تفسير سفر اللاويين 17
قداسة الدم
أولًا. منع الذبيحة خارج أورشليم
أ ) الآيات (1-4): وجوب تقديم الذبيحة في خيمة الاجتماع ومن الكهنة المعيّنين.
1وَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: 2«كَلِّمْ هَارُونَ وَبَنِيهِ وَجَمِيعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: هَذَا هُوَ ٱلْأَمْرُ ٱلَّذِي يُوصِي بِهِ ٱلرَّبُّ قَائِلًا: 3كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ يَذْبَحُ بَقَرًا أَوْ غَنَمًا أَوْ مِعْزًى فِي ٱلْمَحَلَّةِ، أَوْ يَذْبَحُ خَارِجَ ٱلْمَحَلَّةِ، 4وَإِلَى بَابِ خَيْمَةِ ٱلِٱجْتِمَاعِ لَا يَأْتِي بِهِ لِيُقَرِّبَ قُرْبَانًا لِلرَّبِّ أَمَامَ مَسْكَنِ ٱلرَّبِّ، يُحْسَبُ عَلَى ذَلِكَ ٱلْإِنْسَانِ دَمٌ. قَدْ سَفَكَ دَمًا. فَيُقْطَعُ ذَلِكَ ٱلْإِنْسَانُ مِنْ شَعْبِهِ.
1. كُلُّ إِنْسَانٍ … يَذْبَحُ بَقَرًا أَوْ غَنَمًا أَوْ مِعْزًى فِي ٱلْمَحَلَّةِ: ليست هذه مجرد إشارة إلى ذبح حيوان من أجل لحمه، بل إشارة على نحو خاص من أجل تقديمه كذبيحة.
· “وبالفعل، فإن هذا اصطلاح فني لتقديم حيوان كذبيحة (sht) وهو مستخدم في الآية 3 (انظر 1: 5؛ 3: 2؛ 4: 4؛ 14: 13). ولا تشير هذه الكلمة أبدًا إلى قتل حيوان عندما ترد في سياق الذبائح.” روكر (Rooker)
2. وَإِلَى بَابِ خَيْمَةِ ٱلِٱجْتِمَاعِ لَا يَأْتِي بِهِ: كان معتادًا في العالم الوثني في ذلك الوقت أن يقدم المرء ذبائحه حيثما شاء. فكانت هنالك مذابح تُبنى على المرتفعات، أو في مناطق في الغابات، أو في أماكن خاصة.
3. يُحْسَبُ عَلَى ذَلِكَ ٱلْإِنْسَانِ دَمٌ (ذنب دم): مع بناء خيمة الاجتماع (خروج 40)، صار لدى إسرائيل مكان مركزي للعبادة. لذلك لم يُسمح لهم بتقديم ذبيحة في أي مكان أو بأية طريقة تحلو لهم. فكان عليهم أن يأتوا إلى خيمة الاجتماع، حيث تقدَّم الذبائح، ومن قِبل الكهنة. فإذا عصوا، يمكن أن يُقطَعوا من بين الشعب، أي أن يُنفوا من مجتمعهم.
· يأتي هذا الأمر مناقضًا تمامًا للطريقة التي يأتي بها معظم الناس في تقافتنا إلى الله. فالعالم الحديث يؤكد الطريقة الفردية للقدوم إلى الله، حيث يفعل كل شخص حسب ما يفضّله حول كيف ومتى وأين ومع من يلتقي الله.
· يتغلغل هذا التفكير بعمق، ونادرًا ما يتم التشكيك فيه. فكما هو مذكور في كتاب ’عادات القلب‘ (1985)، أجرى روبرت بيلاه وزملاؤه مقابلة مع ممرضة شابة اسمها شيلا لارسون وصفوها بأنها تمثّل خبرة معظم الأمريكيين ونظرتهم إلى الدين. قالت في حديثها عن إيمانها وكيفية تطبيقه على حياتها: “أنا أومن بالله. لكني لست متعصبة دينيًّا. ولا أتذكر آخر مرة ذهبتُ فيها إلى الكنيسة. لقد حملني إيماني أشواطًا طويلة. وأنا أسمّيها ’الشيلاوية‘ (على اسمها شيلا). إنه مجرد صوتي الخفيض.” يهيمن هذا الأسلوب في التفكير على الروحانية في العالم الغربي الحديث، لكنه ليس نمطًا كتابيًّا لطلب الله، أو إرضائه، أو السعي إلى علاقة سليمة به.
