سِفر القُضاة – الإصحاح ٢
فشل إسرائيل، ورحمة الله
أولًا. مِنَ الْجِلْجَال إِلَى بُوكِيم
أ ) الآيات (١-٣): ملاك الرب يُخاطب شعب إسرائيل.
١وَصَعِدَ مَلاَكُ الرَّبِّ مِنَ الْجِلْجَالِ إِلَى بُوكِيمَ وَقَالَ: «قَدْ أَصْعَدْتُكُمْ مِنْ مِصْرَ وَأَتَيْتُ بِكُمْ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَقْسَمْتُ لآبَائِكُمْ، وَقُلْتُ: لاَ أَنْكُثُ عَهْدِي مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ. ٢وَأَنْتُمْ فَلاَ تَقْطَعُوا عَهْدًا مَعَ سُكَّانِ هذِهِ الأَرْضِ. اهْدِمُوا مَذَابِحَهُمْ. وَلَمْ تَسْمَعُوا لِصَوْتِي. فَمَاذَا عَمِلْتُمْ؟ ٣فَقُلْتُ أَيْضًا: لاَ أَطْرُدُهُمْ مِنْ أَمَامِكُمْ، بَلْ يَكُونُونَ لَكُمْ مُضَايِقِينَ، وَتَكُونُ آلِهَتُهُمْ لَكُمْ شَرَكًا».
١. صَعِدَ مَلاَكُ الرَّبِّ مِنَ الْجِلْجَال: من المرجحِ أن هذا كان الله نَفسُه في صورة بشرية. يوجد عدة ظهورات لمَلاَك الرَّبّ في العهد القديم كلها تشير إلى أنه هو الله نَفسُه.
• من الجدير أن نتساءل عما إذا كانت كل إشارة إلى مَلاَكُ الرَّبّ تُمثل ظهورًا إلهيًا. وكما لاحظ ج. كامبل مورجان (G. Campbell Morgan)، “يمكن أن يشير ’مَلاَكُ الرَّبّ‘ إلى نَبِيّ، لأن الكلمة المترجمة إلى ’مَلاَك‘ يمكن ترجمتها أيضًا إلى ’رَسُول.‘ ومِن جانبٍ آخَر، قد تُشير إلى شخصية إلهية وملائكية خاصة.”
• إذا افترضنا أن هذا ظهور إلهي (كما يعتقد المؤلف)، فمن المحتمل أن يكون هذا هو ظهور يسوع المسيح لشعب إسرائيل قبل تجسده في بيت لحم. ونحن نعرف أن هذا هو يسوع لسببين.
أولًا، لأن مَلاَكُ الرَّبّ هنا ادعى الألوهية بقوله إنه هو الذي قاد شعب إسرائيل مِنْ مِصْر، وأقام عهدًا معهم (قضاة ٢: ١)، ودعاهم شخصيًا إلى الطاعة (قضاة ٢: ٢).
ثانيًا، لأن هذا الشخص الذي ظهر في صورة بشرية أمام شعب إسرائيل، لا يمكن أن يكون الله الآب، لأن الآب موصوف بأنه لاَ يُرَى (غَير مَرْئِيّ) (١ تيموثاوس ١: ١٧) والَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ (١ تيموثاوس ٦: ١٦).
• إن فكرة ظهور يسوع، الأقنوم الثاني في الثالوث، كإنسان قبل ولادته في بيت لحم، هي فكرة مثيرة، ولكنها منطقية. وبما أن الله الابن كان موجودًا قبل تجسده في بيت لحم (ميخا ٥: ٢)، فلماذا لا يُعقل ظهوره على شكل إنسان في مناسبات مهمة؟ وقد سُجِّلت مثل هذه الظُهورات في حالات أخرى، بما في ذلك تكوين ١٨: ١٦-٣٣، ٣٢: ٢٤-٣٠، وقضاة ١٣: ١-٢٣.
• “لم يظهر في الجسد الذي أعدّه الله له حين أخذ صُورَة عَبْد، بل ظهر بشَكل وهَيئَة يليقان بعظمته الإلهية وظروف أولئك الذين زارهم، جاء ملاك العهد الإلهي هذا الذي نُسر به، وتكلّم مع هذا الشعب.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. قَدْ أَصْعَدْتُكُمْ مِنْ مِصْرَ وَأَتَيْتُ بِكُمْ إِلَى الأَرْضِ: كان أول عَمل قام به يسوع (بِصفته مَلاَكُ الرَّبّ) هو تذكير شعب إسرائيل بمحبته الشديدة وأمانته نحوهم. فقد أنقذهم من عبودية مصر؛ وأعطاهم أرض موعد فَيّاضة؛ وأقام معهم عهدًا لن ينقضه أبدًا.
