه لقب للإكرام.” تراب (Trapp)
ج) الآيات (٣٣-٣٥): جِدْعُون يجمع جيشًا.
٣٣وَاجْتَمَعَ جَمِيعُ الْمِدْيَانِيِّينَ وَالْعَمَالِقَةِ وَبَنِي الْمَشْرِقِ مَعًا وَعَبَرُوا وَنَزَلُوا فِي وَادِي يِزْرَعِيلَ. ٣٤وَلَبِسَ رُوحُ الرَّبِّ جِدْعُونَ فَضَرَبَ بِالْبُوقِ، فَاجْتَمَعَ أَبِيعَزَرُ وَرَاءَهُ. ٣٥وَأَرْسَلَ رُسُلاً إِلَى جَمِيعِ مَنَسَّى، فَاجْتَمَعَ هُوَ أَيْضًا وَرَاءَهُ، وَأَرْسَلَ رُسُلاً إِلَى أَشِيرَ وَزَبُولُونَ وَنَفْتَالِي فَصَعِدُوا لِلِقَائِهِمْ.
١. وَلَبِسَ رُوحُ الرَّبِّ جِدْعُون: إنّ هذا النمط لعمل الروح القُدس في حياة البشر مألوفًا في ظل العهد القديم. فالروح القدس يحل على أشخاص محددين لأسباب محددة، وعادة لتمكين القيادة المعينة من الله. وفي العهد الجديد، يَعد الله بانسكاب الروح القُدس على كل بشر (يوئيل ٢: ٢٨-٢٩، أعمال الرسل ٢: ١٧-١٨).
٢. فَضَرَبَ بِالْبُوق: بفضل هذا التمكين الإلهي، تمكّن جِدْعُون من جمع عدد كبير من القوات بسرعة. ووفقًا لقضاة ٣:٧، احتشد ٣٢ ألف رجل ليتبعوه في المعركة.
د ) الآيات (٣٦-٤٠): الله يتعامل مع شكوك جِدْعُون ويطمئنه.
٣٦وَقَالَ جِدْعُونُ لِلهِ: «إِنْ كُنْتَ تُخَلِّصُ بِيَدِي إِسْرَائِيلَ كَمَا تَكَلَّمْتَ، ٣٧فَهَا إِنِّي وَاضِعٌ جَزَّةَ الصُّوفِ فِي الْبَيْدَرِ، فَإِنْ كَانَ طَلٌّ عَلَى الْجَزَّةِ وَحْدَهَا، وَجَفَافٌ عَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا، عَلِمْتُ أَنَّكَ تُخَلِّصُ بِيَدِي إِسْرَائِيلَ كَمَا تَكَلَّمْتَ». ٣٨وَكَانَ كَذلِكَ. فَبَكَّرَ فِي الْغَدِ وَضَغَطَ الْجَزَّةَ وَعَصَرَ طَلاًّ مِنَ الْجَزَّةِ، مِلْءَ قَصْعَةٍ مَاءً. ٣٩فَقَالَ جِدْعُونُ لِلهِ: «لاَ يَحْمَ غَضَبُكَ عَلَيَّ فَأَتَكَلَّمَ هذِهِ الْمَرَّةَ فَقَطْ. أَمْتَحِنُ هذِهِ الْمَرَّةَ فَقَطْ بِالْجَزَّةِ. فَلْيَكُنْ جَفَافٌ فِي الْجَزَّةِ وَحْدَهَا وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ لِيَكُنْ طَلٌّ». ٤٠فَفَعَلَ اللهُ كَذلِكَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ. فَكَانَ جَفَافٌ فِي الْجَزَّةِ وَحْدَهَا وَعَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا كَانَ طَلٌّ.
١. إِنْ كُنْتَ تُخَلِّصُ بِيَدِي إِسْرَائِيلَ كَمَا تَكَلَّمْت: لقد أعطى الله جِدْعُون علامة في قضاة ٦: ١٧-٢١. وها هو يطلب من الله مرة أخرى معجزة ثانية لتأكيد كلمته – ثم معجزة ثالثة لتأكيدها مرة أخرى.
• يتحدث المؤمنون أحيانًا عن وضع “جَزَّة” أمام الرب. تُشير هذه العبارة إلى ما فعله جِدْعُون هنا. لقد استخدم جِدْعُون جَزَّة حقيقية ليطلب من الله علامة لتأكيد كلمته.
• وصف آدم كلارك (Adam Clarke) كيف اكتشف أوريجانوس، المُفسر في الكنيسة الأولى، الذي كان معروفًا بتفسيراته المجازية، معنى “أعمق” لهذه الرواية:
تمثل الْجَزَّة (الصُّوف) الشعب اليهودي، وتمثل المَنطقة المحيطة به الأمم.
كانت الْجَزَّة مغطاة بالندى بينما المَنطقة المحيطة بها كانت جافة، مما يمثل الأمة اليهودية التي حظيت بالناموس والأنبياء.
ثم نَشِفت الْجَزَّة وكل ما حولها صار مبللًا بالندى، وهي صورة لأمة إسرائيل التي أصبحت مهجورة لأنها رفضت رسالة الإنجيل، بينما استقبل الأمم الإنجيل ورجعوا إلى الله.
الندى الذي يُعصر في الوعاء يُمثل العقائد المسيحية المستمدة من الكتابات اليهودية. وهذا الأمر يتجلى أيضًا في قيام المسيح بسكب الماء في إناء وغسل أقدام التلاميذ.
٢. عَلِمْتُ أَنَّكَ تُخَلِّصُ بِيَدِي إِسْرَائِيلَ كَمَا تَكَلَّمْت: أظهر جدعون أن إيمانه كان ضعيفًا وغير كامل. في مُهمة جريئة ومليئة بالمخاطر كهذه، قد يكون من المفهوم (والمُشجع) أن يُطلب علامة واحدة (كما تحقق في قضاة ٦: ١٧-٢١). ولكن طَلبه لعلامة ثانية وثالثة أظهر ضعف إيمانه.
• كان الاختبار خطأ لأنه في الأساس حيلة، ولم يكن مرتبطًا بشكل مباشر بمحاربة المديانيين. ربما لم يفهم جدعون أنه في الواقع كان يفرض شروطه على الله. قد يُظهر الله أحيانًا عدم رضاه عن مثل هذه الطِلبات. ففي لوقا ١:١٨، عندما طلب زكريا، والد يوحنا المعمدان، علامة تأكيد، جعله الرب أبكمًا حتى ولادة ابنه.
• لقد فشل جِدْعُون أيضًا في الوفاء بوعده. فبعد أن أتمّ الله العلامة الأولى، قال جدعون إنها ستكون كافية، لكنه تراجع عن كلمته وطلب علامة أخرى. ورغم هذا، ظل الرب رحيمًا وعطوفًا مع جِدْعُون. “هذا مثال رائع على صبر الله المملوء نعمة مع ابن مضطرب.” وود (Wood)
• مع ذلك، وقبل أن ننتقد جِدْعُون كثيرًا، يجب أن نتذكر التحدي الذي كان أمامه. كثيرون منا سيرفضون على الفور مثل هذه الدعوة، دون أن يمنحوا الله فرصة لتأكيدها. كان إيمان جِدْعُون الضعيف أعظم من عدم الإيمان. ولهذا السبب، تم إدراج اِسم جِدْعُون بحق في قائمة رجال ونساء الإيمان العظماء (عبرانيين ١١: ٣٢).