ب) الآيات (5-7): الطريقة السليمة لإحضار الذبائح إلى الخيمة من خلال الكهنة.
5لِكَيْ يَأْتِيَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِذَبَائِحِهِمِ ٱلَّتِي يَذْبَحُونَهَا عَلَى وَجْهِ ٱلصَّحْرَاءِ وَيُقَدِّمُوهَا لِلرَّبِّ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ ٱلِٱجْتِمَاعِ إِلَى ٱلْكَاهِنِ، وَيَذْبَحُوهَا ذَبَائِحَ سَلَامَةٍ لِلرَّبِّ. 6وَيَرُشُّ ٱلْكَاهِنُ ٱلدَّمَ عَلَى مَذْبَحِ ٱلرَّبِّ لَدَى بَابِ خَيْمَةِ ٱلِٱجْتِمَاعِ، وَيُوقِدُ ٱلشَّحْمَ لِرَائِحَةِ سَرُورٍ لِلرَّبِّ. 7وَلَا يَذْبَحُوا بَعْدُ ذَبَائِحَهُمْ لِلتُّيُوسِ ٱلَّتِي هُمْ يَزْنُونَ وَرَاءَهَا. فَرِيضَةً دَهْرِيَّةً تَكُونُ هَذِهِ لَهُمْ فِي أَجْيَالِهِمْ.
1. وَيُقَدِّمُوهَا لِلرَّبِّ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ ٱلِٱجْتِمَاعِ: عيّن الله مكانًا لإسرائيل لجلب ذبائحهم، وهو خيمة الاجتماع. ولكي يُكرم الإسرائيلي الله، لم يكن بوسعه أن يتبع قلبه أو مشاعره أو آراءه. إذ كان عليه أن يأتي حسب الطريقة التي رسمها الله.
· كانت هنالك أوقات، تحت قيادة كهنة الله المعينين منه، سمح فيها بتقديم ذبائح في أماكن غير خيمة الاجتماع (كما في 1 صموئيل 7: 9؛ 11: 15؛ 2 صموئيل 24: 18؛ 1 ملوك 18: 22). “لكن رغم أن البشر كانوا مقيّدين بهذه الشريعة، إلا أن الله نفسه كان حرًّا في الاستغناء عن شريعته الخاصة، كما فعل أحيانًا مع الأنبياء في 1 صموئيل 7: 9 و11: 15.” بوله (Poole)
2. وَلَا يَذْبَحُوا بَعْدُ ذَبَائِحَهُمْ لِلتُّيُوسِ (للأرواح الشريرة): عندما كان المرء يأتي إلى خيمة الاجتماع وإلى كهنة الله المعيّنين، كان هذا لتقديم ذبائح للرب يهوه، إله عهد إسرائيل، كان عليهم أن يتوقفوا عن تقديم ذبائح للأرواح الشريرة. وبدلًا من ذلك، كان عليهم أن يأتوا بذبائحهم إلى الرب في خيمة الاجتماع من خلال كاهن يهوه.