• إن طريقة الله المعتادة هي تذكير المؤمنين بمحبته الشديدة وأمانته لهم قبل دعوتهم إلى الطاعة أو مواجهة خطاياهم. فالمؤمنون يحبون الله لأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّهم أَوَّلًا (١ يوحنا ٤: ١٩)، والطاعة الحقيقية لا يمكن أن تتحقق إلا إذا سلكوا في محبته وثبتوا في عهده.
• إن عبارة ’لاَ أَنْكُثُ عَهْدِي مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ‘ تُذكِّر المؤمنين أنه على الرغم من فشل شعب إسرائيل، من جهتهم، في الوفاء الكامل بالعهد، فقد وعد الله ألا يتخلى أبدًا عن العهد، من جهته هو.
٣. وَلَمْ تَسْمَعُوا لِصَوْتِي. فَمَاذَا عَمِلْتُمْ: لقد واجه مَلاَكُ الرَّبّ إسرائيل بمحبة. وطرح سؤالًا بسيطًا وثاقبًا في نفس الوقت؛ فليس هناك أبدًا عذر مقبول لعصياننا.
• إن مشكلة إسرائيل الحقيقية لم تكن تتعلق بالقوة العسكرية أو التكنولوجيا، بل كانت مشكلة روحية. “إن فشل شعب إسرائيل في طرد الكنعانيين كان بسبب سوء حالتهم الروحية، وليس بسبب افتقارهم للمركبات الحربية.” والف (Wolf)
٤. لاَ أَطْرُدُهُمْ مِنْ أَمَامِكُمْ، بَلْ يَكُونُونَ لَكُمْ مُضَايِقِين: أعلن مَلاَكُ الرَّبّ أنه سيترك عمل امتلاك الأرض غير مكتمل كوسيلة لتأديب إسرائيل المتمردة.
• إن عبارة ’لاَ أَطْرُدُهُمْ مِنْ أَمَامِكُمْ‘ تشير إلى أن الله لن يقوم بإخضاع كنعان بمفرده. ورغم أن الله حارب عن الشعب بطرق معجزية خلال السنوات الأولى من حروبهم، إلا أنه لم يخطط لاستمرار هذا الدعم طوال معارك طرد الكنعانيين من الأرض.
• يأمل المؤمنون في كثير من الأحيان أن يتولى الله عملية النضج المسيحي نيابة عنهم، كما يتمنّون أن يستيقظوا ذات يوم ليجدوا أن خطية مُحِيطة بهم وقد اختفت تمامًا. وفي حين أن الله قد يمنح أحيانًا مثل هذا الخلاص المعجزي، وهو يستحق الشكر عليه، فإنه غالبًا ما يتطلب شراكة المؤمن النشطة في عملية النمو الروحي. هذا التعاون مهم بالنسبة لله لأنه يوضح أن قلب المؤمن يتوافق مع قلبه، مما يعكس قربًا حقيقيًا منه.
٥. بَلْ يَكُونُونَ لَكُمْ مُضَايِقِينَ، وَتَكُونُ آلِهَتُهُمْ لَكُمْ شَرَكًا: إن الإعلان بأن الكنعانيين سيظلون مُضَايِقِين للأمة كان بمثابة وعد مسبق لإسرائيل إن فشلوا في طرد الكنعانيين بأمانة.
• “وَإِنْ لَمْ تَطْرُدُوا سُكَّانَ الأَرْضِ مِنْ أَمَامِكُمْ يَكُونُ الَّذِينَ تَسْتَبْقُونَ مِنْهُمْ أَشْوَاكًا فِي أَعْيُنِكُمْ، وَمَنَاخِسَ فِي جَوَانِبِكُمْ، وَيُضَايِقُونَكُمْ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي أَنْتُمْ سَاكِنُونَ فِيهَا.” (سفر العدد ٥٥:٣٣)
ب) الآيات (٤-٦): ردّ الشعب بالبكاء والحزن.
