سِفر القُضاة – الإصحاح ٧
الحَرب ضِدّ الْمِديَانِيِّين
أولًا. عدد جيش إسرائيل الصغير أكبر من أن يستخدمه الله
أ )الآيات (١-٣): الله يأمر جدعون بإرسال جنوده الخائفين إلى بيوتهم.
١فَبَكَّرَ يَرُبَّعْلُ، أَيْ جِدْعُونُ، وَكُلُّ الشَّعْبِ الَّذِي مَعَهُ وَنَزَلُوا عَلَى عَيْنِ حَرُودَ. وَكَانَ جَيْشُ الْمِدْيَانِيِّينَ شِمَالِيَّهُمْ عِنْدَ تَلِّ مُورَةَ فِي الْوَادِي. ٢وَقَالَ الرَّبُّ لِجِدْعُونَ: «إِنَّ الشَّعْبَ الَّذِي مَعَكَ كَثِيرٌ عَلَيَّ لأَدْفَعَ الْمِدْيَانِيِّينَ بِيَدِهِمْ، لِئَلاَّ يَفْتَخِرَ عَلَيَّ إِسْرَائِيلُ قَائِلاً: يَدِي خَلَّصَتْنِي. ٣وَالآنَ نَادِ فِي آذَانِ الشَّعْبِ قَائِلاً: مَنْ كَانَ خَائِفًا وَمُرْتَعِدًا فَلْيَرْجعْ وَيَنْصَرِفْ مِنْ جَبَلِ جِلْعَادَ». فَرَجَعَ مِنَ الشَّعْبِ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ أَلْفًا. وَبَقِيَ عَشَرَةُ آلاَفٍ.
١. الشَّعْبَ الَّذِي مَعَكَ كَثِيرٌ عَلَيّ: كان هذا اختبارًا مهمًا لإيمان جدعون. فعلى الرغم من أن جيشه المكوّن من ٣٢.٠٠٠ رجل كان أقل بكثير من جيش المديانيين المكون من ١٣٥.٠٠٠ رجل، إلا أن الله رأى أن جيش جدعون لا يزال كبيرًا للغاية. فأمر جدعون بالسماح لأي جندي خائف بالعودة إلى منزله، تاركًا جدعون مع ١٠.٠٠٠ رجل فقط.
• من المرجح أن جدعون تفاجأ بعدد الرجال الخائفين من القتال، وكان يأمل أن يغادر بضع مئات منهم فقط. ولكن يخبرنا قضاة ٧: ٨ أنهم كانوا قد اجتمعوا في مكان يمكنهم فيه رؤية قوات المديانيين البالغ عددهم ١٣٥.٠٠٠. إن منظر جيش العدو الضخم أثار الرعب بين جنود إسرائيل.
٢. لِئَلاَّ يَفْتَخِرَ عَلَيَّ إِسْرَائِيلُ قَائِلًا: يَدِي خَلَّصَتْنِي: هذا يوضح لماذا اعتبر الله الجيش الذي يبلغ تعداده ٣٢.٠٠٠ رجلًا جيشًا كبيرًا جدًا. فبهذا العدد الكبير، كان بوسع بني إسرائيل أن يزعموا أن الفضل في النصرة يرجع لهم. كما يمكنهم الاعتقاد بأنهم هم المُستضعفين قد غلبوا بسبب شجاعتهم أو تخطيطهم البارع. لقد أراد الله أن تكون الظروف مستحيلة لدرجة أن النصر يكون بوضوح من عنده وحده.
• إن كنّا نؤمن حقًا بالمبدأ الكتابي: لاَ بِالْقُدْرَةِ وَلاَ بِالْقُوَّةِ، بَلْ بِرُوحِي قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ (زكريا ٦:٤)، فإنه لا علاقة لحجمنا بالموضوع. وإن كنّا نؤمن حقًا بالمبدأ: هؤُلاَءِ بِالْمَرْكَبَاتِ وَهؤُلاَءِ بِالْخَيْلِ، أَمَّا نَحْنُ فَاسْمَ الرَّبِّ إِلهِنَا نَذْكُرُ (مزمور ٢٠: ٧)، فإن صَغِير الحَجْم غير مهم.