· “الكلمة المترجمة إلى ’تيوس‘ هنا تترجم في بعض الترجمات الإنجليزية إلى ’أرواح شريرة.‘ وهي تُترجم أيضًا إلى تيوس برية أيضًا في
إشعياء 13: 21 و
34: 14. ويمكن أن تُفهم على أنها ’ذات الشعر الكثيف،‘ في إشارة إلى ماعز ذكر (تيس). وهي مترجمة في بعض الترجمات الإنجليزية إلى ’أصنام التيوس.‘
· “تعني الكلمة العبرية حرفيًّا ’التيوس‘ وهي مترجمة كذلك في ما لايقل عن ثلاث ترجمات فرنسية. لكنها تشير إلى شيء أكثر من تيس عادي. إنه نوع من الحضور الشيطاني على شكل تيس.” بيتر كونتيس (Peter-Contesse)
· لاحظ هيرودتس (The Histories, 2.46) أن ثقافات قديمة كثيرة كانت تعبد التيوس أو آلهة التيوس بشكل عام. ويمكن أن تُفهم بحق على أنها ممثلة لكل الأصنام. وفي وقت لاحق، عندما أشار الرسول بولس إلى الذبائح المقدمة إلى الأصنام، أشار أيضًا إلى أنها بطريقة ما ذبائح لأرواح شريرة متوحدة مع تلك الآلهة وتمثل إلهامًا لها (1 كورنثوس 10: 20-21).
3. هُمْ يَزْنُونَ وَرَاءَهَا: الفكرة هي أن إسرائيل كانت بمنزلة ’زوجة‘ إله العهد. فعندما كانت تعبد الأوثان وتكرمها وتقدم لها ذبائح، كان هذا بمثابة ارتكاب الزنا أو حتى ممارسة الدعارة مع تلك الآلهة – والأرواح الشريرة الممثَّلة.
· هُمْ يَزْنُونَ وَرَاءَهَا: “الكلمة العبرية هي ’زَنا‘ Zana وهي تدل على الضلال والانحراف، وكثيرًا ما تُستخدم للإشارة إلى الزوجة الخائنة. ويُستخدم التعبير هذا لوصف إساءات مثل الارتداد المتمثل في عبادة مولك واستشارة الأرواح من خلال وسيط (لاويين 20: 5-6). وينطبق هذا مجازيًّا على عدم أمانة إسرائيل للرب.” روكر (Rooker)
ج) الآيات (8-9): تكرار الأمر بإحضار الذبائح إلى خيمة الاجتماع.
8وَتَقُولُ لَهُمْ: كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمِنَ ٱلْغُرَبَاءِ ٱلَّذِينَ يَنْزِلُونَ فِي وَسَطِكُمْ يُصْعِدُ مُحْرَقَةً أَوْ ذَبِيحَةً، 9وَلَا يَأْتِي بِهَا إِلَى بَابِ خَيْمَةِ ٱلِٱجْتِمَاعِ لِيَصْنَعَهَا لِلرَّبِّ، يُقْطَعُ ذَلِكَ ٱلْإِنْسَانُ مِنْ شَعْبِهِ.
1. كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمِنَ ٱلْغُرَبَاءِ ٱلَّذِينَ يَنْزِلُونَ فِي وَسَطِكُمْ: لم يكن الأمر بإحضار كل الذبائح إلى خيمة الاجتماع موجّهًا إلى نسل العهد، نسل إبراهيم وإسحاق ويعقوب فقط (بَيْتِ إِسْرَائِيلَ). فقد كان موجّهًا أيضًا إلى المتهودين سواء أكانوا اهتدوا جزئيًّا أو كليًّا إلى عبادة إله إسرائيل.
· بسبب استخدام نفس هذا التعبير في الآيتين 13 و15 من هذا الإصحاح، فإن هنالك سببًا للاعتقاد أن كلمة الغرباء هنا تشير إلى أجانب متهودين اهتدوا جزئيًّا أو كليًّا إلى عبادة إله إسرائيل.
· “في واقع الأمر، كان يمكن للغريب الذي عاش في أرض إسرائيل بعد الغزو أن يُدعى متهوّدًا. وبهذه الصفة، كان هؤلاء الغرباء خاضعين لكثير من شرائع العهد القديم وأنظمته، شأنهم في ذلك شأن الإسرائيليين.” روكر (Rooker)
2. يُقْطَعُ ذَلِكَ ٱلْإِنْسَانُ مِنْ شَعْبِهِ: كما هو مذكور في الآية 4، فإن الذين يرفضون أن يذبحوا للرب وحده، في خيمة الاجتماع وحدها سيُقطعون، أي أنهم سيُطردون من مجتمع إسرائيل.