٤وَكَانَ لَمَّا تَكَلَّمَ مَلاَكُ الرَّبِّ بِهذَا الْكَلاَمِ إِلَى جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَنَّ الشَّعْبَ رَفَعُوا صَوْتَهُمْ وَبَكَوْا. ٥فَدَعَوْا اسْمَ ذلِكَ الْمَكَانِ «بُوكِيمَ». وَذَبَحُوا هُنَاكَ لِلرَّبِّ. ٦وَصَرَفَ يَشُوعُ الشَّعْبَ، فَذَهَبَ بَنُو إِسْرَائِيلَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مُلْكِهِ لأَجْلِ امْتِلاَكِ الأَرْضِ.
١. الشَّعْبَ رَفَعُوا صَوْتَهُمْ وَبَكَوْا: لقد كانت هذه الاستجابة العاطفية من جانب الشعب واعدة للغاية. فقد كان بكاؤهم ونحيبهم يوحي بأن رسالة الله قد أثرت عليهم بشكل جدي، مما يشير إلى أنهم كانوا على الطريق نحو نهضة حقيقية في وسطهم.
• من المُحزن أن الأمر لم يكن كذلك. تكشف الإصحاحات اللاحقة من سفر القضاة أن هذا العرض الأولي للحزن والتوبة لم يتطور إلى توبة حقيقية ودائمة. فالتوبة الحقيقية تتجلى من خلال الأفعال، وليس بالدموع. فقد يشعر المرء بالندم على عواقب خطيته دون أن يشعر بالندم على الخطيئة نفسها.
• يمكن للإنسان أن يبكي ويُظهر توبة شكلية دون أن يختبر تغييرًا داخليًا حقيقيًا. ولهذا السبب تحدّى الرب إسرائيل في يوئيل ١٣:٢ عندما قال: “مَزِّقُوا قُلُوبَكُمْ لاَ ثِيَابَكُمْ. وَارْجِعُوا إِلَى الرَّبِّ إِلهِكُمْ لأَنَّهُ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ، بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الرَّأْفَةِ.”
• إنه لأمر جيد أن نرى الناس يندمون على خطاياهم ويبكون، وعلينا أن نُشجع ذلك. ومع ذلك، “الدمعة هي مجرد قطرة طبيعية من الرطوبة تتبخر بسرعة. والأفضل من ذلك هو سيل الحُزن الذي يتدفق داخل النفس، والذي يترك أثرًا لا يُمحى… ذرة إيمان واحدة أفضل بكثير مِن قِنطار دموع. وقطرة توبة صادقة أغلى بكثير من سَيل مِن البكاء.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. وَذَبَحُوا هُنَاكَ لِلرَّبّ: في هذا الصدد، تصرفوا بشكل صحيح. إن أي إدراك للخطية يجب أن يدفعنا نحو الذبيحة التي عيَّنها الله. وهذا يعني، في زمنهم، تقديم ذبائح من الثيران والكباش؛ أما بالنسبة للمؤمن المعاصر، فهذا يعني تذكّر ذبيحة الله على الصليب المتمثلة بيسوع المسيح.
• لقد فعلوا ذلك “كدليل على إيمانهم باستحقاقات المسيح (لأن حزنهم لم يكن بلا رجاء) وامتنانهم لأن الله أرسل لهم رسولًا (أي الملاك) وليس جلادًا، مع الأخذ في الاعتبار ما يستحقونه.” تراب (Trapp)
٣. وَصَرَفَ يَشُوعُ الشَّعْبَ: يشير هذا إلى أن سفر القضاة ٢ كان يستعرض أحداثًا سابقة، ترجع إلى الفترة التي سبقت موت يشوع (الموصوفة في سفر القضاة ١:١). بدأ هذا الرد المُشجِّع تجاه مَلاَك الرَّبّ بينما كان يشوع لا يزال حيًا.
ج) الآيات (٧-١٠): الجيل الجديد في إسرائيل.