ب) الآيات (٤-٨): على جدعون أن يفصل الرجال وفقًا لاختبار معين.
٤وَقَالَ الرَّبُّ لِجِدْعُونَ: «لَمْ يَزَلِ الشَّعْبُ كَثِيرًا. اِنْزِلْ بِهِمْ إِلَى الْمَاءِ فَأُنَقِّيَهُمْ لَكَ هُنَاكَ. وَيَكُونُ أَنَّ الَّذِي أَقُولُ لَكَ عَنْهُ: هذَا يَذْهَبُ مَعَكَ، فَهُوَ يَذْهَبُ مَعَكَ. وَكُلُّ مَنْ أَقُولُ لَكَ عَنْهُ: هذَا لاَ يَذْهَبُ مَعَكَ فَهُوَ لاَ يَذْهَبُ». ٥فَنَزَلَ بِالشَّعْبِ إِلَى الْمَاءِ. وَقَالَ الرَّبُّ لِجِدْعُونَ: «كُلُّ مَنْ يَلَغُ بِلِسَانِهِ مِنَ الْمَاءِ كَمَا يَلَغُ الْكَلْبُ فَأَوْقِفْهُ وَحْدَهُ. وَكَذَا كُلُّ مَنْ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ لِلشُّرْبِ». ٦وَكَانَ عَدَدُ الَّذِينَ وَلَغُوا بِيَدِهِمْ إِلَى فَمِهِمْ ثَلاَثَ مِئَةِ رَجُل. وَأَمَّا بَاقِي الشَّعْبِ جَمِيعًا فَجَثَوْا عَلَى رُكَبِهِمْ لِشُرْبِ الْمَاءِ. ٧فَقَالَ الرَّبُّ لِجِدْعُونَ: «بِالثَّلاَثِ مِئَةِ الرَّجُلِ الَّذِينَ وَلَغُوا أُخَلِّصُكُمْ وَأَدْفَعُ الْمِدْيَانِيِّينَ لِيَدِكَ. وَأَمَّا سَائِرُ الشَّعْبِ فَلْيَذْهَبُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَكَانِهِ». ٨فَأَخَذَ الشَّعْبُ زَادًا بِيَدِهِمْ مَعَ أَبْوَاقِهِمْ. وَأَرْسَلَ سَائِرَ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ كُلَّ وَاحِدٍ إِلَى خَيْمَتِهِ، وَأَمْسَكَ الثَّلاَثَ مِئَةِ الرَّجُلِ. وَكَانَتْ مَحَلَّةُ الْمِدْيَانِيِّينَ تَحْتَهُ فِي الْوَادِي.
١. لَمْ يَزَلِ الشَّعْبُ كَثِيرًا: لقد قام الله بالفعل بتقليص جيش جدعون من ٣٢.٠٠٠ إلى ١٠.٠٠٠ رجل. وها هو هنا يقلّص الجيش من ١٠.٠٠٠ رجل إلى ٣٠٠ رجل فقط. لقد فعل ذلك لأن ١٠.٠٠٠ رجل كان لَمْ يَزَلِ كَثِيرًا لتحقيق قصد الله.
• نادرًا ما نفكر بأن ’الكثير‘ الذي لدينا يمكن أن يعطل عمل الله. ومع ذلك، سيكون من الأصعب الاتكال الكامل على الله عندما يكون لدينا الكثير من الموارد الرائعة. وفي حين أن ذلك ممكن، إلا أنه يصعب أن تملك الكثير وتتكل فقط على الرب. من الممكن عندما نملك الكثير، أن نحقق الكثير معتمدين على مواردنا الشخصية وفي النهاية ’ننسب الفضل‘ لله.
• كان بولس ينمو بصورة كبيرة لدرجة أن ذلك قد يؤثر سلبًا عليه، لذا أدخل الله ضعفًا في حياته ليبقى متكلًا على قوة الرب – بل ويصير أقوى بكثير من قبل (٢ كورنثوس ١٢: ٧-١٠).