· ربما سيحدث هذا بقوة القانون، أو بمجرد رفض الشعب لهم. هنالك ترجمة تقول: ’يُحرَم ذَلِكَ ٱلْإِنْسَانُ مِنْ شَعْبِهِ.‘ ويمكن أن تترجم العبارة إلى ’يُعزَل ذَلِكَ ٱلْإِنْسَانُ مِنْ شَعْبِهِ‘ أو ’لن يكون لشعبه علاقة به على الإطلاق.‘” بيتر كونتيس (Peter-Contesse)
ثانيًا. تحريم أكل الدم
أ ) الآيات (10-12): النهي عن أكل الدم مع إعطاء السبب.
10وَكُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمِنَ ٱلْغُرَبَاءِ ٱلنَّازِلِينَ فِي وَسَطِكُمْ يَأْكُلُ دَمًا، أَجْعَلُ وَجْهِي ضِدَّ ٱلنَّفْسِ ٱلْآكِلَةِ ٱلدَّمِ وَأَقْطَعُهَا مِنْ شَعْبِهَا، 11لِأَنَّ نَفْسَ ٱلْجَسَدِ هِيَ فِي ٱلدَّمِ، فَأَنَا أَعْطَيْتُكُمْ إِيَّاهُ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ لِلتَّكْفِيرِ عَنْ نُفُوسِكُمْ، لِأَنَّ ٱلدَّمَ يُكَفِّرُ عَنِ ٱلنَّفْسِ. 12لِذَلِكَ قُلْتُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: لَا تَأْكُلْ نَفْسٌ مِنْكُمْ دَمًا، وَلَا يَأْكُلِ ٱلْغَرِيبُ ٱلنَّازِلُ فِي وَسَطِكُمْ دَمًا.
1. وَكُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمِنَ ٱلْغُرَبَاءِ ٱلنَّازِلِينَ فِي وَسَطِكُمْ: ومرة أخرى، فإن الأمر موجه إلى الذين عاشوا في إسرائيل القديمة في ظل المملكة الفريدة التي كان يُعترف فيها بالرب ملكًا وبكلمته قانونًا للأرض.
· أَجْعَلُ وَجْهِي ضِدَّ: “المعنى الأساسي هو ’أرفض‘ أو ’تبرّأ من‘ موحيًا بعمل عدائي.” بيتر كونتيس (Peter-Contesse)
2. ٱلنَّفْسِ ٱلْآكِلَةِ ٱلدَّم: منذ العصور القديمة، كان الناس يأكلون أو يشربون الدم، إما كطعام أو في الغالب كجزء من ممارسة طقسية أو روحانية شيطانية. وفي أحيان كثيرة، كان يُعتقد أن من يتناول دم يتلقّى قوة حياة من الكائن الذي مدّه بالدم. نهى الله بشدة عن الامتناع عن هذه الممارسة، وقال إنه سيجعل وجهه ضد ٱلنَّفْسِ ٱلْآكِلَةِ ٱلدَّم.
· وهكذا، كمسألة ممارسة، كان يتم تجفيف كل الحيوانات التي تُذبح في إسرائيل لأي غرض من الدم قدر الإمكان. ولم تفعل هذا كل الشعوب. “يبدو من التاريخ أن تلك الأمم التي عاشت على الدم كانت شرسة جدًّا ومتوحشة وبربرية مثل السكيثيين، والتتار، وعرب الصحراء، والإسكندنافيين وغيرهم. فقد شرب بعضهم دم أعدائهم في أكواب جماجمهم!” كلارك (Clarke)
· “صار تحريم أكل الدم جزءًا من الطعام الحلال (Kosher) فلكي يكون الطعام حلالًا، كان ينبغي قطع الشريان السُّباتي وترْك الحيوان ينزف فترة معينة من الوقت.” روكر (Rooker)
· في أعمال الرسل 15، طلب مجمع أورشليم من المؤمنين الأمميين في أنطاكية وسورية وكيليكية أن يمتنعوا عن أكل الدم أو اللحم الذي لم يُذبح بتجفيف دمه. ولم يكن هذا أمرًا شموليًّا لكل المؤمنين في كل مكان وزمان. إذ كان موجهًا لهؤلاء المؤمنين المحدَّدين لئلا يعثروا جيرانهم اليهود بلا داعٍ، من أجل الكرازة (أعمال 15: 18-21).