٧وَعَبَدَ الشَّعْبُ الرَّبَّ كُلَّ أَيَّامِ يَشُوعَ، وَكُلَّ أَيَّامِ الشُّيُوخِ الَّذِينَ طَالَتْ أَيَّامُهُمْ بَعْدَ يَشُوعَ الَّذِينَ رَأَوْا كُلَّ عَمَلِ الرَّبِّ الْعَظِيمِ الَّذِي عَمِلَ لإِسْرَائِيلَ. ٨وَمَاتَ يَشُوعُ بْنُ نُونَ عَبْدُ الرَّبِّ ابْنَ مِئَةٍ وَعَشْرَ سِنِينَ. ٩فَدَفَنُوهُ فِي تُخْمِ مُلْكِهِ فِي تِمْنَةَ حَارَسَ فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ، شِمَالِيَّ جَبَلِ جَاعَشَ. ١٠وَكُلُّ ذلِكَ الْجِيلِ أَيْضًا انْضَمَّ إِلَى آبَائِهِ، وَقَامَ بَعْدَهُمْ جِيلٌ آخَرُ لَمْ يَعْرِفِ الرَّبَّ، وَلاَ الْعَمَلَ الَّذِي عَمِلَ لإِسْرَائِيلَ.
١. وَعَبَدَ الشَّعْبُ الرَّبَّ كُلَّ أَيَّامِ يَشُوع: لقد كان تأثير يشوع واضحًا في تقوى إسرائيل أثناء قيادته لهم. لقد كان حقًا واحدًا من أعظم رجال الله في التاريخ.
٢. عَبْدُ الرَّبّ: كان هذا لقبًا مُهمًا بالنسبة ليشوع. فهو مخصص لشخصيات بارزة مثل موسى (تثنية ٣٤: ٥)، وداود (مزمور ١٨: ١، عنوان المزمور)، والأنبياء الشجعان (ملوك الثاني ٩: ٧).
٣. وَكُلَّ أَيَّامِ الشُّيُوخِ الَّذِينَ طَالَتْ أَيَّامُهُمْ بَعْدَ يَشُوع: كان ذلك الجيل مُخلِصًا لله حتى بَعْد موت يَشُوع. ولكن، قَامَ بَعْدَهُمْ جِيلٌ آخَرُ لَمْ يَعْرِفِ الرَّبَّ، وَلاَ الْعَمَلَ الَّذِي عَمِلَ لإِسْرَائِيل.
٤. وَقَامَ بَعْدَهُمْ جِيلٌ آخَرُ لَمْ يَعْرِفِ الرَّبَّ، وَلاَ الْعَمَلَ الَّذِي عَمِلَ لإِسْرَائِيل: لم يكن للجيل الجديد أي علاقة شخصية مع الله، ولم يكن مُدركًا لقدرته. فبالنسبة لهم، كان الله شخصية عرفها جيل آبائهم وصنع عجائب معهم.
ثانيًا. مُلخّص لتاريخ إسرائيل في زمن القضاة
أ ) الآيات (١١-١٣): بنو إسرائيل يسقطون في عبادة الأوثان.
١١وَفَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ وَعَبَدُوا الْبَعْلِيمَ. ١٢وَتَرَكُوا الرَّبَّ إِلهَ آبَائِهِمِ الَّذِي أَخْرَجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، وَسَارُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى مِنْ آلِهَةِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ حَوْلَهُمْ، وَسَجَدُوا لَهَا وَأَغَاظُوا الرَّبَّ. ١٣تَرَكُوا الرَّبَّ وَعَبَدُوا الْبَعْلَ وَعَشْتَارُوثَ.
١. وَفَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبّ: حتى في زمن يشوع لم يمتلك الشعب كل ما كان بوسعهم أن يمتلكوه في أرض الموعد. ومع ذلك، ظلوا مُخلصين لله ولم يعبدوا آلهة الكنعانيين. ولكن بعد موت يشوع، وقعوا في عبادة هذه الأصنام الغريبة المُشوَّه.
• من الغريب أن يستبدل أي شخص إلهًا شخصيًا حقيقيًا حيًا بإله زائف من نِتاج خياله. ومع ذلك، غالبًا ما يكون هناك خوف داخل الإنسان من الإله الحقيقي الذي يحتاجه حقًا؛ ويفضل الكثيرون عبادة إله من صنعهم بدلًا من الإله الحقيقي الحي الذي لا يمكن إخضاعه لميولهم. إن الآلهة التي يخلقها الناس غالبًا ما تكون تلك التي تلبي رغباتهم الشريرة.
٢. وَعَبَدُوا الْبَعْلِيم: كان الإله الكنعاني بَعل منافسًا جذابًا ليَهْوَه لأنه كان إله الطقس والطبيعة، ويرتبط بشكل خاص بالنجاح الزراعي. كان الناس في هذا المجتمع الزراعي يعبدون البعل لضمان طقس جيد للمحاصيل الوفيرة والثروة الحيوانية. وقد يقول المرء بإن الهدف وراء عبادة بَعل كان النجاح المادي؛ كان يُنظَر إليه باعتباره إله الغِنى الشخصي.