٢. اِنْزِلْ بِهِمْ إِلَى الْمَاءِ فَأُنَقِّيَهُمْ لَكَ هُنَاك: هذا الاختبار غير عادي، وهناك نظريات مختلفة حول سبب استخدام الله لهذه الطريقة لفصل الجنود. أحد الاحتمالات هو أن الجنود الذين غرفوا الماء بأيديهم وشربوا كانوا جنودًا أفضل لأنهم أبقوا أعينهم مثبتة على ما يدور من حولهم حتى أثناء الشرب.
• كَمَا يَلَغُ الْكَلْب: الكلمة العبرية القديمة التي تعني يَلَغُ هي ’يالوك (yalok)‘ وتُستخدم لتقليد الصوت الذي يصدره الكلب عند لعق الماء.
• “كان للاختبار طابع عسكري فريد من نوعه. ولم يكن الرجال في ذلك الموقف مستعدين لمفاجأة غير متوقعة من العدو.” مورجان (Morgan)
• يمكننا القول بأن الله أبعد أولئك الذين كانوا خائفين والذين كانوا يفكرون أولًا في الطريق الأسهل والمريح. “يا لها من فكرة مُزعجة، ولكنها ربما تكون حقيقية، وهي أن تشكيل جيش الله لمواجهة الشيطان في أي يوم لا يختلف كثيرًا عما نراه هنا. كم من المؤمنين يخشون العدو لدرجة تجعلهم بلا فائدة حقيقية في هذه المعركة الروحية، وكم منهم يركزون على ذواتهم بدلًا من التركيز على الله، ونادرًا ما تكون خدمتهم فعّالة.” وود(Wood)
٣. بِالثَّلاَثِ مِئَةِ الرَّجُلِ الَّذِينَ وَلَغُوا أُخَلِّصُكُمْ وَأَدْفَعُ الْمِدْيَانِيِّينَ لِيَدِك: لقد أكد الله لجدعون أن النصر أكيد، حتى مع وجود ٣٠٠ رجل فقط. ومع تقلّص جيش إسرائيل الآن إلى أقل من ١% من حجمه الأصلي، ومع نسبة مقدارها ٤٠٠ جندي مِدْيَانِيّ مقابل جندي واحد من إسرائيل، لم يكن أمام جدعون خيار سوى الاتكال الكامل على الله، حيث لم يكن هناك شيء آخر يمكن الاتكال عليه.
ج) الآيات (٩-١١): على جدعون أن يتجسس على معسكر المديانيين ليجد التشجيع.
٩وَكَانَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَنَّ الرَّبَّ قَالَ لَهُ: «قُمِ انْزِلْ إِلَى الْمَحَلَّةِ، لأَنِّي قَدْ دَفَعْتُهَا إِلَى يَدِكَ. ١٠وَإِنْ كُنْتَ خَائِفًا مِنَ النُّزُولِ، فَانْزِلْ أَنْتَ وَفُورَةُ غُلاَمُكَ إِلَى الْمَحَلَّةِ، ١١وَتَسْمَعُ مَا يَتَكَلَّمُونَ بِهِ، وَبَعْدُ تَتَشَدَّدُ يَدَاكَ وَتَنْزِلُ إِلَى الْمَحَلَّةِ». فَنَزَلَ هُوَ وَفُورَةُ غُلاَمُهُ إِلَى آخِرِ الْمُتَجَهِّزِينَ الَّذِينَ فِي الْمَحَلَّةِ.
١. قُمِ انْزِلْ إِلَى الْمَحَلَّة: أراد الله أن يجد جدعون التشجيع من خلال زيارته لمعسكر العدو. وهذا يوضح أنه عندما يطلب منا الله القيام بمهام صعبة من أجله، فهو لا يقف مكتوف الأيدي ويتوقع أن نتدبر أمرنا بمفردنا. الله معنا في كل خطوة على الطريق ليرشدنا ويحفظنا ويشجّعنا.