- لِأَنَّ نَفْسَ ٱلْجَسَدِ هِيَ فِي ٱلدَّمِ: أكد الله أن هنالك دلالة روحية في دم حيوان أو إنسان. وكان الاختلاف معبَّرًا عنه في قول الوثنيين: “الحياة (النفس) هي في الدم. وينبغي لي أن آكل أو أشرب تلك الحياة لنفسي.” وكان الإسرائيلي التقي يقول: “الحياة (النفس) هي في الدم. ولهذا، فإنها تخصّ الله، ولا تخصّني.”
· أكد هذا فكرة قوية، وهي أن الحياة تخص الله. ويجعل الله وجهه ضد الشخص الذي يتولى السلطة على الحياة لنفسه. وتعتمد الحياة على الدم، وتُغَذّى بالدم، وتُحفَظ بالدم. وعندما يخرج دم كافٍ من الجسد، فإن الحياة تخرج من الجسد.
· “لأن حياة أي مخلوق هي الدم، فإن الدم يشكل كفارة لحياة المرء، حيث تُذبج وتضحَّى حياة من أجل شخص آخر. ويكفّر دم بديلي على المذبح، حيث يعطى دم الضحية البريئة من أجل ذاك الذي أخطأ.” روكر (Rooker)
· توجَّه فكرة وجود الحياة في الدم إلى الذبيحة. “تشير معظم المرات التي وردت فيها كلمة ’دم‘ في العهد القديم إلى الموت بعنف. وبالتالي، فإن النقطة المحورية وراء ذكر الدم لا يتعلق بالدم الذي يجري عبر الأوردة، بل بالدم المسفوك الذي يشير إلى أن الحياة قد انتهت.” روكر (Rooker)
4. فَأَنَا أَعْطَيْتُكُمْ إِيَّاهُ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ لِلتَّكْفِيرِ عَنْ نُفُوسِكُمْ: وفضلًا عن ذلك، كان الدم هو الوسيلة التي يتم بها الكفّارة. ولهذا، فإن أكل الدم يدنّسه ويجعله شيئًا عاديًّا مبتذلًا.
ب) الآيات (13-14): احترام دم الحيوانات المصطادة.
13كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمِنَ ٱلْغُرَبَاءِ ٱلنَّازِلِينَ فِي وَسَطِكُمْ يَصْطَادُ صَيْدًا، وَحْشًا أَوْ طَائِرًا يُؤْكَلُ، يَسْفِكُ دَمَهُ وَيُغَطِّيهِ بِٱلتُّرَابِ. 14لِأَنَّ نَفْسَ كُلِّ جَسَدٍ دَمُهُ هُوَ بِنَفْسِهِ، فَقُلْتُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: لَا تَأْكُلُوا دَمَ جَسَدٍ مَّا، لِأَنَّ نَفْسَ كُلِّ جَسَدٍ هِيَ دَمُهُ. كُلُّ مَنْ أَكَلَهُ يُقْطَعُ.
1. كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمِنَ ٱلْغُرَبَاءِ ٱلنَّازِلِينَ فِي وَسَطِكُمْ: ومرة أخرى، فإن الأمر موجه للذين عاشوا في إسرائيل القديمة في ظل المملكة الفريدة التي كان يُعترف فيها بالرب ملكًا وبكلمته قانونًا للأرض.
· يبدو أن الأمرين في الآيات 13-14 و15-16 لا ينطبقان إلا على الأجانب المتهودين أو المهتدين إلى عبادة إله إسرائيل، وليس على كل الأجانب في إسرائيل (مثل المسافرين عبر الأرض). ويرتكز أحد الأسباب وراء هذا الاعتقاد على تثنية 14: 21 التي تقول إنه في بعض الحالات يُسمح للأجنبي بأن يأكل حيوانًا مات ميتة طبيعية. ولهذا يرجّح أن الأمر الموجه في الآيتين 15-16 لا ينطبق على كل أجنبي، بل على المتهودين أو المهتدين إلى عبادة إله إسرائيل.