• “كانت آلهة ’الْبَعْلِيم‘ أيضًا مرتبطة بأماكن معينة، مثل بَعْلِ فَغُور (سفر العدد ٢٥: ٣) أو بَعْلِ بَرِيث (قضاة ٩: ٤)؛ وقد يفسر صيغة الجمع هنا.” والف (Wolf)
• وفقًا لوالف (Wolf)، فإن كلمة ’بَعْل‘ تعني أيضًا ’زَوُج‘ أو ’مَالِك.‘ وبالتالي، عندما عَبَد الشعب إله الكنعانيين بَعْل، فقد وافقوا بذلك على وجود ’زَوُج‘ أو ’مَالِك‘ آخر لهم.
٣. تَرَكُوا الرَّبَّ وَعَبَدُوا الْبَعْلَ وَعَشْتَارُوث: كانت الإلَهَة الكنعانية عَشْتَارُوث منافسة جذابة ليَهْوَه لأنها كانت تعتبر إلَهَة الحب والجنس والخصوبة. وكانت عبادتها تنطوي على ممارسة الجنس الطقسي مع كاهِنَة – زانِيَة. وقد يقول المرء إن الهدف وراء عبادة عَشْتَارُوث كان الجنس والحب.
• “تميزت عبادة آلهة الخصوبة هذه بالعديد من الممارسات الفاحشة، خاصة في كنعان، حيث اتخذت شكلًا منحطًا شمل حتى التضحية بالأطفال.” كوندال (Cundall)
٤. تَرَكُوا الرَّبّ: لقد أوضح الله أن سعي إسرائيل وراء هذه الآلهة كان بمثابة التخلي عن إِلهَ آبَائِهِم. ومع ذلك، فمن المرجح أن شعب إسرائيل لم ينظروا إلى عبادة الآلهة على أنها تخلٍ عن الله؛ ربما اعتقدوا أنهم كانوا فقط يضيفون بعض الآلهة إلى جانب إِلهَ آبَائِهِم. ولكن إله إسرائيل هو إله غيور يطالب بالعبادة الحصرية له وحده.
• إن أحد الأمثلة الكتابية لعلاقتنا مع الله هو تشبيهها بعلاقة الزواج. إذ سيكون من الخطأ بالنسبة للزوجة (أو الزوج) أن تضيف عُشاق إلى زواجها، مدّعية أنها تستطيع ببساطة أن تحبهم جميعًا. يحق للزوج أو الزوجة أن يطالب بحب حصري من الشريك؛ وعلى نحو مماثل، يحق لله أن يطالب بعلاقة حب وعبادة حصرية معه.
٥. فِي عَيْنَيِ الرَّبّ: هذه الكلمات تعني أن الخطية كانت أكثر إهانة لله لأنها ارتُكبت أمام عينيه مباشرة. على سبيل المثال، في حين أن ارتكاب الزنا خطأ في حد ذاته، فإن ارتكاب الزنا في حضور الشريك سيكون أمرًا فظيعًا ومؤلمًا بشكل خاص.
٦. وَسَارُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى مِنْ آلِهَةِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ حَوْلَهُم: هذا يسلط الضوء على سبب أساسي آخر دفعهم للسير وراء آلهة أخرى. إن تأثير وجود الكنعانيين الذين سمحوا لهم بالبقاء قادهم إلى تلك العبادات. إن نتيجة فشلهم في طرد الكنعانيين بالكامل كان لها عواقب أسوأ بكثير مما توقعته إسرائيل.
• “نحن نسير وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى – آلِهَةِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ حَوْلَنا المتمثلة بمراكز التسوق، والمنازل، والأحزاب السياسية، وأماكن الترفيه.” ماير (Meyer)
ب) الآيات (١٤-١٥): غضب الله على خطيتهم وعبادتهم آلهة أخرى.