٢. وَبَعْدُ تَتَشَدَّدُ يَدَاكَ وَتَنْزِلُ إِلَى الْمَحَلَّة: هذه هي رحمة الله المُحِبة. لقد تعامل مع شكوك جدعون ومخاوفه وأراد طمأنته.
ج) الآيات (١٢-١٥): الله يطمئن جدعون بواسطة المديانيين.
١٢وَكَانَ الْمِدْيَانِيُّونَ وَالْعَمَالِقَةُ وَكُلُّ بَنِي الْمَشْرِقِ حَالِّينَ فِي الْوَادِي كَالْجَرَادِ فِي الْكَثْرَةِ، وَجِمَالُهُمْ لاَ عَدَدَ لَهَا كَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ فِي الْكَثْرَةِ. ١٣وَجَاءَ جِدْعُونُ فَإِذَا رَجُلٌ يُخَبِّرُ صَاحِبَهُ بِحُلْمٍ وَيَقُولُ: «هُوَذَا قَدْ حَلُمْتُ حُلْمًا، وَإِذَا رَغِيفُ خُبْزِ شَعِيرٍ يَتَدَحْرَجُ فِي مَحَلَّةِ الْمِدْيَانِيِّينَ، وَجَاءَ إِلَى الْخَيْمَةِ وَضَرَبَهَا فَسَقَطَتْ، وَقَلَبَهَا إِلَى فَوْق فَسَقَطَتِ الْخَيْمَةُ». ١٤فَأَجَابَ صَاحِبُهُ وَقَالَ: «لَيْسَ ذلِكَ إِلأَّ سَيْفَ جِدْعُونَ بْنِ يُوآشَ رَجُلِ إِسْرَائِيلَ. قَدْ دَفَعَ اللهُ إِلَى يَدِهِ الْمِدْيَانِيِّينَ وَكُلَّ الْجَيْشِ». ١٥وَكَانَ لَمَّا سَمِعَ جِدْعُونُ خَبَرَ الْحُلْمِ وَتَفْسِيرَهُ، أَنَّهُ سَجَدَ وَرَجَعَ إِلَى مَحَلَّةِ إِسْرَائِيلَ وَقَالَ: «قُومُوا لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ دَفَعَ إِلَى يَدِكُمْ جَيْشَ الْمِدْيَانِيِّينَ».
١. وَإِذَا رَغِيفُ خُبْزِ شَعِيرٍ يَتَدَحْرَجُ فِي مَحَلَّةِ الْمِدْيَانِيِّين: كان خُبْزِ الشَعِير للفقراء فقط. فكان معنى الرؤيا أن معسكر المديانيين سوف يسقط على يد شخص وضيع ونَكِرة.
• “كان الشَعِير يستخدم عادة كطعام للكلاب أو الماشية أكثر منه طعام للبشر، مما يجعل خُبْزِ الشَعِير رمزًا لشيء مُحتَقَر.” سبيرجن(Spurgeon)
• “قد يبدو خُبْزِ الشَعِير بلا قيمة؛ ولكن إن كان في يد الله، فسيقلب الخيمة!” ماير (Meyer)
٢. لَيْسَ ذلِكَ إِلا سَيْفَ جِدْعُون: لقد أعطى الله جدعون تأكيدًا قويًا لما سيقوم به مستقبلًا. لم يكن هذا صدفة أو مجرد حظ. لقد استخدم الله هذا الموقف لتقوية إيمان جدعون، ونجح الأمر بشكل مذهل لدرجة أن رد جدعون الوحيد كان السجود لله.
• لم تكن صدفة أن يرى الرجل الحلم في تلك الليلة، ولم تكن صدفة أن يشارك الحلم مع صديقه في تلك اللحظة بالذات، ولم تكن صدفة أن يكون جدعون في نفس المكان ويسمع الرجل وهو يروي الحلم.