2. يَسْفِكُ دَمَهُ وَيُغَطِّيهِ بِٱلتُّرَابِ: إذا أُمسك بحيوان في عملية صيد ولم يكن ممكنًا أن ينزف بطريقة سليمة كما في ذبح عادي، كان لا بد أن يُسكب دمه على الأرض ويغطَّى بالتراب.
· يَصْطَادُ صَيْدًا: “كان الصيد يتم بوسائل مختلفة في العهد القديم، بما في ذلك استخدام السهام والرماح والسيوف والهراوات والحُفَر والشباك (إشعياء 24: 17-18؛ 51: 20؛ حزقيال 19: 4، 8؛ مزمور 7: 15؛ 140: 5). وإضافة إلى ذلك، استُخدمت وسائل متنوعة لصيد الطيور (أيوب 18: 8-10).” روكر (Rooker)
· من السهل الاعتقاد أن ترك الدم يتساقط على الأرض وتغطيته بالتراب عدم احترام وتدنيس له. وعندما نفكر هكذا، فإننا نرتكب نفس خطية عُزّة في 2 صموئيل 6: 6، حيث اعتقد بطريقة ما أن الأرض أقل دناسة من لمسته.
· وبدلًا من ذلك، فإن سكب الدم على الأرض بهذه الطريقة إكرام لهذا الحيوان، إذ “دُفِن” الدم ولا يمكن تدنيسه بعد ذلك. “وهكذا عادت الحياة إلى الأرض التي جاءت منها. وصار الصيّادون وآخرون صدف أن يكونوا بالجوار محميين من احتمال الإصابة بأمراض معدية.” هاريسون (Harrison)
· يُفترض أن يدفعنا هذا الاحترام لدم الحيوانات إلى التأمل في كيفية وجوب النظر إلى دم يسوع. فإن كان ينبغي احترام دم الحيوانات بموجب العهد القديم، فماذا عن دم يسوع الثمين الذي صنع عهدًا جديدًا؟ “فَكَمْ عِقَابًا أَشَرَّ تَظُنُّونَ أَنَّهُ يُحْسَبُ مُسْتَحِقًّا مَنْ دَاسَ ٱبْنَ ٱللهِ، وَحَسِبَ دَمَ ٱلْعَهْدِ ٱلَّذِي قُدِّسَ بِهِ دَنِسًا، وَٱزْدَرَى بِرُوحِ ٱلنِّعْمَةِ؟” (10: 29)
ج) الآيات (15-16): احترام دم الحيوان الذي يموت في الطبيعة.
15وَكُلُّ إِنْسَانٍ يَأْكُلُ مَيْتَةً أَوْ فَرِيسَةً، وَطَنِيًّا كَانَ أَوْ غَرِيبًا، يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَبْقَى نَجِسًا إِلَى ٱلْمَسَاءِ ثُمَّ يَكُونُ طَاهِرًا. 16وَإِنْ لَمْ يَغْسِلْ وَلَمْ يَرْحَضْ جَسَدَهُ يَحْمِلْ ذَنْبَهُ.
1. وَكُلُّ إِنْسَانٍ يَأْكُلُ مَيْتَةً أَوْ فَرِيسَةً: إذا صدف المرء حيوانًا قد مات ميتة طبيعية أو عرضًا، يمكن للمرء أن يأكله.
· أَوْ غَرِيبًا: يُفهم هذا كإشارة إما إلى متهوّدي الباب الذين كانوا مضطرين إلى مراعاة تعاليم نوح، حيث كان هذا واحدًا منها، أو متهودي البر، أو المهتدين إلى الديانة اليهودية، لأن غرباء آخرين كان يُسمح لهم بأكل مثل هذه الأشياء حسب تثنية 14: 21.” بوله (Poole)