١٤فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ، فَدَفَعَهُمْ بِأَيْدِي نَاهِبِينَ نَهَبُوهُمْ، وَبَاعَهُمْ بِيَدِ أَعْدَائِهِمْ حَوْلَهُمْ، وَلَمْ يَقْدِرُوا بَعْدُ عَلَى الْوُقُوفِ أَمَامَ أَعْدَائِهِمْ. ١٥حَيْثُمَا خَرَجُوا كَانَتْ يَدُ الرَّبِّ عَلَيْهِمْ لِلشَّرِّ، كَمَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ وَكَمَا أَقْسَمَ الرَّبُّ لَهُمْ. فَضَاقَ بِهِمُ الأَمْرُ جِدًّا.
١. فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيل: لم يكن رد فعل الله على خيانة إسرائيل مفاجئًا. فقد وعد صراحةً بهذه النتيجة في العهد الذي قطعه مع إسرائيل، والذي تضمّن بركات الطاعة ولعنات العصيان (كما هو موضح في لاويين ٢٦ وتثنية ٢٨).
• إن المؤمنين اليوم يعيشون تحت عهد مختلف، عَهْد أَفْضَل (عبرانيين ٨: ٦). فعندما يتركون الله ويفشلون في الثبات في المسيح يسوع، سيواجهون صعوبات (وهذا غالبًا هو ما يحدث)، ولكن هذا ليس لأن الله صار ضد المؤمن كما فعل مع إسرائيل في ضوء العهد القديم. فعندما يفشل شعب الله في الثبات في المسيح وتسوء الأمور، فهذا ببساطة لأن الأفعال لها عواقب، وهم يحصدون ثمر عدم الثبات في محبة الله (يهوذا ٢١).
٢. فَدَفَعَهُمْ بِأَيْدِي نَاهِبِينَ نَهَبُوهُم: كان الغرض من شعورهم بهذا الضيق (فَضَاقَ بِهِمُ الأَمْرُ جِدًّا) هو الرجوع إلى الرَّبِّ بقلوبهم. لم يكن هدف الله عقابهم، بل توبتهم.
• لذلك، يجب أن يُنظر إلى هذا باعتباره مظهرًا من مظاهر محبة الله لإسرائيل وليس كراهيته لهم. إن أسوأ حكم يمكن أن ينزله الله على شخص ما هو تركه وشأنه، والتوقف عن محاولة دفعه إلى التوبة.
• نرى نفس المبدأ في علاقة الوالدين بالأبناء. ورغم أن الأبناء قد يتمنون لو يتركهم آباؤهم وشأنهم، فإن أعظم مخاوفهم في الواقع هي ألا يحبهم أحد بما يكفي لتقويمهم وتوجيههم.
ج) الآيات (١٦-١٩): دورة العبودية والخلاص المتكررة في عصر القضاة.
١٦وَأَقَامَ الرَّبُّ قُضَاةً فَخَلَّصُوهُمْ مِنْ يَدِ نَاهِبِيهِمْ. ١٧وَلِقُضَاتِهِمْ أَيْضًا لَمْ يَسْمَعُوا، بَلْ زَنَوْا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى وَسَجَدُوا لَهَا. حَادُوا سَرِيعًا عَنِ الطَّرِيقِ الَّتِي سَارَ بِهَا آبَاؤُهُمْ لِسَمْعِ وَصَايَا الرَّبِّ، لَمْ يَفْعَلُوا هكَذَا. ١٨وَحِينَمَا أَقَامَ الرَّبُّ لَهُمْ قُضَاةً، كَانَ الرَّبُّ مَعَ الْقَاضِي، وَخَلَّصَهُمْ مِنْ يَدِ أَعْدَائِهِمْ كُلَّ أَيَّامِ الْقَاضِي، لأَنَّ الرَّبَّ نَدِمَ مِنْ أَجْلِ أَنِينِهِمْ بِسَبَبِ مُضَايِقِيهِمْ وَزَاحِمِيهِمْ. ١٩وَعِنْدَ مَوْتِ الْقَاضِي كَانُوا يَرْجِعُونَ وَيَفْسُدُونَ أَكْثَرَ مِنْ آبَائِهِمْ، بِالذَّهَابِ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لِيَعْبُدُوهَا وَيَسْجُدُوا لَهَا. لَمْ يَكُفُّوا عَنْ أَفْعَالِهِمْ وَطَرِيقِهِمْ الْقَاسِيَةِ.