• “اعتقد أنه لو كنت مكان جدعون، لربما فكرت: ’أنا لست سعيدًا بالحلم بقدر سعادتي بحقيقة أن هذا الرجل روى حلمه في اللحظة التي كنت أختبئ فيها بالقرب منه؛ أرى يد الرب في التوقيت، وأتشجع مما يحدث. أنا أدرك فعلًا أن الرب يعمل كل شيء بحكمة متناهية، ولا يخفق في خططه. إن من دبّر هذا الأمر قادر على تدبير كل الأمور الأخرى.” سبيرجن(Spurgeon)
• لا بد أن معرفة جدعون بأن أعداءه كانوا يخافونه ساهمت في بناء إيمانه. فعندما يكون إيماننا ضعيفًا، غالبًا ما نتخيل أن أعداءنا أقوى مما هم عليه في الواقع. بإمكاننا القول إن الشيطان نفسه يخاف من المؤمن العادي – أو على الأقل يخاف مما قد يصبح عليه هذا المؤمن.
• يجب أن نأخذ هذا الأمر على محمل الجد؛ فأعداءنا، سواء كانوا بشرًا أو روحانيين، هم في أعماقهم خائفون مِنّا. “ها هم جموع الشكّاكين، والمهرطقين، والمستهزئين، الذين في هذا الوقت قد دخلوا في ميراث إسرائيل، جائعين من صحاري العقلانية والإلحاد! إنهم يلتهمون كل خيرات الأرض. إنهم يلقون الشكوك على كل حقائق إيماننا. ولكن لا يجب أن نخاف منهم؛ لأننا إذا سمعنا مشاوراتهم السرِّية، سنكتشف أنهم هم الذين يخافون منّا. ضجيجهم العالي وسخريتهم المستمرة هي مؤشر على خوف حقيقي. أولئك الذين يبشرون بصليب ربنا يسوع هم مصدر رعب للمفكرين المعاصرين. في أعماق قلوبهم يخشون بشدة الوعظ بالإنجيل التقليدي، ويكرهون ما يخشونه. في أسِرَّتهم، يحلمون بقدوم مبشر إلى منطقتهم. وكما كان اسم “ريتشارد” مرعبًا بالنسبة للسراسنة (أي المُسلمين)، كذلك هو اسم “مودي” بالنسبة لهؤلاء العقول المتفاخرة.” سبيرجن(Spurgeon)
٣. قُومُوا لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ دَفَعَ إِلَى يَدِكُمْ جَيْشَ الْمِدْيَانِيِّين: لقد كان تشجيع جدعون مُعديًا للجميع. فبعد أن تلّقى هو التشجيع بنفسه، لم يستطع إلا وأن ينشر هذا التشجيع إلى الآخرين، وقد ساهم هذا التشجيع في تقوية إيمانهم وبناءه.
• “ولكن من المؤسف أننا نحتاج إلى مثل هذه العلامات الصغيرة لنفرح، في حين أن لدينا أمور أعظم لنفرح ونتعزى بها! لقد تلّقى جدعون وعدًا مباشرًا من ملاك الله: «إِنِّي أَكُونُ مَعَكَ، وَسَتَضْرِبُ الْمِدْيَانِيِّينَ كَرَجُل وَاحِدٍ.» ألم يكن هذا كافيًا بالنسبة له؟ لماذا اعتبر حلم الصبي مصدر راحة له أكثر من كلمة الله نفسها!” سبيرجن(Spurgeon)
ثانيًا. الجيش صغير بالقدر الكافي ليستخدمه الله للفوز بالمعركة
أ ) الآيات (١٦-١٨): أعلن جدعون عن خطة معركة غريبة.
١٦وَقَسَمَ الثَّلاَثَ مِئَةِ الرَّجُلِ إِلَى ثَلاَثِ فِرَق، وَجَعَلَ أَبْوَاقًا فِي أَيْدِيهِمْ كُلِّهِمْ، وَجِرَارًا فَارِغَةً وَمَصَابِيحَ فِي وَسَطِ الْجِرَارِ. ١٧وَقَالَ لَهُمُ: «انْظُرُوا إِلَيَّ وَافْعَلُوا كَذلِكَ. وَهَا أَنَا آتٍ إِلَى طَرَفِ الْمَحَلَّةِ، فَيَكُونُ كَمَا أَفْعَلُ أَنَّكُمْ هكَذَا تَفْعَلُونَ. ١٨وَمَتَى ضَرَبْتُ بِالْبُوقِ أَنَا وَكُلُّ الَّذِينَ مَعِي، فَاضْرِبُوا أَنْتُمْ أَيْضًا بِالأَبْوَاقِ حَوْلَ كُلِّ الْمَحَلَّةِ، وَقُولُوا: لِلرَّبِّ وَلِجِدْعُونَ».
١. قَسَمَ الثَّلاَثَ مِئَةِ الرَّجُلِ إِلَى ثَلاَثِ فِرَق: لا يوجد ما يشير صراحة إلى أن الله كشف هذه الخطة لجدعون من خلال وحي خاص. ومع ذلك، لأن جدعون كان ممتلئًا بالروح (قضاة ٦: ٣٤)، فقد كان بإمكانه أن يعمل أمورًا عجيبة بشكل طبيعي جدًا في حياته.
٢. انْظُرُوا إِلَيَّ وَافْعَلُوا كَذلِك: من المرجح أن هذه الخطة جاءت بشكل طبيعي جدًا لجدعون، ولكن عند التفكير بالأمر قليلًا، يمكن للمرء أن يرى بوضوح كيف كان الروح القدس يرشده.
ب) الآيات (١٩-٢٣): الله يضرب جيش المديانيين بهجوم مفاجئ.
١٩فَجَاءَ جِدْعُونُ وَالْمِئَةُ الرَّجُلِ الَّذِينَ مَعَهُ إِلَى طَرَفِ الْمَحَلَّةِ فِي أَوَّلِ الْهَزِيعِ الأَوْسَطِ، وَكَانُوا إِذْ ذَاكَ قَدْ أَقَامُوا الْحُرَّاسَ، فَضَرَبُوا بِالأَبْوَاقِ وَكَسَّرُوا الْجِرَارَ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ. ٢٠فَضَرَبَتِ الْفِرَقُ الثَّلاَثُ بِالأَبْوَاقِ وَكَسَّرُوا الْجِرَارَ، وَأَمْسَكُوا الْمَصَابِيحَ بِأَيْدِيهِمِ الْيُسْرَى وَالأَبْوَاقَ بِأَيْدِيهِمِ الْيُمْنَى لِيَضْرِبُوا بِهَا، وَصَرَخُوا: «سَيْفٌ لِلرَّبِّ وَلِجِدْعُونَ». ٢١وَوَقَفُوا كُلُّ وَاحِدٍ فِي مَكَانِهِ حَوْلَ الْمَحَلَّةِ. فَرَكَضَ كُلُّ الْجَيْشِ وَصَرَخُوا وَهَرَبُوا. ٢٢وَضَرَبَ الثَّلاَثُ الْمِئِينَ بِالأَبْوَاقِ، وَجَعَلَ الرَّبُّ سَيْفَ كُلِّ وَاحِدٍ بِصَاحِبِهِ وَبِكُلِّ الْجَيْشِ. فَهَرَبَ الْجَيْشُ إِلَى بَيْتِ شِطَّةَ، إِلَى صَرَدَةَ حَتَّى إِلَى حَافَةِ آبَلِ مَحُولَةَ، إِلَى طَبَّاةَ. ٢٣فَاجْتَمَعَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ مِنْ نَفْتَالِي وَمِنْ أَشِيرَ وَمِنْ كُلِّ مَنَسَّى وَتَبِعُوا الْمِدْيَانِيِّينَ.
١. فَضَرَبَتِ الْفِرَقُ الثَّلاَثُ بِالأَبْوَاقِ وَكَسَّرُوا الْجِرَار: استيقظ جيش المديانيين على صوت ضوضاء، وضوء، وحركة من كل الاتجاهات. فلا عجب أنهم ظنوا أنهم يتعرضون لهجوم من جيش يفوقهم بالعدد.