١. وَأَقَامَ الرَّبُّ قُضَاةً فَخَلَّصُوهُم: من محبته العظيمة لشعبه، أَقَامَ الرَّبُّ قُضَاةً ـ قادة أبطال ـ لإنقاذ إسرائيل من محنتهم. ولم يفعل ذلك لأنهم كانوا مستحقين مثل هذا الخلاص، ولكن رغم حقيقة أنهم لم يكونوا مستحقين.
• “لقد كانت هذه الطريقة ضرورية بسبب إخفاقات الشعب المتكررة. وينبغي أن تكون هذه النقطة مفهومة بوضوح.” مورجان (Morgan)
٢. وَلِقُضَاتِهِمْ أَيْضًا لَمْ يَسْمَعُوا، بَلْ زَنَوْا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى: مع أن الله أعطى إسرائيل هؤلاء القادة الأبطال، ولكن لِقُضَاتِهِمْ أَيْضًا لَمْ يَسْمَعُوا في الأمور الروحية. فقد أرادوا من هؤلاء القضاة أن يكونوا قادة سياسيين وعسكريين، وليس روحيين.
• يشرح تراب (Trapp) الفكرة وراء كلمة ’زَنَوْا‘ كالتالي: “مدفوعون بروح الزنا، مع رغبة شديدة قوية وحافز أَهوَج نحو الزنا، فيبدّدون كل شيء بلا مبالاة ويرفضون التصحيح – تمامًا مثل عابدي الأصنام.”
٣. كَانَ الرَّبُّ مَعَ الْقَاضِي: يكشف هذا عن مصدر القوة وراء القضاة الذين أقامهم الله. لقد جاءت قدرتهم على قيادة إسرائيل في أعمال خلاص رائعة من حضور الرب معهم (كَانَ الرَّبُّ مَعَ الْقَاضِي)، وليس لأن القضاة أنفسهم كانوا عظماء أو أقوياء بطبيعتهم.
٤. لأَنَّ الرَّبَّ نَدِمَ مِنْ أَجْلِ أَنِينِهِمْ: في زمن القضاة، لم يكن شعب إسرائيل يصرخ إلى الله ويعتمد عليه حقًا إلا في أوقات الأزمات. ومع ذلك، عندما يصرخون إليه بأَنِين، كان يستجيب لهم بعَطف وصَلاَح.
• “هذا الارتباط بين الخطية والعقاب والنجاة يُشكِّل الفكرة الرئيسية وراء الحركة التاريخية المُسجلة في كُل السفر.” مورجان (Morgan)
• يساعد هذا المبدأ في تفسير سبب شعور بعض الناس بأنهم في حالة دائمة من الصراع؛ فالله يعلم أنها الطريقة الوحيدة ليتمسكوا بثقتهم به. ومع ذلك، فإن رغبة الله الحقيقية هي أن نحافظ على علاقة ثابتة من الاتكال عليه. وهذا بالضبط ما عاشه يسوع، حينما قال في يوحنا ١٩:٥ “الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَقْدِرُ الابْنُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا إِلاَّ مَا يَنْظُرُ الآبَ يَعْمَلُ. لأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهذَا يَعْمَلُهُ الابْنُ كَذلِكَ.”
٥. وَعِنْدَ مَوْتِ الْقَاضِي كَانُوا يَرْجِعُونَ وَيَفْسُدُونَ أَكْثَرَ مِنْ آبَائِهِم: إن نمط العبودية، والنجاة، والبركة، متبوعًا بالخطية والعودة إلى العبودية ثانية، هو واقع محبط بالنسبة للعديد من المؤمنين اليوم.
• كانت هذه الدورة المُحبطة أكثر وضوحًا بالنسبة للشعب القديم مقارنة بحياة المؤمن المعاصر. فالمؤمن اليوم، كونه جزء من العهد الجديد، يعيش بحضور الروح القدس الساكن فيه وقد أصبح خليقة جديدة في المسيح. وهذه الامتيازات لم يختبرها شعب إسرائيل في زمن القضاة.
• “مر الشعب بكل هذه التقلّبات لأنه لم يكن هناك ملك على إسرائيل. وعلى نحو مماثل، فإن التقلّبات في مسيرتنا الروحية يعود في كثير من الأحيان إلى عدم اعترافنا بمُلك يسوع على حياتنا.” ماير (Meyer)
٦. لَمْ يَكُفُّوا عَنْ أَفْعَالِهِم: كانت خطيتهم نتيجة أَفْعَالِهِم؛ لم يكن بوسعهم أن يلقوا باللوم على أي شخص أو أي شيء آخر. وعلى نحو مماثل، كانت خطيتهم نابعة منهم – لم يتعلموها من الله، بل جاءت من طبيعتهم الفاسدة.
٧. وَطَرِيقِهِمْ الْقَاسِيَة: إن الكلمة العبرية القديمة التي تُرجمت ’قَاسِيَة‘ (وتُرجمت أيضًا ’صُلْبُ ٱلرَّقَبَة‘) استخدمت كثيرًا لوصف إسرائيل أثناء خروجهم من مصر (خروج ٣٢: ٩، ٣٣: ٣، ٣٣: ٥). وهذا يُظهِر أن تغيير المكان – حتى وإن كان دخول أرض الموعد – لم يعن بالضرورة تغييرًا في قلب أُمّة إسرائيل.
• “لا يجب أن نتوقع أن يتحقق التقديس بمجرد تغيير المكان؛ فأينما ذهبتَ، أنت تحمل ذاتك معك.” البيئة الجديدة لا تعني دائمًا موقفًا جديدًا.
• إن الكلمة العبرية القديمة “الْقَاسِيَة” (كوشيه kawsheh) تحمل فكرة العِناد والقسوة. فالقلب العنيد القاسي ضد الله ينتج عنه حياة صعبة.
ج) الآيات (٢٠-٢٣): أَسْلَمَهُم الله إلى مساومتهم الشريرة.
٢٠فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ وَقَالَ: «مِنْ أَجْلِ أَنَّ هذَا الشَّعْبَ قَدْ تَعَدَّوْا عَهْدِيَ الَّذِي أَوْصَيْتُ بِهِ آبَاءَهُمْ وَلَمْ يَسْمَعُوا لِصَوْتِي، ٢١فَأَنَا أَيْضًا لاَ أَعُودُ أَطْرُدُ إِنْسَانًا مِنْ أَمَامِهِمْ مِنَ الأُمَمِ الَّذِينَ تَرَكَهُمْ يَشُوعُ عِنْدَ مَوْتِهِ ٢٢لِكَيْ أَمْتَحِنَ بِهِمْ إِسْرَائِيلَ: أَيَحْفَظُونَ طَرِيقَ الرَّبِّ لِيَسْلُكُوا بِهَا كَمَا حَفِظَهَا آبَاؤُهُمْ، أَمْ لاَ». ٢٣فَتَرَكَ الرَّبُّ أُولئِكَ الأُمَمَ وَلَمْ يَطْرُدْهُمْ سَرِيعًا وَلَمْ يَدْفَعْهُمْ بِيَدِ يَشُوعَ.
١. فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبّ: “إنه ليس إله رحمة فقط كما قد يتصور البعض؛ بل إنه قادر على الغضب أيضًا. وكما يقول المزمور ١١:٩٠ “مَنْ يَعْرِفُ قُوَّةَ غَضِبَكَ.” إن غضبه يتجاوز قدرة الإنسان على تجنّبه أو تحمّله.” تراب (Trapp)
٢. مِنْ أَجْلِ أَنَّ هذَا الشَّعْبَ قَدْ تَعَدَّوْا عَهْدِي: عندما قال الله ’هذَا الشَّعْبَ‘ بدلًا من “شَّعْبي” أظهر أن إسرائيل لم تكن ثابتة في علاقتها مع الله.
٣. فَأَنَا أَيْضًا لاَ أَعُودُ أَطْرُدُ إِنْسَانًا مِنْ أَمَامِهِمْ مِنَ الأُمَمِ الَّذِينَ تَرَكَهُمْ يَشُوع: أرادت إسرائيل بقاء الكنعانيين حولهم، فأعطاهم الله أسوأ عقاب يمكن أن يفكروا فيه: سيسمح لهم بما أرادوه.
٤. فَتَرَكَ الرَّبُّ أُولئِكَ الأُمَم: بعد أن وضعوا قلوبهم على رغباتهم الشريرة، اكتشف شعب إسرائيل أن الله منحهم ما اشتهته قلوبهم الخاطئة. وهذا يسلّط الضوء على الخطر الجسيم المتمثل في ملاحقة الرغبات الشريرة؛ فقد نصل إلى النقطة التي قد يسمح لنا الله فيها بالحصول على تلك الأشياء – وبالتالي نجلب الخطية والعبودية والألم على حياتنا.