٢. وَصَرَخُوا: «سَيْفٌ لِلرَّبِّ وَلِجِدْعُونَ»: لم تكن هذه الصرخة نابعة من كبرياء جدعون، بل كانت دليلًا على حكمته في القتال لأن المديانيين كانوا بالفعل خائفين من سيف جدعون (قضاة ٧: ١٤)، وكان الصراخ سببًا في زيادة ذعرهم.
• ربما لم يعرف الميديانيون من هو الرب، لكنهم عرفوا أن هناك رجلًا من الرب اسمه جدعون. وكان من المناسب لجدعون أن يأخذ هذا الدور القيادي.
٣. وَجَعَلَ الرَّبُّ سَيْفَ كُلِّ وَاحِدٍ بِصَاحِبِهِ وَبِكُلِّ الْجَيْشِ: لم تكن المرحلة الأولى من المعركة بين إسرائيل والمديانيين، بل كانت بين المديانيين أنفسهم. وهذا يوضح كيف يمكننا أن نكون أعظم من منتصرين بِالَّذِي أَحَبَّنَا (رومية ٨: ٣٧). نحن نحصل على الغنائم رغم أن يسوع هو الذي خاض المعركة لأجلنا.
• لقد سلط الكاتب المسيحي القديم أوريجانوس الضوء بشكل متكرر على المعاني الروحية في الروايات الكتابية. وفي هذه القصة، صوّر الرجال الثلاثمائة كرموز كتابية لمعلمي الكلمة. فأبواقهم كانت ترمز للكرازة بالمسيح المصلوب، في حين كانت مشاعلهم ترمز إلى سلوكهم المقدس.
• فَاجْتَمَعَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ مِنْ نَفْتَالِي وَمِنْ أَشِيرَ وَمِنْ كُلِّ مَنَسَّى وَتَبِعُوا الْمِدْيَانِيِّين: “عندما يمتلك البعض الشجاعة لضرب العدو، سيخرج آخرون من مخابئهم لملاحقة العدو المهزوم. عندما تحتاج فعلًا إلى المساعدة، غالبًا لا تجدها؛ لكن عندما تكون قادرًا على الاستغناء عنها، قد تجد نفسك محرجًا من وفرتها.” سبيرجن (Spurgeon)
ج) الآيات (٢٤-٢٥): العمل على هزيمة المديانيين الكاملة.
٢٤فَأَرْسَلَ جِدْعُونُ رُسُلاً إِلَى كُلِّ جَبَلِ أَفْرَايِمَ قَائِلاً: «انْزِلُوا لِلِقَاءِ الْمِدْيَانِيِّينَ وَخُذُوا مِنْهُمُ الْمِيَاهَ إِلَى بَيْتِ بَارَةَ وَالأُرْدُنِّ». فَاجْتَمَعَ كُلُّ رِجَالِ أَفْرَايِمَ وَأَخَذُوا الْمِيَاهَ إِلَى بَيْتِ بَارَةَ وَالأُرْدُنِّ. ٢٥وَأَمْسَكُوا أَمِيرَيِ الْمِدْيَانِيِّينَ غُرَابًا وَذِئْبًا، وَقَتَلُوا غُرَابًا عَلَى صَخْرَةِ غُرَابٍ، وَأَمَّا ذِئْبٌ فَقَتَلُوهُ فِي مِعْصَرَةِ ذِئْبٍ. وَتَبِعُوا الْمِدْيَانِيِّينَ وَأَتَوْا بِرَأْسَيْ غُرَابٍ وَذِئْبٍ إِلَى جِدْعُونَ مِنْ عَبْرِ الأُرْدُنِّ.
١. انْزِلُوا لِلِقَاءِ الْمِدْيَانِيِّين: لم يكن هذا علامة على عدم إيمان جدعون. فمع أن الله بدأ المهمة بعدد صغير من الجنود، إلا أنه بمجرد بدء المهمة، أراد جدعون إشراك أكبر عدد ممكن من الناس في الجهد المبذول.
٢. وَتَبِعُوا الْمِدْيَانِيِّين: بارك الرب جهود بني أفرايم، وقد حققوا بالفعل نجاحًا عظيمًا ضد العدو وقادته.